خطة عمل الجيش الإسرائيلي للسنوات 2016-2012: المعضلات والحلول

إنضم
30 سبتمبر 2014
المشاركات
797
التفاعل
1,214 0 0
IDF_new.png


درج الجيش الإسرائيلي على التمييز بين مفهومين، هما: استخدام القوةوبناء القوة.
ويشير المفهوم الأول إلى النشاط العملاني الميداني،ويفترض أن قدرةَ الجيش على التنفيذ هي معطى قائمبذاته.
أمّا المفهوم الثاني فيشمل الأنشطة المطلوبة لتحسين قدرات الجيش (أو، أحياناً، المحافظة على هذه القدرات فقط).
وعلى سبيل المثال،فإن قرار اختيار موقع لنصب كمين على الحدوداللبنانية هو مجرداستخدام للقوة، في حين أن خطةَ إنتاج أقمار صناعية متطورة هي بكل وضوح بناء للقوةوالقدرات...
ويتم بناء القدرات عملياً على مدار العام، لكن تؤخذ القرارات المهمة بهذا الشأن مرة كل عام،وذلك في إطاربرنامج العمل السنوي،وبدرجة أشمل مرة كل خمسة (وأحياناً أربعة) أعوام.ويتناول هذا الفصل خطة عمل الجيش الإسرائيلي للسنوات 2012 - 2016

صعوبة إعداد خطة لعدة أعوام


إن مهمة إعداد خطة لعدة أعوام منوطة بنائب رئيس الأركان العامةوبفرع التخطيط (أغات) في الجيش الإسرائيلي، اللذين يواجهان ثلاث صعوبات موضوعية، هي: أولاَ، صعوبة افتراض ما سيحدث خلال الأعوام الخمسة المقبلة؛ ثانياً،قلة مرونة ميزانية الأمن،فهناك، في الظاهر، أكثر من 250 بليون شيكل [67,68 بليون دولار أميركي] تحت تصرف معدي الخطة،وهذا هو مجموع ميزانيات الأمن لخمسة أعوام،ومن ضمنها المساعدة الأميركية، أي أكثر من 50 بليون شيكل في العام [13,54 بليون ) وفي الواقع،فإن معظم مخصصات ميزانية الأمن مكرّس لأبواب 1 دولار أميركي].( إنفاق ثابتة؛ ثالثاً، تكمن الصعوبة الأكبر في تحديد منهجية الخطة التي تشمل مئات المتغيرات.

إقرار خطة لعدة أعوام


على الرغم من عدم وجود طريقة ملزمة أو منهجيةوموثقة لإنتاج خطة لعدة أعوام، إلاّ إنه نشأ على مر السنين تفاهم بشأن كيفية إقرار هذه الخطة، بناء على المراحل الأربعة التالية:

أولا ً: تقويم الوضع الاستراتيجي


وتبدأ هذه المرحلة بالتقويمالاستخباراتي، إذتستعرض الاستخبارات العسكرية (أمان) فرضياتها للأعوام القليلة المقبلة، بالتركيز على التهديدات المتوقعة. يلي ذلك نقاش في فرع التخطيط (أغات) بشأن "التهديد المرجعي" [نسبة إلى التهديدات القصيرةوالمتوسطة الأجل المتوقعة في فترة الخطة]. ويحددرئيس هيئة أركان الجيش (وليس الحكومة كما هو معهود في دول أخرى) "التهديد المرجعي" الذي يتمحور حول ثلاثة معطيات قياسية (باراميتر)، هي:
• فرضية حدوث تهديد معين.
• خطورة التهديد (الضرر المتوقع وقوعه).
• كلفة الرد على التهديد.

