خرافة الحياد
ريتشارد فونتين الدول مضطرة إلى أن تختار بين أميركا والصين مع احتدام التنافس بين الولايات المتحدة والصين تواجه دول أخرى وبشكل متزايد معضلة الانحياز إما لواشنطن أو بكين، فيما يفضل معظمها عدم الاضطرار إلى اختيار أي منهما، فعلى مدى العقود الماضية...
defense-arab.com
الدول مضطرة إلى أن تختار بين أميركا والصين
ريتشارد فونتين
هل من الأفضل الانحياز للولايات المتحدة؟
يجب على الولايات المتحدة أن تسهل على الدول تأييدها في القضايا الأكثر أهمية، ومن المفترض أن تبدأ واشنطن بتقديم بدائل عملية ومنطقية لما تقدمه الصين، فتهديدات الولايات المتحدة مثلاً بمنع الدول من تبادل المعلومات الاستخباراتية إذا استخدمت شركة "هواوي" التي زودت شبكة الجيل الخامس الشاملة بكلفة أقل من أي شيء يمكن أن يقدمه الغرب، كانت غير فعالة، وفي المقابل عندما عملت واشنطن مع الحلفاء لتوفير بدائل معقولة بدأت تلك الدول تعيد النظر، بخاصة وأن الصين أصبحت أكثر عدوانية.
ويذكر أن الجهود المبذولة من أجل اعتماد التنويع بعيداً من الإمدادات الصينية في مجالات تشمل العناصر الأرضية النادرة والألواح الشمسية وبعض المواد الكيماوية لن تكون مجدية إلا إذا حظيت البلدان بمصادر أخرى متاحة بكلفة معقولة، وفي الواقع لا تستطيع الولايات المتحدة تقديم بدائل لكل ما تصنعه الصين أو تفعله، وفي معظم الحالات لا تحتاج إلى القيام ذلك. وعوضاً من ذلك يجب على واشنطن تحديد المجالات التي تشكل أكبر تهديد للأمن القومي والتعاون بسرعة مع الشركاء من أجل تطوير البدائل، وكذلك يتعين على الولايات المتحدة أن تسعى قدر الإمكان إلى تجنب مطالبة الدول بإضعاف علاقاتها الاقتصادية مع الصين.
في بعض الأحيان سيكون القيام بذلك أمراً لا مفر منه، كما هو الحال عندما تنظم واشنطن مثلاً تحالفاً في مجال إنتاج أشباه الموصلات أو تدفع الحكومات الأخرى إلى فرض عقوبات على بكين بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها، لكن يجب أن تتدخل تلك التحالفات بأقل درجة ممكنة، فالولايات المتحدة لن تكسب سوى عدد قليل من الحلفاء إذا عرضت تجارة البلدان الأخرى واستثماراتها مع الصين لخطر كبير.
وفي منحى مقابل ومن خلال كسب دعم الأصدقاء والحلفاء في شأن ضوابط التصدير واستعراض الاستثمار الخارجي وتنويع سلسلة التوريد وتشعب التكنولوجيا، فإن القليل يحقق الكثير [القليل يصبح مفعوله أكبر].
أخيراً، إذا أرادت واشنطن من الدول أن تقيم شراكة معها وتقف في وجه بكين فعليها أن تظهر حضوراً والتزاماً أكبر، فقد تكون الدول على استعداد لتحمل الكلف وخطر إبداء الصين رد فعل انتقامي فتقرر إقامة شراكة مع الولايات المتحدة، ولكن شرط أن تدعمها واشنطن وتنحاز إليها في قضايا أخرى.
وفي المقابل فإن الإحساس بأن الولايات المتحدة ستكون غائبة أو غير ملتزمة أو غير كفوءة عندما يغدو الوضع صعباً، سيجعل تلك الدول أكثر ميلاً إلى التماشي مع تفضيلات الصين أو الرضوخ لها ببساطة، لذا يجب على الولايات المتحدة الاعتماد على المشاركة الدبلوماسية المستمرة والاتفاقات التجارية والالتزامات الدفاعية المتكررة والحملات العسكرية والمعونات الإنمائية المكثفة، لا سيما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، من أجل طمأنة تلك الدول التي تشك في استمرار القوة الأميركية وتقلق في شأن جبروت الصين.
لا يمكن للبلدان أن تحصل على كل شيء في الوقت عينه لذا حان وقت الاختيار، وسيتعين على الدول أن تقرر ما إذا كانت ستدعم، أو تتظاهر بأنها تدعم، واشنطن أو بكين، وعوضاً من طمأنة العواصم بأنها لن تضطر إلى مواجهة خيار مماثل ينبغي قبول هذا الواقع ومساعدة العواصم الأجنبية في اتخاذ القرارات الصحيحة.
ريتشارد فونتين الرئيس التنفيذي لمركز الأمن الأميركي الجديد، وعمل في وزارة الخارجية الأميركية ومجلس الأمن القومي ومستشاراً في السياسة الخارجية للسيناتور الأميركي جون ماكين.
مترجم من فورين أفيرز
independentarabia