الثَرى القمريّ

حكم مصارعه

عضو مميز
إنضم
27 نوفمبر 2014
المشاركات
4,272
التفاعل
5,251 0 0
8e642045cbad4b1d03e40c819719e208.jpg


عندما تتجول على أرض لينة، هل لاحظت كيف أن رجلك قد تركت أثراً؟ ولربما تتبع بعضًا من أجزاء الأرض الأكثر ليونة في ساحة منزلك أحياناً، إذا التقطت بعض هذه الآثار - وهي ما نطلق عليها الطين أو التربة - وفحصتها تحت المجهر، فماذا سترى؟
52c9cc1c39856cd82eeca8553558e6aa.jpg

آثار الأقدام الشهيرة على السّطح القمريّ من بعثة "أبولو 11"، والتي تركت أثرًا عميقًا في الثّرى. المصدر: ناسا



في الأساس، سترى مكونات ما تدعى بالريغوليث (Regolith) أو الثرى، وهو عبارة عن مجموعة من جزيئات الغبار والتراب والصخور المتفتتة، والمواد الأخرى التي نجدها هنا على الأرض.

ولكن من المثير للاهتمام بما يكفي، أن هذه هي نفس المواد الأساسية التي يمكن أن توجد في البيئات الأرضية الأخرى، وتشمل: القمر، المريخ والكواكب الأخرى، وحتى الكويكبات.

التعريف

يُعرّف مصطلح "الريغوليث" أو الثرى على أنه طبقة من المواد تغطي الصخور الصلبة، والتي يمكن أن تأتي على شكل غبار أو تراب أو صخور متفتتة. اشتُقّت الكلمة من دمج كلمتين إغريقيتين معاً: ريغوس (Rhegos) وتعني بطانة أو دثار، وليثوس(Lithos) وتعني صخرة.

على الأرض

على الأرض، يأخذ الثرى شكل الطين والغبار والرمل والمكونات الأخرى التي تتشكل نتيجة للعمليات البيولوجية وعوامل الطقس الطبيعية، وذلك بسبب مجموعة من العوامل مثل: التآكل والرواسب الطموية (Alluvial deposits) أو حركة الماء التي ترسب الرمل، والثورانات البركانية، أو النشاط التكتوني. حيث تنزل المواد ببطء أسفل الأرض، وتتموضع فوق صخر الأساس الصلب.

يمكن أن يكون هذا الثرى مكوناً من الطين، السيليكات، والمعادن المختلفة، إضافةً إلى المياه الجوفية والجزيئات العضوية. كما يتفاوت الثرى على الأرض، فقد لا يكون موجودًا أساساً، أو قد يصل إلى مئات الأمتار من السماكة، ويمكن أن يكون كذلك شاباً جداً في شكل رماد، وطمي، وصخور بركانية كانت فقط قد ترسبت أو قد يبلغ عمره مئات الملايين من السنين يرجع تاريخ الثرى إلى العصر ما قبل الكامبري في أحد أجزاء أستراليا.

على الأرض، يعتبر وجود الثرى أحد العوامل الهامة لمعظم أنواع الحياة، لأنه هناك عدد قليل فقط من النباتات يمكنها أن تنمو على أو داخل الصخور الصلبة، وستكون الحيوانات غير قادرة على تحفيز وبناء المأوى بدون مواد طرية، كما أن الثرى أيضا مهم للبشر، فقد تم استخدامه منذ بدء الحضارة البشرية في شكل طوب و خرسانة وسيراميك لبناء البيوت و الطرق والأعمال الحضارية الأخرى.

الفرق في المصطلحات بين التربة وتعرف أيضاً:(تراب، طين ... ألخ) والرمل هو وجود المواد العضوية، حيث أنه في السابق، كان موجوداً وبوفرة، وهذا ما جعله مختلفًا عن الثرى في البيئات الأرضية الأخرى من نظامنا الشمسي.

أما على القمر

يُغطى سطح القمر بطبقة رقيقة من المعادن التي يعرّفها العلماء على أنها "ثرى قمري"، وهو مغطى تقريبًا بأكمله، أما الأحجار الرئيسية فهي مرئية فقط في جدران الفوهات الشاهقة.

تشكّلَ الثرى القمري على مدى مليارات السنين بوساطة اصطدامات نيزكية ثابتة على سطح القمر، ويقدّر العلماء أن الثرى القمري يمتد للأسفل لحوالي 4 - 5 متر في بعض المناطق، وحتى قد يصل لعمق 15 متر في المناطق الجبلية القديمة.