ثانيا ً: سلسلة نقاشات تمهيدية


هناك نوعان من النقاشات التمهيدية.
يتناول النوع الأول السيناريوهات العملانية المختلفه للمواجهات العسكرية المستقبلية. وتساعد هذه النقاشات في تعيين ماهية الإنجازات المطلوبة،والثغر الجوهرية القائمة،وميزات التفوق النسبي للجيش الإسرائيلي .
أمّا النوع الثاني فيتناول "بناء القوة". وتشمل هذه النقاشات مسائل متعددة، منها:
ما هو عددالأقمار الصناعية المطلوبةونوعيتها،
ما هي تشكيلة الطائرات بلا طيار المطلوبة،
ما هو نوع منظومات الدفاع الفاعل المطلوبةوعددها...

ثالثا ً: ورشة عمل الأركان العامة


يصل مسارإقرار الخطة الخمسية إلى ذروته في النقاش الختامي بإدارةرئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي،وهذا النقاش الختامي هو عبارة عن ورشة عمل تستغرق يومين أوثلاثة أيام... والغاية المتوخاة من قراررئيس الأركان هي تحقيق الفائدة العملانية المستقبلية القصوى بناء على سلة من الموارد(تشمل ميزانية الدفاع والقوة البشرية النظامية).

رابعاً: الاستكمال


بعد اختتام ورشة العمل، يقوم فرع التخطيط بترجمةقرارات رئيس هيئة الأركان العامة إلى "توجيهات عامة للتخطيط". وعلى أساس هذه الوثيقة، تقدم الأسلحة والقيادات خططها التفصيلية الخاضعة لموافقةرئيس الأركان،وتدمج خلاصات رئيس الأركان والخطط التفصيلية في وثيقةواحدة،وهي: الخطة متعددة الأعوام.

خطة السنوات 2016 -2012


ستعقد ورشة هيئة الأركان العامة في آب/أغسطس 2011،وستبقى معظم قراراتها طي الكتمان. وعلى الرغم من ذلك، يمكننا افتراض ما هي المعضلات الرئيسية التي ستواجهها،والتي ستحدد هيكلية القوة للجيش الإسرائيلي،وقوته العسكرية في الأعوام المقبلة.


المعضلة الأولى: السياسة المتبعة إزاء مصر


منذ إبرام معاهدة السلام في سنة 1979، تم تعريف هذه الدولة على أنها تشكل "خطراً" لا "تهديداً". والفرق بين التهديدوالخطر هو انعدام نية هذه الدولة،والمقصود مصر، القيام بعمل عسكري ضد إسرائيل. وعلاوة على ذلك،وعلى مر ثلاثة عقود، كان في وسع إسرائيل الافتراض أنه في حال اندلاع نزاع مسلح مع خصوم آخرين في المنطقة، ستمتنع مصر من التدخل.وأتاح هذا الافتراض اجملال لإسرائيل لخوض حربين في لبنان،وعمليات عسكريةواسعة النطاق في الضفة الغربية (مثل "عملية ) وفي قطاع غزة (مثل "عملية الرصاص المسبوك")، من دون تخوف 2 الدرع الواقي")،( فعلي من تدخل مصر في الأعمال العدائية. وكان للاتفاق مع مصردلالة أكبر على صعيد بناء القوة،فمنذ إبرام معاهدة السلام (وعلى وجه التحديد منذ سنة 1985)، أمكن تقليص "نظام القوات" للجيش الإسرائيلي،ولا سيما القوات البرية. وأتاح تقليص الكم في موازاة تحسين النوع لدولة إسرائيل المحافظة على مستوى ثابت لميزانية الأمن، بالمعطيات الحقيقية. ونظراً إلى زيادة حجم الناتج القومي الإجمالي، انخفضت، بالتدريج، نسبة ميزانية الأمن للناتج القومي الإجمالي – من 30٪ في سنة 1974 إلى نحو 7٪ في سنة 2011. ولم يقتصر تأثير اتفاق السلام مع مصر في تقليص نظام القوات، بل تعداه إلى إمكان تقليص مستوى مخزون قطع الغياروالذخيرة. وراجت على مر الأعوام مقولة إن إسرائيل متمسكة بسياسة "أخذ مجازفة مقبولة" إزاء مصر ما لم يحدث "تغيير استراتيجي". إلاّ إن المعضلة الأولى لهيئة الأركان العامة
اليوم هي في الإجابة عن السؤال التالي:
هل يستوجب التغيير الذي شهدته مصر في شباط/فبراير 2011، بمافيه سقوط نظام مبارك، تغييراً موازياً في الفرضية الأساسية القائمة إزاء هذه الدولة،وبأي مدى؟ لعله من الجائز القول إن الرد على هذا التغيير سهل نسبياً في كل ما يتعلق بتعزيز أمن الحدود مع مصر،وبالحاجة إلى رصد استخباراتي أشمل. لكن، في المقابل، يصعب تقديم أجوبة بشأن انعكاسات التغيير الحاصل في مصر على نظام القوات (البحرية،والجوية،والبرية)،وخصوصاً بشأن مستوى مخزون الجيش الإسرائيلي.

