الوثائق الإسرائيلية - الحلقة السادسة و عشرون

حكم مصارعه

عضو مميز
إنضم
27 نوفمبر 2014
المشاركات
4,272
التفاعل
5,243 0 0
الوثائق الإسرائيلية (الحلقة السادسة والعشرون) ـ أحد الضباط الذين أعربوا عن قلقهم من الاستعدادات العربية للحرب، استدعي للتحقيق

الإسرائيليون كانوا مقتنعين بأن العقلية العربية لا تستوعب الأسلحة المتطورة



news.426188.jpg

تل أبيب: نظير مجلي
في هذه الحلقة من تقرير لجنة أغرنات للتحقيق في إخفاقات الجيش الاسرائيلي في حرب أكتوبر، نلاحظ ان لجنة التحقيق تجرؤ على الحديث عن غطرسة اسرائيلية شاملة في القيادتين السياسية والعسكرية، ولكنها لا تتوسع في الكلام عن السياسيين وتعود لتصب جام غضبها وكل حساباتها ضد هذه الدائرة في الجيش الاسرائيلي. بيد ان الباحثين الإسرائيليين والجمهور العام لم يقبضوا هذا الموقف، بل انتقدوا اللجنة، وأكدوا ان الغطرسة هي أيضا في الحكومة ولدى السياسيين بشكل عام، ولدى السياسيين القادمين من الجيش ويحملون رتبة جنرال بشكل خاص، هم أول المتغطرسين وكان على اللجنة أن تعاقبهم مثلما عاقبت شعبة الاستخبارات العسكرية. ولنترك المؤرخ الاسرائيلي، بيني موريس، يقدم في ما يلي مجموعة من النماذج عن هذه الغطرسة في كتابه بعنوان: «ضحايا ـ تاريخ الصراع الصهيوني العربي 1881 ـ 2001» [من إصدار: عام عوبيد للنشر ـ تل أبيب 2006]:في هذه الحلقة من تقرير لجنة أغرنات للتحقيق في إخفاقات الجيش الاسرائيلي في حرب أكتوبر، نلاحظ ان لجنة التحقيق تجرؤ على الحديث عن غطرسة اسرائيلية شاملة في القيادتين السياسية والعسكرية، ولكنها لا تتوسع في الكلام عن السياسيين وتعود لتصب جام غضبها وكل حساباتها ضد هذه الدائرة في الجيش الاسرائيلي. بيد ان الباحثين الإسرائيليين والجمهور العام لم يقبضوا هذا الموقف، بل انتقدوا اللجنة، وأكدوا ان الغطرسة هي أيضا في الحكومة ولدى السياسيين بشكل عام، ولدى السياسيين القادمين من الجيش ويحملون رتبة جنرال بشكل خاص، هم أول المتغطرسين وكان على اللجنة أن تعاقبهم مثلما عاقبت شعبة الاستخبارات العسكرية. ولنترك المؤرخ الاسرائيلي، بيني موريس، يقدم في ما يلي مجموعة من النماذج عن هذه الغطرسة في كتابه بعنوان: «ضحايا ـ تاريخ الصراع الصهيوني العربي 1881 ـ 2001» من إصدار عام عوبيد للنشر ـ تل أبيب 2006.

ـ الاسرائيليون اعتبروا العرب عاجزين بطبيعتهم عن القتال العصري, ـ تسفي زمير، رئيس جهاز الموساد ابان حرب أكتوبر، يتحدث عن المواقف الاسرائيلية في تلك الفترة فيقول: "ببساطة، لم نؤمن بأنهم قادرون. كنا نستخف بهم. احد الضباط قال لي: "ضع كل المظليين عندهم على راس جبل وأعطهم صواريخ "ساجر" وأعطني دبابتين، وأنا اقضي لك عليهم".

ـ عندما وصلت المعلومات عن وجود خراطيم مياه خاصة بأيدي المصريين [اقتنوها من ألمانيا]، سيستخدمونها لإزالة كثبان الرمال التي أقامتها اسرائيل على طول القناة، وفتح الثغرات فيها لما بعد العبور، رفض أحد الجنرالات سماع شيء عن ذلك وتساءل مستخفا: «أية خراطيم مياه، يا رجل!!».

