العالم المتعدد الأقطاب والقطب العربي المطلوب

sword1988

عضو
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
821
التفاعل
729 0 0
العالم المتعدد الأقطاب والقطب العربي المطلوب
1-العالم المتعدد الأقطاب:‏
إن التعددية القطبية اللازمة لإعادة بناء العالم المعاصر ليست من نوع تعددية الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة، أو بتعبير أصح، التابع لهيئة الولايات المتحدة الأمريكية، أو من نوع تعددية عواصم القرار السياسي والفعل الاقتصادي في الغرب الإمبريالي (الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الموحدة واليابان)، أو من أي نوع آخر من هذا القبيل. بل هي مشروع يتم من خلاله تمفصل مختلف مناطق العالم بشكل مرن يعطي مجالات للممارسات السياسية خاصة بكل منطقة، بحيث تلائم احتياجات تنميتها انطلاقاً من مستويات وظروف موضوعية متباينة. ولابد من الاعتراف منذ البداية أن المشاكل المطروحة التي يجب أن تحلها مختلف شعوب العالم هي مشاكل متباينة من منطقة إلى أخرى، وبالتالي يجب أن يكون النظام العالمي قائماً على مبادئ تفسح في المجال لكافة هذه الشعوب استقلالية ذاتية من أجل حل هذه المشاكل. وبتعبير آخر، يجب المواءمة بين الاعتماد المتبادل العام وبين ضمان الاستقلالية الذاتية المطلوبة. وضرورة التعاون الدولي أو العالمي على حل المشاكل أو المسائل الكونية المطروحة يجب أن لا تحل محل ضرورات حل المسائل القومية الخاصة، أو أن تشكل عبئاً إضافياً على حل هذه الضرورات الأخيرة. وعلى هذا النحو، فإن التعددية القطبية المطلوبة هي التعددية التي يكون فيها لبلدان أطراف النظام العالمي نصيب، بل أكبر نصيب بحكم أنها تؤلف معظم العالم، مساحة وسكاناً. بحيث تتمكن هذه البلدان من أن تتخذ مسافة إزاء النظام العالمي ضرورية لتوفير فرص وشروط حل المشاكل الخاصة بها وحدها. وتتحقق هذه المسافة بأن تتمركز بلدان أطراف النظام العالمي حول نفسها على الصعيد الدولي، أو بشكل أكثر عملية وإجرائية، بأن تتمركز هذه البلدان حول ذاتها على الصعيد القاري أو داخل كل منطقة وإقليم من مناطق وأقاليم هذا العالم. كأن تقوم تجمعات إقليمية كبيرة تمثل مناطق الوطن العربي وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا. وقيام مثل هذه التجمعات هو شرط أكيد لقيام عالم متعدد الأقطاب يجسد مرحلة انتقالية نحو آفاق تاريخية جديدة للتطور.‏
إن إعادة بناء العالم على أساس التعددية القطبية النديّة تفترض علاقات إنتاج جديدة أكثر مما تفترض قوى إنتاج جديدة، وبالتالي هي إجراء سياسي أكثر منه إجراء اقتصادي تقني. فعلاقات الإنتاج، مع أنها مشروطة بقوى الإنتاج، ليست، في التحليل الأخير، علاقات بين الأشياء المادية، بل هي علاقات بين الناس حول هذه الأشياء. ولأن الرأسمالية على الصعيد العالمي رأسمالية مختلفة، فإن إعادة بناء العالم من جديد لا يمكن أن تقوم على علاقات الإنتاج الرأسمالية القائمة على هذا الصعيد، كما أنها لا تفترض علاقات إنتاج نوعية جديدة لأنها شكل محدد من أشكال مراحل الانتقال إلى نظام عالمي بديل. لكن، بما أن إعادة بناء العالم على هذا النحو تقوم على نقض المعنى السياسي لعلاقات الإنتاج الرأسمالية أكثر مما تقوم على نقد معناه التكنولوجي، فإن عناصر غير رأسمالية تتفوق على العناصر الرأسمالية ضمن علاقات الإنتاج اللازمة لهذا النحو من إعادة بناء العالم. وهكذا، فإن معنى القطب يتحدد على مستوى علاقات الإنتاج بالدرجة الأولى، وليس على مستوى قوى الإنتاج، بهذه الدرجة، لأنه معنى سياسي أكثر منه معنى تقني.‏
