ذئب المخابرات الاسمر – محمد نسيم – قلب الاسد

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,428
التفاعل
17,569 41 0



2011-634375183464017429-401_th.jpg

محمد نسيم – نسيم قلب الاسد

التسلسل القيادى لمحمد نسيم :
1- تخرج من الكلية الحربية وعمل فى سلاح المدرعات (السوارى سابقا)
2- انتقل الى العمل فى جهاز المخابرات العامة اوخر عام 1956 ومطلع عام 1957 وهى نفس الفترة التى تلت العدوان الثلاثى (حرب السويس فى المراجع الاجنبية) والتى بدأت فيها عملية اعادة بناء المجتمع الأمنى فى مصر (الأجهزة الداخلية والخارجية) بقيادة اللواء (العقيد وقتها) صلاح نصر.
3-بدأ السيد محمد نسيم العمل فى القطاع العربى وكانت مهمة هذا الجهاز هى جمع معلومات اجتماعية وسياسية واقتصادية من الوطن العربى تفيد القيادة السياسية فى توجيه الخطاب السياسي الى هذا القطاع -هذا القطاع كان من انجح القطاعات ويمكن تقدير هذا النجاح عن طريق معرفة شعبية الرئيس جمال عبد الناصر فى الوطن العربي من هذه الفترة ـ بل وحتى وقتنا هذا - ودعم عملية اتخاذ القرار.
بعض عملياته اللتى كشف عنها الستار اخيرا ……..

شارك فى التخطيط لعملية الهجوم علي ميناء ايلات…..
زرع العميل كيتشوك مساعد المصور المشهور (Armani) فى إسرائيل ……
عملية الحصول على معلومات عسكرية حساسة بخصوص صفقة مقاتلات فرنسية للدولة الاسرائيلية حوالى عام 1961-1962م من نوع مستير وسوبر مستير وميراج…..
والسيد نسيم هو عم الفنانه يسرا أو (سيفـين محمد حافظ نسيم)
عندما تكلم محمد نسيم ……..

بعد أن كشفت المخابرات العامه الستار عن عملية رفعت الجمال، اتهم الإسرائيليون المخابرات العامه بالكذب واختلاق القصص. ثم صرحوا بعد ذلك بأن رفعت الجمال أو (Jack Bitton Kauffman) قد اصبح عميلا مزدوجاً لهم بعد أن كشفوا أمره.
- و لكن السيد نسيم أخرسهم بهذا الرد :
(1) إذا كان رفعت الجمال فعلا جاسوساً مزدوجاً فلماذا تركوه يذهب الى ألمانيا على الرغم من ادعائهم بأنهم هددوه أما بالسجن أو العمل لديهم ؟
(2) لو كانت هذه الروايه حقيقيه لكشفت عنها إسرائيل فى يونيو 1967 بعد النكسه..فى ذلك الوقت كانت نفوسنا مكسوره لا يمكن جبرها..و لو كشفت إسرائيل فى ذلك الوقت ما تدعيه الآن لكانت قد أجهزت على ما تبقى منا..وخاصة أن إسرائيل تفضل استخدام هذه القصص الدعائيه لكى تظهر قوتها..وكان من الممكن نظر هذه القصه-لو كانت حقيقيه-بعد حرب أكتوبر-فإسرائيل كانت فى حاجه إليها لرفع روحها المعنويه.

(3) لو كان الهجان عميلاً مزدوجاً، فلماذا ظل فى إسرائيل؟…لماذا لم ينتقل للإقامه فى مصر أو فى إحدىالدول العربيه ؟..كيف يكون عميلا للموساد وهو يعيش فى إسرائيل ؟
(4) ليست عادة المخابرات الإسرائيلية هذا الانتظار الطويل قبل كشف العملاء المزدوجين..و الدليل على ذلك قصة الجاسوس المصرى-الأرمينى “كيفورك يعقوبيان” أو “زكى سليم كيتشوك” الذى كشف فى إسرائيل فى بداية الستينيات، فحولوه إلى مهرجان دعائى ضخم، و نشروا عنه كتاباً به فصل عنوانه (الذئب الوحيد). و فيه اعتراف من الموساد بإنها كانت من أخطر العمليات التى واجهتهم.
(5) ولو كانوا قد جندوا الهجان و حقـقـوا معه و اعترف، ألم يسجلوا اعترافاته فى فيلم أو شريط فيديو ؟…لماذا لا يقدمون مثل هذه الوثائـق الحيه للرأى العام الإسرائيلى، ليحسموا الأمر.

(6) بعد رد السيد نسيم على أقاويل الإسرائيليين، اعترف رئيس الموساد (إيسر هاريل) لصحيفة يديعوت أحرونوت فى صيف عام 1988 بقوله : “إن قصة رأفت الهجان متشعبه و مركبه جداً…و للمصريين الحق فى أن يفخروا بانتصارهم” و يضيف:” إن قصة Jack Bitton الذى زرعه المصريون فى إسرائيل قصه حقـيقـيه. و قد كنا نشعر بأن ثمة اختراقاً مصرياً فى قمة جهاز الأمن الإسرائيلى، و لكننا لم نشك مطلقاً بجاك بيتون
كانت هناك صوره للجمال جعلتنى أشعر بالفخر لبراعة و دهاء رفعت الجمال و هى أخذت فى منزل رفعت . و فى هذه الصوره يظهر رفعت الجمال و هو يضع ممازحاً السيف على رقبة عزرا وايزمان و موشيه ديان. وقد قال بعد ذلك فى مذكراته أن هؤلاء الأغبياء لم يعرفوا إننى كنت أضع السيف فى رقبتهم طوال الوقت
قال عنه الموساد فى كتاباتهم ……
” ننظر باحترام شديد الى رجل ارهقـنا كثيرا و أضاع النوم من أعيننا“
اسم الشهرة فى جهاز الموساد …..الضبع الاسود …..

