بطولة رجال الغواصه المصرية 21

Abobarean

عضو مميز
إنضم
10 أغسطس 2015
المشاركات
4,268
التفاعل
18,713 0 0
10934690_10155125908715529_2004617326_n.jpg


الغواصة (21)

مقدمة

قصة الغواصة 21....بدأت تقريبا من يوم الثالث من أكتوبر إلي يوم العاشر من أكتوبر عام 1973.... الأحداث المكتوبة لاحقا ربما لم تقع أبدا كما هي مذكورة....ورغم أن كلمة "ربما" قد تجعلنا نفكر و نتوقع....إلا إنني شخصيا لم أتكلم مع أي فرد من الطاقم عن الأحداث التي جرت في هذه الفترة الحرجة من تاريخ مصر....فالقصة قد تكون خيالية تماما....و لكنها أيضا حقيقية لأقصى درجة....في النهاية هي تجربة إنسانية لبحارة مصريين مقاتلين في زمن حرب 1973....ارتضوا عن طيب خاطر أن تكون حياتهم فداء لوطن.... ليس كأي وطن....بل هي مصر....و كفى بمصر من وطن.

إلى أبي الذي علمني الكثير و كلما ازداد بي العمر كلما قنعت انه كان طراز فريد من الرجال....و كان افضل ما علمني أبي هو حب الوطن....نعم....فحب مصر ملء عليه حياته و لم يضن عليها حتى بحياته لو كان له الاختيار.


الغواصة 21– 1

الرابع من أكتوبر سنة 1973

نظر الضابط الشاب "علي" أمامه يراقب الأفق المظلم اللامتناهي ....و هو يرتدي المعطف الثقيل الواقي من الأمطار و ممسكا بمنظارمكبر يشعر ببرودته على وجهه....و يكاد يرى بصعوبة الموج المتكسر أمامه في ذلك الظلام الموحش.... و الذي يرسل رذاذا باردا من ماء البحر على وجهه مختلطا بالمطر المتساقط....يبحث بدأب عن قطع بحرية قريبة قد لا يلتقطها الرادار....مع الوقت يتردد قليلا للنظر خلفة كأنه يستحي.... وكأنه يشعر بصوت خفي يناديه....و يقرر أن يلقي بنظرة سريعة إلى الوراء.... ليرى ما يشبه عقد اللؤلؤ لأضواء متراصة ومتلألئة عن بعد في الأفق المظلم البعيد....تخفت أحيانا و تسطع أحيانا كأنها بغرابة شديدة تناديه....إنها أضواء الإسكندرية التي تبتعد و كأنها تلوح له قائلة "مع السلامة" بطريقتها المميزة....و كم هي مميزة و جميلة الإسكندرية.... مصدر فخرة و اعتزازه و المكان الذي ترك به قطعة من قلبة و فلذات كبدة....يتذكر و هو يودعهم من أيام قليله وهو ينظر اليهم....ابتسامة الأمل و الرجاء من زوجته الشابة التي تخفي قلقا في الأعماق و ابنه الذي بنظراته مزيج من الحيرة و الخوف.... و ابنته الصغيرة بضحكاتها الملائكية الساحرة....كأنها الحياة مقبله عليه بوعود بالحب و الأماني و السعادة و النصر....و يشعر للحظات كأن هناك دمعة من اشتياق تطلب الإذن للنزول من عينه و لكنها لم تفعل و كأنها لم تجرؤ....و يعاود للنظر للأمام باهتمام و حماس و هو يتنفس عميقا رائحه البحر و ما أجملها من رائحة....ممتنا للحب الذي يربطه بالبحر و بأمواجه و حتى بالسماء الحالكة فوقة المتلألئة بالنجوم....و يشعر في قرارة نفسة انه لم يكن ليتمنى أن يكون بأي مكان أو زمان أخرين....كما لم يكن يحلم بشيء أخر غير أن يدافع عن بلده....و كان الفجر قد اوشك و معه يجب أن تبدأ الغواصة 21 بالنزول إلى عالمها الخاص تحت الأمواج....و جاءت له التعليمات من القائد على النداء الداخلي "جهز الغواصة للغطسفورا"....و شعر بدفق من الأدرنالين يضخ في دماؤه بقوة و تسارعت نبضات قلبة و أنفاسه و هو يأمر بإيقاف محركات الديزل و تشغيل المحركات الكهربائية....و يقول في كلمات مقتضبة و هو ينزل على السلام الشبة عمودية إلى قسم القيادة بالأسفل " أغلق كل الفتحات وأبدأ الغطس لعمق 30 متر بزاوية 5 درجات و باتجاه شرق- شمال شرق.....اغطس.. اغطس.. اغطس"....يسمع جرس الإنذار و تضئ الأنوار الحمراء....و تبدو الغواصة من الداخل كخلية نحل....كل فرد في الطاقم يعلم ما يفعله و ما سيقوم به....و يأخذ "علي" موقعة بجوار القائد ناظرا باهتمام إلى العدادات و الأدوات المحيطة قائلا " افتح خزانات الغطس" و يرددها خلفة مسؤول الخزانات" فتحت خزانات الغطس يا فندم"....و يشعر كانه لا يريد أن يصدق من أعماقه....ويحلم أنه ربما....فقط ربما....أنه اليوم الذي طال انتظاره من سنين....يتوقع أن تصلهم رساله لاسلكية سمعها من قبل مرات عديده...."إلى الغواصة 21 قم بفتح مظروف المهمة في سعت 06:00"....ليقرأها القائد بأن المهمة هي – كالعادة - تدريبيه....فاتجه ناحية الغرب أو ربما إلى الشمال....إلى موقع ما بإحداثيات محددة و عد إلى الإسكندرية بعد أداء التدريبات المتفق عليها في اليوم المتفق عليه"....و لكنه اليوم يشعر بشيء مختلف....فاتجاههم المبدئي هو الشمال الشرقي!....تأخرت رساله قيادة القوات على غير العادة حتى اليوم التالي أو هكذا ظنوا....ثم أخيرا وصلت بعد قلق و انتظار....و طلب القائد بعقد اجتماع في استراحة الضباط ...."الميس"....و فتح المظروف و بدا على نظرات القائد الذهول و القلق و الحماس معا و هو يقرأ الخطاب أولا في صمت....ثم قرأ بصوت مسموع "أوامر القيادة العليا....إلى الغواصة 21 اتجه فورا إلى القطاع "س 14" و قم باعتراض و تدمير أي أهداف متجهه إلى ميناء "أشدود" المعادي أو خارجة منه....و التزم بمنع الاتصالات تماما مع القاعدةإلا حسب الجدول الزمني المرافق....ستقوم الغواصة 24 بتسلم القطاع منكم في يوم 9/10 أكتوبر بعدها تعودون إلى الإسكندرية....وفقكم الله....الله والوطن و تحيا مصر"....قبل أن ينهي القائد القراءة كانت يد "علي" قد امتدت إلى رف به العديد من الخرائط و فتح واحدة منهم لدراسة القطاع المذكور....و الذي كان يحفظ موقعة عن ظهر قلب و لكن فقط ليتأكد ....نعم انه داخل عمق المياه الإقليمية للعدو و أمام مدخل الميناء....و زفر من أعماقه قائلا "الحمد لله....أخيرا"....شعر بعواطف جياشة لم تمر به من قبل في حياته....تلاحقت الصور و المعاني و المشاعر في عقله كأنها فيلم سينمائي....صور قديمة عن المستعمر الذي كان يحتل مصر و مازال يتذكر كيف كان يرى جنود الاحتلال يمشون في شوارع و هو مازال طفلا....و والده و هو يحكي له في صغرة عن الحروب التي خاضها في فلسطين سنة 1948....و ما عاشه أثناء شبابه من أحداث الاعتداء الثلاثي على مصر سنة 1956....و المعارك البحرية التي خاضها و زملاؤه في 6 سنوات ماضية....ونكسة عام 67 و زملاء وأصدقاء له قد اصبحوا شهداء اليوم و هم في عمر الشباب....أحداث تاريخية فارقة مرت بها مصر و شعبها في الخمسة و عشرون سنة الماضية....أسفرت عن انتصارات و خسائر و دموع....و عن غيرة ورغبة راودته منذ صغرة بأن يدافع عن مصر و يحميها من أعداؤها....فأراد أن يكون طيارا مقاتلا منذ صغرة و رفض لعدم اللياقة الطبية....و عن تقدمة للعمل في سلاح الغواصات....و رفض أيضا في البداية و قبل لاحقا بصعوبة....و أخيرا عن عدو غاشم قد أن الأوان ليدفع الثمن مضاعفا عن كل تجاوزاته ضد وطنه مصر .........