وبهذا المعنى للقطب، فإن التعددية القطبية التي تقوم عليها الرؤية "الثالثة" لأنور عبد الملك حول مسألة تغيير العالم هي أكثر الأشكال المطروحة لهذه التعددية طوباوية، بل وطرافة. فمن منظوره أن قوى تغيير العالم هي على النحو: اليابان + العالم العربي+ مجموعة دول عدم الانحياز+ ألمانيا+ كوريا+ الهند+ البرازيل+ المكسيك+ نيجيريا+ أسبانيا+ فيتنام+ كمبوديا(1). أن المرء ليتملكه العجب حول إدراج قوى تغيير العالم على هذا النحو الغريب والمثالي البعيد عن الواقع. فمصالح هذه البلدان ضمن النظام العالمي القائم متعارضة ومتناقضة كلياً، ففي الوقت الذي تمثل فيه اليابان وألمانيا، على سبيل المثال، مركزين أساسيين من مراكز هذا النظام، فإن العالم العربي ونيجيريا، على سبيل المثال المقابل، يمثلان طرفين من أطراف النظام العالمي القائم. إن دخول بلدان أطراف النظام العالمي، كل على حده أو كمجموعات، في تجمعات إقليمية تترأسها بلدان من مراكز هذا النظام كما هو قائم اليوم في تجمع شرق آسيا وتجمع وسط وشمال القارة الأمريكية، هو آلية جديدة لتعميق استغلال بلدان الأطراف المندمجة ضمن هذه التجمعات المقامة على هذا النحو. وإذا كانت التجمعات الكبيرة شرطاً رئيسياً من شروط التنمية في هذا العصر، فإن هذا الشرط يتحقق، في حالة بلدان الأطراف، إذا ما أقامت هذه البلدان تجمعات تشملها وحدها فقط، بينما هو محقق، بالفعل، في حالة بلدان المراكز، سواء اقتصرت عضوية هذه التجمعات على هذه البلدان الأخيرة أو إذا انضمت إلى عضويتها بلدان الأطراف، وذلك بقوة فارق التطور النوعي القائم بين بلدان الأطراف وبلدان المراكز، وفي هذه الحالة الأخيرة، فإن الشرط المذكور يتحقق بأقصى قوته.‏
ولأن النظام الرأسمالي الإمبريالي هو نظام عالمي في كافة ميادين الحياة الاجتماعية، فإن العالم المتعدد الأقطاب، كآلية أساسية من آليات الانتقال إلى نظام عالمي بديل، يقوم على مبادئ أو أسس اقتصادية وسياسية وثقافية عالمية أيضاً. فالتخطيط البعيد المدى على الصعيد العالمي هو المبدأ الاقتصادي الأول الذي ينبغي أن يقوم عليه العالم المتعدد الأقطاب. وإذا كان السوق عنصراً ضرورياً من عناصر البنية التحتية للمجتمعات المعنية بالتنمية خلال مرحلة الانتقال التي يفتتحها لك الارتباط(*)، فإن السوق على صعيد إعادة بناء العالم هو أقل ضرورة، وإن كان ضرورياً؛ لأن تعقيد وعمومية المشاكل المطروحة على هذا الصعيد تفترض تعاظم أهمية التخطيط كشرط أكيد للكشف عن الحلول العالمية للمشاكل الكونية. فقوى السوق لا تنطلق في نشاطها وأهدافها من اعتبارات تحقيق المصلحة العامة، سواء على الصعيد المحلي أو العالمي، وهي لا تستطيع بمفردها أن تتعامل مع المشكلات العالمية التي تحتاج إلى منهاج استراتيجي طويل المدى أو التي تتعلق بقضايا التوزيع. إن آليات السوق تصلح كوسيلة لتنفيذ السياسات التي تضعها وتخطط لها السلطات العامة. وإذا كانت السوق وسيلة ضرورية لتنفيذ هذه السياسات على صعيد العالم المتعدد الأقطاب، فهي كذلك أيضاً على صعيد كل قطر. وحسب البرتيني، فإن السوق الإقليمية المخططة تقوم على المنافسة بين القوميات المندمجة في إطار هذه السوق(2).‏
والتحالفات الاجتماعية ذات المضمون الشعبي والوطني القائمة على أساس قومي وإقليمي هي المرجعية الاجتماعية –السياسية اللازمة لقيام العالم المتعدد الأقطاب. واتساع دائرة هذه التحالفات لتشمل مناطق العالم في الشمال والجنوب يشكل أساساً اجتماعياً هاماً لقيام فك ارتباط "عالمي" مع النظام العالمي نفسه، أي لتفكيك هذا النظام. وبالتالي، فإن إعادة بناء العالم على أساس التعددية القطبية هي شكل من أشكال فك الارتباط. وهذا الشكل هو أكثر ضمانة من غيره لنجاح وتطور مشروع فك الارتباط، لأنه يساهم في تجاوز العديد من المصاعب والأخطار التي قد تترتب على فك الارتباط عندما يتم من جانب بلدان صغيرة أو مجموعة بلدان فقيرة. وعلى هذا النمو، فإن الربط بين حركتي الاحتجاج ضد النظام العالمي داخل مراكزه وأطرافه سيتيح التطور نحو عالم متعدد الأقطاب، كشكل ومرحلة جديدان من تجاوز هذا النظام، أما إذا لم يحصل هذا الربط، فإن الإشكالية القائمة باقية: إما فك الارتباط الوطني الشعبي وإما بسط الهيمنة الكومبرادورية.‏
