لماذا يخيف التحالف الرباعي الصين؟
تحالف يهدد نجاحه طموحات بكين بقوة
تحالف يهدد نجاحه طموحات بكين بقوة
ممثلو اليابان وأستراليا والهند والولايات المتحدة أثناء اجتماع للتحالف الرباعي في طوكيو، أكتوبر 2020 (رويترز)
حينما دعا رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي مسؤولين من أستراليا والهند والولايات المتحدة إلى اجتماع في مانيلا [الفيليبين] في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، لم يرَ القادة الصينيون سبباً يدعو إلى القلق من تلك الخطوة. وآنذاك، سخر وزير الخارجية الصيني وانغ يي من "التحالف الرباعي" (كواد Quad)، وهو الاسم الذي يُعرف به ذلك التجمّع، إذ اعتبره مجرد "فكرة تصدّرت العناوين الرئيسة". ووفق كلماته، "إنهم كزبد البحر في المحيط الهادي أو المحيط الهندي: يحظون ببعض الاهتمام لكنهم سيتبددون قريباً". في الواقع، امتلكت بكين سبباً يبرر ذلك الرفض، إذ بدت مصالح أعضاء التحالف الرباعي، بحسب تقييم الاستراتيجيين الصينيين، متباينة جداً لدرجة لا تسمح بتماسك حقيقي. على أي حال، سارت تجربة "كواد" طيلة ما يزيد على عقد من الزمن، مع قليل من النتائج الحقيقية.
ومع ذلك، في غضون بضعة أعوام من اجتماع نوفمبر 2017، بدأت بكين بإعادة التفكير في انصرافها الأولي عنها. ومع حلول مارس (آذار) 2021، حين عقد التحالف الرباعي قمته الأولى على مستوى القادة وأصدر بياناً أولاً له، بدأ المسؤولون الصينيون ينظرون إليه بقلق متزايد. منذ ذلك الحين، خلصت بكين إلى أن تحالف "كواد" يمثّل أحد أهم التحديات التي تواجه طموحاتها في الأعوام المقبلة.
نظراً إلى أن "المنافسة الاستراتيجية" مع الصين أصبحت من النقاط النادرة التي يجمع عليها الحزبان في واشنطن، بدأ الرئيس الصيني شي جينبينغ يحذّر بشكل متكرر من أن بلاده تواجه "صراعاً على مستقبل النظام الدولي" مع الولايات المتحدة المصممة على إحباط نهوضها. ويعتقد شي أن لدى بكين فرصة من الآن إلى 2035 كي تجعل الصين أكبر قوة اقتصادية وتكنولوجية، وربما عسكرية، في العالم. في المقابل، يتمثّل جزء أساسي من التقدّم صوب ذلك الاتجاه في إقناع بلدان آسيا والعالم بأن الهيمنة الصينية أمر لا مفر منه، بالتالي، ليس لديهم خيار سوى البدء بالإذعان إلى مطالب بكين، ما سيمكّنها من إعادة كتابة قواعد النظام الدولي، وترسيخ موقعها الريادي العالمي، من دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة.
ويشكّل تحالف "كواد" معضلة فريدة بالنسبة إلى استراتيجية الصين لأن هدفه المتمثل في توحيد ائتلاف متعدد الأطراف بهدف المقاومة، يقدر على شدّ عزيمة الناس عبر المحيطين الهندي والهادي وربما أبعد من ذلك. في ما يخص شي، يتجسد السؤال الحاسم في مدى تطوّر التحالف الرباعي كي يصبح كبيراً ومتماسكاً وشاملاً بما يكفي لتحقيق التوازن الفاعل ضد الصين، بالتالي تقويض أي شعور بأن هيمنتها، في آسيا أو العالم، أمر لا مفر منه. حتى الآن، كافحت بكين للردّ بشكل فاعل على تحدي التحالف الرباعي. وسيكون أحد العوامل الرئيسة في تحديد مسار المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، بالتالي مصير طموحات هذه الأخيرة العالمية عموماً ضمن ما أصبح بالفعل "عقداً من زمن العيش بشكل خطير"، متمثلاً في مدى قدرة المسؤولين الصينيين على رسم استراتيجية تنجح في تقويض تقدم "التحالف الرباعي".
الاتحاد والتضافر
جاءت محاولة آبي الأولى في إطلاق التحالف الرباعي عقب كارثة تسونامي عام 2004، حينما عملت أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة معاً على الاستجابة لتلك الكارثة. وكذلك رأى آبي ذلك التحالف وسيلة في بناء قدرة الدول الأربع على العمل معاً في مواجهة التحديات الأمنية الإقليمية المشتركة. في المقابل، أتت استجابة العواصم الأخرى مؤقتة، في أحسن الأحوال.
في واشنطن، قلق الرئيس جورج دبليو بوش من أن يؤدي ذلك التعاون إلى عزل الصين بشكل غير مفيد، إذ إنه احتاج إلى بكين في "الحرب ضد الإرهاب". وفي غضون بضعة أعوام، بحسب البرقيات التي نشرها موقع "ويكيليكس" لاحقاً، عملت الإدارة الأميركية على طمأنة الحكومات الإقليمية سراً إلى أن "التحالف الرباعي" لن يجتمع مطلقاً. وفي نيودلهي، استبعد رئيس الوزراء مانموهان سينغ مراراً أي تعاون أمني حقيقي مع "التحالف الرباعي" وصنَّف العلاقات مع بكين على أنها "ضرورة ملحّة له". وفي كانبيرا [أستراليا]، أعربت حكومة جون هوارد المحافظة عن قلقها من تقويض العلاقات المفيدة اقتصادياً مع الصين، وعارضت أيضاً توسيع التعاون الثلاثي الموجود آنذاك مع الولايات المتحدة واليابان، عبر إضافة الهند. وفي يوليو (تموز) 2007، انسحبت أستراليا رسمياً، وأعلنت القرار في بكين بعد فترة وجيزة. في سبتمبر 2007، حينما استقال آبي بشكل غير متوقع، مع ملاحظة كونه القوة الدافعة التي تقف وراء "التحالف الرباعي" (قبل أن يصبح رئيساً للوزراء مرة أخرى في 2012)، رمى خليفته، ياسو فوكودا، تحالف "كواد" رسمياً في مزبلة التاريخ.