الغواصة 21– 2

دارت تلك الخواطر في ثوان قد مرت علية.... و سحب القائد الميكرفون وهو يطلب من المسؤول عن الاتصالات أن يطلق نداء داخلي لكافة أقسام الغواصة و قال...."ضباط و جنود الغواصة 21 جاءت لنا تعليمات من قيادة القوات بمنع و اعتراض سفن العدو الإسرائيلي من المرور في القطاع المواجه لميناء معادي....و كما تعلمون فنحن قد تدربنا كثيرا على هذه المهمة و لكن ما سيحدث في الأيام القادمة لن يكون تدريبا....بل سيكون حياة أو موت و مصير وطن يعتمد علينا و ينتظر منا الكثير....لأننا في الصف الأمامي لمعركة ستبدأ في أي وقت....معركة استرداد الأرض و عودة الكرامة و الثأر لإخواننا الذين سبقونا بالشهادة....الله....الوطن....و تحيا مصر" و انطلقت صيحات السعادة و التكبير في كافة أقسام الغواصة....بعدها طلب القائد من "علي" أن يغير اتجاه الغواصة إلى إحداثيات القطاع المطلوبة و بسرعة 8 عقدة في الساعة و التي من المقرر أن يصلوها بعد أقل من 24 ساعة في جناح الليل....يراجع "علي" الخرائط الملاحية بدقة و يقارنها كل ربع ساعة بموقع الغواصة الفعلي و يتأكد من كونها على المسار المحدد و المطلوب و يتأكد من ابتعادها عن خطوط الملاحة المعروفة و عن أماكن تواجد قطع الأسطول السادس الأمريكي في المنطقة....و التي عرفها عن طريق تقرير المخابرات العسكرية قبل الإبحار بساعات....و يتذكر الحديث الذي دار بينة و بين قائد الغواصة في الاجتماع التحضيري للمهمة التي كانت وقتها تدريبية....وعن صعوبة تلك العملية و عن تعليق القائد أنها تعتبر عملية جريئة و حساسة....فالغواصة المصرية روسية الصنع من طراز يطلق علية "ويسكي" من قبل حلف الناتو....من إنتاج 15 سنوات ماضية و مطورة بالكامل حسب تكنولوجيا ألمانية من وقت الحرب العالمية الثانية.....و نتيجة لتدهور العلاقات السياسية بين القاهرة و موسكو مؤخرا و سحب الخبراء العسكريين الروس من مصر....تم وقف إمدادات قطع الغيار للغواصات منذ سنتين على الأقل....و نتيجة لذلك تضائل الأسطول المصري للغواصات من عشرة غواصات إلى غواصتين عاملتين فقط!....لأننا اضطررنا وقتها أن نستبدل أجزاء من غواصه إلى غواصه أخرى كقطع غيار لإبقائها عاملة....هاتين الغواصتين هما أمل مصر في مواجهة الأسطول الإسرائيلي الحديث التجهيز من جهة و الأسطول السادس الأمريكي الحليف لإسرائيل من جهة أخرى....الذي ينقل المعلومات الاستخباراتية بأمانة عن تحركات السفن المصرية الحربية في المنطقة....و بسبب نقص قطع الغيار فإن أداء الغواصة لا يمكن أن يوصف بأنه مرضي....و لكنه يرى في عيون الرجال عزيمة و شجاعة و إصرار و وحدة الهدف و يأمل و يرجو نصر الله و توفيقه....و من المعروف أن الغواصات تعتمد في قتالها على أسلوب الكمين....أي أن الغواصة تتقاطع مع مسار السفينة المعادية "الهدف" و تنتظر و تكمن حتى تكون في المدى المطلوب و تقوم بقصفها بالطوربيد من مسافة كيلومتر أو اكثر ثم تهرب إلى الأعماق....ولآن سرعة الغواصة المصرية تحت الماء اقل من 10 عقدة و على السطح 16 عقده (حوالي 20-32 كم في الساعة) و معظم السفن التجارية سرعتها اعلى من ذلك ....و سرعة الزوارق الإسرائيلية قد تصل إلى 35 عقدة (حوالي 70 كيلو في الساعة)....فان المعركة ستكون حسابيا خاسرة بالنسبة للغواصة المصرية اذا تم كشفها من زوارق العدو المجهزة بأجهزة السونار الحديثة....بالضبط كطفل يحاول أن يجري و يختبئ من رجلا بالغا كامل النمو....ناهيك أن يكون طفل مريض مثلا و الرجل بطل سباقات العدو....

مما يجعل المهمة شبة مستحيلة....ولخطورة المهمة و لضرورة إغلاق القطاع المطلوب....لن تكون الغواصة في وضعية الاختباء و الكمين كما هو مفترض....بل يجب أن تكشف عن نفسها لكل من في القطاع بما فيها البحرية الإسرائيلية و الأمريكية و تؤكد على تواجدها في المنطقة و في نفس تتفادي الاكتشاف أو الإصابة أو التدمير....أي أنها ستطفو على السطح حتى في الصباح ثم تغطس و تناور و تقترب من السفن البعيدة كي تراها و يبلغوا بعضهم و يمتنعوا تدريجيا عن المرور بالمنطقة....و لن يخطر ببالهم أن تلك الغواصة في حالة متهالكة للقتال أو على الأقل هذه هي الخطة الجريئة و للبعض قد تعتبر انتحارية!....أما اذا تم اكتشافهم و تتبعهم من الزوارق الإسرائيلية....فالمسألة ستكون مسألة وقت فقط لتحديد مكانهم وتدميرهم.......و كانت إسرائيل قد تخلت عن أسطولها من المدمرات بعد تدمير إيلات سنة 1967 و استبدلتها بزوارق أمريكية سريعة تستخدم في مكافحة الغواصاتتسمى "دبور" مجهزة بقذائف أعماق......


الغواصة 21– 3

ساعات قد مرت و قد بدت كأنها دهورا متعاقبة لا تنتهي....تتابع فيها الأوقات و تتشابه....كأمواج البحر المتعاقبة.... وتختلط فيها الأشكال و الوجوه....و الأماني و الأحلام و الخوف و الرجاء....و يشعر كلا منهم بأن هذا اليوم كأنه حياة كاملة سيعيشها....كأنه اليوم الذي ولد من أجله....و يشهد مرور أحداثه المتلاحقة....و يأمل بأفضل نهاية ممكنه عند غروب شمسه....ومثلهم شعر "علي" بانه يتعجل الوصول إلى مكانبعيد و غريب و معادي ولكنه يعرفه تماما و يكاد يلمسه بيديه ....و يعود بالذاكرة لسنوات أربعة ماضية لما كان يطلق علية حرب الاستنزاف....و قتها كان في مهمة على غواصة أخرى....و هي مهمة استطلاع لنفس الميناء "أشدود"....وهذا الميناء الحربي التجاري الذي هو الأقرب لسيناء بمسافة تقل عن 100 كيلو عن الحدود مع مصر....و الذي يصلح تماما للإمدادات العسكرية الثقيلة بالسفن من حلفاء إسرائيل في حالة الحرب....و لم يعلم وقتها ما هو الغرض الاستراتيجي لمهمة الاستطلاع....هل كانت لقياس مدى جاهزية العدو و أجهزة الرصد لدية؟....أم أنها لدراسة دفاعاته و مبانيه؟....أم أنها تجميع لمعلومات استخباراتية تمهيدا لانزال بري و احتلال الميناء؟....لم يعرف احد لليوم....و لكن ما حدث وقتها....أن الغواصة المصرية اقتربت من الساحل المعادي لمسافة لم تحدث من قبل لدرجة انهم كانوا يروا الجنود يتحركون على ارصفه الميناء و يدرسوا نشاطهم اليومي....و قاموا بالتقاط الصور لكل الميناء و منشأته و دفاعاته بدقة متناهية....و استمروا في مهمتهم لأسبوعين كاملين دون أن يكتشف وجودهم العدو....و يا له من إحساس جميل من الصعب وصفة عندما تشعر انك الأعلى و الأقوى في معركة الحياة و الموت و الكرامة المهدورة....ولاحقا عندما عادوا إلى الإسكندرية....تم استقبالهم استقبال الأبطال وتم تقليد كل فرد في الغواصة وسام الشجاعة من قائد القوات....و مع السعادة و الاحتفال بنجاح المهمة.... بقيت مرارة في داخله بالتأكيد لأنه كان تواقا إلى القتال الذي يعرفه و تدرب علية....و الذي كان وقتها كحلم من ضروب الخيال....القتال الحقيقي الذي يروى بالدموع و يسطر بالدم في كتب التاريخ....وللأسف اصبح قتال قد طال انتظاره حتى الملل.... و اصبح الكلام عن القتال مدعاة للسخرية بين جموع الشعب و مصدر لاستهزاء الأعداء مننا....و كم ظهر رئيس من رؤسائهم يتحدى مصر و شعبها أن يحاربوهم....و لكن كان هناك أضواء ضعيفة تكاد أن تومض في نهاية النفق المظلم الطويل و المرير....مثل إغراق المدمرة إيلات سنة 1967 و مدمرة أخرى كانت مرافقة لها أسمها يافو ....و التي قامت بغطرسة باختراق المياه الإقليمية المصرية شمال بورسعيد.... وعلى متنها بالإضافة إلى طاقمها المكون من 100 فرد.... كان معهم أيضا طلبة السنه النهائية للكلية البحرية الإسرائيلية في مهمة تدريبية!....في زمن الحرب و داخل مياهنا الإقليمية ؟ و يا له من استهزاء و استهانة و غباء....و ترقد الأن إيلات في أعماق البحر على بعد 12 ميل بحري شمال شاطئ بورسعيد....و كذلك تلك الأخبار التي تروي عن أحداث قد باتت كالأساطير....عن ما يقوم به بطريقة منتظمة مجموعة من جنود الصاعقة المصريين على خط القنال....كانوا يعبرون القناه في جناح الظلام على متن قوارب مطاطية....و يشتبكون مع العدو الموجود في مواقعة المحصنة على الضفة الشرقية بأسلحة خفيفة ....و يعودون بالأسرى موثقين إلى الضفة الغربية و بالمصابين و في بعض أحيانا عائمين بعد إصابة قاربهم.... و بعد أن تكون الرسالة قد أصبحت واضحة و جلية و مؤلمة للعدو....بأنه لا أمن ولا أمان لكم على ارض مصرية أبدا....و مصر ستكون كما كانت دائما....مقبرة للغزاة..........