والديمقراطية شرط ضروري آخر من شروط قيام العالم المتعدد الأقطاب، لأنها شرط تحقيق التحالفات الاجتماعية ذات المضمون الشعبي والوطني، سواء على الصعيد القومي أو الإقليمي. إن الديمقراطية، كمنهج سياسي ضروري للعلاقة بين بلدان كل قطب إقليمي وفيما بين أقطاب العالم، هي ضرورة موضوعية لتطور نظام العالم المتعدد الأقطاب، بوصفه مرحلة انتقالية، إلى نظام عالمي نوعي بديل. والديمقراطية بهذه الضرورة، تقوم على الاعتراف بوحدة العالم على أساس تنوعه، أو بتنوعه على أساس وحدته. فوحدة العالم تعبر عن ضرورة تعاون بلدانه على حل المشاكل ذات الأبعاد العالمية، وتنوع العالم يعبر عن واقع أن بلدان العالم وأقطابه لها مصالح اقتصادية متعددة ومواقف سياسية متباينة وثقافات قومية أو إقليمية مختلفة. ولأن مبدأ الاعتراف بالتعددية الثقافية هو أحد مبادىء الديمقراطية الضرورية لقيام العالم المتعدد الأقطاب، فإن هذا العالم هو الشرط أو الإطار السياسي اللازم لتبلور ثقافة عالمية الآفاق فعلاً ومتنوعة في تعبيراتها القومية والمحلية. وهذه الثقافة العالمية والمتعددة القوميات، بآن معاً، هي المبدأ الثقافي العام لقيام العالم المتعدد الأقطاب على أساس بناء ثقافة عالمية تقدم رؤية عامة للتاريخ العالمي ورؤية شاملة للراهن العالمي ورؤية ثالثة حول الآفاق التاريخية المنظورة أو البعيدة للتطور على الصعيد العالمي. وحسب سمير أمين، فإن الرأسمالية قد خلقت حاجة إلى أيديولوجيا عالمية الطابع من خلال توسعها على صعيد العالم. ولهذه الحاجة وجهان، أولهما يخص مستوى التحليل العلمي للمجتمع الذي يتطلب، منذ عصر النهضة الأوروبية فصاعداً، كشف القوانين العامة التي تحكم تطور جميع المجتمعات البشرية، وثانيهما يخص مستوى المشروع الاجتماعي المطلوب الذي ينبغي أن يخاطب فعلاً جميع شعوب العالم المعاصر، وهو مشروع يتطلب بدوره تجاوز الحدود التاريخية للرأسمالية(3).‏

2-القطب العربي المطلوب:‏
إن الحديث عن العالم المتعدد الأقطاب يفرض الحديث عن القطب العربي المطلوب لقيام مثل هذا العالم. فقيام القطب العربي هو شرط ضروري لقيام العالم متعدد الأقطاب، وذلك لأسباب اقتصادية وجيوسياسية وثقافية استراتيجية يتوافر عليها الوطن العربي. فالطاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية المتوافرة في الوطن العربي هي شرط ضروري لتأسيس العالم المتعدد الأقطاب في هذه المنطقة، أي في منطقة الشرق الأوسط. إن القطب العربي في حال قيامه هو الشرط الضروري والأكيد لدخول البلدان العربية النظام العالمي المتعدد الأقطاب، أو أي تجمع إقليمي محتمل في المنطقة، من بابه العريض، بحيث يضمن لهذه البلدان فعالية الحضور داخل هذا النظام أو هذا التجمع، سواء على مستوى حل المشاكل العالمية أو على مستوى حل المشاكل القومية والقطرية الخاصة. وتقوم الأهمية الاستراتيجية لقيام القطب العربي، بالنسبة للبلدان العربية، على الفارق النوعي والكبير بين حضور هذه البلدان فرادى داخل النظام العالمي أو أي نظام آخر، وبين حضورها داخله كقطب واحد موحد.‏
إن دخول البلدان العربية، فرادى، النظام العالمي يعني بالضرورة دخولها إلى هذا النظام من نوافذه الضيقة، أو من أضيق نوافذه. وهذا يعني توطيد وتوسيع دائرة التجزئة القومية العربية، وبالتالي تعميق المأزق القومي في الوطن العربي. الأمر الذي يجعل البلدان العربية المنخرطة في النظام العالمي على هذا النحو مجرد مواد أولية لبناء النظام الشرق أوسطي في المنطقة بزعامة إسرائيل وحلفائها، بحيث يتم "قص" وتفصيل هذه المنطقة على مقاس المصالح الاستعمارية الجشعة لرؤوس النظام العالمي "الجديد". وبهذه المناسبة يذكر سمير أمين أن قيام وحدة عربية ووحدة أفريقية إلى جانب الوحدة الأوروبية هي عناصر أساسية في قيام عالم متعدد الأقطاب يعطي بلدان الجنوب هامشاً من الاستقلالية لحل مشاكله الخاصة(4).‏