تفاصيل اكثر
هو أحد ضباط الجيش المصري الذين انضموا لتنظيم الضباط الأحرار .. وشارك ضمن الصف الثانى من رجال الثورة .. ومع بدء التفكير فى انشاء جهاز مخابرات مصري فى أوائل عام 1954م .. قام الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتكليف أحد رجال الثورة وهو فتحى الديب بتولى هذا الأمر فنشأت لجنة تابعة للجيش تقوم بأعمال التجسس والتخابر .. ثم تطور الأمر مع ازياد الحاجة الى جهاز مخابرات محترف على نفس النسق العالمى الذى ظهر فى الحرب العالمية الثانية والذى كانت لأجهزة المخابرات الفضل الأول ان لم يكن الوحيد فى انهائها لصالح الحلفاء .. أسند الرئيس جمال عبد الناصر الأمر الى زكريا محيي الدين وعلى صبري .. ليخرج الى الوجود جهاز المخابرات المصري .. ولكنه ولأنه جهاز ما زال يبحث عن هوية الاحتراف .. لذا تكلف انشاؤه من الجهد والوقت ما يفوق التصور فى وسط أجهزة معادية عملاقة كالموساد الذى تأسس قبل اعلان دولة اسرائيل أساسا وكان رجاله وضباطه من المحترفين الذين خاضوا غمار الحرب العالمية الثانية واكتسبوا الخبرة الطاغية التى افتقد اليها المصريون .. لكن .. ولأن المقاتل المصري بطبعه كاره للهزيمة والاستسلام ولا يعرف معنى المستحيل .. تمكن الرعيل الأول من الضباط الذين كونوا لبنة الجهاز الأولى من جمع الكثير من المراجع وكتابات الخبراء وعكفوا بصبر مدهش على دراستها واستخلاص ذلك العلم الغزير نحتا فى الصخر .. وكان هذا الرعيل .. عدد من ضباط القوات المسلحة الشبان من من يمتلكون شجاعة وجسارة المقاتلين مع الذكاء الفطرى .. ومنهم على سبيل المثال .. فتحى الديب .. وعبد المحسن فائق .. وحسن بلبل .. وعبد العزيز الطودى .. وصلاح نصر وبطلنا .. البكباشي
” المقدم ” فى ذلك الوقت .. محمد نسيم
كان محمد نسيم من ذلك الطراز من الرجال الذى يمتلك قلب أسد كما أطلق عليه رفاقه .. وعقل الثعلب .. وصبر الجمال .. واصرار الأفيال .. كان نادرا بحق رحمه الله وطيب ثراه .. وعندما تولى اللواء صلاح محمد نصر الشهير بصلاح نصر رياسة جهاز المخابرات العامة كان محمد نسيم أحد مديري العمليات بالجهاز ورجل المهام الصعبة ويكفي لبيان مدى سمعته الخرافية أن رئيس الجمهورية كان يتصل به مباشرة فى عدد من العمليات فائقة الحساسية وما أكثرها فى ذلك الوقت .. وفى بداية الستينيات كان جهاز المخابرات العامة مكتمل البناء .. وخاض العديد من العمليات العملاقة فى تاريخه ضد المخابرات الاسرائيلية والأمريكية .. وللحق .. فان انشاء الجهاز على صورته تلك .. كان لجهود رجاله وادارة صلاح نصر رئيس الجهاز على الرغم من انحرافه فيما بعد نتيجة للسلطة المطلقة التى تمتع بها فى ظل حماية المشير عبد الحكيم عامر نائب رئيس الجمهورية وقائد الجيش المصري وبطل فضيحة النكسة المريرة

رفعت الجمال

وكانت أولى عمليات محمد نسيم التى أكسبته سمعته الرهيبة بين رفاقه .. اعادة تأهيل العميل المصري الأشهر ” رفعت الجمال ” الشهير باسم ” رأفت الهجان ” . كان رفعت الجمال قد سافرالى اسرائيل فى منتصف الخمسينيات واستقر بها بعد أن نجح فى زرعه رجل المخابرات العتيد اللواء ” عبد المحسن فائق ” المعروف باسم ” محسن ممتاز فى المسلسل الشهير الذى حكى قصتة .. ومنذ أن تم زرعه فى اسرائيل وحتى بداية الستينيات لم تستفد منه المخابرات المصرية شيئا الا المعلومات التى أرسلها فى حرب العدوان الثلاثي .. وللحق فلم يكن هذا تقصيرا من رفعت الجمال .. أو معلمه عبد المحسن فائق .. بل كانت الظروف أقوى منهما لضعف الامكانيات التدريبية التى تلاقاها رفعت وكان جهاز المخابرات لم يزل وليدا فى ذلك الوقت ..
وعلم المخابرات تطور تطورا مدهشا وسريعا عبر السنوات الخمس التى أمضاها رفعت فى اسرائيل فكانت الحاجة ماسة الى رجل مخابرات من طراز فذ يتمكن أولا من السيطرة على رفعت الجمال صاحب الشخصية شديدة العناد ويقوم بملئ الفراغ الذى تركه اللواء عبد المحسن فائق فى أعماقه .. وذلك حتى يتمكن من اقناعه بمواصلة التدريب والعمل ..
وكان ضابط الحالة الذى تولى عملية الجمال هو عبد العزيز الطورى الشهير باسم ” عزيز الجبالى ” .. وبعد دراسة عميقة لشخصية رفعت .. ومع استحالة عودة اللواء عبد المحسن فائق من مقر عمله فى الولايات المتحدة فى ذلك الوقت .. لم يجد عبد العزيز الطورى الا قلب الأسد محمد نسيم المعروف بصرامته وشخصيته القوية ونبوغه الفائق وهو النموذج المماثل لعبد المحسن فائق ..
وتم اللقاء بين قلب الأسد وبين رفعت .. ولم تمض ساعات على لقائهما الا وكان محمد نسيم وهو بالمناسبة الشهير باسم ” نديم هاشم ” فى مسلسل ” رأفت الهجان .. وقام بدورة باقتدار بالغ الفنان المصري نبيل الحلفاوى فى واحد من أعظم أدواره على الاطلاق لا سيما وأن نبيل الحلفاوى كان يشبه اللواء محمد نسيم فى الشكل والأداء الى درجة مذهلة ..
لم تمض ساعات على اللقاء بين العملاقين رفعت ونسيم .. الا وكان نسيم قد ألقي بغياهب شخصيته الفريدة فى وجه المتمرد النابغة رفعت الجمال ..
وكان رفعت الجمال قد أبصر بعيونه عبر المعايشة لليهود . كيفية التقدم المدهش هم فى مجال الأمن .. وكان فى أمس الحاجة الى من يريه تفوق بلاده .. وقد كان .. تمكن نسيم عبر التدريبات المكثفة من اقناع رفعت بمدى التقدم المدهش الذى أحرزه المصريون على الاسرائيليين فى المواجهات المباشرة بينهما ..

