بعد الثورة، ركّز الجيش التونسي بشكل أساسي على مزيج من جهود مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد، بحفز من عوامل داخلية وخارجية. فالفراغ السياسي في ليبيا وتموضع الجهاديين السلفيين والجماعات المسلحة على الحدود التونسية بعد سقوط معمر القذافي، خلق سلسلة جديدة من التهديدات الخارجية التي سبق معالجتها. وفي الداخل، برزت حالة عدم اليقين التي أعقبت عزل الرئيس السابق زين العابدين بن علي من منصبه وخيبة الأمل من القادة الذين خلفوه وقرار منح العفو العام للسجناء السياسيين بمن فيهم القادة الجهاديين السلفيين البارزين، والقضايا الاقتصادية والاجتماعية الهامة التي كانت حاضنة للتطرف ولنمو الجماعات العنيفة في تونس
ونظرا لتنامي التهديدات اصبح واجبا وضع مخطط استراتيجي شامل لوزارة الدفاع الوطني ,
وفي علاقة بالرؤية الاستشرافية لوزارة الدفاع الوطني وسعيها الدائم للتصدي لكل أنواع المخاطر ودعم قدرات منتسبيها، بين وزير الدّفاع الوطني بصفة عامة أنّ الوزارة د ضبطت استراتيجية شاملة تمتدّ على عشر سنوات(2020-2030) وذلك في إطار مخطّط كامل اعتمد على تقييم موضوعي للواقع ويقوم على عدّة عناصر وهي تطوير المنظومة الإدارية والقانونية للمؤسسة العسكرية وتطوير القدرات القتالية للوحدات العسكرية والرّفع من جاهزيتها وحوكمة التصرّف في الموارد البشرية والنهوض بالبنية الأساسية العسكرية وتطوير حوكمة التصرف الإداري والمالي ورقمنته وتعزيز الدّور التنموي للمؤسسة العسكرية ودعم البحث العلمي والتصنيع العسكري وتعزيز انفتاح المؤسسة العسكرية على محيطها ودعم إشعاعها على المستوين الوطني والدولي. وفي علاقة بتنفيذ هذه الاستراتيجية، بيّن وزير الدفاع الوطني أنّ الوزارة شرعت في إنجاز عديد المشاريع منها ماتمّ الانتهاء منه ومنها ماهو بصدد الإنجاز في أقساطه الأخيرة.
وأكّد في نفس السياق أنّ المؤسسة العسكرية تقوم بدور تنموي كبير في أنحاء البلاد مستعرضا مشروع تنمية رجيم معتوق إضافة إلى إحداث آخر جديد يتمثل في منطقة المحدث مع ما سيوفّره ذلك من مواطن شغل بالجهة. واضاف أنّ للقوات المسلحة التونسية مهاما أخرى تتعلق بمشاركتها في مهام حفظ السلام بالعالم.
حيث استعرض مرافقو الوزير في اشغال اجتماع لجنة الدفاع و الأمن و القوات الحاملة للسلاح أهمّ ملامح مشروع ميزانية مهمة الدفاع الوطني والمشروع السنوي للآداء لسنة 2024 لبرامج مهمة الدفاع الوطني والتي تقوم على أساس تدعيم الجيش الوطني ليكون في أفق 2030، على درجة أعلى من الجاهزية ، بما يمكنه من استباق التهديدات وضمان النجاعة في توظيف مختلف الموارد لإنجاز المهام المناطة بعهدته قانونا عل اكمل وجه ، وفق مقاربة تضمن إحاطة أشمل بالعنصر البشري وتسعى إلى مزيد تطوير علاقة المؤسسة مع محيطها مع التذكير بالأهداف الإستراتيجية لوزارة الدفاع الوطني من خلال مخططها الاستشرافي لأفق 2030.