وبالمقابل، فإن قيام القطب العربي في إطار عالم متعدد الأقطاب يعني تحقيق القومية العربية التي هي التعبير السياسي عن وحدة الأمة العربية. ونظراً للإمكانات الاقتصادية والسياسية والثقافية الهامة المتوفرة في أرجاء الوطن العربي، فإن قيام القطب العربي يعني الحضور العربي الفاعل والفعال داخل النظام العالمي المتعدد الأقطاب. فقيام هذا القطب سيعني إلغاء التناقض بين الوطن العربي كإمكانية وبين نفسه كواقع. وحسب هيغل، فالأمة قوية وأخلاقية فقط عندما يزول التناقض بين وجودها بالقوة ووجودها بالفعل(5). وقيام القطب العربي على أساس الوحدة العربية سيعني، بدوره، أن القومية هي عامل فاعل في صيرورة التاريخ، أي في الحالة العربية، عامل هام من عوامل التنمية العربية. وإذا كانت "الوحدة" العربية التي سبقت العصر الرأسمالي قد سقطت على أساس الارتباط العربي التابع بالنظام العالمي، فإن "بعث" هذه الوحدة من جديد يقوم على فك ارتباط البلدان العربية مع هذا النظام. وعلى هذا النحو، فإن فك الارتباط من جانب هذه البلدان هو منطلق قيام القطب العربي، وهذا القطب هو، في مرحلة تالية، الشرط الأكيد لنجاح فك الارتباط بالنظام العالمي وتيسير أو تسهيل إجراءاته ومتطلباته الاقتصادية والسياسية. ومن هذا المنظور، فإن قيام القطب العربي هو شكل من أشكال فك الارتباط، أو هو الشكل العربي الرئيسي والضروري لفك الارتباط بالنظام العالمي، وبالتالي هو عامل من عوامل تفكيك هذا النظام. وحسب فوزي منصور، فإن العلاقة التي تربط النضال القومي من أجل فك الارتباط بالنضال الجماعي لإقامة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب هي علاقة جدلية(6). فالاندماج في النظام العالمي هو عقبة أمام التنمية، لأن التوسع الرأسمالي في الأطراف يدمر فرص التبلور القومي ويحفز تفتت المجتمع وتجزئته إلى وحدات صغيرة. وتشهد على ذلك ظاهرة الانتظام حول الجماعات الأولية، العائلية منها والمحلية والإثنية والدينية واللغوية والخ...، وهذا هو الأساس في الحديث عن ثورة وطنية شعبية في الأطراف لا عن ثورة اشتراكية فيها.‏
إن القومية هي أحد الأرقام الصعبة التي لم تتحطم عبر صيرورة التاريخ البشري، ويبدو إن هذا الرقم هو رقم ثابت طالما بقي هذا التاريخ قائماً. وبالتالي، فإن الزعم الذي يقوم عليه هذا النظام، والذي مفاده أنه نظام عصر موت القوميات ونهاية الأيديولوجيات، هو مجرد تضليل أيديولوجي يُراد منه عولمة قومية أو أيديولوجيا بعينها هي قومية الولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة، وأيديولوجيتها الليبرالية الكونية. وعلى هذا النحو، فإن تحقيق القومية في بلدان أطراف النظام العالمي على أساس فك الارتباط مع مراكزه هو من أهم عوامل تفكيك نظام الاستقطاب العالمي القائم، وبالتالي تقويض هذا النظام، فيما بعد. وإذا كانت الاستقطابات الداخلية ضمن كل بلد من بلدان أطراف النظام العالمي هي امتدادات ضرورية للاستقطاب على الصعيد العالمي، فإن قيام القوميات داخل هذه البلدان هو، مرة أخرى، آلية هامة من آليات إلغاء الاستقطابات القبلية والإثنية والخ...، القائمة في هذه البلدان على أساس اندماجها التابع في هذا النظام. وحسب بول بوريل، فإن القومية قوة دافعة للتنمية، إذ هي تسهم في التحام كامل المجتمع وتحوّله إلى نظام أكثر قوة وتكاملاً(7). وفي ظروف الاستقطاب القومي الذي تقوم عليه العولمة الرأسمالية، فإن العامل القومي سيظل حاضراً بقوة.‏
