إستخدام القوه ودوره فى القانون الدولى

إستخدام القوه ودوره فى القانون الدولى

%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D8%AE%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86%D9%8A.jpg



لقد أدى الدور المهم الذي تلعبه القوة في العلاقات الدولية إلى نشوء مدارس فكرية تفسر العلاقات الدولية على ضوء مفهوم القوة ولكن على الرغم من أن القوة تلعب دورا أساسيا في السياسة الدولية إلا أنها أصبحت وسيلة لتحقيق قيم وطنية فيجب ان تستخدم الهيئات المختصة في الأمم المتحدة استخداماً كاملاً أحكام ميثاق الأمم المتحدة في ميدان صيانة السلم والأمن الدوليين بغية زيادة فعالية مبدأ الامتناع عن استعمال القوة أو التهديد باستعمالها في العلاقات الدولية.و أن تتعاون الدول تعاوناً كاملاً مع أجهزة الأمم المتحدة في دعم الإجراءات التي تتخذها فيما يتعلق بصيانة السلم والأمن الدوليين وبتسوية المنازعات بالوسائل السلمية وفقاً للميثاق



منهجية البحث :
لقد اعتمد الباحث على المنهج الوصفى التحليلى والذى يعتمد على جمع البيانات عن ظاهرة معينه وكشف أبعادها حيث نصت ديباجة ميثاق الأمم المتحدة على أن شعوب الأمم المتحدة آلت على أنفسها تبيان “الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي”، ولذا لم يزل تطوير القانون الدولي واحترامه جزءا رئيسيا من عمل المنظمة. وتعمل المنظمة في مجال القانون الدولي من خلال المحاكم والمعاهدات متعددة الأطراف فضلا عن مجلس الأمن الذي له صلاحية نشر بعثات حفظ السلام وفرض العقوبات والإذن باستخدام القوة في حال تواجد تهديد للسلم والأمن الدوليين. وتنبع تلك الصلاحيات من ميثاق الأمم المتنحدة الذي يعد بحد ذاته معاهدة دولية لها ما لصكوك القانون الدولي من قوة إعمال وإلزام على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. ويقنن الميثاق المبادئ الرئيسية للعلاقات الدولية، ابتداء من السيادة المتساوية للدولة وانتهاء بتجريم استخدام القوة في العلاقات الدولية.


مقدمه :
إن القوة ظاهرة طبيعية لازمت البشرية منذ وجودها على هذه الأرض ولقد تطور شكل استخدام هذه القوة بشكل مباشر وصريح وخصوصا القوة العسكرية، إلى استخدام غير مباشر للقوة بشكل التهديد مثلا أو الضغوط بكافة أشكالها والتي تسمى عادة بوسائل الإكراه مثلا والتي لا تصل إلى حد الحرب، ولقد بدل المجتمع الدولي جهودا عظيمة في سبيل تنظيم وتحديد منع استخدام القوة وكانت هذه الجهود تتناسب فرديا مع التقدم الحضاري الذي تحققه البشرية وكلما زاد هذا التقدم زادت الجهود في ذلك السبيل ولعل هذا السبب في ذلك هو توصل العالم المتحضر إلى أسلحة أشد فتكا وتدميرا بشكل متزايد ومتطور بتطور الحضارة من ناحية ومن ناحية أخرى لأن ظاهرة اللجوء إلى القوة تمتاز بها عادة المجتمعات الأقل تحضرا بينما تلجئ المجتمعات المتحضرة إلى العقل والحكمة في جل معضلاتها.


لقد أدى الدور المهم الذي تلعبه القوة في العلاقات الدولية إلى نشوء مدارس فكرية تفسر العلاقات الدولية على ضوء مفهوم القوة ولكن على الرغم من أن القوة تلعب دورا أساسيا في السياسة الدولية إلا أنها أصبحت وسيلة لتحقيق قيم وطنية فيجب ن تستخدم الهيئات المختصة في الأمم المتحدة استخداماً كاملاً أحكام ميثاق الأمم المتحدة في ميدان صيانة السلم والأمن الدوليين بغية زيادة فعالية مبدأ الامتناع عن استعمال القوة أو التهديد باستعمالها في العلاقات الدولية.و أن تتعاون الدول تعاوناً كاملاً مع أجهزة الأمم المتحدة في دعم الإجراءات التي تتخذها فيما يتعلق بصيانة السلم والأمن الدوليين وبتسوية المنازعات بالوسائل السلمية وفقاً للميثاق. وينبغي أن تعمل بوجه خاص على تعزيز دور مجلس الأمن كي يتسنى له النهوض بمهامه على نحو كامل وفعال.

وفي هذا الصدد، يتحمل أعضاء المجلس الدائمون مسئولية خاصة طبقاً للميثاق.فبالرغم من أن المجتمع الدولي حاول الحد من العدوان وتأطير الحرب وجعلها أكثر إنسانية وكل ذلك عند إقدام ميثاق الأمم المتحدة على وضع مخطط شامل لمواجهة حالات تهديد أو خرق السلم وبالرغم من هذا كله تم خرق مبدأ تحريم استعمال القوة في العلاقات الدولية مع استئناف لحالة الدفاع الشرعي عن النفس وكان لهذا الاستعمال أثار سلبية أيضا حتى على الوضع الدولي بحيث اندلعت فيه الحروب والصراعات كما أن هذا التأثير لاحق دور منظمة الأمم المتحدة بحيث أصبحت غير قادرة على وضع حد للنزاعات الدولية دون اللجوء إلى القوة العسكرية، وهذا ما يفسر أن المجتمع الدولي أصبح غير منظم وتحل مشاكله عن طريق التدخل العسكري والذي أصبح من بين الإشكالات المطروحة على مستوى العلاقات الدولية وهي إشكالية منتقضة وغير مقبولة وتخالف الفعل المشروع الذي يصدر عن مجلس الأمن وبغير ذلك لا يعني القبول بالتدخل دون تفويض من مجلس الأمن لأن الفعل العسكري غير مشروع قد تترتب عنه أثار وخيمة على النظام الدولي. فينبغي زيادة قدرة مجلس الأمن على تقصي الحقائق حسب مقتضيات الحالة المعينة وفقاً للميثاق.


القانون الدولي حول استخدام القوة في ضوء التطورات الجديدة في الأمريكتين
لقد أثبتت الأسابيع الأولى من عام 2020 حتى الآن أنها حافلة بالأحداث بالنسبة للمجتمع الدولي. بعد انفتاح كبير بين الولايات المتحدة وإيران أثار جدلاً غزيرًا حول القانون الدولي حول استخدام القوة ، سافر خوان غوايدو في أواخر يناير عبر أوروبا لجمع الدعم الدولي لمعركته ضد نظام مادورو في فنزويلا. لا يمكن المبالغة في أهمية هذا الحدث بالنسبة للقانون الدولي بشأن استخدام القوة. في الواقع ، خلال العامين الماضيين ، ألمحت بعض الأصوات الإقليمية في نصف الكرة الغربي إلى إمكانية استخدام القوة ضد فنزويلا للإطاحة بنظام مادورو واستعادة الديمقراطية هناك. وبشكل أكثر تحديدًا ، هناك تطور حديث قد يشكل تحديًا خطيرًا لميثاق الأمم المتحدة: الاحتجاج بمعاهدة البلدان الأمريكية للمساعدة التبادلية لعام 1947 (“Tratado Interamericano de Asistencia Recíproca” أو “TIAR”) ، والمعروفة أيضًا باسم ” معاهدة ريو “من قبل مجموعة من الدول الأمريكية ضد فنزويلا.
TIAR هو ميثاق دفاع جماعي بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. تم التصديق عليها من قبل 19 دولة أمريكية (بما في ذلك الولايات المتحدة) ، وتعتبر رائدة في مثل هذه الترتيبات مثل حلف الناتو و حلف وارسو. في حالة فنزويلا ، حتى الآن ، أذن الجهاز الاستشاري لـ TIAR فقط بعقوبات مالية موجهة ضد نظام مادورو. ومع ذلك ، فقد تم “ملاحظة” المادة 8 من القانون الدولي المؤقت ، والتي تنص ، من بين أمور أخرى ، على استخدام القوة كملاذ أخير دون مؤهلات.


على الرغم من أن المادة 53 من ميثاق الأمم المتحدة تنص على أنه “لا يجوز اتخاذ أي إجراء إنفاذ بموجب ترتيبات أو وكالات إقليمية دون إذن من مجلس الأمن” ، فإن هذا الحكم غير مذكور في القرار الأول للجهاز المذكور بشأن الحالة في فنزويلا. يفحص هذا المنشور ما إذا كانت هناك ممارسة لاحقة لدولة يمكن أن تؤدي ، بموجب أحكام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات ، إلى تفسير جديد للمادة 53 من شأنه أن يتعارض مع ما يعتبر نصًا واضحًا يتطلب مجلس الأمن الموافقة على إنفاذ الإجراءات التي تتخذها الهيئات الإقليمية.


أخطاء في الحقائق عند استخدام القوة المميتة في القانون الدولي
التلخيص باختصار فحصنا الخطأ الواقع عند استخدام القوة المميتة في مختلف المجالات الفرعية للقانون الدولي: مثل هذا المبدأ ، في شكله الذاتي البحت ، هو قانون الحروف السوداء في القانون الجنائي الدولي. كما أنها راسخة (حتى لو لم يتم تصنيفها على هذا النحو) في القانون الدولي لحقوق الإنسان و (أقل وضوحًا إلى حد ما) في القانون الإنساني الدولي. لكن القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان سيتطلبان الخطأ إلى كل من الصادق والمعقول للتمكن من استبعاد المسؤولية. يحتوي كل من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان على قواعد وقائية وقائية صريحة يتمثل دورها جزئيًا في تحديد حدود الخطأ المعقول وبالتالي المسموح به (على سبيل المثال فيما يتعلق بالتحقق من الهدف).


كما رأينا ، فإن خطأ سؤال الحقيقة هو الأكثر في قانون الحرب. ومع ذلك ، كمسألة رسمية ، حتى إذا اعتقد المرء أنه أمر مرغوب فيه ، فسيكون من الصعب القول بأن خطأ العقيدة الخاص بالحكم القانوني هو قانون عرفي. لا أستطيع التفكير في أي دولة غير الولايات المتحدة التي احتجت بمثل هذه العقيدة ، حتى ضمنياً. (أي أمثلة من هذا القبيل معروفة للقراء ستكون موضع ترحيب كبير.) وعندما تم التذرع بالعقيدة ، كما هو الحال مع الرحلة الجوية الإيرانية 655 ، فمن المؤكد أنها لم تحظ بقبول واسع النطاق من قبل دول أخرى. هناك غموض كاف في ردود فعل الدولة على إسقاط تلك الطائرة ، خاصة في جو الحرب الباردة ، بحيث لا يمكن للمرء أن يستبعد بشكل قاطع إمكانية وجود مثل هذه القاعدة. ولكن يبدو أنه من غير المحتمل أن يفعل ذلك. وإذا كان الأمر كذلك ، فلا يمكن أن يكون الموضوع الشخصي المحض من ICL ، والذي سيكون غير مناسب في سياق قانون الحرب من IHL و IHRL. مع أخذ كل هذا في الاعتبار ، دعونا ننتقل إلى إسقاط رحلة الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية 752 فوق طهران ، كما رأينا بشكل يذكر تذكر بإسقاط USS Vincennes الرحلة الجوية الإيرانية 655. هناك العديد من أوجه التشابه بين الحادثين ، ليس أقلها أنهما يتعلقان بنفس الدولتين ، إذا كانا على جوانب مختلفة من القصة ، وأن كلا الحالتين تثير تساؤلات عن خطأ في الحقائق. ما هو مختلف تمامًا هو السياق الأوسع – فقد شوهت الحرب الباردة كل ما لمسته. وأعتقد أنه من الإنصاف أن نقول أن التأثير الاجتماعي للقانون الدولي أكبر إلى حد ما اليوم مما كان عليه في ذلك الوقت. وهكذا ، استخدمت دول مثل أوكرانيا وكندا بالفعل لغة قانونية في مواجهة إيران. قال الرئيس زيلينسكي: اعترفت إيران بتهمة تحطم الطائرة الأوكرانية. لكننا نصر على الاعتراف الكامل بالذنب. نتوقع من إيران تأكيدات باستعدادها لإجراء تحقيق كامل ومفتوح ، وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة ، وإعادة جثث القتلى ، ودفع التعويضات ، والاعتذار الرسمي عبر القنوات الدبلوماسية.