المعضلة الثانية: الاعتماد على سلاح الجو


حاز سلاح الجو الإسرائيلي على مر خمسة عقود، أي منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، على الأفضلية المطلقة في توزيع موارد ميزانية الأمن. وشكلت قوة سلاح الجو تفوقاً نسبياً ساطعاً للجيش الإسرائيلي على جيوش العدو،وبدأ نطاق مهمات سلاح الجو بالاتساع،فشمل، بالإضافة إلى الدفاع عن سماء الدولة، إحراز التفوق الجوي في فضاء الخصموأرضه، بما في ذلك تدميردفاعاته من صواريخ أرض-جو، وقصف أهدافه الاستراتيجية،وتدمير منظوماته من صواريخ أرض - أرض،ومساندة كثيفة للقوات البريةوالبحرية الإسرائيلية . لكن، برز في الأعوام الأخيرة تهديدان هما بمثابة تحد لقدرة سلاح الجو على تحقيق كل أهدافه: أولهما، هو تحسن قدرات الخصم من المضادات الأرضية، الأمر الذي يذكر بالتحدي الذي شكلته [للطائرات الإسرائيلية] المضادات الأرضية السوريةوالمصرية في حرب سنة 1973. وثانيهما،والأهم، هو التهديد الذي تشكله ترسانة صواريخ العدو. وقد ظهر هذا التهديد في العقد الأخير،وهو يشمل إمكان تعرض مطارات إسرائيل لهجمات صاروخية،وهو يطرح سؤالاً بشأن مدى إعاقته لفعالية سلاح الجو. وعلى قدر التوقعات بشأن تراجع فعالية سلاح الجو،ولو موقتاًوبصورة محدودة، ينبغي زيادة القدرات،ولا سيماقدرات القوات البرية،وربما أيضاًقدرات القوات البحرية، بحيث يتم "توزيع اخملاطر"،وتنويع قدرة الرد.