الغواصة 21– 4

طلب القائد من "علي" أن يتفقد أقسام الغواصة بنفسة للتأكد من جاهزيتها للقتال....و تحرك من قسم إلى قسم في الغواصة الذي طالما شعر كأنها بيتة الثاني إن لم يكن الأول .... يتابع بطريقة روتينية بعض الأجهزة و العدادات....و يتأكد من قراءتها و أوضاعها و يختبرها ما أمكن....و يلتقي و يتحدث إلى رجال الطاقم الذين يعلمهم بالاسم فردا فردا....و يعلم من أي مدينة أو قرية قد أتوا....75 ضابط و جندي.... ينظر إلى وجوههم ....منهم من يبتسم.... و منهم من يتمتم بكلمات لا تكاد تتعدى شفتيه....و أخرين يبدوا متماسكين وهم ينظرون إلى المجهول أو مشفقين منه....و كلهم مشغولون بما يفعلون....في قسم المحركات يتكلم مع "محمد" قليلا و يربت على كتفة ويشجعه....و يصل إلى قسم الطوربيد في المقدمة.... يداعب "إبراهيم" بنكت قديمة سمعوها قبلا 100 مرة....و ينصرف قائلا له "إحنا معتمدين عليك يا وحش"....و في قسم السونار يقترب من "مينا" و يسأله عن اسم ابنته التي رزق بها قبل الإبحار بساعات ؟....و يرد عليه قائلا " أسميتها مريم" و يبتسم و يبارك له....ويكمل طريقة ليعطي بعض التعليمات هنا و هناك ليتأكد من معنويات البحارة و جاهزيتهم للقتال....فهو يعلم أنهم يقتربون بسرعة من منطقة العمليات....و يجب أن يكونوا في أعلى درجات الجاهزية و الاستعداد....و أثناء تفقده لقسم الملاحة يلاحظ أن "كرم" يبدو متوترا فيقترب منة و يقول" مالك يا كرم" "أبدا يا فندم بس...." " بس إيه ....قلقان.؟ " " قال بصوت مرتعش هامس " أيوة يا فندم خايف ما اشوفش أولادي تاني" فرد "علي" " اللي كاتبة ربنا حا نشوفه و لكن قبل ما نشوفه و إحنا راضيين لازم ننفذ مهمتنا....و نرضي ضميرنا قبل ما نقابل ربنا"....فنظر إليه "كرم" و قد تغيرت نظراته إلى شيء من العرفان و التحدي " ونعم بالله يا فندم" ....و فجأة لاحظ "علي" فوق باب مدخل القسم الذي يليه ....لاحظ ضوء إنذار حمراء بدأ يومض بطريقة متقطعة و صامتة....و تسارعت دقات قلبة باطراد.... فهو يعلم بأن الضوء يعني بأن هناك إنذار لوجود هدف معادي قريب أو خطر محدق....و تعني بوجوب عودته حالا إلى قسم القيادة على الفور....ربت "على" كتف "كرم" مشجعا و أسرع إلى قسم القيادة....لا أعلم ماذا كان يدور في ذهن "علي" وقتها هل كان متوترا؟ هل كان خائفا؟....هل تذكر زوجته و أولاده؟ هل كان متحمسا جدا أم كان هادئ؟....هل فكر في حبة لبلدة و شرف الدفاع عنها؟....ربما لن نعرف ابدأ و لكن ما أتوقعه أنه كان هادئ جدا و دقيق جدا و لا يخلط بين عمله و عواطفه الشخصية....و كان دائما يحاول أن يكون في الصف الأول للدفاع عن بلده مصر....طيار مقاتل....ثم ضابط غواصات....و هكذا كان دائما يبحث عن الأصعب و الأخطر في المقدمة....و يبدو أن إنجازات حياته قد وصلت إلى أوجها اليوم....و هو على بعد أميال معدودة من الحدود البحرية للعدو ..........


الغواصة 21-5

الخامس من أكتوبر سنة 1973

و لأن الوقت كان ليلا عندما وصلت الغواصة 21 للقطاع "س14" المطلوب و ذلك إمعانا في التخفي....و هو تقريبا وقت الإنذار....كانت الغواصة تبحر على السطح في اتجاه الشرق و بسرعة 14 عقدة و هو الاتجاه المباشر المؤدي لمنطقة العمليات....و فور وصوله إلى قسم القيادة أعلن "وصل القائد الثاني للغواصة إلى قسم القيادة".... ذهب مباشرة إلى مكان جهاز الرادار حيث كان القائد متواجدا و بعد تحية القائد...سأل المشغل...."بلغ المعلومات لو سمحت ؟" فرد علية المشغل " هدف على بعد 20 ميل بحري في اتجاه 75 درجة يبحر بسرعة 20 عقدة في اتجاه الشمال الغربي....غالبا سفينة شحن تجارية....يبدو من اتجاه الحركة أنها كانت خارجة من ميناء أشدود"....يقوم القائد و "على" بفتح خريطة المنطقة و تحديد موقع الغواصة و موقع الهدف المحتمل و إجراء بعض الحسابات....و يقول القائد بنفاذ صبر "بعاد أوي و على بال ما نلف وراهم حا يبعدوا اكثر و حا يكون مستحيل الاشتباك معهم"....فيقول "علي" بحماس " اقترح أننا نقترب منهم ما امكن و نقوم بإضاءة بعض الأنوار الخارجية للغواصة حتى يلاحظونا و يبلغوا عن وجودنا؟"....فينظر إليه القائد و يسأل "و لو كانت قطعة حربية " فيرد "علي" "لو ظهر أنها قطعة حربية سنغطس و نبدأ في تطبيق مناورات التملص و التخفي"....فقال القائد " توكل على الله....إبدا بتحديد مسار للاعتراض"....و يأمر بإعلان لكل الأقسام باتخاذ مواقع القتال و يرن جرس الإنذار....و بعد ثواني يطلب "علي" من مشغل الدفة أن يدور بالغواصة في اتجاه 315 درجة شمال غرب و أن يستخدم السرعة القصوى و التي يتذكر بمرارة إنها لن تزيد عن 16 عقدة و إلا سيتعطل المحرك و قد يتوقف عن العمل تماما ....كانت الخطة أن تقرب الغواصة من الهدف إلى حوالي مسافة 6-8 أميال بحرية على الأقل ليتم اكتشافها من السفينة المعادية....و التي ستقوم عندها بإبلاغ قيادة ميناء العدو بتواجد غواصة في المنطقة و هذا هو المطلوب تماما....ويفكر علي بمرارة في هذه اللحظة أنه لو فقط كانت الغواصة متطورة أكثر لتمكنوا من اللحاق بالسفينة و الاشتباك معها....و في نفس اللحظة وصله اتصال من مهندس الغواصة يبلغه - كما كان يخشي- بأن المحركات ارتفعت حرارتها جدا و أن السرعة انخفضت إلى 14 عقدة و مازالت تنخفض!!!....و تكلم مع القائد و رغم قربهم من الساحل إلا انهم قرروا أن يضيئوا أنوار الغواصة كلها لكي ترصدهم السفينة....رغم الاحتمال أن يتم رصدهم أيضا من الشاطئ القريب المعادي و أن يتم قصفهم بالمدافع الساحلية أو الصواريخ....و تم إضاءة الأنوار مع تتبع السفينة المعادية....و وضح من الدقائق الأولى أن السفينة قد رصدتهم و غيرت اتجاهها و زادت سرعتها للابتعاد عنهم....و بعد 15 دقيقة صدر الأمر من القائد " أغطس حالا إلى عمق البيرسكوب و اتجاه 95 درجة" لان هذا الاتجاه هو اتجاه الميناء تقريبا و هو اتجاه من غير المتوقع أن يسلكوه....و اقتربوا اكثر من الشاطئ و من مدخل الميناء....و وجه "علي" البيرسكوب إلى اتجاه مدخل الميناء و لمح بطريقة شبه مستحيلة في الظلام ما يظهر انه أولا جسم داكن خارجا من الميناء ثم أصبحوا جسمين سريعين يبحران في اتجاه سفينة الشحن و مبتعدين نسبيا عن الغواصة....و في نفس اللحظة قام "علي" بعد استشارة القائد بعمل نداء داخلي يطلب من كل الضباط و البحارة أن يلتزمون الهدوء التام مع إيقاف المحركات تماما و توفير استخدام الطاقة المعتمدة على البطاريات....و بعد محاولات صعبة لرصد القاربين السريعين للتأكد من اتجاههم فوجئ "على" أن هناك قارب ثالث يقوم بتمشيط المنطقة و يقترب منهم بسرعة....و بعد إبلاغ القائد تم إصدار الأوامر بالغطس لعمق 75 متر بأقصى سرعة ممكنه....و رغم أن الغواصة من الممكن أن تغطس لعمق 200 متر حسب تصميمها....إلا أن نصيحة المهندسين الموجودة في كتيب التشغيل....كانت بألا يتعدى العمق ال 125 متر للحالة المتهالكة للغواصة....و أصدر القائد أوامره إلى مشغل السونار بتعقب القارب المعادي المقترب و إبلاغه أول بأول بتحركاته..........