وبالمثل ، ذكر رئيس الوزراء ترودو أن “إيران يجب أن تتحمل المسؤولية الكاملة” عن أفعالها.
وهذا بالضبط ما يجب على إيران القيام به. لا يجب أن تستمع فقط إلى هذه الدول الأخرى التي تتذرع بمسؤوليتها. عليها أن تستمع إلى صوت سفيرها عندما كان يتحدث في قاعة مجلس الأمن لرفض تبرير الدفاع عن النفس الأمريكي بإسقاط IR 655: ونعتقد أن الحكومة المسؤولة ، في ظل الظروف الحالية التي تسببت فيها في تدمير طائرة مدنية وركابها الـ 290 ، يجب أن تتخذ على وجه السرعة ثلاث خطوات: يجب أن تعتذر لأسر الضحايا وللشعوب والحكومات المعنية ؛ يجب أن تقبل المسؤولية الكاملة عن إسقاط الطائرة وتقديم تعويض على أساس مسؤوليتها القانونية والأخلاقية ؛ ويجب عليها إعادة تقييم ومراجعة السياسات التي أدت إلى إسقاط الطائرة وقتل ركابها الأبرياء. (S / PV.2821 ، 6)

مواز مثير للاهتمام بنفس القدر هو أن ماكان. في الواقع ، أود أن أزعم أن قانون حقوق الإنسان على وجه التحديد – غائب إلى حد كبير عن مناقشات تدمير IR 655 ، بصرف النظر عن إشارة واحدة (من جميع الناس) سفير سوريا – هو القانون الذي يناسب إسقاط الطائرة الأوكرانية. إن أخطر انتهاك للقانون الدولي هنا ليس انتهاكًا لاتفاقية شيكاغو ، ولكن انتهاكًا لحق الإنسان في الحياة ، والذي لا يمكن أبداً ، على عكس اتفاقية شيكاغو ، منعه عن طريق قانون الدفاع عن النفس.


تمامًا مثل جنود SAS في ماكان ، اعتقد ضباط الدفاع الجوي الإيرانيون بصدق أنهم اضطروا إلى العمل لتفادي تهديد للحياة البشرية. كما هو الحال في ماكان ، قيل لهم خطأ أن هذا التهديد كان مؤكدًا – أن صواريخ كروز الأمريكية ستكون واردة. كما هو الحال في ماكان ، لم يكن لديهم الوقت الكافي للتداول. ومثلما حدث في ماكان ، فإن انتهاك الحق في الحياة لا ينبع مباشرة من قرار الجنود استخدام القوة المميتة ، ولكن من إخفاقات خلفية منهجية للسلطات الإيرانية العليا.


لو أغلقت إيران مجالها الجوي لحركة مرور المدنيين في ذلك المساء ، مع العلم جيدًا أن الأعمال العدائية مع الولايات المتحدة قد تتصاعد بسهولة ، لما تم إسقاط الطائرة أبدًا. لو قامت إيران بتنسيق الدفاعات الجوية بشكل صحيح مع مراقبة الحركة الجوية المدنية ، لما تم إسقاط الطائرة على الإطلاق. لو قامت إيران بتدريب قواتها بشكل صحيح على مختلف المستويات ، لما تم إسقاط الطائرة على الإطلاق. وهكذا ، حتى لو كان خطأ إيران الحقيقي الذي أدى إلى تدمير الطائرة أمراً صادقاً ، فإنه لم يكن معقولاً ، وعلى هذا النحو سوف يتحمل مسؤولية الدولة عن انتهاك حقوق الإنسان للضحايا. ويتفاقم هذا الانتهاك من خلال المحاولات الأولية للسلطات الإيرانية لعرقلة التحقيق والتستر على سبب الحادث ، الذي توقفوا عنه لحسن الحظ ، ولكن مع ذلك أدى إلى انتهاك الالتزام الإيجابي بالتحقيق الفعال في الوفيات غير القانونية.


هذه هي الطريقة التي يجب على إيران أن تحدد بها التعويضات التي تقدمها – ليس كمدفوعات خيرية على سبيل الهبة ، ليس (فقط) كتعويضات لدول مثل أوكرانيا أو كندا ، ولكن فقط كرضاء لأولئك الأفراد الذين انتهكت حقوقهم. من خلال القيام بذلك ، يجب على إيران تعويض مواطنيها بنفس الطريقة التي تعوض بها الأجانب ، على قدم المساواة مع الكرامة. وعليها أن تقدم تأكيدات كافية للمجتمع الدولي بأن مثل هذا الخطأ ، على الرغم من أنه قد يكون صادقاً ، لن يتكرر أبداً.


مظاهر استخدام القوة في العلاقات الدولية ودورها في العلاقات الدولية
في العلاقات الدولية تتوزع مجموعة من الممارسات سواء كانت مشروعة أم غير مشروعة، ومن خلالها يمكن تحديد مظاهر هذا الاستخدام ولكن هذه المظاهر تختلف وتتنوع حسب ما تقتضيه الأحداث الدولية :
  • الفقرة الأولى : التدخل
1- تعريف التدخل :

لقد كان التدخل في الأساليب الرئيسية التي استخدمتها الدول لاستعمال القوة في علاقاتها الدولية منذ القدم، وشهد مفهوم هذه الفكرة تطورا كبيرا بموجب الحلف الأوروبي المقدس، ثم تطورت الأفكار المتعلقة به إلى أن أصبح مظهرا غير مشروع من مظاهر استخدام القوة في العصر الحالي الراهن ويرى البعض أن أحسن طريقة لتعريف التدخل هي من خلال تعريف عدم التدخل، وفي هذا يقول تاليراند أن اللاتدخل كلمة تعني ما يعنيه التدخل.
وأما كوست فيحاول تقديم تعريف أسهل للتدخل حيث يقول تدخل دولة في شؤون دولة أخرى يهدف إرادتها عليها، سواء كان الهدف إنسانيا أو غير إنساني.
ويرى محمد طلعت الغنيمي أن التدخل هو تعرض دولة لشؤون دولة أخرى بطريقة استبدادية وبقصد الإبقاء على الأمور الراهنة للأشياء أو تغييرها.
وأما كوريفين فيرى أن التدخل هو إخلال دولة لسلطتها محل دولة أخرى بقصد تحقيق أثر قانوني لا تستطيع دول أخرى بقية إرغامها على القيام بما تريد تحقيقه فإذا قابلت السلطة المحلية محاولات التدخل بالمقاومة المسلحة انقلب الوضع إلى الحرب.


2- مفهوم التدخل :

ويرى الدكتور فرتز غروب أنه من الصعب أو بالأحرى محاولة وضع تعريف للتدخل مستندا إلى نفيه في محاولة لوضع تعريف للحرب ولكن على الرغم من صعوبة وضع تعريف مانع وجامع لابد من محاولة جادة في هذا السبيل. وأحسن وسيلة لتحقيق ذلك هو وضع الإطار العام لهذا التعريف ومناقشته، ثم محاولة وضع التعريف المطلوب كما أن أورس شفارتز هو أول من وضع أول معالم هذا الإطار العام هي أن الغاية من التدخل تكون المحافظة من وجهة نظر التدخل على الأقل، على الوضع القائم، سواء كان من الناحية السياسية أو القانونية، وثانيا ميزان القوى بين الطرف المتدخل والطرف الآخر بشكل واضح في صالح الأول إذ لا يعقل أن يتدخل طرف ضعيف في شؤون طرف قوي وإلا واحة الحرب، وثالثا فإن التدخل هو عمل محدود بالوقت وبالوسائل ويمارس ضمن سياق العلاقات العامة الأخرى.
وأخيرا فإن التدخل يقع سواء كان بدعوى من قبل الجهة المعنية به أم لا، وذلك لأنه موجه للتأثير على البناء السياسي والاجتماعي للجهة الأخرى.

وهكذا فإن التدخل هو موقف أو كحل دو مدة تقوم بواسطته دولة أو منظمة دولية أو مجموعة من الدول بتجاوز أطراف العلاقة القائمة المتعارف عليها. وتحاول فرض إرادتها على دولة أو مجموعة من الدول في سبيل إجبارها على القيام بعمل ما، أو اتخاذ موقف معين سواء كان سياسيا أو معنويا أو قانونيا.
إن هذه التعاريف أعلاه تعالج موضوع التدخل بناء على دعوة الطرف الآخر حيث لا توجد في هذه الحالة فرض للإرادة من جانب آخر وبذلك تخرج هذه الحالة من مفهوم التدخل وتصبح مساعدة أو تعاون أو تنفيذ معاهدة أو بناء على التزام بموجب التحالف وما شاكل ذلك.


هذا ويميل البعض إلى توسيع مفهوم التدخل بحيث يشمل صورا كثيرة جدا في صور العلاقات بينما يميل البعض الآخر لإعطاءه مفهوما أضيق والتدخل ينطبق فقط على العلاقات بين الدول وليس بين الأفراد والأحزاب والجماعات السياسية أو المنظمات أو الجماعات الخاصة أو بين الدول، وإذا ما حدت التدخل من قبل مجموعات لا علاقة بها مع الدول المتهمة بالتدخل ويتمثل ذلك في أعمال التسلل وأعمال التخريب وحركات العصابات فمن الضروري معرفة وجود مثل هذه العلاقة مع الدول الأجنبية قبل إمكان وصف العمل بأنه تدخل.


3- أهداف وغايات التدخل :

غالبا ما تكون الغايات المعلنة للتدخل غايات نبيلة وأهداف عليا تتذرع بها الدولة المتداخلة، فقد يكون ذلك بشكل نشر إديولوجية معينة أو عقيدة دينية معينة أو الحفاظ على الوضع القائم ضد الاضطرابات والفوضى ويمكن للباحث أن يجد أسس تلك الأفكار في حلف المقدس،[4] الذي عقد بالاستناد على الديانة المسيحية للتدخل ضد الحركات الثورية التي كانت تجتاح أوربا في بداية القرن التاسع عشر. ولقد بقيت فكرة التدخل موجودة لدى الدول الأوربية حتى بعد زوال أسباب قيام الحلف المقدس وإندثاره، فقد اعتبرت هذه الدول نفسها عند القدم ولاسيما بعد سنة 1848 لأنها الدول الأكثر تحضرا وإنسانية في العالم وأن الديانة والحضارة المسيحية يجب أن تسود العالم وعلى هذا فإن التدخل في سبيل نشر هذه الديانة والحضارة والثقافة كان هدفا ساميا يجب الالتزام به مما زاد في ذلك الاعتقاد ضعف وهزال الدولة العثمانية وطمع الدولة الأوربية في استعادة المناطق الأوربية التي كانت تحت سيطرتها مثل اليونان وبلغاريا وصربيا على أساس مساعدة سكانها المسيحيين.


وقد كان التدخل أيضا يتم أحيانا من أجل الحفاظ على الهيبة الوطنية أو على حياة المواطنين الأجانب، كما حدث في الصين عام 1900 عندما أرسلت الدول العربية قوات عسكرية للحفاظ على سفارتها هناك من الثورة التي نشبت في الصين بعد إنقسام العالم إلى معسكرين، فقد أصبح لكل معسكر أهدافه ومبرراته الخاصة للتدخل، فالمعسكر الرأسمالي يرى أن أهداف التدخل المشروع هو نشر الديمقراطية والحرية وحق تقرير المصير بينما يضيف المعسكر الاشتراكي لذلك نشر الشيوعية والأفكار الماركسية اللينينية وتشجيع الثورات التحررية ومكافحة الثورات المضادة إلا أن الواقع الذي نلمسه اليوم يرينا أن كلا من المعسكرين يحاول تحقيق مصلحته الذاتية وراء التستر بهذه القيم والأهداف المعلنة.

4- القانون الدولي لا يقر التدخل المنفرد :
إن الحجج والأسانيد القانونية التي يبديها مؤيدوا التدخل الإنساني تغض الطرف عن حقيقة الممارسة الدولية والموقف الفعلي لمختلف الصكوك الدولية المتعلقة باستخدام القوة يضاف إلى ذلك أن نظرية التدخل وأسانيدها الدائمة لها تقرأ القواعد والمبادئ الدولية المعمول بها قرأت مجزأة وانتقائية، فتقييم استخدام القوة بشكل منفرد لأغراض إنسانية لا يتم إلا من خلال الموازنة بينه وبين عدد من المبادئ الأساسية المستقرة في القانون الدولي مثل مبدأ تحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مبدأ وجوب تسوية النزاعات الدولية سلميا ومبدأ تحريم وحدة أراضي الدولة واستقلالها السياسي.

كما تتضمن أسانيد التيار المؤيد للتدخل الإنساني وإنكار وإهدار واضح لمقررات الجمعية العامة التي تحرم استخدام القوة في العلاقات الدولية تعريفا شاملا بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة. يستثنى الإعلان رقم 2625 الخاص بمبادئ القانون الدولي المحصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة من نطاقه الحق في التدخل ولا يتضمن لحد الآن أي نص يتعلق بالتدخل الإنساني تؤيد توصيات الجمعية العامة رقم 3314 سنة 1974 الخاصة بتعريف العدوان في المادة الخامسة منها ما ورد في إعلان العلاقات الودية رقم 2625 سنة 1974 حيث نصت على “ما من اعتبار أيا كانت طبيعته سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أم عسكريا أو غير ذلك يصح أن يتخذ مبررا لارتكاب عدوان”.