المعضلة الثالثة: طائرات أف 35


إن الطائرةالمقاتلة أف 35 هي أفضل وأحدث (وأغلى) طراز من الطائرات المقاتلة، ولهذه الطائرة مزايا عديدة، أهمها تقنية التخفي (بفضل "مقطعها العرضي الراداري" الصغير)، التي تطيل عمرها بصورة حاسمة. ويزعم كثيرون أن هذه هي الطائرة المقاتلة المأهولة الأخيرة، لأن قدرة تصنيع طائرات تكتيكية بلا طيارتتطور بسرعة كبيرة إلى حد الاستغناء عن الطائرات المقاتلة المأهولة في المهمات العسكرية بعد عقد أو عقدين. للوهلة الأولى، لا يشكل شراء سرب من طائرات أف 35 معضلة،ولا سيما أن القرار متخذ منذ مدة، لكن المعضلةقائمة، في الواقع، من ناحيتين: فمن الناحية الأولى، علينا أن نقرر ما إذا كان ينبغي إدراج شراء سرب إضافي في الخطة الخمسية – الأمر الذي يعني تكريس معظم ميزانية الأمن بالعملة الصعبة [المساعدة الأميركية] لهذا الغرض. فهناك من يقول في هذا الصددإن سرباًواحداً من طائرات أف 35 لا يشكل "كتلة حرجة" من الطائرات النوعيةوالخفية الضرورية أساساً لنجاح تنفيذ مهمات قتالية على جبهة "الطوق الثالث" (ضد إيران مثلاً). أمّا الناحية الثانيةفهي أكثر جوهرية لأنها تتعلق بنسبة عددالطائرات المأهولة لعددالطائرات بلا طيار التي ينبغي حيازتها في الأعوام الخمسة المقبلة. على العموم، يُفضل إرسال طائرة بلا طيار لتنفيذ مهمة هجومية إذا أمكن، ليس فقط من أجل تقليل اخملاطر على الطيارين، أو لأنها تسمح بقدر أكبر من اجملازفة في اختيار طابع المهمة، بل أيضاً لأن الكلفة الإجمالية لتشغيل طائرات بلا طيار هي منخفضة نسبياً. لكن الاعتمادالمتزايد على طائرات تكتيكية بلا طيار لتنفيذ المهمات يستلزم أخذ مبادرات تكنولوجيةوعملانية عديدة،وقد يكون البديل عن الاستثمار الكبير في الطائرات بلا طيار هو اعتماد "اجملرَّب والمضمون"،فبما أنه سيطول انتظارنا لتسلم طائرات أف 35،قد يكون من الملائم أكثر شراء مزيد من طائرات أف 15 وأف 16، أو تحسين قدرات الطائرات الموجودة (الرادار، مثلاً). وعليه، ليس هيناً اتخاذقرارات فيما يتعلق بهاتين المقاربتين المتصلتين بالطائرات المقاتلة أف 35.

المعضلة الرابعة: الدفاع الفاعل


عزز النجاح العملاني الميداني لمنظومة "القبة الحديدية"، في مطلع سنة 2011،قرار تجهيز الدفاع الإسرائيلي ببطاريات إضافيةوبمخزون كبير من الصواريخ الاعتراضية. فالمطلوب توظيف موارد هائلة،وهناك جهات تقول إن "الاكتفاء بالدفاع يعرضنا لخطر جسيم"،والكلام يدور على الاستثمار المفرط في الأسلحة الدفاعية، على حساب القدرات الهجومية. وتضيف هذه المصادر أنه بمجردقيام إسرائيل بالتزود، بكثافة، بالمنظومات الدفاعية تكون قد خضعت لإملاءات العدو. وهذا الأمر شبيه بالقيودالضاغطة التي فرضتها إسرائيل على الجيشين المصري والسوري، اللذين عجزا عن التصدي لسلاح الجو الإسرائيلي،فاضطرا إلى رصد ميزانية هائلة لمنظومات الدفاع الأرضي، الأمر الذي أفضى إلى إدامة ضعف سلاحهما الجوي . ولا تقتصر مزايا منظومات الدفاع المضادة للصواريخ على الحماية التي توفرها، وعلى تقليل حجم الأضرار المتوقعة، بل تطال أيضاً مجالين إضافيين،فمن شأن منظومة الدفاع الفعالة أن تضعف حافز العدو على المهاجمة، كذلك تمنح أنظمة الدفاع الفعالة مزيداً من حرية الحركة للعمليات الهجومية. مبدئياً، اتُخذ القرار في إسرائيل بالتسلح بنظام دفاعي لاعتراض الصواريخ متعدد الطبقات (حيتس 3، حيتس 2، "العصا السحرية"، "القبة الحديدية")، لكن الأهم في هذا السياق هو طريقة مزج المنظومات الدفاعية المتعددة،وحجمالميزانية المكرسة لهذا الغرض، إذإن هذا سيتم بالضرورة على حساب مجالات تسلح أخرى . وثمة حيرة إضافية تلازم المؤسسة العسكرية منذ عقد،وهي على صلة بالدفاع الفاعل،وتحديداً بمنظومة الدفاع بالليزر (ناوتيلوس)،والتي لديها أفضلية على ثلاثة مستويات، إذإن سرعة الطلقة في ناوتيلوس تسمح بتدمير "نيران المسار المرتفع"، حتى لو أُطلقت من مدى قصير (قذائف الهاون)، كذلك تتيح المنظومة باستخدامات متواصلة، الواحدة بعد الأخرى،وبتدمير عدة أهداف في آن معاً، بالإضافة إلى ذلك، فإن كلفة تدميرقذيفة صاروخية أو صاروخ أرض-أرض تعتبر معقولة جداً . ولنفترضأن إسرائيل هوجمت بآلاف الصواريخ،والقذائف الصاروخية،وقذائف الهاون،وحتى بطائرات بلا طيار، يومياًولمدة طويلة،فإن منظومة الليزر أفضل بكثير من الناحية الاقتصادية، غير أن تطوير هذه المنظومة يستغرق فترة زمنية طويلة، وتكاليفه مرتفعة. وقد أظهرت النماذج الأولى للمنظومة أنها تسمح بحماية حيز مكاني صغير (مقارنة بالقبة الحديدية)، لكن، هل من الحكمة الاستثمار في منظومة الليزربعد أن بدأ الاستثمار في "القبة الحديدية"،وهل يمكن الاستثمار في النظامين الدفاعيين في آن معاً؟ هذا ما ستجيب عنه الخطة الخمسية.