وفي افتتاح أشغال ندوة المخطط الإستراتيجي لوزارة الدفاع الوطني 2021 ـ 2030 بحضور أعضاء المجلس الأعلى للجيوش وعدد من الضباط القادة المتقاعدين والخبراء والأكاديميين الأخصائيين المهتمين بشأن الدفاع والأمن أبرز وزير الدفاع الوطني سابقا "إبراهيم البرتاجي" بالمناسبة أن موضوع هذه الندوة يتنزّل في إطار الاستشراف والاستباق والتهيؤ على ضوء ما ستفرضه الأوضاع الأمنية على المستوى الوطني والإقليمي والدولي في العشرية القادمة وما قد يطرأ من مخاطر وتهديدات وأزمات محتملة لها تأثيرها على أمن البلاد واستقرارها.
وبيّن أن هيكلة الجيش الوطني أصبحت لا تستجيب لمتطلّبات المرحلة الراهنة ولم تعد تستوعب التطوّرات الحاصلة في ظلّ التهديدات الجديدة والمتنوّعة وارتفاع عدد أفراد القوات المسلّحة وتزايد حاجياتها واتساع مجالات تدخلها.
وأبرز أن سياسة الأمن القومي تمثل الإطار الرئيسي الحاضن للمخطط الإستراتيجي باعتبارها تتضمن المبادئ والأولويات والأطر والوسائل الكفيلة لضمان أمن البلاد وإستقرارها واستمرارية الدّولة ومؤسساتها وتأمين المجتمع والمواطن. مشيرا إلى أن هذه السياسة تستند إلى إطار يقوم على مجموعة من الالتزامات الوطنيّة والدوليّة وتعتمد الحوكمة الرّشيدة لتسيير مختلف الهياكل والمؤسسات المعنيّة بقطاع الأمن والدّفاع.
وأكّد أن المخطط الإستراتيجي المقترح يهدف بالأساس إلى تعصير قدرات المؤسسة العسكرية وتطويرها لإدارة الأزمات ومجابهة التهديدات التقليدية وغير التقليدية، من خلال وتطوير المنظومة القانونية والإدارية للمؤسسة العسكرية وتطوير القدرات القتالية للجيوش والرفع من جاهزيتها وتنمية الموارد البشرية وإحكام الإحاطة الصحية والإجتماعية بها والنهوض بالبنيّة التحتيّة العسكرية وتطوير حوكمة التصرف الإداري والمالي ورقمنته وتعزيز الدور التنموي للمؤسسة العسكرية وتطويره ودعم التصنيع العسكري وتثمين البحوث العلمية العسكرية وتطوير المنظومة الاستشرافية وتعزيز انفتاح المؤسسة العسكرية على محيطها ودعم إشعاعها على المستوى الوطني والدولي.
وعبر عن أمله في أن تفرز هذه الندوة توصيات عملية تساعد على صياغة محتوى المخطط الإستراتيجي ليكون مرجعا موحّدا على مدى العشرية القادمة في سبيل أن تبلغ المؤسسة العسكرية أرقى المستويات الحرفية والإشعاع في الداخل والخارج.
وفي إطار تحقيق أهداف الإستراتيجية قامت وزارة الدفاع الوطني بعدة إقتناءات حيث أشرف وزير الدفاع الوطني السيد عماد ممّيش صباح الاثنين 17 جويلية 2023 بالقاعدة الجوية بصفاقس على موكب تسلم 4 طائرات تدريب نوع T-6C وذلك في إطار التعاون مع الجانب الأمريكي لتجديد أسطول طائرات التدريب التابعة لجيش الطيران.
في حين تم تدعيم منظومة الإستطلاع و المراقبة الجوية بطائرات من دون طيار " درون " حيث ذكر موقع defense web ان تونس طلبت مركبات جوية بدون طيار Anka-S (UAVs) من شركة الصناعات الجوية التركية (TAI) في أول طلب تصدير للشركة من هذا النوع.
