مهمة خلف خطوط العدو كتبها / م . محمد عبد السميع

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,486
التفاعل
17,613 43 0
من سجلات المخابرات الحربية المصرية : مهمة خلف خطوط العدو

كتبها / م . محمد عبد السميع


( الفصل الاول )

في صباح يوم 6 أكتوبر .. استدعى المقدم صلاح رئيس عمليات كتيبة الاستطلاع.. الملازم أول نصر . وعندما ذهب إليه في خيمة القيادة كلفه بالمهمة التي سيقوم بها فى نفس اليوم .
كانت مهمة الملازم أول نصر هي عملية استطلاع لقوات العدو ..بعد دفعه إلى عمق سيناء بواسطة الابرارالجوى بطائرة هليكوبتر فى منطقة ما ...خلف خطوط العدو وإسقاطه فى مكان ما بصحراء سيناء جنوب العريش هو ومجموعته المكونة من ضابط الصف فني الاتصالات ويدعى جنيدي والمجند المدرب على عمليات الاستطلاع ويدعى عادل .
ولنتوقف هنا قليلا لنتعرف على الشابين.. جنيدي كالمارد. يملك جسدا قويا متناسقا طويلا كالمارد .. قويا كالوحش.. ومع ذلك فهو فى غاية الطيبة والحنان .. لا يكره أحدا سوى عدوه وعدو بلاده, أما عادل فكان على نقيضه, جسمه صغير.. ماكر نوعا ما .. يملك روحا مرحة .. يتعامل بها مع زميله جنيدى وكان الاثنان يكملان بعضهما ...
ففي إحدى المرات ضغط عادل بمكره وخبثه على جنيدي فاغتاظ الأخير ، وامسك بزراعه ولواها قليلا .. فصرخ عادل متألما ،وعندما شاهده جنيدي على هذه الحالة دمعت عيناه ورتب عليه بحنان .
ونعود ألان إلى ماكنا نسرده .. فقد كان خط السير هو إسقاط نصر ومجموعته خلف خطوط العدو فى مكان ما بصحراء سيناء جنوب العريش ومن مكان الإسقاط هذا كان عليهم أن يترجلوا لمسافة خمسين كيلومترا سيرا على الأقدام ... إلى أن يصلوا للموقع المحدد الاستطلاع منه ..كان هذا الموقع احد المحاور المهمة للعدو .. وكان عليهم ان يمكثوا به مدة ستة ايام .. يقومون خلالها بلابلاغ عن عدد قوات العدو فى هذه المنطقه وتحركاته ونوعية معداته ودرجة استعداده .. ثم ينسحبون الى نقطة الالتقاط المحدده لتلتقطهم الهليكوبتر والعودة بهم .