المعضلة الخامسة: القدرة على المناورة


ظهرت مجريات حرب لبنان الثانية ضعفاً في قدرة القوات البرية على المناورة الهجومية،وخصوصاً بالنسبة إلى تحريك وحدات عسكرية كبيرة. وقد أُعطيت الأولوية لمعالجة هذا الخلل بسرعةفور انتهاء الحرب،وركزت المعالجة على التدريب والتأهيل، كما ركزت على زيادة تجهيزات القوات البرية،ولا سيما المنصات من طراز المدرعة "نامير" (ناقلة جند مدرعة "نغماش"، مركّبة على قاعدةدبابة "ميركافا")،وأنظمة ) الذي يحمي الدبابات 3 التدريع ومن ضمنها نظام "السترة الواقية" [Trophy]( وناقلات الجند. وتنبع الحاجة إلى تحسين قدرات المناورة الهجومية، مباشرة، من ضرورة تحقيق نصر سريع في الساحتين السوريةواللبنانية. وهناك تباين في وجهات النظر بشأن هذه المسألة،ففي حين يعتقد البعض أنه لا يمكن تحقيق حسم عسكري سريع في هاتين الساحتين من دون توغل القوات البرية في عمق أرض الخصم،فإن البعض الآخر يرى أن أهمية هذا الجهد البري مسألة ثانوية، لأنه يمكن تحقيق الغاية المنشودة عبر تدمير الأهداف من الجو،وعبر إلحاق أضرار جسيمة بالبنى التحتية، لإقناع الخصم بأن استمرارالقتال عديم الجدوى. ففي حال اعتُمدت المقاربة الأولى، ينبغي تخصيص ميزانيات كبيرة لتعزيز القدرات البرية،ولا سيما نظام "السترة الواقية". ومما لا شك فيه أنه في ميدانِ المعركة المدجج بالأسلحة المتطورة المضادة للدروع، هناك ضرورة حيوية لتوفير هذا النوع من الحماية لمعظم مركبات القتال المدرعة في الجيش الإسرائيلي. في المقابل،فإن الذين يعتبرون أن حرب مناورة هجومية تشارك فيهاقوات برية كبيرة في عمق أرض العدو مسألة أقل إلحاحاً،قد يكتفون بعددأصغر بكثير من أنظمة تدريع كهذه،ذلك بأن ) في مواجهةقطاع غزة،وحتى في مواجهة حزب الله، 4 عمليات "الأمن الجاري"( تتطلب عدداًقليلاً نسبياً من هذه الأنظمة. وقد يبلغ الفرق بين المقاربتين بلايين الشيكلات، ليس فقط بسبب تكاليف حماية مركبات القتال المدرعة، بل أيضاً بسبب الحاجات المكملة لها، كتحسين القدرات الهندسية،وزيادةدقة تصويب مرمى المدفعية ومداه.