تتنكر الأسانيد القانونية الداعمة لنظرية التدخل الإنساني لمضمون حكم محكمة العدل الدولية في قضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها فقد رفعت المحكمة فكرة التدخل الإنساني العكسري.
لقد أوضحت المحكمة هذه القضية أن استخدام القوة ليس أسلوبا مناسبا لضمان احترام حقوق الإنسان من قبل الدول.

فليس ثمة تناسب بين استخدام القوة وبين العمل من أجل ضمان احترام الحقوق الأساسية في الدول الأخرى فعادة ما يؤدي استخدام القوة حتى لو كان لأغراض إنسانية محضة.
إن حكم المحكمة قاطع في دلالته، ولا محال لتأويله أو لوصفه إلا بأنه رفض كامل وصارم لأي ادعاء بوجود حق يجيز للدول استخدام القوة بغية ضمان احترام حقوق الإنسان الأساسية كما يتعذر النظر إلى هذا الحكم بأنه تمرة فشل الولايات المتحدة في إثبات توافر الغايات الإنسانية الرافعة لها للقيام بأعمالها العسكرية ويستنتج من الممارسات العملية للدول الخاصة بالقرار 688/1991 أن الغرض الإنساني لم يكن هو الدافع الأساسي لهذه الممارسة كما أن التدخل لا يستند إلا لنظرية التدخل الإنساني إلا جزئيا وفي بداية الأمر دون أي سند قانوني أما حجتها الأساسية في تبرير تدخلها فإن يرتكز على قرار مجلس الأمن ثم تتذرع بعد ذلك بالدفاع عن النفس فنظرية التدخل لا حجة لها ولا دريعة لها وحدها ولهذا فإن التدخل المنفرد فإنه يعتبر صورة من استخدام القوة ترتكز له الدول في تدخلاتها مثل تدخل حلف شمال الأطلس في كوسوفو عام 1999.

5- إعلان الأمم المتحدة لتحريم التدخل :
تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة لمشروع قرار أعلنت فيه عن نيتها لمنع التدخل، وذلك في الوقف الذي كان فيه العام يشهد فيه الكثير من حالات التدخل مثل تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في فيتنام، ولم يكن هذا الإعلان ميثاقا جديدا ضد التدخل إذ لم يقدم أي قواعد قانونية جديدة فلم يزد عن كونه تأكيدا على المبادئ الأساسية المعروفة لعدم التدخل ولقد أشار الإعلان وفي مقدمة المواثيق المنظمة الإقليمية مثل منظمة الدول الأمريكية وجامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية كما أكد على قرارات مؤتمر باندونع، ومؤتمر رؤساء الدول عدم الانحياز المعقود سنة 1961 في بلغراد إلى أن الجزء المهم من هذا القرار ينص على أن لكل دولة الحق في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون أي تدخل في أي دولة أخرى ولا يحق لأية دولة أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر لأي سبب مهما كانت الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة أخرى، لذا فالتدخل المسلح وكافة الأشكال الأخرى المدخلات والتهديدات ضد شخصية الدولة أو ضد نظامها السياسي أو الاقتصادي والثقافي تعتبر مدانة وعلى جميع الدول أن تمتنع عن تنظيم ومساعدة تحويل وتشجيع الفعاليات المسلحة ذات الطبيعة الإرهابية أو العصيانية التي تهدف إلى تبديل نظام الحكومة دولة أخرى بالقوة أو بالتدخل في المنازعات الداخلية لدولة أخرى لا شيء في هذا الإعلان ينبغي أن يؤثر بأي شكل من الأشكال على تطبيق سواء ميثاق الأمم المتحدة لإدامة السلم والأمن العالمي وخاصة تلك المواد الواردة في الفصل السادس والسابع والثامن.


إن جوهر هذا الإعلان تم تبنيه من قبل أكثر من مائة دولة هو إدانة التدخل الفردي للدول بكافة جوانبه وأشكاله إن التركيز على عدم مخالفة في احتلال التدخل الجماعي من قبل هيئة الأمم المتحدة محل التدخل الفردي.
وأخيرا لابد من الإشارة إلى المادة 52 من الميثاق، التي منحت المنظمات الإقليمية الحق في معالجة القضايا المتعلقة بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين في مناطقها الخاصة.[10]
وهي بذلك تتساوى في صلاحية استخدام التدخل الجماعي المعطاة ومنظمة الدول الأمريكية ومنظمة الوحدة الأفريقية ولها جميعا إمكانية التدخل الجماعي لحفظ السلم والأمن الدوليين وتتمتع القوات التابعة لها بميزة ارتداء الملابس والعلامات المميزة لقوات الأمم المتحدة.

6- التدخل الجماعي والتدخل الفردي :
لاحظنا أن القانون الدولي التقليدي كان حتى نهاية الحرب العالمية الأولى يعترف بحق التدخل بصورة منفردة، لذا كان بإمكان أية دولة عند توفير بعض الظروف، أن تتولى تطبيق القانون كما تشاء وأما الفقرة الكائنة بين الحربين، والتي شهدت نشوء وسقوط عصبة الأمم ومحكمة العدل الدولية الدائمة، فيمكن اعتبارها بمثابة فترة انتقال حيث سادت الشكوك حول حق الدول الكبرى في التدخل وبعد ظهور الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والمنظمات الدولية أصبح التدخل يعتمد على فكرتين أساسيتين هما :
1- أن المساواة بين الدول بغض النظر عن حجمهما ونفوذها أصبحت قاعدة أساسية. وذلك على الرغم من الحقيقة السياسية ووجود العملاقين وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية إذ لم يعد بإمكانهما الهيمنة على العالم بشكل كامل. وإن أي قاعدة قانونية دولية لا تنطبق على جميع الدول بالتساوي ولا تعتبر قاعدة صالحة وهكذا أصبح على الدول الكبرى أن تسمع رأي الدول الصغرى، وأن تأخذ به وأصبحت الدول الصغرى والشعوب التي كانت ضعيفة ومغلوبة على أمرها ومستعمرة ذات تأثير على الأمم المتحدة وذات كلمة مسموعة ولها دور كبير تلعبه في المحافل الدولية.

2- إن وسائل حماية مصالح الدولة قد تطورت وتوسعت وتحسنت كثيرا ويتوقع من الدول أن تستفيد من الإمكانيات المتاحة لها من قبل الأمم المتحدة لتنفيذها ولقد أصبحت فكرة سيادة الدولة، فمن مفهوم عدم التدخل فكرة مطلقة تقريبا إذا ما نظر إليها من الجانب السلبي، أي جانب عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أما الجانب الإيجابي فإن سيادة الدول أصبحت محدودة من حيث إمكانية تطبيق نظام الأمن الجماعي المنشار إليها سابقا.

وهكذا أصبح التدخل من قبل دولة منفردة بشؤون أخرى يعتبر إجماع الدول أمرا ممنوعا وغير مشروع ولكن نظرا لأن التسويات وأحيانا الإكراه يبقى ضروريا إلى درجة ما في البيئة الدولية فإن الحل يكمن في فكرة الحل والتدخل الجماعي لذا فالتدخل الجماعي الذي يتم ضمن إطار منظمة دولية معترفا بها، لقيادة قوة مشتركة لصياغة السلم والأمن الدولي يمكن أن يعتبر مشروعا وفي الفقه القانوني الدولي والممارسة الدولية المعاصرة لا يعتبر التدخل مشروعا إلا إذا تم بالنيابة عن الأمم المتحدة أو المنظمات المنظمة على غرارها.
  • الفقرة الثانية : العدوان
رغم فظاعة الحرب ونتائجها على البشرية والطبيعة والحياة، مازالت الحرب مقبولة من حيث المبدأ في المنطق الدولي والمنظمات الدولية والحكومية وما زال تعريف جريمة العدوان ينتظر دخوله حرمة المحكمة الجنائية الدولية، ولقد أظهرت معطيات علم الأناسة أن الحرب ظاهرة منتشرة بكثرة وإن اختلف تواترها وتواجدها بين الشعوب وكان بعضها مثل الاسكيمو والاندمانيز فمن الصعب معرفة كم من الشعوب المسالمة التي أبيدت لأن خيار السلام لم يكن عالميا وبقي قانون الغاب يعطى الأقوى الحق في البقاء والهيمنة.

1- تعريف العدوان :

شغلت مشكلة تعريف العدوان الحكماء والفلاسفة على مدى القرون العديدة وقد انبثق مفهوم العدوان منذ أيام روما القديمة ويعيد مؤرخو القانون مصطلح العدوان إلى الكلمة اللاتينية Aggressio أي الاعتداء، وكان من أقدم التعاريف الظاهرة اعتداء من دولة أقوى على دولة أضعف لتحقيق مكاسب ومصالح والتوسع في حدود وثروات المعتدى شهد في قواميس علم الاناسة الانتروبولوجيا تعبير جماعة بدل دولة باعتبار العدوان قد سبق الدول.
كما إن قد يكون المبرر الأخلاقي الرئيسي للحرب هو صيانة الأبرياء من الضرر الأكيد لقد ألف القديس أوغسطين كتابه مدينة الإله في القرن الخامس الميلادي وكان لعمله هذا بالغ الأثر في فكرة الحرب العادلة كما أكد على ضرورة بناء منظومة متكاملة للعلاقات السلمية بين البشر وعدم حصر الموضوع بالتعبير المسلح لا يكمن السلام الحقيقي وحسب في غياب الصراعات المسلحة وإنما في النظام السلمي على العكس من غياب الحرب لا يعني بالضرورة غياب الصراع.

ولقد أوجدت البشرية أشكالا متعددة لحماية نفسها من العدوان وفظائع الحرب أو على الأقل من أهوال الاعتداء على النفس والعرض والمعتقد والطبيعة والأرض في المجتمع العربي قبل الإسلام بحيث ابتكر العرب الأشهر الحرم وهي أشهر يحرم فيها وقوع الحرب لأي سبب كان ولأي مبرر كان حفاظا للنفوس وردا للعدوان وبحثا عن الوسائل السلمية في حل النزاعات.

2- أعمال العدوان :

لقد جاء ميثاق الأمم المتحدة خاليا من أي تعريف للعدوان ويعود السبب في ذلك برأي البعض إلى الرغبة في تجنب تحديد المفهوم والاحتمال ألا يأتي التعريف دقيقا وشاملا مما يؤدي لاستفادة المعتدي من ذلك.
هذا بالإضافة إلى أن مصطلح العدوان يشمل جوانب سياسية وقانونية وعسكرية ومنطقية يصعب إدراجها في تعريف واحد وجامع.

ولقد ارتؤي أثناء الأعمال التحضيرية للأمم المتحدة ترك تحديد العدوان إلى مجلس الأمن، وفعلا فإن المجلس المذكور قد لجأ في كثير من المناسبات إلى تعريف العدوان كما أن الأمم المتحدة لم تنفك عن محاولاتها لتعريف العدوان، ولقد كانت أول محاولة جدية لذلك هو المقترح الذي تقدم به الاتحاد السوفيتي في الدورة الخامسة والذي بين فيه أنه من أي صراع ذو طبيعة دولية تعتبر الدولة معتدية إذا كانت البادئة بارتكاب أحد الأعمال التالية : إعلان الحرب، غزو إقليم دولة أخرى بقواتها المسلحة، قصف إقليم دولة أخرى، مهاجمة السفن والطائرات، إنزال أو قيادة قوات مسلحة داخل حدود دولة أخرى دون إذن منها، اللجوء إلى الحصار البحري.
أحيل هذا المشروع إلى بعثة القانون الدولي والتي قررت أن تعالج الموضوع بإضافة ما يلي : المادة 2 من بروتوكول الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية المقترح (أي عمل من أعمال العدوان بما في ذلك استخدام القوات المسلحة بناء على سلطة الدولة ضد دولة أخرى لأي هدف خلاف الدفاع عن النفس الفردي أو الجماعي أو تنفيذا لقرار صادر عن إحدى أجهزة الأمم المتحدة المختصة.

ولقد تم النظر في الموضوع مرة أخرى في الدورة السادسة للجمعية العامة حيث أحيل إلى اللجنة السادسة التي كلفت بدراسة العدوان وتعريفه ولقد طرح أمامها العديد من المشاريع والقرارات ومن بينها مشروع معدل لمشروع التعريف السوفيتي وإنقسمت الآراء داخل اللجنة فكان البعض يرى عدم إمكانية وضع تعريف شامل للعدوان لأنه سيغفل حتما ذكر بعض الأفعال التي يمكن تصنف كعدوان مما يجعل المعتدين يرتكبون أعمالا عدوانية دون إمكان إدانتهم.