ـ رئيس أركان الجيش الاسرائيلي قبيل حرب أكتوبر، الذي كان وزيرا في حكومة غولدا مئير، حايم بار ليف، وهو الذي سمي باسمه خط الدفاع الأول للجيش الاسرائيلي على طزول القناة، قال في سنة 1970: «ينقص الجندي العربي الطاقات اللازمة للجندي العصري. ان وسائل القتال المتطورة والتقدم التكنولوجي يحتمان مستوى حضاريا وقدرة على الانسجام. فالحقيقة حتى ولو كانت صعبة فيجب أن تقال».

ـ وزير الدفاع، موشيه ديان، ورئيس أركان الجيش، دافيد العزار، كانا مقتنعين تماما انه بـ300 دبابة في الجنوب و180 دبابة في الشمال يمكن هزم العدو في الجبهتين.

ـ كل القيادة الاسرائيلية، ومعها وزير الخارجية الأميركية، هنري كسينجر، استخفوا بالرئيس المصري أنور السادات، طول الوقت وزاد الاستخفاف خلال السنوات الثلاث التي كان يهدد فيها بالحرب ولم يفعل. وهناك أمثلة كثيرة اخرى سنأتي على ذكرها لاحقا. وفي ما يلي حلقة أخرى من تقرير اللجنة المذكورة:

التقرير (5) لقد جرى التحقيق في اللجنة مع الجنرال زعيرا حول موضوع التحذير (صفحة 599 فصاعدا)، على النحو التالي:

«السؤال الثاني الذي سئلت.. [المتكلم هو ايلي زعيرا، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي] كان: هل قمت بتحديد ماهية التحذير المطلوب من شعبة الاستخبارات العسكرية؟ والجواب هو: لا توجد لدي أية وثيقة معروفة لدي، ولم يقل لي احد حتى شفهيا، ما هو التحذير المطلوب من شعبة الاستخبارات العسكرية. واضح أنني اعرف انه كلما تمكنت من الحصول على المعلومات التحذيرية اسرع، يكون افضل. ولكن لا توجد وثيقة تحدد ماهية التحذير».

سؤال: أليس متفقا على ان تجنيد قوات الجيش الاحتياطي يحتاج الى 48 ساعة للتحذير؟

جواب: متفق عليه ان المطلوب لتجنيد الاحتياط وتحريك القوات في الشمال [على الجبهة السورية] مطلوب 24 ساعة على الأقل، وفي الجنوب مطلوب ثلاثة أضعاف ذلك، مع تحريك القوات بشكل منتظم. لكن هذا ليس مقدسا.

سؤال: كم من الوقت يحتاج تجنيد الاحتياط في الشمال؟

جواب: من 24 الى 48 ساعة. ولكن في الجنوب يحتاج الأمر الى وقت مضاعف أكثر من مرة.

سؤال: أنا أقصد الجلسة التشاورية التي عقدت في أحد أيام شهر أبريل [نيسان]. عندما قلت هذه الأمور بشكل عام، اعتمادا على أي شيء قلته؟ فأنت تقول في الشمال 24 ـ 48 ساعة؟

جواب: أنا أقول هذا بوصفي عضوا في هيئة رئاسة أركان الجيش.

سؤالك أنا أقصد الجلسة من شهر أبريل 1973، حيث كانت فترة تحذير، وأنت قلت بأنك تستطيع في كل الأحوال اعطاء تحذير [بنشوب الحرب] قبل 48 ساعة من وقوعها. هل تذكر الأمر؟

جواب: لا أذكر، ولكن إذا كان هذا مكتوبا في أي مكان...

سؤال: في الجلسة التي عقدت في 14.4.1973 [الصحيح هو 18.4.1973]، ومما جاء في بروتوكول الجلسة من يوم 18.4.1973 حسب الفقرة (أ) آنفا، يجيب الشاهد (المصدر نفسه، صفحة 600):

«جوابي في هذا الموضوع هو، ان المصريين أثقلوا علينا وفعلوا كل هذه الأمور بصورة تدريبات».