بعد بعض الوقت، حينما لمَّ آبي شمل الفرقة بعد عقد من الزمن، تغيّرت الظروف الاستراتيجية بشكل كبير. وبعد أعوام من التوترات المتزايدة بين واشنطن وبكين، والسلوك الصيني الحازم في بحر الصين الجنوبي والشرقي، والاشتباكات المتكررة بين القوات الصينية والهندية على طول حدودهما البرية المتنازع عليها، تطوّرت الحسابات الاستراتيجية بشأن الصين في جميع عواصم "التحالف الرباعي". ومع ذلك، اعتقدت بكين أن لا سبب يدعو إلى القلق بعد إعادة تجميع "سكواد" في نوفمبر 2017، عبر اجتماع عمل أقامه الدبلوماسيون على هامش قمة شرق آسيا في مانيلا، إذ فشلوا في إصدار بيان مشترك يحدد هدفاً استراتيجياً موحداً. وبدلاً من ذلك، أطلقوا تصريحات فردية غير منسقة سلّطت في الغالب الضوء على الاختلافات حول الاهتمامات الرئيسة. ظلت بكين غير مبالية إلى حد كبير حتى بعد الاجتماع الأول لوزراء خارجية "التحالف الرباعي" في سبتمبر (أيلول) 2019 بنيويورك، حتى حينما اتفق الوزراء أخيراً على العمل معاً ضمن شعار التحالف "تعزيز الحرية والانفتاح في منطقة المحيطين الهندي والهادي".
بعد ذلك، في يونيو (حزيران) 2020، اشتبكت القوات الصينية والهندية على طول حدودهما المشتركة، ما أسفر عن مقتل 20 جندياً هندياً، ودفع نيودلهي، العضو الأكثر تردداً في "التحالف الرباعي"، إلى إعادة تقييم أولوياتها الاستراتيجية وإظهار حرص جديد على موازنة القوة الصينية. عندما اجتمع وزراء خارجية التحالف مرة أخرى في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 في طوكيو، بدأت بكين تولي الموضوع اهتماماً. صرّح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بوضوح أن هدف واشنطن هو "إضفاء الطابع المؤسساتي" على "كواد"، و"بناء إطار أمني حقيقي"، وحتى توسيع التجمع في "الوقت المناسب" من أجل "مواجهة التحدي الذي يشكّله الحزب الشيوعي الصيني بالنسبة إلينا جميعاً". (في وقت سابق على ذلك، جمع بومبيو نيوزيلندا وكوريا الجنوبية وفيتنام في ما أصبح يُعرف باسم محادثات "كواد بلس" Quad Plusأو محادثات "التحالف الرباعي الموسع"، حول التجارة والتكنولوجيا وأمن سلاسل التوريد).
وعقب الاجتماع، وجّهت الهند دعوة إلى أستراليا كي تنضم إلى تدريبات "مالابار" السنوية للقوات البحرية التي تجريها مع الولايات المتحدة واليابان. جاء ذلك جديراً بالملاحظة لأن الهند رفضت سابقاً السماح لأستراليا بالمشاركة في التدريبات خوفاً من إثارة عداوة مع بكين. الآن، تبدّد كل التردد المتبقي لدى دلهي، ويعود الفضل بذلك في جزء كبير منه إلى الاشتباك الحدودي في يونيو 2020. من وجهة نظر بكين، بدت لعبة "وي تشي" اللوحية الجيوسياسية فجأة أقل فائدة. [لعبة "وي تشي" رياضة ذهنية تُقسّم فيها لوحة إلى مجموعة مربعات وخانات، وتشبه مزيجاً من الدومينو ولعبة النرد. وتملك اللعبة شعبية واسعة في الصين].
من التقسيم إلى الهجوم
في البداية ، بدا أن الاستراتيجيين الصينيين يعتقدون بوجود حل مباشر نسبياً للتحدي الجديد الذي يفرضه "التحالف الرباعي"، [يتمثّل في] استخدام مزيج من الترغيب والترهيب بهدف إنشاء مصالح اقتصادية وأمنية متضاربة بين أعضاء التحالف. ومن خلال التأكيد على الاعتماد الكبير لكل دولة على السوق الصينية، عقدت بكين الأمل على تفكيك "كواد".
في أعقاب الاجتماع الوزاري لـ"التحالف الرباعي" في أكتوبر 2020 والتدريبات البحرية اللاحقة في مالابار، غيّر وزير الخارجية الصيني يي لهجته بشكل كبير، منتقداً الجهود المبذولة لبناء "ناتو في المحيطين الهندي والهادي"، واصفاً استراتيجية تحالف "كواد" في المحيطين بأنها "خطر أمني أساسي كبير" على المنطقة. كذلك اختارت بكين هدفاً تستطيع استخدام العصا في ترهيبه، إذ تنصح التقاليد الاستراتيجية الصينية بـ"قتل واحد لتحذير مئة". في تلك الحالة، تمثّلت الفكرة في قتل واحد (أستراليا) لتحذير اثنين (الهند واليابان).