3204f30e62bf6061d0cc5ac5b4df4cb6.png

صورة لجبل "ماغنيت" في المنطقة الوسطى من "يلغارن كراتون" في غرب أستراليا، والذي يعود تاريخه إلى العصر ما قبل الكمبري. المصدر:geomorphologie.revues.org



عندما كانت الخطط توضع معاً لمهمات أبولو(Apollo missions) كان بعض العلماء قلقين من أن الثرى القمري سيكون خفيفاً جدًا ورقيقاً على دعم وزن المسبار القمري، فعوضاً عن الهبوط، كان العلماء قلقين أن يغرق المسبار داخل ما يبدو أنه يشبه كومة من الثلوج.

ولكن مع ذلك، أظهرت عمليات الهبوط من قِبل مركبات المسح الروبوتية، أن تربة القمر مستقرة بما يكفي لتدعم المركبات الفضائية.

لاحقاً، أوضح رواد الفضاء شعورهم بأن سطح القمر كان مستقراً جداً تحت أقدامهم، حيث وجد رواد الفضاء خلال عمليات الهبوط أنه من الضروري استخدام مطرقة لدفع أداة أخذ العينات داخله.

في إحدى المرات التي وصل فيها رواد الفضاء للسطح، ذكروا أن غبار القمر الناعم قد التصق ببدلاتهم الفضائية ثم انتقل إلى داخل المسبار القمري. كما ادعوا أيضاً بأنه دخل في عيونهم، ما جعلها محمرة اللون، والأسوأ من ذلك أنه دخل إلى رئاتهم وسبب لهم السعال، وأيضًا، فغبار القمر هو مادة حاكة، وقد لوحظت قدرته على إتلاف البدلات الفضائية والالكترونيات. وسبب ذلك هو أن الثرى القمري حاد وخشن، وهذا يرجع إلى حقيقة أن القمر لايمتلك غلافًا جويًا ولا ماءً متدفقًا عليه، وبالتالي لاتحدث عليه عمليات طقس طبيعية.


عندما ضربت النيازك الدقيقة سطح القمر، وكوّنت جميع الجزيئات، لم تكن هناك عمليات تقوم بتدمير حوافها الحادة.

يُستعمل مصطلح (التربة القمرية) عادةً بشكل متبادل مع مصطلح "الريغوليث القمري"، ولكن يجادل البعض في أن مصطلح التربة ليس صحيحًا، لأنه يعرف باحتوائه محتوى عضوي، ومع ذلك، فإن الاستخدام القياسي لجميع علماء القمر يميل لرفض هذه التفرقة بين الإثنين. يُستخدم كذلك مصطلح (الغبار القمري)، ولكن بشكل رئيسي، يستعمل لتعريف المواد الأكثر رقّة من التراب القمري.

وكما أن ناسا تعمل في وضع خطط لإعادة الإنسان إلى القمر في السنوات القادمة، كما أن الباحثون يعملون على تعلّم أفضل الطرق للتعامل مع الثرى القمري، يمكن أن تستخلص المستعمرات المستقبلية المعادن و الماء، وحتى الأوكسيجين خارج التربة القمرية، واستخدامها لصناعة القواعد كما يجب.

على المريخ

تمكّنت المركبات الهابطة (Landers) والجوالات (Rovers) التي أرسلتها ناسا وروسيا، ووكالة الفضاء الأوروبية ESA إلى المريخ من العودة بمجموعة من الصور الرائعة، والتي تعرض مناظراً طبيعية مغطاة بمساحات شاسعة من الغبار والرمل، بالإضافة إلى الصخور والجلاميد الصماء.

بالمقارنة مع الثرى المريخي، فان غبار المريخ رقيق جدًا، مم يجعله يعلق كبقايا في الغلاف الجوي، ويعطيه لونًا أحمرا. قد يعلق الغبار المريخي أحيانًا في العواصف الغبارية الواسعة التي تحدث على مساحات شاسعة على الكوكب، والتي تكون بطيئة جدًا بسبب الكثافة المنخفضة للغلاف الجوي.

يرجع السبب في كون الثرى المريخي أكثر رقة من ذلك الموجود على القمر إلى الماء المتدفق وأودية الأنهار التي غطت سطحه في الماضي. كما يدرس باحثوا المريخ حالياً في ما إذا كان الثرى المريخي مازال يتشكل في الوقت الحالي أم لا.


a7b1b7caa9dfc1820be7d4293f765ad3.jpg

منظرٌ للأرض من القمر. أُخذت الصّورة من مركبة "أبولو 11" الفضائيّة الموجودة وسط بحرٍ من التّربة القمريّة. المصدر: ناسا


ومن المعتقد أن هناك كميات كبيرة من الماء وجليد ثاني أوكسيد الكاربون بقيت مجمدة داخل الثرى المريخي، والتي ستُستعمل خلال الرحلات المأهولة (وحتى جهود الاستيطان) التي ستجري في العقود المقبلة.

