قراءة في كتاب تاريخنـا المفترى عليه للدكتور يوسف القرضاوي/عرض:أكرم كساب

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,485
التفاعل
17,610 43 0
قراءة في كتاب تاريخنـا المفترى عليه للدكتور يوسف القرضاوي

عرض:أكرم كساب

الدكتور القرضاوي: اختزال التاريخ في فترة الخلفاء الراشدين ظلم لأمة بكاملها

يعد التاريخ ذاكرة الأمة، وليس مجرد سجل للمعلومات والحوادث، ولهذا فإن أعداء الأمة يريدون أن يمحوا ذاكرتنا التاريخية حتى يسهل لهم فصل هذه الأجيال الناشئة عن ماضيها التليد، وإذا كانت كل أمة من أمم الدنيا لا بد أن تعتز بتاريخها، وأن تجعل منه منارة أصيلة لأبنائها؛ فإن الأمة الإسلامية كان واجباً عليها أن تهتم بدراسة تاريخها مستلهمة منه العبرة والعظة، وقد قالوا قديماً: «ما أشبه الليلة بالبارحة»، وهذا يعني أن التاريخ يعيد نفسه إن تشابهت الظروف والأحداث والمشاهد والوقائع.
ولما كان التاريخ الإسلامي تعرض لضربات قاسية (بقصد) من أعدائه الحاقدين، (وبدون قصد) من أبنائه الطيبين، فقد رأى الشيخ القرضاوي أن هذا تاريخ الأمة أصبح «مفترى عليه»، وكان لازماً عليه وعلى أمثاله من الدعاة أن يفندوا هذا الافتراء، ويزيلوا هذا الغبش.

يذكر الشيخ القرضاوي أن سبب تأليفه للكتاب هو: سؤال وجه إليه في نقابة الأطباء بمصر في صيف 2003م يذكر فيه السائل: أن كثيرا ممن يتحدثون عن عظمة الإسلام وعدالته، وما أرساه في الحياة الإسلامية من قيم ومفاهيم وتقاليد: يقفون به عند عصر الخلفاء الراشدين، ثم يسكتون عما بعد ذلك من العصور، كأنما خلت هذه العصور من كل فضل أو إنجاز.
ويتكون الكتاب من خمسة أبواب:
الأول: عن جور العلمانيين على التاريخ الإسلامي، وتحريفهم له، ومساعدة بعض الدعاة في ذلك.
والثاني: عن الدولة الأموية والدولة العباسية وموقفهما من شريعة الإسلام.
والثالث: عن تاريخنا وما له من مآثر ومفاخر.
والرابع: من المسؤول عن تشويه صورة تاريخنا؟
والخامس: عن إعادة كتابة تاريخنا وكيف تكون.

يحاول الشيخ من خلالها أن يصوب الخطأ الذي شاع بغير حق، وأن ينصف أمتنا وحضارتنا وتراثنا وتاريخنا، وأن يرد الأمور إلى نصابها، معتمدا على الحقائق لا على الأباطيل، ومستندا إلى المصادر الموثقة، وإلى الأدلة الناصعة، لا إلى مجرد الدعاوى الفارغة، والأقوال المرسلة. رادّا كل قول إلى قائله، وكل نقل إلى مرجعه، مستفيدا من تحقيقات أهل العلم الثقات، الذين محصوا الروايات، ونخلوا الأقاويل، وردوا المبالغات والتهاويل.

وفي الباب الأول حمل الشيخ على الكتاب العلمانيين الذين جاروا على التاريخ الإسلامي، وزعموا أن الشريعة لم تطبق إلا في عهد الفاروق عمر، ويرى الشيخ أن اختزال التاريخ في هذه الفترة المحدودة ما هو إلا ظلم لأمة بكاملها ولتاريخ حافل، وحضارة أضاءت الدنيا قروناً مديدة، ويضرب الشيخ أمثالة من تاريخ الخلفاء الراشدين ليرد على أغلاط ومغالطات هؤلاء الكتاب، كما أكد الشيخ تكرار النموذج العمري بصورة أخرى، متمثلاً بعمر بن عبدالعزيز، ويزيد بن الوليد، ونور الدين محمود الشهيد، وصلاح الدين الأيوبي، وغيرهم مع التأكيد على أن واحداً لم يبلغ مبلغ عمر، لأن أعوان عمر كانوا من الصحابة الكرام.
وفي نفس الباب عاب الشيخ كذلك على بعض الكتاب والدعاة الإسلاميين الكبار الذين قسوا على التاريخ الإسلامي، وذكر منهم المودودي، وسيد قطب، والغزالي.