سؤال: انت، لم تأخذ هذا بالاعتبار؟

جواب: صحيح. أنا لم آخذ هذا بالاعتبار لأنه كان لدي شعور بأنني سأتمكن من التمييز ما بين التدريب وبين الاستعدادات لحرب حقيقية. حول هذه النقطة، المتعلقة بعمليات الخداع المصرية سآتي لاحقا. اذا لخصنا هذه النقطة، أريد أن أفسر قضيتين: كل الوقت كان تقديري اننا نستطيع أن نعرف حول حشد القوات، وثبت ان هذا صحيح. وبالنسبة لهذه الحالة فقد عرفنا عن حشد القوات قبل أسبوع. لقد ضللنا، حتى رأينا ما جرى تدريبات عسكرية وليس حربا هجومية. هذا يعني، أن التقدير كان صحيحا من ناحية جمع المعلومات، أما من ناحية التفسيرات للأخبار، فإننا لن نعرف. ضللونا بواسطة التقرير.

سؤال: بنظرة الى الوراء، ما الذي كان من الممكن أن يوضح لكم الفرق ما بين التدريبات وبين الشيء الحقيقي، باستثناء الخبر المباشر كامل المصداقية؟

جواب: لو كان الرئيس المصري والقيادة العليا يدحرجان الأمور بطريقة اخرى، ولم يكتما السر بشكل جعل أيا من أفراد الجيش المصري تقريبا يعرف إذا كانت هذه تدريبات أم حربا حقيقية، لكنا في هذه الحالة سنعرف.

في صفحة 1044، جرى التحقيق معه مرة أخرى حول الموضوع:

سؤال: لقد كنتم واثقين من انه بفضل التحذير، كنتم ستعطون إنذارا في غضون ايام قليلة؟

جواب: لا أعتقد أنني قلت هذا.

سؤال: قلته في أبريل على ما أعتقد.

جواب: إذا قلت ذلك، فهذا يعني بأنني هكذا فكرت.

من هذه الأقوال يتضح ان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية قال فعلا انه سيكون في مقدوره أن يعطي تحذيرا مسبقا، ولكنه خلال الادلاء بشهادته يتذرع بالقول ان التقدير كان صحيحا من ناحية جمع المعلومات، ولكن ليس من ناحية تفسير الأخبار [التي وصلت اليه]. ولكنه عندما عرض الأمور في حينه (في يوم 18.4.1973 ومرة اخرى في يوم 9.5.1973)، لم يقصر اقواله على جمع المعلومات التحذيرية، بل كان هدف أقواله التوصل الى استنتاج نهائي، أي اعطاء تقدير استخباري للأخبار.

وتوضح أقوال الجنرال زعيرا حتى من اين استقى هذه الثقة بأنه يستطيع اعطاء جيش الاحتلال الإسرائيلي انذارا قبل 48 ساعة على القل. انه يتحدث عن مصدر معلومات كان لديه. وفي رد على سؤال حول طول فترة التحذير التي يأمل في احرازها، أجاب (صفحة 637): «انا اعتقدت يومين. لم أقدر بان بالامكان خوض حرب من دون يومين مسبقين [يحصل فيهما على الخبر من المصدر المذكور]، بأن حربا ستنشب».

حول هذا المصدر أقرا آنفا (البند 53 ).

106. في قضية حيوية كهذه مثل التحذير، فشلت دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية، بسبب قيام [المصريين] بتمثيل وجود تدريبات. ولكن كان عليه أن يأخذ هذا الخطر بعين الاعتبار، عندما أعطى تعهده. وبالفعل، فقد اخذت في الاعتبار في التقديرات التفصيلية حول قدرات شعبة الاستخبارات العسكرية لاعطاء التحذير، كما وضعها سابقه في منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، الجنرال يريف في يوم 16.6.1972، بناء على طلب رئيس القيادة العامة، الجنرال طال (ضمن وثيقة البينات رقم 210). ولكن قيل هناك، في البند الثالث: «نقطة الانطلاق في اعطاء تقدير للوضع تكمن في القناعة بأنه من أجل أن ينفذ المصريون عملية عسكرية محدودة، وأكثر من ذلك في حالة انها عملية كبيرة، يجب على الجيش المصري أن ينتظم في استعدادات تنفيذية ولوجستية يكون إلزاميا اعطاء تعبير فيها عن الانذار بما لا يقل عن 24 ساعة في العملية المحدودة و5 ـ 6 أيام قبيل تنفيذ عملية حربية كبيرة». ولكنه في البند 11 يلخص: «في عملية حربية هجومية كبيرة، هناك احتمالات كبيرة في اعطاء التحذير. ولكن:

أ ـ ... ب ـ ليس في كل حالة، يكون واضحا ما هي تلك العملية العينية، خصوصا إذا نفذت العملية على خلفية التوتر العام الذي يترافق واستعدادات لوجستية متواصلة وتحركات أو على خلفية تديبات شاملة في الجيش المصري تتضمن تحركات للقوات على نطاق كبير».