في وقت سابق، بدت بكين عازمة على تحسين العلاقات مع كانبيرا. لكن من دون تفسير محدد، فرضت فجأة قيوداً على واردات الفحم الأسترالي ثم اللحوم والقطن والصوف والشعير والقمح والأخشاب والنحاس والسكر والكركند والنبيذ. وباعتبار أستراليا أصغر الاقتصادات في "التحالف الرباعي"، تكون وفق رأي بكين، الأكثر عرضة للضغط الاقتصادي (وبحكم الحجم والجغرافيا، تكون أقل تهديداً للمصالح الأمنية الصينية). في الوقت ذاته، عملت الصين على إصلاح العلاقات مع الهند واليابان. بعد أعوام من الجهود المبذولة في تحسين الروابط مع طوكيو، حاولت بكين ترتيب زيارة للرئيس شي لكي يلتقي خليفة آبي، يوشيهيدي سوغا. ثم سعت إلى تهدئة التوترات مع الهند من خلال التفاوض على اتفاق عن سحب القوات من المنطقة التي وقعت فيها الاشتباكات، والعمل بهدوء على تأمين إطلاق سراح جندي صيني أسير بهدف تجنّب إثارة عاصفة قومية.
في المقابل، قلّلت بكين من شأن تأثير أفعالها في تضامن "كواد"، ولم تحظَ أي من وسائل الترغيب بالتأثير المقصود. في طوكيو، أخذ تفاقم الأمور في ما يخص السلوك الصيني الحازم في بحر الصين الشرقي، مع المخاوف بشأن حقوق الإنسان وهونغ كونغ، يبدّل العلاقات [الصينية في تلك المنطقة] إلى علاقات باردة. وفي دلهي، ترسّخ الحذر من الصين بعمق، بغض النظر عن حل مشكلة المواجهة الفورية. وبحسب توضيح وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار، أدّت الاشتباكات الحدودية إلى "مستويات راحة" أكبر في دلهي مع الحاجة إلى "الانخراط بشكل مكثف في مسائل الأمن القومي" مع واشنطن وشركاء آخرين. ثم وصلت إدارة جديدة إلى واشنطن من شأنها أن تركّز مجدداً على الالتزام مع الحلفاء إقليمياً وعبر أطراف متعددة [على المستوى الدولي]، وتتحرك بسرعة في حل نزاعات متبقية من عهد ترمب بشأن التجارة والقواعد العسكرية مع الحلفاء الآسيويين، ما أسهم في إضافة عقبة أخرى أمام خطة بكين.
مع حلول أوائل ذلك العام، أدرك المسؤولون الصينيون أن تجاهل "التحالف الرباعي" أو تقسيمه لن يحققا النتائج المرجوة. لذا، انتقلت بكين إلى خيار ثالث قوامه شنّ هجوم سياسي واسع النطاق.
وفي مارس الماضي، أكد لقاء قادة "كواد" المخاوف الصينية المتزايدة بشأن أهمية التحالف. من خلال اجتماع الرئيس الأميركي جو بايدن مع كبار قادة "التحالف الرباعي" للمرة الأولى (مع أنه كان افتراضياً) في وقت مبكر جداً من إدارته، أشار إلى أن المجموعة ستكون جوهرية بالنسبة إلى استراتيجيته في منطقة المحيطين الهندي والهادي. وللمرة الأولى، أنتج الاجتماع بياناً موحداً يلتزم تعزيز "نظام حر ومفتوح ومستند إلى القواعد وراسخ في القانون الدولي" والدفاع عن "القيم الديمقراطية وسلامة الأراضي". كذلك تعهّد تحالف "كواد" بتصنيع مليار جرعة من لقاح كورونا بشكل مشترك وتوزيعها في جميع أنحاء المنطقة. وتناول رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أسوأ مخاوف بكين حينما أعلن أن "اجتماع القمة اليوم يظهر أن التحالف الرباعي نضج. وسيظل الآن ركيزة مهمة من ركائز الاستقرار في المنطقة".
منذ ذلك الحين، حدث انفجار في الإدانات الصينية ضد "التحالف الرباعي" باعتباره "زمرة صغيرة" من البلدان التي تحاول "بدء حرب باردة جديدة". في مايو (أيار) الماضي، ندّد شي بالجهود المبذولة في استخدام "التعددية ذريعة لتشكيل زُمَر صغيرة أو إثارة المواجهة الأيديولوجية". بدأت الصين تصوّر نفسها على أنها نصيرة "التعددية الحقيقية" والمدافعة الرئيسة عن منظمة الأمم المتحدة. ثم تحدّث شي ومسؤولون صينيون آخرون بشكل متكرر عن "مسؤولية القوى العظمى" ومكانة الصين باعتبارها "القوة العظمى المسؤولة". وفي نفس مشابه، ضاعفت بكين جهودها بهدف تطوير أُطر تجارية بديلة من خلال تعزيز عضويتها في "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" (RCEP)، محاولةً وضع الصيغة النهائية لاتفاق عن الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين، ومغازلةً فكرة الانضمام إلى "الاتفاق التقدمي الشامل للشراكة عبر المحيط الهادي" CPTPP (التي انبثقت من مفاوضات قادتها الولايات المتحدة أصلاً بصدد "الشراكة عبر المحيط الهادي"). وتأمل بكين في أن تتمكن من عزل "كواد" وتهميشه من خلال تطويقه دبلوماسياً وتجارياً على المسرح العالمي.
ومع ذلك، لم تؤدِ تلك الإدانات إلى شيء يُذكر حتى الآن بالنسبة إلى تعطيل تقدم التحالف. في يونيو المنصرم، سافر بايدن في رحلة إلى أوروبا شهدت انضمام أستراليا والهند إلى اجتماع "مجموعة السبع"، وكذلك تضمنت مناقشات الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي مكوّناً صينياً ثقيلاً [بمعنى أن الصين حضرت بكثافة في تلك النقاشات]. وعززت تلك الرحلة المخاوف من أن "التحالف الرباعي" يمكن أن يدمج نفسه في تحالف أوسع مناهض للصين. كذلك جاءت التفاعلات بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، بما في ذلك زيارة الرئيس مون جاي إن في مايو إلى واشنطن، كي تؤجج المخاوف من إمكانية أن يضم "كواد" كوريا الجنوبية فيصبح تحالفاً خماسياً (كوينت Quint) على الرغم من أن سيول اعتادت أن تبدي تردداً في الوقوف صراحة مع الولايات المتحدة ضد الصين، إذ أعلن البيان المشترك للدولتين [أميركا وكوريا الجنوبية] عن أنهما "تعترفان بأهمية التعددية الإقليمية المفتوحة والشفافة والشاملة بما في ذلك التحالف الرباعي".
