يسعى الجيش اللبناني لتعزيز قدراته التسلحية والتدريبية على قدم وساق عبر الاقدام على خطوات نوعية في ترقية قدراته تماشياً مع الضرورات الملحة لحفظ الأمن وتحقيق السيادة على كامل المياه الإقليمية اللبنانية. وفي هذا الإطار أفادت مصادر عسكرية مطلعة بأن البحرية اللبنانية تسعى للحصول على قطع بحرية قادرة على الابحار في المياه العميقة والقيام بأعمال الدورية في المنطقة الاقتصادية البحرية بين لبنان وقبرص. لا تملك البحرية اللبنانية في الوقت الراهن خافرات أو زوارق تستطيع العمل في مجال يتخطى ستة أميال بحرية مسافة عن الشاطئ، أو في كافة الأحوال الجوية ليلا ونهارا، وهي تسعى لملء هذا الفراغ من أجل ضبط الحدود البحرية بشكل أفضل، خصوصا بعد رحيل قوات السلام الدولية في
المستقبل حيث أن سفن هذه القوات (يونيفيل) تملأ هذا الفراغ حاليا.
زورق دورية بحرية للبنان
وكشفت مصادر أن سلاح البحرية اللبناني مهتم جدا بالحصول على زورق أميركي الصنع أبدت الولايات المتحدة الأميركية استعدادها المبدئي لإدراجه ضمن برنامج المساعدات السنوية المخصصة للبنان. والزورق الذي تتم المناقشات حوله استعدادا لتوقيع العقد لشرائه لصالح لبنان هو الزورق AMP 145 ، الذي تصنعه شركة ريفر هوك RiverHawk ، في حوضها في مدينة تامبا في ولاية فلوريدا الأميركية.
وتحدثت المصادر المطلعة عن بعض التفاصيل الخاصة بهذا الزورق الذي يعتبر من فئة الزوارق الدولية للمياه العميقة Offshore Patrol Vessel (OPV) . وقالت المصادر أن الزورق سيولج بمهام فرض سلطة الدولة اللبنانية على المياه الإقليمية ضمن واجهته البحرية التي يبلغ طولها 220 كلم. وسيتولى الزورق بالتحديد عمليات مكافحة التهريب وكل مهام الأمن والهجرة غير الشرعية والإرهاب. ولعل المهمة الأهم هي مراقبة تطبيق القرار 1701 بالتنسيق مع اليونيفيل لمنع دخول الأسلحة إلى لبنان.
أضافت المصادر أنه سيتم استلام الزورق خلال أقل من عام، وأنه تم اختيار هذا الزورق الجديد بدلاً من ثلاثة زوارق أميركية مستخدمة قديمة الطراز، تم عرضها على سلاح البحرية اللبناني، الذي رفض لأن تكاليف صيانة هذه الأخيرة ستكون كبيرة التكلفة.
وأعربت المصادر عن حاجة قوات البحرية اللبنانية إلى ثلاث زوارق من هذا النوع (OPV) على الأقل، يتولى اثنان عمليات المراقبة من الشمال إلى الوسط، ومن الجنوب إلى الوسط، بينما يكون الثالث قيد الراحة، مداورة.
وأشارت المصادر المطلعة إلى أن قيادة الجيش اللبناني ستطلب سلاحا متوسطا، عيار 25 أو 30 ملم على الأرجح، ولمحت إلى احتمال أن يتم اختيار سلاح تعرضه حاليا شركة “أوتوميلارا” Oto Melara الإيطالية، المعروفة بمستوى سلاحها الفعال لدى أهم أساطيل البحرية العالمية.
جدير بالذكر أن البحرية اللبنانية تمتلك 16 زورق دورية، منها 5 زوارق من فئة Attacker ، وزورقين من فئة Tracker ، ويتراوح طول الزوارق بين 20 و34 مترا، كما لديها 10 زوارق تدخل سريع من الإمارات العربية المتحدة ، بالإضافة إلى الزورق اللبناني “فينيكس”.
