ماذا يعني توطين أول زورق اعتراضي؟
----------------
في السابع من سبتمبر الماضي،
كتبتُ مقالاً بعنوان: "الاستقلالية الإستراتيجية والجاهزية العسكرية"، أشرت فيه بأن "أحد أهم الحقائق المُسلَّم بها في منظومة الأمن القومي العالمي، هي توطين الصناعات العسكرية والدفاعية والأمنية، التي يتجاوز تأثيرها تلبية احتياجات الدول الدفاعية، ودعم استقلالية قراراتها السياسية الوطنية، إلى لعب أدوار تنموية اقتصادية محورية، شريطة اعتمادها على أسس مدروسة تسهم في تطوير هيكل الاقتصاد القومي وتعزيزه".
يتقاطع المقال الاستباقي السابق، مع الإعلان الإستراتيجي المُعلن من وزارة الدفاع والهيئة العامة للصناعات العسكرية عن تدشين وتوطين أول زورق اعتراضي سريع من نوع (HSI32) مُصنع محلياً، وذلك ضمن خطة توطين الصناعات العسكرية السعودية، وفق أحدث المواصفات والمعايير العالمية، بالتعاون بين شركتي CMN الفرنسية والزامل للخدمات البحرية.
القراءة الدلالية لهذا الإعلان، قائمة على السؤال المحوري: ماذا تعني صناعة وتوطين منظومة الزوارق
الاعتراضية السريعة من نوع (HSI32)؟
الإجابة عن هذا التساؤل من المفترض أن تحمل تداعيات جيوإستراتيجية غاية بالأهمية، خاصة مع ارتفاع منسوب ما يعرف بـ"العسكرة البحرية" في المياه الإقليمية المحاذية لحدودنا البحرية، ناهيك عن ارتفاع التوترات الساخنة، وعمليات التخريب والإرهاب البحري.
في تصوري تأتي صناعة وتوطين منظومة الزوارق الاعتراضية السريعة، في ظل التحديات البحرية المتصاعدة التي تشهدها بلادي، نتيجة لموقعها الإستراتيجي، وامتلاكها ثلاث واجهات بحرية، فطول سواحلها يبلغ 3,400 كلم، أحدها على البحر الأحمر، والآخران على الخليج العربي، وتطل المملكة من الغرب على خليج العقبة والبحر الأحمر بساحل يبلغ طوله 2,400 كلم، وتحتل المرتبة الأولى بين الدول المطلة على ضفتي البحر الأحمر من حيث طول الساحل، ويمثل طول ساحلها على البحر الأحمر 80 % من الساحل الشرقي للبحر الأحمر إذ إنه يفصل جنوب غرب قارة آسيا عن شمال شرقي قارة إفريقيا ويعد بذلك الذراع الرئيس للمحيط الهندي المرتبط ببحر العرب جنوباً مع البحر المتوسط شمالاً.
توطين الزورق الاعتراضي داعم في الأساس لمسار قوات الإنفاذ البحري السعودي، ويسهم في الحفاظ على التوازنات البحرية العسكرية الإقليمية، يحقق الأولويات الوطنية، ويوفر المشروع فرصًا هائلة للمصنع والمستثمر السعودي والكفاءات الوطنية التي سيوفر لها القطاع فرصًا وظيفية لتحاكي طموحاتها في مجالات حيوية تعتمد على الإبداع والابتكار.
يمكن القول: إن توطين أول زورق اعتراضي سريع، سيسهم - بمشيئة الله - ليس فقط في رفد الترسانة العسكرية البحرية، ورفع مستوى جاهزية قواتنا البحرية السعودية الأمنية، بل سيكون مُعززًا لقوة الأمن البحري في المنطقة وحماية المصالح الحيوية والإستراتيجية لبلادنا.
هناك سلسلة معلومات أجد من المهم طرحها على الملأ، لفهم توجهات الهيئة العامة للصناعات العسكرية نحو توطين الزورق الاعتراضي (HSI32) السريع، ولاستيعاب ذلك، علينا أن نعي بشكل دقيق المنعطفات الخطيرة عند حدودنا البحرية والمياه الإقليمية، لذلك يحمل هذا النوع من الزوارق مواصفات نوعية ومتقدمة عن بعض القطع البحرية الأخرى، ومن ذلك: قدرتها الكبيرة على محاربة التهريب والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، وتعزيز الأمن البحري، ودورها في حماية المنشآت البحرية من الهجمات، والسفن التجارية من خطر القراصنة، ودورها التكتيكي في أنظمة المراقبة الساحلية، ومرافقة قوافل العمليات المشتركة، والتصدي السريع لتهديدات القوارب الإرهابية.
