تكنولوجيا التسلح في عالم مضطرب

تكنولوجيا التسلح في عالم مضطرب


images (46).jpg

دراسات
يمر العالم الآن بمرحلة تحولات كبرى في جميع الميادين. النظام العالمي الذي نشأ على أنقاض الحرب العالمية الثانية يشهد مقدمات انهياره، وسوف ينهار، مخليا مكانه لنظام جديد لم تتحدد ملامحه بعد. فلسفات الحكم والإدارة والإقتصاد والتعليم والعلاج من الأمراض وغيرها التي عاشت معنا لعقود طويلة تخضع حاليا لمراجعات جذرية. وربما يتساءل البعض: لماذا كل هذا بينما العالم يواجه موجات هائلة من التحديات في مواجهة انتشار الجوع والفقر وتلوث البيئة، إلى الحد الذي قد يهدد بقاء الإنسان وينسف ما تبقى من قوة النسيج الإجتماعي في المجتمعات المختلفة؟ الإجابة هي إنه لهذا السبب، وبواسطة تطور المعرفة البشرية وأساليب التكنولوجيا الحديثة، يتعرض النظام العالمي حالياً لتغيرات حادة، ستقود البشرية لا محالة إلى عصر جديد تقوده المعرفة ويسود فيه العقل عما عداه. لكن مثل هذا العصر في طبيعته تلك سيحمل معه قدراً حاداً من التحدي بسبب الانقسام العالمي الحاد بين ما يمكن تسميته بحضارة العقل الغيبي وحضارة العقل العلمي النقدي. إن حضارة العقل الغيبي تشعر بخطر الفناء، وهي تقاوم من أجل البقاء، وفي سبيل البقاء فإنها على استعداد للإنتحار، ظناً من العقل الغيبي أنه بالإنتحار يقيم عالم الغيب في الفردوس المفقود.

وقد أوضحتٌ في كتابات سابقة بعض ملامح التحديات التي تطرحها علينا التطورات العالمية الراهنة، وأشرت في كتابي "مانيفستو للعدالة الإجتماعية" (الهيئة العامة للكتاب- 2015)، وفي دراسات أخرى نشرها المركز العربي للبحوث والدراسات، إلى ميادين المنافسة المستقبلية ومنها ثورة الروبوت ومزاحمة الروبوت للإنسان في سوق العمل، وثورة العلاج الجيني ونهاية عصر علاج الأمراض بالعقاقير التقليدية، وسباق الفضاء العالمي الذي تشارك فيه الدول الأعضاء فيما يمكن تسميته "نادي الحضارة الفضائية" (وهو بالتأكيد غير نادي القنوات الفضائية)، وثورة التحكم عن بعد، واستخدام وسائل الإتصالات والشبكات المعرفية في الحروب والتجسس، وثورة ما بعد عصر الكربون والوقود الإحفوري، وغيرها من ملامح التطور التي من شأن انتصارها أن تجعل الحضارة البشرية في القرن الواحد والعشرين تختلف في كثير من النواحي عما كانت عليه الحضارة البشرية في عصور الحجر والنار والبخار والذرة والكمبيوتر. إن تراكم التغيرات التي يشهدها العالم في ميادين التنمية المختلفة، وخصوصاً في ميادين التنمية التكنولوجية تتميز بالتسارع الشديد يوما بعد يوم، وتنتقل بسرعة فائقة من أنماط تقليدية سادت في العصور السابقة إلى أنماط راديكالية جديدة تقطع الصلة الشكلية مع الماضي، وإن كانت استمراراً له، فهي تحقق أهدافاً يسعى إليها الإنسان، ولكن بوسائل مختلفة تماماً عن تلك التي كان الإنسان يعتمد عليها في الماضي، ويجب أن نذكر هنا أن الإنسان عندما أراد أن يحاكي نفسه في المشي فإنه اخترع العجلة، وعندما أراد أن يحاكي الطائر في الطيران بصنع أجنحة لنفسه فإنه سقط قتيلاً، ولكنه عندما اخترع الطائرة، فقد نجا وركبها ليطير في الجو.