وفي الباب الثاني فند الشيخ الاتهامات الباطلة التي وجهها البعض تجاه الدولتين الأموية والعباسية. فأكد الشيخ أن الدولة الأموية لم تكن كما زعم البعض دولة مدنية بمعنى أنه لا صلة لها بالدين، أو كما قال آخرون: إنها كانت دولة عربية لا لإسلامية، فالشيخ يرى أن هذه فرية فيها مرية تكذبها حقائق الدين، وحقائق التاريخ.
أما حقائق الدين، فقد بدأت دولة بني أمية سنة 40 من الهجرة، واستمرت إلى سنة 132هـ. فقد شملت القرون الثلاثة التي هي خير قرون الأمة: قرن الصحابة، وقرن التابعين، وقرن أتباع التابعين.
وأما أن حقائق التاريخ تكذب هذه الفرية، فمن المعلوم للدارسين: أن الدولة الأموية، هي التي نشرت الإسلام في آفاق الأرض، وفتحت الفتوح شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً، وكان لها جيوشها في البر، وأساطيلها في البحر، وهي التي أكملت ما بدأ في عهد أبي بكر وعمر، والسنوات الأولى في عهد عثمان من الفتوح.
وعن الدولة العباسية أكد الشيخ أنها «دولة العلم وازدهار الحضارة» وأن الحضارة الإسلامية كانت هي الحضارة الرائدة في العالم، وكانت جامعاتها هي موئل الطلاب الذين يفدون إليها لطلب العلم من أوروبا وغيرها.
وكانت أسماء علمائها هي أشهر الأسماء في دنيا العلم في العالم كله: ابن حيان وابن الهيثم والبيروني والرازي وابن سينا والزهراوي والخوارزمي وابن النفيس وابن رشد، وغيرهم.
وكانت كتبهم العلمية هي المراجع المعتمدة عند العلماء في الشرق والغرب: في الطب نجد: الحاوي للرازي، والقانون لابن سينا، والتصريف لمن عجز عن التأليف للزهاوي، والكليات لابن رشد وغيرها.
وكانت اللغة العربية هي لغة العلم الأولى في العالم، وكان من يريد التبحر في العلم يجتهد في إتقانها، وكان التكلم بها، من دلائل الرقي الثقافي.
تميزت هذه الحضارة بشمولها للجوانب العمرانية والجمالية، فتلاقت فيها العلوم والآداب والفنون، كما تميزت بالوسطية والتوازن، فالتقى فيها العلم والإيمان، وتعانق فيها الإبداع المادي والسمو الروحي والأخلاقي، فاجتمع في ظلالها الدين والدنيا معا، وما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا!

وفي الباب الثالث أكد الشيخ أن من قرأ تاريخنا، قراءة بصيرة ومستوعبة، متحرراً من رواسب المواريث التي دخلت هذا التاريخ، والتي تضغط على عقله في النظر إلى التاريخ... ومتحرراً كذلك من الأفكار الوافدة التي غزت عقول كثير من أبنائنا، مما أنتجته أقلام المبشرين والمستشرقين المتحيزين: رأى أن هذا التاريخ- الذي لا يخلو من أخطاء وخطايا ككل تواريخ البشر- يتميز عن غيره من تواريخ الأمم ذات الحضارات، بجملة من المآثر والمزايا، لم تتوافر كلها لتاريخ أمة أخرى ولحضارتها.
ولخص الشيخ هذه المآثر والمفاخر في نقاط:
1- عمق الجانب الرباني.
2- وضوح المعاني الإنسانية.
3- رسوخ القيم الأخلاقية.
4- شيوع التسامح الديني.
5- قدرة الإسلام على الانتشار السلمي.
6- القدرة على تجاوز المحن الكبرى.

وحين يرى القارئ هذه المآثر والمفاخر التي يعددها الشيخ يتساءل في نفسه دون أن يسمع غيره، أو لعله يصرخ قائلاً: إذا لم يكن التاريخ الإسلامي بالصورة التي أشاعها من أشاعها، وأظهر فيها العيوب، وأخفى المحاسن، بل ضخَّم فيها هذه العيوب والهنات التي لا تخلو منها أمة من الأمم، حتى كأنه ينظر إليها من خلال (ميكروسكوب) يكبر الشيء الصغير أضعافاً مضاعفة.. فمن المسؤول إذن عن إشاعة هذه الصورة المزورة عن تاريخنا وحضارتنا؟
وهنا يضع الشيخ الإجابة ويلقي بالمسؤولية على ثلاثة أصناف:

الأول: المؤرخون لأنهم:
1 - أنهم تساهلوا كل التساهل في رواية الأحداث المتعلقة بالفتن بين الصحابة رضي الله عنهم، وبدولة بني أمية، ولم يمحصوا هذه الروايات، ولم يبحثوا في الأسانيد، ويخضعوها لميزان الجرح والتعديل، كما فعلوا ذلك حينما بحثوا في أحكام الفقه وغيره.
2 - ولعهم بالغرائب، وركونهم إلى المبالغات والتهاويل، وذكر أرقام وأعداد ومقادير لا يمكن أن يقبلها منطق، أو يصدقها عاقل، إلا إذا أعطى عقله إجازة!
3 - عدم التركيز على الجانب المشرق، والنقاط المضيئة في تاريخ الإسلام، وبمعنى آخر اهتمامهم بالتاريخ السياسي أكثر من اهتمامهم بالتاريخ الإصلاحي والتجديدي، واهتمامهم بسير الخلفاء والملوك أكثر من اهتمامهم بسير الشعوب والجماهير، ومن يقودها يعلمها ويرشدها من العلماء والمربين والدعاة.