وبعد أسبوعين من التدريب المستمر والشاق .. خرج رفعت الجمال فى مستوى ضابط حالة وهو المستوى الأعلى لأى عميل مدنى فى نظم المخابرات .. ووقع تحت الاشراف المباشر لعبد العزيز الطورى وللتدريب على يد محمد نسيم لتكتسب مصر كما رهيبا من المعلومات بالغة السرية التى أرسلها رفعت لا سيما بعد تمكنه من بسط علاقاته ونفوذه فى مجتمع تل أبيب بتعليمات نسيم عبر شركة ” سي تورز ” والمعروفة باسم ” ماجى تورز ” وفى قلب تل أبيب واصل نجم المجتمع الاسرائيلي ” جاك بيتون ” وهو الاسم المستعار لرفعت الجمال وهو الاسم الذى عرف فى المسلسل بـ ” دافيد شارل سمحون ” .. وبلغت علاقاته حدا جعله صديقا شخصيا للجنرال موشي ديان وجولدا مائير رئيسة الوزارة الشهيرة .. كل هذا بفضل نبوغ رفعت الشخصي .. وبراعة معلمه الفذ ” محمد نسيم ” .. ومن قبل هذا وذاك النصرة الالهية لأناس نصروا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

الصدمة ..
كانت نكسة 67 .. مدمرة فى آثارها الى حد رهيب على العالم العربي أجمع .. الا أنها كانت ذات تأثير صاعق على الأسود الرابضة فى عرين المخابرات العامة المصرية الكائن فى حى حدائق القبة بالقاهرة الواقع خلف قصر القبة الشهير .. ولكى تتأملوا الأثر وتقدروه .. يكفي أن تعلموا أن مصر كلها ذاقت الهزيمة الا هذا الجهاز كان هو المنتصر على أى مقياس منطقي .. فقد تكفل رجاله ونجومه وعلى رأسهم رفعت الجمال بمعرفة كل التفاصيل الدقيقة والخرائط لخطة الحرب العسكرية فى 67 .. وقاموا بارسالها الى قيادتهم السياسية المغيبة .. ليفاجئ الأبطال بالنكسة وهم الذين كادوا يعطون قياداتهم أسماء الجنود والقادة من العدو اسما اسما لو طلبوا اليهم ذلك .. ولكن لعوامل كثيرة .. ليس هذا مكانها وقعت الواقعة وانهزمت مصر هزيمة ساحقة كادت تعبر بها حافة اليأس لولا توفيق الله والارادة الفولاذية التى قدت من الصخر .. وبدأت معارك الاستنزاف .. وتزلزلت القوات الاسرائيلية بكم العمليات الصادمة التى انتقت عيون أسلحة ورجال العدو مع المعلومات الغزيرة التى تولاها الرجال فى المخابرات العامة .. وذلك بعد تطهير الجهاز من قياداته المنحرفة .. وتولى محمد نسيم وأمين هويدى مسئولية اعادة الأمور الى نصابها فى جهاز المخابرات العامة عقب النكسة .. وأرسل عبد الناصر الذى كاد الندم يقتله .. الى محمد نسيم .. وتواعدا بالحديث وتقاسما الهم سويا ليتذكر عبد الناصر مدى قدرة الأسد الرابض أمامه وذكره باحدى عملياته التى لاقت شهرة واسعة على الرغم من سرية أعمال المخابرات فى العادة ..