المعضلة السادسة: القيادة والتحكم


من أبرز ميزات جيش عصري كالجيش الإسرائيلي هي قدرات القيادةوالتحكمالعالية، جواًوبحراً،وفي الأعوام الأخيرة، براً أيضاً. لكن، إلى جانب ميزات النظام المتطور للقيادةوالتحكم، هناك ثلاثة نواقص، هي: أولاً، نحن نتكلم على تكنولوجيا يجري تحديثها باستمرار،وبهذا المعنى يمكن القول إنهفور تسلّم تجهيزات مزودة بأنظمة جديدة، تكون هذه الأنظمةقد أصبحت عملياًقديمة؛ ثانياً، لا يجب الاكتفاء بإنجاز "نصف العمل"،فهناك كلفة كبيرة مترتبة على وضع تكون فيه بعض الوحدات مزودة بأنظمة اتصالات حديثة، في حين أن الوحدات الأخرى غير مجهزة بأنظمة كهذه؛ ثالثاً، غالباً ما تكون فائدة نظام متطور للقيادةوالتحكم غير مباشرةوغير مثبتة، فعلى سبيل المثال، إن تمكّن رئيس الولايات المتحدة الأميركية من مشاهدة عملية تصفية بن لادن بالنقل المباشر لا يثبت أن هذهالقدرة ساهمت في نجاح العملية ونوعيتها . وقد استثمر الجيش الإسرائيلي كثيراً، في الأعوام الأخيرة، في البرمجيات والأعتدة الصلبة للحواسيب،وفي البنى التحتية للاتصالات،وعليه أن يقررالآن ما إذا كان مطلوبأً منه البقاء في طليعة جبهة التكنولوجيا،والتزودبأنظمة حديثة، مثل بنية تحتية للاتصالات من جيل "التطور طويل الأمد" LTE، التي تسمح بإرسال وبتلقّي كمية كبيرة من الصوروشرائط الفيديو بسرعةفائقة، أوالإكتفاء بالجيل الأقل تطوراً. كذلك،فإن القيادةوالتحكم هما مثالان جيدان، لكنهما ليسافريدين، بالنسبة إلى وضع يخولنا تحقيق"قفزة تكنولوجية نوعية"، في حين أن الإضافة إلى الفائدة العملانية الميدانية لا توازي بالضرورة تكاليفها. فقد نشأ في ميدان القيادةوالتحكموالحواسيب في الأعوام الأخيرةوعي متزايد بشأن إمكان تعرض الجيش الإسرائيلي،والمنظمات والمؤسسات القومية الأخرى، للهجمات الإلكترونية. إذزادت مؤخراًقدرة العدو – سواء أكان دولة أم منظمة- على مهاجمة وتعطيل أنظمة حيوية عن طريق اختراق معاد لأنظمة الحواسيب، الأمر الذي يتطلب استثمارات كبيرة لإحباط هذا النوع الجديد من التهديدوصده . مما لا شك فيه أن نقاش هذه المعضلات سيأخذ حيزاً من عملية صياغة الخطة الخمسية، بناء على فرضية عدم حدوث تطورات تقلب الأوضاع. كذلك لا ينبغي استبعاداندلاع انتفاضة ثالثةقبيل نهاية سنة 2011،وفي هذه الحال، سيضطر الجيش إلى إجراء تعديل كبير في الخطة، بحيث تستعيد "المسائل الطارئة" الأولوية على "المسائل المهمة". فالضغط المشروع الذي سيمارسه الجمهوروالمؤسسة السياسية لزيادة العمليات العسكرية في الضفة الغربية،والحاجة إلى تحسين أمن وسلامة المواقع العسكرية أوالتجمعات المدنية، سيؤديان إلى تغييروجهة مقدار غيرقليل من مخصصات الأمن
وعليه، يجوز السؤال التالي:
لماذا لا تنفَذ هذه العمليات منذ اليوم؟
لماذا لا يستعد الجيش الإسرائيلي لمواجهة انتفاضة ثالثة؟
والجواب عن هذين التساؤلين هي أن الجيش الإسرائيلي محق في عدم تحويل ميزانيات سخية إلى "الأمن الجاري" منذ اليوم، وذلك لسببين، هما:
أولاً، يمتاز الجيش بقدرة عالية على تنفيذ التغيير في فترةوجيزة،وهو استغل الهدوء النسبي في الأعوام السبعة الأخيرة لتوفير موارد كبيرةوتوظيفها في بناء القوة طويلة الأمد؛
ثانياً، إن الاستثمار في "الأمن الجاري" لا يخدم سيناريوهات أخرى، في حين أن التوظيف في مجالات أخرى قد يكون مفيداً أيضاً لخدمة مقتضيات "الأمن الجاري".

