تاريخ الحرب العراقية الإيرانية /المعارك البرية

11102863_822348144499754_961262087045106799_n.jpg

يتبع
 
Almuchabaraa.1.JPG


دَوّرْ صِنِفْ الْمُخاْبَرة في الْجَيْشِ الْعِراقْيّ الْبَاسِلْ في الْحَرْبِ الْعِراقِيَةِ الإيرانية ( 1980 – 1988 )

اللواء فوزي البرزنجي


1. المقدمة
لَمْ تلقى الصنوف الساندة في الجيش العراقي الباسل الإهتمام المفروض من قبل آمريها وضباطها لعزوفهم عن الكتابة وكذلك الْكُتْابْ العسكريين لبيان دَوْرِها في الحرب العراقية الإيرانية ( 1980 – 1988 ) ولغرض تعريف القارئ الكريم خاصَةً الشباب من الأجيال التي وُلِدَتْ خِلالْ الحرب أو بعد الحرب بدورصنف المخابرة نكتب هذا المقال المختصرعسى نوفي بالغرض المطلوب . تُقْسَمْ الصنوف الساندة إلى الصنوف الساندة الْمُقاتِلة والصنوف الساندة الخدمية وهي :
أ. الصنوف الساندة الْمُقاتِلة:

أولاً. صِنْفُ الْمِدْفَعِيّة .
ثانياً. صِنْفُ الهندسة العسكرية.
ثالثاً. صِنْفُ المخابرة .
رابعاً. الْصِنْفُ الكيمياوي .

ب. الْصُنْوفُ الساندة الخدمية :

أولاً. صِنْفُ التموين والنقل .
ثانياً. صِنْفُ الطِبابَةِ العسكرية .
ثالثاً. صِنْفُ الهندسة الآلية الكهربائية .
رابعاً. الْصِنْفُ الإداري .

JH.LS.2.JPG


2. دَوْر صِنْفُ الْمُخابَرَةِ في الحرب العراقية الإيرانية
أ. غالِبَاً ما تعمل الْصِنْوفُ الساندة المقاتلة في ميدان المعركة لغرض تقديم الإسناد إلى الصنوف المقاتلة الرئيسية ( المُشاة – الدروع – القوات الخاصة ) بشكل جماعي أفراد و وحدات فرعية ، أو أفراد و وحدات رئيسية ، كَصِنْفِ الْمَدفَعِيّة وَصِنْفِ الهندسة العسكرية والْصِنْفِ الكيمياوي عدا صنف المخابرة يَكادُ يكون الإسناد الذي يُقَدِمُهُ للصنوف المقاتلة فَرْدْي أو شُبُهْ فَرْدْي زائِدَاً الأجهزة الفنية.

ب. سأتحدث في هذا المقال عن تجربتي الشخصية و سأقتبس مثالين أو أكثر عن دور صنف المخابرة في المعارك التي خاض غِمارِها لواء المُشاة التاسع عشر الذي كان لي شرف قيادته خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية ( 1980 – 1988 ) .
3. معركة الفاو شباط 1986

أ. في معركة الفاو في شهر شباط سنة 1986 التي سبق وأن كتبنا مقالاً عنها وَنُشِرَ في موقع مجلة الكاردينيا الغراء وعلى الرابط أدناه :

مع كل السلبيات التي سَبَقَتْ ورافقت تأريخ نُشُوب المعركة والإخفاق مِنْ قِبَلْ مديرية الإستخبارات العسكرية العامة للمرة الثانية في عدم معرفة مِحْوّر هُجُوُمْ العدو الْمُرْتَقَبْ وتأريخ وُقُوعِهِ أَدَتْ كافة الوحدات العسكرية الْمُقاتِلَةِ والْسَانِدَةِ التي إشتركت في المعركة واجباتها على أكمل وجه وأعطت تضحيات جسيمة بالأشخاص نتيجة إندفاع جنودها وإلتزامهم بالواجب الوطني الْمُلْقى على عاتِقِهِمْ ، نقتبس المقطع التالي المنشور في الرابط أعلاه عن النائب الضابط الْمُخابِرْ السِلْكْي إبراهيم خليل المنسوب إلى سرية مقر لمش 19 .

ب. إقتباس وتعديل
أولاً. اليوم الخامس من المعركة 14 شباط 1986 في صباح هذا اليوم تَفَقَدْتُ المواضع الدفاعية للوحدات وَ وَجَدْتُ خنادق النار والملاجئ الشخصية قد حُفِرَتْ بعمق خمسة أقدام لأن الأرض هشة والجندي إكتسب خبرة من المعارك السابقة لِمْا تُقَدِمُهُ الأرض من حِمايَةٍ ضِدَ تأثيرالقصف الْمِدْفَعي الْمُعادْي .

ثانياً. في نفس اليوم ليلاً تَغَيَّرتْ الأحوال الجوية و بدأ المطر يَهْطُلُ بغزارة لكن القصف الْمِدْفَعي الْمُعادي لَنْ يَفْتَرُ أبداً ونتيجة القصف واجهتنا مُشْكِلُة إنقطاع أسلاك المخابرة بين مقر اللواء والوحدات بِشَكْلٍ مُسْتَمِرْ كان في اللواء نائب ضابط مخابر سلكي جذوره في اللواء تمتد إلى ما قبل سنة 1958 أكبر مني سناً هذا الرجل بالرغم من كبر سنه كان لايَهابُ الموت ، كانت المسافة بين مقر اللواء والوحدات بحدود واحد ونصف كيلومتراً ويصبح مجموع المسافة ذهاباً وإياباً 3 كيلومترات وعلى مدار الساعة نهاراً وليلاً يتنقل بين مقر اللواء والوحدات ولايقبل أن يقوم بالواجب بَدِيلاً عنه وكما يعرف إخواني العسكريين أهمية الإتصالات السلكية بين المقرات العليا والوحدات المقاتلة الأمامية وخاصة في ظروف المعركة في أيامها الأولى ولمعركة الفاو التي إغْتَصَبَ العدو الإيراني فيها أرض الحناء في غَفْلَةٍ من الزمن كَلفَتْ الجيش العراقي الباسل عشرات الألاف من الشهداء وَضِعْفِهم من الجرحى .

ثالثاً. لا أعرف كيفية مكافئة هذا الْمُقاتِلَ الْشُجاعْ على جُهودِهِ الجبارة في تِلْكَ الْظُرُوف العصيبة ، جاء مسؤول مكتب الإدارة في مقر اللواء لأول مرة منذ خمسة أيام وقال سيدي المراجع العليا طالبين نقل ضابط صف مخابر قديم إلى إحدى وحدات المقر العام من العاملين بجبهات القتال ، حَدّثْتُ نفسي ورود أمر النقل جاء في الوقت الْمُناسِبْ لمكافئة هذا المقاتل الشجاع الشهم ، فوراً وبدون سين و جيم قلت له رشح (ن ض مخ سلكي) إبراهيم خليل .

رابعاً.( ن ض مخ ) إبراهيم خليل عاد لِتَوهِ من الوحدات يرتدي الْمِعْطَفْ الْمطري ويحمل حقيبة نسيجية صغيرة فيها عُدَتُهُ التي تتألف من قواطع ( بلايسات متنوعة ) وتيب عازل وقاربت الساعة منتصف الليل قلت له إبراهيم لف يطغك وتصحبك السلامة قال سيدي وين قلت له أديت الواجب وزيادة قال سيدي رشح غيري قلت له بارك الله فيك وبكل الخيرين من أمثالك وتصحبك السلامة.

4. معركة نهر جاسم كانون الثاني 1987

أ. في معركة الشلامجة في كانون الثاني سنة 1987 ( سُمِيّتْ هذه المعركة في حينه بمعركة نهر جاسم ) ثُمَ أُطْلِقَ عليها لا حِقاً تسمية معركة الحصاد الأكبر والتي سبق وأن كتبنا عنها مَقْالاً وَنُشِرَ في موقع مجلة الكاردينيا الغراء وعلى الرابط أدناه :


ب. إقتباس وتعديل

أولاً. في هذِهِ المعركة وَنَتِيجَةً للمعلومات الغير صحيحة وَيُؤسُفُني أنْ أقول الكاذبة التي كانت تُرْسَلْ مِنْ قِبَلْ آمري الوحدات والتشكيلات الْماسِكَةِ للأرض وآمري تشكيلات الهُجوم الْمُقابِلْ إلى قيادة فرقة المُشاة الحادية عشرة تَكَبَدَ لِواء المُشاة التاسع عشر خَسائِرَ بشرية لا مُبَرِرَ لها .

ثانياً. في نهار اليوم الأول من معركة اللواء أصِيبَ آمر الفوج الأول المقدم عبد الرضا حسون عجيل بِعِدَةِ إطلاقات نارية في عَمُودِهِ الفقري نتيجة رَمْي مُباشِر من قناص مُعادِي تسلل إلى أحد أبراج الرصد العائدة إلى ( إ س ) الفرقة الذين تَرَكوا المرصد وهو بَعِيداً نسبياً عن خط الْتَماسُ في منطقة عتبة وأُخْلِيّ من أرض المعركة وفي مساء اليوم نَفْسَهُ أُسِرَ آمر الفوج الثالث المقدم جابر سلمان العامري نَتِيجَة للمعلومات الغير صحيحة من أحد ألوية القوات الخاصة الذي كان مُكَلّفْ بالْهُجُوم المقابل أرْسَلها إلى مقر فرقة المُشاة الحادية عشرة وفي مساء اليوم الثاني من معركة اللواء أُصِيْبَ آمر الفوج الثاني الرائد حميد عباس الشهربلي نتيجة هُجومٍ مُعاديٍ من جهة الخلف للموضع الدفاعي وأُخْلِيّ الى الخلف كما أُصيِبَ مساعد آمر الفوج الثاني لكنه رفض الإخلاء وبقى في الموضع الدفاعي .

ثالثاً. أصبح الموقف في غاية الحراجة إتَصَلْتُ بمخابر آمرالفوج الثاني على الشبكة اللاسلكية لقيادة اللواء وهو من عناصر فصيل المخابرة لسرية مقر اللواء كان إسمه إسماعيل ، كان إسم مساعد آمر الفوج الثاني النقيب فوزي كاظم جواد ، قلت له إسماعيل إسمعني زين ، قال أسمعك ، قلت له عمك فوزي شلونه ؟ قال جيد ، قلت له أريد أرقام فقط ، قال إفتهمت ، قلت له كم معاك الأن ؟ قال جماعة 3 و4 ، قلت له وجماعة 1 و 2 ؟ قال الباقين معانا 3 و 4 ، أفتهمت أن نصف مواضع الفوج ساقطة بيد العدو والسرية الأولى والسرية الثانية في حُكُمْ الْمُدَمَرةَ ، قلت له إسماعيل إبقَ معي و إتكلم بصفة عمك ، قال واضح ، قلت له راح تجيك 2 فوراً ، قال إسْتَلَمْتُ .

رابعاً. الحقيقة لايوجد معي إحتياط بِعَدَدٍ كبيرلأن سرية مغاويرالِلْواء دُمِرَتْ نتيجة القصف اَلْمِدْفَعي الْمُعادي ، كَلَفْتُ ضابط إستخبارات اللواء الشهيد النقيب سعد السامرائي بقيادة ما تبقى معنا من جنود وحدات اللواء والقيام بهجوم مقابل على العدو لإستعادة مواضع الفوج الثاني الْساقِطة ، جمعنا بحدود 30 جندي وضابطين زائداً النقيب سعد السامرائي كان ضمن مواضع الفوج دبابة من أحد كتائب دبابات الفرقة المدرعة 12 إستعان بها النقيب سعد ووجه نيران أسلحتها على مواضع الفوج الثاني الساقطة و إستمر بقتال الإشتباك القريب مع العدو حتى تمكن من إستعادة مواضع الفوج الساقطة بالساعة 0400 من فجر يوم 13 / 1 / 1987 وإسْتَقَرَ موقف الفوج الثاني لصالحنا في خط العمق .

خامساً.شجاعة هذا المخابر ورباطة جأشه وصموده مع مساعد آمر الفوج وسرعة إستيعابه للمعلومات وتعبيرها إلى مساعد آمر الفوج الْمُصاب كان له الدور البارز في صمود بقية سرايا الفوج ونجاح الهجوم المقابل بمجموعة قليلة من الجنود الذين قادهم بشجاعة فائقة (ض إس ) اللواء الشهيد النقيب سعد السامرائي .

Hatif.AS.1.JPG


5. مَعارِكْ مُحَمّدْ رَسُوْلِ الله سنة 1988 تَحْرِيرْ عارضة (كرده رش)

أ. في معارك مُحَمّدْ رَسُوْلِ الله في القاطع الشمالي في قاطع ماوْت في السليمانية سنة 1988 معركة تحرير عارضة (كرده رش) الحيوية التي سبق وأن كتبنا عنها مقالاً وَ نُشِرَ في مجلة الكاردينيا الغراء على الرابط أدناه :


ب. إقتباس وتعديل

أولا. وَصَلَتْ سرايا الأفواج إلى أسفل عارضة ( كرده رش )بحدود الساعة العاشرة ليلاً وبدأ مقر الفرقة يُطالِبُ بالتقدم نحو الهدف بأسرع وقت ، فاتني أن أذكر إن السياقات التعبوية في الحروب الجبلية تَمْنَعْ تنفيذ أي واجب بعد الضياء الأخير لصعوبة الدلالة والرؤيا المحدودة في فترة الظلام وإحتمال تعرض القوة الْمُهاجِمَةِ لِلْوقوع بكمين معادي يكبدها خسائر جسيمة وتفشل العملية بِرِمَتِها .

ثانياً. لِخِبْرَتي القتالية في الحروب الجبلية كُنْتُ أطلب من ضابط مخابرة اللواء محطات لاسلكية على شبكة الأفواج ترافقني في التقدم لكي أسمع المكالمات بين آمري السرايا وآمري الأفواج ليتسنى لي معرفة مراحل تقدم السرايا ليلاً والاحاديث التي تُدارُ بيهم خِلال سَيّر المعركة لإستحالة الرؤيا المباشرة بواسطة الناظور أوالمرقب ليلاً ، كانت حركة تقدم الأفواج بإتجاه الهدف بطيئة جداً لشدة القصف المدفعي والصاروخي المعادي وبنفس الوقت كان القصف المدفعي على موقع مقر اللواء أشَدُ عُنْفَاً.

ثالثاً. إزْدادَتْ الْضُغُوط مِنْ قِبَلْ مقر الفرقة على مقر اللواء لكِنْي قد تَمَرَسْتُ على إمتصاص هذه الضغوط في معارك سابقة لإعتزازي بجنود لوائي و يصعب عليّ أن أُضحي بِواحِدٍ مِنْ هؤلاء الجنود الذين نَزَفْتُ ً
عَرَقاً من أجل تدريبهم ووضعوا ثقتهم بقائدهم الذي يُدافعُ عنهم ويقودهم إلى تحقيق النصر، كُنْتُ أراوِغْ مَرَةً بعد أُخْرى لتأخير ساعة الصفر لحين التأكد
من وصول القطعات إلى أقرب مسافة من حافة الهدف السُفْلى .

رابعاً. كنت قد أَشِرْتُ سابقاً إلى مرافقتي لمحطات لاسلكية على شبكة الأفواج ، سَمِعْتُ حِوّاَراً عِبْرَ الجهاز اللاسلكي بين آمر السرية الثانية لِلْفَوّجْ الأول وآمر الفوج يقول أنا فَقَدْتُ الإتجاه وَسَلكْتُ الطريق النيسمي والآن أنا مع السرية الرابعة التي تسلك هذا الطريق.

خامساً. سبق وأن إتَفَقْتُ مع قائد الفرقة على تخصيص سرية مُشاة للتقدم على الطريق النيسمي ، إتَصَلَ آمر الفوج وكلمني هل أُعيد السرية إلى الخلف ؟، الأمر يتطلب إتخاذ قرار سريع من قبلي أخبرته كلا تبقى السريتين على هذا المحور .

سادساً. عندما كنت برتبة نقيب في منتصف السبعينات تَعَلَمْتُ درساً من المرحوم الفريق سعيد حمو آمر لواء المُشاة الخامس الجبلي ولاحقاً قائداً لقوة الميدان حَيَّث كان في التقدم يستخدم إسلوب الحركة البطيئة للقطعات ودك الهدف بالمدفعية لغرض شل قدرة العدو على القتال وإنْهاكِهِ وَتَكْبيدِهِ خَسائِرَ جسيمة قبل الإشتباك معه.

سابعاً.طَلَبْتُ من آمر كتيبة مِدْفَعِيَّة الإسناد الْمُباشِرْإستخدام عِتادِ الإنفلاق الجوي على ارتفاع واطئ فوق الهدف لإنهاك جنود العدو وشل قدرتهم على القتال وعدم السماح لهم بالرصد ، القصف المِدْفََعي الْمُعادِي على موقع مقر اللواء لم ينقطع ولو لخمس دقائق ، حان موعد صلاة الفجر تَيَيّمْتُ بِالْتُرابْ وأَدَيْتُ صلاة الفجر وأنا بوضع البروك في الملجأ المكشوف دعوة الله في صلاتي أن يُحَقِقَ لنا النصر على العدو، الوقت بين صلاة الفجر والضياء الأول ساعة و20 دقيقة.

Laslki.34.JPG


ج. السرايا الأمامية على خط الصولة والمباشرة بتنفيذ الخطة النارية

أولاًً. في هذِهِ الأثناء سَمِعْتُ عِبْرَ الجهاز اللاسلكي آمر السرية الثانية الشهيد النقيب فتحي النقشبندي يَطْلُبْ من آمر الفوج إيقاف النار الصديقة لإنها أصبحت تؤثر على قطعاتنا.

ثانياً. تَدَخَلْتُ فوراً وَعَرِفْتُ بإن القطعات وصلت إلى خط الصولة وَطَلَبْتُ من آمر السرية الْتَراجُعً إلى الإسفل قليلاً لتأمين حماية المقاتلين من النيران الصديقة .

ثالثاً. إتَصَلْتُ بقائد الفرقة وطلبت تنفيذ الخطة النارية ، كما مُتَفَقٌ عليها ، الوقت المستغرق لدك الهدف بمدفعية الفرقة لمدة 30 دقيقة ، هنا أَشْيرُ الى إن الجهد المدفعي يزداد إلى خمسة أضعاف 5 كتائب مدفعية × 18 مدفع لكل كتيبة = 90 مدفع × 3 قذيفة لكل مدفع في الدقيقة = 270 قذيفة في الدقيقة × 30 دقيقة = 8100 قذيفة على مساحة الهدف يكون في كل متر مربع قذيفة ، إذا ما عَلِمْنا إن مدى التشظية للقذيفة بشكل نصف قطر دائرة 200 متر.

6. الدروس المستحصلة
كما بَيَنْتُ في مقدمة المقال إسلوب عمل منتسبي صنف المخابرة في المعركة :

أ. في معركة الفاو سنة 1986 بَرَزَتْ أهمية إستخدام الإتصالات السلكية بين مقر اللواء والوحدات في أقصى الأمام لغرض تعبير المواقف من الأمام إلى الخلف وبالعكس لكن شِدَةِ القصف المدفعي الْمُعادي كان يُؤدْي إلى قطع أسلاك المخابرة بإستمرارالأمر الذي تطلب جُهُودَاً حَثِيْثَةً لتأمين إدامة خطوط الإتصالات السلكية في ظروف عصيبة وَقاهِرَة لكن جنود صنف المخابرة كانوا عند حسن ضن آمريهم وبمستوى المسؤولية الْمُلْقاةِ على عاتِقِهٍمْ .
ب. في معركة نهر جاسم سنة 1987 أبدى مخابري المحطات اللاسلكية صموداً رائعاً وَرَباطَةَ جَأشٍ قَلّ مَثِيلِها وشَجاعَةً فائِقَةً أَدَتْ إلى دَحْرِ الْعَدوّ خِلاَلِ الْهُجُومِ الْمُقابِلِ لَيْلاً بِعَدَدٍ قَلِيلٍ من الجنود وَبِتَنْسِيق بين مساعد آمر الفوج النقيب فوزي كاظم جواد وآمر قوة الهجوم المقابل الشهيد النقيب سعد السامرائي .
ج. في معركة ( كَرْدْهَ رَشْ ) سنة 1988 كان دور المخابرة أَشْبَهُ بِرادَار لآمر اللواء من خِلالِها صُحِحَ مَسْارُ القطعات في ظَلماتُ الجِبالِ وحافظ على حياة جنودنا من تأثير سقوط قذائف مِدْفَعِيَتِنا فوق رؤوسهم وَحَقَقَ الْنَصْرُ على الْعَدُوّ.

عن موقع الكاردينيا
 
11062633_950853511605618_4887405009723205898_n.png

الفاو أولى معارك التحرير «رمضان مبارك» 17/4/1988

بقلم الفريق الاول الركن رئيس أركان الجيش الاسبق
نِزار عبد الكريم فيصل الخزرجي
عن صفحة كي لاننسى على الفيس بوك


أغفلت القيادة العامة الأهمية الاستراتيجية لشبه جزيرة الفاو، ولم تخصص قوات كافية للدفاع عنها، كما لم تفطن الاستخبارات العسكرية لاتجاه التعرض الرئيس المتوقّع للعدو في القاطع الجنوبي، إذ كانت تُصِر على أنه سيستهدف الفيلق السادس باتجاه القرنة مع هجمات ثانوية على الفيلق الثالث باتجاه البصرة جنوبًا، وستطال الفيلق الرابع باتجاه العمارة من الشمال، الأمر الذي دفع الأركان العامة إلى تعزيز هذه المواضع وحشد قوات الضربة المدرعة والآلية خلفها.
أحدث هجوم العدو على الفاو، الذي أطلق عليه اسم عمليات «والفجر 8»، مفاجأة للقيادة العامة والاستخبارات والأركان العامة، واستهدف العدو منه تحقيق الأهداف
التالية:
- الاستيلاء على شبه جزيرة الفاو والاحتفاظ بها، وعزل العراق عن الخليج العربي.
- تشكيل قاعدة رئيسة له لشن هجماته شمالًا للاستيلاء على مدينة البصرة، وعلى حقول نفط المنطقة الجنوبية.
- عزل العراق وقطع مواصلاته مع الكويت، وإجبار الأخيرة على إيقاف تعاونها مع العراق بعد أن أصبحت قواته على حدودها.
- تغذية ومساعدة التحركات والعمليات المناهضة للسلطة من جانب عملائه في الجنوب والأهوار.

في ليلة ممطرة من شباط/فبراير 1986 عبرت المئات من الزوارق المحملة بقوات العدو في موجات متتابعة شطّ العرب، واكتسحت الدفاعات الهزيلة في منطقة الفاو، واحتلت بساتين النخيل غرب النهر، واندفعت صباح اليوم التالي غربًا لاحتلال شبه الجزيرة، والسيطرة على ميناء أم قصر الواقع على خور عبد الله.
في اجتماع للقيادة العامة في الليلة الثالثة من الغزو كانت الاستخبارات لا تزال تؤكد أن ما يحدث في الفاو هو هجوم ثانوي للمخادعة، وأن الهجوم الرئيس سيكون على الفيلق السادس في القرنة!!
- «إن ما يحدث في الفاو هو الهجوم الرئيس». قال الرئيس صدام حسين المجيد القائد العام. «ادفعوا فورًا كافة القوات لإيقافهم ، وطردهم من الفاو».
لم تستطع قواتنا طردهم خارج شبه الجزيرة، لكنها أوقفتهم في المملحة وقنوات الإغمار بهجمات ومعارك استمرت أشهرًا تكبَّد فيها الطرفان عشرات الآلاف من القتلى والجرحى.

في 24/3/1988 عُقد اجتماع في القيادة العامة بحضور الرئيس صدام حسين القائد العام ونائبه وزير الدفاع ورئيس هيئة التصنيع العسكري المشرف على الحرس الجمهوري حسين كامل ورئيس الأركان ومعاونه للعمليات ومدير الاستخبارات العسكرية العامة. عرض رئيس الأركان خطة التحرير، ومدى تكامل واستعداد القطعات التي ستنفّذها في التدريب والتجهيز، كما تطرق إلى العمليات التي خططنا لتنفيذها من عمليات للإنزال البرمائي وإبرار سمتيّ، وعمليات خاصّة أخرى عند الحاجة إليها، وإلى نيّتنا تشكيل خلية تنسيق مشتركة بإشراف الأركان العامة من القوات الجوية والبحرية وطيران الجيش والمدفعية والصواريخ، للتخطيط لعمل مشترك لكافة الأسلحة المشتركة في عملية التعرّض في الفاو. وأوضح رئيس هيئة التصنيع العسكري حجم المعدات والتجهيزات التي أُنجز تصنيعها أو تأمينها لعملية التحرير، مؤكدًا أن ما تبقّى سيجري تأمينه قبل التنفيذ.

أما مدير الاستخبارات فبيَّن العمل الدائب لخداع العدو الذي يجري تصعيده مع اقتراب موعد التنفيذ، مثل المعلومات المضللة التي تبثها أجهزته المختلفة لتُلتقط ويستلمها العدو، وحركة أرتال وقطعات بين الجبهات لإرباكه. وذكر لنا أنه اتفق مع رئيس الأركان على تنفيذ عملية أو أكثر في جبهات أخرى لمخادعة العدو قبيل تنفيذ عملية التحرير. واختتم القائد العام الاجتماع بتأكيده جملة من الأمور منها:
- عدم تبليغ أو إشعار أي جهة غير المجموعة التي تعمل على إنجاز الخطة وقائدي الحرس الجمهوري والفيلق السابع اللذين ستنفّذ

قطعاتهما العملية.