وفي هذا المقال السريع سأتحدث عن مجال جديد، هو مجال "التسلح"، وكيف أن العالم يبدو الآن على شفا الانتقال إلى مرحلة جديدة، فيعد عصور طويلة اعتمد فيها العالم على "المتفجرات" كوسيلة لتدمير الخصم والسيطرة عليه، سوف تخلي المتفجرات تدريجياً مكانها لقوة جديدة هي قوة "الليزر". ولا أعني بقوة الليزر هنا استخدام أشعة الليزر في توجيه الأسلحة مثل الصواريخ والقنابل الذكية والتحكم فيها، ولكنني أعني استخدام أشعة الليزر في أشكال مختلفة مثل الوميض أو الحزم القاتلة الصاعقة كأسلحة قتالية لضرب الخصم وتدميره. إن أشعة الليزر في طريقها لأن تصبح أحدث الأسلحة في ترسانات جيوش العالم المتقدمة.

لكن استخدام أشعة الليزر كسلاح قتالي كما يظهر في أفلام الخيال العلمي عن حروب الفضاء، قد لا يقتصر على الدول أو على الجيوش النظامية، وإنما قد ينتشر إلى ما هو أبعد من ذلك، ليصل إلى المنظمات العسكرية غير النظامية والجماعات الإرهابية والأفراد الراغبين في الإنتقام من الآخرين أو من أنفسهم. ومن شأن ذلك أن يطرح على العالم تحديا عظيما يتعلق بكيفية "الحد من انتشار أسلحة الليزر"، خصوصاً وأن تكنولوجيا أسلحة الليزر ستكون أسهل وأرخص بكثير عن تكنولوجيا الأسلحة النووية. لقد انشغل العالم في القرن العشرين بقضية "الحد من انتشار الأسلحة النووية" على الرغم من ثبوت استحالة استخدام الأسلحة النووية بين المتخاصمين منذ التجربة المروعة التي قامت فيها الولايات المتحدة بضرب مدينتين يابانيتين، هيروشيما ونجازاكي، بالسلاح النووي. إن أحد الفوارق النوعية الأهم بين أسلحة الليزر والأسلحة النووية، يتمثل في دقة استخدام سلاح الليزر على الهدف، وعدم تعريض البيئة المحيطة لأية أضرار، بينما في حال استخدام السلاح النووي، فإن الإضرار التدميرية البيئية والبشرية تفوق كل حد، وتستمر لعشرات السنين، وقد تنتقل إلى أماكن لا علاقة لها على الإطلاق بالصراع الذي لجأ فيه واحد من الأطراف أو كلاهما إلى استخدام السلاح النووي. السلاح النووي إذن يحمل في طياته أيضاً فوق خطر تدمير الخصم، "خطر الإنتحار"، و"خطر تدمير الآخرين الأبرياء" و "خطر تدمير البيئة" في مدى زمني يمتد حتى إلى ما بعد انتهاء الصراع.