الغواصة 21-6

مرت ساعات بطيئة و كل من بالغواصة يلتزم الصمت إلا من تقارير تصل لقسم القيادة بأصوات خافتة....من قسم السونار عن تحركات السفن على سطح البحر أومن الأقسام المختلفة للإبلاغ عن أعطال تتزايد و بدأت أن تكون مقلقة أو أوامر بالحركة البطيئة لمشغل دفة الغواصة لتغيير الاتجاه بهدوء شديد للابتعاد عن قوارب العدو على السطح....و وضح مع الوقت أن القوارب قد ابتعدت عنهم و انهم قد توقفوا عن البحث عنهم للأن....بعدها أصدر القائد الأوامر بصعود الغواصة إلى عمق تشغيل البيرسكوب أولا للتأكد مع عدم وجود قطع معادية في المنطقة المحيطة....ثم بعدها أمر بالطفو لعمق فتحات التهوية لتشغيل محركات الديزل لشحن البطاريات مرة أخرى حيث انه تبقى على بزوغ ضوء الفجر حوالي الساعة أو أقل....و كما هو معروف في النهار تغطس الغواصة و تستخدم البطاريات لتحريك محركاتها الكهربائية و في الليل تطفو الغواصة على السطح و تشغل محركات الديزل للحركة و لشحن البطاريات مرة أخرى....و بعد إنهاء الشحن تم الغطس الكامل مرة أخرى إلى عمق البيرسكوب للبحث عن أهداف معادية و التحرك بالمنطقة حسب الخطة....و استغلال الوقت لساعتين راحة.... لاحقا طلب قائد الغواصة الاجتماع مع الضباط في "الميس" لدراسة كل الأحداث التي مروا بها للأن و تبعاتها و استراتيجية الأيام المقبلة في ضوء خطة العمليات الموضوعة....و بدأ القائد الحديث قائلا بصوت منخفض "الحمد لله وصلنا للقطاع المطلوب حسب الخطة و الزمن المحددين و تم محاولة اعتراض هدف على السطح كان مبحرا من الميناء المعادي....و تم الإعلان عن وجودنا و عرف العدو بنشاطنا في المنطقة....الغواصة في حالة مستقرة و معنوياتنا في اعلى مستوى....بالتأكيد في الساعات و الأيام المقبلة سيحاول العدو بمختلف الطرق أن يحدد موقعنا و يشتبك معنا....يجب أن تستمر الغواصة في مناورات مستمرة مع تغيير الاتجاه و العمق بصورة منتظمة....و هذا سيضع الرجال تحت ضغط كبير....قسم الهندسة يجب أن يقوم بتحديد الأعطال أول بأول و تصليحها بأسرع ما يمكن و إعادة تجهيز الغواصة بصورة مستمرة....و الخطة المتفق عليها هي أن نطفو بالغواصة قبل الغروب لفترة محدودة قرب مدخل الميناء و نعاود بعدها التحركات المتفق عليها....أي سؤال؟...." طلب مهندس الماكينات الإذن بالكلام " يا فندم....البطاريات لا تشحن اكتر من 75% من طاقتها مقلله ساعات التشغيل إلى حوالي 6 ساعات فقط ومضخة الهواء رقم 3 معطلة من قبل خروجنا من الإسكندرية مما يعني أن سرعة الغوص و الطفو ستزيد بمقدار 25% على الأقل عن المعدل المطلوب و محرك الديزل يسرب زيت بصورة كثيفة و يتزايد و لا يعطي سرعة اكثر من 12-14 عقدة و يوجد مياه متراكمه في السطح السفلي للغواصة عمقها حوالي 30 سم و تتزايد.....أنا أخشى أن تتوقف الغواصة كليا عن الحركة في خلال 24 ساعة اذا استمرت الأعطال في بهذه الصورة....و أخشى أن معدلات الغوص أو الطفو ستكون اقل بكثير من المطلوب و بالذات في حالات الطوارئ و الاشتباك"....رد القائد "اعمل إلي تقدر علية و ربنا معانا"....طلب "علي" الإذن في الكلام و سمح له القائد " يا فندم فيه 3 مطارات حربية حول الميناء....يجب أن نأخذ في الاعتبار أنه يوجد احتمال كبير أن تقوم طائرات هليكوبتر بالبحث عنا و تهاجمنا في الصباح اذا اقتربنا من السطح....أقترح أن تكون المناورات في النهار على شكل غوص إلى عمق 50 متر لمدة نصف ساعة ثم الطفو لعمق البيرسكوب لمدة 5 دقائق ثم الغوص مرة أخرى و تغيير الاتجاه و هكذا و بعد دراسة نمط البحث الذي يتبعه العدو من الممكن أن نغير التكتيك حسب الحاجة"....ابتسم القائد و قال له "ممتاز يا علي آنت فعلا بقى يعتمد عليك" و رد علي " شكرا يا فندم" و تذكر "علي" وقتها أن هذا القائد الذي يبلغ ضعفة في العمر هو من علمه تقريبا كل ما يعرفه عن حرب الغواصات منذ أن كان طالبا بالكلية البحرية....و دائما ما اعتبره مثلة الأعلى و أخية الأكبر و استحق حب و احترام كل من عرفه أو عمل معه في سلاح البحرية....و هو من رشحه كقائد ثاني على الغواصة....و اليوم كلمات الإطراء من القائد... يشعر معها بمزيد من التفاني و التضحية و البذل....و هذا ليس بمستغرب على أبناء مصر....انتهى الاجتماع بسرعة....و انطلق كلا منهم إلى ما يبدو انه عاطفة اكثر منها التزام....و احترام اكثر منة تنفيذ أوامر....و عشق لوطن قد غلب ما عداه و بلغ منتهاه.........