أما مراكب دعم القتال فيبلغ عددها 27 مركبا وهي بريطانية الصنع، في حين تملك البحرية اللبنانية زورقَي إنزال فرنسيين يبلغ طولهما 59 مترا.
مواصفات الزورق اللبناني
يوفر الزورق AMP 145 الجديد، قاعدة عائمة لقيادة العمليات البحرية، أو حتى قاعدة في عمق البحر لدعم عمليات القوات المشتركة وقوات الشرطة الوطنية، وهو قادر على الاضطلاع بدور سفينة القيادة من خلال توفير نظام القيادة والسيطرة لقوات البحرية والقوات المشتركة، وتأمين الترابط بين الوكالات الأمنية والعمليات الدولية، من دون إغفال توفر قدرة الدفاع الذاتي.
ويتمتع الزورق بالقدرة على إطلاق واستعادة ودعم زوارق السطح والمركبات غير المأهولة (والتحكم بالمركبات)، وتوفير مسرح لعمليات الدعم الطبي، بالإضافة إلى توفير الدعم والسلامة للسباحين والغطاسين. وهو يتسع لكافة مستلزمات ومعدات المهام الإضافية التي يمكن تركيبها لاحقاً لمتابعة المهام.
يصل طول زورق ايه أم بي 145 المزود بمحركي ديزل MTU إلى 42 متراً، وعرضه 28 قدماً، فيما يزن 245 طناً. ويشغله طاقم صغير نسبيا يتراوح عديده ما بين 6 إلى 22 بحاراًً.
أما سرعة الزورق القصوى فتحدد وفقا لطراز المحرك، ففي حالة زورق من الفئة الأولى، تصل السرعة إلى 27,5 عقدة، وفي حالة الزورق من الفئة الثانية تصل السرعة إلى 32,5 عقدة. بينما تبلغ قدرة دفع زورق الفئة الأولى إلى 6885 كيلوواط، وزورق الفئة الثانية 8600 كيلوواط.
ويستطيع الزورق بلوغ مدى 1200 ميل بحري في العمليات، و2900 ميل بحري في التنقل، على سرعة 11 عقدة. كما يبقى فاعلا في حالة أمواج يصل ارتفاعها إلى 20 قدماًً، بينما تتراوح قدرته على الصمود في البحر 5 و7 أيام. وسيزود زورق ايه أم بي 145 بثلاثة مولدات كهربائية، تصل قدرة الواحد منها 99 كيلوات.
ميزات زورق AMP 145
وعن أهمية هذا النوع من الزوارق قال جايك روس رئيس شركة ريفرهوك: “اتضح للقوات البحرية في دول العالم كافة، خلال السنوات الخمس الماضية، أن متطلبات عملها المستجدة والطارئة تستلزم زوارق ذات تصميمات جديدة وقدرة إضافية لتلبية الاحتياجات الأمنية الملحة في مياهها الإقليمية والقطاع الاقتصادي الحصري. من أجل ذلك، عكفت شركة ريفرهوك على إيجاد الحلول المناسبة لتلبية الاحتياج الذي تظهره معظم الدول حالياً والمتمثل بالحصول على قدرة فعالة ومصممة خصوصاً لمهام الأمن البحرية، على أن يكون تسليمها سريعا وثمنها معقولا.”
وكشف روسّ أن “شركة ريفرهوك تمكنت فعليا من التوصل إلى تصميم متقدم لزورق “المنصة المتطورة المتعددة الوظائف” AMP 145 منذ سنتين، بعد أن أودعت خبرتها أحد أكبر المصممين الرائدين في مجال سفن البحرية العالية السرعة، “دونالد بلاونت”.
وأشار إلى أنه “بالنسبة للزورق المنوي بناؤه لصالح البحرية اللبنانية، فإن تصميم هيكله يرتكز على خبرة سنين من بناء الزوارق التي يتراوح طولها بين 20 و80 مترا، غير أنه سيكون جديدا من نواحٍ عدة. فالتقنيات والمواد المستعملة والعمليات، كما الأخطار، تستمر بالتطور بوتيرة متسارعة. لذا تم تطوير تصميم البدن الرئيسي لسلسلة زوارق “المنصة المتطورة المتعددة الوظائف” (AMP) ليستفيد من مستوى الأداء وفوائد تخفيض الكلفة التي أرستها تلك التطورات.”
