يتوجه فوغ راسموسن الامين العام لحلف الناتو يوم 15 ديسمبر/كانون الاول الى موسكو حيث سيجري لقاءات مع رئيس روسيا دميتري مدفيديف ورئيس وزرائها فلاديمير بوتين. ستضع هذه الزيارة نقطة رمزية في عملية استعادة العلاقات بين روسيا والناتو التي ازدادت سوءا بعد الحرب في القوقاز في اغسطس/آب عام 2008. فيما تم اعادة العلاقات في أثناء الاجتماع الوزاري لمجلس روسيا – الناتو الذي عقد يوم 4 ديسمبر/كانون الاول الجاري في بروكسل والذي شارك فيه من الجانب الروسي وزير الخارجية سيرغي لافروف.
يدفع الوضع المتفاقم في افغانستان حلف شمال الاطلسي الى تطوير العلاقات مع موسكو. وسيأتي فوغ راسموسن الى روسيا باقتراحات ملموسة تخص بالدرجة الاولى دعم وجود الناتو المتزايد في افغانستان واجهزة الامن في حكومة كابول.
ويرى الخبراء في بروكسل ان اللقاءين المزمع عقدهما في موسكو لن يتمخضا عن توقيع وثائق عمل، الا انهما يهدفان الى تهيئة الخلفية السياسية الملائمة لعمل الدبلوماسيين والعسكريين مستقبلا.
بعد وقوع الازمة الجورجية في السنة الماضية وانتخاب الرئيس الامريكي الجديد واستبدال الامين لحلف الناتو حلت مرحلة اطلق عليها الرئيس الامريكي باراك اوباما تسمية “اعادة التشغيل” او البداية الجديدة في العلاقات بين روسيا والغرب على حد تعبير فوغ راسموسن البالغ من العمر 56 سنة.
وكان فوغ راسموسن قد اعلن في شهر سبتمبر/ايلول انه لا ينبغي محاولة الاتفاق مع روسيا في مسائل يستحيل الاتفاق عليها. كما لا ينبغي التنازل امامها في مسائل مبدئية بما في ذلك توسيع الناتو وتقديم المعونات العسكرية لجورجيا. لكن يجب التعاون معا بنشاط في المسائل التي تهم الجانبين.
يشهد تاريخ علاقات روسيا مع الناتو بداية جديدة ليس لاول مرة. وسبق لكل من الامين عام لحلف شمال الاطلسي ان اعلن لدى توليه منصبه انه حان الوقت لانشاء الشراكة الاستراتيجية مع الدولة الكبرى على الساحة الاوراطلسية التي لا تعد عضوة في الحلف. لكن كل مرة وقعت احداث تسببت في تبريد العلاقات حتى نقطة التجمد.
هل هناك مبررات لان نؤكد ان هذه المرة ستشهد شيئا آخر؟ – واجاب الناطق الرسمي باسم الناتو جيمس اباتوراي عن سؤال وجهته اليه صحيفة “فريميا نوفوستيه” قائلا:” ان احد اسباب التفاؤل يكمن في ان 29 دولة عضوة في مجلس الناتو – روسيا وافقت على اقتراح طرحه الامين العام بإجراء كشف مشترك للمخاطر والتحديات التي يتعرض لها الامن في القرن الحادي والعشرين. اما السيد فوغ راسموسن نفسه فقد اوضح هذا الامر في مؤتمر صحفي عقد بمقر الناتو في بروكسل قائلا:” اذا ناقشنا المخاطر المشتركة فمن المسبعد ان يقدم شخص مجنون على ادراج احد الجانبين في قائمة الاخطار”.
واتفق اعضاء مجلس الناتو – روسيا في المرحلة الاولى على إجراء كشف في المواضيع التالية: افغانستان والارهاب (بما في ذلك امكانية تعرض اهم اهداف البنية التحتية) والقرصنة البحرية وانتشار اسلحة الدمار الشامل ووسائل نقلها والكوارث الطبيعية والتكنولوجية. سيسفر هذا العمل عن وضع وثيقة مشتركة قبل انتهاء عام 2010 .
لكن ثمة شيء اهم يدفع الناتو الى توسيع الشراكة مع روسيا. وهو قضية افغانستان. وليست هنالك عملية اهم واعقد بالنسبة الى حلف شمال الاطلسي من عملية افغانستان.