الغواصة 21-7

السادس من أكتوبر سنة 1973

الساعة تقترب من الثالثة بعد الظهر....و هو اليوم الثاني للمهمة مع قيام الغواصة المصرية رقم "21" بعمل دوريات على طول الساحل المعادي بطول حوالي 30 ميل بحري و عرض متغير من 10 إلى 5 أميال بحرية داخل الحدود البحرية للعدو حسب الخطة مع تغيير العمق حسب الموقع و لا يبدوا انه هناك تحركات لسفن العدو حتى الأن....و حسب أوامر منع الأرسال اللاسلكي إلى القاعدة البحرية بالإسكندرية و ذلك لخطورة كشف موقع الغواصة للعدو....إلا أن هناك استقبال يومي لرساله مشفرة من القيادة العليا في وقت يختلف كل يوم....غالبا ما يكون في المساء عنده تفتح الغواصة جهاز الاستقبال حسب جدول لدقيقة واحدة لاستقبال الأوامر الضرورية ثم يتم تغيير اتجاه الغواصة على الفور....و كان "على" يراقب من البيرسكوب في محيط 360 درجة حول الغواصة و ينتظر أي معلومات من قسم الرادار عن أهداف محتمله – مع محدودية قدرات الرادار خصوصا في حالة كون الغواصة غاطسة- أو أي معلومات تصله من قسم السونار عن أهداف معادية....بعد قليل لاحظ أنه هناك حركة إلى خارج الميناء لسفينة شحن و قريبا منها زورقين حربيين إسرائيليين مرافقين و دقق في السفينة ليعرف طرازها.... ليجد أنها يتم سحبها من زورق قطر صغير و يبدو كأنها قديمة و صدأة....و ابتسم "علي" فهو يعرف ما يفعله الإسرائيليين هنا....كصياد السمك يضع الطعم أولا لتقوم الغواصة بمهاجمته و هو هدف لا يساوي شيئا و بعدها يتم رصد الغواصة و إغراقها من زوارق الحماية المحيطة أو من المدفعية الساحلية أو من الطائرات الهليكوبتر....و هذه المحاولة من العدو تثبت نجاح خطتهم المبدئية لمنع العدو من استخدام الميناء....فهم يعلموا بوجدنا و يختبروننا....في ثوان دارت تلك الخواطر في ذهنه و هو يطلب استدعاء القائد بسرعة إلى قسم القيادة....وصل القائد و قيم الهدف بنفسة و استمع إلى تقرير شفهي من "علي" و قرر ما قرره و هو ترك هذه السفينة تمر مرور الكرام و الاستعداد لطفو الغواصة قبل الغروب حسب المتفق علية مع استمرار التحركات في المنطقة....قبل الغروب بساعة كان موعد استقبال الرسالة اليومية و كانت رسالة مشفرة تم حلها عن طريق المختص الذي سلمها للقائد في سرية تامة....و قام القائد باستدعاء الضباط بسرعة إلى الميس و قال لهم نحن الأن في حالة حرب رسميا ....الرسالة كان بها كلمتين فقط "المنارة المضيئة" و هي تعني انه قد تم عبور قناة السويس إلى الضفة الشرقية بنجاح و أن الوضع مطمأن للقوات المصرية حتى الأن و بالتبعية فأن العملية مستمرة للغواصة....نظر الضباط إلى بعضهم في حالة من عدم التصديق و الرغبة في الفرحة....و قال اصغرهم "يا فندم ده ممكن يكون حقيقي؟" رد علية " أمال بيهزروا معانا؟" فنظر الضابط الشاب للأرض خجلا من تعليقة....و اتجه كلا إلى موقعه بحماس شديد مع بدأ إجراءات طفو الغواصة على بعد أقل من 5 أميال بحرية من مدخل الميناء....وصلت الغواصة إلى منسوب البيرسكوب و بدأ "علي" في مسح المنطقة المحيطة للبحث عن أي أهداف معادية....و تم اختيار المكان بعناية بعيدا عن مدى بطاريات المدافع ما أمكن و في مواجهة الشمس بالنسبة للمراقبين من الميناء فيصعب رصدهم....و كان ما يقلق "علي" هو ليس على البحر أو الأرض بل في الجو....و الغواصة تكون في حالة ضعف كامل من هجوم الطيران عليها أو رصدها بدون علمهم....و بعد التأكد من خلو المنطقة من أي أهداف محتمله و نقل المعلومة للقائد....أصدر القائد الأوامر بطفو الغواصة و إنارة أنوارها و التحرك باتجاه موازي للساحل بأقصى سرعة ممكنة!....و أمر بصعود ضابطين معه إلى برج القيادة بالأعلى و صعود جندي مختص بالمدفع المضاد للطائرات و مساعده و جنود حراسة في المقدمة و المؤخرة....و صعدوا إلى برج قيادة الغواصة بالأعلى....كلا بمنظار مقرب ينظر في اتجاه الميناء والى اتجاهات أخرى و ابتسم "علي" و هو يفكر بأن راصديهم الأن من الميناء المعادي لابد أن يكون في حالة ذهول تام و لا يستوعبون ما يحدث؟؟....فكيف تكشف غواصة عن وجودها في عرض البحر و في ضوء النهار و لأي هدف؟....بالنسبة للإسرائيليين سيكون هناك أحد سببين....إما أنه طعم لهم بالاشتباك مع قوة أكبر مختفية و لا يروها....أو أن الغواصة ذات قدرات قتالية فائقة لا يعلموها....و في أي حالة سيقومون بإيقاف أي تحركات للسفن التجارية و سفن الأمداد في المنطقة حتى إشعار أخر.......



الغواصة 21-8


تذكر "علي" في تلك اللحظات ما درسه عن المرور الكبير لسفن حربية ألمانية عام 1942 في بحر المانش على مرأي و مسمع من البحرية الإنجليزية بأسطول كامل للوصل إلى الموانئ الألمانية قادمين وقتها من ميناء "برست" في شمال فرنسا....و من وقتها كانت تلك العملية تدرس من قبل بحريات العالم كنموذج للجرأة و الثقة بالنفس و كان لها تأثير معنوي سلبي جدا على الحلفاء....و ابتسم مرة أخرى و هو يتساءل هل سيذكر التاريخ عبور غواصة مصرية صغيرة أمام السواحل المعادية كإنجاز للبحرية المصرية أم سينسى الموضوع كغيرة من البطولات التي لا يعرفها أحد و لا يصدقها أحد ....و كان أيضا متعجبا من عدم وجود نشاط لطيران العدو و لكنه أصبح متوقعا مع بدء العمليات عسكرية في الجبهة مع مصر في الجنوب أن نشاط الطيران سيقل هنا في الغرب....و كان دائما محتفظا بأعلى درجات اليقظة و الترقب كباقي طاقم الغواصة....و اقتربت اللحظة من دوران الغواصة إلى الاتجاه المعاكس حسب الخطة الموضوعة....و فجأة ظهر وميض من الضوء على الساحل إلى الشرق و استتبعه صوت ارتطام جسم بالماء.....قريبا جدا من الغواصة ثم دوي عال لمدفع....قال القائد فورا "غير الاتجاه إلى 15 درجة شمال" و نظر إلى "علي" قائلا "يبدو أن المعلومات عن مدى المدافع الساحلية لدينا غير دقيقة و من الواضح أن مداها اكبر من المدى المذكور في تقارير المخابرات"....درات الغواصة بسرعة إلى الاتجاه المطلوب و اصد القائد أوامر بتغير الاتجاه كل دقيقتين لتبحر الغواصة في شكل متعرج لتفادي سقوط قذائف عليها....و التي كانت تتزايد في العدد و تقترب من الغواصة لدرجة أن رذاذ المياه الناتج عن الاصطدام بسطح الماء كان يغمرهم أحيانا....و اصبح الوضع خطيرا و هنا أصدر القائد تعليماته بنزول كل الأفراد من سطح الغواصة إلى داخلها و بالغطس السريع إلى عمق البيرسكوب و تغيير الاتجاه إلى الشمال....و تم الغطس بأسرع وقت و اخذ "علي" يمسح المنطقة عن طريق البيرسكوب و بالذات في اتجاه الميناء ....و لمح سريعا مع أخر ضوء على الأقل ثلاث قوارب إسرائيلية تخرج من الميناء في اتجاه قريب منهم و اعلن...."ثلاث أهداف معادية على مسافة 5 أميال بحرية تبحر في اتجاه شمال غرب"....أقترب القائد و القى نظرة من البيرسكوب و قال " أيه رأيك" أجاب "علي" "أقترح أن نشتبك معهم على الفور "أجاب القائد "بس أنت عارف أن اللنشات دي سريعة و غاطسها لا يزيد عن متر و نصف و إصابتها صعبه بالطوربيد يعني الاشتباك لن يكون له فائدة بل سيؤدي إلى كشف موقعنا لهم تماما"....رد " أنا عارف بس على الأقل حا يلفت انتباههم و يعرفوا انهم مهددين وأقترح أن يتم ضبط تفجير الطوربيد أوتوماتيكيا بعد 3 دقائق لإحداث انفجار قريب منهم ما أمكن" ....أجاب القائد "نفذ فورا"....اتصل "علي" بقسم الطوربيد وقال " جهز الأنبوبتين 3 و 1 فورا" و أبلغ قسم الملاحة بتغيير الاتجاه إلى الشمال و هو أفضل أتجاه مبدئي لاعتراض الأهداف.....و ابلغ قسم حسابات إطلاق الطوربيد بالمعلومات المتوفرة عن اتجاه و سرعة الأهداف المعادية لحساب أفضل حل للضرب من بعد و عمق و اتجاه.....و جز "على" أسنانه عندما جاءت له الإجابة التي كان يعرفها....أن أفضل مدى للضرب هو ميل و نصف بحري و لكن بسرعة الغواصة الحالية لن يصلوا حتى إلى ميلين و نصف مع أفضل تقدير....على أي حال أعطى الأوامر بالاتجاه الجديد و في نفس الوقت أصدر القائد إعلان لكل الأقسام باتخاذ مواقع القتال....و نظر على في الساعة الميقات المعلقة في رقبته بنفاذ صبر يستعجل مرور الوقت ليقتربوا من الهدف و يبلغ القائد كل 15 ثانية بالوقت المنقضي و منها تقدر المسافة المتبقية على إطلاق الطوربيد....و في نفس الوقت يقوم القائد بتصحيح المسار بصورة مستمرة....كان التشكيل المعادي عبارة عن ثلاث زوارق سريعة من طراز "دبور" في تشكيل على شكل حرف V مقلوب في اتجاه شمال غرب....و قرر القائد أن يستهدفوا الزورق الأوسط ....و عند الاقتراب إلى مسافة 3 أميال تقريبا استدارت القوارب إلى اتجاههم ربما لمتابعة البحث روتينيا أو ربما لانهم قد اكتشفوا موقعهم.....أمر القائد بملء أنابيب الطوربيد بالمياه و تشغيل محركات الطوربيد و الاستعداد للإطلاق الفوري للطوربيد و هو يعلم انه لا يستطيع أن يشتبك مع 3 أهداف في نفس الوقت.........