عملية عبد الحميد السراج ..
على عبد الحميد السراج .. ضابط جيش سورى .. معروف جدا .. فهو أحد الضباط الوطنيين النوابغ فى سوريا والذى نأى بنفسه عن كم الانقلابات الرهيبة التى تتابعت فى سوريا على يد حسنى الزعيم .. وأدب الشيشيكلى .. وسامى الحناوى ومصطفي حمدون .. وغيرهم من نجوم انقلابات سوريا العسكرية فى الفترة التى أعقبت التحرير على يد شكرى القويتلى .. وبدأ ظهور عبد الحميد السراج عقب التزامه بالخط الوطنى .. قبيل الوحدة مع سوريا .. ولمع اسمه فى مصر عند عبد الناصر نفسه عقب قيامه باسداء جميل العمر الى مصر كلها .. وهو الجميل الذى لم تنسه له مصر وقيادتها .. فعبد الحميد السراج هو رجل المخابرات العسكرية السورى الذى تولى تدمير خطوط أنابيب البترول الممتدة من العراق عبر سوريا الى سواحل البحر المتوسط لتصب فى الناقلات البريطانية لتغذية احتياجات بريطانيا من البترول … وكانت هذه العملية أثناء تعرض مصر للعدوان الثلاثي .. ليصبح تدمير خطوط أنابيب البترول الشعرة التى قصمت ظهر البعير وكان البعير هنا هو أنتونى ايدن رئيس الحكومة البريطانية والذى قدم استقالته عقب فشل عدوان السويس عام 56 ..
وكان طبيعيا مع بدء الوحدة المصرية السورية عام 1959م .. أن يلمع نجم عبد الحميد السراج أكثر وأكثر فتدرج فى السلطة حتى ولاه عبد الناصر نيابة القسم الشمالى وهو سوريا ليصبح نائبا لرئيس الجمهورية السورية ومع العلاقة الوثيقة التى جمعته بعبد الناصر خاصة بعد عملية أنابيب البترول وأيضا كشفه للمؤامرة التى استهدفت حياة عبد الناصر أثناء زيارته لسوريا عقب الوحدة .. من هذا كله تمكن عبد الحميد السراج من السيطرة ليس فقط على الأمن الداخلى كوزير للداخلية فى الاقليم الشمالى وتولى نيابة الرياسة بل سيطر أيضا على المخابرات وأجهزة الاقتصاد والتنظيم السياسي الوحيد وهو الاتحاد الاشتراكى ليصبح عبد الحميد السراج أقوى رجل فى سوريا بأكملها ..
ولأن السلطة المطلقة مفسدة فى كل الأحوال .. فقد تغلبت أجواء السلطة على نقاء السراج .. لتتدهور الأمر أكثر وأكثر خاصة بعد فشل الوحدة المصرية السورية عام 1961 م .. وأتت نهاية عبد الحميد السراج على يد الانقلاب الذى أطاح به من قمة الحكم السورى .. عندما غفل عن ضابط الجيش السورى ومدير مكتب عبد الحكيم عامر الذى كان يتولى الرياسة فى الاقليم الشمالى للوحدة وكان هذا الضابط هو عبد الكريم النحلاوى .. والذى استهان به السراج فتمكن النحلاوى من قيادة تنظيم سري فى الجيش ضده وأطاح به وطرد عبد الحكيم عامر من سوريا فى فضيحة مدوية .. ليتم اعتقال السراج فى أبشع المعتقلات السورية وهو ” سجن المزة ” وكان وقع الصدمة مدمرا على عبد الناصر ..

الا أنه سلم بالأمر الواقع ونفض موضوع الوحدة مؤقتا وألقى بصره على مصير السراج المظلم فى أيدى خصومه المتعددين .. فالسراج كان له أعداء فى القوات المسلحة السورية وهى منفذة الانقلاب عليه وله عداوات رهيبة فى لبنان نتيجة لتدخله فى الشأن اللبنانى عندما اقتضت الظروف ذلك .. وله عداء قديم وثأر رهيب عند أصحاب مؤامرة اغتيال عبد الناصر .. اضافة الى عداء تقليدى من الموساد والمخابرات الأمريكية ورجالهما بلبنان .. فلك عزيزى القارئ أن تتخيل كيفية المصيدة التى وقع فيها السراج .. ولك أن تتخيل أكثر .. كيف يمكن تحقيق المستحيل وانقاذه منها .. أرسل عبد الناصر الى محمد نسيم وكلفه بانقاذ السراج مهما كان الثمن ..
وكلمة مهما كان الثمن فى عرف العمل المخابراتى تعنى أنه لا مستحيل .. وسافر نسيم منفردا الى لبنان لهذا الغرض .. وفى تلك اللحظة كان السراج يهرب من سجن المزة الرهيب بمعاونة عدد من ضباط الجيش الذين كانوا لا يزالون على ولائهم للسراج .. وانتقل فيما يشبه المعجزة وعبر رحلة شاقة ووعرة الى لبنان ليلقى خبر هروبه قد سبقه الى لبنان وعشرات الذئاب الجائعة فى انتظاره .. وكشف الموساد وجود نسيم فى لبنان .. وكذلك كشفه اللبنانيون وغيرهم .. وتعرض فى تلك المهمة فقط لتسع محاولات اغتيال نجا منها جميعا كان آخرها عن طريق وضع قنبلة فى أنبوب العادم بسيارته وكانت تلك المحاولة غير قابلة للفشل لأن تلغيم السيارات كان من المعروف أنه يكون عن طريق تلغيم المقعد أو المحرك أو جسم السيارة السفلى .. أما وضع القنبلة فى أنبوب العادم فهو الابتكار غير قابل للكشف .. ومع ذلك فقد اكتشفها نسيم .. وفشلت المحاولة .. بل ونجح فى الخروج بالسراج من لبنان الى مصر وللأسف الشديد فكيفية الخروج ما زالت قيد السرية الى يومنا هذا .. ونال السراج مكانه فى مصر آمنا مطمئنا ..
تذكر عبد الناصر قصة هذه العملية وهو يتحدث الى نسيم .. وكان نسيم يتساءل عن سبب استدعائه ليقول له عبد الناصر أنه رقد طريح الفراش بعد اعلان اسرائيل عن بدء عمليات التنقيب عن البترول فى سيناء فى اشارة واضحة الى أن سيناء قد أصبحت اسرائيلية لتذل القيادة المصرية .. وبرقت عينا نسيم غضبا
.. وعاجله عبد الناصر وهو يقول له فى مرارة .. ” الحفار يا نسيم ” .. فنهض نسيم واقفا .. وقال له فى حزم ” أمرك يا سيادة الرئيس ” .. وبدأت عملية الحاج ..