وبعد ان لقن نصر بالمهمة التى سيقوم بها هو ومجموعة استطلاعه .. اجتمع بجنيدى وعادل .. ولقنهما بالمهمة التى حددها له القائد وطلب منهما الاستعداد مع آخر ضوء فى نفس اليوم وهو 6 اكتوبر.. وكما قلنا ان احد لم يعلم ان الحرب ستكون بعد اقل من ساعتين وقبيل الظهر كان نصر ومجموعته على أتم الاستعداد للقيام بالمهمة .. فقد كانوا بالشده الكاملة .. ومعهم جهاز الاسلكى والمعدات التى يجب ان تكون مع فرد الاستطلاع .. وهى فى الغالب ماتزن خمسون كيلوجراما يحملها فردالاستطلاع على ظهره.. وايضا كان مع كل منهم تعينه الذى يكفيه لمدة ستة ايام .. وتعين الفرد من الطعام لليوم الواحد 750 جرام من الماكولات المعبأة فى انابيب تشبه انابيب معجون الاسنان .. وزمزمية مياه للفرد فى اليوم .. وايضا كلا منهم تسليحا شخصيا محرم عليهم استخدامه مهما تكن الظروف .. فمجموعات الاستطلاع لاتقاتل بالسلاح .. بل تقاتل بالعقل والتمويه والخداع ودقة الملاحظه ودقة الاختفاء .. وسرعة البلاغ .
وبعد الظهر بقليل .. وصلت السيارة التى ستنقل نصر ومجموعته الى المطار ليستقلوا الهليكوبتر والتى سوف تقوم بعملية اسقاطهم خلف خطوط العدو ..
ووصلت بهم السيارة الى ارض المطار .. فقد كانت هناك مفاجأة .. فقد سمعوا وسمع كل من معهم اصواتا مرعبه كانت لموجات من الطائرات المقاتلة تمرق فى السماء فى اتجاه الشرق .. وهنا فقط علموا ان الحرب بدأت ...
ومع ذلك لم تلغ العملية بل اصبحت واجبة التنفيذ اكثر من ذى قبل .. وتوالت موجات طائراتنا الى الشرق وكان لابد ان تنطلق الهليكوبتر بالمجموعة فى موعدها فانطلقت بين الطائرات المتجهة الى الشرق وبينما كانت طائراتنا المقاتلة تناور لمهاجمة قوات العدو كانت الهليكوبترالتى تقل نصر ومجموعته .. تناور حتى لاتصاب بطلقات العدو من الارض .. الى ان اقتربت الى اقرب مكان من النقطة المحددة للابرار واسقاط نصر ومجموعته بها .
اسرع نصر بالهبوط من الطائرة ومعه جنيدى وعادل وزحفوا على الارض ليبتعدوا عن مجال دورات مروحة الهليكوبتر التى اقلعت واخذت طريقها للغرب كان الظلام قد حل .. ولكن اضواء الاشتباكات على ضفتى القناه كانت واضحة حيث كان نصر ومجموعته مختفين فى مكان ما .. ليراجع الخريطة التى يحملها .. فوجد نفسه فى مكان يبعد عن المكان الذى كان من المفروض ان يسقط فيه بحوالى عشرين كيلو مترا .. معنى ذلك ان نصر سيسير فرق المسافة مضافا اليها خمسين كيلوا التى كان مقررا اصلا انه سيترجلها ليصل الى نقطة الملاحظه والاستطلاع المحددة له فى العملية ..
وبذلك اصبح على نصر ورفاقه السير سبعين كيلومتر حاملا كلا منهم شدته التى تزن خمسين كيلوجراما .
لم تكن تلك هى المشكلة فافراد الاستطلاع مدربون على قوة التحمل لقطع المسافات الطويلة سيرا على الاقدام .. بل المشكلة ان هذا التحرك اصبح الآن تحت ظروف الحرب . وليس كما كان سابقا .. وظروف الحرب تختلف كثيرا عن ماقبل الحرب ومع ذلك بدأ نصر ورفاقه المشوار بعد ان حقق هدفه على الخريطه.. وقطع فى هذه الليلة العشرين كيلو الاولى حتى وصل الى تلك النقطه التى كان مقررا ان يسقط فيها .. وكان اول ضوء بدأ يظهر.. فعمل هو ومن معه بأدوات الحفر الصغيرة التى كانت ضمن حمولتهم . وحفروا اماكن تحت الارض ليختفوا فيها طوال نهار ذلك ذلك اليوم 7 اكتوبر .
من هذا المكان وفى ضوء النهار بدأ نصر يتعرف على المكان حوله ومقارنته على الطبيعة بما هو لديه فى الخريطه . وعندما قرأ نصرالارض حوله ، وهو فى مكان اختفائه وجد انه يجب أن يغير زاوية خط السير الموضوعة له على الخريطه وذلك من اجل ان يتحاشى قوات العدو التى من الممكن ان تكشفه هو ومجموعته .. وانقضى نهار يوم 7 اكتوبر ونصر ومجموعته فى الخنادق تحت الارض كل فى خندقه لايتحرك تقريبا حتى لايشاهده العدو الذى كان كثيرا مايمر بالقرب منهم ومن المحتمل ان تمر عرباتهم فوقهم لولا انهم كانو يختارون أماكن لو مر العدو بقربها فانه سيضطر للانحراف عنها فكانوا يسيرون بين مجموعة صخور او كودى عشب واعتقد انه لايستهان بان يقضى انسان او شاب فى عز حيويته مدة اثنتى عشرة ساعة من اول ضوء الى آخر ضوء فى حفرة تحت الارض بالكاد تكفى جسده وبدون حراك وفى صمت .. خاصه جنيدى فمن اجل جسده الضخم كان تعبه أكثر منهما لانه كان مضطر لان يحفر حفرة اكبربكثير من حفرتيهما ,, وايضا لم يدعه تلك(السوسة) عادل فى حاله .. فقد كان يسلى نفسه طوال النهار بمعاكسة جنيدى بالقاء الحصى الى حفرته .. كلما عرف انه نائم .. كل ذلك وهم مدفونون فى الحفر إلى أن انقضى النهار .. وحل آخر ضوء ..
وخرج الثلاثة نصر , وجنيدى , وعادل من حفرهم .. ثم استأنفوا السير على الزاوية الجديدة التى حددها نصر .. حيث قطعوا مسافة تقترب من الأربعين كيلومترا على مدى ثماني ساعات دون توقف أو راحة.. فقد كانو يسيرون بسرعة 5 كيلو متر فى الساعة لكى يتمكنوا من الوصول الى جبل معين موجود فى خط السير قبل حلول اول ضوء ..وبعد قطع هذه المسافة توقف نصر ومجموعته وبدأ يقرأ الارض حوله فى ظلام الليل .. فشاهد على بعد خمسة كيلو مترات شيئا ما اسود ضخم .. فعرف انه ذلك الجبل الذى يقصده ..
وكان هذا الجبل يقع فى منطقه تسمى ( تمادا ) ..وعلى حسب خط السير الموضوع اصلا كان المفروض ان يلتف ليصل الى حضن الجبل من الناحية الاخرى .. لاحظ نصر ان اول ضوء بدأ يقترب ..وحسب المسافه مع الزمن فوجد انه لو سار على خط السير , والتف حول الجبل لادركه اول ضوء.. فكان عليه ان يختصر الطريق ليكسب وقتا .. فقرر ان يسير فى خط مستقيم الى الجبل مباشرة .. وفعلا استأنف السير هو ومجموعته وعندما اقتربوا من الجبل اكتشف انه محاط بكردون من الاسلاك الشائكة .. فوجئ نصر بذلك السلك الشائك .. وأصبح عليه ان يتخذ قرارا من اثنين .. اما ان يلتف حول السلك الشائك ليصل الى المكان المقصود وفى ذلك مضيعة للوقت الذى اصبح عاملا مهما فقد اقترب ظهور اول ضوء .. وايضا فان اى التفاف حول السلك سيبعد المجموعه عن الجبل .. اما القرار الثانى فهو اختراق السلك مباشرة .. لم يكن امام نصر سوى الاختيار الثانى رغم مابه من مخاطرة .
اخترق نصر السلك الشائك , وسار بمجموعته فى خط مستقيم حتى وصل الى الجبل .. وهنا كان عليه اولا اخفاء اى آثار اقدام لهم .. فقام جنيدى وعادل بذلك بمساعدته .. حيث كان يتم باسلوب علمى متقن مدربين عليه .. حتى انهم كانوا يرتبون الظلط الذى تحرك من مكانه نتيجة دهس اقدامهم .. وذلك لان قصاصى الاثر يلاحظون بما يسمى درجة الاستضاءة .. ويكتشفون الاثر عن طريق اكتشاف اختلاف فى درجة الاستضاءة نتيجة تحرك الظلط من مكانه ومعنى درجة الاستضاءة هى ان كل نوع من الارض له انعكاساته فالارض الملساء درجة استضاءتها اكبر من الارض الخشنه .. فاذا نظر قصاص الاثر الى الارض ووجد انسجاما فى انعكاس الضوء او درجة استضاءته فان ذلك يدل على ان احدا داس تلك الارض.. وعليه كان على نصر ورجاله ان يعيدوا ترتيب حبات الظلط بعد المرور عليها تفاديا لترك مايسمى بدرجة الاستضاءة ولنا ان نتصور مدى صعوبة ذلك , ومدى الجهد الذى ان يبذل حتى لاتنكشف الجماعة للعدو .
خلع نصر الشده التى كان يحملها فوق ظهره وكان وزنها 50 كيلوجرام وبدأ السير الى الجبل .. ولكن بعد خطوات وجد نفسه فاقد الاحساس بنصفه السفلى كله .. وفجأة فقد اتزانه ووقع على الارض فأسرع اليه جنيدى وعادل .. وهما مفزوعان عليه .. وساعداه لينهض ووقف ثم سقط منهما مرة اخرى .. فطلب منهما ان يحضرا له الشده الخاصة به التى خلعها من على ظهره وطلب مساعدتيهما فى وضعها على ظهره مرة اخرى وربطها .. وبعد ان اتم ذلك .. حاول نصر النهوض فنهض .. حاول السير لعدة خطوات فلم يقع .
ان الدرس المستفاد مما قبله وممن دربوه افادته وقت الشدة .. فمن الدروس المستفادة من معلميه ومدربيه عرف نصر بعد تفكير سبب ماحدث له لقد سار مترجلا حاملا على ظهره حمولة 50 كيلو جرام كل تلك المسافه المقدرة ب 40 كيلو مترا .. فكان من الطبيعى عند نزعها ان يشعر بهذا الخلل فى الاتزان .. وعندما حملها مرة اخرى عاد الى اتزانه وبدا السير للبحث عن مكان للاختفاء فيه وكان مازال الظلام يسود المكان .
بحث نصر وجنيدى وعادل عن أى فجوة ليحاولوا الاختفاء فيها وشاهد جنيدى فى الظلام فجوة صغيرة فاقترب منها .. ففوجئ باندفاع شئ من داخلها وأصبح خارجها وفى مواجهته .. بهت جنيدى .. وبهت ايضا عادل ونصر .. وهما يشاهدان جنيدى يواجه هذا الذئب ..
ظلت المعركة بين جنيدى وذلك الذئب لمده خالها نصر وعادل كأنها الدهر .. كان فيها جنيدى يحاول ان يمسك الذئب من رقبته والذئب يعافر ليقضى عليه .. الى ان تمكن جنيدى من الرقبه وظل يقبض عليها بقوة وهو على الارض وجسم الذئب فوقه يتحرك بهستيرية ليخلص رقبته من تلك الضغطه المميته .. واخيرا ضعفت حركة جسم الذئب قليلا ثم سكنت تماما .. فقد قضى جنيدى على الذئب .
اسرع الاثنان الى جنيدى ليطمئنا عليه .. وحاولا مساعدته ليقوم .. ولكنه قفز ناهضا وهو يتشاجر مع عادل .. معاتبا له على التهور الذى كان سيقوم به باطلاق النار على الذئب .. فقد كان على حد تعبير جنيدى " كان هيوديهم فى داهيه " بعد ان يكتشف العدو مكانهما .. وانفعل عادل عليه .. وصرخ فيه يعنى الحق عليا أنى خفت عليك من الديب ..
وانفعل الاثنان على بعضهما بصوت وشوشه .. ثم فجأه توقفا واحتضنا بعضهما .. وأثناء احتضانهما لبعض .. خرج من تلك الفجوة شيئان صغيران يتحركان .. كانا ذئبين صغيرين.. هما ابنا أنثى الذئب التي قتلها جنيدي .. وصارا يلعقان جثة أمهما ..ويحاولان الوصول إلى ثديها للرضاعة .. وكان الثلاثة ينظرون إلى هذا المشهد وفجأة انهار جنيدي حزينا .. فقد صعب عليه الذئبين الصغيرين الذي تسبب في يتمهما .. ولم يتوقف حزنه الا بعد ان سمح له نصر باخذهما معه ورعايته لهما قدر المستطاع ..
امر نصر جنيدى ان يوارى جسد الذئب القتيل التراب بعد حفر حفرة له ..وفعلا قام بذلك وحمل الصغيرين كطفلين معه.. وساروا يبحثون عن مكان للاختفاء .. فعثروا على صخرة فى الجبل ترتفع عن الارض بمقدار 20 سم فبدأ نصر ورفاقه فى ازالة بعض الرمال بواسطة جاروف صغير معهم بجوار هذه الصخرة الى ان اصبح هناك مكان يستطيع ان يدخل فيه الثلاثه منبطحين على بطونهم تحت هذه الصخرة قبل سطوع اول ضوء ..
كان الثلاثه قد وصلوا الى اقصى درجه من الارهاق .. فما كادوا ينبطحون ارضا على وجوههم الا وقد غلبهم النعاس عدا جنيدى لم يستسلم للنوم الابعد ان اطعم طفليه ببعض طعامه ومائه.. ثم استسلم للنوم ومعه الذئبين الصغيرين ... ذهب الثلاثة فى نوم عميق ولم يوقظهم منه سوى اشعة شمس اول النهار التى سقطت عليهم .. وعندما فتح نصر عينه كانت المفاجأة المفزعة ...
وقع نظر نصر عندما استيقظ على شدة ميدان عسكريه على بعد امتار من الصخرة التى هم تحتها فأيقظ عادل وجنيدى .. فقد اعتقد لاول وهلة ان احدهما خلع شدته ووضعها فى هذا المكان .. وكان فزعه انها ظاهرة بعد ان سقط ضوء النهار . ولكن اتضح انها لاتخص احدا منهما .. وبعد ان زحف نصر بهدوء واقترب منها اتضح انها شدة عسكرية لجندى اسرائيلى وبسبب الظلام لم يشاهدها احدهم عندما وصلوا لهذا المكان .. وهنا بدأ نصر ينظر حوله لمعاينة المكان وللتعرف عليه فى ضوء النهار .. بدأ ينظر فى بانوراما .. وفى لحظات تعرف على المكان وكانت المفاجأة .. لقد وجد نصر نفسه فى وسط قلب معسكر لواء مدرع اسرائيلى ..
فسر نصر سريعا ماحدث .. فعند اختراقه للسلك الشائك كان هذا الاختراق من ناحية ارض التدريب الخاصة بهذا المعسكر .. اما تلك الصخرة التى هم تحتها فقد اتضح له بعد الرؤيا النهارية انها كانت من بروز الجبل المطل على أرض المعسكر نفسه.. وباختصار فقد اصبحت مجموعة استطلاعنا بافرادها الثلاثة فى احشاء العدو من الداخل ..
ومن مكانه استطاع نصر أن يميز الدبابات في خنادقها مغطاه بالشباك فبدأ يقوم بعدها واتضح انها لواء مدرع بالكامل ..وكانت تلك اول معلومة ثمينة يحصل عليها من هذا المكان .. واستكمل نصر البانوراما .. فشاهد من الجانب الآخر مطارا لطائرات العدو .. ايضا وجد ان مكانه هذا يشرف على ثلاثة محاور محورا رئيسيان ومحور عرضى يصل بينهما ..
والمحور هو الطريق الرئيسى الذى تتحرك عليه الآليات .. وكانت هذه المحاور تصل الى عمق الاراضى الفلسطينية المحتلة وتعبر سيناء الى قناة السويس .. وكان العدو يتحرك على هذه المحاور ليدفع بقواته الى ارض القتال بالقرب من القناه .. عندما استكمل نصر معاينته للمنطقة .. كان لابد من الابلاغ عن ذلك الكنز الثمين من المعلومات
هنا وجد نصر نفسه فى مأزق .. فلكى يبلغ عن تلك المعلومات فانه يجب ان يستخدم جهاز اللاسيلكى الذى معه .. ولكى يستخدم الجهاز فانه لابد ان يفرد الهوائى الخاص به .. ولكى يقوم بذلك لابد ان يتقدم للامام خارج الصخرة المختقى فيها لمسافة 15 مترا على الاقل .. واذا فعل ذلك فانه من المؤكد ان العدو سوف يرى هذا الهوائى .. وبالتالى يكشف امرهم .
وبسرعة وبلا تردد فكر نصر .. انه مكلف بمهمة وعليه ان يؤديها وهاهو صيد ثمين امامه اذا تركه سيشكل قوة ضاربه للعدو تهدد قواتنا بعد دفعه الى خط القتال اذن فلابد من الابلاغ عنه فورا .. ايضا ماشجعه على اتخاذ قراره انه موجود حاليا فى مكان الخطورة فيه اكثر من الامان.. فهو بداخل فم العدو .. واحتمال كشف العدو له ولمجموعته اكبر بكثير من عدم كشفهم .. فالكشف وارد أكثر .. والنهاية شبه مؤكدة فيجب أن يستفيد بالإبلاغ عن ذلك الكنز من المعلومات . فتدمير ذلك اللواء المدرع يعتبر ثمنا مناسبا لارواحهم الثلاثة .. وكان عليه ان يغامر .. وعليه ان تكون المغامرة محسوبه ..
وبدأ نصر .. امسك ببكرة سلك الهوائى وزحف بها على الارض خارج مخبأه لمسافة 15 مترا وأصبح فى المكان المكشوف للعدو .. وبدأ يفرد السلك بحيث يصبح طرفا منه فى اتجاه الشمال وغرزه فى الارض .. وزحف بالطرف الآخر فى اتجاه الجنوب وغرزه فى الارض .. وعاد زاحفا فى داخل الحفرة . . قام نصر باخراج بلوك نوت صغير وقلم من داخل شدته وقام بصياغة المعلومات التى شاهدها بدقه وباختصار .. وسلم هذا التقرير للعريف جنيدى فنى الاتصال والذى كان منهمكا فى ارضاع طفليه كما كان يطلق عليهما عادل ...
وترك جنيدي الذئبين الصغيرين وامسك جداول الكود واختار الشفرة وشفرة المعلومات .. وانطلقت تلك الرسالة المشفرة حاملة تقرير معلومات كاملا ومفصلا عن ذلك الكنز الثمين إلى القيادة... واطمأن نصر على وصول رسالته من رد القيادة عليه بالاستلام ..
بعد ذلك .. بدأ نصر تجهيز المكان من ناحية دقة الاختفاء.. فقد قرر التمركز فى هذا الموقع الحيوى الممتلئ بالمعلومات المتجددة فهو يعتبر منطقة تجمع لقوات العدو والانطلاق منها الى الجبهه للقتال .
بعد ظهر ذلك اليوم .. بدأت الدبابات تدير محركاتها للتسخين استعدادا للتحرك للجبهه وبعد ان اصطفت فى قول متحرك .. اذا بنصر وافراده يسمعون اصواتا مرعبه .. وعندما نظروا الى السماء شاهدوا طائراتنا تناور فوق الموقع وانقضت احداها على اول مدرعة فى القول .. وفى نفس اللحظه كانت اخرى تنقض على آخر مدرعة فى القول ..
وبعد ذلك بدأت طائراتنا تناور وترشق مدرعة وأخرى بالصواريخ.. وحدث هرج ومرج فى الموقع وصارت الدبابات تهرب من الضرب بشكل عشوائى لدرجة انها كانت تصطدم ببعضها .. وظهر ارتباك العدو جليا لنصر ومجموعته حيث كان يوالى الاتصال بقيادته لابلاغهم بنجاح الضربه ..
وماكانت تبتعد هذه الموجه من طائراتنا .. الا ولحقت بها موجه اخرى ركزت ضربتها على مخازن الذخيرة ومنطقة الشئون الادارية..
كان نصر يبلغ القيادة اولا باول بنجاح الضرب ويوجهها الى اهداف اخرى ..وكانت الاتصالات سريعة وكثيرة فارسلت له القيادة امرا له بعدم استخدام الكود والشفرة ولتصبح الاتصالات والرسائل مفتوحة .. وذلك لانجاز السرعة فى تبادل الاشارات اكتفت طائراتنا بما قامت به وعادت الى قواعدها ..
وبدأ العدو يجمع اشلاءه من الافراد وخسائرة من المعدات .. ودخل ماتبقى من الدبابات الى خنادق اخفائها واسدلت عليها الستائر .. وكان نصر ورفاقه سعداء برؤيتهم لسيارات الاطفاء وسيارات الاسعاف وهى تخلى القتلى والجرحى من افراد العدو.
ظن نصر انه وجماعته قد انتهوا من المهمه التى كلفوا بها باسرع مما قدر لها وهى مدة سته ايام .. فقد اعتقد انه ارسل الى هذا الموقع لذلك الواجب فقط وعندما مر يوم آخر ولم تصله اشارة الانسحاب والتحرك الى الموقع الذى سيلتقطون منه.. ارسل هو اشارة متسائلا .. وكان رد القيادة ان ينتظر ويتابع تصرفات العدو فى ذلك المعسكر وتلك المنطقه.. وانتظر نصر وعرف بعد ذلك ان القيادة كانت لها مبررها فى تاخير عودتهم .. فقد بدأ العدو بنشاط غريب فى اعادة تجهيز المعسكر واصلاح مادمر منه .. وفكر نصر فوجد العدو لن يستغنى فعلا عن هذا الموقع الحيوى فهو متصل بثلاثة محاور للحركة وملحق به مطار يستخدمه فى طلعاته وابلغ نصر بما يشاهده .. وظل متصلا بالقيادة الى ان انتهى العدو من اعادة تجهيز الموقع . فأبلغ بذلك.. وبعد ظهر نفس اليوم شاهد نصر تحركات نشيطة للعدو . ثم شاهد المدرعات وهى تخرج من اماكن اختفائها وتصطف فى أرض المعسكر استعدادا للحركة .. فأبلغ فورا بالوضع
وفجأة سمع صوت طائرات فى الجو فشاهد محاولة الدبابات الهروب بسرعة وتفزع من ارض المعسكر الى خنادقها .. ومن الذعر صارت ايضا تصطدم ببعها البعض . ومرت الطائرات ولم يحدث شيئ .. فقد اتضح ان هذه الطائرات للعدو
ويبدوا ان العدو اكتشف ان خوفه ليس له مبرر فالطائرات التى مرت كانت طائراته فعادت وخرجت مدرعاته مرة اخرى من مخابئها .. واصطفت فى قول للتحرك .. وهنا سمع صوت طيران وهذه المرة لم يفزع العدو ولم تتحرك مدرعاته من ارض المعسكر فقد اعتقد انها طائراته ايضا .. وفجأة اشتعلت النيران فى الدبابات فقد كانت الطائرات مصرية هاجمت اللواء واحدثت فيه الذعر مرة اخرى وكانت الضحايا كثير .
فظن العدو ان احدا يتجسس على تلك المنطقه.. فخرجت مجموعات منه لتنشيط المنطقه المحيطة بالمعسكر ...