وبالمقابل، إذا كانت العولمة الرأسمالية "الجديدة" تقوم على تقويض ظاهرة القومية في حد ذاتها، فإنها تفرض، في الوقت نفسه، مظاهر جديدة لهذه الظاهرة، وذلك بقوة البعد العالمي أو الكوني لهذه العولمة وبضرورة تجاوزها عن طرائق إعادة بناء النظام العالمي القائم على أساس تعدد الأقطاب فيه، كمرحلة انتقالية نحو تطور عالمي نوعي بديل. وبهذا الصدد يذكر تقرير نادي روما أن المبدأ الكلاسيكي للسيادة القومية قد صار يتعارض بشكل متزايد مع واقع الاعتماد المتبادل في عالم اليوم. وفي ظل موجة التكامل الدولي، فإن المفهوم التقليدي للدولة القومية قد أخذ في الزوال، جزئياً. ومع ذلك، فإن التعاون الدولي لا يعني التخلي عن السيادة القومية، بل ممارستها في إطار هذا التعاون(8).‏
إن الحاجة الملحة لتكوين وحدات اقتصادية وسياسية وعسكرية كبيرة في العالم الثالث المعاصر، كأقطاب إقليمية تمثل هذا العالم في إطار نظام عالمي متعدد الأقطاب، تتطلب التخلي عن ضيق أفق أيديولوجيا القومية الموروثة من القرن التاسع عشر الأوروبي.‏
وإذا كان تحدي العولمة الرأسمالية "الجديدة" يفرض تخطي آفاق الدولة القومية التقليدية والتطلع إلى بناء تكتلات إقليمية واسعة كوسيلة ضرورية لمواجهة هذا التحدي، فإن التحدي نفسه يحول دون إمكانية قيام الوحدة القومية العربية دفعة واحدة. ويفرض، بالتالي، السير في هذا الاتجاه على طرائق قيام تجمعات عربية فرعية يضم كل منها عدداً من الأقطار العربية منتقاة، أو موزعة، بحيث تسمح عوامل الإنتاج المتوفرة في كلٍ منها بقيام دورة إنتاج متكاملة وكاملة وذلك كخطوة أولى على طرائق بناء التجمع القومي العربي الواحد. ومن هذا المنظور، فإن التجمعات العربية القائمة إلى الآن، وتلك التي انهارت، (اتحاد المغرب العربي المحتضر ومجلس التعاون الخليجي التابع ومجلس التعاون العربي الساقط) ليست هي نماذج التجمعات العربية المطلوبة. وبهذه المناسبة يذكر يوسف صايغ أن إقامة صيغة سياسية معينة تجمع كافة الأقطار العربية معاً غير عملية في المرحلة الراهنة، وبالتالي، فإن ما هو أكثر واقعية وجدوى هو اقتراح تجمع معين أو أكثر يضم كل منها عدداً أصغر من الأقطار، والتجمع الأكثر هو نواة الاعتماد العربي على النفس(9). وعلى هذا النحو، لئن كان مطلب الوحدة العربية غرض نهائي، فإن هناك مراحل لابد من المرور بها تبدأ بالتعاون العربي وتمتد إلى التكامل فالاندماج لتنتهي أخيراً بالوحدة العربية التي هي، على المدى البعيد، ضرورة موضوعية يفرضها التطور العالمي(10).‏
وإذا كانت الإجابة على تحدي التوسع العالمي للرأسمالية تفرض ضرورة تطوير مفهوم القومية بحيث يصبح أكثر مرونة و"عالمية"، فإن الإجابة على هذا التحدي تقتضي، في الوقت نفسه، الطابع الشعبي للقومية على أساس إدراج هذه الإجابة في إطار مشروع إجابات بعيد المدى للتطور التاريخي. فإذا كانت ظاهرة التفتت القومي داخل بلدان أطرف النظام العالمي على أساس قبول برجوازيات هذه البلدان بالانخراط التابع داخل هذا النظام، فإن "بعث"، أو بناء القوميات في هذه البلدان يتحقق عن طرائق فك الارتباط بهذا النظام على أساس رفض الطبقات والفئات للانخراط فيه على هذا النحو. وبالتالي، فإن القومية في البلدان المعنية هي ذات طابع شعبي تحرري بقوة أنها تفترض فك الارتباط مع النظام العالمي تحت ثقل الضرورة التي يفرضها منطق هذا النظام نفسه على هذه البلدان. وحسب فهمية شرف الدين، فإن المعنى الضروري للقومية في عصر الإمبريالية هو المعنى التحرري(11). ولأن اضطهاد الكادحين في بلداننا هو، في الوقت نفسه، اضطهاد اجتماعي وقومي، فإن الاشتراكية(**) في هذه البلدان قومية بقوة الاضطهاد القومي والقومية اشتراكية بقوة الاضطهاد الاجتماعي. وبالتالي، فإن المزج بين الاشتراكية والقومية هو شرط ضروري لتحرر الشعوب المضطهَدة في هذا العصر، وهذا التحرر سيختم فصلاً من التاريخ ليبدأ فصلاً جديداً هو تجاوز نظام الاستقطاب العالمي القائم إلى رحاب نظام عالمي أكثر تجانساً وعدالة. ومن هذا المنظور، فإن الوحدة