إيقونة المادة

عن "عقدة الاضطهاد" التي تعانيها الثقافة الفرنسية تجاه الإنجليز1

عن "عقدة الاضطهاد" التي تعانيها الثقافة الفرنسية تجاه الإنجليز
هل تواطأ لوسيان فيفر كما يوحي ناقد لندني للتخلص من شريكه في "الحوليات" مارك بلوك؟

إبراهيم العريس


منذ زمن بعيد، وربما يعود إلى زمن الثورة الفرنسية العزيزة على قلب معظم الفرنسيين، يشعر هؤلاء بأن ثمة دائماً في إنجلترا من ينتظرهم على قارعة الطريق كامناً كي يكبدهم ما يحلو له من "ضربات تحت الحزام"، ولا سيما في المجال الثقافي. ويرى فرنسيون عادة أن الإنجليز يدأبون على أن تكون ضرباتهم وضيعة بحيث تمس ما يعتبرونه "مقدساً". وهم لدعم فكرتهم المولدة لهذا النوع من البارانويا يحكون عن أن الهجمات التي تعرض لها، مثلاً، عالم إناستهم الكبير كلود ليفي ستروس أتته بخاصة من الجيران الإنجليز، وكذلك الحال مع ميشال فوكو الذي بقدر ما يحترمه الأميركيون وبقية الأنغلو – ساكسونيين، يحاول "مثقفو" لندن بخاصة النيل منه والاستخفاف بفكره "لمجرد أنه فرنسي ويشكل رأسمالاً فكرياً فرنسياً كبيراً" كما يقولون. وفي هذا السياق ذاته اندلعت قبل عقد ونصف العقد قضية تتعلق بـ"مقدس فكري آخر" من مقدسات الثقافة الفرنسية ونعني بذلك مدرسة "الحوليات" ومجلتها الكبرى التي تحمل الاسم نفسه وتعتبر مبتدعة ما سيسمى بـ"التاريخ الجديد". ولسوف يطاول "الغدر الإنجليزي" هنا، ليس المجلة والمدرسة وأفكارهما التي عمت العالم كله، بل أخلاقيات واحد من مؤسسيها الكبيرين، لوسيان فيفر وإريك بلوك، بل أكثر من ذلك، "الغدر الذي عامل به أولهما الثاني فقضى عليه"، فهل كان هذا صحيحاً؟

لن يعود

قبل أن نجيب عن هذا السؤال قد لا يكون مفر من حكاية "فرنسية" توضح الأمر. وهي حكاية كتبها رومان غاري وقد لا يبدو أول الأمر واضحاً ارتباطها بما نتحدث عنه هنا. والحكاية تدور خلال الحرب العالمية الثانية في منطقة ريفية فرنسية وقعت تحت الاحتلال الألماني يعاونه فاشيو فيشي الفرنسيون. ففي تلك المنطقة كان ثمة مصنع للنبيذ الفاخر يملكه ثري يهودي. وإذ بدأت حكومة الماريشال بيتان بالتخلص من اليهود وإرسالهم إلى معسكرات الاعتقال ومنها إلى الموت، خشي الثري اليهودي على حياته فنصحه مساعدوه الفرنسيون الأقحاح بأن يختبئ في دهاليز الطابق السفلي من قصره الكبير حتى تنتهي الحرب واعدين إياه بأن يديروا مزارعه ومصانعه كما كان حالها دائماً ويحفظون له أمواله، مؤمنين له كل ما هو في حاجة إليه "حتى تنتهي الحرب فيعود إلى سطح الأرض عزيزاً مكرماً ويستعيد المزارع والمصانع والأموال وكأن شيئاً لم يكن".

الحرب حين "تستمر"

صحيح أن الحرب انتهت بعد سنوات لكن الثري اليهودي ظل يعيش في مخبئه، وذلك لأن النصيحة البدئية كانت تفترض أن ينقطع عن العالم وأخباره تماماً "كيلا يلتقط الألمان أية إشارة تكشف عن وجوده"، بالتالي لن يعلم المسكين أن الحرب انتهت. وبقي هناك ينتظر اتصالات معاونيه به حتى انتهى الأمر به إلى الموت بعد سنوات من انتهاء الحرب فعلياً من دون أن يعرف أنه كان في وسعه أن يعود إلى حياته الطبيعية منذ سنوات. وطبعاً لسنا ندري ما إذا كانت الحكاية حقيقية، ولكن من الواضح أن رومان غاري كتبها محملاً إياها كثيراً من المعاني الأخلاقية والاجتماعية، لكننا نعرف أنها توقفت ها هنا مثيرة كثيراً من السجالات والغضب. حسناً كل هذا صحيح ولكن يبقى السؤال الأساسي هنا: ما علاقتها بموضوع "الحوليات"؟ للوهلة الأولى ليس ثمة علاقة، ولكن صدور واحد من أهم الكتب التي أرخت لمدرسة ومجلة "الحوليات" من تأليف أحد أبناء الجيل الثاني من مؤرخيهما، وهو أندريه بورغيار، كان مناسبة لمؤرخ وناقد إنجليزي هو ريتشارد إيفانز، بروفيسور مادة التاريخ الحديث في كامبردج، كي يعود إلى حكاية تلك الظاهرة العلمية التي يعترف لها بأنها جددت حقاً في مجال كتابة التاريخ، حتى وإن كان يأخذ عليها تفاقم اهتمامها بالتاريخ الفرنسي الذي يشغل ما لا يقل عن 70 في المئة من صفحات كل عدد منها بينما يخبرنا أن اهتمام المؤرخين الإنجليز بتاريخ العالم لا تقل نسبته عن 50 في المئة وتصل إلى أكثر من ذلك لدى المؤرخين الأميركيين. غير أن هذه "الوقائع الإحصائية" في رأي إيفانز تبقى بسيطة إذا ما تذكرنا، كما كان يقول كاتب إنجليزي يسميه بول فراير وكان في ذلك الحين يعيش في باريس، ضروب "دناءة" يقول إن تاريخ المدرسة والمجلة عرفهما خلال الحرب العالمية نفسها
independentarabia
يتبع

الكاتب
madodedo
المشاهدات
526
الإصدار الأول
آخر تحديث
تقييم
0.00 نجوم 0 تقييمات

المزيد من المواد من madodedo

عودة
أعلى