بدأت المفاوضات الثنائية لشراء طائرات ANKA الجوية بدون طيار في عام 2019 بين وزارة الدفاع التونسية وشركة صناعات الفضاء التركية (TAI). بعد بدء العملية، تم توضيح قضايا التدريب والتمويل على الطائرات بدون طيار في الأشهر الأولى من عام 2020، وتم إحراز تقدم في المفاوضات، حتى تفوقت شركة TAI على منافسيها من الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا والصين، وتم التوصل إلى اتفاقية تصدير بقيمة 80 مليون دولار تقريبًا تم توقيعها مع القوات الجوية التونسية. ويتضمن العقد المعني توريد ثلاث طائرات بدون طيار من طراز ANKA-S وثلاث محطات مراقبة أرضية للقوات الجوية التونسية، فضلا عن تدريب 52 طيارا تونسيا وأفراد الصيانة. تم الانتهاء من تدريب أفراد صيانة القوات الجوية التونسية في مايو 2021، وسلمت الشركة أول طائرتين بدون طيار من طراز ANKA إلى القوات الجوية التونسية في النصف الثاني من عام 2021. ويعتقد أن الطائرة الثالثة بدون طيار قد تم تسليمها إلى تونس في عام 2022.
و يمثل الاستثمار في تطوير قدرات وتجهيزات القوات البرية رهانا مستمرا وفعلا ضمن الجيوش الحديثة لمواجهة التحديات الامنيه وتحقيق الاستقرار بالدول لذلك بادر جيش البر بوضع برامج وخطط استراتيجية على غرار تطوير النظريات القتالية للتعامل مع التهديدات الغير التقليدية والتدرب على التكتيكات والاشتباكات الجديدة اضافة الى تكوين قوات سريعة التدخل على مستوى عال من التدريب والتسليح لمجابهة المجموعات الارهابية
فضلا على تعزيز الوحدات العسكرية بعربات مصفحة ومجهزة بأسلحة متطورة ودقيقة ذات جدوى كبرى , مع انشاء نظم اتصالية متطورة واَمنة لاحكام القيادة .
و من جانب اَخر أصبح التصنيع العسكري الوطني حاجة ملحة أمام تزايد حاجيات المؤسسة العسكرية في ظلّ التهديدات الراهنة والمستقبلية على غرار التجهيزات الفردية لحماية المقاتل وأنظمة المراقبة والاستطلاع والاستكشاف البرية والبحرية والجوية وغيرها من منظومات الأسلحة من جهة وبالنظر إلى ارتفاع نفقات الدفاع التي تزامنت أيضا مع تقلبات سوق الصرف ما يتسبب في نزيف مدخرات البلاد من العملة الصعبة من جهة أخرى.
لذلك انخرطت المؤسسة العسكرية في تصنيع قطع بحرية في نطاق الشراكة مع شركة الإنشاءات الصناعية والبحرية “SCIN” وآخرها الجوالة “الجمّ” التي تعتبر الرابعة من ضمن سبع (7) وحدات بحرية المزمع تصنيعها في إطار الشراكة مع المؤسسة المذكورة.
وتساهم تجربة التصنيع في خلق فرص نماء جديدة عبر الاستثمار في قطاعات واعدة كاقتصاد المعرفة والتجديد التكنولوجي وتطوير البحث العلمي وهي مجالات جذابة لحاملي الشهادات في كل الاختصاصات.
وقبل ذلك، أعلن وزير الدفاع التونسي الأسبق إبراهيم البرتاجي نجاح المؤسسة العسكرية في بلاده في تصنيع ثلاث قطع بحرية دخلت العمل بعد تجهيزها بالأسلحة ووسائل الاستطلاع اللازمة، كما سبق للمؤسسة العسكرية التونسية أن عرضت في شهر مايو من العام 2015 طائرة من دون طيار من تصنيع تونسي.
يتطلع الجيش الوطني الى مزيد كسب القدرات والبقاء على اتم الاستعداد والتعاطي مع كل التهديدات استباقا وبجاهزية عالية للتدخل في كنف القانون والحياد التام والمحافظة على مبادئ الجمهورية ويحق للتونسيات والتونسيين ان يفتخروا بجيشهم الوطني العتيد الذي ظل سامقا كالنخل وعلامة بارزة ومضيئة في تاريخ تونس الحديث والمعاصر منتصرا للوطن ذائدا عنه صائنا لنظامه الجمهوري محافظا على سيادته مساهما في حفظ النظام العام والتنمية مشعا خارج حدود الوطن و ملتزما بالحياد .