سبب للقلق
حينما دعا رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي مسؤولين من أستراليا والهند والولايات المتحدة إلى اجتماع في مانيلا [الفيليبين] في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، لم يرَ القادة الصينيون سبباً يدعو إلى القلق من تلك الخطوة. وآنذاك، سخر وزير الخارجية الصيني وانغ يي من "التحالف الرباعي" (كواد Quad)، وهو الاسم الذي يُعرف به ذلك التجمّع، إذ اعتبره مجرد "فكرة تصدّرت العناوين الرئيسة". ووفق كلماته، "إنهم كزبد البحر في المحيط الهادي أو المحيط الهندي: يحظون ببعض الاهتمام لكنهم سيتبددون قريباً". في الواقع، امتلكت بكين سبباً يبرر ذلك الرفض، إذ بدت مصالح أعضاء التحالف الرباعي، بحسب تقييم الاستراتيجيين الصينيين، متباينة جداً لدرجة لا تسمح بتماسك حقيقي. على أي حال، سارت تجربة "كواد" طيلة ما يزيد على عقد من الزمن، مع قليل من النتائج الحقيقية.
ومع ذلك، في غضون بضعة أعوام من اجتماع نوفمبر 2017، بدأت بكين بإعادة التفكير في انصرافها الأولي عنها. ومع حلول مارس (آذار) 2021، حين عقد التحالف الرباعي قمته الأولى على مستوى القادة وأصدر بياناً أولاً له، بدأ المسؤولون الصينيون ينظرون إليه بقلق متزايد. منذ ذلك الحين، خلصت بكين إلى أن تحالف "كواد" يمثّل أحد أهم التحديات التي تواجه طموحاتها في الأعوام المقبلة.
نظراً إلى أن "المنافسة الاستراتيجية" مع الصين أصبحت من النقاط النادرة التي يجمع عليها الحزبان في واشنطن، بدأ الرئيس الصيني شي جينبينغ يحذّر بشكل متكرر من أن بلاده تواجه "صراعاً على مستقبل النظام الدولي" مع الولايات المتحدة المصممة على إحباط نهوضها. ويعتقد شي أن لدى بكين فرصة من الآن إلى 2035 كي تجعل الصين أكبر قوة اقتصادية وتكنولوجية، وربما عسكرية، في العالم. في المقابل، يتمثّل جزء أساسي من التقدّم صوب ذلك الاتجاه في إقناع بلدان آسيا والعالم بأن الهيمنة الصينية أمر لا مفر منه، بالتالي، ليس لديهم خيار سوى البدء بالإذعان إلى مطالب بكين، ما سيمكّنها من إعادة كتابة قواعد النظام الدولي، وترسيخ موقعها الريادي العالمي، من دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة.
ويشكّل تحالف "كواد" معضلة فريدة بالنسبة إلى استراتيجية الصين لأن هدفه المتمثل في توحيد ائتلاف متعدد الأطراف بهدف المقاومة، يقدر على شدّ عزيمة الناس عبر المحيطين الهندي والهادي وربما أبعد من ذلك. في ما يخص شي، يتجسد السؤال الحاسم في مدى تطوّر التحالف الرباعي كي يصبح كبيراً ومتماسكاً وشاملاً بما يكفي لتحقيق التوازن الفاعل ضد الصين، بالتالي تقويض أي شعور بأن هيمنتها، في آسيا أو العالم، أمر لا مفر منه. حتى الآن، كافحت بكين للردّ بشكل فاعل على تحدي التحالف الرباعي. وسيكون أحد العوامل الرئيسة في تحديد مسار المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، بالتالي مصير طموحات هذه الأخيرة العالمية عموماً ضمن ما أصبح بالفعل "عقداً من زمن العيش بشكل خطير"، متمثلاً في مدى قدرة المسؤولين الصينيين على رسم استراتيجية تنجح في تقويض تقدم "التحالف الرباعي".
الاتحاد والتضافر
جاءت محاولة آبي الأولى في إطلاق التحالف الرباعي عقب كارثة تسونامي عام 2004، حينما عملت أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة معاً على الاستجابة لتلك الكارثة. وكذلك رأى آبي ذلك التحالف وسيلة في بناء قدرة الدول الأربع على العمل معاً في مواجهة التحديات الأمنية الإقليمية المشتركة. في المقابل، أتت استجابة العواصم الأخرى مؤقتة، في أحسن الأحوال.
في واشنطن، قلق الرئيس جورج دبليو بوش من أن يؤدي ذلك التعاون إلى عزل الصين بشكل غير مفيد، إذ إنه احتاج إلى بكين في "الحرب ضد الإرهاب". وفي غضون بضعة أعوام، بحسب البرقيات التي نشرها موقع "ويكيليكس" لاحقاً، عملت الإدارة الأميركية على طمأنة الحكومات الإقليمية سراً إلى أن "التحالف الرباعي" لن يجتمع مطلقاً. وفي نيودلهي، استبعد رئيس الوزراء مانموهان سينغ مراراً أي تعاون أمني حقيقي مع "التحالف الرباعي" وصنَّف العلاقات مع بكين على أنها "ضرورة ملحّة له". وفي كانبيرا [أستراليا]، أعربت حكومة جون هوارد المحافظة عن قلقها من تقويض العلاقات المفيدة اقتصادياً مع الصين، وعارضت أيضاً توسيع التعاون الثلاثي الموجود آنذاك مع الولايات المتحدة واليابان، عبر إضافة الهند. وفي يوليو (تموز) 2007، انسحبت أستراليا رسمياً، وأعلنت القرار في بكين بعد فترة وجيزة. في سبتمبر 2007، حينما استقال آبي بشكل غير متوقع، مع ملاحظة كونه القوة الدافعة التي تقف وراء "التحالف الرباعي" (قبل أن يصبح رئيساً للوزراء مرة أخرى في 2012)، رمى خليفته، ياسو فوكودا، تحالف "كواد" رسمياً في مزبلة التاريخ.