يُغطى قمر المريخ ديموس (Deimos) كذلك بطبقة من الثرى التي يقدر سمكها بحوالي 50 متراً (160 قدم). وأكدت الصور المقدمة بوساطة مركبة فايكنج 2 المدارية (Viking 2) وجوده من ارتفاع 30 كم(19 ميل) فوق سطح القمر.


aa9a23c8c6f62a682d248b29467f4e22.jpg

"آلان بين" يأخذ عيّنة من الثّرى القمريّ خلال مهمة "أبولو 12". المصدر: ناسا


الكويكبات والنظام الشمسي الخارجي

الجرم الآخر الوحيد (ماعدا السابقة) في نظامنا الشمسي المعروف باحتوائه على الثرى هو تايتان(Titan) أكبر أقمار زحل، فسطحه معروف بحقوله الواسعة من الكثبان، وعلى الرغم من أن منشأها مازال غير معروف بشكل دقيق، إلا أن بعض العلماء يقترح بأنها قد تكون عبارة عن فُتات صغيرة من جليد الماء، تآكلت بفعل الميثان السائل على تايتان، أو قد تكون جزيئات من مادة عضوية تشكلت في الغلاف الجوي لتايتان وسقطت على سطحه بشكل مطر.

احتمالية أخرى، هو أن هناك سلسلة من تقلبات الرياح القوية التي تحدث مرتين خلال السنة الزحلية الواحدة (30 سنة أرضية)، هي المسؤولة عن تشكُّل هذه الكثبان التي يُقدّر ارتفاعها بعدة مئات من الأمتار، وتمتد عبر مئات الكيلومترات. حالياُ لايزال علماء الأرض غير متيقنين مم يتكون الثرى على سطح تايتان.


d2106ebc818d93dd8e877dd269a0a5bc.jpg

عيّنة ناجحة من الثّرى المرّيخيّ أخذتها "عربة فينكس" التّابعة لناسا. المصدر: NASA/JPL-Caltech/University of Arizona/Max Planck Institute



أظهرت البيانات التي عاد بها مقياس نفاذية الأشعة (penetrometer) على متن مسبار هويجنز (Huygens Probe) أن السطح يمكن أن يكون قريباً للطين، ولكن اقترحت التحاليل طويلة الأمد للبيانات أنها ربما تكون مؤلفة من حبيبات جليدية شبيهة بالرمل. كما أظهرت الصور التي التقطها المسبار لدى هبوطه على سطح القمر سهلاً شريطياً مغطى بحصى مستديرة، والتي يمكن أن تكون مكونة من جليد الماء، كما يقترح العمل وجود حركة للسوائل عليها.

ولوحظ أن الكويكبات أيضاً تحتوي على الثرى على أسطحها، وذلك نتيجةً لاصطدامات النيازك التي حصلت على طول فترةٍ امتدت لملايين السنين، الأمر الذي أدى الى تحطيم سطوحها وخلق الغبار والجزيئات الرقيقة الموجودة داخل الفوهات.




كوّنت مركبة نير شوميكَر (NEAR Shoemaker) التابعة لناسا دليلاً على وجود الثرى على سطح الكويكب إيروس (433 Eros) وهي أفضل الصور لثرى كويكب حتى الآن. عادت الدلائل الإضافية المقدمة من قبل مهمة هايابوسا (Hayabusa) التابعة لوكالة استكشاف الفضاء اليابانية JAXA بصور واضحة للثرى على سطح أحد الكويكبات والذي كان يعتقد أنه صغير جداً لأن يحتفظ به.

أكدت الصور المقدمة بوساطة كاميرات أداة (نظام التصوير البصري والتحليل الطيفي والأشعة تحت الحمراء البعيدة)المعروف اختصاراً بـ (OSIRIS) على متن مركبة روزيتا، أن الكويكب لوتينا (21 Lutetia) يمتلك طبقة من الثرى قرب قطبه الشمالي، والذي تمت رؤيته في الانهيارات الرئيسية المرتبطة باختلافات في بياض الكوكب (Albedo).


ولإيجاز الأمر باختصار، إذا وُجدت صخور في أي مكان، فإنه من المرجح وجود الثرى "الريغوليث"، سواء تم إنتاجها بواسطة الرياح أو الماء المتدفق أو حتى بفعل النيازك التي تضرب السطح، فطراز التراب القديم الجيد، يمكن أن يوجد في أي مكان من نظامنا الشمسي، ومن المرجح أكثر في الكون البعيد.

cc5b4774e09478143a2eeccac3c5834b.jpg

صورةٌ بألوان مزيّفة لفوّهة "إيروس" البالغ عرضها 5.3 كم (3.3 ميل). اِلتُقطت بواسطة كاميرا (NEAR Shoemaker)، حيث تُظهر وجود الثّرى داخل الفوّهة. المصدر: NASA/JPL/JHUAPL

 
عودة
أعلى