الغواصة 21-9

"أطلق الطوربيد رقم 1 الأن....ثم بعد ثواني كرر.... اطلق الطوربيد رقم 3" و في نفس الوقت كان "علي" يبدأ حساب التوقيتالثاني على ساعته....لحساب زمن إصابة الهدف المتوقع من معادلة...."سرعة الطوربيد \ المسافة للهدف = الزمن المقدر لإصابة الهدف"....و في نفس الوقت كان القائد يقوم باستطلاع روتيني للسطح بعد الإطلاق....و في لحظة قال " هدف على مسافة أقل من ميل بحري و اتجاه 180 درجة و متجه بسرعة إلى موقعنا.... اغطس إلى عمق 100 متر و غير الاتجاه إلى 270 درجة فورا على كل الطاقم اتباع تعليمات الهدوء التام و اتخاذ مواقع القتال"....ما حدث وقتها انه كان هناك زورق رابع أت من الاتجاه المعاكس....و المشكلة هنا أنه لم يتم التقاطه من السونار و هي مشكلة كبيرة....كلف القائد "علي" بالذهاب إلى قسم السونار فورا و وجد المسؤول عن الجهاز يحاول أن يحدد سبب العطل و معه مهندس الغواصة و فني كهربائي....وقتها علم "علي" أنهم فاقدين تماما للبصر بالعطل المفاجئ لجهاز السونار و لن يتمكنوا أن يعرفوا بتحركات السفن بالسطح حتى معرفة العطل و إصلاحه....وطلب منهم سرعة إصلاح العطل بأسرع وقت ممكن مع التوضيح لهم بخطورة الموقف في كلمات مقتضبة و قوية و حادة....و رجع إلى قسم القيادة و أبلغ القائد بحاله جهاز السونار....و طلب القائد بالنداء الداخلي بعمل إنذار الاصطدام...و هو إنذار لطاقم الغواصة لاتخاذ كل فرد الوضع المناسب لحماية نفسة عند انفجار قنابل أعماق أو طوربيد عل مقربة من الغواصة أو حتى اذا أصيبت إصابة مباشرة....و هنا يجب أن نعلم أن تأثير أي انفجار في الماء على جسم غاطس كالغواصة هو اقوى بعشرة مرات من التفجير في الهواء....لأن الماء كثافته اعلى ب 800 مرة تقريبا من الهواء....و هذا يعني ببساطة أن قوة الانفجار تحت الماء تنتقل كاملة بموجات تصادمية إلى ما حولها أكثر بكثير من انتقالها في الهواء و بطريقة مميتة....و كون الغواصة جسم معدني منغمر يعنى أنها موصل ممتاز للصدمات....و من هنا يجب أن يتخذ الأفراد أوضاع معينة عند حدوث الانفجارات قريبا منهم تجعلهم ما أمكن اقل تلامسا مع جسم الغواصة....و تجعلهم في أمان نسبي عند الحركة العنيفة لعدم الاصطدام بالأجهزة المحيطة بهم....و عرف أن إصابات طاقم الغواصة قد تتراوح من الوفاة المباشرة إلى الارتجاج في المخ و فقد الأسنان و إلى خلع مفاصل العظام و كسرها في حاله عدم اتخاذ الوضع المناسب للحماية....في نفس الوقت سمعوا أصوات من بعيد لتفجير أول ثم ثان للطوربيدين اللذان اطلقوهما منذ 3 دقائق و كانا معدان للتفجير الاتوماتيكي لاستحاله وصولهم أو إصابتهم للهدف مباشرة....و انسابت الغواصة بهدوء إلى عمق 75 مترا مع تغيير الاتجاه كل فترة للابتعاد التدريجي ناحية الشاطئ....و كل عدة دقائق تصدر أصوات مخيفة من الهيكل المعدني للغواصة كلما زاد العمق و عندما يزداد ضغط المياه علية.... كطرقعة عالية و مخيفة كأنها تعتصر الهيكل.... و تبدأ قطرات من المياه في السقوط من الأنابيب و الصمامات المنتشرة في كل مكان....و جاءت الرسالة إلى قسم القيادة بانه قد تم تحديد عطلالسونار و يتم إصلاحه الأن....و أيضا ابلغ أن عمق الغواصة الأن هو 75 مترا و تبحر بسرعة 8 عقدة فقط....و قال أن الزورق المعادي الأن على مسافة 800 متر إلى الشرق و بدأ كل من في الغواصة إلى الاستماع إلى صوت رنين بعيد و بغيض لأنهم يعرفوا ماذا يعني....هذا الصوت يعني أن هناك قارب على السطح يتعقبهم و يكتشف مكانهم بالسونار....و بسرعة القارب التي تقارب 35 عقدة بحرية فإن النهاية تبدو محتومة....و على الأغلب كان "علي" يقرأ آيات القران....و ربما كان يطلب العون من الله....و بدأ هو القائد في إجراء سلسلة من التحركات العشوائية للمياه العميقة مع تغيير العمق و محاولة البحث عن تيار بحري بارد و الذي سيعمل كساتر أو يشوش على قدرات السونار بالأعلى اذا و لكن بطء الغواصة و بطء سرعة غطسها و سرعة القارب بالأعلى هي التحدي الحقيقي و عنوان ما سيأتي من أحداث.......