واوضح جيمس ابارتوي قائلا:” اولا يعول الناتو على تطوير التعاون مع روسيا في موضوع الترانزيت الى افغانستان. وتشهد اتفاقية الترانزيت الشحنات “غير المميتة” بما فيها آليات وذخائر المرحلة الختامية للمحادثات التي تجرى حاليا ليس مع روسيافقط، بل مع دول اخرى واقعة في مسار نقل الشحنات. وبعد اتمام التنسيق في السلسلة كلها سيبدأ الناتو في استخدام طريق الترانزيت هذا.
واوضح جيمس ابارتوي قائلا:” لقد سمحت موسكو بالترانزيت لبعض اعضاء الناتو وما زال مفعول هذا السماح ساريا. ويتعين علينا مناقشة انواع الترانزيت – بريا كان او جويا او غير ذلك – وامكانية توسيع انواع الشحنات والتفاصيل الاخرى”.
واوضح موظفون في الناتو لم يذكروا اسماءهم ان الحلف يود توسيع اتفاقية الشحنات غير المميتة التي تم عقدها اثناء قمة روسيا – الناتو التي عقدت في شهر ابريل/نيسان الماضي في بوخارست. ويقول الموظفون ان احتياجات الناتو الى ترانزيت المعدات الحربية تزداد بقدرما يزداد تعداد قوات التحالف في افغانستان و تقل طرق الترانزيت التقليدية عبر باكستان أمنا. كما يسعى الناتو الى الحصول على حق النقل الجوي لبعض الشحنات العسكرية التي يتم نقلها حاليا عبر السكك الحديد. ويمر القسم الاكبر لمحروقات الناتو عبر روسيا. لكن سعر ذلك لا يرضي الناتو الذي يريد الحصول على النفط والغاز مجانا باعتبارهما مساهمة من روسيا في حل مشكلة افغانستان.
وقال جيمس ابارتوي:” اننا نريد تطوير التعاون في مجال تدريب الكوادر المتخصصين في مكافحة تهريب المخدرات. وفي هذا السياق فان المركز الدولي الواقع في مطار دوموديدوفو قد اصبح هاما جدا. وتعود غالبية دفعات المخدرات التي يتم الاستيلاء عليها في دول وسط آسيا وافغانستان الى الخبراء الذين تم اعدادهم بفضل الجهود المبذولة من قبل مجلس روسيا – الناتو.
واخيرا فان الناتو ينتظر ان تقوم روسيا بتقديم مساعدة كبيرة في تطوير الآليات الحربية السوفيتية الصنع المتوفرة في جيوش الدول الاعضاء في الناتو والجيش الافغاني. وثمة حاجة الى بندقيات “آك-47″ الآلية بالنسبة لاجهزة الامن الافغانية، بالاضافة الى المروحيات السوفيتية الصنع التي اظهرت مواصفاتها الجيدة خلال مرابطة القوات السوفيتية بافغانستان في ثمانينات القرن الماضي. لكن المروحيات وغيرها من الآليات الحربية المتوفرة في جيوش الدول الاعضاء في الناتو والجيش الافغاني بحاجة الى التطوير والصيانة الفنية.
بالاضافة الى ذلك فان قيادة الناتو تأمل بان تتسلم من روسيا 6 طائرات نقل عسكري من طراز ” آن – 32″ الى جانب 4 طائرات اخرى من هذا النوع تعمل حاليا في افغانستان.
واصبح من البديهي للدبلوماسيين الغربيين ان موسكو لا ترغب في هزيمة الغرب في افغانستان، علما ان ذلك سينجم عن مشاكل كبيرة لامنها. بينما لا تنظر روسيا الى الناتو كحليف لها. ومن جهة اخرى فلو مني الناتو بهزيمة في افغانستان لانخفض اهتمام الحلف المستضعف بخطط توسيعه على الساحة السوفيتية السابقة وبالدرجة الاولى في اوكرانيا ومنطقة ما وراء القوقاز. ويرى الجانب الروسي ان مبادرته حول انشاء بنية جديدة للامن الاوروبي سيساعد على تجاوز حالة عدم الثقة التي لا تزال قائمة في العلاقات بين الجانبين.