يتبع
 
( الفصل الثانى )


فطن العدو ان هناك من يتجسس على تلك المنطقة .. فخرجت مجموعات منه لتمشيط القطاع المحيط بالمعسكر بحثا عن رجالنا .. وشاهد نصر ذلك وعرف انهم يبحثون عنهم .. واقترح عليه زميلاه ان يسرعا بترك ذلك الموقع .. ولكن نصر رفض ..وكانت وجهة نظره انهم بداخل المعسكر فعلا .. ولايمكن ان يتصور العدو ولن يتخيل ان الكوماندوز المصريين يقطنون معه فى نفس مكانه .
وفعلا عادت مجموعات العدو بعد ساعات وبعد ان مشطت المنطقة المحيطة بالمكان ولكنها لم تقترب من مكان ابطالنا الثلاثة ... شعر نصر ان مدة الوجود خلف خطوط العدو قد تطول .. فبدأ يقتصد فى الماء والتعيين الذى معهم ..استمر وضع نصر وجماعته على هذا الحال حتى يوم 23اكتوبر اى لمدة 17 يوما فى هذا الموقع .. وكانوا يتحركون منه للاستطلاع ثم يعودون للابلاغ .. وهدأ الموقف الحربى بيننا وبين العدو نوعا ما .. وذلك بعد وقف اطلاق النار ..
واكتشف نصر انه لم يبق معه من التعيين مايكفى ليوم واحد وزمزمية مياه واحدة ولم يكن نصر يريد ان يشغل قيادته اكثر مما هى فيه او خوفا ان يطلبوا منهم العودة .. فقد كان نصر ومجموعته متلذذين بعملهم من هذا الموقع الحيوى .. فهم داخل احشاء العدو ويضربونه من داخله وهو لايعلم عن وجودهم فى بطنه .
وطالت المدة وقل التعيين والماء .. لم يصبح لديهم سوى علبة سردين واحدة وزمزمية مياه وحيدة ولم يغب عن القيادة فى مصر ان نصر ومجموعته قد نفذ منهم التعيين والماء رغم انه لم يشك من ذلك .. ولكن الان اصبح الموقف حرجا فاضطر نصر ان يبلغ القيادة بما هم عليه الان .. وكان رد القياده عليه بان يتوجه الى مكان آخر حددته له ..وقيل له انه سيجد به بئر ماء وسيجد هناك التعيين ايضا .
لم يكن نصر يعلم بان الثغرة قد حدثت وضغطت على ميزان النصر قليلا ..فكان من المتعذر دفع احد من الارض ليلتقى بنصر ويسلم له مايحتاجه .. فتح نصر خريطته ليحدد الاحداثيات لهذا المكان الذى ابلغ ان به بئرا.. ففوجئ ان هذا البئر فى منطقه يطلق عليها " جبل الحسنه " وان مكانه بمدخل ممر متلا فى اتجاه الشرق وانه يبعد مسافة 50 كيلومترا على الخريطة ويلزم للوصول اليه مناورة التفاف حول الجبل يبلغ طولها حوالى 20 كيلو مترا .. معنى ذلك ان ذلك المكان المطلوب الذهاب اليه يلزمه مسيره 70 كيلو مترا على الاقدام .. وترجمة هذه المسافه بالزمن هى من يومين الى ثلاثة ايام بلياليها ..مع اعتبار ان نصر ورفاقه اصبحوا الآن فى حالة من الضعف بسبب نقص الغذاء ..
وكان الاخطر من طول المسافة ان تلك الارض التى من المفترض التحرك عليها ارض خطيرة على رجال الاستطلاع خلف الخطوط .. فهى ارض مسطحة تماما ليس بها اى سواتر للاختفاء فيها .. بل الاكثر انها بجوار تحركات العدو التى لاتبعد عن تلك الارض اكثر من عشرة كيلو مترات .. وعملية الاختفاء فى مثل تلك الارض من المستحيل فكان لابد ان يكون التحرك ليلا فقط مع ضرورة اخفاء الاثر ولمسافة سبعين كلم ..
وبدأ نصر وفرداه رحلته الى تلك البئر المنشودة .. وكان من الضروري قبل ترك هذا المكان إخفاء اى اثر يدل على انهم كانوا بهذا الموقع .. خصوصا ما يطلقون عليه درجة الاستضاءة فكانوا يعملون حسابا للظلط الذى تطؤه أقدامهم خوفا مما يطلق عليه درجة الاستضاءة .. بعد ذلك تاتى المرحله الثانية من الرحلة .. وهى مرحلة المناورة والالتفاف حول الجبل ليتمكن من الخروج من موقعه الذى كان تقريبا بداخل معسكر العدو .. وهذه المرة لايمكن اختراق السلك كما حدث فى الدخول ..
فقد توقف اطلاق النار وتوقفت حالة الحرب واصبح العدو لديه القدرة اكثر على التركيز .. وكان على نصر ان يناور فيصعد فى اتجاه قمة الجبل .. ثم الاتجاه شرقا بعيدا لمسافة 15 كيلومترا ..ثم جنوبا لنفس المسافة وذلك للبعد تماما عن المعسكر .. كانت حالة نصر ورجاله فى تلك الرحلة ليست كحالتهم الاولى فمن المؤكد ان نقص الغذاء والماء قد اثر على قواهم وكان جنيدى اكثر معاناه منهما فقد اثر نقص الغذاء على طفليه الذئبين وكان الضمور يظهر عليهما .. فخشى عليهما من الموت .. ولكنه كان يخشى عليهما اكثر من عادل .. فقد كان الاخير من آن لآخر ينظر اليهما بشراهة فكان جنيدى يسرع باخفائهما عنه فى شدة الميدان التى يحملها على ظهره
لم تكن قوى افراد تلك المجموعة فقط هى التى تأثرت بل حدث ما اثر على معنوياتهم فقد بدأ نصر يلاحظ تغيرا فى حال قوات العدو .. فبعد الهلع الذى كانت مصابه به تلك القوات فى الاسبوعين السابقين .. لاحظ على العدو هدوءا فى تصرفاته .. والأكثر بدأ يعرف ان العدو قد مد بالمعدات الجديدة وذلك من طائراته التى يدل صوت محركها على انها طائرات جديدة ..
ايضا لاحظ تدفق قوات العدو من الشرق الى الغرب .. عكس ماكان يحدث فقد كان ارتداد قواته فى الاتجاه المعاكس اكثر كثيرا من تقدمه الحالى .. بدأت الوساوس تلعب فى صدر نصر .. فقام بتحويل جهاز الاسلكى وتوليفه على الاذاعه ولو ان ذلك ممنوع .. فسمعوا اخبار الثغرة .. فأثر ذلك على معنوياتهم بالسلب ..
ولكن سريعا ما أصبح تأثيره بالايجاب .. فما حدث يحتاج منهم مجهودا أكثر ليساعدوا قواتهم على المقاومة وليمنعوا تدفق قوات العدو على الغرب . بالابلاغ على تدفق قواته لتضرب قبل وصولها فأكملوا المناورة سريعا ودخل نصر ورجاله الوادى وقطعا فى تلك الليلة حوالى 20 كلم .. وعندما اقترب اول ضوء كان لابد لهم من الاختفاء تماما .. فدفنوا أنفسهم تماما تحت سطح الارض ومكثوا فى هذا الوضع المؤلم وتحت تلك الشمس المحرقه طوال النهار ولكن فى نفس الوقت كانوا على اتصال دائم بالقيادة والابلاغ عن كل تحركات العدو التى كانوا يشاهدونها من مكان اختفائهم ..
ومضى نهار ذلك اليوم وهو اليوم 18 وبعد آخر ضوء خرج كلا منهم من حفرته وقاموا بازالة القرائن الداله على وجودهم فى هذا المكان ولكن كان قد حدث تغير فى حالتهم الصحية بسبب نقص الغذاء والماء .. فبدأت تظهر عليهم اعراض غريبة.. فقد جفت السنتهم لدرجة انها تحولت الى قطعة جافه بارزة خارج الفم .. ولايستطيعون ادخالها لتخشبها .. لدرجة انهم كان يصعب عليهم الحديث .. فكان كلا منهم ينقط عددا من نقط المياه المتبقية معهم على اللسان .. ثم يدفعه بيده ليدخل داخل فمه .. ايضا شعروا بتلاشى قواهم .. فقد تلاشت الاملاح من اجسادهم فكانوا يلعقون عرقهم ويستمتعون بطعمه الذى به نوع من الاملاح .. ومع كل تلك المعاناه الى ان جنيدى ظل حريصا على الذئبين .. خصوصا من عادل .. فقد استبد من الاخير الجوع جدا .. ولم يكتفى الان بالنظر بشراهه لهما .. بل تحدث مع جنيدى عن الاستغناء عن احدهما وحاول ان يقنعه بأنهما سيموتان من الجوع .. وقبلهم سيموت الذئبان لانهما يعانيان من نفس معانتهما .. فبدلا من ان يموتوا .. فليزبحوهما ويأكلوهما ليتمكنوا من مواصلة مهمتهم .. فالوطن اهم من الحيوانين ولكن ابدا لم يوافقه جنيدى على ذلك وجاء آخر ضوء وبدأ نصر ورفاقه التحرك وقطعا تلك الليلة 25 كلم وقبيل اول ضوء .. بدأ نصر ورفاقه عملية الاختفاء .. فكان لابد وان يحفروا لانفسهم حفرا يرقدون فيها ولكن كانت قواهم قد خارت تماما وبالكاد حفر كل منهم حفرة لايزيد عمقها عن النصف متر . واستلقى كل منهم فى حفرته بعد ان غطى نفسه والحفرة بفروع الاشجار . وسنحت الفرصة لعادل .. فقد غفل جنيدى قليلا فى حفرته ..
وتسرب احد الذئبين الصغيريين وخرج من الحفرة التى كانت على عمق قليل ويشاء حظه العاثر أن يقترب من حفرة عادل الذي كان ينظر إلى السماء راجيا من الله المعونة .. وفجأة وجد الذئب الصغير يقف فوق حفرته .. وبسرعة اختطفه وأمسك به .
وقبيل أول ضوء .. شم نصر مايشبه رائحة الشواء وتعجب لذلك .. فرفع صوته قليلا " حد شامم ريحة حاجة " فرد عليه جنيدى لا يافندم سيادتك عارف انى مبشمش .. ولكن نصر لم يسمع صوت عادل فرد عليه عادل " ريحة زى ايه يعنى " فرد نصر ريحة حاجة بتتشوى .. حاجة زى الكباب يعنى .. وهنا صرخ جنيدى " ينهار اسود " وانتفض بلا مبالاه من حفرته صارخا مندفعا الى حفرة عادل ..
ولولا ستر الله فقد كان آخر ضوء قد حل وأظلمت الدنيا , لكان العدو قد كشفه واسرع نصر الى حفرة عادل .. تمكن نصر بصعوبة من ان يبعد جنيدى من فوق عادل .. الذى كان ممسكا بقطع الشواء ويقدمها لهم .. فلم يأكل منها شيئا بمفرده .. وجلس الثلاثة وكان نصر وعادل يحاولان ايقاف جنيدى من البكاء .. فقد كان منهارا فى اثناء مضغه لنصيبه من لحم ذئبه الصغير .
أعاد لحم الذئب الصغير بعض القوة الى نصر وجنيدى وعادل .. اللذين ظلا شبه متخاصمين .. حتى بعد ان أكل جنيدى من لحم ذئبه فقد امتنع عن الكلام مع عادل الا فيما يخص العمل فقط .. اما عادل فانه كان طوال رحلة السير فى هذه الليلة يحاول ان يسترضيه ولكن جنيدى ظل على موقفه .
كان على نصر ان يركز تماما أثناء سيرة على البوصلة .. فالارض الذى يسير فيها ارض مسطحة ليس بها اى علامات مميزة ترشده على صحة خط سيره .. فلو انحرف نصر مقدار ديسى واحد فقط فترجمه ذلك على الارض هى مائة متر فى كل كيلوأرض ومعنى ذلك ايضا فى النهاية ممكن ان يحرف نصر وجماعته عن مكان البئر فى نهاية المشوار حوالى اثنين كيلومتر .. وعليه فلن يصل اليه ابدا فكل الارض ليس بها أى نقط مراجعة يراجع عليها نفسه فى الخريطة او الى عوامل مميزة للاسترشاد بها .. يضاف الى ذلك أن العدو دائم التحرك طوال الليل على جانبى خط السير مضيئا بكشافات عرباته ومدرعاته فيضطر نصر الى سرعة الانحراف على خط سيره يمينا ويسارا ليختفى عن زوايا الاضاءة حتى يهرب منها ثم يحاول العودة مرة أخرى لخط سيرة ..