القومية العربية ليست في حد ذاتها شرطاً كافياً لتحقيق التنمية المستقلة، فهناك ما يشبه الوحدة بين دول الخليج العربي دون أن يفضي هذا إلى خروجها من أسر التبعية الاقتصادية إلى آفاق الاقتصاد المستقل. إذاً، القضية ليست قضية الوحدة العربية في حد ذاتها، بل هي قضية الطبيعة الطبقية والأيديولوجية للسلطة القائمة على هذه الوحدة. وبالتالي، فإن الصواب هو أن نقول: إن تحقيق التنمية المستقلة على أساس تغيير طبيعة السلطة السياسية القائمة في غالبية البلدان العربية، هي الطريق الصحيح إلى الوحدة القومية العربية، وليس العكس أبداً(12).‏
وثمة علاقة جدلية، في الحالة العربية، بين التنمية القطرية والتنمية القومية. فإذا كانت التنمية الثانية شرط تعزيز وتطوير التنمية الأولى، فإن هذه الأخيرة هي قدوة أو مثال التنمية الثانية. إن هاتين التنميتين متكاملتان ومتداخلتان والنجاح أو الفشل على صعيد إحداهما ينعكس، بضرورة العلاقة الجدلية بينهما، على الأخرى. وإذا كان الاعتماد القومي على النفس هو أساس التنمية القومية، فهذا الاعتماد يبدأ بالاعتماد القطري، وإن جزئياً، على الذات القطرية. وحسب جورج قرم، فإن العلاقة بين التنمية القطرية والتنمية القومية تندرج في إطار العلاقة بين التنمية والوحدة العربية. إن الفكر الوحدوي العربي التقليدي يتصور أن التنمية لا يمكن أن تتحقق إلا في إطار الوحدة العربي الشاملة، لكن التصور العكسي هو الأكثر صواباً. فالتنمية على المستوى القومي لا يمكن أن تنجح في ظل فشل التنمية على المستوى القطري، وعدم جدوى المشاريع العربية المشتركة يعبر بشكل مباشر عن عدم جدوى أو مردود السياسات الاقتصادية القطرية. إن إيجاد النمط التنموي السليم على الصعيد القطري هو السبيل الكفيل بإيجاد السبل الناجعة للتكامل والاندماج الاقتصادي العربي(13).‏
ويتطلب قيام القطب العربي الفعال في عالم متعدد الأقطاب تفعيل العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية المتوافرة في البلدان العربية. وفي ظروف تراخي المشاعر القومية والوطنية على أساس كوننة سلع وقيم الرأسمالية الغربية، فإن الفعالية التنموية للعوامل الاقتصادية تصادر فاعليتها. فالتنمية، حتى بمفهومها الاقتصادي، ليست إنتاج قيم مادية فحسب، بل هي كذلك إنتاج قيم وطنية وقومية، أي هي في الوقت نفسه نمو اقتصادي وخلق وطني أو قومي. وحسب جورج قرم هناك علاقة جدلية بين التنمية والقومية، فالنجاح في التنمية يؤمن التماسك العضوي في المجتمع الذي لابد منه لبروز الشعور القومي الواعي، أي الشعور بقيمة الوطن والتمسك به عند تعرضه للمخاطر الخارجة. والتنمية من هذا المنظور تعني حب الوطن، فهي، في الوقت نفسه، توسع اقتصادي وتوزيع نتائج هذا التوسع‏
بعدالة(14). والتنمية بهذا المعنى لا يمكن أن تكون تنمية تابعة أو كومبرادورية، بل هي تنمية متمحورة حول الذات بضرورة تجميع الفائض الوطني وإعادة توزيعه بشكل يضمن عدالة التوزيع وتلبية الحاجات الأساسية للناس. إن تجميع الفائض الوطني وإعادة توزيعه بهذا النحو هو شرط تبلور مفهوم الوطن وتحققه في الواقع(15). وهذا النمط من التنمية، الذي يعرف باستراتيجية التنمية مع إعادة توزيع الدخل، يفترض التخطيط بقوة أن التنمية بموجب هذه الاستراتيجية تهدف، بالدرجة الأولى، إلى رفع مستوى معيشة الناس وتوقع حاجاتهم المتطورة أو المتجددة باستمرار.‏
