67 عاما على مجزرة دير ياسين والجيش الإسرائيلي يصر على عدم فتح ملفها/وديع عواودة

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,500
التفاعل
17,626 43 0
67 عاما على مجزرة دير ياسين والجيش الإسرائيلي يصر على عدم فتح ملفها

وديع عواودة



الناصرة ـ «القدس العربي»:
تواصل إسرائيل محاولاتها التكتم على مجزرة دير ياسين رغم مرور 67 عاما عليها، لكن عشرات الإسرائيليين أحيوها في ذكراها السنوية المصادفة أمس بزيارة ميدانية لها وتلاوة أسماء شهدائها ووضع الزهور في المكان. وفي ظل استمرار المعركة على الرواية التاريخية تواصل إسرائيل التحفظ على الوثائق والصور الخاصة بالمجزرة رغم انقضاء ستة عقودها على اقترافها من قبل المنظمات الصهيونية وذلك حرصا على «أمن الدولة وصورتها في العالم».
كعادتها منذ تأسيسها عام 1999 نظمت حركة «زوخروت» (يذكرن) الإسرائيلية زيارة ميدانية لقرية دير ياسين غرب القدس المحتلة عام 1948 بمشاركة عشرات الناشطين اليهود من بينهم محاضر علم الاجتماع المعادي للصهيونية بروفسور يهودا شنهاف وبعض الناشطين من فلسطينيي الداخل.
وتحتل مجزرة دير ياسين مكانا مهمة في الرواية والوعي لدى الفلسطينيين لا سيما أنها واحدة من أبشع المجازر التي اقترفتها منظمتا «الايتسيل» و»الليحي» تحت مراقبة «الهغاناه» بحق الفلسطينيين وفيها قتل نحو مائة من المدنيين الكثير منهم من النساء والأطفال في الثامن من نيسان/ أبريل 1948.
ويعارض جيش الاحتلال الإسرائيلي فتح ملف دير ياسين في الأرشيف رغم أن القانون يلزم بفتحه بعد مرور 50 عاما على الحدث. وتروي نيطع شوشاني طالبة إسرائيلية أن أرشيف الجيش رفض طلبها بمشاهدة ألبوم صور التقطتها عدسة مصور من الهغاناه وثق المجزرة. ولفتت إلى أن الجيش يعلل رفضه بالزعم أن نشر الصور يمس بأمن الدولة وصورتها في العالم وأن لجنة وزارية خاصة أصدرت أمرا جديدا بحظر فتح الملف. كما توضح شوشاني أن أغلبية من شاركوا في المجزرة رفضوا أو تهربوا من التحدث بالموضوع باعتباره «نقطة سوداء».
في الدراسة تورد شوشاني شهادة للمؤرخ العسكري مئير بعيل حول ما شاهده في دير ياسين في يوم المجزرة وتقول إنه حاول ثنيها عن النبش في» قضية مروعة». وتوضح شهادة بعيل وهو جنرال في جيش الاحتياط ضمن الدراسة المذكورة لماذا تتحفظ إسرائيل على المجزرة بعد نحو سبعة عقود، فيقول إن مرتكبي المجزرة من منظمتي الإيتسيل والليحي هم «وحوش آدمية تصرفوا كالنازيين». وأضاف «هذه كانت نتيجة تربيتهم الفاشية». ولفت بعيل الذي كان قائدا للهغاناه في منطقة القدس وقتها إلى أنه زار المكان في ذاك اليوم للتثبت من مدى قدرة المنظمتين المذكورتين على القتال، وهناك شاهد «مناظر رهيبة». ويكتفي بعيل بذكر الاسم الشخصي فقط للمصور الذي رافقه في زيارة دير ياسين يوم المجزرة ووثقها ونوه إلى أن الصور حولت لاستخبارات الهجاناه «شاي» ولاحقا لأرشيف الجيش.
ويقر الدكتور مئير بعيل (83 عاما)، أحد مؤرخي جيش الاحتلال بعلاقة «الهاغاناه» بوقوع المذبحة، معتبرا كل مزاعم إنكارها من قبل بعض المؤرخين ضربا من العمل السياسي المغطى بغلاف علمي.