وقبل ظهور أول ضوء وهو قبل الشروق بساعة تقريبا ..وعلى البعد شاهد نصر أويخيل له انه يشاهد شيئا ما يشبه " السبية " .. وعندما نظر فى نظارة الميدان تأكد أن مايشاهده هى سبية فعلا .. ولم يكن نصر يتوقع ان يصل الى البئر بمثل هذه الدقه بعد كل الانحرافات التى قام بها ليختفى عن العدو .. لكن هاهو امام تلك البئر وها هى تلك السبية منصوبة عليه وبكرة تتدلى منها حبل وبفرحة بدأ نصر يشد ذلك الحبل وهو يأمل ان يكون فى آخرها جردل او صفيحة ممتلئة بالماء .. ولكن ابدا لم يتجاوب الحبل معه ورفض التحرك .. وتقدم جنيدى وعادل وتجمع الثلاثة بكل ماتبقى لديهم من القوة ولكن ابدا لم يتحرك معهم الحبل ..
نظر نصر حوله بيأس فوقع نظرة على نصف جركل مقطوع وبه بعض الماء فأمسك بزمزمية وبحرص نقل الماء الذى بالجركل الى الزمزمية فامتلأت لنصفها وكان جنيدى وعادل واقفين منتظرين بكل لهفة شربة من هذا الماء فملأ نصر غطاء الزمزمية وسلمه لجنيدى أولا وطلب منه أن يشرب ثلث الغطاء وشدد عليه الآ يتجاوزه .. امسكه جنيدى وقربه من فمه وبمجرد ان لامست شفتيه الماء اسرع بابعاد الغطاء عنه .. وتعجب نصر فهو لم يرتشف سوى رشفة صغيرة بالكاد بللت شفتيه .. سلم جنيدى الغطاء الى عادل وبعيونه نظرة تشف . وأمسك عادل بالغطاء وهو متعجب من اكتفاء جنيدى بتلك الرشفة الصغيرة .. وعندما وضع الغطاء على فمه وأخذ الرشفه الاولى توقف وهو ينظر بغيظ الى جنيدى .. وأمسك نصر بالغطاء وشكرهما على اقتصادهما فى الماء وبدأ هو يأخذ رشفته وسرعان ماتوقف هو الآخر .. فقد كانت تلك الميه لها رائحة تكره معها نفسك وأنت تشرب منها . ومع ذلك شعر نصر بالسعادة بهذه المياه .. فبها أصبح غير محتاج الى ان ينبه عليهم بالاقتصاد فى الشرب فكان ايا منهم يضع على فمه غطاء الزمزمية وسرعان مايبعدها ويكتفى بأن يأخذ نقطة منها فقط لتبقيه على قيد الحياه ..
لم يكن نصر اقوى من فرديه .. فلقد انهارت قواه تماما وامتلأ قلبه باليأس مثلهما ولكنه تذكر انه القائد وأنه المسئول عن حياتهما وأنه لابد ان يستميت فى محاولة اعادة الامل وحب الحياة فيهما فبدأ يعمل على تقوية دافعهما .. وعندما بدأ يتكلم عن الوطن والوطنية لم يتمالك عادل ذلك الشاب المرح نفسه من الصراخ غاضبا معاتبا القيادة التى ارسلتهم فى مهمة سته ايام فتركوهم كل هذه المدة ولم يحاولوا حتى انقاذهم .. وانضم له جنيدى ايضا ..
سمع منهما ذلك وهو صامت .. وبعد ان انتهيا من تفريغ تلك الشحنه التى كانت بداخلهما توقفا .. وانتظر ثورته عليهما .. ولكنه لم يفعل .. وبهدوء ذكرهم انهم من الفرقة الانتحارية المعروف عنها ان الموت فيها هو الاساس .. والحياه هى الاستثناء ذكرهم ايضا انهم رجال عاهدوا الله والوطن على الموت فى سبيله.. انه الموت قادما لامحالة .. فلنعمل لآخر نفس على القضاء على اكبر عدد من الاعداء .
ووقف نصر وحمل سلاحه وقال انا شخصيا سأستمر ولن استسلم.. وترك لهم حرية الاختيار فاما الاستسلام أو الكفاح من أجل الوطن والحياة .. وتركهم واستأنف سيره دون ان ينظر خلفه .. فنظر الاثنان لبعضهما وفجأة نهضا وبنشاط اسرعا خلف قائدهما الى ان لحقا به .. واستمر الثلاثة فى السير .. فقد كان لابد من الابتعاد عن مكان البئر قبل ظهور اول ضوء ..
وبدأت بوادر اول ضوء .. وكان لابد لهم من التوقف .. وتجهيز حفر فى تلك الأرض المفتوحة للاختفاء فيها.. ولكن من اين يأتى احدهم بالجهد ليحفر . فجلس الثلاثة على الارض ثم نهض نصر وحاول ان يحفر عسى ان يقتدوا به ولكن ماكان يمسك بالجاروف ويحاول ان يبدأ فاذا به سرعان مايتوقف لم يقو على شئ وجلس مفكرا .. فتذكر مادرسه .. تذكر ذلك المبدأ من مبادئ قوات الاستطلاع الذى يقول " اذا لم تتمكن من الهبوط فاصعد " بمعنى اذا لم تتمكن من النزول لاسفل للاختفاء فلتبق بأعلى واعتمد على التمويه , والخداع فاختفى كل منهم خلف كوديه زرع من كوديات الصحراء .. وكما تعلموا لفوا اجسامهم حولها وثبتوا على ذلك اخرج جنيدى ذلك الذئب الصغير من عبه حتى يستنشق بعض الهواء .. وصار الذئب يتحرك حوله . ولكن جنيدى كان يخشى اقترابه من عادل الذى كان ينظر اليه .. ويبدوا ان ذلك الحيوان الصغير عرف ماحدث لاخيه ففجأة اطلق ساقيه للريح مبتعدا وحاول جنيدى الجرى خلفه .. ولكن لم يتمكن فليس لديه القوة ليجرى .. وظل واقفا فخشى نصر ان يشاهده العدو .. فصرخ فيه ان يرقد ويختفى .. فرقد ولف جسده حول تلك الكودية من العشب .. ولكن كان صوت بكائه يصل الى نصر وعادل .. الذى ظل يواسيه ويهدئ من حزنه .
اتصل نصر بالقيادة ليبلغهم عن موقف البئر .. التى لم يتمكنوا من استخراج المياه منها .. وبعد فترة من ارسال اشارته .. وصلته رساله غريبه من قيادته فقد ابلغوه بانهم سيرسلون له طائرة هيلكوبتر بها الطعام , والماء وعليه عندما يراها ان يعطى لها اشارة وسألهم عن نوع الاشارة .. فكان ردهم عليه ان يطلق طلقة اشارة أو يظهر نفسه ويشير لهم فى الطائرة لتهبط لهم .
وقبل وصول آخر ضوء .. اتصل نصر بالقيادة .. وتحدث مع قائده ببعض الانفعال فلم تصل اى طائرة .. وايضا ابلغه بعدم اقتناعه بما ورد اليه فى الاشارة السابقه .. وسمع قائده انفعاله .. فتحدث معه بهدوء .. وابلغه الحقيقة فالوضع لايسمح لهم لهم ابدا بارسال ما ينقذهم .. فهم عاجزون عن ذلك تماما فكان من الافضل ان يصدروا اليهم ذلك الامر بالظهور للطائرات واعطاء اشارة لها فيراهم العدو فيهبط ويأسرهم فالأسر افضل من الموت جوعا , وعطشا لأنه من الممكن بعد ذلك استبدالهم بأسرى العدو الموجود منهم اعداد كبيرة .. سمع ذلك نصر من قائده ورفضه .. ولكنه أبلغه بأنه سيأخذ رأى أفراد جماعته وعرض نصر الاقتراح على على جنيدى وعادل .. حتى يكون امينا فى اعطائهم حقهم فى الاختيار .. ولكنه كان سينفصل عنهما لو قرروا الاستسلام ..
ورفض الاثنان بدون تفكير عرض القيادة .. فهما يفضلان الموت على الاسر .. ولم يتمالك نصر نفسه فاحتضنهما بسعادة وبفخر .. ثم اتصل بالقيادة وابلغ قراره وقرار جماعته برفض الاستسلام .. وبالاستمرار حتى الموت ... عندما سمع قائد نصر المقدم صلاح كامل رد نصر وجماعته .. ابتسم بفخر وقال " هؤلاء هم جنود مصر " كان ذلك القائد يعرف عن رجاله كل شئ .. مواصفاتهم , افكارهم , طباعهم .. مايمتازون به وماهم ضعاف فيه كان دارسا لكل رجاله وكانوا امامه ككتاب مفتوح وكان يعرف عن نصر حب الزمالة والصدق والاخلاص والاقدام على التضحية من اجل الغير وفكر انه اذا اثار فيه تلك الروح .. فانها من الممكن ان تكون وسيلة لانقاذه وعدم استسلامه للموت كما توقع منه من آخر رسالة له .. وعليه قام بالآتى .
اتصل المقدم صلاح كامل بنصر .. وأرسل له رسالة مشفرة .. ابلغه فيها بما حدث لاحدى مجموعات الاستطلاع .. وهى مجموعة زميله الملازم اول علوان الذى اسقط فى منطقه خطأ وليس معه خريطه لها وأنه هو ورجاله على شفا الموت جوعا وعطشا.. وانه عن طريق توجيهه تمكن من توصيله الى منطقه قريبة من منطقته .. وان حياه الرجال الثلاثة بالمجموعة الاخرى متوقفه عليه .. وطلب منه ان يصل اليهم لمحاولة انقاذهم ..على الاقل ببعض قطرات الماء الكريه التى معه.. وابلغه انه سيتولى توجيهه هو وجماعته الى ان يصل اليهم .
وفعلا نجح القائد وهو عن بعد فى اثارة حماس نصر الذى نقل حماسه الى من معه فقوى الدافع لديهم لانقاذ زملائهم .. ويقول نصر فى هذا المجال .. ان المقدم صلاح قام بعملية تشبه عمليات التحام سفينتى فضاء فى الفضاء الخارجى .. وذلك من حيث صعوبتها فى التوجيه الدقيق .. فقد كان عليه ان يوصل المجموعتين لبعضهما فى ارض تبلغ مساحتها مايقرب من 100 كلم مربع وظل يعطى لنصر اتجاهات ومسافات يسير فيها .. وفى كل مرة كان يوهمه انه اقترب من المجموعة ومر على ذلك ثلاث ليال بثلاثة أيام .. بذل فيها هذا المجهود بدون طعام او ماء .. سوى تلك القطرات الكريهه ..
واستمرت الاتصالات بالتوجيهات الملاحيه لنصر الى ان وصل الى نهار اليوم الخامس ..وفى اول ضوء .. كان التعب والارهاق والاعياء والجوع والعطش قد تملكهم جميعا فارتمى كل منهم بجوار كوديه شجر .. ولف جسمه حولها فلم تكن قواهم تماما فلم يكن لديهم اى جهد ليقوموا حتى بعمليات الاخفاء .. فقد فقدوا كل اهتمام وكل حرص .. لم يتمكنوا حتى من الحديث سويا الا بصعوبة ..
بعد فترة جمع فيها نصر بعض الجهد وتحدث مع زميليه بوهن شديد قائلا .." يااولاد احنا بعد كل اللى عملناه لو وقعنا فى الاسر العدو مش هيطبطب علينا .. كل إلى هيعمله هيأخذ مننا اى معلومة .. واحنا ماعندناش اى قدرة او طاقة تتحمل ضغطا بدنيا او نفسيا .. واهانه وتعذيبا عشان نعترف .. فايه الى تشوفوه " ونطق جنيدى بصعوبه قائلا " الانتحار" ونطق عادل مكملا " قبل مانتمسك ياريت يافندم تحاول تمسك طبنجتك وتضربنا " ولكن كان من الصعب على نصر فعل ذلك فسألهما " ايستطيع احدكم ان يفعلها " فأجابا بالنفى فقال " يبقى نشوف حل تانى نخلص بيه بسرعه " .
اقترح عادل ان يقوم نصر بتفجير قنبله يدوية فيهم الثلاثة .. ونال هذا الاقتراح القبول .. وبدأ نصر التنفيذ واقترب الثلاثة من بعضهم .. وبصعوبه امسك نصر بقنبله وقرأ كل منهم الفاتحة .. ثم استنطقهم نصر الشهادة فنطقوا بها خلفه .. ووضع اصبعه فى حلقه تيلة أمان القنبلة واغمض الجميع اعينهم وهم يكررون الشهادة ... وحاول نصر ان ينزع تيلة الامان من القنبلة ليفجرها ولكنه لم يتمكن حتى من ذلك فقد كانت قواه اضعف من ان يتمكن من نزعها .. واستبطأ جنيدى وعادل الانفجار او الموت .. ففتح اعينهما فشاهدا عدم قدرة نصر على نزع الفتيلة المؤمنة للقنبلة ..
وسلم نصر القنبلة لجنيدى فهو ضخم عسى ان يستطيع .. ولكن ذلك الجنيدى رفض ان يفعلها وسلمها لعادل .. الذى رفض ايضا .. واقترح نصر ان يعلق القنبلة فى شدته ويضع كلا منهم أصبعا فى الحلقة وسويا يشدون تيلة امان القنبلة لتنفجر فيهم وفعلا فعلوا ذلك ووضع كل منهم أصبعه فى الحلقه .. ونطق الثلاثة الشهادة .