مشروع صناعة وتوطين منظومات الزوراق السريعة يضع السعودية في صلب الصناعات العسكرية عالميًا، ويُعد تأكيدا نوعيا على مستوى جاهزية البنى التحتية المتطورة والطاقات الاستيعابية الضخمة في موانئ المملكة، لدعم كافة الصناعات الوطنية وفقًا لمستهدفات رؤيتنا الطموحة.
اليوم تؤدي الهيئة العامة للصناعات العسكرية منذ تأسيسها قبل 3 سنوات أدوراً إستراتيجية في إعادة هيكلة وتحسين الشق العسكري من خلال برنامج "المشاركة الصناعية"، والذي يهدف إلى استثمار القدرات المحلية القائمة وتطويرها، وبناء قدرات جديدة في المجالات الصناعية المستهدفة، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية المحلية في القطاعات ذات القيمة المضافة، وتحفيز الاستثمار المباشر والشراكات الاستراتيجية مع الشركات العالمية في القطاع، ونقل التقنيات والمعارف في الصناعة والخدمات والبحث والتطوير، وتطوير الكوادر البشرية القادرة على العمل في الصناعات المتخصصة.
لكن الأهم من كل ذلك، ما يطلق عليه بـ(game changer / نقطة التغيير الحقيقية)، في توطين الصناعات العسكرية السعودية، هو تأسيس الهيئة لقطاع خاص بالمشتريات العسكرية، بحيث يتولى توظيف القوة الشرائية الموحدة لكافة القطاعات العسكرية في البلاد، وتوجيهها بدقة بما يضمن رفع كفاءة الإنفاق وتعزيز شفافيته، مع الضمان الكافي في إدراج شرط نسب التوطين المستهدفة في أي عقد يتم توقيعه ضمن الصناعات المستهدفة، وهو ترجمة واقعية لمقولة سمو ولي العهد: "لا صفقة سلاح بدون محتوى محلي".
ما أختم به المقال هو ما دونه محافظ الهيئة أحمد العوهلي على حسابه في تويتر ونصه: "لطالما آمنت بأن أهم سلاح تمتلكه الأوطان هو رأس المال البشري، التقيت اليوم بنخبة من أبناء الوطن العاملين في الزامل البحرية على مشروع توطين الزوارق الاعتراضية السريعة (HSI32) لصالح قواتنا البحرية، مساهمين في تدشين أول زورق اعتــــــــراضي مصنع محلياً.. فخرنا بكم لا يحدّه حدود
في السابع من سبتمبر الماضي،
كتبتُ مقالاً بعنوان: "الاستقلالية الإستراتيجية والجاهزية العسكرية"، أشرت فيه بأن "أحد أهم الحقائق المُسلَّم بها في منظومة الأمن القومي العالمي، هي توطين الصناعات العسكرية والدفاعية والأمنية، التي يتجاوز تأثيرها تلبية احتياجات الدول الدفاعية، ودعم استقلالية قراراتها السياسية الوطنية، إلى لعب أدوار تنموية اقتصادية محورية، شريطة اعتمادها على أسس مدروسة تسهم في تطوير هيكل الاقتصاد القومي وتعزيزه".
يتقاطع المقال الاستباقي السابق، مع الإعلان الإستراتيجي المُعلن من وزارة الدفاع والهيئة العامة للصناعات العسكرية عن تدشين وتوطين أول زورق اعتراضي سريع من نوع (HSI32) مُصنع محلياً، وذلك ضمن خطة توطين الصناعات العسكرية السعودية، وفق أحدث المواصفات والمعايير العالمية، بالتعاون بين شركتي CMN الفرنسية والزامل للخدمات البحرية.
القراءة الدلالية لهذا الإعلان، قائمة على السؤال المحوري: ماذا تعني صناعة وتوطين منظومة الزوارق
الاعتراضية السريعة من نوع (HSI32)؟
الإجابة عن هذا التساؤل من المفترض أن تحمل تداعيات جيوإستراتيجية غاية بالأهمية، خاصة مع ارتفاع منسوب ما يعرف بـ"العسكرة البحرية" في المياه الإقليمية المحاذية لحدودنا البحرية، ناهيك عن ارتفاع التوترات الساخنة، وعمليات التخريب والإرهاب البحري.
في تصوري تأتي صناعة وتوطين منظومة الزوارق الاعتراضية السريعة، في ظل التحديات البحرية المتصاعدة التي تشهدها بلادي، نتيجة لموقعها الإستراتيجي، وامتلاكها ثلاث واجهات بحرية، فطول سواحلها يبلغ 3,400 كلم، أحدها على البحر الأحمر، والآخران على الخليج العربي، وتطل المملكة من الغرب على خليج العقبة والبحر الأحمر بساحل يبلغ طوله 2,400 كلم، وتحتل المرتبة الأولى بين الدول المطلة على ضفتي البحر الأحمر من حيث طول الساحل، ويمثل طول ساحلها على البحر الأحمر 80 % من الساحل الشرقي للبحر الأحمر إذ إنه يفصل جنوب غرب قارة آسيا عن شمال شرقي قارة إفريقيا ويعد بذلك الذراع الرئيس للمحيط الهندي المرتبط ببحر العرب جنوباً مع البحر المتوسط شمالاً.