ميزانية الأمن


لقد كان إيهودباراك محقاً في قوله، عندما كان رئيساً لهيئة الأركان العامة،إن القيود الضاغطة على تعاظمقوة الجيش الإسرائيلي ليست تكنولوجية في طبيعتها،وإنما هي متصلة بالميزانية المرصودة. وأكدنا أعلاه أن التحدي الذي يواجهه الجيش الإسرائيلي يكمن في تحقيق الفائدة العملانية المستقبلية القصوى بناء على موارد محددة. لكن، هل أن هذه الموارد محددة سلفاً؟وألا يمكن زيادتها من داخل ميزانية الأمن أو من خارجها؟ قبل بضعة أعوام، تمتشكيل لجنة برئاسةديفيد برودت للتدقيق في ميزانية الأمن، وقدمت هذه اللجنة توصيتين: أولهما، أنه ينبغي زيادة ميزانية الأمن بالتدريج وبصورة معتدلة؛ ثانيهما، أن على الجيش الإسرائيلي أن يحسن فاعليته بما يوازي إنفاقاً أمنياً بنحو 30 بليون شيكل [8,14 بليون دولار] في غضون عشرة أعوام . ) دراسة ميزانية 5 وعليه، كلفت وزارة الدفاع والمؤسسة العسكرية شركة "مكنزي"( الأمن وتقديم اقتراحات لزيادة الفاعليةوالنجاعة. وعمل فريق عمل الشركة مدة عامين، ثمقدم توصياته إلى مدير عام الوزارةوإلى رئيس الأركان العامة. فقدوضع هذا الفريق برنامجاً طموحاً لزيادة الفاعليةوالنجاعةولتوفير الإنفاق،وتبنّت وزارة الدفاع آنذاك تطبيق هذا البرنامج الإصلاحي. لكن، منذذلك الوقت، لم يتم إنجاز الكثير، ليس فقط بسبب ذوبان القرارات (كما يحدث غالباً في إسرائيل)، بل أيضاً لأن توصيات شركة "مكنزي" كانت مشوبة بخطأ من الأساس . وتتحقق زيادة الفاعلية عن طريقين: إمّا عبر زيادة ناتج الميزانية (النفقات) إياها، وإمّا عبر الإبقاء على الناتج إياه مع خفض في الميزانية. وبما أن لجنة برودت حددت سلفاً أنه لا يجب تقليص نفقات الأمن، بقي أن يتمدرس زيادة النجاعة عن طريق الاحتمال الأول – أي زيادة ناتج الميزانية إياها. لكن، هنا يفرض السؤال التالي نفسه: كيف يمكن قياس زيادة الناتج العملاني؟فهذا أكثر تعقيداً من قياس ناتج شركة تجارية، حيث هناك مؤشر بسيط، ألا وهو حجم المبيعات . ومن الأجدرأن يتمتنفيذ التدقيق على عدة مراحل: في المرحلة الأولى، يجب تحديد الناتج العملاني بناء على "كتلة العضلات"، أي أن نحصي عددالمتغيرات التي تنتج هذه "العضلات"، مثل عددالكتائب العملانية في كل من الجيش النظامي والاحتياط، وعددالطائرات وأنواعها،وعدد سفن سلاح البحريةوأنواعها،وعدد"أيام القتال" (مخزون الذخيرةوقطع الغيار) المتوفرة،وما إليه. وفي المرحلة الثانية، المطلوب تقدير كلفة تكوين كل عضلة من تلك "العضلات". أمّا في المرحلة الثالثة،فينبغي وضع خطة لزيادة مجمل "العضلات" بما يوازي 30 بليون شيكل في العقد المقبل،ويجب أن يجري ذلك من دون زيادة ميزانية الأمن (أوزيادتها بنسبة طفيفة، بناء على توصيات لجنة برودت).وستكون المحصلة هي زيادة الفاعلية التي تفضي إلى زيادة ملموسة في الناتج العملاني، من دون زيادة في مجموع النفقات. ونظراً إلى أن أياً من هذه الأمور لم يحدث، يجوز القول إنه لم يكن هناك أي زيادة في الفاعلية في الأعوام الأخيرة،وإنه لن تحدث أي زيادة خلال الأعوام القادمة المشمولة بالخطة، أي في السنوات 2012- .2016 وأبعد من ذلك، يبدوأنه لن تتوفر، من داخل ميزانية الأمن، مصادرتمويل ذاتية نتيجة لتغييرات تنظيمية جوهرية في الجيش الإسرايلي (وفي وزارة الدفاع). في المقابل،فإن مصادرتمويل من خارج ميزانيةالأمن تبدوأكثر ترجيحاً،وهذا ما لمّح إليهرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في الخطاب الذي ألقاه عشية عيد الفصح، هذا العام . ويدخل في صلب إعدادالخطة الخمسية تقدير ميزانية الحاجات الأمنية خلال الأعوام الخمسة المقبلة. وقددرج الجيش الإسرائيلي على وضع تقديرات "متفائلة"، أي على وضع خطةواسعة النطاق،والنضال لاحقاً من أجل تحقيقها. وهذا ما سيحدث على الأرجح هذه المرة .

