من يتمسك بالشراكة الاستراتيجية سوريا أم روسيا ؟

تناول الباحث كارلو كارو، في مقال بمجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية، جذور العلاقات التاريخية الوطيدة بين دمشق وموسكو التي تُعد سبباً رئيسياً في إنقاذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، حيث أسفر التدخل العسكري الروسي منذ أربع سنوات عن تغيير مسار الحرب لصالح الأسد.

توطدت علاقة التعاون بين روسيا والاتحاد السوفيتي بعد وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963 في عهد صلاح الدين البيطار ويُشير الباحث إلى أن التعاون بين سوريا وروسيا سبق التنافس بين الأخيرة والولايات المتحدة في الحرب الباردة وكذلك الصراع الطائفي والجيوسياسي بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط؛ إذ بدأت العلاقات الثنائية منذ أن أصبحت سوريا دولة مستقلة وحصلت على الاستقلال عن الفرنسيين.

بداية العلاقات الدبلوماسية 

يوضح الباحث أن الاتحاد السوفيتي ساهم في حصول سوريا على استقلالها، وورثت النخبة السنية آنذاك الحكم عن الفرنسين، وبدأت الصداقة مع السوفييت. وعندما تفككت المستعمرات الغربية، انفتح العالم العربي على نفوذ الاتحاد السوفيتي، وفي عام 1944 خلال الحرب العالمية الثانية، تم تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي والمستعمرتين الفرنسيتين السابقتين: سوريا ولبنان.

 

وتزامنت مصالح سوريا والاتحاد السوفيتي مع الرغبة في الحفاظ على أمن حدودهما؛ وخلال مناقشات مجلس الأمن الدولي في عام 1945 دعم الاتحاد السوفيتي مطالب سوريا بانسحاب الجنود الغربيين من أراضيها.

وتوطدت علاقة التعاون بين روسيا والاتحاد السوفيتي بعد وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963 في عهد صلاح الدين البيطار. وخلال فترة الستينيات ساهم الاتحاد السوفيتي في إنشاء صناعة وطنية في سوريا، كما ساعد في صناعة النفط وبناء السكك الحديدية والزراعة التي كانت أساسية للاقتصاد السوري.

التعاون العسكري مع موسكو

ولكن سوريا، بحسب الباحث، كانت بحاجة لضمان سيادتها، ولذلك بدأ التعاون العسكري مع موسكو يلعب دوراً مهماً في العلاقات الثنائية بين البلدين، وأرسل الاتحاد السوفيتي مدربين عسكريين وأسلحة وعسكريين إلى سوريا، كما قدمت موسكو مساعدات غير مشروطة إلى الدول العربية خلال نكسة عام 1967 وأدانت إسرائيل وطالبتها بسحب قواتها.

ويقول الباحث: “مع اندلاع حرب يونيو(حزيران) 1967 مُنحت موسكو وصولاً واسع النطاق إلى الموانئ السورية في كل من اللاذقية وطرطوس، وبات ميناء طرطوس القاعدة البحرية التي كان لها تأثير حاسم بالنسبة لروسيا للتدخل العسكري لدعم بشار الأسد وكذلك وجودها في البحر المتوسط”.

الجيش الروسي

ويورد الباحث أن الكوادر السياسية السورية كانت تتعلم في الاتحاد السوفيتي، وبخاصة أولئك الذين تولوا لاحقاً مناصب رفيعة في الحكم والدولة السورية. وكان وجود أشخاص حاصلين على تعليم في الاتحاد السوفيتي من الأمور اللافتة في الجيش السوري. وقد ترسخت مكانة سوريا باعتبارها شريكاً رئيسياً للسوفييت في المنطقة منذ سبعينيات القرن الماضي بناء على خلفية تعاون قوي في فترة الخمسينيات، حيث تأسست روابط بين حزب البعث والحزب الشيوعي السوفيتي. وعلى الرغم من أن الانقلاب الذي أوصل حافظ الأسد إلى السلطة كان يُنظر إليه بقلق وحذر في البداية من قبل السوفييت، إلا أن هذه المخاوف قد تبددت بسرعة.

معاهدة الصداقة والتعاون

ويقول الباحث: “باتت سوريا مؤيداً قوياً لموسكو في جميع قضايا الشؤون العالمية، ودعمت بشكل حاسم التعاون الاقتصادي الثنائي؛ إذ تم الانتهاء من أول محطات توليد الطاقة الكهرومائية في الفرات عام 1973، إضافة إلى التعاون العسكري لتحقيق التوازن في السلاح مع إسرائيل، فضلاً عن التعاون في الشؤون العربية المحلية”.

وفي عام 1980 تم إضفاء الطابع الرسمي على التعاون العسكري بين دمشق وموسكو من خلال معاهدة الصداقة والتعاون التي أصبح بموجبها الاتحاد السوفيتي ملتزماً بالدفاع عن سوريا في حال الهجوم على سيادته. ويصف الباحث هذه المعاهدة بأنها تتويج لتطور العلاقات التاريخية بين البلدين على مر العقود، حيث تعكس الأهمية الاستراتيجية لسوريا بالنسبة لموسكو.

ولكن العلاقات بين روسيا وسوريا كانت تنطوي على بعض التناقضات، بحسب الباحث، فعلى سبيل المثال لم تؤيد موسكو دخول القوات السورية إلى لبنان في عام 1976، ولم يتم استشارة السوفييت أو إبلاغهم. كما أدركت أيضاً موسكو أن العداء السوري تجاه العراق يضر بالقضية العربية، وأسفر ذلك أيضاً عن تقويض إمكانيات السياسات السوفيتية في العراق.

لماذا تدخل بوتين في سوريا؟

ويضيف الباحث أن العلاقات الثنائية بين روسيا وموسكو قد تراجعت في التسعينيات بسبب مشاكل روسيا الداخلية، ولكن تزامن انهيار العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا في عام 2003 مع التقارب بين موسكو ودمشق، وفي عام 2005، قامت موسكو بإسقاط قرابة 80% من ديون دمشق المستحقة لها والتي بلغت 13 مليار دولار، الأمر الذي أزال بعض الصعوبات التي واجهتها موسكو ودمشق في علاقاتهما.

ويختم الباحث بالتأكيد على أهمية عدم تجاهل العلاقة التاريخية بين دمشق وموسكو التي سبقت الحرب الباردة، وبخاصة لأنه من الحمق إغفال الروابط السياسية والشخصية والثقافية التي تطورت بين البلدين على مدى عقود، ولاشك في أن هذا التاريخ بين البلدين كان السبب الرئيسي وراء قرار بوتين بالتدخل العسكري في الحرب الأهلية السورية في عام 2015.