سرقوا القمح والزيت

وأضاف»حتى اليوم لا أستطيع أن أمحو من ذاكرتي مشاهد القتل الوحشية ولا تزال محفورة فيها صورة سيدة كانت مقتولة وسط بركة من الدماء وبجوارها طفلاها والرصاص اخترق جسديهما الملقيين على أرضية البيت، كما أذكر قيام عناصر المنظمتين بإلقاء الكثير من الجثث في الآبار المنتشرة في ساحات البيوت. وأنا كيهودي أخجل مما حصل وتراودني مشاعر ندم وتدمع عيناي في كل مرة أستذكر المذبحة».
كما يستدل على تحاشي إسرائيل فتح أرشيف دير ياسين حتى اليوم، من شهادة نحوم أدموني الذي شارك في المجزرة ضمن شهادته في الدراسة. ويستذكر أدموني أكوام الجثث في شوارع القرية يتعإلى منها الدخان بعد حرقها. ويضيف» كما أذكر أننا سرقنا جرار القمح والزيت وليرات ذهبية من داخل المنازل مثلما أذكر أنني طلبت سيجارة من زميل لي ففتح صندوق الدخان وإذا بها أذن بشرية وما لبث أن قال انتقمت لوالدي.. في ما قطع غيري آذانا أخرى لسرقة الحلي والأقراط».
ويبدو أن هناك ما يتعدى بشاعة المجزرة ويرتبط بتورط الهغاناه بها لا منظمات إرهابية صغيرة فحسب. ففي كتابه « ولادة مشكلة اللاجئين» يشير المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس إلى أن الهاغاناة بخلاف ما تدعيه باركت احتلال دير ياسين ( العملية الموحدة) تمهيدا لتهجيرها والقرى المجاورة.

شهادات العين والاستماع

عميقا في سويداء الذاكرة الجماعية الفلسطينية تسكن مجزرة دير ياسين. في هذه القرية المحاطة بقرى القسطل لفتا وقالونيا وعين كارم والمالحة كان ساكنوها يحلمون باستقبال موسم الربيع الجديد عندما استيقظوا في ليلة التاسع من ابريل من عام 1948 مذعورين على دوي انفجارات القنابل والعبوات التي ألقتها العصابات الصهيونية سافحة دماء المدنيين ومستبيحة شيخوخة البلدة وطفولتها بدون رحمة.
وما جرى في دير ياسين لم يكن المجزرة الفظيعة الوحيدة غير أنها اكتسبت تميزا بسبب حالة الهلع التي سببتها لدى الفلسطينيين فور انتشار وقوعها سيما إزاء اهتمامات الصهيونية بتضخيمها وترويجها إلى كافة أنحاء البلاد بكثير من التهويل بهدف التخويف كوسيلة للترحيل.
وقالت الحاجة نفيسة عيد (88 عاما) من دير ياسين ومقيمة كلاجئة في أبو ديس اليوم في شهادتها على مسامع « القدس العربي « إنها ترفض زيارة القرية بسبب الحاجز النفسي وتروي كيف دخل الجنود الصهاينة بيت عائلة سمور وسرقوا محتوياته وحينما اكتشفوا طفلا بالسادسة من العمر (فؤاد سمور) مختبئا داخله رموه بالنار أمام والدته.
واسترجع الحاج عبد القادر زيدان أبو حسن ( 89 عاما) المجزرة فقال « وقتها هب 60 ثائرا مسلحين بالبنادق والقنابل اليدوية كنت واحدا منهم للدفاع عن القرية فتبادلنا النار مع اليهود من بيت إلى بيت ومن شارع إلى شارع حتى انقسمت دير ياسين لشطرين : واحد تحت سيطرتنا والآخر بأيدي العصابات اليهودية. وفي الصباح بدأت تنتشر الأخبار أن اليهود يقتلون السكان العزل بدون رحمة وتمييز» . وطوال يوم الجمعة استمرت المواجهة بين الطرفين حتى الساعة الثانية بعد الظهر وذلك بعد أن نفذت ذخائر المدافعين عن القرية. ويفيد أبو حسن بأن المقاتلين الفلسطينيين في منطقة باب الواد لم يسعفوا الموقف لانشغالهم في تشييع جنازة الشهيد عبد القادر الحسيني. وأضاف «لاحقا فهمنا أن اليهود استغلوا ذلك بعد أن راحت «هذه الخديعة على قيادتنا والله أعلم».
فيما بدا وجهه متجهما ومحتقنا قال أبو حسن إنه عندما وصل سوية مع سكان دير ياسين نازحين إلى قرية عين كارم المجاورة فجع لسماع نبأ مقتل والده حسن وشقيقه علي وعمه مصطفى وزوجته عايدة وأولادهما السبعة والكثير من أقربائه وابن عمته عبد الله الذي أسروه وسكبوا عليه الكاز قبل رميه بالنار قبالة والدته. وتابع «بكيت حتى جفت الدموع في مقلتي لكن مصيبتي كانت جزءا من كارثة أكبر وربما كان في ذلك بعض العزاء».
وكان الحاج علي عبد الجابر أبو يوسف يصغي بخشوع لأقوال أبو حسن بعينين ملؤهما الأسى حتى أنهى حديثه وعندها تدخل قائلا «الشكوى لغير الله مذلة ولكن بعد مائة عام ستجد أحفاد أحفادنا يروون التفاصيل التي نسمعك إياها اليوم ولن نصفح أو ننسى».
 
عودة
أعلى