هذا التحفظ المهم، والذي فرضه الحذر في ضوء التجارب التاريخية (مثل هجوم هتلر على الاتحاد السوفياتي سنة 1941 واحتلال جيوش دول حلف وارسو لتشيكوسلوفاكيا في سنة 1968)، لم يضفه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الى قدراته على اعطاء انذار للجيش.

107. الرقابة تشطب هنا فقرة كاملة من 4 سطور.

هذه الرسالة (وثيقة البينات رقم 287)، أرسلها الجنرال زعيرا الى اللجنة بعد الانتهاء من الإدلاء بالأمور الجوهرية من شهادته، خلال اجاباته على القضايا، التي بسببها، قامت اللجنة بتفعيل المادة 15 من قانون لجان التحقيق لسنة 1968. ان الامتناع عن عرض هذه الرسالة خلال تقديم شهادته الأساسية، وهو خاضع للتحقيق حول الموضوع، يعني ان زعيرا نفسه لم ير في الرسالة شطبا لتصريحاته من أبريل ومايو [نيسان وايار] 1973 بشأن قدرته على اعطاء التحذير [للجيش ازاء خطر هجوم حربي عربي] ـــــــــــــــــ[رقابة]، ولم يتراجع ولم يلغ هذه التصريحات. لو أراد رئيس شعبة الاستخبارات ان يعلن تغييرا أساسيا كهذا في موقفه المعلن، والذي تحول كما يعلم، الى فرضية اساسية في التخطيطات العملية للجيش الاسرائيلي، لكان عليه أن يعلن ذلك في حينه وبمنتهى الوضوح.

الفصل التاسع: خلفية فشل شعبة الاستخبارات العسكرية (1) الثقة الزائدة في النفس 108. قلنا ان هناك ثلاثة اسباب لفشل شعبة الاستخبارات العسكرية. وقد كانت لهذه الأسباب خلفية نفسية نمت وترعرعت عليها. ونقصد بذلك الثقة الزائدة في النفس، التي اتصف بها الجميع، سواء في مستوى القيادة العسكرية أو السياسية، ومفاد [هذه الثقة المفرطة] انه في حالة قيام العدو بالهجوم – على عكس المتوقع – فإن الجيش النظامي [سوية مع جنود الاحتياط المجندين] سيصد الهجوم بسهولة في كل الظروف وسيستطيع التحول بسرعة الى حالة هجوم مضاد. وقد عبر وزير الخارجية عن هذه الأجواء في شهادته (صفحة 735):

«الجواب الذي حصلنا عليه دائما من الذراع العسكرية هو انه حتى إذا حاول (السادات) مهاجمتنا فسيكون مصيره قد حسم بهزيمة سريعة وساحقة».

وعلى الرغم من ان واجب شعبة الاستخبارات العسكرية هو الانشغال فقط بإعطاء تقدير حول قوات العدو وأهدافه، وليس قدرات الجيش الاسرائيلي وخططته ـ وهو الأمر الواضح أيضا لرؤساء شعبة الاستخبارات العسكرية ـ فإن هذه الثقة تغلغلت، في الواقع، ايضا الى تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية. هذه الظاهرة بدت في أقوال الجنرال زعيرا خلال شهادته (صفحة 1046):

«في ضوء ما فهمته من الضباط الكبار في جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن شعوري الذاتي انه إذا كانت في الجنوب 300 دبابة، لن تكون لنا مشكلة جدية.

أنا واثق من أنه كان لهذا تأثير، وأنا أتحدث عن شعوري. لكنني لا أعتقد انه أثر على القدرة في تشريح المعلومات. بيد أنني كضابط في الجيش وليس كرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، شعرت بأنه مع 300 دبابة نستطيع منع عبور القناة.