الغواصة 21-10

بدأت صوت نبضات السونار بالارتفاع كما أصبح معدلها متسارع....و كلاهما يدل على أن القارب اكتشف مكانهم أو أنه على وشك أن يكتشفهما و إنه سيلقي بقنابل الأعماق في اتجاههم في أي وقت الأن....و في نفس الوقت كانت سرعة الغواصة في اقل مستوياتها لخفض الضجيج الناتج عن المحرك و أمر القائد بالغطس لعمق 125 متر و الإبحار في اتجاه 90 درجة و ذلك على ضوء اتجاه و سرعة القارب بالأعلى و التي تنقل له كل دقيقة أو اقل من مشغل السونار....و عند هذا العمق كان هيكل الغواصة يأن من ضغط المياه علية و كان هناك صوت مياه متسربة على الدوام و الضوء خافت و بلون أحمر باهت....و كل فرد من أفراد الطاقم متعلق إلي شيء يثبته بجسم الغواصة بصورة غير مباشرة يتمسك به كأنه يتمسك بالحياة نفسها....الهواء خانق و ثقيل....و كل شهيق و زفير يأخذ وقت طويل ليبدأ و ينتهي.... و تمر الثواني ببطء شديد و كأنها دقائق أو ساعات و الكل يصمت إلا من همسات قليلة هنا أو هناك لمعلومة ما قد تكون مفيدة للقائد و نائبة....و همس مشغل السونار "صوت أجسام ترتطم بالماء" ثم " عبر القارب فوقنا وتخطانا الأن" و قال القائد إلى مشغل الدفة " غير الاتجاه إلى 270 درجة حالا" و اقترح "على" أن يقللوا من العمق أيضا لأن قذائف الأعماق غالبا ستكون معدة للانفجار على عمقهم الحالي و بما انهم الأن عند اقصى عمق تشغيلي فتقليل العمق قد يقلل من احتمال إصابتهم؟....و رد القائد أن سرعة طفو الغواصة لن تكون كافية....و فجأة دوي انفجار ثم أخر....و تحركت الغواصة يمينا و يسارا....و إلى اعلى ثم إلى أسفل كأنها لعبة أطفال في يد عملاق يلعب بها....كان دوي الانفجار رهيبا....و شعر كلا من في الغواصة بهزة عنيفة جدا لم يختبروها من قبل في حياتهم....كأنها ستقتلع عظامهم من مكانها....و كان هناك البعض من غير المحظوظين الذين اصطدموا بجزء من أجزاء الغواصة و في ثانية اصبح 5-7 أفراد من الطاقم جرحي و في حالات مختلفة بعضها خطير و يتطلب عناية طبية....و طلب القائد من طبيب الغواصة سرعة الكشف على المصابين بحسب خطورة الحالة....و طلب أيضا من "علي" الاتصال مع مختلف أقسام الغواصة لمعرفة الضرر الحادث في كل قسم بسبب الانفجار و كيفية العلاج السريع و المؤقت و الهادئ للمشاكل الناتجة و إبلاغه فورا بالمستجدات....و أمر القائد بتقليل العمق إلى 100 متر فقط.... وكل ذلك قد حدث في دقيقة أو أقل....و عادت الأمور إلى ما كانت علية....فقط هواء ثقيلا أكثر و صعب التنفس و به رائحة حريق واضحة....مشغل الدفة تغير لإصابته....صوت نبضات السونار بدأ مرة أخرى من بعيد.... و طلب القائد أن تكون السرعة 2 عقدة فقط و إبلاغه عند الوصول إلى عمق 75 متر........و اتصل مرتين بمشغل مضخات خزانات الغطس و لكن يبدوا أن مضخة غطس أخرى لا تعمل كما يجب فالغواصة لا تغطس و لا تطفو بالسرعة الكافية....و نظر القائد إلى "على" نظرة فهمها على الفور......فبدون إمكانية تغيير العمق بسرعة مقبولة فإن النهاية ستكون سريعة و محتومة....اقترب الزورق بسرعة من موقعهم مره اخرى و طلب القائد بإيقاف المحركات و الهدوء التام....و قال "لعلي" "لو عدينا من الضربة دي لازم نغطس تاني" و كانوا على عمق حوالي 85 متر تقريبا....و أخذت نبضات السونار تعلو و تقترب و معها دقات قلوب الرجال....و قال مشغل السونار "جسمين ارتطما بالماء" و نظر ناحية القائد و "علي" نظرة فهموها فهي تعني أن طبقا للحسابات ستكون إصابة مباشرة للغواصة و غالبا ستغرقها....و أمر القائد في لحظة بأقصى سرعة ممكنة للأمام و الغطس مرة أخرى لعمق 125 متر بغرض إبعادهم ما أمكن عن مسار قنبلة الأعماق و التي كان يبدوا أنها تتجه اليهم مباشرة و كأنها تبحث عنهم.......



الغواصة 21-11

لم يتوقع "علي" أنه في أقل من دقيقة سيكون هناك تغيير فعلي في موقع أو عمق الغواصة و لكنها كانت محاولة أخيرة بدلا من الاستسلام....و جاء الانفجارين اقوي و أعنف مما سبقوهما و لحسن الحظ و توفيق الله لم تكن إصابة مباشرة ....و بعينين مذعورتين كان أول ما لاحظة "علي" هو أن القائد ممد على الأرض و لم يعلم "علي" بالضبط ما حدث فقد مالت الغواصة على جانبها تماما و مالت ناحية الأمام على محورين....و سقط اغلب الطاقم على أجزاء مختلفة من جسم الغواصة....و انقطع الضوء الأساسي و تبقى الاحتياطي الخافت و تساقطت أشياء و قطع و مياه في كل اتجاه و اشتعلت حرائق ثانوية في بعض لوحات الكهرباء و تصاعدت بعض التأوهات المكتومة من الألم لبعض الجرحى....أما عن "علي" فقد أصيب في جبهته بضربة قوية و التوي كاحله....و شعر بسائل حار ينساب على وجهه و لم يشغل نفسه بإصابته و لكنة تحرك و أصبح بجوار القائد بأسرع ما يمكن....و رويدا استعادت الغواصة وضعها الثابت ببطء....و وجد القائد مغشيا عليه و غارقا في دماؤه و يبدا أنه تلقى ضربه قوية على راسة....و نادى على الطبيب بأسرع ما يمكن لعلاج القائد....و طلب تقارير من مختلف الأقسام بالأضرار....وعين بسرعة الضابط "عبد الكريم" لأن يكون نائبة في القيادة حتى يتمكن القائد من القيام بمهامه....وطلب أن يعرف عمق الغواصة الحالي....و اخبره المشغل أن العمق الأن 125 متر....و طلب بتغيير العمق الى 150 متر....و رد المشغل بأن هذا لا ينصح به و أن أقصى عمق....و قاطعة "على" أغطس حالا....و أمر بسكون كامل في الغواصة و بتوقف كامل للمحركات....و كان ما يفعله الأن هو التظاهر بأن إصابة الغواصة قد أغرقتها أو أصابتها إصابة قاتلة....و فكر قليلا و راجع خرائط الأعماق و وجد أن في هذه المنطقة يكون عمق المياه تقريبا بين 175-185 متر....و تكلم مع مشغل مضخات الأعماق و طلب أن ينزل بالغواصة لعمق 170 متر فورا بهدوء و بدون مناقشة.......و انطلق بسرعة إلى القائد في غرفته الصغيرة التي بالكاد تكفي شخصا واحدا....و اقترب منه و كان قد استعاد بعضا من وعيه أو هكذا يبدو....و وجد القائد في حاله صحية تبدو متدهورة و نظر الية القائد و قال له "علي" يمكن لازم نطفو أحسن؟" و نظر إليه "علي" و قال له "ليه يا فندم؟"....رد القائد ...."أنت شايف إلي حصل مش حا نستحمل ضربة تانية".... فكر "علي" أن الطفو هنا يعني التعرض لضربة مباشرة من المدفعية أو صواريخ السطح من الزوارق و الغرق....أو الأسوأ و هو الاستسلام لقوات العدو و اسر الغواصة....و هو ما لا يمكن أن يحدث مهما كانت التضحيات....فنظر الية "علي" و لاحظ أن عينية لا تبدو في حاله طبيعية و أن كلامة غير منطقي و غير مترابط.....فتحرك علي من الغرفة بهدوء و قال له "متقلقش يا فندم استريح آنت و كل حاجة حا تبقى كويسة" و طلب من الطبيب بجواره إعطاء مهدئ للقائد و أن يعالج إصابته على احسن وجه....و طلب من البحار الواقف بالباب هامسا أن يحرس غرفة القائد و أن يخبره إذا خرج منها على الفور....و فكر في مدى التأثير المعنوي السلبي على الجيش المصري كله اذا أعلن خبر لاستسلام طاقم غواصة مصرية للعدو....أو حتى لإغراقها....و كان مدركا أن إصابة القائد ستؤثر على اتخاذه لقرارات واعية و عقلانية....كنتيجة مباشره للارتجاج في المخ الذي يبدو أنه يعاني منه.....و لكن تأثير ذلك على البحارة سيكون سلبي جدا و لذلك طلب أن يلازم القائد غرفته حتى يتحسن....و جز على "على" أسنانه و هو يقول لنفسة " بعون الله مش حا يحصل ابدا"....وقتها جاءت له رساله بأن الغواصة قد وصلت إلى عمق 170 متر و تعجب "علي" بأن هذه الغواصة القديمة تبدو متماسكة للأن و لا يوجد أثر لصوت لنبضات السونار و لا يبلغ المشغل عن أي أهداف الأن في السطح إلا هدف واحد ثابت و مستقر على بعد ميلين إلى الشرق من موقعهم و هم يبتعدوا عنه ببطء شديد ....و كأنهم ينتظرون التأكد من صعودهم إلى السطح أو غرقهم....و بعد حوالي الساعتين يبدوا أن الزورق قد فقد الأمل في العثور عليهم و انطلق راجعا في اتجاه الميناء....و أصدر على الأوامر للطفو إلى عمق البيرسكوب و اتجاه 75 درجة ( اتجاه الميناء) و بسرعة 6 عقد بحرية و تشغيل محركات الديزل وإجراء التهوية المطلوبة للغواصة....و أصدر الأوامر لإعادة تجهيز الغواصة بسرعة و إلى الاعتناء المصابين و إلى تقسيم الورديات لإعطاء ساعة من الراحة لكل فرد من طاقم الغواصة....و نظر من البيرسكوب إلى مدخل الميناء القريب هو يتوق إلى جوله جديده مع الأعداء....و ابتسم و هو يتلقى اتصال بأن مضخات الغطس كلها تعمل الأن بكفاءة....و اصدر أوامره بتعبئة أنبوبة الطوربيد 4 و 2 و الاستعداد للقتال....فما سيحدث في ال 36 ساعة المقبلة هو أن الميناء المعادي سيظل مغلقا مادامت الغواصة 21 في المنطقة ...........