بعد بعض الوقت، حينما لمَّ آبي شمل الفرقة بعد عقد من الزمن، تغيّرت الظروف الاستراتيجية بشكل كبير. وبعد أعوام من التوترات المتزايدة بين واشنطن وبكين، والسلوك الصيني الحازم في بحر الصين الجنوبي والشرقي، والاشتباكات المتكررة بين القوات الصينية والهندية على طول حدودهما البرية المتنازع عليها، تطوّرت الحسابات الاستراتيجية بشأن الصين في جميع عواصم "التحالف الرباعي". ومع ذلك، اعتقدت بكين أن لا سبب يدعو إلى القلق بعد إعادة تجميع "سكواد" في نوفمبر 2017، عبر اجتماع عمل أقامه الدبلوماسيون على هامش قمة شرق آسيا في مانيلا، إذ فشلوا في إصدار بيان مشترك يحدد هدفاً استراتيجياً موحداً. وبدلاً من ذلك، أطلقوا تصريحات فردية غير منسقة سلّطت في الغالب الضوء على الاختلافات حول الاهتمامات الرئيسة. ظلت بكين غير مبالية إلى حد كبير حتى بعد الاجتماع الأول لوزراء خارجية "التحالف الرباعي" في سبتمبر (أيلول) 2019 بنيويورك، حتى حينما اتفق الوزراء أخيراً على العمل معاً ضمن شعار التحالف "تعزيز الحرية والانفتاح في منطقة المحيطين الهندي والهادي".
بعد ذلك، في يونيو (حزيران) 2020، اشتبكت القوات الصينية والهندية على طول حدودهما المشتركة، ما أسفر عن مقتل 20 جندياً هندياً، ودفع نيودلهي، العضو الأكثر تردداً في "التحالف الرباعي"، إلى إعادة تقييم أولوياتها الاستراتيجية وإظهار حرص جديد على موازنة القوة الصينية. عندما اجتمع وزراء خارجية التحالف مرة أخرى في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 في طوكيو، بدأت بكين تولي الموضوع اهتماماً. صرّح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بوضوح أن هدف واشنطن هو "إضفاء الطابع المؤسساتي" على "كواد"، و"بناء إطار أمني حقيقي"، وحتى توسيع التجمع في "الوقت المناسب" من أجل "مواجهة التحدي الذي يشكّله الحزب الشيوعي الصيني بالنسبة إلينا جميعاً". (في وقت سابق على ذلك، جمع بومبيو نيوزيلندا وكوريا الجنوبية وفيتنام في ما أصبح يُعرف باسم محادثات "كواد بلس" Quad Plusأو محادثات "التحالف الرباعي الموسع"، حول التجارة والتكنولوجيا وأمن سلاسل التوريد).
وعقب الاجتماع، وجّهت الهند دعوة إلى أستراليا كي تنضم إلى تدريبات "مالابار" السنوية للقوات البحرية التي تجريها مع الولايات المتحدة واليابان. جاء ذلك جديراً بالملاحظة لأن الهند رفضت سابقاً السماح لأستراليا بالمشاركة في التدريبات خوفاً من إثارة عداوة مع بكين. الآن، تبدّد كل التردد المتبقي لدى دلهي، ويعود الفضل بذلك في جزء كبير منه إلى الاشتباك الحدودي في يونيو 2020. من وجهة نظر بكين، بدت لعبة "وي تشي" اللوحية الجيوسياسية فجأة أقل فائدة. [لعبة "وي تشي" رياضة ذهنية تُقسّم فيها لوحة إلى مجموعة مربعات وخانات، وتشبه مزيجاً من الدومينو ولعبة النرد. وتملك اللعبة شعبية واسعة في الصين].
من التقسيم إلى الهجوم
في البداية ، بدا أن الاستراتيجيين الصينيين يعتقدون بوجود حل مباشر نسبياً للتحدي الجديد الذي يفرضه "التحالف الرباعي"، [يتمثّل في] استخدام مزيج من الترغيب والترهيب بهدف إنشاء مصالح اقتصادية وأمنية متضاربة بين أعضاء التحالف. ومن خلال التأكيد على الاعتماد الكبير لكل دولة على السوق الصينية، عقدت بكين الأمل على تفكيك "كواد".
في أعقاب الاجتماع الوزاري لـ"التحالف الرباعي" في أكتوبر 2020 والتدريبات البحرية اللاحقة في مالابار، غيّر وزير الخارجية الصيني يي لهجته بشكل كبير، منتقداً الجهود المبذولة لبناء "ناتو في المحيطين الهندي والهادي"، واصفاً استراتيجية تحالف "كواد" في المحيطين بأنها "خطر أمني أساسي كبير" على المنطقة. كذلك اختارت بكين هدفاً تستطيع استخدام العصا في ترهيبه، إذ تنصح التقاليد الاستراتيجية الصينية بـ"قتل واحد لتحذير مئة". في تلك الحالة، تمثّلت الفكرة في قتل واحد (أستراليا) لتحذير اثنين (الهند واليابان).
في وقت سابق، بدت بكين عازمة على تحسين العلاقات مع كانبيرا. لكن من دون تفسير محدد، فرضت فجأة قيوداً على واردات الفحم الأسترالي ثم اللحوم والقطن والصوف والشعير والقمح والأخشاب والنحاس والسكر والكركند والنبيذ. وباعتبار أستراليا أصغر الاقتصادات في "التحالف الرباعي"، تكون وفق رأي بكين، الأكثر عرضة للضغط الاقتصادي (وبحكم الحجم والجغرافيا، تكون أقل تهديداً للمصالح الأمنية الصينية). في الوقت ذاته، عملت الصين على إصلاح العلاقات مع الهند واليابان. بعد أعوام من الجهود المبذولة في تحسين الروابط مع طوكيو، حاولت بكين ترتيب زيارة للرئيس شي لكي يلتقي خليفة آبي، يوشيهيدي سوغا. ثم سعت إلى تهدئة التوترات مع الهند من خلال التفاوض على اتفاق عن سحب القوات من المنطقة التي وقعت فيها الاشتباكات، والعمل بهدوء على تأمين إطلاق سراح جندي صيني أسير بهدف تجنّب إثارة عاصفة قومية.