1- في تاريخ التسلح

نعرف أن الإنسان استخدم في الحروب أسلحة تطورت عبر الزمن، وكان هذا التطور في المراحل الأولى تالياً لاكتشافات توصل إليها الإنسان بالصدفة، مثل اكتشاف النار والتوصل إلى صناعة الآلات الحادة من الأحجار ثم من المعادن. وتطورت أسلحة القتال مع صنع العجلات الحربية والرماح والسيوف والأقواس وغيرها. ثم اكتشف الإنسان المواد الحارقة ثم البارود، وصنع البنادق والمدافع القادرة على توصيل العبوات المتفجرة إلى الأهداف المعادية. واستخدم هذه الوسائط في البر وفي البحر، ثم ابتكر وسط أكثر تقدماً هي الطائرات، وتوصل من خلال الأبحاث وتطوير التكنولوجيا إلى صناعة الصواريخ. وحققت صناعات المتفجرات قفزة نوعية باكتشاف الذرة والإنشطار النووي، وتم صنع القنابل النووية التي غيرت موازين القوى في العالم. وتطورت قدرات حمل الأسلحة النووية عبر القارات بواسطة الصواريخ والطائرات، وتراكمت مخزونات الأسلحة النووية في الولايات المتحدة وروسيا وحدهما إلى الحد الذي يكفي لتدمير العالم عدة مرات. وفي الوقت الحالي أصبح العسكريون والسياسيون وخبراء العسكرية يصنفون الأسلحة النووية بوصفها "أسلحة ردع" أكثر منها "أسلحة هجوم"، ليس فقط لأن الدول المالكة لها تهدد نفسها أيضاً بانتقام مماثل من جانب خصومها، ولكن أيضاً لأن العالم لن يسمح بحدوث مثل ذلك التهور. وخير مثال على إثبات التغير في تصنيف الأسلحة النووية ما يحدث في الصراع على كشمير بين دولتين نوويتين هما الهند وباكستان. ومنذ امتلاك كل من الدولتين للسلاح النووي، فإن الحروب والإشتباكات المسلحة التي وقعت بينهما لم تتطور أبداً إلى حرب نووية، ببساطة لأن حرباً نووية لن تعني دمار الدولتين فقط، ولكنها ستعني دمار العالم. إن القوة التدميرية للأسلحة النووية وصلت إلى حد إستحالة استخدامها عسكرياً وأخلاقياً.

غير أن خبراء الاستراتيجية والعسكريين وقيادات صناعات الأسلحة راحوا يروجون في المقابل لفكرة إنتاج أسلحة نووية صغيرة تكتيكية، في صورة رؤوس نووية صغيرة يمكن استخدامها في ميادين القتال. مع ذلك فإننا لم نشهد دلائل على تحقيق مثل ذلك في الحروب الأخيرة سواء في أوكرانيا أو في العراق وسوريا واليمن وغيرها. ويبدو إن فكرة إنتاج أسلحة نووية تكتيكية تتراجع بشدة نظراً لقدرة الصناعة العسكرية في العالم على إنتاج أسلحة حديثة غير نووية تتمتع بقوة وكثافة نيران هائلة تفي بالغرض الذي من أجله كان البعض يروج إنتاج ترسانة للأسلحة النووية التكتيكية. وعلى الرغم من ضعف مبررات إنتاج أسلحة نووية تكتيكية، فإنه ليس من المستبعد أن تستمر الصناعات العسكرية النووية في إنتاج مخزون من الرؤوس النووية الصغيرة أو الأسلحة النووية التي تصنف على إنها "تكتيكية" وليس "إستراتيجية" وذلك لأسباب تتعلق باستمرار القدرة على الردع إلى جانب استمرار جريان الإرباح في نهر إيرادات الصناعات العسكرية النووية، التي تتوسع حالياً في إنتاج الرؤوس النووية الصغيرة لتسليح الصواريخ الباليستية المتوسطة والقصيرة المدى.

2- في فلسفة التسلح

وقد قامت فلسفة التسلح على أساس تحقيق غايات مختلفة منذ بدأ الإنسان العدوان على أخيه الإنسان. في البداية كان الالتحام البدني وقتل الخصم، ثم تطورت الوسائل والغايات إلى استخدام وسائط أخرى مثل الخيول والسيوف والرماح من أجل قتل الخصم أو أخذه أسيراً واستعباده أو بيعه كسلعة، ثم تطورت فلسفة التسلح مع نشأة جماعات الفرسان والجيوش القبلية إلى السيطرة على المجتمعات وليس على الأفراد، واتسع نطاق الحروب المنظمة على مستوى العالم حتى نشأت عنها إمبراطوريات مترامية الأطراف تسيطر فيها القوة المنتصرة الغازية على ثروات القوى المغلوبة المنهزمة.