لقد ظل الفكر القومي العربي على مدى عقود عديدة أسير الزعم بأن الطريقة إلى حل مشكلات المجتمع العربي إنما تكون عبر السياسة، ولم يدرك أن الطريقة إلى السياسة إنما تبدأ من مواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية. وبالتالي، فقد اقتصر هذا الفكر على الاهتمام بالجانب السياسي فقط دون اعتبار الجوانب الاقتصادية والاجتماعية الأخرى للمشاكل المطروحة على الساحة العربية. ونديم البيطار هو واحد من رموز هذا الفكر الذي يُختزل لديه بجانبه السياسي فحسب، فهو يقول: إن الاتحاد السياسي يتقدم الاتحاد الاقتصادي ويحققه، والاتحاد الاقتصادي لا يقود إلى إقامة وطن قومي، فالوحدة تنطوي على قضايا ومقاصد أعمق من أن يطالها ويكشف عنها أي مفهوم اقتصادي يربط بينها وبين المنافع الاقتصادية(16). وتجاهل الفكر القومي السائد في الوطن العربي لحقيقة أن الوحدة العربية هي ضرورة تنموية، بالدرجة الأولى، قد قاده إلى تصور هذه الوحدة وكأنها كائن ميتافيزيقي مفارق لكل ما هو فيزيقي، وبالتالي الزعم بأن الوحدة العربية مطلوبة لأجل ذاتها(***). وعلى أساس هذا المنهج المثالي في مقاربة مسألة الوحدة العربية يطرح الوحدويون العرب أقوالاً من نوع: إن مشكلة الوحدة العربية تتلخص في أنها وحدة من دون وحدويين(17)؛ والوحدة العربية ضرورة إنسانية، ولهذا السبب، فإنني –والقول لأحد هؤلاء- لو لم أكن عربياً لكنت اتخذت الموقف نفسه ودعوت إلى هذه الوحدة من زاوية محض إنسانية(18). وعلى هذا النحو، فإن اعتبار الوحدة العربية ضرورة من ضرورات التنمية في البلدان العربية هو، في الوقت نفسه، شرط أساسي من شروط بناء هذه الوحدة وقيامها بالدور التنموي المطلوب في هذه البلدان. إن اعتماد البعد القومي في عمليات التنمية القطرية ليس مسألة توحي بها مشاعر الأخوة العربية فقط، بل هو مسألة يوحي بها كذلك المنطق الاقتصادي العام. واعتبار التباين بين الأقطار العربية على المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية، وبالتالي اعتبار ضرورة تعدد الخطط والقرارات التنموية القطرية في إطار التكامل والتنسيق العربي- العربي، هو، بدوره، شرط أساسي آخر من هذه الشروط. فالنجاح في تبني مفهوم قومي عربي شامل للتنمية بالاعتماد على النفس وفي تصميمها وفي السعي إليها يفترض اقتران هذا المفهوم بالقدر الوافي من استقلالية اتخاذ القرار في الأقطار العربية كلٍ منها على حده. واقتران المفهوم القومي باستقلالية القطري يتطلب تحقيق الانسجام بين القرار القطري ونظيره القومي.‏
إن الديمقراطية هي أهم الآليات السياسية اللازمة لبناء القومية العربية كتعبير سياسي ضروري عن قيام القطب العربي. فهي تقوم على ضرورة اعتبار المستويات الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية للاستقطاب العربي القائم. إذ قد صار من المستحيل في الظروف المعاصرة تحقيق أهداف الوحدة باستخدام العنف على نمط ما حدث في ألمانيا وإيطاليا خلال القرن الماضي. فلا يمكن اليوم رفض احترام الاختلاف والتنوع الإقليمي وتعددية المصالح القطرية. إن الديمقراطية بمعنى الاعتراف بالتنوع هي الوسيلة الوحيدة لتفادي التفتت، حتى ضمن القطر الواحد. وعلى هذا النحو، فإن النضال من أجل الوحدة العربية يكون فعالاً وإيجابياً إذا ما اقترن بالاعتراف بتعددية المصالح الاقتصادية والمواقف السياسية والتوجهات الأيديولوجية للبلدان العربية ضمن إطار التكامل الاقتصادي والسياسي والأيديولوجي العربي. وبالمقابل، فإن النضال المزعوم من أجل الوحدة العربية القائم على العنف والإكراه السياسي والعسكري لا يقود إلا إلى مزيد من التفتت القومي والقطري وتوطيد الحواجز السياسية والسيكولوجية، القائمة في الأصل، بين بلدان الوطن العربي. والزعم بأن الإكراه المادي وسيلة ضرورية لتحقيق الوحدة القومية العربية هو زعم محض أيديولوجي يراد من ورائه إخفاء المصالح القطرية الأنانية والجشعة الكامنة في عواطف بعض الحكام وأقلامهم من المنظرين في الوطن العربي. الزعم الذي صرَّح عن نفسه، بأكثر الصعوبة بربرية ودموية، في مأساة الخليج العربي التي حصلت في الثاني من أغسطس عام /1990/. وقد يكون نديم البيطار أكثر المفكرين العرب الذين ساهموا في التأسيس لمثل هذه "الابتلاعات"، وبتعبير أوضح، الاعتداءات من جانب بعض الأقطار العربية ضد بعضها الآخر، فهو يقول: كثيرون هم الذين يتذمرون من التدخل المستمر من قبل بعض الدول العربية في أمور وشؤون البعض الآخر منها، وذلك في الوقت الذي يشكل فيه هذا التدخل عاملاً وحدوياً إيجابياً يجب أن يستمر، فسرطان الإقليمية يتطلب قسوة مبضع الجراحين(19).‏