عملية الحاج
كانت واقعة نية اسرائيل التنقيب عن البترول فى سيناء كما سبق القول نية سياسية لا اقتصادية .. وقد بعثت الى احدى الشركات الكندية لاستقدام أحد أكبر الحفارات فى العالم لاستخدامه فى التنقيب وهو الحفار ” كينتج ” .. وقد خططت اسرائيل بدقة لهذه العملية .. وقامت عمدا باستيراد هذا الحفار الكندى والذى تجره قاطرة هولندية وعليه بحار بريطانى .. لكى تعجز مصر عن ضرب الحفار بالطيران عند اقترابه من البحر الأحمر .. لأن مصر اذا غامرت بضرب الحفار علانية فمعنى هذا أنها استعدت عليها ثلاث دول كبري على الأقل
.. ولأنها تعلم تماما أن المخابرات العامة لن تترك الحفار .. فقد احتاطت للأمر وقامت بتأمين الخطوط الملاحية للحفار القادم عبر المحيط الأطلنطى الى رأس الرجاء الصالح ثم البحر الأحمر .. وقامت بانتقاء خطوط سير ملاحية بالغة السرية وغير مألوفة .. كما جند الموساد رجاله وأجهزته بمعاونة المخابرات المركزية الأمريكية لمصاحبة الرحلة وحماية الحفار .. لكن من قال ان المصريين يعرفون المستحيل .. شكل محمد نسيم فريق عمل من أفضل رجال المخابرات العامة وخبراء الملاحة وضباط القوات البحرية .. لتبدأ عمليه الحاج .. وكان سبب تسميتها مزامنه أحداثها لموسم الحج وقام محمد نسيم بتجنيد عملاء المخابرات العامة فى الدول التى سيمر الحفار عبر سواحلها وأعطى أوامر بضرورة التفرغ لهذه العملية .. وقام باستقدام فريق من أكفأ رجال الضفادع البشرية التابع للبحرية المصرية .. حيث استقرت الخطة على زرع متفجرات شديدة التدمير فى قلب البريمة الرئيسية للحفار لابطال مفعوله ..
وبدأت لعبة القط والفأر بين نسيم ورجال الموساد .. وهناك .. فى أبيدجان الميناء الشهير لدولة ساحل العاج .. كان الحفار قد ألقي مراسيه بأمان للراحة .. وعلى الفور وبناء على الاستنتاجات المسبقة بعقله الفذ الذى أدرك أن أبيدجان هى الميناء المثالى الذى سيرسو عنده الحفار .. قام بحمل المتفجرات بنفسه ودار بها عبر أوربا وساحل افريقيا الشمالى وحط رحاله فى أبيدجان ولا أحد يعرف كيف تمكن من عبور مطارات خمس أو ست دول وهو يحمل هذه المتفجرات ..
وكان فريق العمل أبطال البحرية قد سلك طريقا مماثلا عبر عدة عواصم أوربية حتى أبيدجان .. وفى فجر يوم العملية وصل الفوج الأول من الضفادع البشرية
.. وبينما الكل فى انتظار الفوج الثانى علم محمد نسيم من مصادره فى أبيدجان أن الحفار فى طريقه لمغادرة ساحل العاج صباح اليوم التالى .. ليطير عقل محمد نسيم .. ويتخذ قراره بتنفيذ العملية بنصف الفريق فحسب ..
وكان الحل السريع أن يكتفي نسيم بزرع المتفجرات تحت البريمة الرئيسية وأحد الأعمدة فحسب بديلا عن الخطة الرئيسية بتفجير البريمة والأعمدة الثلاثة
وفى الفجر .. تسلل الأبطال تحت اشراف نسيم الى موقع الحفار وخلال ساعة واحدة كانت المتفجرات فى أماكنها .. ومضبوطة التوقيت على السابعة صباحا .. وخلال هذه الفترة أشرف نسيم بسرعة فائقة على سفر مجموعة العمل خارج ساحل العاج واستقبال المجموعة التى كان مقررا وصولها فى الصباح لتحط فى أبيدجان بطريقة الترانزيت وتكمل رحلتها خارج أبيدجان ..
وبقي نسيم وحده ينتظر نتيجة العملية .. ومن شرفة فندقه المطل على البحر
أخذ يعد الدقائق والثوانى التى تمضي ببطء قاتل .. حتى التقا عقربا الساعة عند السابعة صباحا ليتعالى دوى الانفجارات من قلب البحر .. ويصبح الحفار أثرا بعد عين فى الانفجار الذى هز أبيدجان .. لكنه كان كالموسيقي الكلاسيكية فى أذنى نسيم … والذى تأمل الحفار المحطم .. لترتسم ابتسامة نصر مشرقة ومألوفة على الوجه الأسمر الصارم ..
وبعدها توجه نسيم الى أحدى مكاتب البريد ليرسل تلغرافا الى جمال عبد الناصر يقول له كلمتين فحسب ” مبروك الحج ”

هذا هو محمد نسيم أو نديم هاشم كما عرفه المشاهدون العرب فى المسلسل التليفزيونى الشهير ” رأفت الهجان ” والذى كتب قصته الأديب الراحل صالح مرسي وأخرجه المخرج يحيي العلمى .. لتنفجر الحماسة فى الشعوب العربية من المحيط الى الخليج اعجابا بهؤلاء الأبطال الذين قدموا لأوطانهم أسمى معانى الفداء ولم ينتظروا حتى مجرد كلمة شكر ..
أسود المخابرات العامة المصرية الأفذاذ .. العاملون فى صمت .. النائمون فى قلب الخطر .. رواد العظمة ..
ونجمهم رجل المستحيل محمد نسيم الذى اتخذ دوره الى جوار زملائه فى حرب أكتوبر ليتمكن جهاز المخابرات العامة من احاطة ترتيبات الحرب بالسرية الكاملة حتى ساعة الصفر القاتلة للعدو .. لتخرج المراجع العالمية معترفة بانتصار المخابرات العامة المصرية على جهاز المخابرات الأمريكى والسوفياتى والاسرائيلي والبريطانى ..

عندما يترجل الفارس

ومع بداية الثمانينيات .. وبعد عشرات العمليات الناجحة وشهرة واسعة .. نالها الفهد الأسمر المصري اللواء محمد نسيم .. اعتزل البطل العمل السريليخرج من جهاز المخابرات الى وظيفة مدنية كوكيل لوزارة السياحة المصرية .. وفى عام 1998م .. أسلم الفارس البطل .. روحه وجاد بأنفاسه الأخيرة بعدرحلة مثمرة فى محراب البطولة تتوارى الى جوارها صفحات التاريخ خجلا .. وتقدم جنازة البطل كبار رجال الدولة .. والعامة فى ميدان التحريرالذى يقع فيه مسجد عمر مكرم الذى خرج منه جثمان البطل .. وتساءل العامة فى فضول .. وهم يلقون نظرة على اللافته التى يحملها الجنود فى مقدمة الجنازة وتحملاسم البطل .. ترى من يكون محمد نسيم ؟؟