سؤال: تقصد أننا نستطيع القذف بهم [المصريين الذين سيعبرون القناة] الى الوراء؟

جواب: على الأقل لن نتيح لهم العبور، أكان ذلك بالصد الفوري لهم أو بالهجوم المضاد».

ولكن في صفحة 5446، عندما جرى التحقيق معه حول الامتناع عن تسليم الخبر، الذي وصل [الى شعبة الاستخبارات العسكرية] في 5 أكتوبر، الى رئيس أركان الجيش في الوقت المناسب (أنظر البند 79 آنفا)، قال ـ وهذه المرة بالذات بوصفه رئيسا لشعبة الاستخبارات العسكرية:

«.. لم أجد ضرورة أن أستنفر رئيس الأركان في الساعة 11:00 ليلا لأقول له ان هناك خبرا من هذا النوع ثم اضيف له ما كتبناه في حينه بأن المصدر ليس ذلك المصدر الموثوق وبأن هناك أخطاء [في تقاريره السابقة] وأننا نفكر بشيء مشابه [أي ان المصدر غير موثوق]. ويجب ان نذكر انني كنت أعرف في ذلك الوقت وكان رئيس الأركان يعرف أيضا أن كل جيش الاحتلال الإسرائيلي كان في حالة تأهب قصوى، و300 دبابة جاهزة في الجنوب و180 دبابة في الشمال، وكلنا واقفون والإصبع على الزناد. وهذا كان شعور رئيس الأركان في تلك الليلة على حد علمي وأنا كذلك. لم يكن هذا وضع out of the blue [غير متوقع] بحيث عاد الجميع الى بيوتهم، كما لو انه يوم غفران عادي ويجب استنفار [القادة من بيوتهم]. ففي حالة كهذه كان رئيس الأركان سيقول لي، حسب اعتقادي: حسنا، لكن عند غوردوش [يقصد الجنرال شموئيل غونين، قائد اللواء الجنوبي في الجيش الاسرائيلي ذلك الوقت]، توجد 300 دبابة وبيني بيلد [قائد سلاح الجو] وضع الطائرات في القواعد [يقصد انه يضعها على أهبة الاستعداد] ولاحكا (أي الجنرال حوفي) [قائد اللواء الشمالي] لديه 180 دبابة، جميعهم يقفون والإصبع على الزناد. حسنا؟» (2) في شعبة الاستخبارات العسكرية اعتادوا على الإجماع 109. عنصر آخر ساهم إسهامه في ولادة أسباب الفشل، هو التعصب الزائد الذي تميزت به تقديرات ضباط دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية. ونحن نعتمد على شهادة العميد شيلو، مساعد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية لشؤون الأبحاث، حول هذا الموضوع. وهذه كانت اقواله (صفحة 1182):

«بشكل عام توجد آراء مختلفة، وليس فقط توجد آراء مختلفة، بل لدينا تقليد حديدي في الأبحاث هو الديمقراطية المطلقة في كل ما يتعلق بالتعبير عن الرأي. هذه ليست ديمقراطية فحسب، إذ ان كل ضابط مهما كان صغيرا، يعرف انه في الأبحاث التي تتم عندي، مثلا، يكون حرا ويطلب منه أن يقول رأيه.. ».

ولكنه في صفحة 1183 يضيف مفسرا: «في قضية الاجماع.. يوجد بحث وتوجد آراء مختلفة. في حالات كثيرة، ومن خلال مجابهة الآراء المختلفة ببعضها البعض، ننجح في التوصل الى ما هو مشترك ومقبول على الجميع. ربما يحصل ان تأتي حالة مختلفة، بحيث يكون هناك واحد أو اثنان لا يقبلان الرأي. عندها، من يدير النقاش يلخص الأمور الأساسية. وفي كل مرة يكون فيها رأي آخر معارض للتلخيص، أنا أسأل، أيضا بعد تلخيصي النقاش، لمن يوجد رأي اخر أو تحفظ. أنا أستمع الى هذا الرأي وإذا اقتنعت به كاملا أو جزئيا، أقوم بتغيير التلخيص حتى لو كنت قد أتممت تلخيصه. ولنفترض انني لم أقتنع، فإنني لا أضمن هذا الرأي في التلخيص، ولكننا نتابع هذا الرأي ونفحص أنفسنا من جديد، فالحياة لا تنتهي مع انتهاء النقاش والتلخيص. هذه هي طريقتنا.. نزن الأمور. وأعتقد ان طريقتنا هذه تعطي الحد الأقصى من الحظوظ للبشر أن يحسنوا الأمور ويداوموا على فحصها ويعبروا عن الآراء المختلفة ويتناقشوا حول مختلف الآراء ويحاول كل واحد أن يقنع برأيه وفي بعض الأحيان يصرخ، لكي نصل بالتالي الى القاسم المشترك وبشكل عام ننجح. لا أقول أن هذا يتم دائما».