ويرى البعض الآخر ضرورة وضع تعريف للعدوان بحيث يكون مرشدا للدول إضافة إلى أن ذلك يعتبر خطوة هامة في تقدم القانون الدولي، في ردع الدول التي تفكر في الاعتداء وإن وجود تعريف ناقص خير من عدم وجوده وإذا وجدت عيوب فيمكن تعديلها فيما بعد على أن الموافقة لم تحصل بهذه السهولة فقد استمرت اللجنة الخاصة في جهودها ومناقشتها وأخيرا تمكنت من وضع مسودة قرار بهذا الشأن تبنتها الجمعية العامة في نهاية عام 1974،[17] لقد عرف القرار العدوان بأنه استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ضد سيادة دولة أخرى أو وحدتها الإقليمية أو استقلالها السياسي أو بأي أسلوب يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة كما هو مبين في هذا التعريف.[18]
وبموجب هذا التعريف، يعتبر استخدام القوة من جانب إحدى الدول دليلا أوليا وإن لم يكن قاطعا على العدوان أي أن بإمكان مجلس الأمن أن يتوصل إلى قرار مخالف أو معاكس على ضوء الظروف الخاصة بالقضية.


وعلى هذا وبغض النظر عن وجود إعلان الحرب أم لا، فإن الأعمال التالية تعتبر أعمالا عدوانية :
  • أولا : غزو أو هجوم دولة ما بقواتها المسلحة على أرض دولة أخرى أو أي احتلال عسكري مهما كان مؤقتا ناجم عن هذا الغزو أو أي ضم باستخدام القوة المسلحة لأراضي دولة أخرى أو جزء منها.
  • ثانيا : قصف دولة ما بقواتها المسلحة أراضي دولة أخرى أو استخدام أية أسلحة من قبل دولة ضد أراضي دولة أخرى.
  • ثالثا : حصار موانئ أو سواحل دولة ما من جانب القوات المسلحة التابعة لدولة أخرى.
  • رابعا : أي هجوم تقوم به القوات المسلحة لدولة على القوات البرية أو البحرية أو الجوية لدولة أخرى.
  • خامسا : استخدام القوات المسلحة لدولة ما الموجودة داخل أراضي دولة أخرى بموافقة الدولة المستقلة على نحو يناقض الشروط المنصوص عليها في الاتفاق أو أي تحديد لبقائها في هذه الأراضي إلى ما بعد إنتهاء الاتفاق.
  • سادسا : سماح دولة باستخدام أراضيها التي وضعت تحت تصرف دولة أخرى.
  • سابعا : إرسال عصابات أو جنود غير نظاميين أو مرتزقة مسلحين من قبل دولة أو نيابة عنها يقومون بأعمال تنطوي على استخدام القوة ضد دولة أخرى وعلى درجة من الخطورة بحيث ترقى إلى مصاف الأعمال المذكورة أو مشاركتها أي الدولة في ذلك بشكل كبير.[19]
3- أثار جرائم الحرب والعدوان:

إن الجرائم الدولية هي خرق لكل الأعراف والمواثيق كما أنها تشكل التزامات قانونية وإنسانية اتجاه الدول والمنظمات الدولية لذلك فإن منع ارتكاب الجرائم والحد منها هي من مسؤولية الجميع وخاصة المجتمع الدولي وخصوصا ما ورد في الباب السادس والباب السابع المواد 39 و50 والمتضمنة اتخاذ كافة الإجراءات ضد الجرائم الدولية وخاصة جريمة الحرب والعدوان المسلح التي ترتكب ضد دولة أخرى وخول مجلس الأمن الصلاحيات اللازمة لاتخاذ تدابير عسكرية أو غير عسكرية وفقا للمادتين 41 و42 المتضمنتين تصرف مجلس الأمن بما يحفظ الأمن والسلم الدوليين باعتباره ومن الناحية القانونية لا يجوز للنائب أن يتصرف في نيابته إلا في حدود الصلاحية المخول بها في تلك النيابة وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عدة قرارات أدنت بموجبها استخدام القوة من بينها القرار الذي اتخذته في دورتها الرابعة والثلاثين لعام 1986 بشأن إدانة العدوان والناحية القانونية يلزم الدول أن تقتنع عن الاعتراف بشرعية الحرب والعدوان والآثار المترتبة عنها كما يجب على الدول وفقا للميثاق أن تمتنع عن تقديم المساعدات من شأنها الإبقاء على الحالة التي أوجدتها تلك الجرائم. أما المسؤولية الفردية عن ارتكاب الجرائم الدولية التي تترتب على الأشخاص بغض النظر عن صفاتهم أو الحصانات التي يتمتعون بها سواء كانوا رؤساء أم قادة عسكريين.

ويبقى من مهمات المجتمعات المدنية على الصعيد العالمي البقاء في حالة ترقب من أجل عزل كل أخطار جريمة العدوان على صعيد الرأي العام فليس سرا أن الدول التي تمارس العدوان اليوم إما تقاطع المحكمة الجنائية الدولية كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل أو تقيد صلاحياتها غير ما يمكن تسميته امتياز الفيتو الذي يسمح لها بوقف التحقيق في أية مقاضاة خلال فترة عام، إن وجود مجموعات ضغط قوية لمحاسبة مرتكبي جريمة العدوان يسمح بوضع المحاسبة القانونية على أجندة أي قضاء مستقل في أي بلد ديمقراطي يعمل بفقه الاختصاص الجنائي العالمي ويحترم العرف القانوني الدولي الذي يعتبر جريمة العدوان من الجرائم الجسيمة الكبرى في المجتمعات البشرية.

المعيار المتعلق بالتناسب، والتفرقة بين الأهداف العسكرية والمدنية:
إن إعطاء الحق في مقاومة الاحتلال ليس مطلقًا، بل إنه يخضع لضوابط آنفًا، وتلك المقتضيات المتعلقة بقانون الحرب والقانون الدولي الإنساني المطبقان على حركات المقاومة،
وكل ما يتخللها من أعمال عسكرية، لأن انتهاك قواعد القانونين وعدم الامتثال لقيودهما يفقد حق المقاومة شرعيته، فتتحول كل الأعمال الجارية في ظله وبسببه إلى أعمال إرهابية، وذلك عندما يتغاضى أصحاب هذا الحق عن تلك القوانين، أو في حالة تعسفهم في استعمال حقهم ذاك، وهذا ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الخلط وصعوبة التمييز بين الأمرين بوضوح ودقة.

وقد قدم أحد الدارسين افتراضين لهذا المعيار وما يرد عليهما من استثناء؛ إذ قامت الفرضية الأولى على عدم اعتبار أفعال العنف المميز الموجه إلى الأهداف العسكرية والمقاتلين إرهابًا، والاستثناء الوارد على هذه الفرضية هو إمكانية أن يصبح الهجوم على الأهداف العسكرية والمقاتلين عند نقطة معينة على قدر من اللاتمييز، كما في الحرب النووية، فيصبح إرهابًا من حيث الأثر إن لم يكن من حيث القصد والفرضية الثانية تتمثل في اعتداءات العنف غير المميز و الموجه عمدًا إلى غير المقاتلين، أي إلى المدنيين والأهداف المدنية يعتبر إرهابًا، أما الاستثناء الوارد عليه يتمثل في كون الاعتداء على المدنيين إذا وصل لحد معين من التمييز في اختيار الهدف والوسيلة فهنا لا يعتبر إرهابًا وهذا يعني أن أعمال المقاومة المسلحة يمكن توجيهها نحو المدنيين غير الأبرياء، مثل العملاء والجواسيس ممن يتعاملون لصالح الاحتلال، كذلك الأهداف المدنية ذات العلاقة بإدارة الاحتلال والتي تعد غير بريئة أمام المقاومة العسكرية، التي تكون في هذه الحالات أعمالها ذات شرعية ولا تعد إرهابًا.

ثالثًا: معيار النظر إلى العلاقة بين الأطراف المتحاربة وصفة الضحايا:
إذ يعتمد في تحديد صفة الضحايا الذين يقعون نتيجة العمليات العسكرية العدائية بين حركات المقاومة والمستعمرين، أي تحديد ما إذا كانوا عسكريين أو مدنيين، فتكون الأعمال القتالية الموجهة نحو الفئة الأولى مشروعة في حين تكون غير ذلك إذا وجهت عمدًا وبشكل رئيسي ومباشر نحو الفئة الثانية، فتعتبر وفق لذلك إرهابًا
كما ينبغي الأخذ في الاعتبار وضعية الضحايا بالنسبة للصراع القائم بين الطرفين وعلاقتهم مع المتحاربين، بمعنى آخر: يجب معرفة إن كان هؤلاء الضحايا يتبعون الطرف المعادي بشكل مباشر، أم يتبعون طرفًا ثالثًا، وهنا يجب البحث في علاقة هذا الأخير بالطرفين المتحاربين، فإذا تبين أن الطرف الثالث محايد لا يتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في الصراع الدائر بينهما، فإن جميع الضحايا المنتمين إليه( الطرف الثالث) وبسبب هذا النزاع، يعتبر نتيجة لأعمال إرهابية غير مشروعة وجهت إليهم من أحد الأطراف المتحاربة، ويتحمل الطرف الجاني مسؤولية هذه الأعمال والنتائج المترتبة عليها.

وحسب هذا الرأي فإذا تبين أن طرفًا ثالثًا ليس في موقف حياد، بل يميل إلى أحد الأطراف المتنازعة بالتأييد أو بتقديم المساعدة والدعم السياسي والعسكري والمادي، فعليه إذن تحمل تبعات موفقة هذا، خاصة فيما إذا اعتبر أحد الطرفين المتحاربين هذا الموقف تصرفًا عدائيًا ومشاركة للطرف الثاني في عدوانه وإرهابه.
وقد ذهب البعض- ونحن معهم- إلى أن هذا الرأي مجانب للصواب حينما يعطي تبريرًا لاستهداف الضحايا المدنيين، لكون أنظمتهم السياسية أو أصحاب القرار عندهم يساندون طرفًا من الأطراف المتحاربة بشتى أنواع الدعم، فيحملون المدنيين الأبرياء أوزار حكوماتهم على أساس أنها تبعات هذا الانحياز، وبالتالي لا يمكن اعتبارهم ضحايا إرهاب، لكن المنطق السليم يقتضي مراعاة جانب الأطراف المتحاربة مهما كانت وضعيتها والأطراف الأخرى، أو موافقتها لأنه وحسب القانون الدولي وقواعد الشرعية فإن المساس بالأبرياء غير المحاربين أو الذين لهم علاقة مباشرة بالنزاع ممن ينتمون لسلطة الاحتلال، أو في تدخل استعماري أو أي عدوان آخر، يعتبر عملًا إجراميًا يخرج من نطاق المقاومة، وإلا أعطينا المبرر حسب هذا الطرح لإسرائيل مثلا لضرب مدنيين عرب في أي مكان من بقاع العالم، ما دامت الدول العربية والإسلامية كلها أو معظمها تؤيد المقاومة وتدعم حركة التحرير الوطنية الفلسطينية، مما يدخلنا في خلط كبير للتمييز بين الأعمال المشروعة للمقاومة وأعمال الانتقام والانتقام المضاد، ولذا فإن ما تقوم به اليوم الولايات المتحدة وإسرائيل مما تدعيانه أنه دفاع شرعي، هو من أعمال الإرهاب من الدرجة الأولى

المعيار المتعلق بالنظر إلى المسؤولية في الجريمة الدولية:
فمواضع الإباحة للأعمال التي تبدوا أنها إرهابية للوهلة الأولى وقبل التثبيت من مقتضياتها الحقيقية، وفحوى ذلك وبالرجوع إلى القاعدة العامة، فإن الجريمة الدولية تمثل عملا غير مشروع، لكن لا يكفي القول بوقوع مثل هذه الجريمة حدوث الفعل المكون لها لمجرد انطباقه من الناحية الشكلية على النموذج المحرم في النص القانوني المنشأ والمحدد لهذه الجريمة، إذ لابد للوصول إلى هذه النتيجة من التأكد من أن هذا الفعل ينطبق من الناحية الموضوعية مع النص القانوني، وذلك بعدم استغراقه أو دخوله تحت طائلة الاستثناء، فقد يرد على هذا النص فيبيحه في هذه الحالات الاستثنائية رغم بقائه مجرمًا في باقي الحالات التي تحكمها القاعدة العامة.
وهذا يدخل ضمن الاعتبارات القانونية والإنسانية والاجتماعية، التي تضع لكل قاعدة عامة استثناءات تماشيًا مع الظروف والدوافع المحيطة بالفعل المقترف، وأهم مثال على ذلك: فعل القتل الذي يعتبر جريمة في القوانين الداخلية كمبدأ عام مقرر، لكن قد تخرج واقعة القتل كجريمة من صورتها الشكلية المتماشية مع النص القانوني في حالة ورود الفعل ضمن الاستثناءات على تلك القاعدة، فيتنقل بالتالي الفعل من التجريم إلى الإباحة والمشروعية عند القتل دفاعًا عن النفس في إطار الحدود الموضوعة قانونًا، فلا نكون بذلك أمام جريمة قتل رغم أن الفعل ينطبق من الناحية الشكلية على النص القانوني المجرم له ونجد أن الأمر نفسه يتكرر بالنسبة لقواعد القانون الدولي، فمثلًا: الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة تنص على حظر استخدام أو التهديد باستعمال القوة في العلاقات الدولية وفيما بين الدول خلافًا لأحكام هذا الميثاق، وهذا يعني من حيث النتيجة أن كل استخدام للقوة أو التهديد باستعمالها يشكل جريمة دولية، وهذا ما يؤدي إلى التأكيد على أن هناك حالات لاستخدام القوة تتم بالتوافق مع أحكام هذا الميثاق، ولا تقع تحت حظر القاعدة العامة الواردة في الفقرة المذكورة، وهذا ما أشارت إليه المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة حينما نصت على حق الدول فرادى وجماعات وبالأحرى الشعوب اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة في حالة الدفاع المشروع عن النفس إذا تعرضت للعدوان أو الاحتلال العسكري من جانب دولة أو دول أخرى.