يتبع
 
( الفصل الثالث )

وبدأوا ينطقون الشهادة خلف نصر وقبل ان يشدوا تيلة الامان للقنبلة ... سمعوا اشارة نداء من خلال جهاز اللاسلكى فتوقفوا , ورد نصر على القيادة بوهن شديد وسمع قائده يبلغه انه تمكن من تحريك المجموعة الاخرى فى عدة اتجاهات حتى تمكن من ضبط اتجاه معين يمكن للمجموعتين من الاتصال ببعضهما .. وأن قائد المجموعة الثانية سيتصل به فورا ..
وفعلا حدث اتصال وتحدث الملازم أول علوان مع زميله الملازم أول نصر واتضح من ذلك الاتصال ان المجموعة الثانية على مسافة قريبة جدا من مكان نصر فهى خلف الجبل الذى امامه مباشرة .. وقدر نصر المسافه بينه وبين الجبل بكيلو مترين فقط فطلب منه نصر ان يعطى له اشارة مرئية .. وفعلا ظهر ضوء متقطع من أعلى الجبل .. فتم الاتفاق على أنه بعد آخر ضوء سيتحرك نصر ومجموعته الى المجموعة الاخرى ... وفى آخر ضوء .. فتح نصر الاتصال مع علوان وأبلغه انه قد حدد الزاوية التى سيسير عليها ليصل اليه وقدر المسافة بثلاثة كيلومترات .. وحدد له الوقت الذى سيقطع فيه تلك المسلفة وطلب منه فى توقيت معين أن يعطى له اشارة ضوئية اخرى ليصل اليه..
وعندما حاول نصر الوقوف هو وجنيدى وعادل شعروا بسكين تقطع بطونهم .. فصرخوا من شدة الألم ووقعوا على الارض مرة أخرى ولكن نصر حاول الوقوف مرة أخرى ببطء شديد حتى وقف .. وكذلك فعل جنيدى وعادل .. امر نصر بترك كل مامعهم من حمولات وبدأوا يتحركون فكانوا وكأنهم يتحركون على أربع .. كانوا فى تلك اللحظه يتمنون قطعة من الملح ليمتصوها لتجدد نشاطهم ولكن من أين يجدوها .. ومع ذلك استمروا فى السير بصعوبة فى اتجاه المحدد على البوصلة فعبروا سلسلة من الجبال كان من المفترض ان يجدوا المجموعة الاخرى خلفها .. ولكن عندما عبروا السلسلة الاولى وجدوا عدة سلاسل اخرى قبل ان يصلوا للمكان المحدد .. وأن المسافة المقدرة بثلاث كيلومترات اتضح انها لاتقل عن سبعة كيلومترات فقد موهت عليه سلاسل التباب المسافة فبعضها لم يكن ظاهرا من المكان الذى كان به وبعد ثالث سلسلة من تلك التباب كانت قوى جنيدى وعادل قد خارت تماما ..فوقعوا على الارض دون حراك وبالكاد ابلغا نصر بعدم قدرتهما نهائيا على المواصلة .. وتوسلا له ان يطلق عليهما النار حتى لايقعوا فى الاسر ويستكمل هو مسيرته ..
رفض نصر ذلك .. وكان هو ايضا لايقوى على حمل بندقيته .. فطلب منهما ان يظلا مكانهما وترك معهما سلاحه .. وأخذ الزمزمية التى بها بعض الماء العفن بعد ان أخذ كلا منهما نقطة .. وودعهم ليلحق بالمجموعة الاخرى ليشربوا بما تبقى من الماء فى الزمزمية قبل الموت .. أما اذا اراد الله له الحياه .. فانه سيعود اليهم مرة أخرى ..
واصل نصر السير وعبر سلسلة التباب التى كان يعتقد أنها الاخيرة ولكنه وجد بعدها سلسلة أخرى وهنا كانت قواه قد خارت تماما فوقع على الارض ولم يستطيع تحريك يديه او قدميه .. ولم يتمكن من تحريك اى جزء من جسمه سوى عينيه .. حاول ان ينظر الى السماء ليطلب من ربه العون حتى يتمكن من الوصول الى تلك الجماعة ليشربوا نقطة ماء قبل ان يموتوا .. ولكنه لم يستطيع ان يرفع نظره الى اعلى فرقبته لاتساعده .. فكان نظره فى مستوى سفح التبه القريبه منه .. وفجأه شاهد اشارة ضوئية متقطعه ..
كانت تلك الاشارة هى الاشارة التى اتفق ان يطلقها قائد المجموعة الاخرى من كشاف بطريقه متقطعة فى الموعد المتفق عليه .. لتحديد اتجاه السير الى المكان المختبئ فيه المجموعة الاخرى .. فعرف نصر انه قريب جدا منهم .. ويبدوا ان ذلك اعطى لجسده الواهن دفعة ليتحرك .. فقاوم وجاهد وظل يزحف ببطء الى ان وصل الى قاعدة التل وتوقف .. فلم يستطيع نصر التحرك اكثر من ذلك فأعطى بفمه صفيرا متفقا عليه بين جماعات الاستطلاع للنداء على بعضهم .. وهو صفير يشبه صوت الكروان وسمع الرد عليه .. وانهار تماما .
كان الرقيب حلمى قائد ثانى المجموعة الثانية على سفح الجبل يعطى اشارة ضوئية .. وهو الذى رد على الصفير .. وهو الذى شاهد نصر وهو يقع على اول التل .. فأسرع بالنزول اليه وكانت المسافه من أعلى تزيد قليلا عن 500مترا .. ووصل الى نصر الذى كان فى حالة شبه غيبوبة .. ومع ذلك شعر بيد تربت على وجنتيه ليفيق وكان يسمع شبه همس ينادى عليه " حضرة الضابط .. حضرة الضابط " وأحس ان اليد التى تربت عليه فيها شيئ من القوة ومع ذلك كان كل همه الماء .. فأشار له على الزمزميه التى معه ..
وكان نصر يقصد بذلك أن يلحق زميليه بالماء الذى عانى كل تلك المعاناه ليصل به اليهم ولكن الرقيب حلمى لم ينظر الى الماء الذى يشير اليه .. بل كان يفعل شيئا آخر أخرج الرقيب حلمى من شدته مايسمى " بالعجر " أى البطيخ الصغير قبل النضوج .. وضربها بيده فقسمها الى نصفين .. واقترب بنصف البطيخة الصغيرة من فم نصر , وصار يعصرها فنزل فى فمه بعض قطرات منها .. وظل حلمى يعصر فى فمه .. وفجأة شعر نصر وكأن ، الحياة قد دبت فيه مرة أخرى فاستطاع أن يجلس قليلا ويستند على صدر حلمى وفجأة خطفها من يده وصار يلتهمها بشراهة ووحشية.. التهم نصر نصف هذه البطيخة الصغيرة .. وحاول ان يتكلم ... ولكن حلمى لم يعطه الفرصة فوضع نصف البطيخة الآخر وامسكها نصر وكاد يلتهمها ولكنه فجأة توقف وطلب من الرقيب حلمى ان يأخذها الى جنيدى وعادل .. فأبلغه ان يأكلها هو فمعه غيرها وسأله عن مكانهما فضبط له نصر الزاوية العكسية فى البوصلة ليسير عليها وأبلغه انه سيجدهما بعد حوالى كيلو مترا
وأسرع حلمى فى الاتجاه الذى أشار اليه نصر .. واستأنف نصر أكل باقى العجرايه وظل نصر مايقرب من الساعة فى نفس المكان وهو سعيد لعودة القوة والحياة اليه ولكنه كان قلقا على جنيدى وعادل .. وعندما وصل بهما حلمى وشاهدهما قادمين سائرين على أقدامهما .. اطمأن .. وعندما وصلا الى نصر احتضن الثلاثة بعضهما وانهاروا فى بكاء الفرحة كالاطفال..
تقدمهم حلمى كدليل .. وطوال الطريق كان حلمى يقص عليهم كيف انهم اسقطوا فى مكان خطأ نتيجة لظروف المعركة .. ونفد الماء والتعيين ووصلوا الى المرحلة الأخيرة من الحياة واقترب الموت منهم جدا لولا ذلك البدوى الذى عثر عليهم وهم فى الرمق الاخير .. فأسرع وأحضر لهم الماء والغذاء .. واصطحبهم وأخفاهم قرب غيط البطيخ الذى يخص احد اقاربه .. ومن لحظتها وهم يعيشون على ذلك البطيخ الصغير أى العجر وعلى الغذاء والماء الذى يحضره البدوى ..
ووصلوا الى الخور والتقى نصر بباقى المجموعة وكانوا الملازم أول علوان ومعه جندى يدعى عبدالسلام والرقيب حلمى .. وسريعا مافتح الملازم اول علوان الجهاز وأرسل اشارة الى القيادة يبلغهم بالتقاء المجموعتين .. وجاء الرد بتهنئتهم من قائدهم المقدم صلاح بسلامة نصر ورجاله .. وأمر بأن تنضم المجموعتين فى مجموعة واحدة بقيادة نصر.. وان ينتظروا تعليمات أخرى ..
واحتفالا بانضمام المجموعتين .. ونجاة مجموعة نصر من الموت .. اقام البدوى بتجهيز وجبة دسمة جدا كانت بالنسبة لهم فى ذلك الوقت من أمتع وأشهى الوجبات التى تناولوها فى حياتهم . فقد كانت وجبة الحياه بالنسبة لهم فهى مكونه من قلب العجر مع الصلصة والدقيق ..
قام نصر بتوليف جهاز الاستقبال على تردد اذاعة العدو ليستمع الى أخبار المعركة فسمع ان العدو قام بالقبض على بعض افراد الكوماندوز المصريين ومن هذا الخبر عرف ان العدو يقوم بتمشيط الجبال الكبيرة التى تستخدم لاختفاء الكوماندوز .. فصحب المجموعة وتركوا تلك المنطقه المعرضه بأن يقوم العدو بالتفتيش فيها .. وذهب بهم الى جبل صغير او نقول تل كبير ..
وبمعاينة المكان اتضح ان ذلك التل يحتوى على عدد كبير من الخيران .. والخور هو تلك الفجوات التى تشبه الكهوف التى تكون بالجبال ,.وان هذه الخيران تكون غير نافذه بمعنى انه ليس لها مخرج للهروب منها فى حالة اذا هاجمهم العدو. كانت هذه هى عيوب ذلك المكان الذى لايصلح للاختفاء .. أما مميزاته فهو يطل مباشرة على محاور رئيسية .. محور طولى الذى يؤدى الى الجيش الثالث ومحور عرضى يصل بين محورين رئيسيين .. فهو كموقع مراقبة لجمع المعلومات صالح 100% فقرر نصر الاستقرارفى هذا المكان ..وكان ذلك فى 25 اكتوبر 1973 ..
دخل نصر ورجاله الى اول خور قابلهم .. وكانت المفاجأة له ولمجموعته فقد شاهد اطارا لعربة اسرائيلية كاملا ومنفوخا وصحيحا وسليما .. مستندا الى مدخل الخور فى ممر السيل الملاصق للمدخل كان معهم لحظتها ذلك البدوى سليم .. فسأله نصر عن ذلك فأبلغه ان من عادة العدو ان يترك امام تلك الخيران اى شيئ من معداته .. وتفسير ذلك او الغرض منه ان العدو يوحى لمن يريد ان يختفى فى تلك الخيران او الكهوف انه سيعود مرة اخرى اليها .. وعليه يخشى استخدامه فى الاختفاء .
نصح افراد المجموعة قائدهم نصر بالابتعاد عن ذلك المكان خشية عودة العدو اليه اصر نصر على الدخول فيه..فهذا يتماشى مع خطة الخداع .. فالعدو لايمكن ان يتصور انه رغم تلك العلامة الدالة على عدم امان هذا المكان انه يوجد من يجازف بالاختفاء فيه
وعندما دخل نصر ورجاله الى الداخل .. اتضح لهم فعلا صلاحية المكان للاعاشه فهو مدرج الى اعلى بحفر طبيعى من الطبيعة .. ايضا يوجد مايشبه المدق بحيث يستطيعون الصعود الى اعلى للمراقبة الخارجية دون ان يراهم احد ..فوزع نصر رجاله وطلب من احدهم ان يصعد الى أعلى ليكون كنقطة مراقبة وملاحظه وانذار لهم بينما أمر الباقى بتجهيز مكان للاعاشة .. وطلب من البدوى سليم ان يذهب ويحضر لهم التموين من طعام وماء ..
قام نصر بتنظيم الخدمات فالبعض فى راحة .. والبعض يعمل فهناك من عليه المراقبة .. وهناك من يتصل بالقيادة للابلاغ عن المعلومات .. وهناك من يقوم بشحن بطاريات الاجهزة باليد .. واحيانا كانت القيادة تطلب منهم استكشاف المناطق المحيطة بهم فكان يخرج الى هذه المؤموريات نصر وعرفان كلا على حده فى اتجاهات تبعد حوالى خمسة كيلومترات فكانت المهمة تنتهى فى نفس اليوم .. وقد استمروا على هذا النظام لمدة ثلاثة أشهر .
قضت تلك المجموعة الثلاثة اشهر الماضية فى عمل وابلاغ معلومات عن قوات العدو التى كانت سريعا ماكانت تضرب من قواتنا .. ايضا أمضت المجموعة الثلاثة اشهر فى صيام اقتصادا فى الطعام فقد كانوا يجتمعون قبل المغرب لتجهيز وجبة الافطار كما علمها لهم البدوى الوطنى سليم .. وعندما يأتى المغرب يشرب كلا منهم ماقيمته غطاء زمزمية مياه ثم يتناولون طعام الافطار الذى سرعان ما ينتهى وبعد الاكل يشربون الشاى ثم ينوون الصيام حتى مغرب اليوم التالى ..
فى يوم وصلت اشارة لاسلكية من القيادة تطلب من نصر ان يتجه الى اول موقع كان به عند بداية العمليه وهو الموقع المشرف على مكان اللواء المدرع والمطار والمحاور الثلاثة فى منطقة " تمادا " والذى تركه منذ حوالى ثلاثة اشهر ليعيد استطلاعه وجمع المعلومات عن قوات العدو التى هناك لمعرفة ما استجد من تطورات فى تحركات قوات العدو على محاور ذلك المكان .
سلم نصر قيادة المجموعة لزميله الملازم علوان وجهز نفسه واخذ بعض الطعام والماء .. وكان البدوى سليم قد حضر هذه المرة ومعه شقيقه ويدعى سعد وكان معهما جمل وسأل نصر سعد اذا كان يعرف الطريق لهذا الموقع.. فأجابه بالايجاب فقد كان يرعى فيه الغنم عندما كان صغيرا .. فاصطحبه نصر معه ومعهما الجمل وبدأ التحرك مع آخر ضوء ..