في الظاهر هناك أفضلية للتوصل الى استنتاجات مشتركة في نهاية كل نقاش، لأنها تبدو كما لو انها توفر لـ«زبائن» شعبة الاستخبارات العسكرية الثقة بأن هناك أساسا متينا لقراراتها. ولكن هذه الثقة وهمية، لأن من وراء «الرأي الموحد لشعبة الاستخبارات العسكرية» يمكن أن تختبئ خلافات جوهرية فيما بين مقدمي التقديرات، تختفي عن عيون «الزبائن». ويضاف الى ذلك الصعوبة الطبيعية التي ليس من السهل التغلب عليها، في كل جهاز مبني على المركزية والطاعة. ان القول «آمين» بعد رأي المسؤولين يعتبر لدى الكثيرين من الخصائص الجيدة للحياة السهلة وللحصول على درجة أعلى.

إننا نعتقد أنه لا يوجد مانع في أن يتم التعبير ايضا عن الاختلاف مع الرأي السائد، حتى خطيا. ومثل هذا التعبير عن اختلاف الرأي من شأنه ان يجعل قراء الموضوع يدركون بأن هذا الرأي ليس مغلقا على الرأي السائد، مما يؤدي الى المزيد من الحذر في اتخاذ الاجراءات التنفيذية.

في اطار هذا النظام المتبع في دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية في السنة التي سبقت حرب يوم الغفران، ضاعت الآراء المخالفة في خضم قرارات «الإجماع»، الذي انتهى به كل بحث. ويصف ذلك الشاهد ألبرت سوداي، رئيس القسم السياسي فرع 6 [داخل دائرة البحوث المذكورة، والمختص في الشأن المصري]، والذي كنا قد ذكرناه أعلاه (البند 82)، وهو الذي أعرب عن قلقه من الأخبار التي وصلت في الأيام السابقة للحرب، فقال في شهادته أمام اللجنة:

«في النقاشات توجد حرية رأي، ولكن على الورق يوجد اجماع.. القباطنة، كما نسمي قادتنا، يجب أن يحملوا آراء المؤسسة كلها. لذلك فإنني لا استطيع أن أكتب رأيا آخر في هذه الوثيقة. ولم تكن هناك وسيلة أمامي أو أمام أي رئيس دائرة أو الضابط الصغير أن يعبر فيها عن رأيه».

سؤال: أنت أعددت مسودة الجزء السياسي المتعلق بمصر؟

جواب: نحن رجال دائرة البحوث نسمى رجال تسويق، علينا أن نبيع هذه البضاعة لكي تكون مقبولة. ولا نستطيع بيعها إذا لم تكن مغلفة بغلاف غير مقبول. قضية المقدم يعري 110. المقدم أبيعيزر يعري، رئيس فرع 5 في دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي (وهو القسم المسؤول عن سورية ولبنان والعراق والكويت)، كان يتمتع بمدى معين من الاستقلالية الفكرية. لقد رأى أكثر من غيره العلاقة ما بين الاستعدادات في الجبهة السورية وبين ما يجري في الجبهة المصرية. لذلك فقد أقدم على تصرف خارج عن المألوف في دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية.

في ليلة الأول من أكتوبر، عندما سلمه رئيس القسم 6 [المسؤول عن مصر]، المقدم بندمن، الخبر عن عملية الهجوم المصري الذي سيبدأ في 1 أكتوبر (أنظر البند 63 آنفا)، ومعه اضافة باسمه وباسم العميد شيلو بانه في تقديرهما ان الخبر غير جدي، تجاهل المقدم يعري الملاحظة ووأبلغ ضابط الاستخبارات في اللواء الشمالي بان هناك ضرورة ملحة لاستدعاء القيادة العليا للواء الشمالي.