ويقع في هذا الميثاق تطبيق حالة الضرورة الملجئة، أو الإكراه بكل أنواعه، و الذي يدفع من خلاله الفاعل دفعًا اضطراريًا دون إنذار مسبق، فلا يجد أمامه أي اختيار سوى دفع الضرر أو الاعتداء الواقع عليه، ويكون ذلك مبررًا قويًا لارتكابه للفعل المّصور للجريمة المعاقب عليه بالنص القانوني والذي يرفع عنه المسؤولية في حالات الإباحة.
وقد طبقت هذه القواعد الاستثنائية ميدانيًا – ولو بصفة نسبية خاصة في ظل المستجدات الدولية – من خلال ما تقوم به حركات التحرير والمقاومة المسلحة التي تضطر في بعض الأحيان إلى ممارسة الإرهاب بمفهومه الإيجابي، والذي يقوم على ضوابط المشروعية في مواجهة الاعتداء أو الاحتلال، مما يؤدي عند الضرورات خاصة العسكرية منها إلى تنفيذ الأعمال الإرهابية في مراحل نضالاتها، أمام ضعف إمكانياتها وعدم مقدرتها الدخول في معارك مفتوحة واسعة مع العدو، أو ربما تحت تأثير حالة الضغوط السياسية والإعلامية الدعائية التي تحتم عليها اللجوء إلى مثل هذه الأساليب لنشر قضيتها العادلة
ومن ثمة تنبيه المجتمع الدولي والرأي العام العالمي ولفت أنظارهما إليها، وعلى هذا الأساس فإن حركات المقاومة المسلحة تنتفي عنها المسؤولية الجنائية والإكراه المادي والمعنوي بالأعمال الإرهابية خاصة إذا كانت ردًا على عمليات مماثلة سابقة نفذتها سلطات وقوات الاحتلال بحق سكان الأراضي المحتلة، أي عن طريق المعاملة بالمثل([93]).

ويبقى هذا الرأي قابل للنقاش الموضوعي إذا ما أردنا العودة إلى الاتجاه الذي يعطي حق استخدام القوة للحركات التحريرية لكن مع شروط تتعلق بعدم المساس بالأبرياء أو تعريض حياتهم للخطر، وينبغي أن تبتعد حركات المقاومة لتحرير الأوطان عن مثل هذه الأعمال، والتركيز على مقاومة الطرف المعتدي علي أوطانها، ووضع مبدأ التمييز نصب أعينها لا تغفل عنه؛ حتى لا تتذرع الدول المعتدية بذلك لوصم أعمال تلك الحركات بالأعمال الإرهابية.

وأعتقد أن هذا هو الوضع الذي يطرح إشكال الخلط بين الإرهاب والمقاومة وعامل المشروعية وعدم المشروعية، الذي يفرق بين الاتجاهين المميز وغير المميز بين الصورتين، وقد ظل تغليب الكفة الثانية عن الأولى نظرًا لاستئثار الرأي القوي الذي تتزعمه المجموعة الغربية بريادة الولايات المتحدة الأمريكية، مما أدى إلى التأثير في المواقف المتخذة هنا وهناك، عبر مراحل التطور الذي يشهده المجتمع الدولي، وأصبحت المتغيرات الجديدة التي تصب في الاتجاه الذي يفرض تصوره للعالم والذي أخلط المفاهيم وأقلب الموازين بين ما هو مقدس وما هو مدنس، فأتضح بصورة جلية مدى تأثير الإرهاب الدولي على حق تقرير المصير، باعتباره مبدأ مقدسًا بالمقياس الإنساني والحقوقي.


الإطار العام لتحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية:

تحريم استخدام القوة :
تنص المادة الثانية الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة على أنه : “يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أوب استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أم على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة”.
فالمادة 2 الفقرة 4 نصت بالحرف على ضرورة الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد سيادة الدولة بأية طريقة تتنافى وأهداف الأمم المتحدة المتمثلة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. فاكتسب مبدأ تحريم القوة استخدام في العلاقات الدولية القوة القانونية، فالنص حرم كل الأشكال التي يمكن أن تتخذها القوة المستعملة من خلال عبارة “صد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة سواء كانت هذه القوة مباشرة أو غير مباشرة كالضغوط السياسية والعسكرية والاقتصادية، إلا أنه أثير نقاش حول دلالات مفهوم القوة الواردة في المادة 2 الفقرة 4، حيث اعتبر جانب من الفقه أن المقصود من لفظ القوة هو القوة المسلحة التي تأكد شكل الاعتداءات المسلحة أي العسكرية ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي للدولة، فلا يجوز اعتبار التهديدات العسكرية أو الإعلامية تشجيع وإثارة الاضطرابات الداخلية فعلا من أفعال القوة الذي يستوجب الدفاع الشرعي وفقا لمقتضيات المادة 51 من الميثاق.

كما أثير نقاش حول مجال استخدام القوة في نطاق نفس المادة، وربطها بالدولة دون سواها من الأشكال التنظيمية الأخرى من خلال لفظ علاقاتهم الدولية ولفظ الدولة في نص المادة، وهو ما يخرج التنظيمات غير المتوفرة على مقومات الدولة “الأرض، الشعب، السلطة السياسية” وخاصة الحركات التحررية الوطنية، التي تسعى للرقي لمستوى الدولة المستقلة عبر ممارسة شعبها لحقه في تقرير المصير. وهكذا لا يعتبر استعمال القوة في حالة ممارسة الشعوب لحقها في تقرير المصير محرما وفقا لروح المادة 2 الفقرة 4 من الميثاق، ويعتبر عدم احترام هذا المبدأ بمثابة عدوان يمنح فيها للدولة المتعرضة له الحق في رده في إطار الدفاع الشرعي للدولة إلى أن يتدخل مجلس الأمن الدولي ليتخذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين.

كما أنه تفاقم الخلاف بين القائلين بمطابقة تحريم استخدام القوة الوارد في المادة 2/4 من الميثاق وبين القائلين باقتصاره على مظهر من مظاهر استخدام القوة فحسب بشأن فجوى حلف شمال الأطلس ناتو للقوة العسكرية ضد يوغوسلافيا لتسوية النزاع، استخدام القوة لغير هذه الغاية أمرا شرعيا ؟ فيجوز بالنتيجة استخدام القوة حيثما لم يكن الغرض الإحاطة بالحكومة أو احتلال الإقليم التابع للدولة أو تفتيته.

2- تحريم الحرب وعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية :
يكمن روح الميثاق لذلك ينبغي تفسيره وفقا لبنود الميثاق وأهدافه وقد عبرت الديباجة في فقرتها الأولى عن تصميم الدول الأعضاء على إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف ولقد عبرت الفقرة الرابعة عن عزم الدول الأعضاء ألا تستخدم القوة وروح الميثاق أهدافه هو إنقاذ البشرية من ويلات الحروب ولقد حدد الفصل السابع من الميثاق الأحكام التي في إطارها يمكن اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة وأكد على أن لمجلس الأمن وحدة السلطة التقريرية إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان وقع عمل من أعمال العدوان وإذا ما قرر المجلس ذلك يقدم توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه في التدابير طبقا لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه المادة 39 من الميثاق كالمواد 42-51 من المواد الوحيدة التي تتعامل مع استخدام الفعلى للقوة، ولا يوجد من ميثاق الأمم المتحدة أية مادة تخول لأي عضو من أعضائها استخدام القوة من جانب واحد، عدا الحالة المحددة والمقيدة والتي نصت عليها المادة 51 وهو الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم، إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي.


وحتى لو اضطرت دولة على استخدام هذا الحق الطبيعي ينبغي عليها إبلاغ مجلس الأمن فورا وللمجلس عند ذلك بمقتضى سلطاته الخاص بإقليم كوسوفا عام 1999 فعبرت العديد من الدول وذلك الدارسون والمحللون عن مواقف قانونية مختلفة ومتباعدة ادعت طائفة من الدول والدارسون بنشوء حق جديد يجيز للدول التدخل لأغراض إنسانية بينما تبنت طائفة أخرى موقفا مخالفا فحواه عدم قانونية العملية الأطلسية وأنها تنطوي على خرق جسيم لأحكام ميثاق الأمم المتحدة عموما وللمادة 2/4 معه على وجه الخصوص.


وما أشبه اليوم بالأمس، كالخلاف المحتدم الآن حول المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة يشبه ذلك اليوم الذي نشب في الأيام الأولى التي أعقبت إقرار ميثاق الأمم المتحدة، أما السبب الأكثر أهمية الكامن وراء احتدام الخلاف حول تفسير نص المادة 2/4 وحول نطاق الحكم الوارد فيها. فقد تمثل آنذاك بمدى شمول هذا النص سائر القواعد العرفية الناظمة لاستخدام القوة في العلاقات الدولية عند وضع الميثاق ونفاذه فهل تعد المادة 2/4 انعكاسا على العرف النافذ آنذاك أم أنها تنطوي على قطيعة جدرية بين ما كان معمولا به حتى عام 1940.

إن الصيغة اللغوية التي ورد بها الحكم المقرر في المادة 2/4 يثير مجموعة من الأسئلة ومهمة فهل يستفاد من عبارة صد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة أن الحكم القاضي بتحريم اللجوء إلى القوة يقتصر أثره على الحالات التي توجه فيها القوة ضد الاستقلال السياسي للدولة وضد وحدتها الإقليمية ؟ وهل يعد ومسؤولياته الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذ من الأعمال بحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه وما عدا هذا الحق المقيد فإن الميثاق يحرم اللجوء إلى استخدام القوة ويطلب من جميع أعضائها فض منازعاتها الدولية بالوسائل السلمية الفقرة 3 من المادة الثانية.
إن الإخلال بهذا المبدأ هو تقهقر إلى الوراء والعودة إلى سيادة قانون القوة في العلاقات الدولية.

3- الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة :

لقد أصدرت منظمة الأمم المتحدة العديد من القرارات الدولية التي أدانت العدوان وحرمت الاستيلاء على أراضي الغير وصفها بالقوة وكذلك بالنص صراحة على مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة في مناسبات عديدة منها ما ورد في المادة الثامنة من مشروع وحقوق وواجبات الدول التي تقدمت بها إلى الجمعية العامة عام 1947 والذي أخذت فيه أنه يجب على كل دولة أن تمتنع عن الاعتراف باكتساب الأقاليم الناجم عن استعمال القوة أو التهديد بها وكذلك المادة 11 من مشروع حقوق وواجبات الدول التي أعدته لجنة القانون الدولي كما أصدر مجلس الأمن القرار قمن 3256 في 2 تشرين الثاني 1956 والقرار رقم 3257 في نوفمبر 1956 والقرار 242 في 22 تشرين الثاني 1967 والقرار 252 في 21 أيار 1968 وغيرها من القرارات التي أكدت على مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة. وفي الوقت نفسه رأت محكمة العدل الدولية عدم مشروعية اكتساب أي أراضي عن طريق القوة أو التهديد باستعمالها.

4- مفهوم القوة الوارد في الميثاق :
لم تحدد الفقرة 4 من المادة 2 ما إذا كانت القوة التي تشير إليها هي القوة المسلحة أو أي نوع آخر من القوة المسلحة أو أي نوع آخر من القوة.
ويرى البعض أن المقصود بالقوة هي القوة المسلحة فقط، باعتبار أن تطبيق هذه القوة أو استخدامها إنما يتم بواسطة حرب عدوانية أو هجوم مسلح أو عدوان ترتكبه الدول باستخدام قواتها المسلحة أو جماعة تابعة لها أو مسندة من قبلها.