عن موقع المجموعة 73 مؤرخين
 
نجم من عالم السرية ، بقلم عادل حمودة

في حجرة للعناية المركزة تسللت على خيوط ناعمة من الحرير مخلوقة شفافة غير مرئية تحترف الحلم اسمها “الغيبوبة) وأحيانا يسمونها (كوما) .. تسللت لتسرق الوعي والانتباه من حياة الماسة الوطنية السمراء محمد نسيم.. وشهرته (نديم قلب الأسد).
لقد فتحت الذبحة صدره وغرزت أظافرها في قلبه.. ثم راحت تسبح في دمه بحرية لم تقدر على ايقافها أقراص الأطباء الحمراء والصفراء.. فطرقت أبواب المخ.. وتمهلت بين خلاياه ثم عادت لتعربد في القلب.. ثم جرت تحرض الهواء على مقاطعة الرئتين بعد ان سدتا بسواد أطنان من قطران السجائر الذي تلقتها على مدى أكثر من أربعين سنة في استسلام.. وأخيرا اقنعت الجسم بأن يتيه عن ما حوله رغم الأسلا ك والخراطيم الواصلة بينه وبين أجهزة شديدة الدقة والحساسية.. ثم في النهاية أقنعت الروح بالصعود الى بارئها. تلقى محمد نسيم إنذارا صحيا شديد اللهجة على يد ذبحة سابقة في مايو 1999 وهو في دمشق.. لكنه مثل كل الذين حملوا أعباء هذا الوطن على أكتافهم لم يستجب للانذار.. ومثل كل الذين احترفوا التعامل مع الموت والخطر والموساد استهان بنقطة دهون صغيرة تسد شرايين قلبه.. وراح يواجه ما حوله بعناد اشتهر عنه.. على ان نقطة الدهون التي في حجم رأس الدبوس والتي تجيد خطط الهجوم على المراكز الحساسة للحياة كانت أخطر عليه من كل فرق القتل والقنص والمطاردة في المخابرات الاسرائيلية التي كانت تريده حيا أو ميتا لعقود طوال.. ودخل الرجل الذي دمر الحفار ورسم خطة تفجير المدمرة ايلات وساهم في تدريب رأفت الهجان وحقق في قضية انحراف المخابرات بعد هزيمة يونيو المستشفى على قدميه.. لكن.. سرعان ما انزلقت حالته الصحية على سطح أملس كالجليد.. ونافس تضرع زوجته وو لديه وأقاربه وأصدقائه الى السماء محاليل وخراطيم الأطباء.. ولكن المعجزة التي كان ينتظرها الأطباء لم تحدث.. وخرج السر الإلهي في فجر الأربعاء 22 مارس عام2000. إن مهنتي هي الانفعال والكتابة وقد كنت أتصور دائما أنها أسرع الطرق لرفع الضغط وتعطيل احتراق السكر وزرع امرأة في الدم قادرة على ايقاف القلب في أي وقت اسمها الذبحة الصدرية.. ولأن فاقد الشئ يبحث عنه فقد كنت أحسد ضابط المخابرات دائما على هدوء الأعصاب الذي يولدون به.. وكنت أتصور أنهم لايصابون بأزمات القلب.. العاطفية والصحية.. وكنت أتصور أنهم أشد برودة من الموت نفسه.. لم أكن أتصور أنهم بشر مثلنا.. ينفعلون.. يخافون.. يمرضون.. يدخلون غرفة الانعاش.. ويحتاجون للدعاء..لكنني اكتشفت أنهم من لحم ودم.. وفرح وحزن.. أما قوتهم الخرافية.. السوبرمانية.. فمصدرها ايمانهم بدورهم في حماية الوطن.. ومن يضع الوطن في عينيه يضعه الله في حمايته.. ولابد ان يكون الايمان حقيقيا.. فالدور الذي يلعبونه هو دور خفي.. مستتر.. لاتلقى عليه الأضواء.. وليس من حق أصحابه ان يكونوا نجوما.. فالبطولة جماعية.. والوسام في النهاية على صدر الوطن. وقد شاءت الأقدار ان يعرف الناس ما فعل محمد نسيم أو بدقة أكثر يعرفون جزءا مما فعل.. قطرة في بحر مما فعل.. ومن ثم أصبح محمد نسيم نجما رغم أنفه.. وبطلا لم يكن يتصور اننا سنعرف بطولته.. ولكن.. الضوء نصيب.. والشهرة قضاء مكتوب.. لاتقدر على منعه كل قوانين السرية. ولد محمد نسيم في القاهرة القديمة.. في حي شعبي هو (المغربلين) .. الشهير بالدرب الأحمر.. كان البيت الذي تربى فيه يقع خلف مسجد (المردائي) .. أشهر المعالم البارزة في الحي.. لم يكن هذا المسجد للصلاة فقط.. وإنما كان للمذاكرة ومراجعة الدروس.. قبلة الصلاة أمامه وكتب المدرسة بين يديه.. والله الذي يستمد منه العون والحماية في صدره.. يحمله معه في كل مكان.. حتى ولو كان سيدخل متسللا فيما بعد إلى أرض العدو في اسرائيل.. أو حتى سيحمل حقائب متفجرات بنفسه من القاهرة الى دكار عبر باريس لتفجير الحفار. قبل ان يكمل ثلاث سنوات لم يجد أمه الى جواره.. خطفها الموت.. ذلك الكيان البارد الغامض العاجز عن المواجهة.. لقد تسلل ليلا وأخذ أمه وترك رسالة عليها شريط أسود قال له فيها: إنه مضطر لذلك.. ويبدو ان المواجهة المبكرة للموت منحته حصانة ومناعة وشجاعة في التعامل معه فيما بعد.. لقد قابل الموت وهو طفل صغير.. فلماذا يخشاه وقد أصبح شابا ورجلا وضابطا في المخابرات المصرية.. ثم انه تعلم الملاكمة وهو على عتبة الشباب.. فهل كان ينتظر الموت ليلاكمه.. أم كانت الريا ضة هي فرصته لاثبات وجوده بعد ان شعر بعبء الدراسة والمذاكرة والتحصيل؟. في الخامسة عشرة من عمره انتقلت أسرته الى حي المنيرة.. القريب من النادي الأهلي.. فكانت ملاعب الهوكي وحلبات الملاكمة مفتوحة أمامه.. وفيما بعد أصبح بطل الكلية الحربية والقوات المسلحة في الملاكمة.. وفيما بعد.. في مباراة دولية للهوكي بين مصر وباكستان أصيب في أنفه فكسرت (الأرنبة) .. وتركت الاصابة علامة مميزة في وجهه.. وفي مباراة ملاكمة في الكلية الحربية أصر على ان يكمل المباراة رغم اصابته بشرخ في يده اليمني.. وكافأه وزير الحربية حيدر باشا بمنحه المجانية طوال سنوات الدراسة في الكلية وكان لايزال في