في المقابل، قلّلت بكين من شأن تأثير أفعالها في تضامن "كواد"، ولم تحظَ أي من وسائل الترغيب بالتأثير المقصود. في طوكيو، أخذ تفاقم الأمور في ما يخص السلوك الصيني الحازم في بحر الصين الشرقي، مع المخاوف بشأن حقوق الإنسان وهونغ كونغ، يبدّل العلاقات [الصينية في تلك المنطقة] إلى علاقات باردة. وفي دلهي، ترسّخ الحذر من الصين بعمق، بغض النظر عن حل مشكلة المواجهة الفورية. وبحسب توضيح وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار، أدّت الاشتباكات الحدودية إلى "مستويات راحة" أكبر في دلهي مع الحاجة إلى "الانخراط بشكل مكثف في مسائل الأمن القومي" مع واشنطن وشركاء آخرين. ثم وصلت إدارة جديدة إلى واشنطن من شأنها أن تركّز مجدداً على الالتزام مع الحلفاء إقليمياً وعبر أطراف متعددة [على المستوى الدولي]، وتتحرك بسرعة في حل نزاعات متبقية من عهد ترمب بشأن التجارة والقواعد العسكرية مع الحلفاء الآسيويين، ما أسهم في إضافة عقبة أخرى أمام خطة بكين.
مع حلول أوائل ذلك العام، أدرك المسؤولون الصينيون أن تجاهل "التحالف الرباعي" أو تقسيمه لن يحققا النتائج المرجوة. لذا، انتقلت بكين إلى خيار ثالث قوامه شنّ هجوم سياسي واسع النطاق.
وفي مارس الماضي، أكد لقاء قادة "كواد" المخاوف الصينية المتزايدة بشأن أهمية التحالف. من خلال اجتماع الرئيس الأميركي جو بايدن مع كبار قادة "التحالف الرباعي" للمرة الأولى (مع أنه كان افتراضياً) في وقت مبكر جداً من إدارته، أشار إلى أن المجموعة ستكون جوهرية بالنسبة إلى استراتيجيته في منطقة المحيطين الهندي والهادي. وللمرة الأولى، أنتج الاجتماع بياناً موحداً يلتزم تعزيز "نظام حر ومفتوح ومستند إلى القواعد وراسخ في القانون الدولي" والدفاع عن "القيم الديمقراطية وسلامة الأراضي". كذلك تعهّد تحالف "كواد" بتصنيع مليار جرعة من لقاح كورونا بشكل مشترك وتوزيعها في جميع أنحاء المنطقة. وتناول رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أسوأ مخاوف بكين حينما أعلن أن "اجتماع القمة اليوم يظهر أن التحالف الرباعي نضج. وسيظل الآن ركيزة مهمة من ركائز الاستقرار في المنطقة".
منذ ذلك الحين، حدث انفجار في الإدانات الصينية ضد "التحالف الرباعي" باعتباره "زمرة صغيرة" من البلدان التي تحاول "بدء حرب باردة جديدة". في مايو (أيار) الماضي، ندّد شي بالجهود المبذولة في استخدام "التعددية ذريعة لتشكيل زُمَر صغيرة أو إثارة المواجهة الأيديولوجية". بدأت الصين تصوّر نفسها على أنها نصيرة "التعددية الحقيقية" والمدافعة الرئيسة عن منظمة الأمم المتحدة. ثم تحدّث شي ومسؤولون صينيون آخرون بشكل متكرر عن "مسؤولية القوى العظمى" ومكانة الصين باعتبارها "القوة العظمى المسؤولة". وفي نفس مشابه، ضاعفت بكين جهودها بهدف تطوير أُطر تجارية بديلة من خلال تعزيز عضويتها في "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" (RCEP)، محاولةً وضع الصيغة النهائية لاتفاق عن الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين، ومغازلةً فكرة الانضمام إلى "الاتفاق التقدمي الشامل للشراكة عبر المحيط الهادي" CPTPP (التي انبثقت من مفاوضات قادتها الولايات المتحدة أصلاً بصدد "الشراكة عبر المحيط الهادي"). وتأمل بكين في أن تتمكن من عزل "كواد" وتهميشه من خلال تطويقه دبلوماسياً وتجارياً على المسرح العالمي.
ومع ذلك، لم تؤدِ تلك الإدانات إلى شيء يُذكر حتى الآن بالنسبة إلى تعطيل تقدم التحالف. في يونيو المنصرم، سافر بايدن في رحلة إلى أوروبا شهدت انضمام أستراليا والهند إلى اجتماع "مجموعة السبع"، وكذلك تضمنت مناقشات الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي مكوّناً صينياً ثقيلاً [بمعنى أن الصين حضرت بكثافة في تلك النقاشات]. وعززت تلك الرحلة المخاوف من أن "التحالف الرباعي" يمكن أن يدمج نفسه في تحالف أوسع مناهض للصين. كذلك جاءت التفاعلات بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، بما في ذلك زيارة الرئيس مون جاي إن في مايو إلى واشنطن، كي تؤجج المخاوف من إمكانية أن يضم "كواد" كوريا الجنوبية فيصبح تحالفاً خماسياً (كوينت Quint) على الرغم من أن سيول اعتادت أن تبدي تردداً في الوقوف صراحة مع الولايات المتحدة ضد الصين، إذ أعلن البيان المشترك للدولتين [أميركا وكوريا الجنوبية] عن أنهما "تعترفان بأهمية التعددية الإقليمية المفتوحة والشفافة والشاملة بما في ذلك التحالف الرباعي".