ويستند هؤلاء في ذلك بالرجوع إلى عبارة القوة المسلحة الواردة في ديباجة الميثاق، على الرغم من أن العدوان لم يكن قد عرف عند وضع الميثاق وسوف نتطرق لذلك فيما بعد إن هذا يعني أنه ليس هناك ما يمنع دولة ما من اللجوء إلى أعمال انتقامية أو غيرها لا تنطوي على استخدام القوة إذا ارتكبت دولة أخرى عملا يتنافى والقانون الدولي ويرى فريق آخر من الفقهاء أنه ما من سبب قانوني يدعو إلى اقتصار معنى القوة على القوة المسلحة فقط، بل أن ذلك يمكن أن يوسع ليشمل الضغط الاقتصادي، أو النفسي أو أعمال أخرى ويشفعون رأيهم بأن الإكراه السياسي والاقتصادي قد يكون تهديدا للاستقلال السياسي للدولة، يعادل في خطورة التهديد العسكري.
ومن هذا الرأي كالسن وهناك فريق ثالث ومنهم براونلي وروزالين هجنز، يميلون إلى رأي كالسن مع القول بأن القوة لا تشمل الإكراه غير العسكري الذي يمارس على مستوى واطئ، ويقصدون بذلك استخدام الإكراه بدرجة تكفي لتقييد حرية تصرف الدولة الموجه ضدها، ولكن التأثير في أمنها القومي، ويعتقدون أن ذلك أمر تتطلبه الحياة الدولية العملية، لذا فهو عمل مشروع ولا يعتبر جريمة دولية بل أضرار دولي.
وإذا أردنا تبني مفهوم القوة المسلحة فلابد من تحديد ما هو المقصود بالسلاح فهل يقصد به المتفجرات فقط ؟
أم الأسلحة الجارحة أم هو كل ما يسبب التدمير للكائنات الحية والممتلكات ؟

فإذا أخذنا بالمفهوم الأخير أفلا يعتبر السلاح الاقتصادي مدمرا أيضا ؟ فلا يؤدى إلى الموت جوعا ؟ وكذلك الحرب النفسية والإعلامية التي تسمم الأفكار وتزرع الخوف والفزع وهكذا يمكن اعتبار الضغط النفسي والإكراه والدعاية سلاحا لأنهما يدمران الروح والعقل ومن هنا يرى براونلي.

إنه من الضروري أن نقر فيما إذا كان استخدام العوامل التي لا تتضمن انفجارا أو تدميرا أو حرارة، يشكل استخداما للقوة لا كالعوامل الجرثومية والإحيائية والكيماوية مثل غازات الأعصاب.

وهو يرى أن استخدام هذه العوامل الأسلحة يمكن أن يعتبر استخداما للقوة بالاستناد على نقطتين الأولى، إلى أن العوامل المشار إليها توصف بأنها أسلحة وبأن استخدامها يكون نوعا من الحروب الحرب الجرتومية الحرب الكيماوية والنقطة الثانية هي الأهم أن هذه الأسلحة تستخدم لتدمير الحياة والممتلكات وغالبا ما تسمى أسلحة التدمير الشامل كذلك من الضروري التفكير في الوصف الذي يمكن أن يطلق على إجراءات مثل إغراق مساحة واسعة في الوديان المؤدية إلى أرض العدو أو إشعال الحرائق في الغابات وأماكن في الحدود فهل تعتبر مثل هذه الأفعال والإجراءات استخداما للقوة أم لا. وهل هي تؤدى إلى تدمير الحياة والممتلكات أم لا ؟

إن تبني أي من الفكرتين له أهمية كبرى في ترتيب نتائج وذلك لأن الأخذ بمفهوم القوة أي تفسير الضيق سيحرم الدول المعتدى عليها من اتحاد أي إجراء دفاعا عن نفسها تجاه أي اعتداء غير مسلح والعكس صحيح وعليه فإننا مع الرأي القائل بتوسيع مفهوم القوة بحيث يشمل كل الضغوطات السياسية والنفسية والاقتصادية، إضافة إلى استخدام كافة أشكال القوة الأخرى المشار إليها سابقا لما في ذلك من تجاوب مع مصلحة الدول النامية التي كثيرا ما تعرضت لضغوط مختلفة، وأن استخدام القوة قد يكون مباشرا، أو غير مباشر، ولكن الدولة تعد مسؤولة عن اللجوء إلى استعمال القوة المسلحة والمحرمة في الميثاق سواء تم القتال بواسطة قواتها النظامية أو غير النامية أو قوات الأمن والشرطة.

الفقرة الثانية : الاستثناءات التي ترد على منع استخدام القوة في العلاقات الدولية

بالنظر لحالة المنع التام لاستخدام القوة في العلاقات الدولية على الوجه المحدد في ميثاق الأمم المتحدة كما سبق بيانه في المطلب السابق، كأن الاستثناءات التي ترد على المبدأ جميعها تأتي كرد على استخدام غير المشروع للقوة، غير أنها تختلف من حيث المصدر وهدفها وشروط قيامها، فعندما تتعرض الدولة لهجوم مسلح، فإن الميثاق لا يمنع شك الدولة من استخدام القوة في شكل دفاعي فردي أو جماعي عن النفس، غير أن هذا الاستخدام ينحصر فقط في الحدود الدفاعية وذلك إلى أن يصل محل الدولة المدافعة مجلس الأمن. وأن فعل مجلس الأمن على هذا النحو لا يعتبر من قبيل الأعمال الدفاعية بل هو دو طبيعة قسرية، وهدفه المحافظة على السلم والأمن الدوليين وإعادتهما إلى نصابهما غير أن معيار التمييز الأساسي بين الفعلين هو أن مجلس الأمن يجب أن يستند إلى التفويض ويجب أن يكون صريحا وواضح وفق ما تقتضيه قواعد الفصل السابع أو قواعد الفصل الثامن من الميثاق، عندما يتعلق الأمر بفعل إقليمي، أما بخصوص فعل الدفاع عن النفس سواء معه الفردى أو الجماعي، أو الفعل ضد دولة عدو سابق، فإن الأمر لا يحتاج إلى تفويض من مجلس الأمن، حيث يقوم الحق بمجرد تعرض الدولة الضحية لحالة عدوان مسلحك وسوف نتناول هنا مسألة الدفاع الشرعي عن النفس أو الدفاع عن النفس.

1- الدفاع عن النفس :

إن الاستثناء المهم الذي ورد به نص صريح في ميثاق الأمم المتحدة خروجا على مبدأ تحريم استعمال القوة في العلاقات الدولية، هو الدفاع الفردى والجماعي عن النفس.
بحيث تعترف كافة النظم القانونية بحق الدفاع النفسي، وهو حق معترف به مادام القدم ومازال كذلك في ظل ميثاق الأمم المتحدة، ويرى بورت أن هذا الحق في المجتمعات البدائية يكون بيد الأفراد والدول لاستخدامه كما يرونه مناسبا. أما في المجتمعات الناضجة والمتقدمة، فإن استخدام هذا الحق يكون من صلاحية منظمة مركزية عالمية كعصبة الأمم أو هيئة الأمم المتحدة، ومع هذا فإن استخدام القوة للدفاع عن النفس يعتبر حقا استثنائيا بالنسبة للمنع العام لاستخدام القوة الوارد في الميثاق، وفي بعض الأحيان يكون من المناسب تحويل الدول استخدام هذا الحق، بعض النظر عن الصلاحيات المعطاة إلى المنظمة المركزية العالمية وذلك لوجود بعض الظروف القسرية والتي تؤثر بشكل مباشر على الدول المعنية، وعليها حماية نفسها بنفسها ولم يوضع لحد الآن أي تعريف مقبول بشكل عام لحق الدفاع عن النفس وإن كانت هناك محاولات في هذا السبيل.

ويرى مؤيدو القانون الطبيعي مثل كروشيوش وبيلي وجنتلي وفيتوريا أن حق الدفاع عن النفس هو أحد الأسباب عن الحرب العادلة أو أنه أحد الأسباب العادلة للحرب، وأن القانون الطبيعي لا يؤيد هذا الحق فقط بل إنه يأمر الدول لممارسته، وفي هذا يقول وولف على أي شعب أن يحمي نفسه وأن الجموع يعتمد على الأفراد في تأمين متطلبات الأمن والسلام ولكن بورت يرى أن الطريقة الأسلم لتعريف الدفاع عن النفس هي في تعداد أو تعريف الحقوق أو الأمور التي تلجأ الدول لحمايتها بواسطة حق الدفاع عن النفس وهو يرى أن هذه الأمور هي حق السلامة الإقليمية وحق الاستقلال السياسي وحق جماعة المواطنين وحق جماعة المصالح الاقتصادية ومهما كان فإن الأمر جوهر حق الدفاع عن النفس، هو وقوع خطأ ما بحق الدولة المعنية تحقق بموجبه مسؤولية الدولة المخطئة.

2- طبيعة حق الدفاع عن النفس :
إن كافة الشرائع الداخلية للدول تنظم حق دفاع الأفراد عن أنفسهم ويختلف نطاق ومجال استخدام ذلك الحق حسب درجة نضج النظام القانوني الذي ينظمه، إذ عمد في الأنظمة القانونية التي لم تبلغ درجة كبيرة من النضج وتركت هذا الحق دون قيود بينما من الشرائع التي بلغت رقيا وتقدما نجد أن هذا الحق مقيد بقيود كثيرة وهذا الأمر قد يضعف من شأنه ويقلل من أهميته.
ومن المستقر عليه أن سلطات المجتمع الرسمية هي المسؤولة الوحيدة عن حماية حقوق الأفراد داخل المجتمع وصاحبة الحق الأصيل في استخدام القوة وفق أحكام القانون، وتأسيسا على ذلك يمتنع على الأفراد استخدام القوة إلا خضعوا لأحكام القانون وفرضت عليهم عقوبات التي ينص عليها القانون لما كان ذلك فإن حق الدفاع عن النفس يعتبر حقا استثنائيا وأراد على الأصل العام الذي يقضي بتحريم ممارسة القوة داخل المجتمع ويستند الحق في الدفاع عن النفس في قيامه إلى وجود ظروف حتمية تتطلب إجراء الخطوات الأولى لحماية الحق والنفس بمعرفة الأفراد، وذلك إلى حين تدخل سلطات الدولة، وعلى ذلك فهناك شبه إجماع بين الأنظمة القانونية على تنظيم هذا الحق.

وإذا ما نظرنا إلى المجتمع الدولي كحدة يتميز بضعف ونقص في هيئاته التي تفضل ضمان تنفيذ القانون عن طريق الإجبار والتي تضمن الحقوق الدولية المعترف بها قانونا أما ذلك نجد الدول ذات السيادة تقوم بما يجب أن تقوم به تلك الهيئات، وذلك وفق نظرية ازدواج الوظيفة لذلك فإن الحق في الدفاع عن النفس يعد حقا هاما لكل عضو في المجتمع الدولي.
وفي تطور المجتمع الدولي المستمر نجده يتجه شطر إقامة هيئات دولية تتعاون الدول من خلالها من أجل حفظ السلام والأمن الدوليين وفي سبيل ذلك تتنازل الدول عن بعض مظاهر سيادتها، وقد صاحب ذلك التهديد بها في ميثاق الأمم المتحدة.

يضاف إلى ذلك أن المناقشات التي دارت أثناء وضع الميثاق منها الرغبة في هيمنة المنظمة على جميع صور استخدام القوة، لذلك أصبح ضروريا النص على الحق في الدفاع عن النفس وتنظيم مباشرته وهو ما حدث بالفعل إذ نظم الميثاق الحق في الدفاع عن النفس في مادته 51، وترجع الحاجة إلى تنظيم مباشرة ذلك الحق وتحديد نطاقه إلى أن عدم القيام بذلك سيجعل مبدأ الامتناع عن استخدام القوة المسلحة لغوا.
ولما كان ما تقدم فإن الحق في الدفاع عن النفس الذي ينظمه ميثاق الأمم المتحدة بعد استثناء من مبدأ الامتناع عن استخدام القوة المادة 2 فقرة 17 من ميثاق الأمم المتحدة.[35]
3- الدفاع الجماعي عن النفس :

بين ميثاق الأمم المتحدة في المادة 51 إن للدولة الحق في الدفاع الجماعي عن نفسها وإن للدول المعتدى عليها. أن تطلب معونة الدول الأخرى لصد العدوان ولقد أثار ذلك سؤالين الأول هل يشترط وجود معاهدة بين الدول لطلب المعونة ؟ والثاني هل يجوز لدولة أن تتقدم بالمعونة العسكرية دون طلب من الدولة الأخرى ؟
وبالنسبة للسؤال الأول فقد أثير خلاف حول حق الدولة في طلب المساعدة دون معاهدة فيرى البعض استبعاد فكرة حق الدول في مساعدة بعضها البعض دون الرجوع إلى مجلس الأمن لأن ذلك يجعله في المرتبة الثانية من حيث المحافظة على السلم والأمن الدوليين ويرى آخرون أن لا قيود على هذا الحق حيث أنه ورد مطلق في الميثاق، لذا ينبغي إبقاء المطلق على إطلاقه ما لم يتم تحديده.
إلى أنه هناك فرق بين الإجراءات الجماعية التي يتخذها مجلس الأمن الدولي وبين الدفاع الجماعي، إن هذا الأخير تلجأ إليه الدول. وهو إجراء تتخذه الدول للدفاع عن نفسها بموجب مسؤولياتها الخاصة ضمن تحديدات المادة 51 من الميثاق. أما الإجراءات الجماعية التي يتخذها مجلس الأمن فتكون تحت مسؤولية الأمم المتحدة وتتم إما بشكل العقوبات أو الأعمال القسرية وهي موضحة في المادة 1، الفقرة الأولى و24، 39-41-42 من ميثاق الأمم المتحدة.[36]المادة 58 من ميثاق الأمم المتحدة. والمادة 53 من ميثاق الأمم المتحدة.