10949717_10155125908705529_988399156_n.jpg



الغواصة 21-12

بعدها بثلاثة أيام....كانت الغواصة 21 تبحر إلى الغرب تقريبا و كان الوقت قرب الغروب و لم تكنغاطسة تحت سطح البحر كما هو مفترض في ذلك الوقت من اليوم....بل كانت مبحرة فوق الأمواج الرقيقة للبحر....و يطير فوقها بعض من طيور النورس البيضاء التي تحوم في الهواء لتقترب ثم تبتعد بسرعة و رشاقة....و كان "علي" موجودا على برج الغواصة يراقب الأفق بالمنظار و بجواره اثنين من الضباط يفعلون مثله....يستطلعون كافة الاتجاهات حولهم....و خلفهم علم مصر الصغير على سارية صغيرة بأعلى برج الغواصة يرفرف باعتزاز....و يدق جهاز الاتصال الداخلي من قسم الملاحة يبلغهم بأن المسافة المتبقية للوصول للإسكندرية هي حوالى 50 ميل بحري أو حوالي 4 ساعات من الإبحار ....و تسارعت نبضات قلب "علي"....و ابتسم قليلا و هو يتذكر الأيام السبعة الماضية و التي لن ينساها في حياته بكل ما فيها من ألام و ابتسامات و فخر و دموع....و الحقيقة أن هذه الغواصة المصرية القديمة قد تسببت في إغلاق ميناء أشدود حتى إشعار أخر....و أن بحرية إسرائيل فشلت في إغراقهم و اكتشافهم.... و حقيقة أن طاقمها الأبطال قد صمدوا لأربعة أيام تقريبا من القتال المستمر بدون نوم و بدون طعام أمام بحرية العدو المجهزة بأجهزة التعقب الحديثة و القوارب السريعة....و رغم إصابة 9 من أفراد الطاقم و منهم قائد الغواصة إلا أن المهمة نجحت بكل المقاييس....و الأن الغواصة 24 تستكمل ما بدأوه هناك....و لكن على ما يبدوا فإن العدو لن يحاول أن يواجه الغواصات المصرية مرة أخرى مواجهات مباشرة بعد أحداث الأيام الماضية على الأقل....و لدية ما يشغله على الجبهة في سيناء و الجولان.... جاء ل "علي" نداء داخلي بأن القائد يريد أن يتكلم معه.....نزل بسرعة و وصل إلى باب غرفة القائد و طرق الباب بأدب و سمع "أدخل"....و رأي القائد الذي يشعر كأنه أخ أكبر له.... ممدا على السرير الصغير و تكاد عيناه أن تختفي خلف الضمادات التي غطت وجهه و يبدو عليه التعب الشديد ....و قال له "علي.... أنت استكملت المهمة على أكمل وجه....أنا حبيت أشكرك على كل إلي عملته....و كمان حبيت أقول لك إني بشكرك برده علشان مسمعتش كلامي....أنا مش عارف أية إلي حصلي وقتها....أنا...."و قاطعة علي بأدب و قال له " يا فندم أنا مش فاهم حضرتك بتقول أية....حضرتك أصبت و أنا حسب قانون البحرية أصبحت القائد المؤقت خلال المهمة....و ده إلي حصل....أنت دربتنا كلنا كتير للمواقف إلي مرت علينا و الحمد لله عديناها و مستعدين لمهمة تانية يا فندم"....فنظر له القائد بعيون مليئة بالامتنان قائلا "شكرا لك....مصر أكيد فخورة بيك" فرد "علي" بسرعة "و بيك يا فندم"....قالها و هو يعظم له بالتحية العسكرية مستأذنا بالانصراف....تذكر "على" مبتسما تلك المحادثة و هو يقف انتباه في طابور بموقع لواء الغواصات برأس التين بعدها بشهرين....كان السلام الوطني المصري يعزف و هو و الباقين يرددون معه "و الله زمان يا سلاحي....اشتقت لك في كفاحي"....و كان واقفا في صف به ضباط الغواصة 21 و في المقدمة قائد الغواصة يقف وحده و خلفهم حوالي 65 بحار في خمسة صفوف متعاقبة....و أمامهم مظلة مرتفعة تحتها كراسي و أعلاها ترفرف أعلام مصر و البحرية والجيش....و تحت المظلة يجلس الفريق أول / أحمد إسماعيل علي القائد العام في الصدارة و يساره يجلس اللواء / فؤاد أبو ذكري قائد القوات البحرية و عن يمينه اللواء / عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات....و خلفهم عده صفوف لضباط يجلسون بمختلف الرتب....و على يمين المنصة كان هناك ضابط شاب يتلو واقفا قرار رئيس جمهورية مصر العربية السيد / محمد أنور السادات بتقليد أولا....قائد الغواصة 21 وسام نجمة الشرف العسكرية و ثانيا....لكافة ضباط الغواصة نوط الشجاعة من الطبقة الأولى و ثالثا....لباقي الأفراد نوط الواجب العسكري (الذهبي و الفضي و البرونزي)....لما قاموا به و أظهروه من كفاءة نادرة و تفان في أداء المهمة الموكلة لهم على أفضل وجه....و سلم الفريق أول أحمد إسماعيل علي بنفسه لكل أفراد طاقم الغواصة 21 النياشين و الأنواط العسكرية لتزين صدورهم للابد....لكن الوسام الحقيقي بالنسبة لهم كان علم مصر الذي يرتفع عزيزا و خفاقا على أرض سيناء الأن....وأيضا كانت مشاعر الفخر و السعادة و الثقة و الاعتزاز التي يشعر به كل واحد منهم اليوم لا يمكن وصفها....و ستجري في دماؤهم حتى أخر يوم في حياتهم....ما لم يعرفه أفراد طاقم الغواصة أبدا....أنه بعد 25 سنة أظهرت بعض الوثائق السرية المعلنة من وزارة الدفاع الإسرائيلية عن أحداث يوم 7 و 8 أكتوبر سنة 1973 أمام ميناء أشدود....بأنه قد قامت غواصة مصرية بإطلاق ما يبدو أنه طوربيد و ربما سلاح غير معروف انفجر على مقربة من 3 قوارب إسرائيلية مما أدى إلى إصابة قاربين منهم و إخراجهم من المعركة مؤقتا....و من هنا تم إيقاف حركة الملاحة تماما من و إلى ميناء أشدود حتى يوم 20 أكتوبر....و تم استبداله مؤقتا بميناء حيفا على بعد 60 كيلومتر إلى الشمال....و اليوم أتعجب و أنا أفكر..... سبحان الله كم كانت الاحتمالات لحدوث شيء مستحيل كهذا؟

10937516_881137228603629_1729229880_n.jpg




المصدر :
 
جزء من الموضوع خطأ تماما مصر كان لها فى اكتوبر عدد كبير عامل من الغواصات
 
قرار رئيس جمهورية مصر العربية السيد / محمد أنور السادات بتقليد أولا....قائد الغواصة 21 وسام نجمة الشرف العسكرية و ثانيا....لكافة ضباط الغواصة نوط الشجاعة من الطبقة الأولى و ثالثا....لباقي الأفراد نوط الواجب العسكري (الذهبي و الفضي و البرونزي)....لما قاموا به و أظهروه من كفاءة نادرة و تفان في أداء المهمة الموكلة لهم على أفضل وجه....و سلم الفريق أول أحمد إسماعيل علي بنفسه لكل أفراد طاقم الغواصة 21 النياشين و الأنواط العسكرية لتزين صدورهم للابد....لكن الوسام الحقيقي بالنسبة لهم كان علم مصر الذي يرتفع عزيزا و خفاقا على أرض سيناء الأن.
 
عودة
أعلى