وتطورت الحروب ووسائل التسلح مع تطور الصراعات بين القوى البرية وبعضها، ثم بين القوى البحرية في مواجهة القوى البرية، ثم جاءت مراحل التسلح في الجو والفضاء. ولم يعد القتل هو هدف الحروب (قارن مثلاً أعداد القتلى في الحرب العالمية الأولى بغيرها من الحروب)، وإنما أصبح الهدف هو السيطرة. وتحولت السيطرة من النطاق المادي البحت إلى نطاق السيطرة من أجل نزح الثروة والإستعمار، ثم إلى نطاق السيطرة على مراكز صنع القرار لضمان تحقيق المصالح الوطنية للقوى المسيطرة، ومنها السيطرة بالوسائل "الطوعية" من خلال الأحلاف والمعاهدات. وتركت الحروب وأنماط التسلح أضراراً هائلة على علاقات الإنسان بالإنسان وعلى علاقات الإنسان بالبيئة حتى وصل الأمر إلى تهديد الحياة على الكوكب الذي نعيش فيه، وزاد فيه إدراك أهمية التعاون بين الإنسان وأخيه الإنسان من أجل حماية الكوكب الذي نعيش عليه، وهو ما أدى في السنوات الأخيرة إلى زيادة وزن ما يمكن تسميته بـ "المكون الأخضر" في العلاقات الدولية وفي السياسات المحلية على السواء. ونعني بالمكون الأخضر الجوانب البيئية والإجتماعية التي من شأنها أن تضمن استمرار الحياة بشقيها البيئي والإنساني على أحسن وجه ممكن.

ومع التطور في فلسفة التسلح وغاياته تطورت الأسلحة واستراتيجيات الصراع، وزاد الميل إلى استخدام الأسلحة الموجهة عن بعد بديلاً عن الالتحام المادي؛ فالصواريخ الروسية يمكن أن تضرب حلب منطلقة من شبه جزيرة القرم (2016) والصواريخ الأمريكية يمكن أن تضرب بغداد منطلقة من سفن أو غواصات على بعد آلاف الأميال (2003) في بحر العرب أو في المحيط الأطلنطي. كما زاد استخدام الطائرات بدون طيار (Drones) في عمليات قتالية تقليدية؛ فحاملة الطائرات الأمريكية التابعة للأسطول الخامس أو غيرها من سفنه يمكن أن تقصف مواقع لتنظيم القاعدة في اليمن منطلقة من المحيط الهندي أو من مضيق باب المندب باستخدام الطائرات بدون طيار. وتقوم هذه الطائرات التي تعمل وكأنها كمبيوتر مسلح طائر بالتوجيه عن بعد بواسطة برامج إليكترونية ويتم التحكم فيها على شاشات الرادار تماماً كما يتم التحكم في برامج الألعاب الإليكترونية. وفي السياق نفسه، فقد زادت الجيوش المتقدمة من جرعات استخدام البرامج الإليكترونية في العمليات العسكرية، حتى نشأت أسلحة جديدة للحروب الإليكترونية والتدخل في شبكات المعلومات العسكرية المباشرة وغير المباشرة (Cyber War). ويستطيع خبراء إدارة الحروب الإليكترونية والمعلوماتية إختراق أجهزة التحكم في المطارات وفي الطائرات (ترددت مؤخراً أنباء عن اختراق نظام الإتصالات في طائرة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي)، ومن ثم فبإمكان قوة ما أن تصيب الخصم بالشلل التام وتعطيل قدراته الجوية بدون استخدام المتفجرات.