سبب للقلق
تملك الصين أسباباً وجيهة للقلق بشأن تلك التطورات وأمثالها، مع ما يمكن أن تعنيه بالنسبة إلى آفاق بكين الإقليمية والعالمية. ومثلاً، على الصعيد الأمني، يغيّر "كواد" تفكير بكين حول سيناريوهات مختلفة في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، وبدرجة أقل، في بحر الصين الشرقي، في وقت يتنامى إحساسها بشأن إمكانية حدوث تورّط عسكري أسترالي أو هندي أو ياباني في أي صراع تشارك فيه الولايات المتحدة. وسيكون تنسيق "التحالف الرباعي" مع مبادرة الولايات المتحدة لردع الصين في المحيط الهادي، أمراً مهماً بشكل خاص. في الواقع، تستطيع شبكة موزعة من الصواريخ الأرضية المضادة للسفن وإمكانات الضربات الدقيقة الأخرى المتمركزة في الدول الحليفة في تلك المنطقة، أن تعيق قدرة بكين على تهديد تايوان بغزو برمائي أو حصار أو صواريخ أرضية، على الرغم من أن الاتفاق السياسي على مثل ذلك الانتشار العسكري في دول "كواد" ليس مضموناً. هناك قلق صيني آخر يتمثل في أن "التحالف الرباعي" سيتحرك نحو ترتيب في تبادل المعلومات الاستخباراتية مع تحالف "العيون الخمسة"، وذلك من شأنه أن يتيح نشر معلومات حساسة حول الاستراتيجية والسلوك الصينيين على نطاق أوسع.
في المقابل، يتجسّد السيناريو الأسوأ من منظور بكين في أن "التحالف الرباعي" ربما يغدو أساساً في تحالف عالمي أوسع مناهض للصين. فإذا اجتذب "كواد" دولاً آسيوية أخرى والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي من أجل بذل جهود في مواجهة طموحات الصين الدولية أو تقويضها، يمكنه مع مرور الوقت أن يقلب ميزان القوى الجماعي بشكل نهائي ضدها. وكذلك يستطيع ذلك التحالف أيضاً أن يضع حجر الأساس في اتحاد اقتصادي وجمركي ومعياري أوسع بين الحلفاء، وذلك ربما يعيد تشكيل كل شيء بدءاً بتمويل البنية التحتية العالمية مروراً بسلاسل التوريد ووصولاً إلى معايير التكنولوجيا. تحدّث كورت كامبل، أبرز مسؤولي البيت الأبيض لشؤون آسيا في عهد بايدن، عن الحاجة إلى توفير "رؤية اقتصادية إيجابية" بصدد منطقة المحيطين الهندي والهادي. لذلك، تخشى بكين من احتمال أن يصبح "كواد" نقطة ارتكاز في مثل ذلك الجهد.
في سياق متصل، يتمثّل أحد الجوانب المشرقة من منظور بكين في "رابطة دول جنوب شرق آسيا" (آسيان) التي من المرجح أن تحافظ على المسافة التي تفصلها عن "كواد" كجزء من حيادها العام تجاه التوترات الأميركية الصينية. كذلك يشعر المسؤولون الصينيون بالارتياح من استمرار المشاعر الحمائية في كل من واشنطن ودلهي، ما يعني أنه من غير المحتمل أن ينضم أي منهما إلى "الاتفاق التقدمي الشامل للشراكة عبر المحيط الهادي" (أو حتى "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة") في أي وقت قريب. في الحقيقة، ستبقى جاذبية الاقتصاد الصيني أكبر أداة في إضعاف "التحالف الرباعي" وتقويض الجهود المناهضة للصين على نطاق أوسع. واستطراداً،
بالنسبة إلى بكين، يظل النمو الاقتصادي الصيني المستمر ونصيب بكين المتزايد من الاقتصاد العالمي، أهم مزايا البلاد الاستراتيجية، على غرار ما كانته في الماضي.
وفي سياق موازٍ، ستضاعف الصين التعاون الاستراتيجي والعسكري مع روسيا. فالتزمت موسكو وبكين بالفعل توسيع التعاون الثنائي في مجال الطاقة النووية. وفي مكالمة هاتفية مع شي في شهر مايو، وصف الرئيس فلاديمير بوتين العلاقات الصينية الروسية بأنها "الأفضل في التاريخ". من وجهة نظر بكين، تجسّد موسكو شريكاً عسكرياً مفيداً، وفي ما يتعلق بـ"التحالف الرباعي"، تقدّم أيضاً طريقة في توسيع مجال الخيارات الاستراتيجية للصين جغرافياً. ومثلاً، ربما يؤدي قرب روسيا من اليابان واستمرار احتلالها للأراضي الشمالية فيها، إلى جعل طوكيو تفكر مرتين قبل الانضمام إلى الولايات المتحدة في أي سيناريوهات عسكرية مستقبلية تشمل الصين.
واستطراداً، سيؤدي استمرار تعزيز "التحالف الرباعي" أيضاً إلى زيادة الإنفاق الصيني على الصعيد العسكري. حتى إذا شكّك بعض المحللين الصينيين في التأثير الفعلي لـ"كواد" في العمل الشاق الذي يتطلبه خوض الحروب، فلسوف يجادل المسؤولون العسكريون بشأن ضرورة الاستعداد لأسوأ السيناريوهات المتعلّقة بـ"كواد"، إذ يخشى المسؤولون الصينيون تكرار خطأ الاتحاد السوفياتي المتمثل في التوسع العسكري المفرط على حساب الاقتصاد المدني. في المقابل، إذا رأوا [الصينيون] أن ميزان القوى مع الولايات المتحدة وحلفائها ينقلب ضد الصين، فإن الإنفاق العسكري لبكين سيزداد وفقاً لذلك، ما سيسرّع سباق التسلح الإقليمي في آسيا.