- يُبلغ قادة الفرق وآمرو التشكيلات المُنفِّذة بواجباتهم في توقيتات تُحدد قبل التنفيذ، بعدها تُمنع اتصالاتهم وتُراقب.
- يؤجل العمل بخلية التنسيق المشترك بين الأركان العامة وقيادات الأسلحة الأخرى إلى الأسبوع الأخير للتنفيذ.
- تابعوا إكمال متطلباتكم من معدات وتجهيزات من النواحي كافة، وتأكدوا من جاهزيتها قبل التنفيذ بفترة ملائمة.
تتابعت اجتماعات القيادة العامة برئاسة القائد العام، وأخرى برئاسة نائب القائد العام، واجتماعات أخرى برئاسة رئيس أركان الجيش لمتابعة التحضيرات وإنجاز تفاصيل الخطة.
في 13/4/1988 عُقد اجتماع برئاسة القائد العام، وحضور نائبه ورئيس أركان الجيش ومعاونه للعمليات ومدير الاستخبارات العسكرية والمشرف على الحرس الجمهوري حسين كامل وقائدي الفيلقين: الحرس الجمهوري الفريق إياد فتيح الراوي، والسابع الفريق ماهر عبد الرشيد، وقادة القوات الجوية والبحرية وطيران الجيش. وفي هذا الاجتماع عُرضت الخطة وشرحها رئيس أركان الجيش بالتفصيل من الاتجاهات إلى الصفحات والتوقيتات والأهداف لكل فيلق، فكان ساحل خور عبد الله حتى الطريق الاستراتيجية خارج جبهة فيلق الحرس الجمهوري، وهدفه النهائي ناحية الخليج ورأس البيشة. وتكون الفاو أسبقية أولى في حالة تأخر أو تعثر الفيلق السابع، والطريق الساحلية داخل حتى الضفة الغربية من شطّ العرب في جبهة الفيلق السابع، وتكون الفاو هدفه النهائي، وفي حالة تأخر الحرس أو تعثُّره تبقى الفاو هدفه بأسبقية أولى، وناحية الخليج ورأس البيشة بأسبقية ثانية.

أكدتُ مرة أخرى مرونة تغيير أهداف أي من الفيلقين في حالة تأخر أحدهما، وفي كل الأحوال تكون الفاو أسبقية أولى لمن يصل أولًا. وأوضحتُ أننا قد حسبنا لكل صفحة 4 ساعات، وساعتين لإعادة التنظيم، وساعتين للاحتياط، ففي اليوم الأول سنكمل الصفحتين قبل حلول الظلام، وفي اليوم التالي سنستأنف تعرّضنا لاحتلال الفاو وبقية شبه الجزيرة. وبيّنتُ أين ومتى سننفّذ عمليات الإنزال البحري والسمتيّ في حالة الحاجة إلى تسهيل تقدّمهما باتجاه أهدافهما، وما هي واجبات القوات الجوية والبحرية وطيران الجيش. وأبلغتهم بيوم الهجوم وساعة الشروع، كما حدَّدت لهم توقيتات تبليغ قادة فرقهم وآمري تشكيلاتهم بموعد الهجوم. أخيرًا سألت إن كان لأي منهم أي استفسار؟ واختتم الرئيس الاجتماع بالقول: «إذًا اتكلوا على الله».
في 15/4/1988 اجتمع رئيس أركان الجيش بآمري الصنوف المعنية، وتم تبليغهم بيوم الهجوم وساعة الشروع.
طبيعة المنطقة

تقع شبه جزيرة الفاو جنوب شرق مدينة البصرة، تبعد عنها نحو 90 كلم، وتُشكّل الامتداد البحري الذي يُطل منه العراق على الخليج العربي. يحدّها من الشرق شطّ العرب ومدينة عبدان في الجانب الإيراني، ومن الغرب خور عبد الله وجزيرتا وربة وبوبيان وميناء أم قصر العراقي.

أرض الفاو بشكلٍ عامٍّ رخوة وسبخة ذات مستوى مياهٍ جوفيةٍ عالٍ، تصبح عند تساقط الأمطار أشبه بالمستنقعات، وتغمر المياه الضحلة أجزاء كبيرة منها، عدا المناطق المحاذية لشطّ العرب حيث تمتد بساتين النخيل على شريط طويل، وبعرض يتراوح بين كيلومتر واحد وكيلومترين. تُسقى هذه البساتين من أنهار صغيرة متعامدة على شطّ العرب تستمد منه مياهها بظاهرتي المد والجزر، وتدعى محليًّا بالأحوازات.

تتوسط شبه الجزيرة منطقة المملحة التي أنشئت من سداد وسواتر ترابية متقاطعة لحجز المياه وإنتاج الملح، بعد تبخر مياهها التي تستمدها من البحر، وتُدَوّر عليها المياه بواسطة قناتين عرفتا باسم قناتي التغذية.

يخترق شبه الجزيرة عددٌ من الطرق المعبدة والصالحة للتنقل في المواسم كلها، تربطها الطرق بكلٍّ من البصرة وميناء أم قصر. أقدمها هي طريق البصرة - الفاو التي تمرّ عبر بساتين النخيل، ثم الطريق الجديدة التي تحاذي وتوازي بساتين النخيل من الغرب، ويشق وسط شبه الجزيرة الطريق الاستراتيجية التي تمتد بمحاذاة خطّ أنابيب النفط، وأخيرًا الطريق الساحلية المطلة على خور عبد الله التي تربط الفاو بميناء أم قصر ثم البصرة، وتلتقي كلها شرق مدينة الفاو في ما يدعى بعقدة الطرق.

لقيادة القوات البحرية قاعدتان لإطلاق صواريخ سطح - سطح: القاعدة الأولى الرقم 71 شرق المملحة على ساحل خور عبد الله، والقاعدة الثانية الرقم 81 تقع إلى الشرق من القاعدة الأولى.
مناخ الفاو حار جدًا، ورطوبته عالية معظم أيام السنة، وشتاؤه قصير وأمطاره قليلة. والفاو منفذ العراق الوحيد إلى البحر، ومنطقة وصله للعمل في مياه الخليج العربي، وتمتد منه أنابيب نقل النفط إلى الجزر الاصطناعية التي أقامها العراق في الخليج العربي لاستقبال حاملات نقل النفط العملاقة في خور العمية (الميناء العميق)، وفي خور عبد الله حيث أنشئ ميناء البكر العميق.

الاستحضارات

في اجتماع القيادة العامة (3/10/1987) عرض رئيس أركان الجيش فكرة العمليات، وتصميمه الأولي لمعركة تحرير الفاو، والقيادات التي ستشارك فيها، والموعد التقريبي لتنفيذها، وبعد أن أقرها القائد العام، وأصدر توجيهه باعتماد خطط مخادعة على مستوى الدولة والقوات المسلحة، عملت رئاسة الأركان ومعاونيّة العمليات ومديرية الاستخبارات العسكرية وهيئة التصنيع العسكري على إعداد خطط الاستحضارات، وفق جداول وتوقيتات محددة شملت:

- تفرّغ قيادات فرق وتشكيلات الحرس الجمهوري، والفرقة المدرعة السادسة، وعدد من تشكيلات الفيلق السابع للتدريب، وإكمال نواقصها من الأشخاص والمعدات، وإجراء تدريبات وحداتها وتشكيلاتها لزيادة قدراتها وكفايتها القتالية، والعمل وفق السياقات الصحيحة لكل صفحات المعركة مع التركيز على صفحتي التقدم والهجوم.
- إنشاء مسارح عمليات مطابقة لتلك التي ستقاتل عليها، وإجراء التدريبات والممارسات عليها، والعمل بأحوال المعركة المتوقّعة نفسها. وأنشأ الحرس الجمهوري مسرح عمليات مشابهًا لمواضع العدو في جبهة الفاو في منطقة تقع جنوب مدينة العمارة وعلى بعد نحو 100 كلم من البصرة. وتدرّبت تشكيلات الفيلق السابع في مناطق مشابهًا لجبهته، بعيدًا إلى الشمال من مواضعه المواجهة للعدو. وتدرّبت ألوية المشاة البحرية شمال ميناء أم قصر، وألوية القوات الخاصّة للحرس الجمهوري على عمليات الإنزال السمتيّ في مناطق خلفية قرب القواعد الجوية. وسُميّت العوارض والأهداف في المسارح التي أنشأوها باسم الجبهة الشمالية، فمثلًا الفاو أصبحت حلبجة، والمملحة تسمى دربندخان، وشطّ العرب نهر السيروان، وهكذا تحسبًا لترداد الأسماء الحقيقية، ولإعطاء الانطباع للوحدات والتشكيلات المشتركة في التدريب أن العمل المقبل سيكون في الجبهة الشمالية.

- أُجريت الاستطلاعات لقادة فرق وآمري تشكيلات الحرس الجمهوري في جبهة الفاو تحت غطاء إمكانية تكليفهم بالهجمات المقابلة في حالة خرق العدو مواضعنا الدفاعية في الفاو.
- قمتُ مع قائد الفيلق السابع باستطلاع تفصيلي لقاطع فيلقه حتى حجابات الوحدات الأمامية لتكوين صورة واضحة لخطوط المواجهة الأمامية لقطعاتنا والعدو.
- أجرينا وهيئات الركن العديد من الدراسات للمناطق الصالحة لعمليات الإنزال البحري التي ننوي القيام بها، ومدى تأثير ظاهرة المد والجزر في عملية الإنزال وتوقيتاتها، وطبيعة الساحل الطيني وتحديدها حركة قوات الإنزال. هبطنا بمروحية سمتيّة في جزيرة وربة الكويتية لاستطلاع شاطئها المشابه لمناطق الإنزال المحتملة، ومنها شاهدنا بوضوح سواحلنا التي يحتلها العدو الإيراني، واحتجّت الحكومة الكويتية على هذه الحادثة فادّعينا أنها حدثت عن طريق خطأ غير متعمدٍ.
- حضرنا عددًا من التمارين التي تجريها التشكيلات والفرق المكلفة بالتنفيذ، ومعظمها بالعتاد الحقيقي وفي أحوال مشابهة للمعركة الحقيقية، وأبدينا الملحوظات على أدائها.
- أجرت مديرية المدفعية دراسات تأثير قذائف المدفعية في المستنقعات والأراضي الرخوة، وعن الأساليب الملائمة لمعالجة السواتر الترابية التي يدافع بها العدو، وعن معالجة الملاجئ الكونكريتية فيها. وكانت تعليمات المديرية لكتائب التشكيلات بأن تعتمد رمي الانفلاقات الجوية للحصول على أكبر تأثير، ومعالجة السواتر الدفاعية المعادية بالرمي الخطي لكتائبها، وبتدمير أبراج المراقبة المعادية بالانفلاقات الجوية أيضًا، والملاجئ الكونكريتية برمي الدبابات المباشر وبمدافع مقاومة الدبابات.
- قامت مديرية الهندسة العسكرية والتصنيع العسكري بدراسة تسهيل عمل المشاة والآليات في الأراضي الرخوة، فأوصت باعتماد الحصائر (الحصران) ودعامات الفوم والوسائد لأحذية الجنود، والعجلات القلابة لنقل الحصى والرمل (السبيس Sub Base) لمساعدة حركة العجلات، والجسور الخفيفة لعبور الأحوازات والمناطق المغمورة، وقامت هيئة التصنيع العسكري بتصنيعها وتأمينها.
- أجرت دائرة العمليات دراسة تخص تحشد القطعات المكلفة بالصفحات اللاحقة من الهجوم، لتصل إلى ساحة المعركة في الوقت الملائم لتنفيذ واجبها، وبحساب الوقت والمسافة. فقررتُ حشد القطعات المكلفة بالصفحة الثانية خلف قاطع الفيلق السابع بمسافة كافية، وقطعات الصفحة الثالثة في قاطع الفيلق الثالث كي لا يكشف العدو نياتنا في الهجوم.
-أُجريت دراسات في دائرة العمليات بمشاركة الهندسة العسكرية والقوة الجوية وطيران الجيش عن إمكانية تدمير جسر الأنابيب الذي يربط ضفتي شطّ العرب، الذي يستخدمه العدو لتنقل وإدامة قواته في شبه الجزيرة. أنشئ هذا الجسر من كتل تتألف من 10 - 12 أنبوبًا كونكريتيًا بعرض الجسر، وتمتد الأنابيب من قعر النهر إلى سطحه محسوبًا ارتفاع المياه عند المد، وجرى لَحم كل كتلة بالكامل، وكذلك لَحم الكتل بعضها مع بعض، ودرست أفكار عديدة لتدميره، منها أن يضع رجال الضفادع البشرية متفجرات أسفل الجسر، أو أن يفجره رجال الهندسة العسكرية بواسطة الطوربيدات، وتقرر أخيرًا أن يُدمر بالقوة الجوية بضربات متعاقبة بنوع خاص من القنابل.
- اقترحت رئاسة الأركان تشكيل خلية تنسيق الإسناد الناري من ممثلي دائرة العمليات - القوة الجوية - طيران الجيش - المدفعية - وآمرية الصواريخ أرض - أرض، لتنسيق نوع وحجم وكثافة الإسناد الناري المطلوب، وتحقيق أقصى تأثير وفق المديات والقدرات. ووافق القائد العام على استحداثها وعُمل بها لاحقًا في المعارك كلها.
- قامت هيئة التصنيع العسكري بجهد جبار لتهيئة وتأمين وصناعة ما احتاجته القطعات في هذه المعركة والمعارك اللاحقة من عشرات الآلاف من المعدات والتجهيزات المختلفة.

المخادعة
كانت مخادعة العدو أحد أهم الأمور التي نبّه إليها القائد العام لتأمين مباغة العدو وأطراف أخرى تريد استمرار الحرب واستنزاف قدرات الطرفين إلى أقصى الحدود، وما نذكره أدناه هو بعض ما عملناه وقمنا به لتأمينها:

- قامت مديرية الاستخبارات العسكرية العامة بتسريب معلومات حرصت على أن يسترقها العدو ويحصل عليها بوسائل متعددة، أوهمته من خلالها بأن القيادة السياسية والعسكرية تخصص كل جهدها وقدراتها لمواجهة الخطر المُحدق في المنطقة الشمالية بعد سقوط حلبجة، واستمرار المعارك العنيفة في دربندخان، وبأن مخاوفها تزداد من احتمال استهداف العدو كركوك وحقول النفط فيها، في حالة استمرار هجماته. ولإعطاء الصدقية لهذه التسريبات حركت العديد من أرتال القطعات المنتعشة إلى الشمال، وأعُيدت أرتال القطعات المتضرِّرة إلى الجنوب، وكان تسريب المعلومات وحركة الأرتال يتصاعدان باقتراب موعد معركة الفاو.

- قامت استخبارات الفيلق السابع في الجنوب بتسريب برقيات ورسائل تشير إلى أن الفيلق يشاهد تحركات غير طبيعية لقوات العدو في جبهة الفاو، وأن قواته غير كافية في حالة هجوم العدو، ويطلب تعزيزات لتقوية دفاعاته كما يرغب في قطعات منتعشة لتبديل بعض قطعاته المُتعبة، وكان الغرض من ذلك تبرير إدخال قوات إضافية مخصّصة للتعرض المُقبل في حالة شاهدها العدو.

- استكمالًا لخطط المخادعة، وقبيل تنفيذ معركة التحرير ببضعة أيام، أوعزنا إلى قادة الفيلق الثاني في القاطع الأوسط بالقيام بعملية تعرضيّة في قاطعه لاستعادة عارضة سانوبا، وطلبنا منهم إعداد خطط نارية مكثفة لإسناد هجومهم، وأن يقدموا لنا حاجاتهم من الجهد الجوي والسمتيّ لإسناد عملياتهم. وشرع الفيلق بهجومه لاستعادة العارضة بإسناد ناري مؤثّر، وضربات جوية لاحتياطات العدو ومدفعيته، وإسناد سمتيّ لقطعاته الصائلة. وتمكَّنت قواته من احتلال معظم العارضة في اشتباكات غاية في العنف، إلّا أن تصلّب مقاومة العدو بعد وصول بعض تعزيزاته في الساعات الأخيرة من النهار، وتحسبًا لتكبّد خسائر لا مبرر لها، وخلافًا لرغبة قائد الفيلق الذي كان يريد الاستمرار في هجومه أمرنا بإيقاف الهجوم، وسحب القطعات الصائلة إلى قواعدها، وأبلغناه أن يتهيّأ لشنّ هجومٍ آخر في وقت سنحدِّده في ما بعد.

- كان الرئيس في لقاءاتنا في القيادة العامة التي نناقش فيها بعض الأمور الدقيقة والحساسة من مفاصل الخطة يتعمد أن يكتب استفساره أو ملاحظاته على ورقة ويطلب الإجابة كتابة أيضًا، ومن دون كلام، إذ كان يخشى أن يُسترق السمع إلينا، كما كنا نعقد (رئيس الأركان وبعض ضباط العمليات والقادة) لقاءاتنا لمناقشة الخطط والتحضيرات في بيوت آمنة خارج وزارة الدفاع ورئاسة الأركان، وكنا نحضرها بملابس مدنية لا تسترعي النظر، وبعضنا حضرها بالملابس العربية التقليدية، وكنا نقوم على خدمة أنفسنا لضمان السرية والكتمان.

- في اليوم الأخير قبل التنفيذ انتقل معظم أعضاء القيادة العامة، وفي مقدّمهم النائب العام وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش ومعاونه للعمليات ومدير الاستخبارات العسكرية وضباط ركن آخرون إلى المقرّ المتقدّم للفيلق الأول في السليمانية، وحضّرنا إيجاز قائد الفيلق الموقف في غرفة العمليات على خريطة كبيرة عُلقت في صدر القاعة. وكان الجميع يتابع الإيجاز باهتمام بالغ، وملامح الجدية والوجوم على وجوههم. وصوّر اللقاءَ فريقُ تصوير مديرية التوجيه السياسي، وأُعيد فورًا مع الفيلم بطائرة سمتيّة إلى بغداد، وعُرض في نشرات الأخبار من تلفزيون بغداد الذي يُشاهد بوضوح في مناطق عديدة من إيران. عاد بعدها أعضاء القيادة العامة إلى كركوك بالسمتيّات، ومنها بالطائرات إلى بغداد. وفي مساء اليوم نفسه التقيتُ القائد العام أنا ومعاون العمليات ومدير الاستخبارات، على ضفاف بحيرة أحد قصور الرئاسة في الرضوانيّة حيث أكدتُ له أن كل شيء جاهز وفق ما خُطّط له، وسننطلق ليلًا إلى مقرّ القيادة العامة المتقدّم في منطقة الأثل قرب الزبير جنوب البصرة.

- في الساعة 21.00 أقلعنا على متن طائرتي فالكون 50 من مطار المثنّى في بغداد باتجاه كركوك، وحالما حلّقت الطائرة ذهبت إلى قائدها وأخبرته بتغيير الاتجاه إلى مطار الشعيبة في البصرة، وأمرته ألّا يُفصح عن هوية الراكبين حتى وصولنا. وبعد وصولنا استدعيت آمر القاعدة، وأخبرته أننا هنا لإجراء فحص فوري ومفاجئ لقطعات وقيادة الفيلق السابع، وطلبت منه منتهى الكتمان، وأن يُنسب ضابط استخبارات القاعدة ليكون في بدالة القاعدة لنضمن عدم تسرب خبر وصولنا، وأن يُهيّئ لنا عجلات لنقلنا إلى مقرنا المتقدّم. التفت مدير الاستخبارات في أثناء ذلك ليسأل مرافقي المتدثر بثيابه الشتوية: «أين نحن الآن؟»، فأجابه متعجبًا: «يُفترض أننا في القاعدة الجوية في كركوك، لكن هذه ليست كركوك».

- في الساعة 23.00 فُتح مقرّ القيادة العامة للقوات المسلحة في مقرها المتقدّم حيث بدأت عجلة معركة تحرير الفاو بالدوران.
العدو
سبقت هجوم العدو على شبه جزيرة الفاو في عام 1986 استعدادات كثيرة، حيث اشترى وصنّع عددًا كبيرًا من الزوارق ومعدات التجسير والجسور العائمة، وأجرى تدريبات مكثفة على عمليات الإنزال البرمائي في بحر قزوين المحاذي للاتحاد السوفياتي، وشكّل وحدات كوماندوز برمائية وبدأ باستعداداته هذه منذ منتصف عام 1985.
خاطب الخميني «حرس ثورته» قائلًا: «كانت الفاو مركزًا للإساءة إلى الإسلام، فاذهبوا وخذوا الفاو، ودافعوا عنها لأن الدفاع عنها هو دفاع عن الشعب العراقي وعن الإسلام». وبعد احتلالها صرّح علي خامنئي: «إذا ما تمكَّن صدام حسين من استرجاعها فإنني سأذهب إلى بغداد لتهنئته». وقال محسن رفيق دوست رئيس الحرس الثوري في 24/3/1986: «إننا لم نذهب إلى الفاو كي ننسحب منها، ذهبنا كي نبقى، وسنبقى حتى يتم تحرير العراق».
أما كمال خرازي الناطق باسم مجلس الدفاع الأعلى الإيراني فصرّح في 5/4/1986 بعد احتلال الفاو: «إن إيران تحضِّر لهجوم جديد لشق العراق قسمين، وإننا نعمل على إقامة جمهورية شيعية في جنوب العراق قبل هجومنا على بغداد». وأكد رفسنجاني رئيس مجلس الشورى في 14/4/1986: «شيّدنا مواضع حصينة في شبه جزيرة الفاو وسنصمد ونبقى فيها».

ركّز العدو بعد أن احتل الفاو على جعلها ساحة حرب بالغة التعقيد، فقام بحفر العديد من القنوات بأطوال 5 -10 كلم، وعرض 25 - 50م لإعاقة تقدّم الدروع وحركة العجلات، وغمر مناطق واسعة بالمياه الضحلة على شكل مسطحات مائية بطول 400م وعرض 200م، وأنشأ ثلاثة سواتر دفاعية محصنة بمواضع وملاجئ كونكريتية، وشيّد مصاطب لرمي الدبابات، وزرع العديد من حقول الألغام على المقتربات وعلى سداد المملحة، كما قام بإنشاء أكثر من 70 برجًا للمراقبة والرصد، وربط ضفتي شطّ العرب بثلاثة جسور: اثنان منها متحركان، إذ يُركنان إلى ضفة الشطّ كيلا يرصدهما طيراننا، وتُربط الضفتان ليلًا، إضافة إلى جسر الأنابيب الذي ورد ذكره قبلًا.
أنشأ الإيرانيون وشيدوا شبكة واسعة من أبنية محصنة لمقر القيادة وهيئات الركن، ولضباط الصنوف والخدمات الساندة، ولمواقع الاتصالات والمخابرة، ومستشفى ميدانيًّا وغرفًا ومستودعات أخرى على شكل غرف، وقاعات تربطها ممرات، وكلها مبنيّة من ألواح كونكريتية جاهزة من الإسمنت وأنابيب الحديد، مستطيلة الشكل وأبعادها 3 أمتار ارتفاعًا، و4 أمتار طولًا، تُركّب وتربط بعضها ببعض لتصبح غرفًا وقاعاتٍ وممرات، وفق التخطيط الذي يرغبون فيه، وطُمرت هذه الشبكة الواسعة من الأبنية عميقًا تحت الأرض، وكلها مجهّزة بالكهرباء والتبريد، وكُسيَت بأمتار عدة من الحجارة والتربة، ومُوِّهت كي يتعذّر كشفها أو رصدها من جانب طائراتنا.
كان عدد قوات العدو التي تشغل المواضع الدفاعية في شبه جزيرة الفاو يُقدر بفرقتين من حرس الخميني مع عدد من تشكيلات المغاوير والوحدات النظامية، مُسندةً بوحداتٍ من الدبابات والمدفعية ووحدات الهندسة. وتوجد فرقتان أخريان من حرس الخميني في الجهة الشرقية من شطّ العرب بصفة قوات احتياط وتعزيز عند ظهور مؤشرات تهديد أو تحركات غير طبيعية. وكانت حاجاتهم الإدارية والخدمية متيسّرة في شبه الجزيرة.
خلفية تاريخية عن التخطيط لتحرير الفاو

- بعد خمسة أسابيع من هجمات مستمرة لاستعادة الفاو بعد سقوطها بيد العدو تكبَّدنا فيها خسائر فادحة، قررت القيادة العامة إيقاف الهجمات والتريث لاختيار وقت وظرف ملائمين لتحريرها.
- أجرت القيادة العامة للقوات المسلحة اجتماعات لتدارس وضع خطة التحرير، وتأمين متطلّباتها منذ 16/3/1986، وحددت الأسس التالية للعمل بها:
أ - كفاية في التخطيط والتدريب.
ب - إدارة كفيّة ومقتدرة للمعركة المقبلة.
ج - تطوير قدرات التشكيلات والوحدات التدريبية ورفع قدراتها القتالية.
د - تأمين المباغة.
وفي اجتماعها في 14/5/1986 وُضعت الملامح الأساسية لخطة التحرير ووّجه القائد العام بما يلي:
أ - استعادة الفاو الهدف الذي نضعه أمام أعيننا.
ب - ينبغي ألّا تتأخر استعادتها عن أيلول/سبتمبر أو تشرين الأول/أكتوبر 1986 في أسوأ الأحوال.
ج - توضع الخطة الآن، وتُبحث تفاصيلها لاحقًا مع قائدي الفيلق السابع والبحرية.
د - قيام التشكيلات التي ستُخصص للعملية بإجراء التدريب والممارسات على مناطق تشبه منطقة المعركة في الفاو.
في اجتماع 16/6/1986 تم تشكيل فريق عمل برئاسة الفريق الأول الركن عبد الجبار شنشل وزير الدولة للشؤون العسكرية، وجمَعَ ممثلين عن قيادة الفيلق السابع، وقيادة القوة البحرية، وقيادة القوة الجوية، ومديريات الاستخبارات والتخطيط والحركات لوضع خطة تحرير الفاو، وأطلق عليها اسم «المشروع 22». وفي اجتماع 21/6/1986 نوقشت خطة «المشروع 22» وتمت الموافقة عليها، لكن تعرّض العدو على منطقة مهران في القاطع الأوسط في تموز/يوليو 1986 واستخدام بعض التشكيلات المخصّصة لـ «المشروع 22» أثّرا بشكل مباشر في إمكانية تنفيذه، لذلك ارتُئي إيقاف العمل بالمشروع كما خُطط له. وانطلقنا في تخطيط جديد بعد تسنّمنا رئاسة الأركان العامة على وفق الأسس التي أوردناها سابقًا وبإشراف مباشر من القائد العام ونائبه، مع عدم إغفال أي عناصر إيجابية قد تكون تحققت في تخطيط «المشروع 22».