السنة الأولى.. وأغلب الظن ان يوسف السباعي استوحي هذا المشهد وهو يكتب قصة فيلم (رد قلبي) . لكنه.. سرعان ما قرر اعتزال الملاكمة عندما وجد نفسه يتلقى لكمة قوية من منافسه على بطولة الجيش في عام 1951 صلاح أمان أفقدته الوعي والذاكرة.. ورغم أنه فاز في المباراة بالضربة القاضية إلا أنه لم يشأ ان يعيش تلك الحالة مرتين.. على ان الرياضة منحته فرصة الزواج من إحدى بطلات مصر في الجمباز.. وهي سيدة هادئة.. متزنة.. واقعية.. متابعة لما يجري حولها.. ترك لها مسئولية حماية ظهره وتربية ولديه هشام وفؤاد وهما مهندسان لكنهما يعملان في السياحة.. في نويبع وقد وجدتها على باب حجرة الانعاش تقرأ القرآن وتستقبل زواره من الفجر الى ما بعد العشاء. لقد التحق محمد نسيم بالكلية الحربية في عام 1949 وتخرج فيها بعد عامين ليلتحق بسلاح المدرعات ويشارك وهو ضابط فيه بحرب (السويس) عام 1956 لكن.. ما ان انتهت الحرب حتى اختير للانضمام الى المخابرات العامة وكانت لاتزال وليدة.. عمرها لايصل الى عامين.. فقد بدأ التفكير فيها في صيف عام 1954 بعد ان كشفت قضية (لافون) .. قضية الشبان والبنات اليهود الذين أمرتهم الموساد بتفجير مراكز المصالح البريطانية والأمريكية لتخريب العلاقات بين القاهرة من ناحية.. ولندن وواشنطن من ناحية أخرى.. كان عمره في ذلك الوقت لايزيد على 21 سنة.. وقد اختير للعمل في (الخدمة السرية) .. وهو الجهاز المدبر والمخطط لعمليات اختراق العدو.. وزرع الجواسيس في أجهزته.. وتجنيد العملاء من أفراده.. وجمع الأسرار عنه.. والحصول عليها من بين أنيابه.. أما الجهاز الآخر.. (الأمن القومي) .. فمهمته مكافحة الجواسيس الأجانب الذين يتسللون الى الداخل.. أو المصريين الذين يفقدون مناعتهم الوطنية ويسقطون في (بئر الخيانة) .. عليه القبض عليهم وتقديمهم لمحكمة أمن الدولة العليا ليكون مصيرهم في الغالب حبل المشنقة. لقد كان محمد نسيم من الجيل الأول في المخابرات العامة.. وهو جيل كان عليه ان يواجه ويتعلم.. ويخطط ويدرس.. يقاتل بالعقل ولكن بدون إمكانيات.. كان التحدي أهم أجهزته الدقيقة.. وكان الحماس هو القوة الخارقة الوحيدة المتاحة له.. إنها سنوات التألق الوطني التي كان الكل فيها في بوتقة واحدة.. ولم يكن فيروس الأنانية الفردية قد تمكن منا.. ولم يكن شعار (أنا ومن بعدي الطوفان) قد فرض نفسه علينا.. كانت هناك قضية وطنية.. وكانت الحدود واضحة بين الخطأ والصواب.. بين الكفر والايمان.. بين الموهبة وادعاء الموهبة. لم أعرف محمد نسيم الا في بداية الثمانينيات.. كان قد ترك المخابرات وأصبح مسئولا عن هيئة تنشيط السياحة.. قابلته صدفة في الجزائر.. كان قادما لتنفيذ أسبوع سياحي في وقت كانت فيه العلاقات بين البلدين مقطوعة.. ولكن كانت هناك رغبات في اعادتها.. فكانت السياحة هي الخطوة التي تسبق السياسة.. ولاحظت قدرته المذهلة على تنفيذ العمل.. انه لا يترك التفاصيل الصغيرة تمر حتى لا تحدث الكوارث الكبيرة.. ويعرف كيف يتدخل في الوقت المناسب قبل ان يصبح عود الكبريت شعلة حريق.. وقد كانت فرصة لنا.. يوسف شاهين وعزت العلايلي وفايزة سعد ان نسأله على العشاء كل مساء في مطعم فندق (الأوراسي) عن كل ما سمعناه عن المخابرات من أساطير وخرافات. وعرفت منه ان كثيرا من العمليات التي قام بها كانت بتكليف مباشر من جمال عبدالناصر شخصيا.. كان يستدعيه ليشرب معه فنجانا من الشاي.. ويسأله عن صحته وبيته وولديه.. ولم يكن محمد نسيم يجيب إلا بإجابة واحدة.. ثابتة.. (الحمد لله يافندم) .. وعند الباب.. كان جمال عبدالناصر يحدد المهمة.. فيرد محمد نسيم بعبارة واحدة.. ثابتة.. (حاضر يافندم) .. لم يكن يسأل عن التفاصيل.. ولم يكن يسأل عن الامكانيات.. فقد تلقي الأمر.. وعليه التنفيذ.. (حاضر يافندم) .. كانت أول (حاضر) قالها لجمال عبدالناصر مباشرة في عام 1961 بعد الانفصال بين سوريا ومصر.. كان عليه السفر الى بيروت ليدير منطقة (المشرق العربي) من هناك.. وليواجه الآثار المترتبة على الانفصال وجمع ما تبعثر منها.. وبيروت كانت في ذلك الوقت محطة (ترانزيت) لمعظم أجهزة المخابرات.. وكان فندق (سان جورج) المكان المفضل لجواسيس الدنيا.. يحتسون القهوة السوداء ويديرون المؤامرات السوداء ضد زعيم كانت شعبيته في القمة.. والعداء له أيضا.. وكانت أولى العمليات التي وضعها في بيروت هي عملية اختطاف عبدالحميد السراج من سجن (المزة) أخطر السجون السورية وأكثرها إحكاما بعد أن قبض عليه قادة الانفصال بتهمة الايمان بجمال عبدالناصر والإعجاب به.. وقد تسلل محمد نسيم في ملابس أحد حراس السجن ودخل زنزانة عبدالحميد السراج ونجح في اخراجه حتى الأسوار ثم قفزا معا من ارتفاع كبير وسبحا ساعات طويلة حتى وصلا الى بر الأمان.. وبعد ساعات أخرى كان عبدالحميد السراج في بيروت.. وبعد أيام كان في القاهرة.. وقد عينه جمال عبدالناصر وزيرا للتأمينات الاجتماعية وكان مسئولا عن الأمن في سنوات الوحدة التي أعلنت في فبراير 1958. كانت الحرب السرية شرسة في بيروت.. خطف.. وقتل.. وشراء لذمة الصحف.. فحبر الكتابة كان يتلون هناك سياسيا حسب لون عملة (المصاري) ..