خاتمة

تستأثر ميزانية الأمن بالنصيب الأكبر من الميزانية العامة للدولة. لذا، من الطبيعي ومن الصائب أن يجري نقاش الخطة الخمسية للجيش الإسرائيلي داخل الحكومة،وأن تكرّس لهذا النقاش بضعة أيام. ونظراً إلى أن ليس هذاواقع الحال في إسرائيل،فإن مسؤولية تقرير هيكلية القوة في الجيش، للأعوام المقبلة، تقع على عاتق الجيشِ الإسرائيلي،ورئيسِ هيئة الأركان العامة،ووزير الدفاع. وللدلالة على أهمية هذه القرارات، نذكّر بقرار إيهودباراك، عندما كان رئيساً لهيئة الأركان قبل عشرة أعوام، إعطاء الأولوية للتزودبالأسلحةوالذخيرة الذاتية التوجيهوالدقيقة – وهو القرارالذي مكّن الجيش الإسرائيلي من زيادةقدرته العملانية بصورة ملحوظة، من دون الخروج عن إطار الميزانية . إن الإدراك المتأخر للأمور يُظهر أن قرارات الجيش الإسرائيلي لم تكن دائماً سديدة. فعندما نستعيد القرارات الماضية، نقول حبذا لو كان هذا أوذاك القرار مختلفاً،ومن الأمثلة على ذلك، الأهمية الزائدة المعطاة إلى القيادةوالتحكم في القوات البرية على حساب القدرة على المناورة الهجومية،ومنظومات الحماية،والرؤية الليلية، في الفترة السابقة لحرب لبنان الثانية. مع ذلك، يبدوأن المسار الذي يعتمده الجيش الإسرائيلي في بلورةالخطة الخمسية، صحيح الآن، لأنه يجري بحزم وبجديةوبأكبرقدر ممكن من الشفافية


 
عودة
أعلى