تخصيص القوات لمعركة التحرير
في خطتنا لمعركة الفاو في 17/4/1988 خصصنا القيادات والتشكيلات التالية: الحرس الجمهوري وفرقتان مدرعتان وفرقتا مشاة وفرقة قوات خاصّة.
أ - إجمالي ألوية الحرس الجمهوري المُنفِّذة
- 20 لواء درع - مشاة آلي - مشاة - قوات خاصّة - مغاوير.
- 36 كتيبة مدفعية وصواريخ.
خمس كتائب هندسة عسكرية.
ب - الفيلق السابع
فرقة مدرعة وفرقة آلية وفرقتا مشاة.
إجمالي الألوية المنفِّذة:
- 16 لواء درع - مشاة آلية - مشاة - مغاوير.
- 24 كتيبة مدفعية وصواريخ.
أربع كتائب هندسة عسكرية.
ج. القوات البحرية
لواء زوارق صواريخ وزوارق خفيفة.
لواء المشاة البحري 440.
سمتيّات الطيران البحري سوبر فريلون الخاصّة بالبحرية.
د. مديرية الاستخبارات العسكرية العامة
وحدتا واجبات خاصّة للعمل خلف خطوط العدو.
ه. القوات الجوية
- سبعة أسراب طائرات هجوم أرضي.
- سربا طائرات ميراج متعددا الأغراض.
- سرب طائرات دفاع جوي.
- رفا طائرات استطلاع.
- رف طائرات ميراج حرب إلكترونية.
و. طيران الجيش : 150 سمتيّة للإسناد والإنزال والاستطلاع والقيادة والسيطرة.

يتبع

 
الخطة
كان توجيه القائد العام لرئيس أركان الجيش في اجتماع القيادة العامة «حاولوا أن تتوصلوا إلى خطط غير تقليدية لمعركتكم المقبلة في الفاو».
التزمنا توجيه السيد الرئيس القائد العام في التخطيط للمعركة الحاسمة المقبلة. فرضت طوبغرافيا المنطقة وطبيعة ساحة المعركة خيارًا وحيدًا هو خرق جبهة العدو والاندفاع للسيطرة على الفاو وتحرير شبه الجزيرة.
بعد استطلاعات ودراسات قدرات العدو وإمكاناته، وحساب ردات أفعاله المتوقّعة وأساليب إدارته المعركة، جرى بناء خطة تحقق الهدف على الرغم من أن خرق دفاعاته هو الخيار، إلا أن تصميمها اعتمد على مباغتته في وقت وبأسلوب لا يتوقعهما، ليعجز عن القيام بردة فعل، ويبقى تحت ضغط مستمر يربكه ويُضعف إرادته ويعجّل في انهياره وهزيمته. وذلك من خلال:
- مباغتته بيوم ووقت الهجوم بخطط مخادعة بتوقيتات محسوبة تشارك فيها الدولة وقواتها المسلحة، وهدف الخطط ليس مخادعته وحده وإنما القوى الكبرى معه خصوصًا أميركا بتوجيه القائد العام.
- تنفيذ خطط نارية موحدة للقوات البرية، والجوية والبحرية وطيران الجيش بحجم وثقل وكثافة لم يسبق للعدو مواجهتها، وضرب مفاصله كلها منذ بداية المعركة حتى نهايتها.
- تهيئة القوات القادرة على تحقيق صدمة ضخمة في هجومها وسرعة في تقدّمها، الأمر الذي يُعجز العدو عن المقاومة والقتال.
- إرباك العدو وتشويشه بعمليات إنزال سمتيّة وبحرية خلف خطوطه الأمامية، وقطع الاتصال بينه وبين احتياطاته وطرق مواصلاته.
- تسلّل المجموعات الخاصّة لمديرية الاستخبارات العسكرية عبر شطّ العرب لنقل المعلومات، وتوجيه ضربات الصواريخ والقوات الجوية إلى مناطق الجسور واحتياطات العمق المعادية.
- المرونة في اتجاهات وأهداف القيادات المُنفِّذة وفق نجاحات أي منها أو إخفاقاته.
- التدخّل المباشر للقيادة العامة ورئاسة أركان الجيش في سير المعركة للتعديل أو التطوير أو الطلب بتداخل صفحاتها كلما تطلّب الأمر ذلك.

المخادعة
لأشهرٍ عديدةٍ سبقت معركة التحرير حتى ليلة الهجوم، عملت أجهزة الدولة المتخصصة ومنها وزارتا الخارجية وإلاعلام وجهاز الاستخبارات العامة على نشر معلومات وتسريبها إلى الجهات التي تتعامل معها من دون أن تدري هذه أنها موجّهة أو تعرف أنها جزء من عمليات وخطط المخادعة للتغطية على نياتنا في جبهة الفاو.
قبل بضعة أيام من موعد معركة الفاو طلب الملحق العسكري الأميركي مقابلة مدير الاستخبارات العسكرية العامة، وعلى الرغم من أنه يُكلّف عادةً أحد ضباط ركنه بهذا اللقاء إلّا أنه وافق على مقابلته شخصيًّا هذه المرة. تعرّض الملحق العسكري الأميركي في أثناء حديثه إلى أنه وزملاءه ملحقي الدول الأخرى لاحظوا تنقلات كثيرة لأرتال عسكرية من بغداد والجبهة الشمالية وإليهما.
- «هذا صحيح»، أجابه المدير، «هناك معارك عنيفة وحاسمة تدور الآن في قاطع السليمانية من الجبهة الشمالية. تعلمون أن العدو قد احتلّ حلبجة، ويكثِّف حاليًا هجماته على دربندخان. هناك خسائر ونقوم بإرسال قوات منتعشة من الجنوب والمركز، ونسحب القطعات المتضرِّرة للتعويض وإعادة التنظيم، ولدينا شكوك في أن العدو قد يستهدف الوصول إلى كركوك وحقول النفط فيها». وأردف قائلًا وهو يودِّعه: «يبدو أن لا شيء يخفى عنكم أنتم مجموعة الملحقين؟».

الخطة النارية
تعلمت من تجاربي السابقة في قيادة فرقة وفيلق خلال المعارك أن نجاحها هو في تنسيق وتكامل حركة ومناورة القطعات مع النيران التي تسندها لتحقيق أكبر تأثير في العدو، هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فمن المهم تأمين حماية وأمن قطعاتنا في الدفاع والهجوم، وفي صفحات المعركة كلها. لذلك حرصتُ دائمًا على أن يكون الآمر المدفعي على اطلاع كامل ومعرفة تامة بتفاصيل خطة العمليات، كي يستطيع بناء خطته النارية لخدمتها وتحقيق أهدافها. وقد نجري تغييرات وتبديلات في الخطة عندما لا تمكّنه موارده من تلبية متطلباتها مثل إجراء تغييرات في حركة القطعات ومناوراتها وتوقيتاتها، كي تتوافق مع نوعية وحجم النيران التي يمكن تأمينها، والخروج بخطة موحدة نضمن بها نجاح المعركة.
تلك كانت الغاية من إيجاد خلية تنسيق الإسناد الناري في معركة تحرير الفاو، ثم عملنا بها في عمليات التحرير اللاحقة كلها. وتشكلت هذه الخلية من ممثلي معاونيّة العمليات في رئاسة الأركان والقوات الجوية والبحرية وطيران الجيش ومديرية المدفعية وآمرية الصواريخ أرض - أرض. وكان يحدد فيها في ضوء خطة العمليات دور كلٍّ من هذه القوات والأسلحة بعد مناقشة القدرات والمديات وثقل النيران المطلوبة لمعالجة مختلف الأهداف. وصُممت الخطة النارية لتولّد صدمة هائلة للعدو لا يفيق منها، ولمتابعته من دون إعطائه فرصة ردة فعل حتى انتهاء المعركة، وحشدنا أكثر من 60 كتيبة مدفعية وصواريخ لهذا الغرض.
قبل 45 دقيقة من شروع قطعاتنا بالهجوم انفتحت نيران أكثر من 1000 مدفع وقاذفة صواريخ على مواضع العدو الأمامية وأبراج مراقبته السبعين، حيث خُصص مدفع لكل برج بانفلاقات جوية[225] لقتل العدو، أو إجباره على الاختفاء في ملاجئه. وفي الـ 15 دقيقة الأخيرة من الخطة النارية تقدمت أكثر من 150 دبابة لتعتلي مصاطب الرمي التي سبق إعدادها في مواضعنا الأمامية، ولتدمر بنيرانها المباشرة مَنَعات العدو وملاجئه المحصنة التي اختبأ فيها.
في هذا الوقت كانت المدفعية الثقيلة البعيدة المدى وصواريخ اللونا، وأس أس 40، وسمتيّاتنا تضرب مواضع المدفعية المعادية واحتياطات العدو ومراكز قياداته والمعابر والجسور في شبه الجزيرة وشرق شطّ العرب. تأخرت القوة الجوية حتى الساعة 8.00 لسوء الحالة الجوية، وشاركت بعدها بفاعلية في تدمير الجسور والمعابر والمقرات والاحتياطات في العمق.
بعد إنجاز خطة النيران التمهيدية وشروع قواتنا بالصولة، تحركت معها كتل النيران لإسنادها في تقدمها وتدمير مقاومات العدو أينما ظهرت، ومن دون توقف حتى إتمام المهمة.

تهيئة القوات
في معركة كبيرة العيار مثل معركة تحرير الفاو التي لم نستطع إنجازها طوال السنتين الماضيتين من الصراع، كانت عملية تهيئة القوات القادرة من أولويات مهماتنا. كانت مواردنا القتالية للمعركة تتألف من الحرس الجمهوري باعتباره قوة مناورة، والفيلق السابع المكلّف بالدفاع في جبهة الفاو.

- الحرس الجمهوري
أو قوة المهمات الخاصّة كما كان يُطلق عليها. قوة ضاربة من خمس فرق ضخمة بتشكيلاتها وأسلحتها وعدد ملاكاتها من الأفراد، وهي أكبر من فرق الجيش. اختير لها أفضل القادة والآمرين والضباط الموجودين في فرق الجيش ومؤسساته. جنودها من المتطوعين من عشائر المنطقة الغربية والشمالية الغربية من العراق، المعروفين بغيرتهم وتمسّكهم بقيمهم العربية وإخلاصهم وبسالتهم في القتال. كان تسليحهم وتجهيزهم أقوى وأحدث من تسليح وتجهيز فرق الجيش، أما ما كان ينقصهم فالمعدات والوسائط التي تساعدهم في اجتياز الموانع والمعرقلات التي أحدثها العدو في جبهة الفاو، من إغمار ومسطحات مائية لأراضٍ هي رخوة وسبخة أصلًا، وقامت هيئة التصنيع العسكري والهندسة العسكرية بتأمين كل ما احتاجوا إليه. وبعد أن كُلفت بالواجب أجرت فرق الحرس تدريبات شاقة وممارسات عديدة على مسرح عمليات مشابه لجبهة الفاو في منطقة تقع جنوب مدينة العمارة في قاطع الفيلق الرابع.

- الفيلق السابع
المكلف بالدفاع عن جبهة الفاو، شاركت فرقه وتشكيلاته في معارك الفاو السابقة دفاعًا وهجومًا طوال سنتين تكبَّد فيها خسائر كبيرة، وبعد أن كُلف بالواجب عُزز بتشكيلات منتعشة ومُدربة، وسُحبت القديمة لإعادة التدريب وإكمال نواقصها في الأفراد والتجهيزات قبل إشراكها في المعركة المقبلة، لما لها من خبرة واطلاع على العدو وعاداته وأساليبه.

من الطرافة أن نذكر أن قائد الفيلق الفريق ماهر عبد الرشيد أبدى استعداده وقطعاته وجاهزيته للقتال على الفور عندما استدعاه القائد العام. وعندما زرناه قدّم لنا قائمة طويلة من طلبات بعضها كان مبالغًا فيه من التشكيلات إلى التجهيزات ووحدات الإسناد، وفوجئ كثيرًا عندما وافقنا عليها، وأضفنا إليها المزيد.
أُرسلت تشكيلاته المكلفة بالواجب للتدريب في مناطق مشابهة لواجبه في الجبهة إلى الشمال، خارج رصد العدو. وجُهِّز الفيلق وتشكيلاته بالمعدات التي تساعده في القتال في بساتين النخيل، واستلم عشرات الجسور الخفيفة التي صنّعتها هيئة التصنيع العسكري لعبور الأنهر الصغيرة والأحوازات.

- البحرية
كُلفت البحرية بحماية الجناح الأيمن للقطعات المتقدّمة من أي تدخل معادٍ من جهة البحر، وتقديم الإسناد الناري لها، ومشاغلة مؤخرة القطعات المعادية، كما يجب أن تكون جاهزة لتنفيذ إنزال باللواء البحري 440 خلف العدو عند الحاجة إلى إرباكه وتهديده وقطع خطوط مواصلاته.

- العمليات الخاصّة
كما وضعنا لواء قوات خاصّة ليُجري تمارين إنزال عدّة قرب قاعدة الشعيبة جنوب البصرة، بالإنذار لتنفيذ عملية إنزال بالسمتيّات خلف العدو عند أي موقف يتطلبه سير المعركة في الجبهة. كما وُضعت مجموعتا عمليات خاصّة إحداهما لتنفيذ واجباتٍ خلف العدو، والأخرى من الضفادع البشرية لمسك ومراقبة أماكن محددة في الضفة البعيدة من شطّ العرب.

المرونة في الاتجاهات والأهداف وتدخّل المستوى القيادي الأعلى
الفاو هي الأرض الحيوية في شبه الجزيرة، والاستيلاء عليها يُنهي المعركة عمليًا، وما تبقى يكون تحصيل حاصل، وكانت تقع في اتجاه تقدّم الفيلق السابع، وبالتالي كان من الطبيعي أن تكون هدفه النهائي.

في العرض الذي قدمتُه لتفاصيل الخطة بحضور القائد العام ونائبه وزير الدفاع وقائدي فيلقي الحرس الجمهوري والفيلق السابع في الاجتماع الأخير للقيادة العامة قبل عملية تحرير الفاو في 13/4/1988 أوضحت من دون أي التباس وكررتها لهما أكثر من مرة، أن الفاو ستكون دائمًا الأسبقية الأولى وتكون الهدف الأول للحرس الجمهوري في حالة تأخر الفيلق السابع أو تعثره.
كما بيّنا للقائدين أننا سنكون معهما في المعركة خطوة بخطوة، لا من أجل أن نُراقِب فحسب بل لنتدخل ونعدِّل ونُغيّر، كلما تطلب الأمر ذلك لضمان نجاح المعركة.

يتبع
 
سير المعركة

مقر القيادة العامة المتقدّم في منطقة الأثل (البرجسية) قرب مدينة الزبير
الساعة 23.00 (الحادية عشرة ليلًا) في 16/4/1988.
بعد وصولنا مباشرة أرسلنا ضابطي ارتباط من مقرنا إلى قائدي فيلق الحرس الجمهوري والفيلق السابع يحملان رسائل مغلقة ومختومة لتُسلّم لهما باليد. لم نجرِ أي اتصال تلفوني أو لاسلكي لضمان الكتمان، وجاء في تلك الرسائل ما يلي:
- فتح مقرنا بالمقر المتقدّم للقيادة العامة في الساعة 23.00 في 16/4/1988.
- تنفَّذ عملية تحرير الفاو فجر يوم غد 17/4/1988، وفق التوقيتات التالية:
• تنفَّذ الخطة النارية في الساعة 5.45 في 17/4/1988.
• تشرع قواتكم بالهجوم في الساعة 6.30 في 17/4/1988.
التوقيع
رئيس أركان الجيش
المقرّ المتقدّم للقيادة العامة

كان القائدان قد تبلغا بيوم التنفيذ وساعة الشروع قبل ثلاثة أيام، في 13/4/1988 في اجتماع القيادة العامة بحضور القائد العام ونائبه، ولم يكن في أمرنا هذا أي تغيير.
أرسلنا ضابط ارتباط آخر برسالة مغلقة ومختومة إلى قائد القوات البحرية بالمضمون نفسه. عاد ضباط الارتباط وأكدوا بأنهم سلّموا الرسائل المختومة إلى القادة. وبعد أقل من نصف ساعة، وصل ضابط الركن الأول للفيلق السابع طالبًا مقابلتي لأمر مهم،
فقال: «إن قائد الفيلق الفريق ماهر عبد الرشيد يُخبرنا بأن فيلقه لم يكمل قياسات أعتدة المدفعية لمعركة الغد، ويطلب تأجيل العملية 24 ساعة».
قلت: «تم تبليغ قائدك قبل ثلاثة أيام بموعد وتوقيتات عملية التحرير. ألم يكن ذلك كافيًا لإكمال قياسات أعتدة المدفعية؟».
قال: «أنقل لك ما بلغني به قائد الفيلق سيدي». سألته: «ما هي قياسات الأعتدة التي لم يجرِ إكمالها حتى الآن؟».
أجاب: «قياسات الصفحة الثانية، والثالثة سيدي».
سألته: «هل يعني هذا أن قياسات أعتدة الخطة النارية التمهيدية، والصفحة الأولى موجودة؟». أجاب: «نعم سيدي».
قلت: «اذهب وبلِّغ قائدك أن ينفِّذ حرفيًا ما أمرنا به. وسنقوم بإكمال قياسات أعتدة الصفحة الثانية، والثالثة قبل شروعكم بها إن لم تستطيعوا ذلك».
كان هذا نهج وأسلوب الفريق ماهر عبد الرشيد في تعامله مع آمريه (المافوق)
كونه من أقارب الرئيس ووالد زوجة قصي ابن الرئيس الأصغر. لم تكن تعنيني كثيرًا قرابته ونسابته إلى القائد العام، فعليه تنفيذ الأوامر حرفيًا، فمعركة تحرير الفاو لم تكن لعبة يلهو بها.

يتبع
 
المعركة
سكون يسود جبهة الفاو فجر يوم 17/4/1988.
اهتز سكون الجبهة بدويٍ هائلٍ لانفجار مئات آلاف القنابل التي أطلقتها فوهات أكثر من 1000 مدفع، والمئات من قاذفات الصواريخ، بقصف لم يسبق له مثيل في تمام الساعة 5.45 على سواتر العدو الدفاعية المواجهة لقواتنا في جبهة الفاو. واستمر القصف لمدة خمس وأربعين دقيقة من دون توقف. وفي الخمس عشرة دقيقة الأخيرة منه اندفعت مئات الدبابات لتعتلي مصاطبَ الرمي التي أُعِدَت لها في مواضعنا الأمامية لتدمر بتصويب مباشر المئات من منَعات وملاجئ العدو الكونكريتية التي احتمى بها من لم يُقتل بانفجارات آلاف قنابل الانفلاقات الجوية (فوق الرؤوس) بالقصف المدفعي.
في الساعة 6.30 اندفع عشرات الألوف من الجنود والضباط، وهم يحملون الحصائر (الحصران) المعدنية ليجتازوا مستنقعات المملحة للاشتباك بالعدو في جبهة الحرس الجمهوري، ومعهم الجسور الخفيفة المحمولة على الأكتاف لعبور الأنهر والأحوازات إلى مواضع العدو في بساتين النخيل في جبهة الفيلق السابع.
مع القصف المدفعي أقلعت من ميناء أم قصر المئات من الزوارق المسلحة وزوارق الصواريخ بحماية سمتيّات السوبرفريلون البحرية المسلحة بصواريخ إكزوسيت (AM-39) جو - سطح لضرب السفن إلى خور عبد الله، لحماية الجناح الأيمن لتقدُّم قوات الحرس الجمهوري ولضرب مؤخرات العدو. وفي الساعة 8.00 هاجمت الموجة الأولى من طائرات القوات الجوية قواعد العدو في الضفة الشرقية لشط العرب، والجسور التي تربط ضفتي الشط، بعد تحسُّن الحالة الجوية وانقشاع الغبار عن المنطقة. وغطّت سماء الجبهة سمتيّات طيران الجيش لتتابع تقدّم وطلبات القطعات منها، ولتنقل تقاريرها إلى خليّة الإسناد الناري في مقرنا.

كانت الأخبار الطيبة عن تقدّم قطعاتنا الحثيث في جبهة فيلق الحرس الجمهوري تتوالى، وضباط ركن مقرنا منشغلون بتأشير مواقف الحركات بدبابيسهم الزرق على خريطة الموقف الكبيرة المعلقة في صدر القاعة، أما في قاطع الفيلق السابع فتباطأ تقدّمهم للمقاومة الشديدة التي واجهتها جماعات نصب الجسور على أنهر وأحوازات بساتين نخيل شطّ العرب.

انتقلتُ مع معاون العمليات ومدير الاستخبارات وعدد من ضباط الركن إلى مقرّ قيادة قوات الحرس الجمهوري المتقدم. استقبلنا قائده الفريق الركن إياد فتيح الراوي والحبور يغطي وجهه، وقال: «الموقف أكثر من جيد سيدي، ورجالنا يتقدمون تعقبهم دبابات فلق الألغام، ودبابات التجسير مع رجال الهندسة، ومئات العجلات القلابة لرصف الطرق بالحصى والسبيس في المملحة والمسطحات المائية، وأتوقع أن أتمكَّن من دفع ألوية الدبابات خلال ساعة أو ساعتين».

قلت: «هذا جيد بل جيد جدًا، وأتوقع أن تنجزوا الصفحة الأولى قبل الوقت المحدد لها». قال: «نعم، بإذن الله». وسألته: «وماذا عن تضحياتنا؟». قال: «محدودة حتى الآن». قلت: «توقع احتمال تقديم وقت الصفحة الثانية. سنذهب الآن إلى مقرّ الفيلق السابع. هل تطلب مني شيئًا؟». قال: «كلا، شكرًا سيدي».

في المقرّ المتقدم للفيلق السابع استقبلنا الفريق ماهر عبد الرشيد متجهم الوجه، فقطعاته كانت تواجه مقاومة شديدة في عبور الأنهر والأحوازات، ويتعرض جناحها الشرقي لرمي مؤثر من الضفة الشرقية لشط العرب، وكان متذمرًا من قيادة الفرقة السابعة التي تقود تشكيلات الجناح الأيسر من جبهته. وقال: «أريد مقرّ الفرقة الثانية التي كانت مسؤولة عن هذا القاطع قبل أن نسحبها للتدريب وإعادة التنظيم». كنت قد استبقتُ الأمر ووضعتُ مقرّ الفرقة الثانية بالإنذار، فقلت له: «حسنًا، سأرسل لك مقرّ الفرقة الثانية، وسأنقلها بالسمتيّات. لدينا المجموعات الخاصّة في الجانب الشرقي من النهر، اتصلوا بخلية الإسناد الناري، واحصلوا على المعلومات لمواقع العدو التي تؤثِّر فيكم من شرق النهر، وعالجوها بجهد مدفعي مناسب، وسأذهب الآن إلى المقرّ المتقدم للفرقة المدرعة السادسة».
تحركنا في عجلتي واز (عجلة ميدانية روسية تشبه عجلة الجيب واليوتلتي الأميركيتين اللتين يستخدمهما آمرو الوحدات) كي لا نسترعي الأنظار، وتوجهنا إلى المقرّ المتقدم للفرقة السادسة الكائن خلف محور ألويته الهاجمة. أوقف دليلنا العجلتين في منطقة قريبة، وأمر سائقيها أن يتفرقا كي لا يُرصدا، ونزلنا راجلين إلى ملجأ مموّه. استقبلنا العميد الركن نوفل إسماعيل الناصري قائد الفرقة. قلت: «الله يساعدك عميد نوفل. أخبرني عن الموقف؟». أجاب: «إن اللواءين المهاجمين قد توقفا لعنف المقاومة، وتكبَّدا خسائر». قلت: «اتصل بهما الآن لنعرف إن كان هناك أي تطور؟».

أمر ضابط ركنه الجالس على منضدة عليها أجهزة الهاتف الميدانية في الجانب الآخر من الملجأ، لذلك كنت أسمع صوت ضابط ركنه وهو يتكلم مع الجانب المقابل له على الجهاز، كان يقول: «ماذا؟ أتقول أن اللواء قد أبيد؟ وماذا عن اللواء الآخر؟ هل أُبيد أيضًا؟». ثم التفت إلينا، وقال مخاطبًا قائده: «إن اللواءين قد أُبيدا سيدي». امتقع وجه العميد نوفل وكساه الشحوب. ناديت ضابط الركن «تعال هنا». جاء مسرعًا، وأدى التحية. قلت له: «ما اسمك؟»، فأجاب: «العقيد الركن محمد علي ضابط الركن الأول سيدي». فزجرته قائلًا: «هل هكذا علموك نقل المواقف؟». قال: «سيدي، أردتُ نقل الموقف بسرعة إلى القائد». قلت له: «قف هناك»، والتفتُّ إلى الفريق معاون العمليات وقلت له: «اتصل بآمري اللواءين وافهم تفاصيل موقفيهما».

بدأ الفريق حسين رشيد يتكلم معهما بهدوء قائلًا: «إني الفريق حسين رشيد، وأريد أن أسألكم عن العدو؟ أين هو؟ وما عدده؟ وكيف يؤثِّر فيكم؟». وبعد أن استمع إليهما قال: «أين هي وحداتكما الأمامية الآن، ما هو موقفها؟ ما حجم الخسائر التي تكبَّدتها؟». واستمع مرة أخرى ثم قال: «ما هي إجراءاتكما؟ وما المطلوب منا لمساعدتكما على استئناف تقدمكما؟»، وبعد أن انتهى أخبرنا بأن الأفواج متوقفة حاليًا، وأن العدو خلف أحد الأحوازات الكبيرة، ومتخفٍ في الأدغال وأشجار النخيل. لديهم خسائر وسيستأنفون التقدم تحت غطاء نيران هاوناتهم وكتائب المدفعية المخصصة لإسنادهم المباشر، نيران مدفعية الفرقة التي طلبوا إسنادها. وتم لهم ذلك على الفور، وأضفنا كتائب أخرى من مدفعية الفيلق، وأرسلنا لهم السمتيّات.