4- الشروط الخاصة بالدفاع عن النفس الجماعي :

من المعلوم أن استخدام القوة لأغراض الدفاع عن النفس الجماعي ليس شائعا في الحياة الدولية، فالدول تنأى عادة عن المشاركة في النزاعات المسلحة ليست طرفا فيها، وبالرغم من أن الحياة الدولية المعاصرة شهدت إبرام عدد كبير من معاهدات الدفاع المشترك والتحالف العسكري، إلا أن ممارسات الدول وسلوكها الحقيقي لا ينمان عن الرغبة في استخدام القوة ضمن إطار الدفاع عن النفس الجماعي، فحالات كهذه كانت محدودة نسبيا ومعدومة ومن المسائل المثيرة للاشتباه أن الدفاع عن النفس الجماعي في حالات عديدة كغطاء لدعوى قوات أجنبية قبل أن يكون هناك هجوم مسلح، وذلك على أمل أن يكون الدفاع عن النفس الجماعي ضروريا في المستقبل، وبمعنى آخر يستفاد من رصد واستقراء أغلب حالات الدفاع عن النفس الجماعي أن هذه الصورة من صور الدفاع عن النفس كانت وسيلة للحيلولة دون وقوع هجوم مسلح أو من باب الاحتياط، وكان استخدام القوة العسكرية من حالات نادرة واستثنائية من حالات الدفاع عن النفس الجماعي يقع خارج الحدود الإقليمية للدولة “الضحية”.

يحاط الدفاع عن النفس الجماعي بعدد من الصعوبات والتساؤلات المعقدة، فإذا كان من اليسر التمييز نظريا بين الدفاع عن النفس الجماعي وبين المساعدة العسكرية التي قد تقدمها دولة إلى دولة أخرى نتيجة طلب من هذه الأخيرة للرد على تدخل خارجي تعرضت له، فإنه يصعب من الناحية العملية الفصل أو التمييز بينهما فالخط الفاصل بينهما قد يدق أحيانا إلى درجة كبيرة، ولا تغدو الشواهد المعدودة على الدفاع عن النفس الجماعي من خلاف وجدل واسع حول قانونيتها، ولا يرجع هذا الخلاف إلى جواز استخدام القوة في إطار الدفاع عن النفس الجماعي فض السواد الأعظم في هذه الحالات أثيرت تساؤلات حول توافر شرط الهجوم المسلح وحول توافر طلب فعلي أو حقيقي بالمساعدة من جانب الدولة الضحية كما أثير تساؤل حول جدة وأصالة نظرية الدفاع عن النفس الجماعي فقد أدخلت النظرية ضمن ثنايا ميثاق الأمم المتحدة في إطار الفصل السابع منه، وهو ما دفع بعض الكتاب إلى اعتبارها نظرية جديدة وليست سابقة الوجود على الميثاق. ومن الصعوبات الأخرى التي تثار بشأن الدفاع عن النفس الجماعي مسألة تحديد طبيعة هذا الحق فهل هو حق مستقل يخول دولة ثالثة استعمال القوة دفاعا عن دولة ضحية لهجوم مسلح أو أنه ينطوي على جملة من الحقوق الخاصة بدفاع عن النفس فردى لا يجوز إهماله أو ممارسته إلا إذا كانت الدولة الثالثة هي ذاتها ضحية للهجوم المسلح وما هي الشروط الإضافية الواجب تحققها لممارسته وهل يشترط لذلك وجود معاهدة سابقة ؟

إن ممارسة الدفاع عن النفس الجماعي مرهونة بتوافر الشروط والمتطلبات ذاتها الواجب توافرها للدفاع عن النفس الفردى لكنه يتطلب إضافة لهذه الشروط عددا من الشروط الأخرى من صدور إعلان من الدولة الضحية يقضي بتعرضها لهجوم مسلح طلب الدولة الضحية المساعدة من دولة ثالثة وشرط المصلحة أو وجود اتفاق مسبق بين الدول الضحية والدولة الثالثة للدفاع المشترك.[37]

5- ممارسة الدول لحق الدفاع عن النفس ضد دولة أخرى لحماية حقها في الاستقلال السياسي :
تلجأ الدولة إلى هذه الممارسات إذا ما قامت الدول الأخرى بتجاهل واجب عدم التداخل المشار إليه، وتدخلت بشؤون الدولة الأولى، وحيث أن حق الاستقلال السياسي وواجب عدم التدخل ليس حقان مطلقان، لذا فإن مشروعية اللجوء إلى الدفاع عن النفس لجماعة حق الاستقلال السياسي تكون نسبية. إذا ما وجدت مبررات مشروعة لتدخل الدولة الأخرى وهناك بعض التحديات المفروضة في حق الدفاع عن النفس لحماية حق الاستقلال السياسي، ولعل أهمها هو الحق المعطى إلى مجلس الأمن للتدخل في سبيل الصالح العام للمجتمع الدولي.

صحيح أن الفقرة السابعة في المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، تمنع الأمم المتحدة من التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لكنها تعود وتشير إلى أن هذا المنع لا يسري على تطبيق الإجراءات القسرية بموجب الفصل السابع من الميثاق أما التحديد الثاني فهو حق الدفاع عن النفس المعطى للدول الأخرى الأمر الذي يجعل ممارسة الدفاع عن حق الاستقلال السياسي مشروطا بأن يكون الخطر الذي يهدده حالا. وعدم تسير وسيلة بديلة أخرى لتجنبه، وإن الإجراءات المتخذة من قبل الدول يجب أن تكون متناسبة مع الخطر الناتج عن تصرفات الدول الأخرى ويعتبر الشرط الأخير أهم الشروط الواجب ملاحظتها إن هذا يعني أنه إذا كان الخطر قد نتج عن جراء قيام الدولة الأولى باستعمال القوة أو التهديد بها ضد الاستقلال السياسي للدولة فإن استخدام الدولة الثانية للقوة أو التهديد بها، وبشكل متناسب مع الخطر للدفاع عنها وعن نفسها يكون دفاعا مشروعا عن النفس.

6- ممارسة حق الدفاع عن النفس من قبل الدول ضد الأفراد :
قد تحدث بعض المواقف التي ينشأ عنها التهديد ضد الاستقلال السياسي للدولة جراء تصرف أفراد أو مجموعات لا تكون لأية دولة مسؤولة عنهم وأحسن مثال على ذلك يظهر عند قيام الدولة المعنية باتخاذ إجراءات المحكمة لتنفيذ التزاماتها بموجب القانون الدولي، لكنها غير كافية لمنع هؤلاء الأفراد من تنظيم أو القيام بحملة أو عند قيام مجموعة من الأفراد موجودة في إقليم دولة ما، بتنظيم أو تنفيذ حملة أو أعمال أخرى من شأنها المساس مباشرة بالاستقلال السياسي لدولة أخرى على الرغم من قيام الدولة الأولى باتخاذ كل من يمكنها من إجراءات لمنعهم، أو لتنفيذ التزامات بموجب القانون الدولي لمنع انطلاق مثل هذه الأعمال من إقليمها أي بمعنى آخر إن الإجراءات المتخذة من قبل الدولة الأولى تكون غير كافية لمنع هذه الجماعات من تنفيذ مقاصدها في مثل هذه الحالات، لا تكون الدولة التي تجري مثل هذه الفعاليات على إقليمها، قد خالفت القانون الدولي، أو خرقت أي من التزاماتها الدولية، لذا لا يجوز توجيه أي عمل من أعمال الدفاع عن النفس ضدها من قبل الدولة الأخرى التي تعرض استقلالها السياسي للخطر إن هذا لا يعني أن الدولة الضحية يجب أن تبقى مكتوفة الأيادي أو عاجزة عن اتخاذ أي إجراء لحماية نفسها قد تلجأ لاتخاذ أعمال أو إجراءات للدفاع عن النفس إلا أن هذه الإجراءات يجب أن توجه ضد الأفراد والمجموعات المسؤولة عن الأفعال المشار إليها وليس ضد الدولة الأولى وفي هذه الحالة تكون حالة الضرورة هي المبرر لاتحاد هذه الإجراءات وليس حق الدفاع عن النفس على أن تكون الضرورة ملحة، وأن لا يتوفر وقت للتفكير والتدبير وإجراءات أخرى.[38]

7- الدفاع الجماعي العربي :

عالج ميثاق الجامعة العربية هذا الموضوعة في المادة 6 منه : “إذ نصت إذ وقع اعتداء من دولة على دولة من أعطى الجامعة أو خشى وقوعه فالدولة المعتدى عليها، أو المهددة بالاعتداء أن تطلب دعوة المجلس للانعقاد فورا”.[39]
ولكن بعد إنشاء الكيان الصهيوني، وشعور الدول العربية بالخطر، عقدت معاهدة الدفاع المشترك، التي نظمت بشكل مفصل إجراءات الدفاع الجماعي للدولة العربية. وإن كان ذلك بحاجة لإعادة نظر الآن، وقد جاء في ديباجتها، أن الغاية الأساسية هي صياغة الأمن والسلام، وفق مبادئ الجامعة العربية، وميثاق الأمم المتحدة وأهدافها.
لقد بينت المادة الثانية من المعاهدة، أن كل اعتداء مسلح على أي دولة أو أكثر أو على قواتها يعتبر اعتداء على الجميع، لذا التزم الدول عملا بحق الدفاع الشرعي –الفردي والجماعي- عن كيانها أن تبادر بمعونة الدول المعتدى عليها بكافة الوسائل الممكنة بما في ذلك القوة المسلحة، لرد العدوان وإعادة الأمن والسلم إلى نصابه على أن تخبر مجلس الجامعة ومجلس الأمن بوقوع الاعتداء والإجراءات المتخذة.[40]

ويبدو أن الدول العربية كما ظهر من التطبيق لم تهتم أو لم تعتقد بأهمية هذه المعاهدة وأن نظام الدفاع العربي الجماعي، لم يوضع موضع التطبيق الجدي، على الرغم من الاعتداءات المتكررة للكيان الصهيوني وغيره، على الدول العربية لذلك فالحاجة ملحة لإعادة أنظر في المعاهدة وبمفهوم الدفاع العربي المشترك ككل.

انعكاسات استعمال القوة على واقع الفعل السياسي الدولي:

إن كثرة اللجوء إلى القوة العسكرية على مستوى العلاقات بين الدول أصبح لها انعكاسا واضحا على المشهد الدولي بحيث لا يخلوا هذا المشهد من الصراعات والحرب ثم العنف المتزايد نتيجة كثرة التدخلات العسكرية وتقتصر أسباب هذه الحروب على مجموعة من الأسباب سواء كانت اقتصادية وسياسية ومن الأسباب الرئيسية أيضا الرغبة في توسيع مناطق النفوذ وامتلاك القوة الاقتصادية والعسكرية وذلك بما يخدم مصالح القوى العظمى التي ترى أن لها الحق في ترتيب الأوضاع الدولية بما يخدم مصالحها ويحقق أهدافها في السيطرة والتحكم من أجل بسط النفوذ على الدول المستضعفة، ومن أبرز القوى المتحكمة في هذا العصر نجد الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة التي استطاعت أن تنتهك القانون الدولي وتفشل مبدأ تحريم اللجوء إلى القوة العسكرية وبذلك استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تصنع لنفسها سياسات عامة ترتكز على مجموعة من الأهداف ومنها السيطرة على أقطار أو معظم الأقطار العربية وذلك لضمان مصالحها ثم الاستيلاء على النفط ثم سيطرة على النفط منابعا وإنتاجا وعوائد كأنها سوف تتحكم في باقي العالم ثم جعل أمريكا في موقع يمكنها من حد أي هجوم يهددها وبهذا أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تصنع مشهدا دوليا يتناسب مع أهدافها ثم التسويق لمشروعاتها التي تعتمد على القوة والحرب والتدمير بدعوى الإصلاح والتغير وكل ذلك يتم بواسطة القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية، وبهذا فإن هذه الاندفاعية والخرق المستمر من طرف الولايات المتحدة لأحكام القانون الدولي ورفضها الامتثال لمواثيق منظمة الأمم المتحدة سوف ينتج مجموعة من الصراعات والحروب التي سوف يكون لها تأثير بالغ على الواقع البشري والحضاري للإنسان فالقوة التي تستعمل اليوم هي أشد فتكا وتدميرا، بحيث تم تدمير دول وإخراجها من سياق التاريخ وخرب أفغانستان، ومرورا بتدمير العراق ليس عنا ببعيد ثم محاولة تخريب لبنان كالأسلحة التي تم استعمالها في هذه الحروب جعلت منها دول بدائية ومتخلفة، وبذلك استطاعت أمريكا وحلفائها تفتيت الوضع العربي وخلق سلسلة من النزاعات المتزايدة دون حلول والإكثار من الفتن الطائفية والعنصرية كما في لبنان والعراق، وازدياد ظاهرة الصراعات الدينية في بعض الأقطار وخلق أزمات اقتصادية في الوطن العربي ثم نشر الثقافة الغربية لتضييع معالم الشخصية العربية، كل ذلك يتم عن طريق إحداث النزاعات والحروب والاعتماد على منطق القوة العسكرية الذي يعتبر كمرحلة أولية من التدمير والتخريب وعرقلة كل خطط التقدم والتنمية الاجتماعية العربية. هذه الأسباب وغيرها هي التي ساعدت على ظهور صراعات وحروب غير متوازنة في العالم العربي ينعدم فيها عنصر التوازن العسكري والاستراتيجي. بحيث هذه الدول لم تستطع مجابهة القوة العسكرية الأمريكية وحلفائها وكان من الصعب عليها مواجهة العدوان الذي سوف ينعكس على واقع الحياة الدولية ويؤسس لميدان من العنف والتطاحن المستمر، الذي سوف يؤدي إلى نشوء أغلب المصاعب أمام الحلول السلمية من أجل الحد من هذه النزاعات والحروب المستقبلية التي قد تؤدي إلى زعزعة استقرار الأمن العالمي في ظل كثرة اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية والتهديد باستعمالها مما سوف يخلق عواقب غير محمودة وسوف ينعكس أثارها على المجتمع الدولي الذي سوف يفتقد إلى الأمن والاستقرار الذي تم فقدانه بسبب عدم احترام مبدأ تحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية

الافراط فى أستخدام القوة :

من المتعارف علية فى العلاقات الدولية أن القوة هي أساس العلاقات بين الدول، والقوة في أوسع معانيها هي القدرة في التأثير على سلوك الدول الأخرى للتوافق مع أهداف الدولة التي تمارس القوة، والقوة عملية تراكمية متعددة الاتجاهات، وهي أساس تصنيف الدول على سلم القوة، فتصنف الدول إلى دول عظمى ودول كبرى ودول مؤثرة وأخرى صغيرة.

وتصنف الدول من حيث أهدافها أيضاً بدول قوة تسعى للسيطرة والتملك والنفوذ مثل أمريكا وروسيا وإيران و«إسرائيل» مثلا، ودول إنسانية تسعى وتسخر إمكاناتها من أجل أهداف إنسانية مثل دولة الإمارات. وتتفاوت عناصر القوة ومكوناتها من دولة إلى أخرى، لكن الملاحظ من خلال التوزيع الجغرافي للقوة أن الدول الصغيرة تملك عناصر مهمة من القوة، وهذا قد يقود لما يمكن تسميته بنظرية التكامل في عناصر القوة. وترتبط القوة بالسلوك السياسي للدولة، وبأهدافها القومية، وهذه الأهداف تتمحور حول الهيمنة والنفوذ والتمدد الجغرافي، وهذه الأهداف تتعارض مع أهداف الدول الأخرى وخصوصاً دول القوة التي لها الأهداف نفسها. وهذا ما يفسر لنا الاعتماد على القوة الذاتية فى حماية مصالح وأهداف الدولة، فلا توجد دولة لا تسعى لتضخيم عناصر القوة لديها، وخصوصاً القوة العسكرية التي تعتبر العنصر أو المكون الأساسي في قوة الدولة. ويتجسد هذا في الموازنات الضخمة التي تخصصها الدول لدعم وامتلاك أحدث الأسلحة. وهنا تكمن معضلة أو إشكالية القوة في العلاقات الدولية، أو ما يمكن تلخيصه بمعادلة القوة: القوة العسكرية زائد السلوك القومي للدولة تساوي مزيداً من اللجوء للقوة، ومزيداً من التناحر والمنازعات والحروب بين الدول، ومزيداً من الإفراط في استخدام القوة.


ولذلك وعلى مدار كل مراحل تطور العلاقات الدولية كانت القوة العسكرية السمة البارزة في هذه العلاقات، وزاد الاعتماد على القوة العسكرية مع بروز وظهور الدولة القومية في أعقاب مؤتمر وستفاليا عام 1648، ومنذ ذلك التاريخ والقوة مرتبطة بالسلوك القومي للدولة وأساسه الهيمنة والسيطرة والتوسع، واعتماد الدولة في تحقيق أمنها على قوتها الذاتية أساساً. واقترن هذا السلوك بعدم الثقة وبمعضلة الأمن التي ما زالت تحكم السلوك السياسي للدول، منذ ثيوسيديس الذي وضع بذور نظرية القوة أو الواقعية اليوم، وهي النظرية المسيطرة والمفسرة للعلاقات بين الدول، وأساس هذه النظرية أن الشر هو المكون الأساسي في سلوك الأفراد الذي ينتقل أيضاً على مستوى الدولة ذاتها.

هذه الواقعية بات لها أنصارها في كل دول العالم، وليست قاصرة على دول القوة فقط، بل حتى على الدول الصغرى، وهي التي تفسر لنا انتشار الحروب والمنازعات بين الدول، وتفسر لنا أيضاً هذا الاستخدام المفرط للقوة فى بعدها العسكري. والخطورة في نظرية القوة أنها لم تعد محتكرة على الدول فقط، بل إن الفواعل من غير ذات الدول، وخصوصاً الجماعات والحركات المتشددة والمتطرفة أيديولوجياً وعقيدياً من كل التوجهات إسلامية أو غير الإسلامية باتت قادرة على امتلاك القوة بكل أشكالها، وهذا قد يزيد من تعقيدات الاستخدام المفرط للقوة، بل إن الجماعات الأخيرة لا تتقيد بأي معوقات في لجوئها للقوة، ما قد يدفع الدول الأخرى لاستخدام القوة بدرجة أعلى. وظاهرة القوة المسلحة تنتشر بشكل كبير فى كل المنازعات الدولية والإقليمية، وخصوصاً فى المنطقة العربية. وإشكالية استخدام القوة المسلحة إنها لا تحسم النزاعات القائمة، قد تفرض حالة قوة، لكنها مؤقتة، وترتبط بتغير موازين القوى، وهي غالباً متغيرة، وغير ثابتة، فالتحولات في معادلات القوة سمة واضحة في العلاقات المعاصرة، وعليه لقد أثبتت القوة المفرطة فشلها فى حسم العديد من المنازعات.

هناك اشكاليتان ترتبطان باستخدام القوة، الأولى استبعاد المعايير الأخلاقية وتجردها من إنسانية القوة، فلا مجال للاعتبارات الأخلاقية والإنسانية، ولذا يروح ضحيتها دائماً المدنيين الأبرياء، والإشكالية الثانية شرعية القوة، وهنا يبرز دور الأمم المتحدة التي توفر هذه الشرعية لاستخدام القوة، وهذه الشرعية تأخذ شكلين، التفويض الدولي لتحالف دولي يستخدم القوة في إطار هذا التفويض، والشكل الثاني ما يمكن أن تقوم به الأمم المتحدة بشكل مباشر، وتضاف إشكالية أخرى للقوة العسكرية وهي إشكالية الأهداف السياسية للقوة المسلحة.
ومهما توفرت المبررات لاستخدام القوة العسكرية لكنها تبقى عاجزة عن تحقيق الأهداف من وراء استخدامها، بل من شأن الإفراط في استخدام القوة ان تتسع فجوة الكراهية والحقد والرغبة في القتل والثأر، وقد يشكل الصراع العربي «الإسرائيلي»، وما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة من مواجهات عسكرية، والاستخدام المفرط للقوة من جانب «إسرائيل»، لا بد أن يؤدي إلى مزيد من القوة من الجانب الفلسطيني. وقد أثبتت سنوات الصراع فشل «إسرائيل» في تحقيق أمنها وبقائها من خلال القمع وممارسة القوة المفرطة ضد الفلسطينيين، والبديل للقوة العسكرية المفرطة تفعيل قوة الشرعية الدولية، ودور الأمم المتحدة في تحقيق التوازن في الحقوق بين الدول، والعمل على تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية، والحوار والتكامل في الحقوق بين الدول وتفعيل قيم التعاون والحوار بين الأديان. فرسالة كل الأديان هي الحوار ونبذ العنف، وتحريم القتل الإنساني.

التوصيات :
إن الوضع الدولي الحالي يشهد إجهاض للسلام والأمن الدوليين ، ذلك أن العالم اليوم يعيش حالة من فرض الهيمنة عن طريق استعمال القوة العسكرية، وهذا مما سوف يولد مشاعر الكراهية والعداء بين الشعوب، فكيف يمكن للوضع الدولي أن يستقر وهناك من يعمل على تدمير كل مقومات الاستقرار والتوازن الدولي، كما أن الإصلاح السوي لن يتأتى إلا بعد إعادة الهيبة لمنظمة الأمم المتحدة واللجوء إليها عند حدوث نزاعات وحروب، ، كما أن الإفراط في استخدام القوة العسكرية والتصرف أحاديا لن يجلب سوى أزمات دولية سوف تنعكس على الجميع، لابد من جهد أكاديمى وجهد سياسى من خلال اتفاقيات دولية ملزمة لأطراف المجتمع الدولي كافة، ويتم الحشد لها والتوقيع عليها
المراجع :
د.محمد الحسيني مصيلحي ، حقوق الانسان بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي، دار النهضة العربية، 1988، ص 21.
د.عبد الواحد محمد الفار، الجرائم الدولية وسلطة العقاب عليها، دار النهضة العربية، مركز جامعة القاهرة للطباعة و النشر، ط 1، 1996، ص 540.
د . إسماعيل الغزال، الإرهاب والقانون الدولي، بيروت 1990، ص 5؛. د . إمام حسانين خليل، الإرهاب بين التجريم والمشروعية، 2001 ، ص31.
راجع وثائق الأمم المتحدة المتعلقة بالتنظيم الدولي المجلد السادس ، صفحة.703 /A/ 3/1/1 19
ابراهيم محمد حسن : “الصراع الدولي في الخليج العربي : العدوان العراقي على الكويت الأبعاد والنتائج العربية والدولية”، مؤسسة الشراع، الطبعة الأولى، 1996، ص : 88
ابراهيم محمد حسن : “الصراع الدولي في الخليج العربي”، المرجع السابق، ص : 243.
عبد الوهاب الأفندي : “كوميديا وتراجيديا الحرب على الإرهاب أفغانستان نموذجا 12، بيروت، شتنبر 2006″، ص : 12
راجع على سبيل المثال، د. محمد خلف، حق الدفاع الشرعي في القانون الدولي الجنائي: دراسة تأصيلية تحليلية مقارنة، الطبعة الثانية مطابع دار الحقيقة، بني غازي، ص485-497.
انظر قرار الجمعية العامة الصادر في 12 سبتمبر 2001 / 2 الذي أدان هذه الهجمات، ص 56.
جعفر وفياء وجعفر نعمان : “أسلحة الدمار الشامل في العراق الاتهامات والحقائق”، المستقبل العربي، العدد 306، ص : 45.
فرانك رايتش فيط : “جديد حول أسباب حرب العراق”، العدد 11068، بتاريخ 10/24/2005
خليل العناني : “النظام العربي من البنيوية إلى التفكيك”، قراءة في انعكاسات الحرب الإسرائيلية على لبنان، مجلة شؤون عربية، العدد 127 خريف 2006، ص : 59-67.
أحمد عبد الحليم : “الإستراتيجية العالمية للولايات المتحدة الأمريكية، السياسة الدولية”، عدد 147 يناير سنة 2002.
محمد طه بدوي : “مدخل إلى علم العلاقات الدولية”، بيروت 1972، ص : 103
المادة 33-1 يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدأ بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها.
صلاح شلبي عبد البديع : “المنظمات الدولية في القانون الدولي والفكر الإسلامي”، الطبعة الثانية القاهرة، 1996، ص : 97.
PURTICH SAM BAUD : “La définition du l’agression par l’organisation des nations unies”, R.G.D.I.F, 1970, p : 835.


إذا نصت المادة 52 من الميثاق للفصل الثامن الخاص بالتنظيمات الإقليمية 1- على أن ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج من الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي ما يكون العمل الإقليمي صالحا منها ومناسبا مادامت هذه التنظيمات أو الوكالات الإقليمية ونشاطها متلائما مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها، 2- يبدل أعضاء الأمم المتحدة الداخلون في مثل هذه المنظمات أو الذين تتألف منهم مثل هذه الوكالات كل جهد هم لتدبير الحل السلمي للمنازعات المحلية عن طريق هذه التنظيمات الإقليمية أو بواسطة هذه الوكالة وذلك قبل عرضها على مجلس الأمن، 3- على مجلس الأمن أن يشجع على الاستكثار من الحل السلمي لهذه المنازعات المحلية بطريقة هذه التنظيمات الإقليمية أو بواسطة تلك الوكالات
الكاتب
Tornado.sa 
المشاهدات
1,533
الإصدار الأول
آخر تحديث
تقييم
5.00 نجوم 2 تقييمات

المزيد من المواد من Tornado.sa

عودة
أعلى