في النهاية، ربما يتمحور السؤال الأكبر حول ما تعنيه تلك المعطيات كلها بالنسبة إلى الرئيس الصيني شي، بخاصة في الفترة التي تسبق المؤتمر العشرين للحزب، في خريف عام 2022، إذ يأمل شي في تأمين هيمنته السياسية على المدى الطويل [عبر ذلك المؤتمر]. ثمة احتمالات بأن تقدّم "كواد" سيمنح منتقدي شي دليلاً إضافياً على ميله إلى التوسع الاستراتيجي. ومع ذلك، من المرجح أن يتمكّن شي في نهاية المطاف من تقوية موقفه عبر الإشارة إلى "التحالف الرباعي" كدليل على أن أعداء الصين يحومون حول الوطن الأم، بالتالي تعزيز قبضته على السلطة.
* كيفن رود هو رئيس "جمعية آسيا" في نيويورك، وشغل سابقاً منصب رئيس وزراء أستراليا
مترجم عن فورين آفيرز، أغسطس (آب) 2021في المقابل، يتجسّد السيناريو الأسوأ من منظور بكين في أن "التحالف الرباعي" ربما يغدو أساساً في تحالف عالمي أوسع مناهض للصين. فإذا اجتذب "كواد" دولاً آسيوية أخرى والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي من أجل بذل جهود في مواجهة طموحات الصين الدولية أو تقويضها، يمكنه مع مرور الوقت أن يقلب ميزان القوى الجماعي بشكل نهائي ضدها. وكذلك يستطيع ذلك التحالف أيضاً أن يضع حجر الأساس في اتحاد اقتصادي وجمركي ومعياري أوسع بين الحلفاء، وذلك ربما يعيد تشكيل كل شيء بدءاً بتمويل البنية التحتية العالمية مروراً بسلاسل التوريد ووصولاً إلى معايير التكنولوجيا. تحدّث كورت كامبل، أبرز مسؤولي البيت الأبيض لشؤون آسيا في عهد بايدن، عن الحاجة إلى توفير "رؤية اقتصادية إيجابية" بصدد منطقة المحيطين الهندي والهادي. لذلك، تخشى بكين من احتمال أن يصبح "كواد" نقطة ارتكاز في مثل ذلك الجهد.
في سياق متصل، يتمثّل أحد الجوانب المشرقة من منظور بكين في "رابطة دول جنوب شرق آسيا" (آسيان) التي من المرجح أن تحافظ على المسافة التي تفصلها عن "كواد" كجزء من حيادها العام تجاه التوترات الأميركية الصينية. كذلك يشعر المسؤولون الصينيون بالارتياح من استمرار المشاعر الحمائية في كل من واشنطن ودلهي، ما يعني أنه من غير المحتمل أن ينضم أي منهما إلى "الاتفاق التقدمي الشامل للشراكة عبر المحيط الهادي" (أو حتى "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة") في أي وقت قريب. في الحقيقة، ستبقى جاذبية الاقتصاد الصيني أكبر أداة في إضعاف "التحالف الرباعي" وتقويض الجهود المناهضة للصين على نطاق أوسع. واستطراداً،
وفي سياق موازٍ، ستضاعف الصين التعاون الاستراتيجي والعسكري مع روسيا. فالتزمت موسكو وبكين بالفعل توسيع التعاون الثنائي في مجال الطاقة النووية. وفي مكالمة هاتفية مع شي في شهر مايو، وصف الرئيس فلاديمير بوتين العلاقات الصينية الروسية بأنها "الأفضل في التاريخ". من وجهة نظر بكين، تجسّد موسكو شريكاً عسكرياً مفيداً، وفي ما يتعلق بـ"التحالف الرباعي"، تقدّم أيضاً طريقة في توسيع مجال الخيارات الاستراتيجية للصين جغرافياً. ومثلاً، ربما يؤدي قرب روسيا من اليابان واستمرار احتلالها للأراضي الشمالية فيها، إلى جعل طوكيو تفكر مرتين قبل الانضمام إلى الولايات المتحدة في أي سيناريوهات عسكرية مستقبلية تشمل الصين.
واستطراداً، سيؤدي استمرار تعزيز "التحالف الرباعي" أيضاً إلى زيادة الإنفاق الصيني على الصعيد العسكري. حتى إذا شكّك بعض المحللين الصينيين في التأثير الفعلي لـ"كواد" في العمل الشاق الذي يتطلبه خوض الحروب، فلسوف يجادل المسؤولون العسكريون بشأن ضرورة الاستعداد لأسوأ السيناريوهات المتعلّقة بـ"كواد"، إذ يخشى المسؤولون الصينيون تكرار خطأ الاتحاد السوفياتي المتمثل في التوسع العسكري المفرط على حساب الاقتصاد المدني. في المقابل، إذا رأوا [الصينيون] أن ميزان القوى مع الولايات المتحدة وحلفائها ينقلب ضد الصين، فإن الإنفاق العسكري لبكين سيزداد وفقاً لذلك، ما سيسرّع سباق التسلح الإقليمي في آسيا.
في النهاية، ربما يتمحور السؤال الأكبر حول ما تعنيه تلك المعطيات كلها بالنسبة إلى الرئيس الصيني شي، بخاصة في الفترة التي تسبق المؤتمر العشرين للحزب، في خريف عام 2022، إذ يأمل شي في تأمين هيمنته السياسية على المدى الطويل [عبر ذلك المؤتمر]. ثمة احتمالات بأن تقدّم "كواد" سيمنح منتقدي شي دليلاً إضافياً على ميله إلى التوسع الاستراتيجي. ومع ذلك، من المرجح أن يتمكّن شي في نهاية المطاف من تقوية موقفه عبر الإشارة إلى "التحالف الرباعي" كدليل على أن أعداء الصين يحومون حول الوطن الأم، بالتالي تعزيز قبضته على السلطة.
* كيفن رود هو رئيس "جمعية آسيا" في نيويورك، وشغل سابقاً منصب رئيس وزراء أستراليا