انتحيت بالعميد نوفل جانبًا وقلت له: «في مثل هذا الموقف عليك شخصيًّا الاتصال بمرؤوسيك لمعرفة الموقف بدقة ووضع الحلول، ويجب أن تتبعوا السياقات في إصدار واستلام المواقف، فالسرعة لا تعني إغفالها، وأخيرًا من هذا العقيد محمد علي، وماذا تعرف عنه؟». أشرتُ إلى مدير الاستخبارات فجاء فقلت له بحضور قائد الفرقة: «العقيد محمد علي أعتقد أن وراءه شيئًا ما، سنأخذه معنا لتحقق عناصركم معه[226]. وأنت يا نوفل أحضر بديلًا منه من مقرك الرئيس حالًا».
اتصلتُ بمقرنا لمعرفة الموقف في جبهة الحرس، فأخبروني بأنهم مستمرون في تقدمهم، وعلى وشك إكمال الصفحة الأولى. واندفعت ألويتهم المدرعة على الطرق التي مهّدتها هندستهم. أخبرت العميد نوفل بذلك وأمرته أن يستغل نجاح وتقدّم الحرس ودروعه على جناحه الأيمن، وأن يشرع الآن في دفع دباباته ومُشاته الآلية إلى الأمام، وهذا ما سيعجل في انهيار العدو أمام ألوية مشاته المتوقفة، ثم تركناه وهو يصدر أوامره لألويته المدرعة ومشاته الآلية بالتقدم.
عدنا إلى مقرّ الفيلق السابع المتقدم، والتقينا ثانية الفريق ماهر الذي قال: «ألوية الفرقة السابعة لا تزال متوقفة عن التقدم، وأصدرتُ الأوامر بدفع الفرقة الاحتياط لشن الهجوم من خلال ألويتها». قلت: «هل تحركتْ؟ أوقف ذلك على الفور». قال: «لا لم نتحرك بعد، لكن لماذا؟». قلت: «يا فريق ماهر الفرقة السادسة قد تحسن موقفها، وشرعت ألويتها المدرعة بالتقدم مستفيدة من النجاح الذي أحرزه الحرس على جناحها الأيمن. أنت تعرف بذلك أليس كذلك؟». قال: «نعم». قلت: «فلماذا إذًا لا تعزز نجاح الفرقة السادسة، وتطوّره؟ ادفع تشكيلات الاحتياط خلفها، وأصدِر الأوامر بذلك فورًا». نادى أحد ضباط ركنه وأملى عليه أوامره، وأرسله على عجل لتبليغ فرقة الاحتياط.

عدنا إلى المقرّ المتقدم لقيادة الحرس الجمهوري، وكانت الساعة نحو الحادية عشرة صباحًا، وكان الحرس قد أنجز الصفحة الأولى، واجتازت قواته منطقة المملحة، وسيطرت على منطقة المشروع 71، عدا أحد ألويته الذي تأخر في احتلال هدفه حيث كان المانع المائي الذي يجتازه عميقًا وواسعًا، وكانت تواجهه بعض المقاومة. فأوعز قائد الفرقة المعني للواء المجاور الذي كان قد أكمل هدفه بالالتفاف حول المقاومة المعادية، فتم ذلك، ودُمِّرت المقاومة المعادية بالكامل، وشرعت قوات الحرس الجمهوري في إعادة التنظيم على الهدف تمهيدًا للشروع في الصفحة الثانية.

يتبع
 

أصدر القائد العام بيان القيادة العامة الذي يُخبر فيه الشعب العراقي أن قواتنا شرعت بتعرّضها في جبهة الفاو، وكانت مفاجأة لشعبنا وللأمة التي طال انتظارها انتزاع الفاو من أيدي المحتلين. وكان أول المتفاجئين نائب الرئيس عزت الدوري والقيادة العليا للحزب، بل قادة الجيش الذين لم يشاركوا في المعركة.
في الساعة 13.00 شرعت قطعات الصفحة الثانية للحرس الجمهوري في الهجوم لاحتلال أهدافها، تحت غطاء نيران خطة نارية مكثّفة. وكانت قواتنا الجوية تضرب في العمق الإيراني لساحة العمليات، عبر شطّ العرب والجسور والمعابر، من دون توقف منذ صباح اليوم لمنع العدو من تعزيز قواته في شبه جزيرة الفاو.

في الساعة 14.00 تمكَّنت قطعات الفيلق السابع من إنجاز أهداف الصفحة الأولى، حيث عبرت قناة الإغمار الأولى، وشرعت في إعادة تنظيم صفوفها لاستئناف التقدم واحتلال أهداف الصفحة الثانية. انتقلنا مرة أخرى إلى مقرّ الفيلق السابع المتقدم، واستقبلنا الفريق ماهر هذه المرة بوجهٍ يشع بالفرح والبهجة، وصافح بحرارة جميع من كانوا معي. قلت: «عمل جيد فريق ماهر (كنت أريد رفع معنوياته لينفِّذ بقية أهدافه باندفاع) لم أتفاجأ بتأخركم بسبب بساتين النخيل والأحوازات. هل وصلك مقرّ الفرقة الثانية؟ (كنت أعلم بوصولها)». قال: «نعم». قلت: «جيد إذًا، أمورك جيدة الآن. توكل على الله، وأريد أن أسمع أخبارًا طيبة منك».

عدنا إلى مقرّ الحرس الجمهوري المتقدم في الساعة 16.00، وكان القائد العام ونائبه موجودَين في المقرّ. أدّينا التحية، ودعانا إلى الجلوس فأوجزت له زيارتنا إلى مقرّ الفيلق السابع، وكان تقدّم قوات الحرس للصفحة الثانية يجري بقوة واندفاع، تجاه مقاومة معادية ضعيفة نسبيًّا، وكان من المتوقع أن تُنجز معظم أهدافها خلال الساعة أو الساعتين المقبلتين. قال الرئيس: «لننتقل إلى الغرفة الثانية لنقرر إجراءاتنا للمرحلة التالية».

قال القائد العام: «حقّقت قطعاتنا، والحرس بالذات، أكثر مما هو مخطط لها حتى الآن، ومقاومة العدو بدأت تخف وتضعف، وأرى من المناسب أن نستغل هذا الموقف، ونندفع لاحتلال الفاو هذه الليلة قبل أن يُعزَّز العدو بقطعات إضافية من الضفّة الأخرى. ويرى الفريق عدنان أن نقوم بإنزال لواء قوات خاصّة بين الفاو وجسر الأنابيب لحجز العدو وتدميره، وعدم السماح له بالانسحاب».

«سيدي الرئيس، قلت، أتوقع أن تسيطر قوات الحرس على عقدة الطرق المؤدية إلى الفاو قبل غروب هذا اليوم، وأن يُكمل الفيلق السابع صفحته الثانية باحتلال قناة الإغمار الثانية هذه الليلة، وهذا يعني أن الفاو قد أصبحت تحت سيطرتنا من الناحية العملية، وأن لا مجال للعدو باستمرار المقاومة والدفاع عنها. لن يدفع تعزيزات أخرى كي تُباد في معركة هو يعرف أن لا جدوى منها. إن قطعات الحرس، سيدي الرئيس، لم تدرَّب على قتال المدن ليلًا، وقد يؤدي ذلك إلى إرباك وخسائر لا مبرر لها. كما أرى أنه لا داعي لإنزال لواء القوات الخاصّة بين الفاو وجسر الأنابيب الآن؛ هو موجود وجاهز مع السمتيّات في أم قصر، لكن كما ترى الرياح لا تزال نشطة، وإنزاله قد يسبب خسائر في السمتيّات بسبب إثارة الغبار وانعدام الرؤية وتأثير العدو من الجانب الآخر من شطّ العرب. أخيرًا، أعتقد أنه من الأفضل ترك العدو يتسلل عائدًا إلى الضفة الأخرى عبر الجسور المُهشمة أو سباحة من أن نحاصره ونجبره على القتال».

قال: «أمامنا الآن وجهتا نظر، ولكل منها مبرراتها، وأرى أننا يجب أن نتوصل إلى حلّ للقرار على المسلك الذي نتبعه».
قلت: «إذا سمحت لي سيدي الرئيس؛ بعد أن نسيطر على عقدة الطرق المؤدية إلى الفاو، ويُكمل الفيلق السابع صفحته الثانية، ندفع مجموعات استطلاع قتالية من الحرس للتسلل إلى مدينة الفاو لمسك الأطراف والبيوت الخارجية منها، وتتقدّم بتروٍ وحذر شديدين، فإن كانت هناك مقاومة فاعلة تتوقف وتشاغلها، كي لا تترك وقتًا للقوة المعادية للراحة وإعادة التنظيم. ثم نهاجمها غدًا بعد قصف مدفعي بمدفعية قوات الحرس الجمهوري، وإن لم تكن هناك مقاومة أو كانت ضعيفة تستمر المجموعات في تقدمها، وتكمل احتلال المدينة».
التفت القائد العام إلى الوزير، وقال: «ما رأيك فريق عدنان بما اقترحه رئيس الأركان؟». ابتسم الوزير وقال: «الرأي رأيك سيدي الرئيس، وما اقترحه رئيس الأركان أراه مناسبًا». قال الرئيس: «إذًا فلنتكل على الله، وأصدروا الأوامر بذلك».

في الساعة 19.00 تمكَّن الحرس الجمهوري من احتلال عقدة الطرق المؤدية إلى مدينة الفاو، وفي الساعة 21.30 بدأت مجموعات استطلاع قتالية صغيرة بالتقرب بحذر شديد إلى أطراف مدينة الفاو.
في الساعة 22.30 تمكَّنت الفرقة السادسة في قاطع الفيلق السابع من عبور قناة الإغمار الثانية، وشرعت في ترصين مواضعها في الضفة الشرقية من القناة، وبذلك يكون الفيلق السابع قد أنجز الصفحة الثانية. فأصدرتُ أمرًا إلى الفيلق السابع بالتوقف وترصين مواضعه، وأن تُغير ناصية بعض قواته لتطهير بعض المقاومات المتبقية باتجاه الضفة الغربية لشط العرب، وأن على قوات الحرس الجمهوري التواجد في عقدة الطرق المؤدية إلى الفاو، وبعضها في أطراف المدينة، وأن الفاو ستكون هدف الحرس الذي سيهاجمها غدًا، إن لم تتمكَّن طلائعه من احتلالها هذه الليلة.

في الساعة 2.00 اتصل بي قائد فيلق الحرس الفريق إياد فتيح الراوي، وقال: «سيدي اتصل قبل قليل الفريق ماهر عبد الرشيد وأخبرني أنه سيقوم بقصف مدينة الفاو لأنها هدفه النهائي في خطة معركة الفاو، فأخبرته أن القيادة أصدرت أمرًا بقيام قوات الحرس باحتلال الفاو، وأن قطعاتنا في عقدة الطرق، وجنودنا في أطراف المدينة وفي بعض البيوت في مخارجها، وطلب مني أن أسحبهم، لأنه سينفّذ قصفه المدينة تمهيدًا لاقتحامها». قلت: «طيب، لا تغيير في الواجب الذي كُلِّفتَ به، وسأجري ما يلزم».

كان معي معاون العمليات، يستمع إلى المكالمة مع قائد الحرس، فقلت له: «الظاهر أن الفريق ماهر لا يريد أن تمر الأمور بسلام». اتصلتُ بمقر الفيلق السابع، وطلبت قائده فرد عليَّ رئيس أركانه قلت: «أين الفريق ماهر؟». أجابني «إنه مع القطعات الأمامية سيدي» (كنت متأكدًا أنه موجود في المقرّ). قلت: «ما هذا الأمر الذي يريد به قصف مدينة الفاو واقتحامها خلافًا لأمرنا الذي أصدرناه إليكم؟». قال: «هذا ما أمر به قائد الفيلق». قلت: «أوقفوا كل ما أصدره إليكم، وسيأتيكم أمرٌ بذلك».

أصدرت أمرًا على الفور، وكان مضمونه (يُنحّى الفريق الركن ماهر عبد الرشيد عن قيادة الفيلق السابع، ويتولّى قيادة الفيلق رديفه اللواء الركن صلاح عبود. ويُقدم إلى المحكمة العسكرية في حال عدم تنفيذه الأمر الصادر إليه). بعد قليل اتصل رئيس أركان الفيلق وقال: «تم تبليغ أمركم إلى قائد الفيلق، وسيُنفذ ما أمرته به حرفيًا».
اتصل حسين كامل المشرف على الحرس الجمهوري، وقال: «إن الفريق ماهر يريد أن يبيد جنودنا الموجودين في أطراف الفاو، فأخبرته بأن لا شيء من ذلك سيحدث، وأن الفريق ماهر سيتقيد بما أُمِر به».

يتبع
 
في الساعة 9.00 من صباح اليوم التالي أجرت القوات البحرية إنزالًا باللواء البحري 440 في المشروع 81 من اتجاه مرسى أمير المؤمنين جنوب مدينة الفاو. وفي الساعة 12.00 تم تحرير الفاو والسيطرة عليها بشكل كامل باللواء 19 حرس جمهوري، معززًا بكتيبة دبابات، وسيطر لواء «قوات خاصّة حرس جمهوري» وآخر من مغاويره على الضفة الغربية لشط العرب وعلى جسر الأنابيب ومنطقة المعابر. واندفعت قوات أخرى من الحرس الجمهوري وسيطرت على ناحية الخليج العربي وعلى رأس البيشة، آخر نقطة في شبه الجزيرة، ورفعت عليها العلم العراقي. وبهذا تم تطهير قطاع مهم من أرض العراق الطاهرة انتهكه العدو في غفلة من الزمن، وضحى العراقيون بدماءٍ عزيزة لتحريره وإعادته إلى وطنه العزيز العراق العظيم.
في الساعة 14.00 اتصل الرئيس القائد العام وطلب مني أن أتأكد بشكل قاطع من أنه لم تبقَ أيُ قدم إيرانية تُدنس أرض الفاو، وأن شبه الجزيرة بأكملها قد أصبحت تحت سيطرة قواتنا. وعلى الرغم من أنني كنت متأكدًا من ذلك، إلا أني تنفيذًا لأمر الرئيس القائد العام أرسلتُ عددًا من ضباط ركن مقرنا في سمتيّات إلى كافة المواقع التي سيطرت عليها قواتنا في شبه الجزيرة، وتأكدوا على الأرض، ومع آمري قطعات الحرس في المواقع كافة، من أن كل شيءٍ على ما يُرام وأن قواتنا قد بسطت سيطرتها الكاملة على شبه جزيرة الفاو.
في الساعة 16.00 أخبرت القائد العام أن شبه الجزيرة بأكملها تحت سيطرتنا، ولا وجود لأي إيراني عليها. فقال: «جيد، سنُصدر الآن البيان عن انتصارنا في الفاو».

في الساعة 18.00 زرنا المقرّ المتقدم للفيلق السابع وشاهدنا تجمّعًا كبيرًا من الجنود الذين يهتفون. وكان القائد العام ونائبه بينهم، وهما يلوِّحان لهم، ولمّا غادرا جاءني الفريق ماهر واعتذر عما بدر منه ليلة البارحة، فقلت له: «فريق ماهر، هذا النصر يمحو كثيرًا من الأخطاء».

في الساعة 19.00 أذيع بيان القيادة العامة للقوات المسلحة الرقم 3147 الذي أعلنت فيه بشرى النصر الكبير بتحرير الفاو.
عدنا إلى المقرّ المتقدم للحرس الجمهوري الذي سبقنا إليه القائد العام ونائبه، وتقدّمتُ مع أعضاء القيادة الذين كانوا معي لتحيّته وتحية الوزير، وعندما صافحته قال وهو يشد بقوة على يدي: «دخلت التاريخ يا فريق نزار من أوسع أبوابه في هذه المعركة، لأنك رئيس أركان هذا الجيش العظيم»، فأجبته: «أشكرك سيدي الرئيس».
قبل أن نغادر طرح الرئيس فكرة أن تعبر قوة إلى الجانب الإيراني من ضفة شطّ العرب، وتبقى هناك بعض الوقت لإشعار الإيرانيين بأننا لم نكتفِ بتحرير الفاو بل عبرنا إلى أرضكم. قلت له: «سيدي الرئيس إن القوة التي ستعبر ستُواجه بكل ما يملكه الإيرانيون من نيران، وسنضطر إلى سحبها، وهذا ما سيُعيد إلى الإيرانيين بعض معنوياتهم التي انهارت في هذه المعركة». قال الرئيس: «غضوا النظر عن ذلك، إنها كانت مجرد فكرة. في هذه الحالة لا داعي لإبقاء جسر الأنابيب، فاعملوا على تدمير ما تبقى منه، واعملوا على استلام الفيلق السابع مسؤولية شبه الجزيرة وحرروا الحرس». فأجبته: «سنعمل على ذلك سيدي». واستأذنته في غلق مقرّنا المتقدم والعودة، فأذن لنا، وكان ذلك في الساعة 23.00 (18/4/1988).
بعد ثلاثة أيام من انتهاء معركة الفاو (21/4/1988) عُقد اجتماع للقيادة العامة للقوات المسلحة برئاسة الرئيس القائد العام ونائبه ورئيس أركان الجيش ومعاون العمليات ومدير الاستخبارات، حضره أيضًا حسين كامل المُشرف على الحرس الجمهوري ورئيس هيئة التصنيع العسكري. كان الغرض منه مناقشة أسبقيات العمل بعد الفاو والقرار عليها. عرض رئيس الأركان[227] أسبقيات العمليات التي سنعمل عليها في المرحلة المقبلة، وكانت كما يلي:
- تحرير الشلامجة شرق البصرة في قاطع الفيلق الثالث.
- تحرير حقول مجنون النفطية في هور الحويزة في قاطع الفيلق السادس.
- تحرير قاطع الزبيدات في الطيب شرق العمارة في قاطع الفيلق الرابع.
قال القائد العام: «ولماذا هذا التسلسل؟». قلت: «سيدي الرئيس اختيرت هذه التوقيتات وفق أهمية وتأثير كلٍّ منها. فالعدو في الشلامجة بمحاذاة البصرة، ويقصفها يوميًا كما تعلم سيادتكم، وقد يُفكر في مباغتتنا بعمل ما في هذا الاتجاه بعد خسارته الفاو، ثم إن قوات الحرس الجمهوري موجودة في القاطع، وبهذا لن تكون هناك تحركات واسعة لحشدها تسترعي انتباه العدو. أما حقول مجنون التي ستكون آخر المعارك الصعبة، فالحرس قريب، وكذلك الفيلق الثالث الذي قد نُشركه مع الفيلق السادس، ونضمن تفوقًا لن يستطيع العدو مواجهته. وفي هذه المعارك كما في معركة تحرير الفاو سيكون هدفنا الأول طرد العدو، وتحرير الأرض المحتلة لأهميتها أكثر من أسره أو تدميره. تبقى معركة الزبيدات في قاطع الفيلق الرابع وما يتبعها من معارك، وفيها سنُركز على تدمير قواته وما تبقى من آلته العسكرية، وأسر أكثر ما يمكن من قواته».

ابتسم القائد العام، وقال: «فريق نزار هذ جيد، لكنه مثل قص البقلاوة أين المباغتة في ذلك؟ سيكشف العدو على الفور أسبقياتك هذه، ويتهيأ لنا في كلٍّ منها؟». قلت: «سنحوّل انتباهه قبل أي معركة في اتجاه آخر، وأعتقد أن المباغتة ستتحقق بهذا التسلسل الذي لا يتوقعه العدو». بعد لحظات تأمل قصيرة ابتسم القائد العام وقال: «إنها إذًا مباغتة المباغتة سنباغته من حيث لا يتوقع أن نباغته». والتفت إلى وزير الدفاع وقال: «أليس كذلك فريق عدنان؟». «بالتأكيد سيدي الرئيس»، أجاب الوزير الذي كان يتابع بتركيز وانتباه المناقشة الجارية.
- «إذًا اعملوا على خطة تحرير الشلامجة وسنناقشها في اجتماعنا المقبل إن شاء الله». وهنا انبرى حسين كامل قائلًا: «ألم تسمع سيدي بما حدث مع الفريق ماهر ليلة تحرير الفاو؟».

- «ماذا حدث؟». أجاب حسين كامل: «الفريق رئيس الأركان يمكن أن يخبرك بالتفاصيل بشكل أفضل». فالتفت إليّ الرئيس مستفسرًا؟
أخبرته بما حدث، وكيف تهرّب الفريق ماهر من مكالمتي تلفونيًا بحجة أنه موجود مع القطعات الأمامية، فاضطررت إلى إصدار أمر بتنحيته عن قيادة الفيلق، وتكليف رديفه اللواء صلاح عبود بها، وتقديمه إلى محكمة عسكرية في حالة عدم تنفيذه الأمر بالتوقف، بعد إكمال الصفحة الثانية في العاشرة ليلًا، وتكليف الحرس الجمهوري الذي احتلّت قواته عقدة الطرق المحاذية للمدينة بتحرير الفاو.
قال الرئيس والانزعاج بادٍ على وجهه: «كيف تُنحِّي قائد فيلق مشارك بالمعركة، وأنا موجود معكم في الجبهة؟». أجبت: «سيدي الرئيس، الحادثة كانت في الساعة الثانية ليلًا، وقدَّرت أن سيادتكم كنتم مرتاحين (نائمًا)، ولم أرغب في أن أزعجكم بعد أن امتثل الفريق ماهر للأمر، وسارت الأمور كما خُطط لها، ولا أعتقد أنني تجاوزت صلاحيتي في إدارتي للمعركة». تأمل الرئيس إضبارة الأوراق التي أمامه صامتًا ثم رفع رأسه، وقال: «الفريق عدنان وزير الدفاع، والفريق نزار رئيس أركان الجيش لهما صلاحية القائد العام في ساحة العمليات».
انتهى الاجتماع لتبدأ أعمال التخطيط والتحضيرات لمعركة الشلامجة بعد أن أقرّها القائد العام.

حضرنا مراسم تكريم الفريق إياد فتيح الراوي قائد فيلق الحرس الجمهوري وقادة فرقه، بأوسمة الشجاعة لأدائهم المتميِّز في معركة الفاو، وحضرها جميع أعضاء القيادة القطرية للحزب ووزير الدفاع والفريق الأول الركن عبد الجبار شنشل وزير الدولة للشؤون العسكرية وأعضاء القيادة العامة في القصر الجمهوري، ودخل منتسبو (موظفو) التشريفات قاعة المراسيم وهم يحملون صواني كبيرة عليها العشرات من أوسمة الشجاعة.
في أواخر عام 1986 حضرتُ مراسيم تكريم قائد الفيلق الرابع وعدد من قادته، وكنت آنذاك معاون رئيس أركان الجيش للعمليات، ودخل أحد منتسبي المراسيم يحمل صينية عليها نحو 12 إلى 15 وسامًا، وقبل أن يبدأ الرئيس بتقليد الأوسمة قال: «حكت لي أم عدي (السيدة قرينته) أن بعض صديقاتها زرنها قبل أيام، وتحدثن عن الفاو، وسألنها: «يا أم عدي إلى متى ستبقى الفاو بيد العدو؟». سكت الرئيس ثم قال: «وتقول أم عدي إنني أخجل بعد الآن من أن أنظر في عيونهن»».

سكت الرئيس وترقرقت عيناه بالدموع، فهرع أحد المرافقين بعلبة مناديل ورقية فتناول الرئيس بعضها لمسح عينيه. وبعد دقائق قال: «القائد الذي تُحرّر قطعاتُه الفاو له كل هذه الأوسمة».
لقد قال وأوفى.
بعد بضعة أيام حضرنا مراسيم أخرى، وهذه المرة لقائد الفيلق السابع الفريق ماهر عبد الرشيد، وبعض قادة فيلقه الذين شاركوا في معركة تحرير الفاو، وحضر معظم الذين ذكرتهم في تكريم قادة الحرس الجمهوري، وكُرم الفريق ماهر وقادته بوسامي شجاعة لكلٍّ منهم.
كان التأثر وعدم الارتياح باديين على وجه الفريق ماهر الذي طلب الكلام، فأذِن له الرئيس، فتكلم مدّعيًا أنه كان من الممكن أن يكون هو الأول، وتكون الفاو من حصته لولا دخول الحرس وأخذ المبادرة منه. ثم تكلم عن رفع علم فوق الفاو، وكلامٍ آخر لم أفهم تمامًا ماذا كان يعني به.

كان الغضبُ واضحًا على وجه الرئيس، فأشار إلى فريق التلفزيون الذي كان يصور المراسيم بالخروج ثم التفت نحوي، وقال: «فريق نزار، إحكِ لنا والرفاق أعضاء القيادة عن أداء الحرس والفيلق السابع في معركة الفاو».
حكيت بعض ما حدث، وعن مستوى أداء كلٍّ منهما وأسبابه. فسألني الرئيس: «هل كان بإمكان الفيلق السابع، لو لم يُحقق الحرس ما حققه، أن يُنجز أهدافه؟»، فأجبته: «كلا سيدي». فأضاف الرئيس: «كان لا يمكنه تحقيق حتى الصفحة الأولى»، ثم التفت إلى الفريق ماهر، وقال: «جيد أنه لم يكن هناك حساب لأني لا أريد أن يكون هنالك كلام عن جيش وعن حرس». وترك القاعة غاضبًا.
 
دَوّرْ رِجال الْمِساحَةِ العسكرية في الْحَرْبِ الْعِراقِيَةِ الإيرانية ( 1980 – 1988 )

اللواء فوزي البرزنجي

1. المقدمة

أ. الكلية العسكرية العراقية في منتصف القرن العشرين كانت قِبْلَةَ الشباب العراقي والعربي المؤمن بأهمية الإنخراط في هذه المؤسسة العراقية العريقة التي تَرْفُدْ الجيش العراقي الباسل والجيوش العربية برجال مُسَلَحْيّنْ بِالْعِلِمْ والخِبْرة العملية التي تُُؤهِلِهِمْ لقيادة الوحدات العسكرية للدفاع عن حدود العراق والوطن العربي ، في اليوم الأول من الإلتحاق بالكلية العسكرية وعند الدخول إلى قاعة منام الطلاب المنظمة تنظيماً رائعاً تجد أمام كل خزانة حديدية ( دولاب ) من خزائن الطلاب بطانية مفروشة على الأرض ذات وجهين الوجه الأول بِاللون الخاكي مَكْتُوبُ عليها الكلية العسكرية والوجه الثاني بِاللون الأخضر الفاتِحْ ، وضع فيها كامل التجهيزات العسكرية زائداً الكتب العسكرية المقرر تدريسها في السنة الأولى الصف المستجد...

HU.M.chamas.JPG


من ضمن هذه الكتب كتاب التخطيط لِمُؤلِفهُ المرحوم اللواء الركن حسين مكي خماس ..

Alaadin.M.kamas.JPG


و لاحقاً تم تنقيح هذا الكتاب وإعادة طَبْعُهُ وبِتَصْمِيمٍ جديد من قبل نجل المؤلف الأول اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس أطال الله في عمره .