إن زيادة المكون المعرفي في المعدات العسكرية واتساع نطاق استخدام البرامج الإليكترونية في الرصد وتحديد الإحداثيات والتوجيه والتصويب والمناورة وخلافه يحمل في الوقت نفسه مخاطر إمكان اختراق هذه البرامج من جانب الخصم وإصابتها بالشلل أو تجميدها أو حتى نسفها إلكترونياً بواسطة فيروسات إليكترونية مدمرة. وعلى سبيل المثال، فإن الدبابات المتقدمة جداً، والتي تستخدم الآن في بعض ميادين القتال، مثل سورية، أو الطائرات بدون طيار الموجهة عن بعد، في اليمن ولبنان وسورية والعراق، أصبحت معرضة لخطر الشلل في حال تم اختراق برامجها الإليكترونية. إن هذه الأسلحة أصحبت مثل جهاز كمبيوتر متحرك على الأرض، أو طائر في الجو، أو سابح في البحر أو في قاع البحر، مثال الغواصة الأمريكية التي اصطادها الصينيون في بحر الصين الجنوبي، ثم أعادوها للولايات المتحدة بعد دراستها في أواخر 2016. إن زيادة المكون المعرفي واتساع نطاق استخدامات الحروب الإليكترونية والمعلوماتية يمثل واحداً من الملامح الرئيسية للتغير في وسائل وأدوات التسلح في القرن الواحد والعشرين مقارنة بما سبق ذلك من تاريخ التسلح في العالم. وبمعنى أكثر فإن فلسفة التسلح أصبحت تعتمد أكثر على "المخ" من اعتمادها على "العضلات".

3- في تكنولوجيا التسلح

وتأتي أسلحة الليزر في هذا السياق، أي في سياق تحول فلسفة التسلح إلى التركيز على المعرفة من أجل السيطرة، أكثر من التركيز على الأدوات والأسلحة المادية. وإذا كان التطور الراهن في ميادين القتال المتمثل في اتساع نطاق استخدام الأسلحة الموجهة عن بعد يعني تقليل الضرورة إلى الإلتحام المادي والبشري إلى أدنى حد ممكن، فإن الإتجاه إلى تطوير أسلحة الليزر يعني تقليل الحاجة إلى المتفجرات لإنتاج القوة التدميرية الشديدة في ميادين القتال. وقد تقدمت الصين على العالم كله في استخدام بنادق الليزر كأسلحة للدفاع الشخصي لأفراد الجيش الصيني. ويستخدم حاليا أفراد في كثير من التشكيلات العسكرية الصينية بنادق ليزر خفيفة شبيهة بتلك التي تظهر في أفلام حروب الفضاء (Star Wars)، لكن استخدام الليزر على نطاق واسع، أي خارج حدود الدفاع الفردي، يتطور هو الآخر بسرعة في الصين وفي بلدان أخرى على رأسها إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا.

وقد طورت شركة صناعة السلاح الإسرائيلية رافائيل (Rafael)، وهي شركة مملوكة للدولة، عدداً من أنظمة إطلاق حزم الليزر القادرة على تدمير أهداف ثابتة أو متحركة على الأرض وفي الجو وفي البحر. وعرضت رافائيل ثلاثة نماذج من هذه الأنظمة في معارض للأسلحة في الأعوام الثلاثة الأخيرة خصوصاً في سنغافورة (2014) وفي كوريا الجنوبية (2015)، كان أهمها نظام لتدمير الطائرات بدون طيار باستخدام حزم الليزر Beam anti-drone) laser system. وإلى جانب ذلك النظام تنتج الشركة أيضاً نظاماً لتدمير الأهداف البحرية والأهداف الأرضية. ويعمل النظام محمولاً على عربات أو على سفن، حيث يعمل الرادار المتقدم الموجود فيه برصد وتتبع الهدف، ثم يعطي إشارة إلى بطارية الليزر لإطلاق حزمة الليزر في اتجاه الهدف، وتنطلق حزمة الليزر إلى الهدف بسرعة فائقة لتصيبه مباشرة عن طريق إحداث فجوة في الجسم المعدني في أحد الأماكن شديدة الحساسية، غرفة المحرك بالنسبة للسفينة أو الجناج بالنسبة للطائرة، أو تقوم بإحراق الهدف بأكمله. ويبلغ مدى النظم المنتجة حالياً في إسرائيل ما يتراوح بين 4 إلى 7 كيلومترات تقريباً، وباستطاعة منظومة الليزر إصابة الهدف وتدميرة في غضون 5 ثواني. وقد تم تطوير هذه الأنظمة بواسطة شركة رافائيل بمساعدة الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن يتم استخدام منظومات أسلحة الليزر بواسطة القوات الإسرائيلية رسميا في العام 2023. ومع تطور استخدام أسلحة الليزر فإن مدى الحزم القاتلة يمكن أن يصل إلى مئات بل وآلاف الكيلومترات، لأنها تنطلق بسرعة تقترب من سرعة الضوء.