وسارا طوال الليل حيث كانا يتبادلان ركوب الجمل .. كانت تلك الرحلة من الصعوبه بمكان لأن الارض التى يسيرون عليها فى بداية المشوار كانت عبارة عن 50 كيلومترا من الارض المفتوحة المسطحة التى ليس بها اى مكان للاختفاء .. فكان لابد من قطع تلك المسافة فى ظلام تلك الليلة .. فكان لزاما عليهم ان يتحركوا بالخطوة السريعة واحيانا أخرى يجريان ليتمكنا من قطع هذه المسافة فى الارض المكشوفة .. وفعلا تمكنا من قطع تلك المسافة فى اول ليلة .. وقبل اول ضوء وصلا الى منطقه جبلية خلفها يقع موقع اللواء المدرع وعندها قام نصر باخلاء سبيل الجمل ..
كان الموقع المقصود الذهاب اليه هو اول موقع احتله نصر ومجموعته أى المنطقه التى تشرف على المحاور الثلاثة ... ونتذكر ان نصر كان قد اختصر الطريق فعبر السلك الشائك ووصل الى الموقع مباشرة .. ولكن الآن وبعد وقف اطلاق النار اصبحت الظروف مغايرة .. فلايمكن له اختراق السلك فكان لابد وأن يناور ويلتف حول الجبل فى دروبه المختلفه ليصل الى هناك ...
كان الموقع المقصود الذهاب اليه محاطا بسلسلة من الجبال المتتالية وفى نهايتها يوجد لسان جبلى يطلق عليه لسان ريشه فى منطقة تسمى " تمادا " وهذا اللسان يخترق الموقع المراد الوصول اليه تماما .. وكان اللسان ملتفا مع التفافات الجبال ويحيط بتلك السلسلة من جميع الاتجاهات ..
وركب نصر وسعد اللسان وصعدا ..ومضى الوقت وهما يصعدان مع اللسان حتى سقطت عليهم " شبورة " ولكن كانت على شكل سحابه كثيفة داكنه فقد كان الوقت فى منتصف شهر ديسمبر .. وظلا سائرين يصعدان مع اللسان ويهبطان معه فى الظلام الدامس وهما لايدريان بمرور الوقت الى ان كانت تلك المفاجأة
كانت المفاجأة شيئا ما أغرب من الخيال .. كانا يسيران فى الظلام التام .. وفجأه وجدا أنهما فى ضوء النهار الكامل .. فقد كانا قد خرجا من السحابة التى كانا بداخلها .. ولم يكن معهما ساعة ليحددا الوقت .. ولكن من الشمس عرف نصر ان النهار قد طلع عليهما ولكن تلك الشابورة اخفته حتى خرجا منها .
كانت الشمس ساطعة تماما .. والاكثر انهما وجدا نفسيهما على حافة اللسان وفوق الموقع تماما وشاهدا حركة الصباح لآفراد العدو من حيث الذهاب للحمامات وارتداء الملابس وخلافه من مظاهر بداية يوم جديد
انتاب نصر زهول تام .. فمكانه الذى وجد نفسه فيه فجأة مكشوف تماما ولو ان احدا من جنود العدو نظر لأعلى لشاهدهما بوضوح .. والأكثر انه وجد بالقرب منه وعلى مسافة لاتتعدى 20 مترا من مكانهما برجا للمراقبة وعليه جندى بالسلاح .. وبالقرب من البرج مخزن الذخيرة فى حضن لسان الجبل ومن الزهول قال نصر لسعد البدوى .. ياسعد .. احنا اتكشفنا ورد عليه سعد .. أى والله انكشفنا ..
أمر نصر سعد بالرقود فورا وفعل هو أيضا وبدأ يستطلع المكان حوله ليحدد مكانا للاختفاء فوجد انه لامجال أبدا للاختفاء .. فاذا ذهب الى اى مكان سينكشف حتى لو عاد من الطريق فهو ايضا مكشوف .. فنظر فى نظارة الميدان التى معه ليتأكد اذا كان هناك من شاهدهما فلاحظ من الحركة العادية انه حتى هذه اللحظه لم يكتشفهما العدو ..
بدأ نصر يقوم بما يسمى بتقدير الموقف .. فوجد ان نسبة تعرضه للكشف تبلغ 95% .. وايضا وجد انه فى مكان مرتفع وعلى مسافة ابعد من مدى تأثير اسلحة العدو عليهما .. وكان على العدو ان يصد اليهما اذا اكتشفهما .. فحسب زمن صعود العدو اليهما فوجده سيستغرق اكثر من ساعة .. فكر ايضا فى انه قطع كل تلك المسافه لتنفيذ مهمة مطلوبة منه .. وهى استطلاع ذلك الموقع والابلاغ عن معلوماته .. وهاهو فوق الموقع يراه وبوضوح .. فالعدو ومعداته تتحرك أمامه على المحاور التى حوله .. فلماذا لاينفذ مهمته الآن .. وحتى لو اكتشف – وهذا وارد جدا – يكون قد ابلغ المعلومات المطلوبه لقيادته .. وتذكر المثل الذى كان يسمعه من جدته دائما " ضربوا الاعور على عينه قال خسرانه خسرانه " فلماذا لايفيد جيشه ووطنه بابلاغ المعلومات وليحدث بعد ذلك مايحدث.
كانت الخطورة الشديدة عليهما من ذلك الجندى الذى يقف ببرج المراقبه حارسا على مخزن الذخيرة فهو لايبعد عنهما بأكثر من عشرين مترا .. حقا كان يقف وظهره لهما .. ولكنه لو فكر ان يلتفت للخلف لشاهدهما وهما على مرمى سلاحه .. وكان سيطلق النار عليهما فورا .. فأمر نصر البدوى سعد بأن يركز بعينيه على ذلك الجندى وينبهه لو التفت اليهما حتى يتمكن منه قبل ان يتمكن منهما .. ولكن يبدوا ان الجندى كان عنده ضمير فى حراسته لمخزن الذخيرة فلم يلتفت للخلف ابدا
وبجرأة وعدم خوف وبهدوء أعصاب بدأ نصر يستطلع الموقع بكل اتجاهاته ويكتب المعلومات ويشفرها .. ثم قام بما يزيد على نسبة خطورة الكشف وهو فرد هوائى الاسلكى .. وبدأ يبث اشاراته التى تحمل كل المعلومات التى يراها بمنتهى الدقه ومنتهى الوضوح ..
انهى نصر المهمة المطلوبة منه .. ولم يكتشف .. ولكنه ظل هو وسعد كامنين فى ذلك المكان المكشوف بلا حراك لمدة عشر ساعات .. حتى انتهى النهار وكان آخر ضوء .. وبدأ نصر وسعد الحركة ورحلة العودة .. وعاد نصر وسعد على اللسان من نفس المكان الذى حضرا منه .. الى ان وصلا الى المكان الذى تركا فيه الجمل والعتاد الذى كان قد اخفياه .
واستغرقت هذه الرحلة مايقرب من ساعتين.. ووجدا الجمل مكانه فأخذ العتاد المخفى والجمل وبدأ خط سير العودة .. وكانا يعتقدان ان المسافة من هذا المكان الى الطريق حوالى كيلوونصف الكيلو الى اثنين كيلو .
وهما فى هبوط من على اللسان شاهد نصر كشافات سيارة بعيدة على الطريق الجانبى ولكنها كانت على نفس بعد الطريق منهما .. كانت السيارة قادمة من اتجاه الشمال .. وتأخذ اتجاه الجنوب .. وفجأة بدأت تنحرف فى اتجاه الغرب واذا بالمسافه بينهما وبين الطريق الذى عليه السيارة لاتتعدى الثلاثين مترا ومعنى ذلك ان كشاف السيارة سيسقط عليهما ويكتشفهما .
توقع نصر الكشف .. ولكن كانت تلك المفاجأة غير المتوقعة .. والتى لايصدقها اى عقل .. الا عقول من يتعاملون مع الجمال .. فالجمل حيوان غريب خصه الله بامكانيات فائقة فهو يمتاز بكم كبير من الذكاء التلقائى والاحساس القوى خصوصا الاحساس بالخطر فقد فوجئ نصر الذى كان راكبا على الجمل .. انه بمجرد ان اكتشف الجمل كشاف السيارة رقد فورا على مستوى الارض وكأنه جندى مدرب على الاختفاء برقوده على الارض ولف جسده حول احدى كودى العشب وثبت فى مكانه حتى لايكتشف ..
ثبت الثلاثة نصر وسعد والجمل فى مواقعهم على الارض بلا حراك .. وفى الحقيقة فان أفضل وضع فى مثل تلك المواقف هو الثبات التام .. فالحركة هى التى تكشف بعد ان تكتشف .. وهم فى هذا الوضع الساكن كانت السيارة قد عبرتهم وانطلقت الى طريقها ..
أسرع نصر وسعد والجمل جريا حتى كيلو مترين حتى ابتعدوا عن هذا المكان وبدأوا السير الطبيعى فى تلك الارض المفتوحة والمكشوفة تماما التى قدموا منها وهى مسافة 50 كم فاجتازوا تلك المسافة فى هذه الليلة وكانت سرعتهم حوالى 8 كم / ساعة .. واقتربوا من مكان الجبل الذى به القاعدة التى تحتلها المجموعة وكان اول ضوء قد اقترب .. فأخذ سعد الجمل متجها نحو دياره .. ودخل نصر الى الخور الذى به جماعته فاستقبلوه أحسن استقبال .. كان افراد الجماعة يعرفون مدى المشقة التى تكبدها قائدهم .. فبدأوا يجهزون له وجبه ساخنه .. وكانت من السردين فقد احضر لهم البدوى سليم علبا من السردين الاسرائيلى والبصل وعلبا من الصلصة . وعندما بدأوا يستمتعون بتلك الوجبة جاء الخطر ..
شاهد نصر فرد المراقبة من مكانه بأعلى فى حالة قلق .. ثم استدار وصار يشير له اشارات فيها الهلع طالبا الاقتراب منه .. فترك نصر الأكل وأسرع بالصعود اليه فى نقطة المراقبة .. وعندما وصل شاهد نصر بنفسه الخطر القادم .. فقد كانت عربات العدو المدرعة قادمة فى اتجاه الخور .. بينما شاهد جمل سليم يجرى بعيدا عنها ..
وأول تحليل لنصر هو ان العدو اكتشف البدوى سليم وشقيقه سعد وأنهما اعترفا على مكان المجموعة والعدو قادم لمهاجمتهم .. كان أفراد المجموعة قد شعروا بالخطر فاستعد الجميع بالسلاح منتظرين اشارة من نصر ... مازالت عربات العدو تتقدم .. فأعطى نصر بيده للمجموعة إشارة الاستعداد مع إشارة أخرى بعدم إطلاق النار إلا بإشارة أخرى.. وظل نصر يتابع تقدم عدد 6 عربات للعدو حيث ظلت تتقدم ثم انتشرت على مسافات وكأنها تقوم بعملية حصار للمكان .. ثم اندفعت داخل مدخل الخور المختبئ فيه أفراد المجموعة وتوقفت عند إطار السيارة التي ذكرنا أنها كانت بمدخل الخور من قبل أما باقي العربات فقد توقفت أمام مدخل احد الخيران الموجودة بالمكان ونصر مازال على وضعه رافعا يده استعدادا لإعطاء أمر إطلاق النار عندما شاهد عدد 6 جنود حاملين للرشاشات يقفزون من جانبي السيارة المدرعة ويأخذون وضع الاستعداد في اتجاه مدخل الخور.. أما الجندى السابع فقد كان يقف خلف مدفع رشاش مثبت أعلى العربه .
هناك تعليمات مستديمة لفرد الاستطلاع خلف خطوط العدو الا يطلق النار الا بعد ان يطلق العدو النار .. وبعد التأكد من أن العدو اكتشفه ويقصده فمن المحتمل ان يكون العدو يطلق النار من منطلق التهويش ولكنه لم يكتشف أحدا ومعنى ذلك انه يجب أنه يجب أن يكون فرد الاستطلاع يملك اعصابا من حديد ..
وهذا ماكان يتميز به نصر .. فرغم ماشاهد فانه ظل رافعا يده بالاستعداد ولم يعطى اشارة الضرب . رغم ان لحظتها كان بداخله مايدفعه باعطاء الاشارة ومع ذلك ساعده الله على التأنى .. فشاهد باقى العربات يتكرر منها ماحدث للعربة التى امام مدخل الخور وحبس نصر انفاسه حتى لايسمع العدو دقات قلبه القوية
ظل نصر مركزا على العربة المدرعة التى وقفت امام الخور الذى به والجماعة وشاهد رشاش العربة موجها اليه تماما .. كان ذلك هو احساسه الذى اوصله الى الاقتناع التام بأن العدو فعلا اكتشفهم ويراه هو شخصيا .. وهاهو يسدد اليه رشاش العربه المدرعة .. عند هذا الحد قرر نصر وكاد يعطى اشارة اطلاق النار وعادة تلك الاشارة تصدر عن المخ الى اليد .. وحقا صدرت .. ولكن يد نصر لم تنفذ الامر او اشارة العقل .. اما لانها تجمدت من شدة الخوف .. أو أن الله ألغى تلك الإشارة الصادرة من عقل نصر وأمر اليد بعدم تنفيذها ... ظل العدو فى هذا الوضع بسيارته امام مدخل الخور مباشرة لدقائق احسها نصر الدهر كله .. وفجأة شاهد الافراد السته يقفزون مرة اخرى الى السيارة .. وكذا حدث لباقى السيارات ..التى بدأت تتراجع للخلف وتتجمع فى نقطة تبعد قليلا .. هنا شعر نصر بنوع من الهدوء والتقاط الانفاس .. فقد تأكد انه لم يكتشف وانهم ليسوا قادمين لهم ..
ولكن مرة أخرى تقدمت العربات بنفس التشكيل الى مكانها الاول ووصلت العربه الى مدخل الخور وقفز الجنود الى الارض .. ولكن هذه المرة وقف قائد العربة امام الجنود وظهره للخور وصار يتحدث معهم .. فتيقن نصر بأن مايحدث ماهو الاتدريب .. ماكاد نصر يطمئن ويشير لرجاله بالاطمئنان .. إلا وشاهد مايشير الى ان الكارثة ستحدث وان اكتشافهم اصبح مؤكدا .. فقد شاهد الجمل الخاص بالبدوى سليم قادما من بعيد فى اتجاه الخور .. والخطورة أن ذلك الجمل كان عليه السرج.. فالعدو لايلتفت الى اى جمل بدون سرج فهذا عادى .. أما اذا كان عليه السرج فمعنى ذلك ان هناك من يركبه .. عاد نصر لرفع يده بالاستعداد مرة اخرى .. فالجمل يعرف مكان الخور .. ويبدوا انه فزع من تلك المدرعات فأراد ان يختفى .. وبما انه يعرف ذلك الخور فانه سيسرع اليه للاختفاء فيه .. وفى هذا دلالة قاطعة على ان هناك احدا بالداخل. فأشار نصر بالاستعداد ثانية بينما الجمل يتقدم الى الخور وظل يقترب ويقترب ودقات قلب نصر تزداد مع اقترابه ..