ب. تناوب على تدريس مادة التخطيط لطلاب الدورة 44 حيث كُنْتُ أحد طُلابها في السنة الأولى النقيب مدفعية ضياء الدين جمال (الفريق الركن قائد الفيلق الثالث لاحقاً ) وفي السنة الثانية والثالثة الملازم الأول مدفعية عبد الجواد ذنون (الفريق الأول الركن رئيس أركان الجيش لاحقاً) أطال الله في أعمارهم ، أغلب مواضيع كتاب التخطيط مضمونها يتعلق بقراءة الخريطة في الميدان ( مقياس الرسم للخريطة - توجيه الخريطة إلى جهتها الأصلية – إيجاد المحل على الخريطة – قياس المسافة على الخريطة - الإحداثيات – المُنْحَنَياتِ الأفقية ) إضافَةَ إلى مواضيع أخرى كثيرة منها إتجاه الشمال الحقيقي والإتجاهات المغناطيسية والوسائل المساعدة على قراءة الخريطة منها ( الحك (القنباص) - المنقلة العسكرية - عجلة قياس المسافة ) .

2. مُدِيرِيَة الْمِسْاحَةِ الْعَسْكَريَة
أ. مديرية الْمِساحَةِ العسكرية مقرها في مدخل الشارع الموازي لشارع فلسطين الذي يؤدي إلى وزارة الداخلية وفي الجهة المقابلة للوزارة في هذا الشارع يوجد مُعَسْكَرْ كلية القيادة وإلى جوار سياج الكلية يوجد عدد من الجملونات وفي هذه الجملونات كانت تُرْكَنْ ورشة مكائن طباعة الخرائط العسكرية العائدة إلى مديرية الْمِساحَةِ العسكرية.

ب. رجال الْمِساحَةِ العسكرية هم الجُنود المَجْهولون بكل معنى الكلمة الذين لم تطأ أقدامهم المناطق الخلفية من أرض المعركة لكن جُهْدَهُمْ وعملهم وإنتاجهم موجود في كل متر من جبهات القتال براً وبحراً وجواً ولايمكن إنجاز أي عمل عسكري بدون إنتاجهم سواء على صعيد القوات البرية أو القوات الجوية أو طيران الجيش أو القوات البحرية جهدهم مثبت في كافة مراكز القيادة في أعلى المستويات العسكرية والقيادات الميدانية من مستوى الفيلق نزولاً إلى مستوى الفوج / الكتيبة ولدى كل قائد ميداني من مستوى قائد فرقة إلى مستوى آمر فصيل / آمر رعيل / ضابط راصد ولدى كل طيار يقود طائرة مُقاتِلْةَ أو طيار يقود طائرة سمتية مقاتله أو قائد قطعة بحرية في عُرْضِ الخليج العربي .
ج. من هم هؤلاء الرجال ماهي رتبهم العسكرية ، ماهو إرتباطهم بأي دائرة من دوائر وزارة الدفاع ، ماهو تأريخ تشكيل صنفهم إن صح التعبير، إين مكان عملهم ، ما نوع مكائن الطباعة التي لديهم ، من أي مَنْشَاْ مستورد، كم ساعة يعملون في اليوم ، كم نوع من الخرائط يطبعون ، أين ذهبت مكائن الطباعة العائدة لهذه المديرية بعد إحتلال العراق ، ماهو مصير هؤلاء الرجال بعد حل الجيش العراقي الباسل من قبل الشيطان الملعون بريمر؟
كل هذه الأسئلة مطلوب الإجابة عليها وبالتفاصيل الدقيقة لأهميتها
د. رجاء إلى كل الذي يقرؤون هذا المقال تبليغ من يعنيهم المقال لتوثيق جهدهم وتأريخهم لأنه أمانة تأريخية بأعناقهم ، جهدهم وخدمتهم للجيش العراقي الباسل لا يعلو شئٍ عليها ، نعرف عنهم القليل ونأمل أن يسلط الضوء على عملهم ليطلع شباب العراق على جهد هؤلاء الرجال الغيارى المخلصين .

Almasahaa.4.JPG


3. أنواع الخرائط

أ. الخرائط الطبيعية .
ب. الخرائط الجغرافية.
ج. خرائط طرق المواصلات .
د. الخرائط السياحية .
ه. الخرائط التربيعية ( العسكرية )
و. كما توجد خرائط للأغراض الزراعية والأغراض الصناعية .

4. أنواع الخرائط التربيعية ( العسكرية ) حسب مقياس الرسم
المقصود بالخرائط التربيعية هو رسم خطوط التشريق و خطوط التشميل ( خطوط الطول وخطوط العرض ) على وجه الخرائط وذلك لغرض إستخراج الإحداثيات إلى العوارض الطبيعية والأماكن الصناعية المثبته على الخرائط و المواقع العسكرية المؤشرة على الخرائط وهي :

أ. خرائط مقياس 1 / 1000000 - واحد سنتيمتراً على الخريطة يساوي عشرة كيلومترات على الأرض .
ب. خرائط مقياس 1 / 500000 - واحد سنتيمتراً على الخريطة يساوي خمسة كيلومترات على الأرض .
ج. خرائط مقياس 1 / 250000 - واحد سنتيمتراً على الخريطة يساوي إثنان ونصف كيلومتر على الأرض .
د. خرائط مقياس 1 / 100000 - واحد سنتيمتراً على الخريطة يساوي واحد كيلومتر على الأرض .
ه. خرائط مقياس 1 / 50000 - واحد سنتيمتراً على الخريطة يساوي خمسمائة متراً على الأرض .
و. خرائط مقياس 1 / 25000 - واحد سنتيمتراً على الخريطة يساوي مائتين وخمسون متراً على الأرض .
ز. خرائط مقياس 1 / 10000 – واحد سنتيمتراً على الخريطة يساوي
مائة متر على الأرض .

Almasahaa.3.JPG



5. إسْتِخْدام الخرائط التربيعية ( العسكرية )
أ. تُسْتَخْدَمْ الخرائط التربيعية المبينة آنفاً في الفقرات ( أ- ب ) في المادة 4 أعلاه مقياس ( 1/ 1000000 – 1 / 500000 ) في مراكز حركات القيادات العُلْيا عندما تكون جبهات القتال واسعة ، وكذلك تُسْتَخْدَمْ من قبل قادة طائرات النقل العسكرية وقادة الطائرات السمتية أثناء التنقل من منطقة إلى أخرى .

ب. تُسْتَخْدَمْ الخرائط التربيعية المبينة آنفاً في الفقرات ( أ- ب ) في المادة 4 أعلاه مقياس ( 1/ 1000000 – 1 / 500000 ) من قبل قادة الطائرات المقاتلة أثناء تنفيذ الْمُهماتِ الْجَوَّيِة في عمق أراضي العدو بشكل خاص لأنها تتناسب مع إرتفاع وسرعة الطائرات المقاتله أثناء تنفيذ المهمات الجوية .

ج. تُسْتَخْدَمْ الخرائط التربيعية المبينة آنفاً في الفقرة ( ج ) في المادة 4 أعلاه مقياس ( 1 / 250000 ) من قبل قادة الطائرات السمتية المقاتلة أثناء تنفيذ الْمُهماتِ الْجَوَّيةِ في جبهات القتال بشكل خاص وكذلك في عمق أراضي العدو إذا تطلب الموقف ذلك لأنها تتناسب مع إرتفاع وسرعة الطائرات السمتية أثناء تنفيذ المهمات الجوية .

د. تُسْتَخْدَمْ الخرائط التربيعية المبينة آنفاً في الفقرات ( د - ه ) في المادة 4 أعلاه مقياس ( 1 / 100000 – 1 / 50000 ) في غرف الحركات الميدانية في جبهات القتال على مستوى (الفيلق / الفرقة) نزولاً إلى مستوى (اللواء / الفوج / الكتيبة) وكذلك تُسْتَخْدَمْ من قبل القادة الميدانيين من مستوى ( قائد فرقة / آمر لواء / آمر فوج / آمر كتيبة / آمر سرية ) وفي بعض الأحيان إلى مستوى آمري الفصائل آمري الرعائل أثناء قيادة تشكيلاتهم و وحداتهم في المعارك في كافة صفحات القتال .

هـ. تُسْتَخْدَمْ الخرائط التربيعية المبينة آنفاً في الفقرات ( و- ز) في المادة 4 أعلاه مقياس ( 1 / 25000 – 1 / 10000 ) في غُرَفِ الحركات الميدانية في جبهات القتال على مستوى (اللواء / الفوج / الكتيبة) لغرض بيان مواقع إنفتاح الوحدات الفرعية ( السرايا / الفصائل / الرعائل ) في جبهات القتال.

و. تُسْتَخْدَمْ الخرائط التربيعية المبينة آنفاً في الفقرات ( د - ه ) في المادة 4 أعلاه مقياس ( 1 / 100000 – 1 / 50000 ) على نِطاقٍ واسع في مواقع القيادة لكتائب الصواريخ أرض أرض ومواقع القيادة لكتائب مدفعية الميدان التي بالإسناد أو بالإسناد المباشر وآمري الكتائب وآمري البطريات وضباط الرصد لغرض إعداد وتنفيذ الْخُطَطِ الْناريَةِ الهجومية والدفاعية وتلبية طلبات النيران الفورية في كافة جبهات القتال.

Almasahaa.2.JPG


6. تلاحك الخرائط التربيعية
لغرض إبراز قاطع عَمَلِياتٍ مُعَيّن لِمِنْطَقَةٍ مُعَيٍّنة أغلب الأحيان نحتاج إلى خارطتين تربيعيتين أو أكثر وهذا يتطلب طي الخريطة الثانية أما لِحافَتِها التشريقية لكي تتطابق مع خُطُوطُ التشريق للخريطة الأولى أو طي الخريطة الثانية لِحافَتِها التشميلية لكي تتطابق مع خُطُوطُ التشميل للخريطة الأولى ، وهذه العملية تُسَمْى تلاحك الخرائط .

7. الْمُحافَظَةٍ على الْخَرائطَ وَ وَسائلُ الْتَأشْير
أ. لغرض المحافظة على الخرائط الْمُثبَتَةِ في لوحات غُرَفْ الحركات في مراكز القيادة الْعُلْيا أو القيادات الميدانية أو الخرائط الْمُسْتَخْدَمَةِ من قبل القادة والآمرين بمختلف المستويات والطيارين يتم تغليفها بنايلون شفاف لاصِقْ يُسَمْى فابلون .

Karittaa.0.JPG


ب. يَتُمُ تأشير محاور التقدم أو محاور الهجوم أوالمواضع الدفاعية والحدود الفاصلة و رموز الوحدات المعادية والصديقة بدبابيس وأقلام ماجك خاصة تُسْتَخْدَمْ لهذ الغرض .


8. الإحداثيات ( مَدْلُولات الْتَرْبيع )

يُقْصَدُ بالإحداثيات بيان موقع العوارض الطبيعية مثل الْجِبْالْ والرواقم الجبلية والمضائق الجبلية والبُحَيَّرات الْطَبِيعيةِ والأنهار وعيون الماء والغابات والعوارض الصناعية كخط الحدود والسدود المائية والْبُحَيِّرات الْصِناعِيِّة والقنوات المائية الصناعية والمبازل والطرق والجسور وسكك الحديد والمدن والقرى والمصانع والمطارات والمعسكرات والْقِلاعْ ، الموجودة على الأرض فعلاً والمرسومة على الخرائط التربيعية إضافة إلى مواقع إنفتاح القطعات المعادية والقطعات الصديقة في ساحات العمليات .

أ. مدلولات تربيع من أربعة أرقام : إن العوارض الطبيعية الكبيرة الحجم مثل الْجِبالْ والمضائق والْبُحَيّرات والمواقع الإنشائية مثل الْمُدُنْ والمطارات لغرض الدلالة عليها على الخريطة يُمْكِنْ حَصْرَها بمدلولات تربيع من أربعة أرقام أي بين خطي التشريق والتشميل المرسومة على وجه الخارطة .
ب. مدلولات تربيع من ستة أرقام : القرى والْمُخَيِّمات والقناطر والجسور الصغيرة والرواقم الجبلية والعلامات الحدودية والمخافر الحدودية والأبراج والمراصد ومواقع إنفتاح القطعات الْمُعادِيِّة والقطعات الصديقة في ساحات العمليات التي تقع ضِمْنَ مربع من مربعات الخريطة الذي يبلغ طول ضلعه على الأرض وفق مقياس الرسم ولغرض الدلالة عليها يُقَسُّم ضلع المربع على الخريطة إلى عشرة أقسام عندئذ يمكن حصرها بمدلولات تربيع من ستة أرقام .
ج. مدلولات تربيع من ثمانية أرقام : الأهداف المعادية الصغيرة الحجم في جبهات القتال مثل المراصد الأرضية وأبراج الرصد العمودية ومحطات الإتصال اللاسلكية التي تقع ضمن مربع من مربعات الخريطة الذي يبلغ طول ضِلْعَهُ على الأرض وفق مقياس الرسم وللدلالة عليها لغرض معالجتها بالمدفعية يُقَسُّم ضلع المربع على الخريطة إلى مائة قسم عندئذ يتم حصرها بمدلولات تربيع من ثمانية أرقام .

9. تسقيط المنشأت والمواقع على الخرائط التربيعية

أ. لإطالة أمد الحرب العراقية الإيرانية وللظروف والمتغيرات في طبوغرافية ساحات القتال مثل الطرق والسواترالترابية والقنوات المائية وإنشاء مُعَسْكَراتْ لإيواء وتدريب الوحدات الْمُعادِيِّة في المناطق الخلفية لساحات العمليات ومواقع صواريخ أرض جو وشقق هبوط الطائرات المعادية والصديقة الأمر الذي يتطلب تسقيط هذه العوارض والمواقع الْمُسْتَجَدَةِ على الخرائط التربيعية.
ب. يوجد عدد من الوسائل التي بواسطتها يتم الحصول على المعلومات التي ذُكِرَتْ في الفقرة ( أ ) أعلاه منها التصوير الجوي الذي كانت تقوم به طائرات الإستطلاع الجوي المتطورة نوع ميك ( 25 ) إضافَةً إلى تصوير الأقمار الصناعية لمناطق ساحة العمليات زائداً وكلاء ( إ س ع ) داخل أراضي العدو.
ج. يقوم رجال مديرية الْمِساحَةِ العسكرية على مختلف رُتَبهِمْ بِعَمَل دؤوب يواصلون الليل بالنهار لغرض تسقيط المعلومات الآنِفِةً الْذِكْرِ على الْخَرائِطِ الْتَرْبِيِعيِّة وتحديث الخرائط وطبعها وتوزيعها إلى الجهات العسكرية ذات العلاقة من أجل التعامل معها من قِبَلِ أسلحة القطعات العسكرية حسب الإختصاصات الْمُتَيَسِرِّة في القوات البرية والقوات الجوية والقوات البحرية وطيران الجيش.

10. الخاتمة

أ. مما تقدم تبرز أهمية الخرائط التربيعية في ميدان المعركة وأهمية دَوُّر الرجال العاملين في مجال تدقيق وتحديث وطبع الخرائط وتزويد القيادات والقطعات العسكرية بها .
ب. ملاحظة جَدِيرةَ بالْذِكرِ ومُهِمةٍ جِداً : القادة والآمرين وضباط الركن وجميع الضباط الذين لا يَجِيدُونَ قِرْاءة الخريطة يشبهون بمِثْلِ الرجل الضرير الذي لايرى ما يَدُورُ حَوُلَهُ من أحداث خاصة في ميدان المعركة .

عن موقع الكاردينيا
 
Handasaa.1.JPG


دَورُ صِنْفُ الْهَنْدَسَةِ الْعَسْكَرِيَةِ في الْحَرْبِ الْعِراقِيَةِ الإِيرانِيَةِ (1980 – 1988 )

اللواء فوزي البرزنجي


1. الْمُقَدِمَة

أ. يَحْتَلُ صِنْفُ الْهَنْدَسَةِ الْعَسْكَرِيَةِ التسلسل الرابع بين الْصُنوفِ المقاتلة في الجيش العراقي الباسل الأكْثَرُ خُطورَةً بعد صنف المُشاة وصنف القوات الخاصة والمغاوير والصنف المدرع وصنف الهندسة العسكرية وصنف المدفعية .

ب. يؤدي الضباط وضباط الصف والجنود من صنف الهندسة العسكرية واجباتهم القتالية المتنوعة في الحافات الأمامية لأرض المعركة ذات الطبوغرافية المتنوعة والظروف الجوية السيئة ليلاً ونهاراً تحت تأثير نيران المدفعية المعادية بشجاعة منقطعة النظير بدون كَلَلٍ أو مَلَلْ ، والتي تتضمن واجباتها زرع حقول الألغام ونصب الموانع السلكية وفتح الطرق في المعارك الدفاعية ، وفتح الثغرات في حقول الألغام والموانع السلكية في المعارك التعرضية .
ج. يتعامل الضباط وضباط الصف والجنود من صنف الهندسة العسكرية مع أخطر أنواع الأسلحة فتكاً في العالم وهي الألغام الْمُضادَةِ للأشخاص والألغام المضادة لعجلات القتال المدرعة في ظُروفٍ قتالية شديدة التعقيد، عملهم يتطلب المهارة العالية والدقة في الإنجاز والسرعة في العمل والثقة بالنفس ، كل هذه العوامل يضعها رجال الهندسة العسكرية نُصْبَ أعينهم خلال تنفيذ الواجبات القتالية التي يُكَلفُونَ بها أمام رصد المراصد المعادية وتحت نيران مدفعية العدو .

د. سنذكر في هذا المقال أمثلة لواجبات قتالية نفذها رجال الهندسة العسكرية في مختلف أنواع الأراضي في ظروف المعارك التي خاض غمارها لواء المُشاة التاسع عشر أحد ألوية فرقة المُشاة السابعة الذي تَشَرَفْتُ بِقِيادَتِهِ خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية ( 1980 – 1988 ).

2. دَورُ صِنْفُ الْهَنْدَسَةِ الْعَسْكَرِيَةِ في ساحة قتال المنطقة الجبلية
سبق أن كَتَبْتُ مَقالاً بعنوان (تجربتي في قيادة لواء مُشاة في زمن الحرب) وَنُشِرَ في موقع الكاردينيا وعلى الرابط أدناه :

ولا نريد إعادة شرح التفاصيل عدا ما يخص دورالهندسة العسكرية في هذا القاطع الدفاعي في قاطع بنجوين في مدينة السليمانية .

إقتباس من المقال الآنف الذكر

أ. طبوغرافية المنطقة
تُعْتَبَرُ سلسلة جبل هرزلة الخط الدفاعي الأول إتجاه أي هجوم يقوم به العدو الإيراني من إتجاه الشمال الشرقي بإتجاه مدينة السليمانية ، جنوب سلسلة جبل هرزلة وبخط موازي لها يوجد وادي واسع فيه مسار مجرى النهر القادم من داخل الأراضي الإيرانية من إتجاه الشرق بإتجاه الغرب ، جنوب النهر توجد سلسلة جبلية محاذية لمجرى النهر وموازية لسلسلة جبل هرزلة لكنها أقلُ إرتفاعاً ، كلما إتجهنا نحو الغرب مسافة ثلاث كيلومترات توجد مجموعة رواقم غير مترابطة فيما بينها ، يفصل بين الرواقم وبين سلسلة جبل هرزلة الطريق الترابي الذي يربط مجمع نال باريز السكني بالقرى الكائنة إلى جهة الغرب ، جنوب النهر توجد سلسلة جبلية عمودية على مجرى النهر طولها بحدود 3 كيلومترات في نهايتها الراقم 1654 ، يَتَلاحَكُ الراقم 1654 مع سلسلة جبلية تشكل حرف ال بالإنكليزية تمتد إلى جوارته ، تعتبر وعرة نسبياً شمال هذه السلسلة يوجد حوض واسع منبسط نسبياً ، سفح جبل هرزلة الجنوبي ومجموعة الرواقم الغير مترابطة مع سلسلة الراقم 1654 شَكَلَتْ الجناح الايسر للموضع الدفاعي لفرقة المُشاة السابعة الذي كان يدافع فيه لواء المُشاة التاسع عشر .

ب. لقاء ضباط سرية هندسة الصولة

خلال عودتي من زيارة الموضع الدفاعي للفوج الثاني إلى مقر اللواء في اليوم الأول شاهدت أكداس من الأسلاك الشائكة وصناديق الألغام مبعثرة خلف الموضع الدفاعي لوحدات اللواء حال وصولي إلى المقر طَلَبْتُ من
مقدم اللواء عقد مؤتمر لضباط سرية هندسة الصولة إسْتَفْسَرْتُ من آمر السرية عن أسباب عدم إكمال منظومة المانع أمام قاطع الفوج الثاني أجابني عدم تيسر المواد ، قلت له الظاهر إنك لم تقوم بزيارة مواضع الوحدات
بدليل عدم مشاهدتك لأكداس مواد الموانع السلكية وصناديق الألغام خلف الموضع الدفاعي التي تكفي لقاطع لوائين طَلَبْتُ منه وضع خطة عمل وفق الأسبقيات لإكمال منظومة المانع بنوعيها الأسلاك الشائكة وحقول الألغام بِدْأً من الجناح الأيمن للموضع الدفاعي على أن يتم إستطلاع الأماكن ونقل المواد إلى الأمام نهاراً وبمساعدة الوحدات ويجري العمل ليلاً على أن يُقدَمْ تقرير يومي عن نسبة إنجاز العمل في منظومة المانع إلى مقر اللواء مُعَزَزَاً بمخطط مناظري لأماكن العمل.
ج. الحزم والمهنية في العمل

أولاً. مما تقدم في الفقرة ( ب ) أعلاه كان هناك إهمال غير مقصود من قبل آمري الأفواج وآمر سرية هندسة الصولة بعدم إكمال منظومة المانع أمام المواضع الدفاعية للأفواج بسبب عدم زيارة هيئة رُكْنْ مقر اللواء للأماكن الدفاعية الأمامية وعدم إطلاعهم على نسبة إنجاز منظومة المانع أمام جبهة اللواء وعدم حث سرية هنسة الصولة على إنجاز منظومة المانع .

ثانياً. تشكل منظومة المانع السور الأمامي الحصين للموضع الدفاعي وأي خلل فيها يؤدي إلى فسح المجال للعدو بمهاجمة الموضع الدفاعي بأقل ما يمكن من الوقت والجهد والخسائر لذا ينبغي إتخاذ الإجراءات السريعة لمعالجة هذا الخلل الجسيم الناتج عن عدم الحزم من قبل آمر اللواء السابق وهيئة رُكْنْ مقر اللواء .

د. الإجراءات العملية التي تم إتخاذها لمعالجة الخلل

أولاً. عُقِدَ مؤتمر لضباط سرية هندسة الصولة و خلال المؤتمرتَمَ شرح المخاطر التي تترتب على التراخي في تنفيذ منظومة المانع أمام جبهة الموضع الدفاعي ووجدنا حرص وإندفاع من ضباط السرية لكن الخلل كان من قبل هيئة رُكْنْ مقر اللواء بعدم حثهم على أهمية تنفيذ منظومة المانع .

ثانياً. تم حث آمري الوحدات على مساعدة سرية هندسة الصولة بنقل المواد من خلف الموضع الدفاعي إلى أقرب نقطة في الأمام إقتصاداً بالجهد والوقت المبذول من قبل عناصر سرية هندسة الصولة .

ثالثاً. وضع خطة عمل لإنجاز منظومة المانع بتقسيم منتسبي السرية إلى مفارزعمل قسم يتخصص بنصب منظومة الموانع السلكية والقسم الأخر يتخصص بزرع حقول الألغام ضد الأشخاص إبتداءاً من الجناح الأيمن للموضع الدفاعي على أن يكون العمل ليلاً وبإشراف وسيطرة آمري الوحدات .
رابعاً. تقديم تقريرعن نسبة إنجاز العمل اليومي إلى مقر اللواء لغرض إطلاع آمر اللواء شخصياً عليه لتذليل الصعوبات والمعوقات والحماية في تأمين ونقل المواد إلى أقصى الأمام .

خامساً. بالرغم من طبوغرافية المنطقة الجبلية المعقدة والظروف الجوية السيئة في موسم الشتاء وتدخل العدو أحياناً بقصف المنطقة بالمدفعية و الهاونات الثقيلة وسعة جبهة الموضع الدفاعي التي تجاوزت الخمسة كيلومترات بذل منتسبي سرية هندسة الصولة ضباط ومراتب جهد وإندفاع مضاعف في إنجاز المهمة التي أنِيطَتْ بِهِمْ بدون كَلَلٍ أو مَلَلْ وبدون خسائر
بشرية وبِوَقْتٍ قصير جداً.
هـ. ثمرة التخطيط والتوجيه الصحيح
بعد فترة قصير شكلت قيادة فرقة المُشاة السابعة لجنة لفحص التحكيمات للتشكيلات العاملة في عموم قاطع الفرقة والتي كان عددها خمسة تشكيلات فكانت نتيجة التشكيل الفائز الأول من حصة لواء المُشاة التاسع عشر هذه النتيجة هي كانت ثمرة التخطيط والتوجيه الصحيح من قبل مقر اللواء وجهود عمل الضباط والمراتب من صنف الهندسة العسكرية الذين واصلوا العمل ليلاً ونهاراً تحت ظروف إستثنائية من أجل الدفاع عن أرض العراق ضد العدوان الإيراني الغاشم .
3. دَورُ صِنْفُ الْهَنْدَسَة الْعَسْكَرِيَةِ في ساحة قتال منطقة الأهوار
سبق أن كتبت مقال بعنوان ( الموقف ما بين معركة شرق دجلة آذار 1985 – و قبل معركة الفاو شباط 1986 ) وَنُشِرَ في موقع الكاردينياوعلى الرابط أدناه :


ولا نريد إعادة شرح التفاصيل عدا ما يخص دورالهندسة العسكرية في الموضع الدفاعي في قاطع هور الحويزة شرق نهر دجلة.

إقتباس من المقال الآنف الذكر

أ. طبوغرافية القاطع الدفاعي للواء المُشاة التاسع عشر

وصف طبيعة المنطقة

أولاً .هور الحويزة مُسَطَحْ مائي وعمق الماء فيه يتراوح ما بين (2- 4) متراً ينمو فيه القصب والبردي بشكل طبيعي يتراوح إرتفاعه فوق سطح الماء ما بين( 2 - 3) متراً يوجد أمام جبهة اللواء حقل مجنون الجنوبي النفطي على شكل مستطيل أشبه بجزيرة وسط الهور .