الثاني: كتب الأدب هذه الكتب التي تروي حكايات الأدب في شعره ونثره وطرائفه وأقاصيصه وأساطيره.. وتحكي أخبار الأدباء والشعراء ومن يلحق بهم في جدهم وهزلهم، وفي صحوهم وسكرهم، وفي وقارهم ومجونهم، وفي استقامتهم وانحرافهم، وهي تقصد بذلك: إمتاع القارئ وتسليته، وشغل فراغ وقته بما يضحك ويلهي، وبما قد يحزن ويبكي، فليس المقصود من هذه الكتب التحقيق العلمي، والتمحيص التاريخي، لأنها ليست كتبا في التفسير ولا الحديث ولا الفقه ولا أصول الدين، بل هي كتب إمتاع وترويح وإزجاء للفراغ بما يفيد علما وحكمة حينا، أو لا يفيد إلا الضحك والدهشة أحيانا. وهي على كل حال لا يترتب عليها حكم شرعي، من إيجاب أو استحباب أو تحليل أو تحريم.

الثالث: المحدثون -أو كثير من المحدثين- وذلك بما نقلوه من الروايات التي تحصر الخلافة الراشدة -خلافة النبوة- في مدة ثلاثين سنة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يكون بعدها الملك العضوض.

ويختم الشيخ الباب الخامس من كتابه وفيه يتحدث عن إعادة كتابة التاريخ الإسلامي ثانية، ويجيب الشيخ فيه عن ثلاثة أسئلة:
الأول: لماذا التنادي بإعادة كتابة التاريخ الإسلامي؟ حيث ينادي الجميع الآن بإعادة كتابة التاريخ العلماني الليبرالي، والماركسي، والقومي العربي، حتى أميركا تريد منا أن نعيد تاريخنا، ويرى الشيخ أن أميركا تريد أن تتحكم في تاريخنا كما تتحكم في حاضرنا ومستقبلنا، فهي تريد منا أن نغير من أجلها هويتنا وذاتيتنا، وتريد لذلك أن تتحكم في حاضرنا، وأن تقرر لنا ما يجب أن نتعلمه، حتى أحكام ديننا!! وأن تنوب عنا في تقرير مصيرنا ومستقبلنا، هذه القوى نفسها تريد كذلك أن تتدخل في ماضينا، لتصوره لنا على ما تريده هي، فتأخذ منه وتبقي، وتغير منه وتبدل، فلا غرو أن تطلب علناً- أو من وراء ستار- أن نحذف من تاريخنا: غزوات الرسول وسراياه، وفتوحات الصحابة والتابعين، ومعارك المسلمين في رد حروب الفرنجة (الصليبيين) ورد غارات التتار، وأن نحذف أسماء أبطالنا: أبي عبيدة، وسعد، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعقبة بن نافع، وطارق بن زياد، ونور الدين محمود، وصلاح الدين الأيوبي، وسيف الدين قطز، ومحمد الفاتح وأمثالهم.

الثاني: من يكتب التاريخ؟ فيرى الشيخ أن كاتب التاريخ لا بد أن يتحرر من آفتين:
1 - ضعف التوثيق والإثبات.
2 - سوء التفسير والقراءة للأحداث.

ويختم الشيخ كتابه بأنه عند كتابة التاريخ يجب التحرر من التأثر بفئتين إحداهما تجنح إلى الإفراط والأخرى تجنح إلى التفريط:

الأولى: من يزعمون أنهم دعاة التجديد، والتجديد عندهم: أن نهدم بنيان الماضي، ونبدأ من جديد، وعوام الناس في بلادنا يقولون: من ليس له قديم فليس له جديد. إنهم يريدون أن يحذفوا (الفعل الماضي) من اللغة، ويحذفوا أمس من (الزمن).

الثانية: وفي مقابل هؤلاء من يريدون أن نحبس أنفسنا في قمقم الماضي، وأن نظل نجتره بأفراحه ومآسيه، بمحامده ومثالبه، لا نبرحه ولا نعدوه، أو لا نصنع لأنفسنا تاريخاً جديداً.

عن صحيفة العرب القطرية
 
عودة
أعلى