وقد قامت البحرية الأمريكية بالفعل في العام الحالي (2017) بتجربة نظام أمريكي لأسلحة الليزر مضاد للسفن والزوارق البحرية السريعة بواسطة الأسطول الخامس الأمريكي في الخليج. وتم تزويد السفن الحربية الأمريكية بهذا النظام، وتمت تجربته بنجاح بالفعل في الميدان على أهداف بحرية ثابتة ومتحركة. أما في بقية الجيوش المتقدمة، فإن بريطانيا تعاقدت مع إحدى مجموعات صناعة الأسلحة وهي مجموعة تسمى (Dragonfire) لتصنيع منظومة لأسلحة الليزر يمكن تجربتها بحلول العام 2019 ويمكن استخدامها بواسطة القوات البريطانية في العام 2020.

وفي الوقت الحاضر تقوم الشركة المنتجة للطائرات طراز ميج الروسية بتطوير منظومة أسلحة ليزر صالحة للإستخدام بواسطة الطائرة الجديدة طراز ميج-35 المقاتلة. وقد أجرت الشركة عدة تجارب أولية على النظام الجديد في وقت مبكر من العام الحالي (2017) وأثبتت التجارب فعالية النظام المستخدم الذي يخضع لعمليات تطوير بقصد الوصول بقدرته النيرانية ودقته إلى الحد الأقصى. كذلك فإن شركات إنتاج السلاح الروسية إستطاعت تطوير نماذج لما يمكن تسميته "روبوت مقاتل" يتم توجيهه عن بعد في ساحات القتال، مسلح ببندقية سريعة الطلقات. ومن الممكن إضافة نظام تسليح بالليزر لمثل هذا الروبوت المقاتل، بحيث لا يتعرض لمشكلة نفاذ الذخيرة.

وتعمل تكنولوجيا أسلحة الليزر بواسطة الكهرباء، وفي هذه الحالة يمكن تخزين الكهرباء في بطارية يتم شحنها بواسطة مصادر مختلفة منها محركات العربات التي تحمل أنظمة التسليح نفسها. وتتوقف قوة إطلاق أشعة الليزر ومدة استمرارها على قوة التيار الكهربائي. ومع التطور الهائل في صناعات الخلايا الضوئية والخلايا الشمسية في توليد الكهرباء وكذلك التطور في صناعات بطاريات تخزين الكهرباء، فإننا لا نستبعد التوسع السريع في تصنيع أنظمة أسلحة الليزر المحمولة براً وبحراً وجواً باعتبارها أرخص البدائل في الدفاع والهجوم، لأنها لن تحتاج في تشغيلها إلى ذخيرة أو متفجرات وإنما ستحتاج فقط إلى مصدر للطاقة. وفي الوقت الحاضر فإن طلقة الليزر تتكلف نحو دولار واحد فقط، وهي تكلفة هامشية جداً بالمقارنة مع تكلفة طلقة الرصاص في البندقية العادية. وباستطاعة العاملين في تطوير الصناعات العسكرية تقديم بدائل عملية ورخيصة لبناء معدات أو أجهزة لإمداد أسلحة الليزر بالطاقة، تكون جزءاً لا يتجزأ من منظومة السلاح نفسه، فلا تحتاج إلى مصدر مستقل ومنفصل للطاقة، وبذلك فإن منظومة أسلحة الليزر تصبح أسهل في الحركة، وأقل احتياجاً لإمدادات الذخيرة، وأرخص وأكثر عملية وأشد دقة وفاعلية عما عداها.