ثانياً. اليابسة في قاطع اللواء بدْأً من الحدود الفاصلة مع الفرقة 31 الفيلق الثالث حيث تكون أَضْيَقْ نقطة بين هور الحويزة ونهر شط العرب أستطيع تشبيهها بقنينة غاز مُلْقاةْ على الأرض الجزء الذي يربط فيه منظم الغاز مُتَجِهَةَ الى الجنوب بإتجاه الفيلق الثالث .

ثالثاً. لسان الزرداني سدة ترابية في المُسَطَحْ المائي طولها يقارب 1000 متر تكون عمودية على السدة الغربية لهور الحويزة وتقابل السدة الشمالية لحقل مجنون الجنوبي.

رابعاً. يوجد خزان ماء في المسطح المائي يبلغ إرتفاعه 10 متر بإستقامة لسان الزرداني ويبعد عن مقدمة لسان الزرداني داخل الماء مسافة تقدر ب 100 متركان يُغَذْي قرية الزرداني بالماء الصالح للشرب قبل نشوب الحرب سنة 1980 .

خامساً. المنطقة التي خلف السدة الغربية لهور الحويزة منطقة زراعية مُسْتَصْلَحَة من قبل شركة أجنبية قبل قيام الحرب تسمى بالمزيرعة.

ب. تطهير ساحات الرمي ونصب منظومة الموانع
أولاً. تطهير ساحات الرمي من نبات القصب والبردي لمسافة لاتقل عن 200 مِتْرَاً أمام خنادق النار على طول السدة الترابية بمكائن حديثة تم إستيرادها من قبل وزارة التجارة لهذا الغرض.
ثانياً. نصب منظومة مانع أسلاك شائكة في المسطح المائي أمام جبهة وحدات اللواء تَبْعُدْ مسافة 200 مترعن مقدمة السدة الترابية يبلغ إرتفاع أعمدة حديد الزاوية 4,5 متر تم نَصْبها في الماء من قبل سرية هندسة الصولة للواء وتم قص حديد الزاوية من قبل مفرزة تصليح اللواء.

ثالثاً. نصب منظومة مُعَرْقلِاتْ شوكية بقطر ثلاثة أمتار في الماء من عدة صفوف أمام مُقَدِمَةِ الساتر الترابي من الشيش الحديد قطر واحد إنج تم تصنيعها ميدانياً من قبل مفرزة تصليح اللواء ونصبها من قبل سرية هندسة الصولة.

رابعاً. نصب منظومة مانع سلكية واطِئة بدْأً من مقدمة السدة الترابية بعرض 4 متراً أمام جبهة وحدات اللواء لغرض إعاقة جنود العدو عند الصولة.
خامساً. زرع الغام نابالم بحرية تحت الماء في مصب نهر السويب أمام جسر السويب تُفَجَرْ كهربائيا عند تقرب العدو من الجسر لكي تجعل المسطح المائي أشبه بنار جهنم يدخلها جنود العدو قبل موتهم ، تم زرعها من قبل صنف الهندسة العسكرية.

ج. حجم الجهد وجسامة المخاطر
مما تقدم في الفقرة ( ب ) أعلاه نضع أمام القارئ الكريم مقدارحجم الجهد الذي بُذِلَ وجسامة المخاطر التي واجهها منتسبي صنف الهندسة العسكرية
في هذا القاطع الْمُعَقَدْ بسبب طبوغرافية الأهوار :


Ahwaar.F2.JPG


أولاً. عملية قص القصب والبردي في الهور لغرض تطهير ساحات الرمي تحت تأثير رصد ونار العدو في ضوء النهار تحت أشعة الشمس الحارقة ونسبة الرطوبة العالية وفعالية الحشرات الشرسة التي تعيش في الأهوار لا أحد من البشر يستطيع تحمل العيش في هذا العالم الغريب إلا أُولئِك الجنود الميامين الذين نذروا أرواحهم فِداءاً للوطن .
ثانياً. ليتصور القارئ الكريم عملية نصب منظومة المانع السلكية في عمق الهور، حديد زاوية طوله 4,5 متر كيف تم نقله وتثبيته في أرض الهور وعمق الماء يتراوح ما بين ( 2 – 4 ) أمتار بزوارق فايبر كلاس تتأرجح في الماء وتحت تأثير رصد ونار العدو.

ثالثاً. المعرقلات الشوكية الكبيرة الحجم تشبه الكرة الضخمة تم تصنيعها من ثمانية قطع من الشيش الحديد طول القطعة الواحدة ثلاثة أمتار وقطرالشيش واحد إنج و وزنها مئات الكيلوغرامات كيف تمت عملية نقلها ونصبها في عمق مياه الهور.

Handasaa.3.JPG


رابعاً. العمل الأكثر خُطورَة ًهو زرع ألغام نابالم بَحْرِية في عمق الماء أمام جسر السويب تُفَجَرُ كهربائياً في حالة تقرب العدو من المكان والغريب في الموضوع إن الضابط الذي كان يقوم بهذا العمل هو أحد رجال الضفادع البشرية من صنف الهندسة العسكرية الذي سبق وأن بُتِرَتْ يده في حادث إنفجار لغم و يعمل بيد واحدة وبمساعدة عناصر أخرين من صنف الهندسة العسكرية لم تسعفني الذاكرة مِنْ تذكر إسمه لكن هو من دورة 50 كلية عسكرية ومن عَشِيرة زوبع.

Qadseyaa.1.JPG



4. دَورُ صِنْفُ الْهَنْدَسَةِ الْعَسْكَرِيَةِ في ساحة قتال منطقة شط العرب

سبق أن كتبت مقال بعنوان ( معركة جزيرة أم الرصاص في كانونالأول 1986 ومعركة شرق البصرة المواضع الدفاعية في منطقة الشلامجة في كانون الثاني 1987 ) وَنُشِرَ في موقع الكاردينيا وعلى الرابط أدناه :

ولا نريد إعادة شرح التفاصيل عدا ما يخص دورالهندسة العسكرية في الموضع الدفاعي في منطقة الدويب على نهر شط العرب.

إقتباس من المقال الآنف الذكر

أ. طبوغرافية منطقة الدويب
أولاً. تقع منطقة الدويب منتصف المسافة بين السيبة من الشمال يقابلها في الجانب الإيراني مدينة عبادان مركز مصافي النفط الإيرانية ومنطقة البِحار من الجنوب الأرض في منطقة البِحارعلى شكل تحدب داخل الأراضي العراقية وتَقَعُرْ داخل الأراضي الإيرانية وشكل الأرض هذا بسبب مسار نهر شط العرب وهو في مصلحة الجانب الإيراني من الناحية التعبوية ، تتميز منطقة الدويب بوجود فنار بحري مُرْتَفِعْ فوق مستوى سعف النخيل يُسْتَخْدَمْ للدلالة للبواخر التي كانت تسلك شط العرب بُغْيَةَ الوصول الى ميناء المعقل في البصرة قبل نشوب الحرب طَبْعَاً.

ثانياً. المسافة بين نهر شط العرب شرقاً وطريق ( البصرة – فاو ) غرباً لا تتجاوز واحد كيلومتر أو أقل طبيعة المنطقة مزروعة بالنخيل بِكَثافَةٍ عالية يتخلل المنطقة عدد كبير من الأحوازات عُرْضَها ما بين (2 – 10)
متراً بين الواحد والآخر مسافات مختلفه تصل ما بين (50 – 7) متراً تتأثر بظاهرة المد والجزر توجد طرق عُرْضْيَة بين الطريق العام ( بصرة – فاو ) و نهر شط العرب.

ثالثاً. المنطقة الإيرانية شرق نهر شط العرب مُشابِهة تماماً لوصف المنطقة العراقية غرب نهر شط العرب.

رابعاً. نهر شط العرب يُعْتَبَرْ مانع مائي مُهِم يبلغْ عرضه ما بين (400 - 500 ) متراً وأحياناً أكثر بقليل ، خط التالوك وسط النهر هو خط الحدود بين العراق وإيران حسب إتفاقية الجزائر لسنة 1975 التي أُلغيت من قبل الجانب العراقي بعد قيام الحرب سنة 1980.

ب. الإجراءات التعبوية التي تم إتخاذها لمعالجة الترتيبات الدفاعية

أولاً. تَمَ دراسة كيفية قيام العدو بمهاجمة نقاط الحراسة الأمامية من الخلف ضمن قاطع لواء 111 حدود في قاطع الفاو من أجل وضع الحلول الناجعة لها .
ثانياً. وجدنا إنشاء السدة الترابية ببعد من( 10- 20) متراً عن حافة نهر شط العرب حيث بقت نهايات الأحوازات القريبة من السدة الترابية تشكل
الخطرالأكبر التي من خلالها تمكنت عناصر الضفادع البشرية المعادية الخروج خلف نقاط الحراسة الأمامية المبنية على حافة نهر شط العرب والقضاء عليها من الخلف.
ثالثاً. أول إجراء قام به اللواء الإيعاز إلى سرية هندسة الصولة للواء بغلق فوهات الأحوازات بردمها بالتراب ومساواتها مع حافة النهر بالرغم من قلة الجهد الهندسي المتيسر ومحاولات العدو من إيقاف هذا العمل بالقصف المدفعي حيث كان العمل يستمر من الضياء الأول حتى الضياء الآخير.

رابعاً. من خلال ردم فوهات الأحوازات ومساواتها مع حافة النهر إنتهت إحتمالات تسلل العدو خلف نقاط الحراسة الأمامية و وفرت 70 % من القوة القتالية التي كانت تُخَصَصْ لمراقبة هذه الأحوازات.

Aslak.Ma.1.JPG


ج. الموانع السلكية

أولاً. تَمَ نصب منظومة مانع سلكية واطئة بدْأً من حافة النهر أمام نقاط الرمي بعرض 4 متر أمام جبهة وحدات اللواء لغرض إعاقة جنود العدو عند القيام بالعبور وخاصة جنود الضفادع البشرية.

ثانياً. تَمَ نصب منظومة مانع من النوع المنفاخي خلف السدة الترابية وعمل فتحات للدخول والخروج تُغْلَقْ هذه الفتحات بعد الضياء الآخير و إنشاء مواضع مراقبة لحمايتها ليلاً .

د. حجم الجهد وجسامة المخاطر
مما تقدم في الفقرات ( ب – ج ) أعلاه نضع أمام القارئ الكريم مقدار حجم الجهد الذي بُذِلَ وجسامة المخاطر التي واجهها منتسبي صنف الهندسة العسكرية في هذا القاطع الْمُعَقَدْ بسبب طبوغرافية قاطع شط العرب :

أولاً. قلة عدد آليات سرية هندسة الصولة الذي لا يتجاوز ثلاثة عجلات قلاب وشفلين وكريدر واحد هذا العدد لا يتناسب وحجم العمل المطلوب إنجازه مما أطال الفترة الزمنية للعمل وهذا يعني بقاء الجنود الذين يقودون هذه الآليات تحت مطرقة القصف المدفعي المعادي .
ثانياً. العمل بمعدات هندسية في ضوء النهار أمام رصد ونار العدو يعتبر تَحَدٍ كبير للعدو لذا جَنَّ جُنُونَهُ لكن هذا لم يثني عزيمة جنودنا الأبطال عن مواصلة العمل بِهِمَةٍ أعلى .

ثالثاً. بالرغم من قلة الوسائل المتيسرة كان جنود وضباط صنف الهندسة العسكرية مشاريع للتضحية والفداء دفاعاً عن حدود وأرض العراق لم يتذمروا ولم يتلكأوا بل كانوا أحياناً يطلبون تأخير إجازاتهم الدورية لحين الإنتهاء من العمل .

Handasaa.2.JPG


5. الْخاتِمَة
أ. أخترنا للقارئ الكريم نماذج من المهمات المتنوعة التي كان يقوم بها رجال صنف الهندسة العسكرية خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية (1980 – 1988) في مناطق ذات طبوغرافية مختلفة ( جبلية – أهوار – أنهار) منطقة شط العرب تُكْثَرُ فيها الأحوازات وتتعرض للمد والجزر وبساتين أشجار النخيل يتشابك سعفها في الْذُرى أشبه بمناطق غابات الأمزون .

ب. رجال الهندسة العسكرية في ظلام الليل تلامس أناملهم أخطر أنواع الأسلحة في العالم وأشدها فتكاً ( الألغام ) من دون أن ترتجف أجسامهم
ويؤدون عملهم بِمَهارَةٍ عالية ودقة في الإنجاز وسرعة في العمل وثقة بالنفس .

ج. في الختام لايسعني إلا أن أنحني إحتراماً لِأوُلئِك الرجال الميامين
من صنف الهندسة العسكرية جُنُوداً وضباطَ صَفٍ وضباط ، تغمد الله الشهداء منهم ومَنَحَ الذين على قيد الحياة الصحة الدائمة وأذكر أسماء الضباط الذين عَمِلوا معي خلال فترة تشرفي بقيادة لواء المُشاة التاسع عشر وتحتفظ الذاكرة بأسمائهم من سرية هندسة الصولة لواء المُشاة التاسع عشر وهم:
أولاً. النقيب الإحتياط نجاح ...
ثانياً. الملازم الأول أزا محمد أمين
ثالثاً. الملازم المجند علاوي حسين مجلي
رابعاً. الملازم الأول أحمد الهاشمي

عن موقع الكاردينيا
 


صورة نادرة تجمع القائد العام للقوات المسلحة صدام حسين بقائد الفرقة المدرعة التاسعة الفريق الركن طالع الدوري ( عميد ركن آنذاك ) ومجموعة من مقاتلي الفرقة , خلال زيارة تفقدية لقاطع الفرقة في جبهات القتال , عام 1981م
 


وزير نفط ايران توندگويان حين وقع في اسر الجيش العراقي في عبادان بتاريخ ٣ نوفمبر ١٩٨٠
 
DrBbeE9X0AAdyvH.jpg

معركة تاج المعارك/قاطع هور الحويزة 12-27/3/1985 شارك فيها: الفوج 4 طوارىء الحرس الجمهوري الفرقة المدرعة السادسة فرقة المشاة 25 قيادة عمليات شرق دجلة قيادة قوات الدفاع عن البصرة الفرقة المدرعة 10 فرقة المشاة الآلية 5 فرقة المشاة الجبلية 4 قتل فيها 27 ألف من جيش إيران وآلاف الجرحى
 






* معركة تحرير مجنون والزبيدات - عمليات توكلنا على ألله الثانية والثالثة , من كتاب مذكرات مقاتل , بقلم الفريق الأول الركن نزار عبدالكريم الخزرجي ...