وبالفعل، أبلغ ضابط الاستخبارات قائد اللواء، فاتخذ هذا الاجراءات اللازمة. وقبيل الصباح، تلقى قائد اللواء الخبر المطمئن من دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية. فاشتكى لدى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بأن المقدم يعري تسبب في حالة استنفار في اللواء من دون حاجة. ولذا، فقد استدعي المقدم يعري الى توضيح لدى العميد شيلو، الذي راح يقارعه بسبب خروجه عن التعليمات بألا يرسل الأخبار التي تصل اليه إلا الى دائرة الاستخبارات، وإلا فيجب أن تذيل بتقديرات شعبة الاستخبارات (شهادة يعري في صفحة 2037 فصاعدا).

لقد تركت هذه الحادثة اثرها البالغ على المقدم يعري وغيره ليكونوا أكثر حذرا في التعبير عن رأي مستقل ومخالف لرأي شعبة الاستخبارات العسكرية. ومع ذلك، ظل يعبر عن رأيه المخالف، وعبر عنه بالنسب المئوية: تشكيلات الطواريء في الجبهة السورية تدل على 50 في المائة أهداف دفاعية، 25 في المائة استجابة للضغوط الداخلية السورية لتسخين الحدود و25 في المائة من دون تفسير. وحسب اعتقاده، فإنه من الواجب البحث عن النقص في الجبهة المصرية (صفحة 2049). ولصالحه يمكن القول انه بحسب الرأي العام السائد في شعبة الاستخبارات العسكرية، والتي يوجد لها اساس تعتمد عليه، كان يجب التفتيش عن مفتاح لفهم ما يجري في الجبهتين، وأولهما في الجبهة المصرية. وفي هذا الموضوع، كانت تقديرات الفرع السادس المطمئنة على طاولته وكان يستطيع اعتمادها بوصفها ذات صلاحية. وينبغي ان نذكر الفارق الهام ما بين رأيه وبين راي رئيس الفرع السادس، المقدم بندمن، الذي اشرنا اليه في البند 25 من التقرير الجزئي. وفي شهادته التي نقبلها لأنها صحيحة، قال المقدم يعري انه لم يكن الوحيد في الدائرة الذي عبر عن هذا الرأي وانه في الأسبوع الأخير قبيل الحرب، زاد ضغط النقاش في الأبحاث داخل الدائرة. ولكن النتيجة انتهت دائما برأي موحد في الظاهر هو «راي دائرة البحوث» أو «رأي شعبة الاستخبارات العسكرية الموحد».

صحيح انه سادت حرية رأي في النقاش، ولكن عندما تم نقل "راي شعبة الاستخبارات العسكرية الموحد» الى الجهات الأعلى، لم يكن فيه ذكر لي رأي آخر. وبشكل متاخر، يعرب المقدم يعري عن ندمه اليوم ويقول ان ضميره يعذبه وأنه كان يجب أن يخرج على المألوف مرة اخرى ويوصل صرخته الى السماء (صفحة 2059). وتعتبر هذه القضية نموذجا جيدا للتعبير عن الحاجة الى المزيد من التعبير عن حرية الرأي ليس فقط داخل أبحاث الدائرة، بل أيضا خارجها. فكما قلنا في التقرير الجزئي (البند 22 (د)(4))» «يجب اجرا ءتغييرات جوهرية وأساسية في بنيوية شعبة الاستخبارات العسكرية وسلاح المخابرات لكي تعطي تعبيرا ملائما بل تشجع على اسماع آراء أخرى مخالفة في دائرة البحوث وفي وضع التقديرات التي توزع على جهات مختلفة». ربما، لو كان الأمر على هذا النحو قبيل الحروب، وكانت الآراء أكثر شكوكا، حتى لو كانت آراء الأقلية، لكانت وصلت الى وعي وادراك أصحاب القرار، وما سيطر الرأي المتغطرس الذي ميز مواقف شعبة الاستخبارات العسكرية وبسببه جاءت تقديراته مطمئنة.

 
عودة
أعلى