توطين الزورق الاعتراضي داعم في الأساس لمسار قوات الإنفاذ البحري السعودي، ويسهم في الحفاظ على التوازنات البحرية العسكرية الإقليمية، يحقق الأولويات الوطنية، ويوفر المشروع فرصًا هائلة للمصنع والمستثمر السعودي والكفاءات الوطنية التي سيوفر لها القطاع فرصًا وظيفية لتحاكي طموحاتها في مجالات حيوية تعتمد على الإبداع والابتكار.
يمكن القول: إن توطين أول زورق اعتراضي سريع، سيسهم - بمشيئة الله - ليس فقط في رفد الترسانة العسكرية البحرية، ورفع مستوى جاهزية قواتنا البحرية السعودية الأمنية، بل سيكون مُعززًا لقوة الأمن البحري في المنطقة وحماية المصالح الحيوية والإستراتيجية لبلادنا.
هناك سلسلة معلومات أجد من المهم طرحها على الملأ، لفهم توجهات الهيئة العامة للصناعات العسكرية نحو توطين الزورق الاعتراضي (HSI32) السريع، ولاستيعاب ذلك، علينا أن نعي بشكل دقيق المنعطفات الخطيرة عند حدودنا البحرية والمياه الإقليمية، لذلك يحمل هذا النوع من الزوارق مواصفات نوعية ومتقدمة عن بعض القطع البحرية الأخرى، ومن ذلك: قدرتها الكبيرة على محاربة التهريب والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، وتعزيز الأمن البحري، ودورها في حماية المنشآت البحرية من الهجمات، والسفن التجارية من خطر القراصنة، ودورها التكتيكي في أنظمة المراقبة الساحلية، ومرافقة قوافل العمليات المشتركة، والتصدي السريع لتهديدات القوارب الإرهابية.
مشروع صناعة وتوطين منظومات الزوراق السريعة يضع السعودية في صلب الصناعات العسكرية عالميًا، ويُعد تأكيدا نوعيا على مستوى جاهزية البنى التحتية المتطورة والطاقات الاستيعابية الضخمة في موانئ المملكة، لدعم كافة الصناعات الوطنية وفقًا لمستهدفات رؤيتنا الطموحة.
اليوم تؤدي الهيئة العامة للصناعات العسكرية منذ تأسيسها قبل 3 سنوات أدوراً إستراتيجية في إعادة هيكلة وتحسين الشق العسكري من خلال برنامج "المشاركة الصناعية"، والذي يهدف إلى استثمار القدرات المحلية القائمة وتطويرها، وبناء قدرات جديدة في المجالات الصناعية المستهدفة، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية المحلية في القطاعات ذات القيمة المضافة، وتحفيز الاستثمار المباشر والشراكات الاستراتيجية مع الشركات العالمية في القطاع، ونقل التقنيات والمعارف في الصناعة والخدمات والبحث والتطوير، وتطوير الكوادر البشرية القادرة على العمل في الصناعات المتخصصة.
لكن الأهم من كل ذلك، ما يطلق عليه بـ(game changer / نقطة التغيير الحقيقية)، في توطين الصناعات العسكرية السعودية، هو تأسيس الهيئة لقطاع خاص بالمشتريات العسكرية، بحيث يتولى توظيف القوة الشرائية الموحدة لكافة القطاعات العسكرية في البلاد، وتوجيهها بدقة بما يضمن رفع كفاءة الإنفاق وتعزيز شفافيته، مع الضمان الكافي في إدراج شرط نسب التوطين المستهدفة في أي عقد يتم توقيعه ضمن الصناعات المستهدفة، وهو ترجمة واقعية لمقولة سمو ولي العهد: "لا صفقة سلاح بدون محتوى محلي".
ما أختم به المقال هو ما دونه محافظ الهيئة أحمد العوهلي على حسابه في تويتر ونصه: "لطالما آمنت بأن أهم سلاح تمتلكه الأوطان هو رأس المال البشري، التقيت اليوم بنخبة من أبناء الوطن العاملين في الزامل البحرية على مشروع توطين الزوارق الاعتراضية السريعة (HSI32) لصالح قواتنا البحرية، مساهمين في تدشين أول زورق اعتــــــــراضي مصنع محلياً.. فخرنا بكم لا يحدّه حدود