تحرير مجنون والزبيدات
----------------
اعتبر العراق مستنقعات هور الحويزة عائقًا رئيسًا إزاء أي تحركات إيرانية، وهي كذلك بالفعل إذا ما اتّبعنا المقياس النظامي لاستخدام القوات المسلحة في التقدّم والهجوم. ولذلك لم يخطر في بال القيادة العامة، ولا استخباراتها إمكانية تنفيذ عملٍ رئيسٍ معادٍ من هذا الاتجاه، عدا أن المعلومات الاستخبارية عن هذا القاطع كانت محدودةً، وكذلك العمليات الاستطلاعية فيه.
.
.
.
.
.
كانت إيران قد بدأت استعداداتها في وقتٍ مبكرٍ، ومنذ بداية عام 1984 لتحقيق مباغتة استراتيجية بالاندفاع عبر مستنقعات هور الحويزة في هجومٍ رئيسٍ يستهدف قطع طريق بغداد - البصرة، والاندفاع للتواصل مع هور الحمار حيث ينشط فيه بعض أذنابها من المخربين الموالين لها. وأطلقوا على هذه العمليات اسم «عمليات خيبر».
.
.
.
.
نشرت القيادة الإيرانية قواتها الضاربة في مناطق قريبة شرق المستنقعات، وشنّت في ليل 21 - 22 شباط/ فبراير 1984 هجومها الرئيس، كما أسلفنا في منشور سابقٍ، بثلاث هجمات برمائية باستخدام الزوارق المطاطية لقطعات الصولة، وبزوارق بأحجام مختلفة لنقل القدمات المعقبة وأسلحة الإسناد، واستهدفت بهجومها هذا منطقة البيضا وجزر مجنون ومنطقة غزيل.
كان النجاح الوحيد الذي حققته عملية خيبر هو الاستيلاء على جزر (حقلي) مجنون الشمالي والجنوبي. وفي بداية آذار/مارس من العام نفسه شنّت قواتنا هجومًا مضادًا تمكَّنت فيه من استعادة مجنون الجنوبي، عدا السدة الشمالية منه التي بقيت تحت سيطرة العدو.
صرَّح علي أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس الشورى الإيراني بعد انتهاء معارك مجنون، وسيطرتهم على حقول نفط مجنون الشمالي: «... أصبح لدينا أكثر من الكفاية من احتياطي النفط لتعويضنا عن الخسائر الفادحة التي لحقت بنا على أيدي العدو».
طبيعة المنطقة
-----------
هور الحويزة عبارة عن مستنقع واسع يبلغ طوله نحو 75 كلم، وعرضه نحو 20 كلم، تمرّ الحدود الدولية العراقية - الإيرانية من الجزء الشرقي منه. يحدّه نهر دجلة من الغرب، وقضاء العزير التابع لمحافظة العمارة شمالًا، وقضاء القرنة التابع لمحافظة البصرة جنوبًا. عمق المياه فيه يتراوح بين 1.5 و3.5م. تكثر في المناطق الضحلة منه النباتات المائية وأدغال القصب والبردي التي تغطي أجزاء واسعةً منه تساعد في الاختفاء. يتحدَّد التنقّل عبره بممرات مائيةٍ تُسمى السبل، يعرفها ويتنقل عبرها أهالي الهور. ويعتبر هور الحويزة، وهور الحمار الواقع بين دجلة والفرات، مأوى للمجرمين الهاربين من العدالة، والفارين من الخدمة العسكرية، وبعض المتعاونين مع العدو.
.
.
.
.
تقع جزيرتا مجنون الشمالية والجنوبية في القسم الجنوبي الشرقي من الهور، وهما عبارة عن سداد ترابية متقاطعة مقامة حول الآبار النفطية لحقل مجنون والبالغة نحو 50 بئرًا، وتحوي 20 في المئة من احتياطي النفط في العراق، أُوقف الإنتاج منها بعد نشوب الحرب.
.
.
.
.
.
تخترق الهور سدة حدودية، وتمتد منها سداد ترابية في العمق، وعمل العدو على ربط بعضها إلى داخل أراضيه، واستخدمها طرقًا لمواصلاته، وأهمها طريق البرّ الإيراني - سدة التجفيف الجنوبية - حقل مجنون الشمالي - حقل مجنون الجنوبي. وهناك طريق أخرى هي البرّ الإيراني - سدة الدسم - سدة الوصل - حقل مجنون الشمالي. المنطقة المحصورة بين الحافة الأمامية لقطعاتنا والسدة الشمالية لمجنون الجنوبي مغمورة بالمياه، وبعمق يتراوح بين مترين و3م، وترتبط هذه الجزر بالبرّ العراقي بسداد وعقد ترابية أهمها لسان عجيردة بطول 20 كلم. يوجد جنوب الهور نهر السويب لتصريف مياه الفيضانات إلى شطّ العرب، وكذلك القناة الحدودية، وقناة الإغمار الرقم 4. أما في جنوب شرق الهور فالأرض مفتوحة شرق كشك البصريّ، وتصلح لحركة الآليات، أما شمالها فإنها تتأثر بمناسيب هور الحويزة. كما أن هناك طرقًا عديدة أنشئت من جانبنا عندما كانت قواتنا داخل الأراضي الإيرانية.
.
.
.
الاستحضارات
----------
صُمِّمت المعركة على أساس القيام بعبور برمائي لاقتحام مجنون ولسان عجيردة، مع إحاطة مدرعة من الجنوب الشرقي لهور الحويزة لضرب الاحتياطات المدرعة للعدو، ومنع احتياطاته الرئيسة من التدخل، وتنفيذ إنزالٍ سمتيٍّ في الوقت نفسه على الطريق التي تربط مجنون الشمالي بالبرّ الإيراني، لحجز العدو في الجزر ومنعه من التملّص والانسحاب. تقوم القوات الجوية بضرب مقرات العدو، ومنع احتياطاته من التنقّل إلى ساحة المعركة، وإسكات مصادر نيرانه.
.
.
.
.
لتنفيذ تصميم المعركة هذا توجَّب القيام بالكثير من الاستحضارات الكبيرة من الجهات التي ستهيئ ساحة العمليات لهذه العملية المعقدة في مراحلها كلها، مثل تأمين معدات ووسائل لنقل القوات والتشكيلات لعملية برمائية بهذا الحجم، فضلًا عن تدريب مقاتلي الوحدات والتشكيلات على العمليات البرمائية، والقتال في المستنقعات والأدغال وعلى السداد في آنٍ واحدٍ. ولعل أهم الجهات التي قامت بدورٍ بارزٍ في استحضارات هذه العملية المعقدة هي
.
.
.
التالية:
-----
أ - جهد الدولة المركزي (الجهد الحربي المدني)
في هذه المعركة، وفي معارك سابقة أنجز جهد الدولة المركزي أعمالًا جبارة، وبأمر من الرئيس القائد العام نصّ على: «تقدّم الوزارات كلها، ومن مصادرها، كل التجهيزات والمعدات والأشخاص التي تحتاجها القوات المسلحة من جهد لساحة العمليات وبتنسيق بين هذه الجهات والأركان العامة ودوائرها المعنية».
وضع هذا الجهد الضخم بإمرة قيادة مدنية جديرة، ارتبطت مباشرة بديوان رئاسة الجمهورية لتسهيل أعمالها وتسريعها. قام الجهد المدني العامل للمجهود الحربي بفتح وتسوية وتبليط آلاف الكيلومترات من الطرق في السهول والجبال، وأنشأ المئات من السداد في الأهوار وعلى ضفاف الأنهار، وحفر الآلاف من المقرات والملاجئ والخنادق والسواتر، وأعدّ وهيّأ ساحات العمليات في مختلف الجبهات تحت قصف نيران العدو ليلًا ونهارًا، فعزّز بعمله إمكانية الصمود والصراع. كان كادر المجهود الحربي من المدنيين من مهندسين وفنيين وسائقين وعمال. وفي الجانب الطبي شارك أطباء ومخدِّرون وممرضون وذوو مهن عديدة أخرى، واستُشهد وجُرح العديد منهم.
قام الجهد المركزي، وفي وقت قياسي، بإنشاء ساحة عمليات مماثلة لجزر مجنون وسدادها، وغمرها بالمياه بواسطة مضخات عملاقة نصبها لهذا الغرض، لتتدرَّب عليها القوات المكلَّفة بعمليات العبور والاقتحام. وفي الوقت ذاته، وبكتمان شديد، أنشأ العديد من البحيرات المغلقة في المواضع الأمامية لقواتنا، لتكديس الزوارق التي ستنطلق منها قطعات الصولة والقدمات المُعقبة، كما قام بتأمين المقتربات والطرق، وتجفيف مناطق بطلب من القيادات الميدانية. وكان العمل يجري بتعاون وثيق مع الهندسة العسكرية، وبإشراف دائرة العمليات في رئاسة أركان الجيش. وكان جهد الدولة المركزي موجودًا في المكان في أثناء المعارك، جاهزًا لتلبية أي طلب أو موقف يستجد في خضّمها أو بعدها.
ب - هيئة التصنيع العسكري
قام التصنيع العسكري بتهيئة ما تحتاج إليه القوات في هذه العملية البرمائية الكبيرة، لعبور مانعٍ مائي تغطي معظمه أحراش وأدغال، بعرض كيلومتر ونصف كيلومتر إلى كيلومترين، ولعشرات الآلاف من المقاتلين بأسلحتهم وتجهيزاتهم ومعداتهم من البندقية حتى المدفع والدبابة، وأهمها:
- 140 طوفًا بحريًا.
- 300 زورق مطاطي.
- 2000 زورق بأحجام مختلفة.
- 2700 دعامة جسر فليني للمشاة.
- 830 دعامة جسر خفيف للعجلات.
- عشرات الآلاف من ستر النجاة.
.
.
.
ج - الهندسة العسكرية
قامت الهندسة العسكرية بجهدٍ كبير في تهيئة وإعداد ساحة العمليات بالتعاون مع جهد الدولة المركزي، إضافةً إلى تدريب قوات العبور على استخدام القوارب والتجديف وقيادة الأطواف البرمائية ونصب الجسور، وشاركت أيضًا بمعدات هندسية منها:
- جسر بونتونات (Ponton) بطول 500م.
- 12 دبابة تجسير.
- 48 طوفًا وبرمائية هندسية.
- التدريب والتنسيق.
.
.
جرى تدريبٌ شاقٌ للقطعات المشاركة في مسارح عمليات مماثلة لساحات المعركة في الاتجاهات كلها، وجرى التركيز على تعليم القطعات التجديف لمسافات طويلة.
.
.
وبحكم توقّعنا توقُّف محركات الزوارق، لاحتمال التفاف الأدغال والنباتات المنتشرة والممتدة على سطح المستنقعات حول مراوحها، جرى تدريب كتائب مدفعية الفيالق على إجادة رمي نيران التمركزات الخطية لمعالجة الوجود المعادي على السداد والسواتر الترابية. وجرى بناء خطة نارية محكمة ومنسّقة من خلال خلية الإسناد الناري، وممثِّلي دائرة العمليات والقوات الجوية وطيران الجيش، ومديرية المدفعية وآمرية الصواريخ، حُدِّدت فيها الأهداف والواجبات، وتم التنسيق بين جميع الأسلحة. كان المسؤولون في القيادة العامة ورئاسة أركان الجيش ودوائرها يتابعون باستمرار التحضيرات وتأمين المتطلبات مباشرة.
.
.
.
.
العدو
----
كان حجم قوات العدو في جزر مجنون ولسان عجيردة، وفي المنطقة المقابلة لكشك البصريّ، أربع فرق من حرس الخميني ومعهم لواء، والفرقة المدرعة 92، وثماني كتائب مدفعية موزّعة كما يلي:
- مجنون الجنوبي
خمسة أفواج من حرس الخميني وسريّة دبابات في السدة الشمالية.
- مجنون الشمالي
15/20 فوجًا من حرس الخميني، وأربع كتائب مدفعية.
خمسة أفواج من حرس الخميني في سداد شرق عقدة الروطة.
فوج من الفرقة 92 في سدة التجفيف الجنوبية.
في المنطقة مقابل مخفر كشك البصريّ - مخفر الأسيود - مخفر الشهابي تنفتح ألوية الفرقة المدرعة 92، وفرقة حرس الخميني.
لواءان من حرس الخميني في لسان عجيردة.
بإمكان العدو دفع احتياطات، وبحجم ثلاث فرق من حرس الخميني خلال 6 إلى 12 ساعة.
.
.
.
.
قواتنا
- الحرس الجمهوري
خمسة فرق: منها 2 مدرعات و2 مشاة، وفرقة قوات خاصّة، وبإسنادها 28 كتيبة مدفعية.
- الفيلق الثالث
أربع فرق: منها فرقة مدرّعة، وأخرى مشاة آلية وفرقة مشاة ولواءا مغاوير وفرقة مدرّعة (احتياط).وبإسناد القطعات 18 كتيبة مدفعية.
- الفيلق السادس
فرقة مشاة ولواءا مغاوير وبإسناده ست كتائب مدفعية.
- القوات الجوية
خمسة أسراب هجوم أرضي، وسرب ميراج متعدّد الأغراض، وسرب دفاع جوي، ومفارز من طائرات التشويش الإلكتروني وطائرات التصوير.
في الاحتياط سربا هجوم أرضي، وسربا ميراج متعددا الأغراض.
- طيران الجيش
100 سمتيّة نقل قطعات.
40 سمتيّة إسناد وقيادة واستطلاع.
.
.
.
.
الخطة
----
اعتمدت خطة تحرير جزر مجنون على قيام قواتنا بالتعرض على العدو في جزر مجنون في الساعة 4.15 في 25 حزيران/يونيو 1988 باقتحامها برمائيًّا، مع إحاطة مدرّعة من جنوب شرق الجزر باتجاه الشمال والشمال الغربي لضرب احتياطاته، ومنع انسحابه وتدميره، وعلى قيام قوتنا الجوية بضرب مقراته واحتياطاته البعيدة، ومنعها من التدخل في المعركة.
قيادة قوات الحرس الجمهوري: تقوم بالهجوم على مواضع العدو في الجزء المتبقي من حقل مجنون الجنوبي وحقل مجنون الشمالي، وباستعادة الأراضي الوطنية والسيطرة على سداد التجفيف التي تربط مجنون الشمالي بالبرّ الإيراني بمسافة كيلومترين.
الفيلق الثالث: يقوم بالاندفاع من منطقة كشك البصريّ باتجاه الشمال الغربي، وباحتلال مفرق الشهيد باسم وعقدة سدة الربط بين البرّ الإيراني ومجنون الشمالي، وبالسيطرة على مناطق المدفعية وقطع طرق إمدادت العدو.
.
.
.
.
.
عملية «توكلنا على الله» الثانية
----------------------
الفيلق السادس: يقوم باحتلال لسان عجيردة وعقدة الربط بين لسان عجيردة والأرض الكائنة شمالها لقطع إمدادات العدو باتجاه مجنون.
القوة الجوية: تضرب وتدمر مقرات العدو ومناطق مدفعيته، وتمنع احتياطاته من التدخّل في المعركة.
طيران الجيش: يقوم بالإسناد المسلح والإنزال السمتيّ والقيادة والاستطلاع.
فُتح المقرّ المتقدم للقيادة العامة في منطقة الدير شمال البصرة في الساعة 20.00 في 24 حزيران/يونيو 1988.
تكامل وصول أعضاء القيادة العامة وضباط ركنهم وضباط خلية الإسناد الناري، وتم إرسال ضباط الارتباط برسائل إلى قادة الفيالق المشاركة لإخبارهم بفتح مقرّ القيادة العامة لإدارة معركة يوم الغد.
.
.
.
.
.
سير المعركة
---------
في الساعة 3.45 شرعت المدفعية في تنفيذ الخطة النارية بقصف مواضع العدو بأكثر من 850 مدفعًا وقاذفة صواريخ لمدة 30 دقيقة، مع ضرب مدفعية العدو ومقراته بصواريخ اللونا والمدفعية الثقيلة، وفي الساعة 4.15 شرعت التشكيلات بالصولة بإسناد الرمي المباشر للدبابات التي اندفعت إلى المواضع الدفاعية الأمامية لقطعاتنا، وبإسناد السمتيّات المسلحة وطائرات الهجوم الأرضي.
.
.
.
.
.
.
.
.
- قيادة قوات الحرس الجمهوري
أ - الصفحة الأولى
احتلال السدة الشمالية لمجنون الجنوبي
انطلقت في الساعة 4.15 الموجة الأولى من قدمة الصولة المؤلفة من لواءي مغاوير حرس جمهوري، ولواءي مشاة حرس جمهوري، واللواء البحري 26 قوات خاصّة حرس جمهوري، بزوارق الصولة لاحتلال أهدافها على السدة الشمالية التي تبعد عن خطّ شروع قطعاتنا نحو كيلومترين. أعقبتها الموجة الثانية المؤلفة من لواءي مشاة آليين باستخدام عجلات القتال البرمائية BMP1. ثم الموجة الثالثة بلواء مدرع محمول على أطواف الهندسة العسكرية، ولواء مدرع آخر على جسر نصبته كتيبة التجسير. وفي الساعة 7.00 أكملت القوات احتلال أهدافها بعد تدمير العدو في السدة الشمالية، وفي العمق حتى السدة الجنوبية لمجنون الشمالي.
ب - الصفحة الثانية
احتلال مجنون الشمالي، وسدة الربط الشمالية مع البرّ الإيراني
في الساعة 7.30 شرعت قوات الصفحة الثانية بالهجوم، وكانت مؤلفة من لواءي مشاة حرس جمهوري، ولواءي مشاة آليين حرس جمهوري، ولواءي قوات خاصّة حرس جمهوري، ولواء مدرع بإسناد نيران مدفعية الحرس، ونيران دبابات الألوية المدرعة، والسمتيّات المسلحة. وفي الساعة 10.00 أكملت القوات احتلال أهدافها، وشرعت في التفتيش لجمع معدات العدو، وأسر من تبقى من جنوده. وفي الساعة 13.30 تم إنزال فوج قوات خاصّة حرس جمهوري بالسمتيّات على سدة الربط الشمالية، ودفعت قيادة الحرس الجمهوري لواء المشاة 20 حرس جمهوري لإدامة التماس معه.
.
.
.
.
الفيلق الثالث
في الساعة 4.15 من فجر 26 حزيران/يونيو شرعت فرقة المشاة 41، ولواءا مغاوير الفيلق بالهجوم على مواضع العدو في السواتر المواجهة لدفاعات الفرقة الأمامية، بإسناد ناري وسمتيّ ورمي مباشر من دبابات ألوية الفيلق المدرعة، وفي الساعة 5.30 تمكَّنت ألوية الفرقة والمغاوير من احتلالها. وفي الساعة 6.00 اندفعت فرقة المشاة الآلية الأولى باتجاه الشمال الغربي، لضرب احتياطات العدو القريبة والسيطرة على مدفعيته، وعلى سداد الربط لقطع طرق انسحاب العدو من مجنون الشمالي، وأعقبتها الفرقة المدرعة السادسة باتجاه الشمال الشرقي لضرب احتياطات العدو البعيدة، ومنعها من الاشتراك في معركة مجنون. وفي الساعة 8.30 طلب قائد الفرقة الآلية الأولى إرسال عجلات نقل ووحدات مغاوير لنقل أسرى العدو. وفي الساعة 10.00 تم احتلال مفرق الشهيد باسم، والسيطرة على قناة السليمانية. وفي الساعة 11.30 تمت السيطرة على سداد الربط، واندفعت بعض تشكيلات الفرقة المدرعة السادسة بعيدًا إلى الشرق فهاجمت ودمرت محطة قطار بستكاه، على خطّ سكة حديد المحمرة - الأحواز، ودمرت معظم القوات الإيرانية الموجودة على البرّ الإيراني شرق مجنون.
.
.
.
.
.
الفيلق السادس
في الساعة 4.15 شرعت أرتال الفيلق في الصولة على مواضع العدو بإسناد ناري وسمتيّ في لسان عجيردة، وبثلاثة أرتال، الرتل الأول هاجم العدو راجلًا على سدة عجيردة، والرتل الثاني اندفع شمالها، والرتل الثالث جنوبها في عمليات إحاطة بقوات محمولة بالزوارق من الجناحين، ومن ثم الإنزال خلف مواضع العدو التي تواجه وتقاتل الرتل الراجل. وفي الساعة 6.40 تمكَّن لواء المغاوير المحمول بالزوارق من تخطي دفاعات العدو على السدة الرئيسة بمسافة 5 - 7 كلم، وهاجم مواضعه في اللسان الجنوبي المتفرع من سدة عجيردة، واحتلها بعد قتال شديد. وفي الساعة 7.30 وصلت أرتاله العقدة الوسطية في لسان عجيردة، وبذلك تم إكمال الصفحة الأولى من المعركة. في الساعة 8.30 شرعت الأرتال في تنفيذ الصفحة الثانية من الخطة، وفي الساعة 14.30 وصلت ألوية مغاوير الفيلق إلى التقاء سدة عجيردة بسدة الوصل، وفي الساعة 15.00 تم تنفيذ توجيهات رئيس أركان الجيش بالإنزال السمتيّ في مثلث عجيردة، وفي الساعة 15.30 وصلت أرتال مغاوير الفيلق إلى سدة الدسم، واتجهت جنوبًا إلى مجنون الشمالي، وأدامت التماس مع قوات الحرس الجمهوري، وبذلك يكون الفيلق قد أكمل أهدافه كلها.
.
.
.
.
.
.
في اليوم التالي تم سحب تشكيلات الفيلق الثالث المدرعة والآلية من الأعماق التي وصلتها في العمق الإيراني إلى داخل الحدود العراقية، وبذلك انتهت معركة تحرير جزر مجنون التي سُميت «توكلنا على الله الثانية».
أُغلق مقرنا في الدير شمال البصرة في منتصف نهار 26 حزيران/يونيو 1988.
في اجتماع القيادة العامة بعد انتهاء معركة «توكلنا على الله الثانية» مباشرة، الذي حضره نائب القائد العام (وزير الدفاع) ورئيس الأركان ومعاونه للعمليات ومدير الاستخبارات العسكرية وحسين كامل المشرف على الحرس الجمهوري، عُرضت الخطوط الأولية لخطة تحرير المناطق المحتلة في الطيب والزبيدات شرق مدينة العمارة في قاطع الفيلق الرابع. وكانت ملامحها الرئيسة تتمحور على تعرّض الفيلقين لاستعادة العوارض المحتلة من العدو، والاندفاع في العمق إلى تدمير آلته الحربية، وقتل وأسر أكبر عدد من قواته، على أن تُنفَّذ في موعد لا يتعدى نهاية الأسبوع الثاني من شهر تموز/يوليو. وأقر القائد العام ذلك، وأمر بإعداد الخطة لمناقشتها في الاجتماع المقبل. وفي استرجاع بعض حوادث المعركة الأخيرة أشدتُ بأداء قيادة وقوات الفيلق الثالث والحرس الجمهوري، فبادر حسين كامل المشرف على الحرس بالادعاء أن أداء الفيلق السادس لم يكن بالمستوى المطلوب، وحاول الغمز من قناة قائده اللواء يالجين عمر عادل. فنظر الرئيس القائد العام نحوي فقلت: «سيدي الرئيس، المشرف على الحرس الجمهوري لم يكن هناك، أنا كنت هناك وقد زرتُ قائد الفيلق، واطلعتُ على الصعوبات التي تواجهها قواته في سداد عجيردة، فكان هادئًا وحازمًا وإجراءاته جيدة وملائمة، بذلت قطعاته جهدًا كبيرًا للتغلب عليها، لثقتها به وبجدارته». فعلق القائد العام قائلًا: «إن أداء الفيالق في التوكلات لا يقل عن أداء الحرس، وهذا ما يُسعدنا».
.
.
.
.
.
.
في الفيلق الأول
....................
كانت قوات اللواء الركن سلطان هاشم (قائد الفيلق الأول) في قاطع ماوت من جبهة الفيلق الأول تنتزع العوارض، واحدةً بعد الأخرى، ولم تترك للعدو فرصة لاسترجاع أنفاسه وإعادة توازنه، حيث سيطرت على سلسلة الجبال المؤدية إلى ماوت، وتتهيأ لتتجاوز ماوت، والتقدّم جنوبًا على السلسلة الحدودية المشرفة والمسيطرة على جانبي الحدود. وفي مكالمة هاتفية معه أخبرته أن عليه أن يتوقع اشتداد مقاومة العدو وقتاله على السلسلة الحدودية في الأيام المقبلة. وهذا ما حدث، إذ خاضت القطعات المتقدمة على عارضة نزارة رش وسركيو قتالًا ضاريًا مع قوات الجندرمة الحدودية، ولم يهدأ قتالها إلا بعد مقتل قائد هذه القوات، الأمر الذي سرّع في تقدّم قطعاتنا، فتحررت المخافر الحدودية كركاشة وسيرين ومروي وسياكوز تباعًا، وانسحبت قطعات العدو من مواضعها في منطقة هلوان شرق جوارتة إلى ما وراء الحدود بسرعة بالغة، وتركت معظم تجهيزاتها ومعداتها ومدافعها وأسلحتها الثقيلة قبل أن نقطع طرق مواصلاتها مع الداخل الإيراني.
.
.
.
.
.
في 12 تموز/يوليو وردتنا معلومات من استخبارات الفيلق الأول أن أصوات انفجاراتٍ تُسمع من قاطع حلبجة فأمرتُ ضابط استخبارات الفيلق بالذهاب إلى المواضع الأمامية للتدقيق في الموقف وإخباري، فاتصل بي من المواقع الأمامية وأخبرني بأنه يسمع أصوات انفجارات كبيرة، ويعتقد أن العدو يُدمر ذخائره ومعداته قبل انسحابه، فأمرته أن يدفع السرايا الأمامية من التشكيلات المدافعة باتجاه حلبجة وخورمال تباعًا، فإن لم تواجه مقاومة أو كانت المقاومة ضعيفة فلتستمر في التقدّم وإخبار قائد الفيلق بذلك. وفي مساء ذلك اليوم دخل لواء المغاوير الأول للفيلق حلبجة واللواء 105 خورمال، من دون مقاومة، بعد انسحاب قوات العدو إلى ما وراء حدودها. وفي اليوم التالي كان اللواء سلطان في حلبجة، واتصل بنا منها. وبذلك انتهت عمليات الفيلق الأول لتحرير حلبجة وخورمال، التي سُميت «عمليات محمد رسول الله».
.
.
.
.
.
.
.
عودة إلى عمليات التوكلات في الجنوب
في اجتماع القيادة العامة التالي، أقر القائد العام خطة تحرير الطيب والزبيدات في قاطع الفيلق الرابع، وحدد يوم 12 تموز/يوليو 1988 موعدًا لها، فبُلِّغ القادة المعنيون، وشرعوا على الفور في إعداد خططهم وتهيئة متطلباتها.
كان الفريق الركن محمد عبد القادر الداغستاني قائد الفيلق الرابع من الضباط المتميِّزين، شغل منصب مدير التخطيط في معاونيّة العمليات برئاسة أركان الجيش لفترة طويلة. وعندما زرته للاطلاع على خطته لتنفيذ الواجب وفق ما جاء في خطة القيادة العامة، وسألته عن مدى معرفته بطبيعة ساحة العمليات التي ستندفع إليها تشكيلاته الآلية والمدرعة في العمق الإيراني، وهل زارها قبلًا عندما كانت قواتنا في العمق الإيراني في بداية الحرب، أجاب أن الفرصة لم تسنح له آنذاك. ولمّا كنت أعلم أن اللواء الركن إياد خليل زكي كان رئيسًا لأركان الفرقة العاشرة المدرعة التي كانت في هذا القاطع قبل انسحابنا إلى الحدود الدولية في عام 1982، أرسلت في طلبه فقال إنه يعرف تفاصيل العمق الإيراني في هذا الاتجاه معرفة كاملة، فنُقل من منصبه قائدًا للفيلق الخامس، وأُلحق على الفور قائدًا للفيلق الرابع، بدلًا من الفريق الداغستاني الذي قبِل الأمر بتفهم وانضباط عالٍ وعيِّن معاونًا لرئيس أركان الجيش للتدريب، وهو منصب أبدع فيه كعادته.
.
.
.
.
.
.
تحرير الطيب والزبيدات "توكلنا على الله الثالثة"
--------------------------------
12 تموز/يوليو 1988
في بداية تشرين الثاني/نوفمبر 1982 كان العدو قد شنّ هجومًا واسعًا تحت اسم «محرم الحرام» على قواتنا داخل الأراضي الإيرانية، شرق منطقة الطيب والزبيدات الواقعة شمال شرق مدينة العمارة، وتمكَّن بعد معارك عنيفة من دفع قواتنا إلى داخل حدودنا الوطنية، وتعقّبها بعد عبورها نهر دويريج، واحتل العوارض والمرتفعات الحدودية ومناطق أخرى، بعمق 5 إلى 10 كلم داخل حدودنا. وسيطرت قواته نتيجة ذلك على مرتفعات الزبيدات والشرهاني وحقول نفط أبو غرب ومرتفعات الطيب. بعد قتال شديد تمكَّنت قواتنا من إيقاف تقدّمه، واستقر الموقف على حاله منذ ذلك الحين.
.
.
.
.
.
.
.
.
طبيعة المنطقة
-----------
تشكِّل مرتفعات الطيب والزبيدات النهايات الجنوبية لسلسلة جبل حمرين، والمنطقة عمومًا متموجة تكثر فيها الأودية والقطوع، وتأخذ في الارتفاع تدريجًا كلما تقدّمنا شرقًا حتى الحدود الدولية، ثم تبدأ بالانخفاض التدريجي حتى تصبح أرضًا مستوية صالحة لمسير الآليات كلها. يُعتبر نهر دويريج (عرض 70 إلى80م، وينحدر إلى الأراضي العراقية من مرتفعات حمرين في قطاعها الإيراني ويسير بموازاة الحدود الدولية) المانع الرئيس أمام تقدّم الدروع والآليات، حيث يتحدَّد العبور بالجسور أو من خلال بعض المخاضات المحدودة. وأهم الطرق والمقتربات من الجانب الإيراني للحدود:
أولًا: طريق إمام زادة عباس - جم صريم - الشرهاني - أبو غرب - الزبيدات. وهي طريق معبَّدة وصالحة لتنقّل الآليات بأنواعها كله.
ثانيًا: طريق عين خوش - الشرهاني - الزبيدات.
ثالثًا: طريق عنكيزة - جم هندي - جم صريم - موسى الحاوي. وهناك طرق فرعية ومقتربات أخرى غيرها.
تشكل العوارض والمرتفعات التي يحتلها العدو العوارض المسيطرة في ساحة
المعركة.
.
.
.
.
.
.
معركة «توكلنا على الله» الثالثة، 12-18 تموز/يوليو 1988
-----------------------------------------
الاستحضارات
- التدريب في أحوال مناخية قاسية، إذ تصل درجات الحرارة في هذا الشهر إلى أكثر من 50 درجة مئوية، وفي منطقة تكثر فيها المرتفعات والأودية والقطوع، ويسكنُ الهواء حتى يشقّ على الفرد التقاط أنفاسه بعد مجهود بسيط. أصبحت اللياقة البدنية والقدرة على التحمل والمطاولة من أهم ما جرى التركيز عليه من القادة والآمرين في تدريب وحداتهم وجنودهم قبل إشراكهم في المعركة. فركّزوا على تطوير قدراتهم البدنية في الفترة المحدودة المتيسّرة لهم قبل المعركة، وكثّفوا تدريبهم على الرياضة البدنية، ومسيرات التحمّل، حيث أجرت الوحدات ثلاث مسيرات تحمّل واجتياز موانع وسواتر ترابية، كما تم إنشاء ثلاثة ميادين تدريب تعبوي لكل لواء مشارك، مشابهة للأهداف التي سيهاجمونها.
.
.
.
- المؤتمرات: بعد أن بُلِّغت الفرق شفويًّا بتوجيهات القيادة باستعادة الأرض الوطنية، طُلب منها إجراء تحضيراتها بأقصى درجات الكتمان، وجرت لكل فيلق سلسلة من المؤتمرات:
• مؤتمر في مقرات الفيالق للتحضيرات للمعركة
• مؤتمر مناقشة الخطط
• مؤتمر التعديل والتنسيق
• مؤتمر تنسيق الخطط النارية
أجرى قائد الفيلق الرابع مؤتمرًا لشحذ الهمم للآمرين كافة.
قوات الطرفين
.
.
.
.
- العدو
فرقة المشاة 21 وتتألف من أربعة ألوية، أحدها مدرع.
فرقة المشاة الآلية 77 وتتألف من أربعة ألوية، ثلاثةٌ منها آلية والرابع مدرع.
لواءا مغاوير.
اللواء الأربعون من حرس الخميني (سراب كون).
خمسة أفواج جندرمة.
16 كتيبة مدفعية مختلفة العيارات.
تنفتح تشكيلات مشاة العدو، ومشاة حرس الخميني على المرتفعات المسيطرة من أرضنا المحتلة في مرصد القائد والزبيدات وأبو غرب والشرهاني ومناطقَ أخرى.
يحتفظ بقواته المدرعة والآلية إلى الخلف في مناطق جم صريم وعين خوش احتياطًا، ولأغراض الهجوم المقابل.
.
.
.
- قواتنا
الحرس الجمهوري
فرقة مدرعة: «المدينة المنورة».
فرقتا مشاة: «بغداد» و«نبوخذنصر».
فرقة القوات الخاصّة حرس جمهوري.
20 كتيبة مدفعية، وكتيبتا صواريخ.
أربع كتائب هندسة، وكتيبة تجسير.
.
.
الفيلق الرابع
أربع فرق مشاة: الثانية والفرقة العشرون، والفرقة التاسعة والعشرون.
فرقتا مشاة آليتان: الأولى والخامسة.
لواءان مدرعان.
لواءا مغاوير.
34 كتيبة مدفعية: (19 متوسطة و15 ميدان).
كتيبتا صواريخ أرض-أرض.
سبع كتائب هندسة ميدان.
القوات الجوية
ستة أسراب هجوم أرضي، وسرب دفاع جوي.
مفارز من طائرات التشويش الإلكتروني والتصوير.
طيران الجيش
40 سمتيّة مسلحة للإسناد والقيادة والسيطرة.
100 سمتيّة نقل للإنزال وللإخلاء الطبي.
.
.
.
.
الخطة
-----
.
.
في عمليات تحرير الفاو والشلامجة ومجنون، كان تصميمنا للمعركة يستهدف طرد العدو من الأرض الوطنية المحتلة بأسبقية عالية، وإيقاع أكبر ما يمكن من الخسائر به وبآلته العسكرية كأسبقية ثانية، وأسر من تبقى بأسبقية متأخرة، وذلك لأهميتها وتهديدها أهدافنا الحيوية أو لقيمتها الاقتصادية. أما في هذه العملية وما يليها فوضعنا تدمير آلته الحربية، وأسر أكبر عدد من أفراده كأسبقية متقدمة، مع بقاء الأسبقيات الأخرى من أهداف العمليات. وبناء عليه صُممت الخطة على اندفاع قواتنا بعد تطهير المواضع الدفاعية للعدو إلى أعماق مناسبة لتدمير احتياطاته ومعداته القتالية الثقيلة وأسر أكبر عدد ممكن من أفراده.
.
.
.
الحرس الجمهوري: يقوم في الساعة 7.15 يوم 12 تموز/يوليو 1988 بالهجوم على العدو في منطقة الشرهاني لتدميره، وتحرير الأرض المحتلة، والاندفاع إلى عين خوش لتدمير مدفعيته، وأسر أكبر عدد من قواته.
الفيلق الرابع: يقوم في الساعة 7.15 يوم 12 تموز/يوليو 1988 بالهجوم على العدو في منطقة الطيب - زبيدات لتدميره وتحرير الأرض المحتلة والاندفاع إلى دهلران لتدمير مدفعيته وأسر أكبر عدد من قواته.
القوة الجوية: تقوم بضرب وتدمير مقرات العدو ومناطق مدفعيته واحتياطاته والجسور في موسيان وعين خوش والنادري.
طيران الجيش: يقوم بالإسناد المسلح والإنزال السمتيّ والقيادة والاستطلاع.
فُتح المقرّ المتقدم للقيادة العامة في العمارة في الساعة الثامنة مساء 11 تموز/يوليو 1988.
.
.
.
المعركة
------
الحرس الجمهوري: شرعت مدفعيته بالقصف المدفعي في الساعة 6.45 يوم 12 تموز/يوليو 1988.
أ - الصفحة الأولى
في الساعة 7.15 عبرت قطعات الصولة الأمامية خطّ الشروع تحت ستار كثيف من نيران المدفعية، ونيران الدبابات المباشرة، بعد أن تخللت من المواضع الدفاعية لقطعات الفيلق الرابع.
في الساعة 8.00 أكملت الألوية الأمامية احتلال الساتر الدفاعي الأول للعدو الإيراني. وفي الساعة 10.00 تم احتلال الساتر الدفاعي الثاني للعدو الإيراني بعد انهيار قطعاته وهروبها، وقُبض على عددٍ من الأسرى. وفي الساعة 11.00 تمكَّن اللواء 16 قوات خاصّة حرس جمهوري ومغاوير الحرس الجمهوري من عبور نهر دويريج بالزوارق المطاطية، وتأسيس رأس جسر واسع على الضفة الشرقية لهذا النهر.
.
.
ب - الصفحة الثانية
نُصبت جسور عدّة على نهر دويريج، واندفعت التشكيلات المدرعة والآلية عبرها إلى العمق الإيراني، واستولت على مدفعية العدو، وكتيبة صواريخ هوك للدفاع الجوي في عين خوش واندفعت إلى جنانة، ودمرت القطعات الإيرانية كلها فيها، ثم بدأت بجمع الأسرى والمعدات والتجهيزات التي تركها العدو عند هروبه. وقامت وحدات القوات الخاصّة بالإنزال السمتيّ على مقر الفرقة 21، ومقرّ عمليات الغرب التي تقود العدو في هذا الاتجاه، وأسرت عددًا من هيئات الركن فيها.
الفيلق الرابع: شرعت مدفعية الفيلق الرابع بالقصف المدفعي في الساعة 6.45.
أ - الصفحة الأولى
في الساعة 7.15 شرعت قطعات الصولة بالهجوم من خلال المواضع الدفاعية الأمامية للفيلق، تحت ستار نيران المدفعية والرمي المباشر للدبابات، وفي الساعة 8.00 تمكَّنت التشكيلات الأمامية للفرقتين 20 و29 من احتلال الساتر الدفاعي الأول للعدو، وفي الساعة 8.30 أصدر قائد الفيلق أوامره للفرقتين الآليتين الأولى والخامسة، وفرقة المشاة 2 بتداخل الصفحات والاندفاع فورًا إلى تنفيذ الصفحة الثانية. وفي الساعة 9.20 أكملت الفرقتان 20 و29 أهداف الصفحة الأولى باحتلالهما الساتر الدفاعي الثاني للعدو.
.
.
ب - الصفحة الثانية
في الساعة 9.40 أصدر قائد الفيلق أوامره بقيام السمتيّات بمراقبة ودلّ رؤوس أرتال الفرقتين الآليتين المندفعتين إلى العمق ومساعدتهما في إيجاد الطرق والدلالة وتقديم الإسناد. وفي الساعة 10.30 تم التقدم باتجاه موسيان ونهر عنبر لحصر قطعات العدو.
.
.
في الساعة 11.30 استلمت الفرقة الآلية الأولى مسؤولية القاطع، وتحررت الفرقة الآلية الخامسة للاندفاع إلى مدينة دهلران. وفي الساعة 17.00 أكملت تطويق المدينة. وفي 13 تموز/يوليو 1988 احتُلت المدينة وجرى تفتيشها وجمع الأسرى والمعدات والتجهيزات. طلبت الفرقة من الفيلق إرسال عجلات وساحبات لنقل الغنائم. وفي الساعة 11.00 من اليوم التالي أمر رئيس أركان الجيش بدفع لواءٍ آلي من الفرقة جنوبًا غرب نهر الطيب لحصر العدو هناك، وجرى في أثناء التنفيذ الاستيلاء على عدد من مقراته المعادية.
.
.
.
القوة الجوية: قامت طوال أيام المعركة بضرب المقرات والاحتياطات البعيدة والجسور الرئيسة على أنهار الكارون والكرخة والدز. ووجهت ضربات عدّة إلى قاعدة الوحدة الجوية للعدو، عندما شعرت بمحاولتها التدخل في المعركة. وتم تدمير معدات العدو أو الاستيلاء عليها، وأُسر أكثر من 7500 من ضباط العدو وجنوده، وهو عدد أكبر ممن أُسروا في معارك التحرير الثلاث السابقة.
.
.
.
.
في هذه المعركة كان أداء الفيلق الرابع والتشكيلات التي عملت بإمرته متميزًا، ولم يكن أقل من أداء الحرس الجمهوري، إن لم يكن بمستواه، وتميز قائده اللواء الركن إياد خليل زكي بالمهارة الحرَفية وبالجرأة والمبادرة، وأثبت المقولة المعروفة أن الوحدة بآمرها. وفي معارك «التوكلات» أثبتت فيالق الجيش أنها تنافس قوات الحرس الجمهوري في الأداء والقتال.
.
.
.
.
في مساء اليوم الأول من المعركة، وفي مقرّ القيادة العامة المتقدّم، كان الرئيس وأعضاء القيادة وقائدا الفيلقين في لقاء ساده جو ودّي. كان الرئيس غاية في الأريحية ينكّت ويقص ويحكي عن ذكريات بعيدة من جو القتال والمعارك. وفجأة قال إنه أصدر في هذا اليوم أمرًا بتعيين حسين كامل المشرف على الحرس ورئيس هيئة التصنيع العسكري وزيرًا للصناعة، إضافة إلى مواقعه التي يشغلها، وأضاف: «أعتقد أن حسين كامل فحسب من يستطيع أن يجمع كل هذه المناصب»، وسكت ليسمع تعليقًا أو حماسة لإجرائه هذا. ولم ينبس أيٌّ منا بأي تعليق.
.
.
.
.
قلت في نفسي: ولمَ لا، فالرجل لم يترك لوزير الصناعةِ أيًّا من مصانعه أو صلاحياته.
.
.
.
أُغلق المقرّ المتقدم للقيادة العامة في العمارة في الساعة الثامنة من مساء 14 تموز/يوليو 1988.
.
.
الفريق الأول الركن نِزار عبد الكريم فيصل الخزرجي
رئيس أركان الجيش العراقي الاسبق
 