يتبع
 
( الفصل الرابع والأخير)


عرف بعد ذلك سبب ماحدث من هذا الجمل .. فقد كان سعد قد اصطحبه ليذهب الى دياره .. ولكنه شعر بالارهاق من اثر ذلك المشوار الذى قام به مع نصر.. فابتعد بعيدا عن مكان الخور .. وهبط من الجمل ونام أسفل احدى الشجيرات ويبدو أن الجمل شاهد تلك العربات المدرعة قادمة باصواتها ففزع .. وأراد الهرب وطبيعى ان يهرب الى مكان يعرفه ليختبئ فيه فاتجه الى مكان الخور وبذلك نستطيع ان نقول أن الله سخر العدو لانقاذ حياة المجموعة .. بمعنى انه لولا وجود عربة العدو امام مدخل الخور لكان الجمل قد دخل .. وكان العدو قد شاهده وشك وهاجم الخور .
طمأن نصر مجموعته وأبلغهم بان العدو يقوم بتدريب جاف وأنه سينصرف قبل آخر ضوء ..ولكنه أمر بالاستعداد لترك ذلك المكان فى نفس الليلة .. وهنا كانت الخبرة فنصر يعرف ان التدريبات الجافة على الرمايه تستكمل فى اليوم التالى مباشرة بالذخيرة الحية وعليه فان العدو سيعود فى صباح اليوم التالى ومعه الاشكال التى سيطلقون عليها النار للتدريب فى مدخل الخور .. وذلك واضح من وضع الجنود وتوجيه اسلحتهم لمدخل الخور أثناء التدريب الجاف الذى تم .. لذا فلابد من اخلاء المكان والتوجه الى مكان آخر .
بدأ نصر ورجاله استكمال طعامهم الذى أوقف بسبب ماحدث .. هذا ومزال العدو على مدخل الخور يقوم بتدريباته .. ولكن أثناء تناولهم الطعام سمع نصر ورجاله أصوات العدو فى داخل الخور المجاور لهم تماما .. فتوترت اعصاب الرجال مرة أخرى .. فمن الممكن أن يمر أحدهم ليدخل الخور الذى هم فيه .
أخذ نصر سلاحه وصعد مرة أخرى من ناحية اتجاه الخور المجاور وكان كلما يقترب من أعلى يأخذ حذره أكثر حتى لايسمع أفراد العدو صوت حركته وعندما اقترب من القمة سحب طلقة فى ماسورة بندقيته الآليه ثم امنها ووضع اصبعه على الزناد والاصبع الآخر على الأمان .. وظل يزحف بهدؤ مقتربا من الفتحة التى سينظر منها على جنود العدو بالخور المجاور .
كان يقوم بذلك بحذر ففي كل لحظه كان يتوقع أن يفاجأ بوجه احد جنود العدو أمامه مباشرة وهو فى هذا التوتر الشديد .. اذا به يفاجأ بشئ ما أسود قوى يصطدم بوجهه بقوة كاد يسقط من قوتها من أعلى .. فتشبس بصخرة حتى لايقع ويحدث صوتا يلفت نظر العدو ..
بسرعة تمالك نصر نفسه .. وفتح عينيه .. فوجد حوليه بعض الريش يتساقط فى الهواء .. وعلى الفور عرف انه اقترب من فتحه صغيرة كانت عشا لاحدى فراخ الجبل التى ذعرت فانطلقت بسرعة وبقوة لتهرب فاصطدمت بوجهه ..
استأنف نصر زحفه الى أن وصل الى مكان شاهد منه جنود العدو فى الخور المجاور وهم فى الراحة حيث كانوا يشربون العصائر ويدخنون السجائر. ويمرحون بقذف بعضهم البعض بالعلب الفارغه .. فعاد نصر الى رجاله وطمأنهم ثم أخذ هو سلاحه وتسلق مايشبه مصطبه علويه فى الخور .. بعد أن ابلغ رجاله انه سينام .. وحذرهم بشدة من ايقاظه الا اذا عبر العدو فردة الكاوتش التى عند مدخل الخور .. وتعجب افراده منه ونظروا الى بعضهم بحيرة .. فكيف سينام قائدهم والعدو مازال ملتصقا بهم وبجوارهم .. وأقول هنا ان نصر اثبت بما فعل انه قائد محنك .. ففى كتاب مشاهيرالقادة .. سأل احد القادة الكبار عمن هو القائد الجاد القوى .. فأجابهم انه القائد الذى يستطيع ان ينام .
نام نصر من التاسعه صباحا حتى العصر .. وعندما استيقظ سأل رجاله عن أخبار العدو .. فأخبروه أنه أخلى المنطقه وانصرف .. فطلب من رجاله التجهيز للاخلاء وبعد اتمام اخفاء الآثار .. بدأت المجموعة رحلة الاخلاء وبرفقتهم البدوى سليم واتجهوا الى سلسلة جبال تبعد عن مكانهم بمسافة أربعة كيلو مترات . وهى سلسلة من سلاسل جبال الحائط الغربى لسيناء ..
حيث قصد نصر بمجموعته جبلا يطلق عليه " جبل حيطان " وهناك تركهم سليم عند مدخل الجبل على ان يعود اليهم بعد احضار التموين فهو سيعرف مكانهم من اقتفاء أثرهم .. واستمر نصر وجماعته فى التوغل داخل الجبل .. الذى كان من الجبال الصالحة جدا للاختفاء من حيث كثرة خيرانه التى لها اكثر من فتحة ليتمكنوا من الهرب لو حاصرهم العدو .. وكان ايضا العدو قد انتهى من تمشيط تلك الجبال الكبيرة بحثا عن الكوماندوز المصريين فأصبح من الطبيعى أن تكون المجموعة أكثر أمانا فى ذلك الجبل .. فلن يعود العدو الى تمشيطها مرة أخرى بعد أن اطمأن من خلوها كان قد حل شهر يناير على تلك المجموعة ..
فتعمد نصر أثناء تجهيز المكان أن يتم حفر ما يشبه القناه الصغيرة تحسبا للمطر وذلك لكى تتصرف مياهه بعيدا عن الموقع وأبلغ نصر قيادته عن موقعه الجديد. وبدأ هو ومجموعته العمل من هذا المكان .. وأيضا كانت تصله رسائل بها احتياجات لاستطلاع أماكن قريبة منه .. فكان يقوم بتنفيذها بالتبادل من الضابط علوان .. وابلاغ القيادة بالنتائج
وفى يوم ما وعلى غير العادة كانت الشمس محتجبة .. وبعد لحظات بدأت قطع الثلج التى يطلق عليها البرد تتساقط من السماء..ثم بدأت المجموعة تسمع صوتا يشبه صوت الوش .. وبعد دقائق وبلا أى مقدمات ازداد هذا الصوت قوة واقترابا .. وفجأة كان ذلك الطوفان من الماء .. وكأن سدا قد انهار واندفعت المياه منه بكثرة وبقوة .. لقد كان سيلا ضرب نصر ومن معه بأسلحتهم وأجهزتهم اللاسلكية وخرائطهم وطعامهم وبطاطنهم وكل شيئ.. حيث جرفهم السيل .. فقد كانوا دون ان يعلموا فى مجراه .
وبصعوبه حاول كل منهم أن يتمسك بصخرة أو جزع شجرة حتى لايجرفه السيل لأسفل .. وحاول الخروج عن مجراه وبمشقه نجحوا فى ذلك .. ولكن السيل قد جرف كل ما معهم .. هنا انتاب نصر وزملائة الفزع حقا هم نجوا من جرف السيل لهم .. ولكن متعلقاتهم خصوصا الخرائط وأجهزة اللاسلكى والاسلحة قد جرفت .. ومايفزع أكثر .. ان مجرى السيل هذا الذى دفع بتلك الاشياء . يصب عند اول الطريق الذى عليه نقطة شرطة عسكرية اسرائيلية .. ومعنى ذلك ان تلك الاشياء المهمة والتى تعتبر قرائن دالة على وجود كوماندوز مصريين فى هذا المكان . وبالتالى سيبحث عنهم العدو وسيكشف امرهم ..
ترك نصر تلك الصخرة التى كان متمسكا بها وهو يصرخ فى باقى جماعته ان يحذوا حذوه فى جمع اشيائهم ..فقد كانت الاسلحة والخرائط تصطدم بشجيرات الرتم ..فتتوقف , فأسرع الجميع مرة أخرى الى داخل مجرى السيل متمسكين بالصخور والشجيرات ليجمعوا تلك الاشياء قبل ان تجرف الى اسفل .. وتصل الى العدو وكما هى العادة .. كان الله مع تلك المجموعة فمكنهم من جمع كل متعلقاتهم قبل أن تصل الى يد العدو وتدل عليهم .
عاشت المجموعة بعد حادث السيل اربعة ايام دون طعام .. فقد جرف السيل كل الدقيق وباقى الطعام وحتى الكبريت . فلم يتمكنوا حتى من اشعال النار للتدفئة ولكنهم تمتعوا كثيرا بمياه هذا السيل التى تجمعت فى الاخوار واصبحت كحمامات السباحة .. واخذت المياه الوان الصخور فشكلت لوحة ملونه جميلة .. فأصبح لديهم مخزون ماء يكفى الدهر كله بعد ان كانوا يشربون الماء من غطاء الزمزميه اصبحوا يشربون منه
بما يكفيهم واكثر وبعد ان كانوا يستحمون بطريقة فرك اجسادهم بأصابعهم .. اصبحوا يستحمون فى تلك الاحواض ويسبحون فيها ولكنهم ظلوا جياعا الى ان حضر اليهم البدوى سليم وأحضر معه الطعام والكبريت فاسرعوا باشعال النار وصنعوا الطعام واكلوا وشربوا الشاى الذى حرموا منه تلك المدة .. فبدأت الحياه تدب فيهم وارتفعت معنوياتهم مرة أخرى .
وحل شهر فبراير على المجموعة وهى فى هذا المكان .. كان هو الشهر الخامس منذ أن دخلوا خلف خطوط العدو .. ليقوموا بعملية ويعودوا بعد ستة ايام وهاهى قد مرت عليهم خمسة أشهر ولم تتمكن القيادة من ارسال من يعود بهم الى قواعدنا .
ولكن اتصال القيادة هذه المرة كان به تعليمات بالانتقال الى منطقة فى اتجاه الغرب اى فى اتجاه قواتنا .. وهذا ما أسعد تلك المجموعة فتلك كانت اشارة الى قرب العودة وسريعا ماقاموا باجراءآت الاخلاء وبدأوا الرحلة الى المنطقة الجديدة وايضا معهم ذلك البدوى الوطنى سليم .. وكان لابد من اجل الخروج من ذلك الجبل ان يمشوا على درب لايتعدى عرضه عى 50 سم وتحته جرف لايقل عمقه عن 500 متر ..وكانت مسافة ذلك الدرب حوالى كيلو متر .. حملوا الجمل الذى مع سليم بكل مايخص المجموعة من معدات .. وركب سليم فوقه وبدأت الرحلة ..
وتظهر قدرة الله فى امكانيات خلقه.. فقد منح الله ذلك الحيوان اى الجمل قدرة السير فى الظلام على درب بهذا الحيز الضيق وبكفاءة نادرة .. وكان افراد المجموعة يسيرون خلفه على هذا الدرب الضيق بحذر شديد .. أما الجمل فقد كان يسير فى تلك المناطق الضيقة بثبات وثقه .. ولكن فجأة زلت أقدام الجمل وكاد يسقط فى الجرف ..وشهق الجميع رعبا .. فقد اعتقدوا ان الجمل بما حمل حتى بصاحبه قد سقط .. ولكن الجمل قفز وكأنه لاعب سيرك يسير على حبل .. قفز على قدميه الآخرتين .. فرفع قدمية التى سقطت فاستوى فورا على الدرب مرة اخرى .. ومن اعجاز الله فى خلقه .. ان خلق الجمل مختلفا فى سيره عن باقى الدواب .. فهو يسير باليمنى الأماميه مع اليمنى الخلفية .. واليسرى الأمامية مع اليسرى الخلفية .. وهذا يفسر تلك الحركة الغريبة التى حدثت عند سقوط قدميه .. فقد استند فورا على قدميه اليمنى الامامية والخلفية ورفع بهما جسمه الذى هوى فاستوى مرة أخرى واستأنف سيره على الطريق .
اخيرا وصلت الرحله الى وادى الفراشات وهو المكان المطلوب الانتقال اليه وأصبحوا على بعد خمسين كيلومترا من قواتنا التى على خط القتال بعد عبورها القناه واختار نصر مكانا مناسبا للاختفاء .. وامر بتجهيزه واصبح هذا المكان هو القاعدة الجديدة للمجموعة . وابتدأ العمل وتم استطلاع المنطقه المحيطه بالمكان .. وتم ابلاغ القيادة بكل المواقع الاسرائيلية الموجودة فى تلك المنطقه .
كانت تلك المنطقه من المناطق المغلقه .. وكلمة مناطق مغلقه تعنى ان بتلك المنطقه قواعد لقوات العدو فمحظور على اى فرد من البدو المرور فيها او الرعى بها الا بعض الاعراب المتعاونين مع العدو وهم قلة قليلة جدا ..كانت تلك النقلة للمجموعة تعتبر بداية رحلة العودة .. فقد كانت اتفاقية وقف اطلاق النار الاولى قد وقعت .. ورفع الحصار عن مدينة السويس .. وعملية الفصل الاولى تمت واليهود تراجعوا عن السويس وفتح الطريق اليها وعليه فقد اصبح موضوع رجوع المجموعة وارد جدا .
وللعلم ان الخريطة التى مع نصر كانت آخر منطقه او آخر جزئ فيها هى تلك المنطقه التى هو فيها الان " منطقة وادى الفراشات " ومابعد ذلك الى الغرب لايعلم عنها شيئ اى انه لايعرف اماكن قواتنا .. واماكن قوات العدو المواجه لبعضها .. ومعنى ذلك ان نصر لايستطيع ان يتقدم للعودة الا لو كان لديه معلومات تفصيلية وكان الحل اما ان ترسل له القيادة دليلا من البدو يعرف الطريق ليرشد نصر ومجموعته ليصطحبهم الى خطوط قواتنا وحدد لنصر النقطه التى سيلتقى بها مع هذا الدليل والوقت بالساعة والدقيقة وكود التعارف السرى .
وفى صباح هذا اليوم .. أبلغ فرد المراقبه نصر بان هناك بعض البدو يرعون أغنامهم فى المنطقه .. كان نصر مرتديا جلبابا بدويا وطاقية فوق رأسه وشالا وذقنا كثة طويلة .. وكان فى شكله يشبه البدو ..فتقدم نصر ومعه الضابط علوان .. وكانت الجيوب الصخرية ممتلئه بالماء وكانت على شكل احواض سباحة كما ذكرنا من قبل وظلا يتنقلان بين تلك الصخور والاخوار ليصلا الى مكان يشرف على المنطقه كلها ليستكشفا منه حركة البدو ... وفجأة وهما يتنقلان بين الصخور اذا بهما يسمعان اصواتا نسائية .. كانت تطلق ضحكات رنانه .. ودهش الاثنان واقتربا قليلا من مصدر الصوت الذى كان يقوى كلما تقدما وفجأة اذا بهما امام مشهد غريب وغير متوقع فقد شاهدا على بعد عشرين مترا تقريبا من مكانهما .. خوار به ماء بالشكل الذى ذكرناه من قبل وكانت هناك فتاتان من البدويات لاتتعدى اعمارهما من السابع عشرة الى الثامن عشرة عاما وهما شبه عاريتان .. وكانت تمرحان وتلعبان وتتعاكسان وتجريان خلف بعضهما وهما تطلقان الضحكات الرنانه التى صدى الصوت اعطاها نوعا من الصوت المجسم المشابه لما فى الافلام السينمائية .