ولم يتم حتى الآن تطوير أسلحة مضادة لمنظومات أسلحة الليزر، لكن الصين تقوم حالياً بتجارب لمحاولة إصابة منظومات أسلحة الليزر نفسها بالعمى عن طريق استخدام الدخان. لكن هذه التجارب لم تصل حتى الآن إلى نتائج مؤكدة. ومن المرجح أن شركات إنتاج أسلحة الليزر تضع في اعتبارها احتمالات إنتاج أسلحة مضادة، وتعمل على مواجهة تأثير ذلك.

إن قادة المؤسسات العسكرية المتقدمة المحترفة في العالم مشغولون تماماً في الوقت الحاضر بإعادة قراءة خرائط الجغرافيا السياسية، وخبرات التاريخ بشأن التحالفات الإستراتيجية والمؤقتة، وأشكال ومؤسسات الصراع الجديدة، وتكنولوجيا التسلح الملائمة لعصر يميل فيه الناس إلى تغليب السياسات الخضراء على ما عداها. وعلى الرغم من أن اهتمام القيادة العسكرية المحترفة في العالم بهذه المسائل لم يتوصل بعد إلى نتائج نهائية، فإن التكنولوجيا والتراكمات المعرفية تقودنا لا محالة إلى جيل جديد من أسلحة الحروب تقوم على الوسائط الإليكترونية شديدة التعقيد والتقدم، وعلى أسلحة الليزر التي ستبدأ في الظهور عمليا في ترسانات الجيوش المتقدمة بين عامي 2020 و2023، أي بعد نحو 3 سنوات، في كل من الصين وإسرائيل والولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا. إننا نتوقع إنه مع التوسع في استخدام أسلحة الليزر كمكون رئيسي في القوة النيرانية للجيوش، فإن المتفجرات التقليدية في صورها المختلفة، بما في ذلك المتفجرات النووية ستتراجع مكانتها تدريجياً في جداول القوة النيرانية للجيوش وفي الحروب على مستوى العالم.

4- في علاقة الإرهاب بالتسلح

كانت حرب أفغانستان هي الحاضنة الأولى للإرهاب ذي الطابع الديني الذي يجتاح العالم منذ بداية القرن الحالي. وقد بدأ تكوين هذه الحاضنة الأولى للإرهاب تحت شعار "الجهاد ضد الكفار الشيوعيين"، وتمت عمليات التعبئة له في مصر والسعودية وباكستان تحت قيادة أمريكية، وشملت التعبئة تجنيد "المجاهدين" في بلاد إسلامية مختلفة منها مصر واليمن وتونس والسعودية والكويت وغيرها، ثم تعميد هؤلاء "المحاهدين" دعوياً وأيديولوجياً في السعودية، بما يؤدي إلى تحويل الدين إلى عقيدة سياسية وليس عقدية عبادة دينية، ثم ترحيلهم للتدريب في معسكرات في باكستان، ثم تسليحهم للقتال الفعلي من هناك أو في داخل أفغانستان.