التعديل الأخير:
رحم الله رجال العراق و رجال أمتنا العربية الإسلامية

عاشت إيدك أخويا نبيل على هاي المشاركة الجبارة و نسأل الله العلي القدير أن يزيل هذه الغُمة عن هذه الأمة و يعود العراق مضرب الأمثال في البطولة و أرضا للفداء و الأبطال

رحم الله شهدائنا و رجالنا
 
ليالي الذكريات

عمليات كربلاء 5 كانت غير متوقعة للعراقيين

showpic.php



أقيمت مراسم ليالي ذكريات الدفاع المقدس في نسختها التاسعة بعد الثلاثمئة، مساء يوم الخميس الموافق 26 ديسمبر عام 2019م في قاعة سورة مهر للفنون. وقدم في هذا البرنامج كل من السيد عبدالرحيم فرخ سهراب وسيد يحيي رحيم صفوي وفتح الله جعفري ذكرياتهم حول فترة الأسر وانتصارهم في عمليات الفاو وكربلاء 5.

قام السيد داود صالحي مقدم برنامج ليالي الذكريات في نسختها التاسعة بعد الثلاثمئة كالتالي: "الراوي الثاني لبرنامج ليالي الذكريات، من مواليد عام 1952م في إصفهان.كان طيلة فترة الدفاع المقدس من قادة الحرب في قوات الحرس الثوري لجمهورية إيران الإسلامية. كما ترأس من عام 1997م حتي عام 2007م قيادة قوات الحرس الثوري. نظراً لأنه كان يتصرف ضد الحكومة الشاهنشاهية منذ أوائل الخمسينيات وأراد عدم الكشف عن هويته، فقد قدم نفسه باسم مستعار وهو"رحيم". الاسم الذي تم ذكره لاحقاً في الدفاع المقدس أكثر من اسمه الأصلي، ويعرفه معظم المقاتلين والناس بهذا الاسم. إسمه الأصلي، هو سيد يحيي صفوي زاده. قال اللواء صفوي زاده: "قبل بضع سنوات ذهبت للقاء السيد المرشد (حفظه الله) وقال لي عليك أن تذهب لمعسكرات الشرطة والجيش والحرس الثوري وتقصّ ذكرياتك. هذه الذكريات منتجة ومؤثرة للغاية. الهدف هو بناء جيل الشباب. نحن قمنا بتدشين حركة حكاية المذكرات حيث سنستعين بقدرات وخبرات السيد سرهنكي في هذا المجال. لدينا الآن ما يقرب مئة قائد لمشروع نهضة الذكريات، لكن هدفنا الرئيسي هو التركيز علي الجانب التعليمي. في كل عام، يذهب حوالي أربعمئة ألف من القوات إلي مراكز الحرس الثوري والجيش والشرطة ووزارة الدفاع التعليمية، أي في كل سنتين، ثمانمائة ألف شخص. آمل أن يكون بين نهضة الذكريات وليالي الذكريات علاقة وطيدة لتبادل وجهات النظر.

تتلخص ذكرياتي لهذه الليلة بين ذكريات عمليات الفاو وكربلاء 5. قبل البدء بعمليات الفاو ذهبنا للقاء الإمام الخميني (رحمه الله). كنا قلقين وهذا القلق يعود إلي عمليات بدر في عام 1984م وعمليات خيبر في عام 1983م حيث لم نتمكن من نيل الأهداف التي كنا قد رسمناها وهي الوصول إلي نهري دجلة والفرات وعدنا دون تحقيقها. وقد أمر الإمام الراحل بتشكيل القوات البرية والجوية والبحرية في تاريخ 19 ديسمبر عام 1985، أصبحت حينها قائد القوات البرية، والسيد حسين علائي قائد القوات البحرية، والسيد موسى رفان أول قائد للقوات الجوية في الحرس الثوري. لقد شرحنا بحضور الإمام الراحل خريطة عمليات الفاو والعبور من نهر أروند بشكل مفصل. لأننا كنا قلقين، ذهبنا برفقة قائد الحرس الثوري وقادة القوات البرية والجوية والبحرية وقلنا نحن نريد أن نعبر من النهر. بعدها نقوم باقتحام المنطقة، وربما لا نستطيع الحفاظ عليها وندحر من قبل البعثيين ثانية إلي الخلف وكما حدث لنا في عمليات خيبر وبدر، نضطر للعودة إلي الخطوط الخلفية، ما هي مهمتنا؟ استمع الإمام بعناية إلى كل تفاصيل العملية، ورفع رأسه، وقال بحزم إنّ القائد الأعلى هو الله. الله الذي أمرك بالصلاة، أمرك أن تدافع أيضاً. اذهب وتأكد من أنك منتصر، وكذلك أنا سأتي وسأصلي هناك. عندما تكلم الإمام بهذه الكلمات، ذهبنا وأخبرنا قائد الفرقة وقد استطعنا تحقيق النصر في تلك العملية.

في 9فبراير 1986، وفي الليلة الأولى من عملية الفاو، عبرت أنا، قائد القوات البرية، نهر أروند مع المحاربين. لقد قمنا بنشر حوالي سبعين ألف جندي بحلول نهاية العملية، وليس من المعتاد أن يذهب قائد القوات البرية مع القوات. في تلك الليلة كان النهر متدفقاً ومتلاطماً وكان لدينا مشكلة في عبور الغواصين من النهر. لقد عبرت النهر برفقة حامل اللاسلكي وراوٍ للحرب وعلي متن زورق فيلق علي بن ابي طالب (عليه السلام) التابع لقوات من قم وأراك. كانت المياه سريعة جداً وتدخل في ملابسنا. يتراوح عرض النهر من 700-800 متر إلى 1500 متر. عندما وصلنا إلى مصب الخليج الفارسي، زاد عرضه. أصبحت كل ملابسي مبللة حتى وصلت إلي الجانب الآخر من النهر. وصلنا وسرنا في المناطق الجافة حتي وصلنا. كانت الساعة تشير إلي 2 أو 3 من منتصف الليل. كل كلماتي مسجلة ومتاحة في الوقت الراهن. طلبت من القادة المتواجدين أن يحضروا لنتحدث عن خطة للعمليات ومن ثم ذهبوا إلي مهامهم. كان الليل وشهر بهمن وملابس مبتلة بالمياه الباردة.عندما كانت الرياح تهب، نشعر ببرد قارس جداً. كنت أبحث عن بطانية لأضعها علي جسدي. شعرت بالبرد الشديد. وجدت البطانيات مبتلة، عندما أشعلت المصباح رأيتها مضجرة بالدماء. ربما أخذوا المصابين بها ووجدت أنه إذا استخدمتها، فلن أكون قادراً على إقامة الصلاة في الصباح. اضطررت إلى المشي من الليل حتى الصباح للحفاظ على دفء جسدي. عندما فوجئ العراقيون في الصباح بهجومنا، بدأوا بقصفنا جوّاً. كانت الأيام الثلاثة الأولى من القصف مجرد مواد كيميائية. ثلاثة أضعاف مساحة المنطقة التي استخوذنا عليها، قاموا بقصفها. في الأيام الثلاثة الأولى، قمنا بإخلاء حوالي ألف وسبعمئة جريح تأثروا بالقصف الكيمائي، لم يستشهدوا بل تتأثر أعضاء بدنهم بهذه المادة السامة. كنت أتمشي في الليل حيث كان مستودعاً للقوات العراقية. كنت أبتعد رويداً رويداً من ذلك المكان في الوادي وفجأة عثرت علي نفق بالقرب من تلك المنطقة. نظرت من قريب ورأيت سلّم. نزلت على الدرج وفوجئت عندما وجدت أن الجدار كان مجصصاً وأبيضاً. كانت القاعدة لقيادة اللواء، كان لديه أسرّة وفرشات وبطانيات وقوارير مملوءة بالقهوة العراقية والبسكويت. أخبرت حامل اللاسلكي ألا يوقظني، قلت له سأنام وأستيقظ خلال ساعات قليلة. عندما استيقظت، رن جرس الهاتف من البصرة. سألني باللغة العربية ماذا يجري هناك؟ قلت له باللغة العربية أن جيش الإمام الخميني (رحمه الله) استولي علي هذه المنطقة. لقد تحدث بكلمات غير لائقة وأنا أجبته باللغة العربية ثانية. بعد ذلك قمنا بقيادة الجيش من ذلك المكان. أحد أصدقائي الذين كان معي في الليل، ضحك عندما رآني. قلت له لماذا تضحك؟ قال عندما ذهبت، تذوقت البرد الشديد وحينها نمت إلي جانب أحد الأشخاص، كان إنساناً رائعاً ولم يتحرك علي الإطلاق.عندما أخذت بطانيته لم يتحرك أبداً ولم يقل شيئاً. تبين لي في الصباح أنه جندياً عراقياً ميت وأنا نائم بجانبه!

في تلك الليلة نفسها، كان لدينا نظام اعتراض قوي للغاية كان يستمع إلى جميع اللاسلكيات العراقية، ليس فقط في منطقة الفاو بل في البصرة، ويمكنني حتى أن أقول إننا كسرنا رموزاللاسلكيات العراقية المصنعة في فرنسا. كانوا يتصلون لاسلكياً من البصرة إلى بغداد، وعرفنا ما كانوا يقولون لقيادتهم. قال القائد العراقي البارز في اللاسلكي لقائده الرفيع إنّ العدو قد انزل قواته بواسطة القوارب ويزدادون في كل لحظة كالسيل. إذا لم يكن لديك خيار، فمن المحتمل أن يسيطروا على أم قصر بعد لحظات. وضعنا سيء للغاية أخبره القائد الأعلى أنني على اتصال الآن بالقائد الأعلى للقوات المسلحة. لقد اتصل وكانت رسالة صدام العفلقي كالتالي: قاوموهم. سأرسل لكم ثلاثة فيالق مدرعة لهزيمة القوات الإيرانية. في الليلة الثالثة جاء الحرس الجمهوري. لقد ناموا تحت الدبابات ليلاً ليهاجموننا صباحاً. سمعنا ذلك من خلال اللاسلكي. قلنا لقواتنا في الخطوط الأمامية، فيلق النجف 8، والإمام الحسين (ع) 14، وعلي بن ابي طالب (ع) 17، وكربلاء 25 وعاشوراء 31، أن يهاجموا العدو قبل مهاجمته قواتنا. قاموا بمهاجمة قوات الحرس الجمهوري ليلاً وقتلوهم. كانت قوات الحرس الجمهوري في أوقات إستراحتها، وفوجئت القوات بسماع تكبير قواتنا وأدخلوا في قلوبهم الرعب والخوف وقاموا بتشغيل مصابيح الدبابات. عندما اشتعلت الأضواء، كان القضاء عليهم أسهل. تراجعوا للخلف وقال قائدهم أن يستخدموا المدفعية والصواريخ الكيميائية. لقد بدأوا بإطلاق الكرات الكيماوية، لكن لأنّ الله شاء ، أصابتهم وأصبح البعثيون أكثر حزناً ودماراً. أخبر قائد لواء حرس الجمهوري الرابع قائد فيلق الحرس الجمهوري وقال له بأنّ وضعنا سيء للغاية. نيران المدفعية فعالة جدا ضدنا، وتزداد الخسائر. نحن نقاوم في الوقت الحالي ولكن هبوا لنجدتنا. نحن محاطون بالأعداء من الجوانب الأربعة. نحن بحاجة إلى لواء مدرع لفتح الطريق، يجب القيام به بسرعة. أخبر قائد فيلق 26 بإرسال كتيبة آلية ومدفعية لدعمنا. يجب عليك إرسال قوة مساعدة إلى لواءنا على الطريق الساحلي على طول نهر أروند، على الرغم من أنه قد يكون مكلفاً. أجاب قائد االحرس الجمهوري، "عد بالحرب والهروب، لا يمكننا فعل أي شيء بالوقت الراهن".

كان فيلق علي بن ابي طالب 17متومضعاً على جانب مصنع الملح. عندما هاجمنا فيلق الحرس الجمهوري، استعرضناه وأسرنا قائد فيلق 111. قال القائد بأن نأخذه إلي لقاء قائنا. ذهبوا به نحو غلام رضى جعفري، قائد فيلق علي بن ابي طالب (ع) والذي كان آنذاك شاباً وسيماً ونحيفاً بملابس متواضعة. قال ليس هذا قائدكم، قالوا له بل هو قائدنا. كان يراه يصدر الأوامر عبر اللاسلكي. عندما حلّ الظهر وضعوا المائدة لتناول الغداء. جاؤوا بالزبادي والخبز اليابس. وقالوا له: تفضل! بدأ القائد بالبكاء وقال من أنتم؟ أين تدربتم؟ بهذه الملابس؟ بهذه الهياكل؟ قمتم بهزيمة قوات الحرس الجمهوري. بهذا الطعام الذي تناولتموه كيف أتيتم إلي هنا؟ لم يتوقع قائد الفيلق ما حدث لهم وكيف استطاع هؤلاء القادة من المجيء إلي ذلك المكان؟

في اليوم الرابع أو الخامس، ضرب البعثيون بطائرات ميراج فرنسية، وصواريخ موجهة بالليزر جسورنا الخلفية، الجسور كانت فوق بهمنشير وجزيرة آبادان. لم يكن لدينا خيار سوى بناء جسر ترابي فوق بهمنشير. يضعون داخل نهر بهمنشير حافلات وأنابيب ويملؤنها بالتراب من كل الأطراف. لكن المياه تجرف التراب لشدة تدفقها في تلك النقطة. أرجئت هذه المهمة إلي فيلق الصراط المستقيم الذي كان يرأسه شقيقي سيد محسن صفوي. بذل جهوداً مضنية ولكن كان الأمر صعباً. من داخل مقر فيلق الصراط المستقيم اتصلوا بمكتب الإمام وقالوا إرفع يدك لنا بالدعاء لتحقيق ما نطمح إليه. أرسل لنا الإمام الراحل رسالة عبر الحاج السيد أحمد قائلاً: عليكم أن تضاعفوا جهودكم وأنا سأرفع يدي الليلة بالدعاء. ضاعفوا جهودهم واستطاعوا أن ينجزوا الجسر الترابي.

بدأت عمليات كربلاء 4. وكانت أيضاً عمليتنا الرئيسية. بعد ساعتين أو ثلاث ساعات من بدء العملية، بدأ العراقيون الغارات الجوية. لم يقصف العراقيون ليلاً. بعد ساعتين أو ثلاث ساعات، أدركت أنا وقائد الفيلق أنّ العملية قد سربت. أمرنا قواتنا بالتراجع وسحبنا معظم قواتنا في تلك الليلة. قرأ العراقيون أهدافنا في تلك الليلة، واتضح لنا أن العملية قد سربت. لن يتولى أي قائد حكيم قيادة العملية إذا كان متأكداً من تسريب معلومات العملية. قائد الحرب كان الراحل آية الله هاشمي رفسنجاني. وكان القائد الأعلى السيد محسن رضائي. لقد كان لكل منا العديد من الأطفال، وعرفنا كم كانت حياة هؤلاء الأطفال غالية. سأجيب على بعض الشائعات هنا. في كربلاء 4، كان العدد الإجمالي لشهدائنا تسعمائة شهيداً. لقد رأيت بعض المعارضين والمعاندين يقولون إنّ الشهداء كانوا بالآلاف. عندما سحبنا قواتنا، جاءت القوات العراقية في اليوم التالي وقصفت المنطقة بالكيمياوي بشكل كامل. لقد التقينا مع آية الله هاشمي رفسنجاني. لقد كانت سنة صعبة وقلنا في وسائل الإعلام وصلاة الجمعة أن هذه كانت عملية مصيرية.. ووعدنا بأننا سنبدأ عملية أخرى في مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً. لقد انتقل العراقيون إلي مواضعهم فرحين بما حققوه في العمليات الأخيرة، ومنحهم صدام ميداليات ورتب. لقد أعددنا أنفسنا لكربلاء 5 في خمسة عشر يوماً. لم يعتقد العراقيون أننا سنكون قادرين على تنفيذ عمليات من شأنها كسر البوابة الشرقية للبصرة. عمليات كربلاء 5 كانت نصراً كبيراً. أريد أن أحكي لكم ذكريات كربلاء 5.

إستجابة دعاء أحد القادة

كان ذلك القائد الذي قُطعت يده في عمليات خيبر في الطلائية. قال لزوجته وصديقه أحمد كاظمي، أنه حين قُطعت يده، كانوا يأخذون روحي إلي السماء. سألوني هل تريد أن تذهب إلي السماء أو نعود بك إلي الأرض؟ قلت لهم أحب العودة. أعادوني ورأيت نفسي علي الأرض. كان القائد لفيلق الإمام الحسين (ع) 14 يقول للغواصين ونحن لدينا مقطع فيلم يقول فيه: أعزائي الغواصين، عندما تعبرون من هذا النهر، إذا تريدون أن تعرفوا مدي خلاصكم، إذا تعرضتم لإصابة بالرصاص فاكتموا اصواتكم لكي لا يعلم بكم العدو. لأنه علم بكم سيقتلكم دون استثناء. لكن دعوني أخبركم عندما كنتم تجلسون في مراسيم العزاء المقامة للإمام الحسين (ع) وتسمعون ما حدث أصحابه في يوم عاشوراء وتلقوا ضربات السيوف والرماح، لم يشعروا بالألم. والله عندما قُطعت يدي في الطلائية لم أشعر بالألم وبسرعة قلت أستغفر الله! لم أنو أن أقول لكم هذه الكلمات.هذا القائد وبسبب الخسائر الفادحة التي تلقاها هو وقواته في عمليات كربلاء 4 في جزيرة أم الرصاص وأيضاً في عمليات كربلاء 5، كان يبكي وهو تحت البطانية ويقول ربي أخطأت وأطلب منك أن تأخذني معهم. حيث استشهد في عمليات كربلاء 5 عن طريق شظايا قذائف هاون في رقبته. قال لهم في عام 1984م ولم يأخذوه معهم وأخذوه عام 1987م واستجيب دعائه. قبره الآن في مقبرة شهداء إصفهان. كان هو حسين خرازي.عندما كنت أذهب لزيارة قبره، أري الشباب والفتيات يأتون إلي قبره ويشعلون الشموع ويقولون أنه يلبي حاجاتنا. في الحقيقة والواقع أن حسين خرازي وصل إلي درجة إستجابة الدعاء.

في كربلاء 5 كنت مساعد القائد الأعلى للقوات البرية. في اليوم الثاني والثالث ذهبت إلى المنطقة. في منطقة خمسة زاوية مختلفة، على الطريق من خرمشهر إلى الشلمجة ومن هناك إلى البصرة، اجتمع القادة من أجل مواصلة عملياتهم، وكان من المقرر أن أذهب وأتحدث معهم. كانت لدي سيارة مصفحة. بمجرد أن حاولت التحرك مع السيارة، بدأت نيران المدفعية، واضطررت إلى إغلاق الأبواب، وهزت السيارة الضخمة، والتي تزن ما لا يقل عن أربعين طناً، من خلال نيران الكاتيوشا والمدفعية التي كانت تتساقط عليها بكثافة. استمر إطلاق نيران المدفعية لبضع دقائق. عندما أصبح الأمر أكثر هدوءاً وأردت أن أتحرك، لاحظت انقطاع اتصالنا اللاسلكي بعيد المدى، وفي الواقع، قطع رأس هوائياتها التي كانت خارج المركبة. كنت فقط قادراً على الاتصال بالقادة باستخدام جهاز PRC 77 وصوت غير واضح. ذهبنا إلى جسر الإمام رضى (عليه السلام) وجلسنا تحت الجسر. كان كل من الحاج أحمد كاظمي، والحاج حسين سليماني، ومرتضى قرباني. كنا نجلس معاً عندما بدأ اطلاق النار من جديد. صوت النار جعلنا متوترين إلي درجة كبيرة. كانت عملية كربلاء 5 غير واردة ومتوقعة للعراقيين. انتصار عمليتي الفاو وكربلاء5 حددتا مصير الحرب. ثم، أجبر الأمريكيون والسوفييت على التنازل لإيران من أجل منع سقوط صدام، وقدموا القرار 598 لصالح إيران. رغم أنّ إيران قبلتها عام 1989م.

كان الوقت ظهرا وكنت نائاً في المقر. في المنام، رأيت روح أخي محسن تصعد إلي السماء وأطفاله الصغار يبكون، وهذا الشهيد يلوح بيده لأطفاله من علو. لقد استيقظت من النوم وكنت بجانب اللاسلكي. قال لي السيد شمخاني هل تتحمل الأخبار السيئة؟ قلت أتريد أن تقول لي أن أخي قد نال درجة الشهادة؟ قال نعم استشهد قبل لحظات. أي في اللحظة التي رأيت طيفه في المنام، لقد استشهد وصعدت روحه إلي السماء.عندما توفي سيد محسن صفوي، كان لديه أربعة أطفال. أصغرهم كان لديه بضعة شهور وأكبرهم في سن التاسعة. أصغر أولاده، سيد سجاد، جاء للقائي إلي طهران. قليلا ما أذهب إلي إصفهان، الطفل الصغير أصبح كبيراً ومهندساً وتزوج ولديه أطفال، ذلك الطفل الصغير الذي لا يتذكر والده، قبّلته وانشغلت به لحوالي نصف اليوم. لقد عاد إلي إصفهان ثانية. في تلك الليلة رأيت طيف والده في المنام. كان أخي طويل القامة. ضمني إلي صدره. أقسم بالله أنني عندما استيقظت، كنت أشعر بتلك المعانقة وحرارة أنفاس الشهيد. أنا لا أكذب أبداً، الشهيد في الحقيقة كان حياً يرزق وأنا أعتقد بهذا الموضوع. مرة أخري رأيت سيد محسن في المنام وسألني ماذا تفعلون؟ قال لي بسخرية هل في رأيكم أننا هنا لم نفعل شيئاً. تعال لأريك ما نفعله هنا. ذهب بي إلي مكان ورأيت أنه في حال تدشين مسجد. قال: أنظر من هذه النافذة نظرت ورأيت النجف الأشرف. قال نحن هنا نبني مسجداً للإيرانيين.أنظر! إنه قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) وحينها استيقظت من نومي. إنّ الشهداء أحياء، لكننا غافلون عن عالم الشهادة ومكانة وفضيلة الشهداء".

منقول من موقع فارسي
 
عودة
أعلى