والتفاوت الحاد في توزيع الثروة بين بلدان الوطن العربي يفرض ضرورة إعادة توزيعها بشكل أكثر عدالة أو توظيفها على نحو يحقق المصالح القومية العليا لكل البلدان العربية. مع الاعتراف بأن هذا التفاوت القائم هو أمر واقع لابد من أخذه بعين الاعتبار، بحيث ندرك تماماً أن إعادة التوزيع المطلوبة هنا لا تتحقق بجرة قلم أو عن طريقة إجراء عملية تقسيم أو جمع حسابي بسيط، بل تقوم على مبدأ الاعتراف المتبادل والحوار الصريح بين هذه البلدان. هذا من جهة أولى، وأما من جهة أخرى، فإن تعدد الأديان والقوميات وأشكال الأقليات الأخرى القائمة في الوطن العربي يفترض، بدوره، الديمقراطية بضرورة الائتلاف الوطني والقومي. والديمقراطية من منظور هذه التعددية هي الوجه الآخر للعلمانية كمنهج على عدم اشتراط أمور وشؤون الدولة بشروط دينية أو إثنية أو غير ذلك. ويذكر قسطنطين زريق أن العلمانية هي من الخصائص الجوهرية للدول القومية، وحركة القومية العربية لن تتمكن من تأصيل جذورها إلا إذا كانت تعتنق مبدأ علمانية الدولة(20). وعلى هذا النحو، فإن الأشكال السياسية والاقتصادية للديمقراطية هي جوانب ظاهرة واحدة بضرورة تحقيق الوحدة القومية للبلدان العربية، وبالتالي قيام القطب العربي المطلوب. وتجدر الإشارة الهامة هنا إلى أن قيام هذه الظاهرة المتكاملة على مستوى كل قطر عربي بمفرده هو الشرط الأول لقيامها على المستوى القومي العربي، فالوحدة الداخلية ضمن كل قطر عربي هي منطلق الوحدة القومية العربية. وحسب معن زيادة، فإنه لا يمكن أن نطالب بوحدة سياسية عربية ونحن نمارس التفرقة الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية بين الطبقات والأجناس والطوائف داخل كل قطر عربي على حده(21).‏
وكما يقوم بناء الوحدة القومية العربية على آليات اقتصادية وسياسية، فهو يقوم أيضاً على آليات ثقافية ملائمة أو مناسبة. وأول هذه الآليات الأخيرة هو قيام "المثقفين" العرب بصك أو بلورة مفهوم جديد للقومية العربية يجسد مدخلاً منطقياً ضرورياً لممارسته في الواقع. فلقد صادر المفهوم التقليدي للقومية العربية فرص صك مفهوم ثقافي صحيح لهذه القومية من جانب المثقفين العرب، وذلك طيلة عقود عديدة. وعند صياغة المفهوم الثقافي للقومية العربية، فإنه يتوجب على المثقفين العرب تضمين الماضي في الحاضر والحاضر في الماضي، بحيث تقوم معادلة الأصالة والمعاصرة على نحو جدلي إيجابي إذ يتضمن الطرف النافي للطرف الآخر المنفي، وحسب زريق، فإن ثقافة قومية مستمدة من التراث وتبرز خصائص الأمة هي ثقافة تخلق بين أبناء هذه الأمة وحدة عقلانية ووجدانية تدعم وحدتهم السياسية والاجتماعية(22). هذا من جهة أولى، ومن جهة أخرى فإن رفض البعد العالمي للثقافة هو قومية ثقافوية، بمعنى أو تاركية، تقوم على الجهل بحقيقة أن الرأسمالية هي ظاهرة عالمية في الاقتصاد والسياسة والثقافة. وبما أن الوحدة العربية تقوم على الاعتراف بتعدد المصالح والتوجهات، فإن وحدة المثقفين العرب يجب أن تتضمن اختلافهم. ولأن الوحدة هي هدف الاختلاف، فإن اختلاف هؤلاء المثقفين العرب يجب ألا يتعدى حدود وحدة الثقافة العربية. وإذا كان الدين هو العمود الفقري للثقافة الجماهيرية في مختلف البلدان العربية، فإن دمقرطة أو علمنة الدين في هذه البلدان هي واحد من الشروط الثقافية الأساسية للوحدة القومية العربية. وعلمنة الدين، بمعنى رفض التميز بين الناس على أساس الدين وليس رفض الدين نفسه، تعني تثقيفه، وبالتالي هي المفهوم الثقافي للدين نفسه.‏

 
عودة
أعلى