لكن المجاهدين الذين تم حشدهم ما لبثوا أن تحولوا للجهاد ضد غيرهم في الدين، وليس في العقيدة السياسية فقط؛ فأصبح غير المسلمين هدفاً "شرعياً" بمقتضى تقسيم العالم إلى "دار الحرب" و"دار الإسلام"، ثم ما لبث المجاهدون أن انقلبوا على غيرهم في المذهب وليس في الدين، فانقسموا إلى جماعتين هما جماعة "أهل السنة" (حزب محمد) وجماعة "الرافضة" (أي الشيعة)، الذين اتخذوا لنفسهم اسم "حزب الله"، وأصبحت كل من الجماعتين هدفاً "شرعياً" للجماعة الأخرى، ثم ما لبثت جماعة "أهل السنة" – التي تمثلت أولاً في "تنظيم القاعدة" أن انقسمت على نفسها بعد وفاة زعيمها الأول أسامة بن لادن، ونشأت جماعة جديدة منافسة لها هي "تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الشام والرافدين" المعروفة باسم "داعش"، ثم ما لبثت هذه الجماعات كلها أن أفرزت العشرات من التنظيمات تحت مسميات مختلفة في الصومال وسورية وليبيا واليمن ومصر والمغرب والجزائر وتونس وغيرها. أما في الدول غير العربية، فإننا نجد "بوكو حرام" في نيجيريا وجماعات أخرى تحت مسميات مختلفة في إندونيسيا وبورما ومالي وغيرها. وبالنسبة لهذه الجماعات فإن العالم لم يعد ينقسم فقط إلى "دار الحرب" و "دار الإسلام" وإنما أصبح ينقسم إلى قسمين هما "داري أنا" في مواجهة "دار غيري"! ولم يتوقف الأمر عند ذلك إذ لم تلبث الجماعات الإرهابية أن اعتبرت أن من يخالفونها في الرأي، وليس فقط في الدين أو المذهب أو الإنتماء التنظيمي هدفا شرعيا للقتل. ولا يخلف الأمر بالنسبة لجماعات "حزب الله" الذين تكاثروا تكاثر الفطر برعاية الحرس الثوري الإيراني، وانتشروا بكثافة في شكل منظمات عسكرية مسلحة في العراق وسورية ولبنان وفلسطين واليمن على الأقل.


وفي كل مراحل تطورها، اعتمدت الجماعات الإرهابية على الأسلحة التقليدية التي تحصل عليها بشكل غير مباشر من الولايات المتحدة، أو من الحرس الثوري الإيراني في حال المنظمات الشيعية، أو التي يتم شراؤها بواسطة دول خليجية أو منظمات خيرية إسلامية أو أفراد أثرياء يعتقدون أن طريقهم إلى الجنة هو عبر تسليح الإرهاب. وكانت أبرز الأسلحة التي شاع التدريب عليها واستخدامها هي الشحنات المتفجرة سواء تلك التي تستهدف الأفراد والمركبات أو تلك التي يتم استخدامها في الأسلحة الناسفة. لكننا يجب أن نذكر دائما أن السلاح الأخطر الذي يستخدمه الأرهابيون منذ تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر يتمثل في أدوات ووسائل عادية يستخدمها الناس في حياتهم اليومية، وكانت براعة الإرهابيين هنا تتمثل في استغلال إمكانية "الإستخدام الثنائي" للأجهزة والمعدات من أجل القتل والتدمير، فتم استخدام طائرات الركاب العادية كقنابل متفجرة أو كصواريخ ضد بنايات مدنية. ولذلك فإن ما نراه الآن من موجة جديدة لعمليات إرهابية تستخدم السيارات والشاحنات في دهس الخصوم أو الأعداء ليس جديدا على العقل الإرهابي. وقد سجل العام 2016 زيادة ملحوظة في العمليات الإرهابية التي تستخدم أسلوب الدهس باستخدام السيارات والشاحنات، وأسلوب الطعن باستخدام الآلات الحادة. ومن المتوقع أن يزيد اللجوء إلى هذه الوسائل والأدوات مع زيادة التضييق على الإرهابيين باستخدام الإجراءات الوقائية في وسائل السفر مثل القطارات والمطارات وفي الأماكن العامة مثل دور السينما والمتاحف وغيرها.
الكاتب
Tornado.sa 
المشاهدات
660
الإصدار الأول
آخر تحديث
تقييم
0.00 نجوم 0 تقييمات

المزيد من المواد من Tornado.sa

عودة
أعلى