وقد صنع بدن الزورق من مادة “الإيبوكسي – الراتينج” (epoxy – resin) غير القابلة للتلف والتي تستخدم في صناعات المركبات الفضائية، لذا ليس غريباً أن بناء الزورق يتم في باحة سفن “تيتوسفيل” بالقرب من مقر وكالة ناسا للفضاء. تعطي تركيبة هذه المادة الزورق بنية قوية وخفيفة الوزن في الوقت نفسه. ومن شأن قوة البدن إلغاء الحاجة إلى مواد التقوية المعتادة والبنى الداعمة التي تزيد من وزن الزورق واستهلاكه للوقود، وتخفف من سرعته وقدرته على المناورة، وترفع كلفته مقابل تدني مستوى أدائه.
أضاف روس أن متن الزورق والقسم الأعلى من الزورق هما مصنوعان من الألمنيوم، مما يسمح بإعادة تشكيل القسم العلوي بطريقة تضمينية وفق ما تتطلبه المهام المختلفة الموكلة إلى زورق الدورية على مدى عمره العملي. وتمنح هاتان الخاصيتان المهمتان الزورق تميزا عاليا، فبفضل مادة الإيبوكسي رزين فإن بدن الزورق لا يبلى، والمتن والقسم العلوي قابلان لإعادة التشكيل بحسب رغبة المستعمل، مما يوفر قدرة على إعادة الهيكلة وفقا لمتطلبات المهمة، لا نراهما متوفرين بسهولة في مجال صناعة السفن العسكرية.”
وقال: “نسميها “هياكل بحرية” لأن المستخدم قادر، ضمن أي من هذه التصاميم، على تحويلها حسب الاحتياج ضمن نظاق كامل من الأنظمة والقدرات، وفق ما تقتضيه متغيرات التكنولوجيا والأخطار أو تطور المهام، وهذا يعود إلى تزويد التصاميم بالقدرة على تحميل وتثبيت العديد من الحاويات المصممة وفق معايير المنظمة العالمية للمقاييس ISO .”
يمكن إضافة المعدات إلى “المنصة المتطورة المتعددة الوظائف” بحسب الاحتياج، وربطها برافد أساسي إلكتروني مدمج يسمى بـ “الصالب الإلكتروني” (e-Keel) ، وذلك دون الحاجة إلى قطع أو اختراق جدار الوقاية من المياه، وهو يعتبر “قطعة أساسية في المجموعة الإلكترونية.”
ويتيح “الصالب الإلكتروني” إمكانية إضافة النظم عبر كافة أرجاء السفينة في أي وقت، كي تؤدي عددا لا يحصى من الوظائف، ما يأخذنا إلى درجة عالية من الدمج”، معتبرا أنه “بالنسبة للزوارق الأصغر حجماً التي يعمل على متنها طاقم صغير، فإن متطلبات المرونة الفائقة أصبحت أكثر أهمية من ذي قبل.”
وأشار روس إلى أن “زورق AMP 145 يتضمن أيضاً نظاما إلكترونيا مدمجا مخصصا لبرج السفينة يرتبط مع الأنظمة الهامة الأخرى، مثل الأسلحة والأتمتة والاتصالات، ليشكل معها شبكة واحدة”، موضحا أن “أي منصة إلكترونية متواجدة على هذه الشبكة تستطيع أن تقوم بوظيفة مختارة، مما يتيح وفرة في الوظائف التي يمكن تنفيذها في آن واحد، ويسهم في خفض عناء التمديدات السلكية وتقليل المساحة المخصصة لها، لاسيما وأن بعض هذه الأنظمة تعتمد نفس المعدات.”