وكان لمصر صحافة.. وكان لخصومها صحافة.. لكن القتال لم يكن على الورق فقط.. كان في الحواري والأزقة المظلمة أيضا.. وقد عرف محمد نسيم من مصادره ان هناك خطة لخطف ابنه الأكبر هشام وكان عمره لايزيد على 7 سنوات ويدرس في المدرسة الالمانية.. فلم يتردد في أن يعيد أسرته التي كانت تعيش معه في بيروت الى القاهرة. وسرعان ما اكتشف محمد نسيم خطة أخرى لقتله بوضع شحنة ناسفة في ماسورة عادم السيارة.. لقد تعود الحرص في كل خطواته وتصرفاته.. كان يفحص أبواب بيته ومكتبه قبل ان يمسك بالمفتاح.. كان يتأمل ملامح الذين يقدمون له الطعام وينظر في عيونهم طويلا ليلتقط أي اضطراب أو توتر.. كان يفتش سيارته في كل مرة يركبها قبل ان يديرها.. وقد أنقذه ذلك من الموت منفجرا محترقا في سيارته.. ولم يكن هذا النوع من الموت معروفا في مصر.. لكنه كان سيمفونية يومية في لبنان.. فلبنان تعرف الموضة في كل شئ.. الثياب.. المجوهرات.. الأفكار السياسية.. وطرق وأساليب الموت. ولابد ان تصدق محمد نسيم وهو يروي لك كل هذه الروايات التي لاتراها إلا في الأفلام.. فهو رجل نذر حياته للخطر.. والخطر علم مثل الطب والصيدلة والصحافة والهندسة يمكن دراسته والتفوق فيه.. ولكنه مثل أي علم آخر يجب ان يكون الانسان موهوبا بالطبيعة في التعامل معه.. مستعدا لترويضه واستئناسه والسيطرة عليه.. لهذا لايصلح الشعراء والأدباء ضباط مخابرات.. فأعصابهم خيوط من زجاج يسهل كسرها.. وانفعالاتهم مثل عملة بلا غطاء ذهبي يسهل وقوعها.. وألسنتهم تسبق عقولهم.. يتكلمون ثم يفكرون.. لذلك فالندم رفيق مثل الظل لايفارقهم. ولو رأيت محمد نسيم فسوف تصاب بصدمة فورية.. فهو لايبدو مثل رجال المخابرات الذين تراهم في أفلام جيمس بوند.. فلا هو يغمز بعينه لكل من يراها.. ولا هو يتكلم في طبق الشوربة ليتصل بالقيادة.. إنه عملاق أسمر نحيف.. يبدو مثلك ومثلي.. هادئ.. قادر على التركيز والسيطرة على ما في عقله.. ويمكن ان تتصوره طيارا أو موظفا في بنك أو سائق شاحنة أو مدرس تاريخ في مدرسة ثانوية.. فالمخابرات ليست لعبة من ألعاب الكاوبوي.. إنها لعبة ذكاء وأعصاب.. لذلك فآخر تعريف للجواسيس ورجال المخابرات هو أنهم أصحاب قداسة في بطريركية العقل.. وإن كانت أدوارهم قد تغيرت.. انتقلت من السياسة إلى السلع.. ومن الحصول على المعلومات الى تحليلها. وفي بيروت كذلك.. كاد محمد نسيم يتعرض لعملية اختطاف من بيروت ليصبح رهينة في يد خصوم جمال عبدالناصر ويجبروه على ان يهاجمه في احدى الاذاعات المعادية لمصر في ذلك الوقت.. وكان المكلف بالعملية شابا مصريا يعيش على العداء لبلاده.. وقرر محمد نسيم ان يأكله على الافطار قبل ان يتناوله هو على العشاء.. فكان ان اختطفه.. ووضعه في طائرة حملته الى القاهرة.. لكن.. هذه كانت الصفحة الأولى في كراسة محمد نسيم.. الكلمة الأولى في الجملة الوطنية التي صاغتها حياته.. وأتصور ان باقي الأوراق والكلمات والحروف تستحق منا الانتظار.
مقال منقول

 
عودة
أعلى