واثناء دهشة نصر وعلوان .. سمعا صوتا قادما من خلفهما .. فشاهدا بدوية واضح انها أم الفتاتين وهى تصرخ عليهما وتقذفهما بالحجارة لتنبههما لوجود من يتلصص عليهما واستمرت تقذفهم بالحجارة وهى تنظر الى نصر وعلوان بغضب .. ونظرت الفتاتان فشاهدت نصر وعلوان .. وصرخت الفتاتان وهربتا فى الاتجاه المعاكس ..
نتيجه ماحدث .. فقد اصبح معروفا وجودهما لبدو المنطقه التى سيصلهم الخبر عن طريق البدوية الام .. وقد ذكرنا من قبل مدى خطورة ذلك .. وتذكر نصر ماكان يحدث للكوماندوز المصريين فى المناطق المغلقه من نوعية هؤلاء البدو فقد كان العدو يسلمهم جهازا صغيرا يطلق عليه " البيكو" يلصقه البدوى فى قطعة من الحطب ويسحب فتيله فيه ويلقيه فى المنطقه التى اكتشف فيها احدا من الكوماندوز وهذا الجهاز كان يصدر اشارات تلطقتها طائرات العدو الهليكوبتر وتحدد المكان وتبدأ التفتيش فى دائرة متتابعه الى ان تصل الى اقرب مكان يصدر منه تلك الاشارات من ذلك الجهاز .. وبعد لحظات تصل طائرة كبيرة بها الجنود ويهبطون فى المنطقه ويقبضون على الكوماندوز .
لم يكن أمام نصر سوى ابلاغ قيادته بأنهم قد اكتشفوا .. وفعلا عاد الاثنان الى الموقع وارسلت اشارة بهذا المعنى .. فوصله الرد بضرورة اخلاء المنطقه .. ولكن نصر وقع فى مأزق آخر .. فاتصل مرة أخرى يطلب من القيادة ان تتصل بذلك الدليل الذى الذى سيلتقى بهم ليدلهم على طريق العوده ..وكان الموعد مساء اليوم .. فردت القيادة انه لايمكن الاتصال بالدليل فقد انطلق فعلا فى طريقه اليهم وليس هناك وسيلة اتصال معه .. وطلبوا من نصر التصرف .
طلب نصر من افراده ان يخفى كلا منهم نفسه وفعلا تم ذلك .. وظل الجميع طوال النهار يراقبون طائرات الهليكوبتر التى تمر فوقهم .. وهم منتظرون ان تهبط احداها ويهبط منها جنود العدو وقصاصو الاثر ليعثروا عليهم .
ولكن والحمد لله مر كل النهار .. وبعد آخر ضوء اعطى نصر لأفراده اشارة الظهور فقد اطمأن .. وتجمعوا مرة اخرى .. وحضر اليهم سليم وبدأوا فى اشعال النار ليصنعوا طعامهم ولتكون تلك النار ايضا دليلا ومرشدا للدليل المنتظر وصوله مابين الساعه التاسعة والعاشرة مساءا .
وفى الموعد المحدد ظهر الدليل ونادى عليهم بالنداء الكودى المتفق عليه فرد عليه نصر بعد ان اطمأن.. وكان ذلك الدليل مصطحبا ابن شقيقه وعندما وصل اليهم استقبل بالأحضان والترحيب .. فهو الذى سيقودهم لطريق العودة وكان اسمه الحاج عيد من قبيلة المزاينه من جنوب سيناء .
كان ذلك الدليل مرهقا من السير المتواصل وكان يريد الراحة ..ولكن نصر شرح له الموقف وماحدث . وأبلغه بأنه لابد من سرعة اخلاء المنطقه وفعلا صدق الحاج عيد الدليل على ذلك ووجد انه من الضرورى سرعة الاخلاء فعلا ..
كان عليهم فى مثل تلك الظروف ان يستخدموا الخداع .. فلا يمكن ان يتجهوا مباشرة الى الغرب .. فقرر نصر ان يتجهوا الى اتجاه الشرق مرة اخرى لمسافه كبيرة فالعدو لن يتوقع ان يهربوا الى الداخل .. بل المتوقع ان يهربوا الى اتجاه القوات المصريه وفعلا تحرك افراد الجماعه مع الحاج عيد وايضا سليم فى اتجاه الشرق مع الانحراف ناحية الجنوب قليلا .
قطعوا تلك الليلة بكاملها فى الرجوع مرة اخرى فى اتجاه الشرق .. وقبل ظهور اول ضوء كانوا قد اختاروا موقعا لهم .. وهنا ودعهم سليم فلم يبقى لهم سوى رحلة العودةالى الوطن .. وتعاهد مع نصر ان يلتقى به بعد عودة سيناء لنا .. أما الحاج عيد الدليل .. فقد استأذن من نصر ان يتركهم ويذهب ليطمئن على اولاده وعائلته فقد كانوا على بعد حوالى سبعين كيلومتر من هذا الموقع .. وترك لهم ابن شقيقه .. على أن يلتقى بهم بعد اسبوعين فى منطقه اتفقا عليها وهى الحافة الغربيه " لجبل الراحة " وانصرف الرجل ..
وفى نهار اليوم التالى .. لاحظ نصر ان هناك طائرات فوق المنطقه .. فاختفوا منها وفى ثالث يوم زادت كثافة الطائرات أكثر وبدأت دائرة تجوالها تضيق أكثر , ورابع يوم زادت اكثر وضاق محورها فوقهم للأضيق .. وفى النهار الخامس.. شاهد نصر ومجموعته من مكان اختفائهم هبوط الطائرات حيث نزلت منها قوات العدو وقصاصى الاثر وأيضا عدد من كلاب الحرب المدربه .. وهنا تأكدت المجموعة تماما انهم المقصودون بذلك .. فقد فعلتها تلك البدوية واستخدمت فعلا ذلك الجهاز وبناءا عليه قامت تلك الحملة للتفتيش وهاهم قد اقتربوا جدا من مكان اختفائهم ..
بدأت حملة التفتيش تضيق عليهم .. ولكن مازال بضعة أيام حتى يحل موعد لقائهم بالحاج عيد الدليل .. فظل نصر مستمرا فى مناورته مع العدو .. فكل ماينتهى من تمشيط قسم دائرى فى الليل ينتقل اليه نصر مع جماعته وهكذا ..كان الجميع فى توتر شديد لاحتمال العثور عليهم وأسرهم .. ولكن ضيق العدو حلقات التفتيش عليهم جدا .. فأصبحوا حتى لايستطيعون الاتصال بالقيادة ولاحتى اشعال نار لتجهيز الطعام ولاحتى اشعال سيجارة خوفا من كشفهم ..وكان العدو يجن جنونه .. فهو يعرف بوجودهم فى هذه المنطقه بل ويشم رائحتهم ..ولكن لايستطيع العثور عليهم وأخيرا وصل الدليل الحاج عيد .. وكان معه اثنان من اولاد عمه .. كان يريد تهريبهما مع المجموعه الى خطوطنا .. لان العدو يبحث عنهما لتعاونهما مع المصريين .. فأصبح عدد المجموعة التى مع نصر عشرة افراد .. وسارت تلك المجموعة بعيدا عن المكان الذى كان العدو يقوم بتمشيطه والبحث فيه .. وبدأو الاقتراب ببطئ من خطوطنا .
وصلت المجموعة الى منطقة الحافة الغربية لجبل الراحة .. وهذه المنطقة كلها عبارة عن جرف ساحق إلا من مطلعين منه فقط .. وكانت المجموعة عند احد هذين المطلعين وكان امامهم واحد وهو عبارة عن درب ضيق جدا .. وكانت المسافة من هذه النقطة الى أماكن قواتنا تقدر باربعين كيلو متر بمعدل سرعة السير على الاقدام وهى خمسة كيلومتر فى الساعة .
معنى ذلك ان المجموعة محتاجة من ثمانى الى عشر ساعات للوصول الى قواتنا لذا كان من الضرورى على نصر ومجموعته ان يبأوا السير فى آخر ضوء ولاينقطع السير الى ان يصلوا الى اخطر مواقع العدو ومواقعنا ايضا .. على خط القتال قبل اول ضوء .. فلو ظهر الضوء وشوهدوا من جانب العدو او جانب قواتنا فان النيران ستطلق عليهم فورا فكما قلنا عندما حوصرت المجموعة وضيق العدو الحصار عليها .. ثم توقف الاتصال اللاسلكى .. وعندما حاولوا الاتصال بين المجموعة والقيادة كانت البطاريات قد سقطت لدرجة ان القيادة اعتبرت ان المجموعة قد وقعت فى الاسر ...
وقبيل آخر ضوء كان نصر ومجموعته ومعهم الدليل على اول ذلك الدرب من أعلى وبعد ان نظر نصر فى نظارة الميدان فى اتجاه ذلك الدرب الذى ليس لهم بديل الا السير فيه وكان على حافة جرف عمقه اكثر من الف متر .. وجد ان هذا الدرب طوله حوالى من 4 الى 5 كيلو متر .. نهايته على الاسفلت يمر بجوار معسكراسرائيلى وممتد بجوار سور المعسكر .. وعلى حافة السور من ناحية المجموعة حارس فى مكانه للمراقبة .. حسب نصر المسافة والزمن فوجد ان العشر ساعات المسموح له السير فيها ليلا لاتكفى للوصول الى خط القنال قبل ظهور اول ضوء .. ومعنى ذلك انه لابد وان يبدأ المسير على الدرب من هذه اللحظة ولكن كيف والشمس مازالت ساطعة والنهار مشرقا .. إن اى تحرك منهم على الدرب فى هذا التوقيت خطير جدا .. فهو على خط السماء وفى ضوء النهار اى انه من المستحيل القيام بهذه المجازفة , فلو رفع احد من جنود العدو نظره الى اعلى فلابد ان يراهم وسيراهم بوضوح واذا انتظروا لانتهاء اخر ضوء فانهم سيصلون الى خطوط العدو فورا أو يطلق عليهم النار .. واذا نجحوا بمعجزة فى اختراق خطوط العدو دون ان يفطن اليهم ودخلوا فى خطوط العدو فان قواتنا نفسها ستطلق عليه النار فورا على انهم متسللون ..أسقط في يد نصر واحتار في اتخاذ القرار .. وكادت رأسه تنفجر من كثرة التفكير في ذلك المأزق الذي هو فيه ولاحل له ..
وكما كان دائما الله مع هذه الجماعه المجاهده .. ايضا جاء الحل من عنده على لسان الحاج عيد الذى نظر فجأه وبجرأة وبقوة الايمان لنصر وقال " اسمع يازلمة احنا مابنغضب ربنا فى شئ.. لابنسكر ولا بنزنى ولابنسرق .. احنا بنجاهد كيف يازلمة يكون ربنا معاهم وموش معانا.."
سمع نصر ذلك القول من الحاج عيد..وفجأة شعر براحة غريبة .. ودفعه من عند الله جعلته يقرر البدء فى التحرك على الدرب فى ضوء النهار وعندما رجع نصر لرجاله وسمعوا قراره دهشوا وتعجبوا .. وبعضهم اكد انهم منتهون .. ولكنهم لم يترددوا فى السير خلف قائدهم بجرأة شديدة دون أى محاولة للتخفى فليس هناك اى مجال له .
كانت قدرة الله وحمايته مع تلك المجموعة .. فقد اعمت العدو عنهم تماما الى ان وصلوا الى قرب سلك المعسكر وكان الظلام قد اكتمل هنا سأل نصر الحاج عيد عن المسافة من هذا المكان حتى الطريق الاسفلتى .. فقال له كيلو او اثنين كيلومتر ومعنى ذلك انه مازالت هناك مسافة يستطيعون السير فيها بدون خوف فساروا بلا حذر وفجأة وهم سائرون طابورا متجاورين العشرة بجوار بعضهم فوجئوا بضوء ساطع أنار ما أمامهم فوجدوا انهم على بعد أقل من مترين من الطريق الاسفلت ..
ألقى الافراد بأنفسهم فى الوضع راقدا على الارض وسحبوا معهم البدو .. وكل أخذ موضع الثبات .. وبعد دقيقة من هذا الثبات انطفأ كشاف تلك العربه .. فهمس لهم نصر بأن ينتظروا الى ان تمر العربة ثم يسرعون باختراق الطريق ..ولكن العربة لم تتحرك ..
اخرج نصر نظارة الميدان ونظر فى الاتجاه الذى صدر منه الضوء .. فشاهد عربتين للعدو تقفان عند نقطة معينه .. والجنود يتحدثون مع بعضهم وانتظر نصر قليلا عسى ان تتحرك العربتان.. ولكن بعد حوالى دقيقتين سطع نور الكشاف مرة اخرى على الطريق وظل لمدة نصف دقيقة وانطفأ .. ثم تكرر ذلك عدة مرات .. فبدأ نصر يحسب مدة الاضاءة ومدة الاطفاء .. وذلك للقفز للجانب الآخر من الطريق الذى كان لايتعدى عرضه ستة امتار .. وبعده جزئ منخفض به بعض كودى الاعشاب التى تصلح للاختفاء بعد القفز واعطى لرجاله التعليمات بالاستعداد عند اعطاء الاشارة ..
وظل نصر فى كل مرة يحسب مدة الاستضاءة ومدة الظلام .. ولكنها لم تكن ثابته وفطن نصر ان اى تأخير فى هذا المكان سيؤثر عليهم فى تقدمهم للامام فأعطى تعليماته بان يستعدوا وعند أول الظلام ينطلق الجميع بأقصى سرعة الى الجانب الآخر ..وفعلا بمجرد ان اطفأت السيارة ضوءها هذه المرة ومع صوت اشارة نصر الضعيفة انطلقت عشرة صواريخ بشرية الى الجانب الآخر من الطريق ولبد كل منهم دون حراك الى ان اضاءت العربه ضوءها ثم اطفأته .. فبدأ الجميع فى السير لاتجاه الغرب
وصل الرجال الى الموقع الاول للقوات الاسرائيلية واخترقوه دون ان يشعر بهم العدو وأيضا استمروا الى ان اخترقوا ايضا الموقع الأول لقواتنا ولم يشعر باختراقهم أحد.. فقد كانوا يمرون بين الثغرات وظلوا سائرين بهدوء حتى وصلوا الى عيون موسى ..
بدأ النهار يظهر .. فوجدوا انفسهم بين جنودنا المصريين .. وحركتهم الصباحية العادية كانوا غير مصدقين انهم اصبحوا بين اهلهم وفى امان لاول مرة بعد مضى 180 يوما قضوها خلف خطوط العدو ... انتهى بحمد الله

عن موقع المجموعة 73 مؤرخين

 
القصه مشوقه جدا الف شكر استاذ نبيل برجاء الجزء الثالث قريبا
 
كنت قرأت القصة زمان بالاهرام ولاكن للاسف كانت تعرض حلقة كل اسبوع فلم اكملها للنهاية
 
عودة
أعلى