ويمكن إضافة المستشعرات على الهيكل الخارجي للسفينة، ولوحات التحكم على برج القيادة، والمستشعرات في غرفة المحرك، وشاشات عرض في غرف الطاقم، ومجموعة من معدات الإمرة والتحكم والاتصالات والكمبيوتر والاستخبار والمراقبة والاستطلاع C4ISR .
تجدر الإشارة إلى أن هذا النموذج من السفن لم يتم بيعه حتى الآن إلى أية بحرية أو خفر سواحل، لكنه مفهوم مثير للاهتمام لدى الحكومة الأميركية وغيرها، وفوائده متميزة في تلبية الاحتياجات الضخمة للأمن البحري المتنامي حول العالم. وألمح روس إلى أن “بعض هذه المناقشات مركزة على زوارق ايه أم بي التابعة لشركة ريفر هوك.”
وأكد روس أن “ثمن زورق AMP يتوقف على الطراز والمعدات التي ستزود بها هذه المنصة، لذا فمن المستحيل أن نحدد الثمن الآن”.
وأضاف: “بشكل عام يتراوح ثمن السفن التي يبلغ طولها بين 40 و 50 متراً، المنتجة من قبل الشركات التي تعتبر من مزودي الدرجة الأولى للأنظمة، والمرفقة بالصيانة والدعم اللوجستي وبحزمة تسليح شاملة، بين 25 مليون و45 مليون دولار أميركي. ولكن المبلغ يتوقف بشكل كبير على المواصفات المعتمدة وعلى القرارات النهائية المتعلقة بالعتاد والمعدات التي سيزود بها القارب.” مع العلم أن هذا الرقم يتطابق مع السعر الذي رجحته المصادر المطلعة عن الزورق اللبناني.
تقوم شركة ريفر هوك حاليا ببناء المكونات الرئيسية لزورق AMP 145 في كلي الحوضين اللذين تمتلكهما ويقعان في “تامبا” و”تيتوسفيل”، ومن المتوقع جمع هذه المكونات أواخر العام الحالي، بعد أن بدأ العمل فيها في شهر أيار/ مايو 2009، ليسلم الزورق إلى قيادة البحرية اللبنانية عبر شحنه من الولايات المتحدة إلى ميناء قبرص، حيث سيبحر من هناك إلى لبنان.
وقد أوضح روس أنه “بإمكان الشركة أن تزود هذا النوع من الزوارق بمجموعة مختلفة من التركيبات والمواصفات. فبحسب السرعة ومدى التحمل المطلوبين، يمكن تزويد زورق AMP 145 بمحركين يحوي كل منهما 16 أسطوانة على شكل “V” ، أو بمحركين يحوي كل منهما 20 أسطوانة على شكل “V” .” وقد كان تعليق المصادر المطلعة أن خيار البحرية اللبنانية سيكون النموذج الأقوى على الأرجح.
من ناحية أخرى، شددت المصادر المطلعة على أنه رغم ما يسده هذا الزورق من احتياج فهناك حاجة للبحرية اللبنانية إلى مراكب أكبر للقيام بالمهام البحرية السيادية على أكمل وجه، كما أكدت المصادر ضرورة الحصول على مراكب إنقاذ وإطفاء الحرائق للحد من الأضرار الناجمة عن الحوادث وتأمين الكفاية الذاتية في أحوال كهذه، لتجنب سيناريوهات مماثلة لما حدث لدى سقوط الطائرة الأثيوبية قبالة الساحل اللبناني الجنوبي، وغرق سفينة قبالة الساحل الشمالي في عاصفة سابقة.
من جهته، أكد روسّ حرص الشركة على تطوير وتنسيق أنظمة التدريب والمحاكاة الخاصة بالمهارات التكتيكية والعملانية، بالإضافة إلى مهارات الصيانة والتصليح، من خلال فرعها المخصص للتدريب Mission Assurance International ؛ وقالت المصادر المطلعة أن البحرية اللبنانية طلبت أن يكون تدريب طاقم من ضباطها وعناصرها من ضمن الصفقة مع شركة “ريفر هوك”.