الأزمة بين روسيا وجورجيا: حرب الأيام الخمسة

black ops

عضو
إنضم
8 يوليو 2010
المشاركات
1,500
التفاعل
77 0 0
russia_and_georgia_flags1.png


مقدمة

لم يكن اندلاع القتال بين روسيا الاتحادية وجورجيا بالأمر الغريب، بل كان متوقعاً منذ شهور؛ ولكن الجديد كان ميدان المواجهة نفسها. فقد كانت التوقعات تميل إلى أن تندلع المواجهة انطلاقاً من إقليم أبخازيا، الذي تتشابه حالته بشكل كبير مع حالة أوسيتيا الجنوبية، إلاّ أن الأحداث تحولت لتبدأ المواجهة فوق أرض أوسيتيا الجنوبية.

بدأت جورجيا العمليات العسكرية ضد أوسيتيا الجنوبية، ثم تدخلت أبخازيا على الخط، ما استدعى روسيا إلى نجدتهما، وبدأ تدخل الكبار بعد أن فعلها الصغار. روسيا من جانب، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي من جانب آخر. ولم تفت الفرصة دول متوسطة أخرى، مثل تركيا وإسرائيل، وظهر هناك مستفيدون آخرون، مثل سورية وإيران.

إذا نظرنا إلى ما حدث، يمكن تحديد اللاعبين الرئيسيين على مسرح الأحداث، وغيرهم من اللاعبين الثانويين. اللاعبون المباشرون، واللاعبون غير المباشرين. لاعبون مستفيدون من الأزمة، وآخرون خاسرون. لاعبون يحاولون إيقافها، وآخرون يحاولون زيادة إشعالها. من هم هؤلاء اللاعبون؟ فضلاً عن دول تحاول فرض سيطرتها، وأخرى تدافع عن أمنها الوطني. دول تحاول حل مشاكلها بالقوة، ودول تحاول الحصول على استقلالها وتسعى لنيل الاعتراف بها.

خلال الشهور الماضية وقع العديد من المناوشات المسلحة المحدودة بين الطرفين، في أوسيتيا الجنوبية وجورجيا. وإمعاناً في التمهيد للصدام، اتجهت الآلة الإعلامية لكلِّ طرف نحو التصعيد، وسط فشل واضح لجهود التهدئة. إن الوضع في أوسيتيا الجنوبية له جذور تاريخية عميقة ومعقدة. فالأوسيتيون لهم علاقة تاريخية بروسيا والاتحاد السوفيتي السابق، وتقريباً كلّ سكانها يحملون جوازات سفر روسية، بمن فيهم رئيس البلاد، ومن ثَمّ فهم يشعرون بالانتماء إلى روسيا أكثر من جورجيا.

خاض الأوسيتيون الجنوبيين نضالاً طويلاً للاستقلال عن جورجيا، حتى حصلوا على حكم ذاتي موسع في الإقليم، إلاّ أن ذلك لم يرض طموحاتهم، فزاد سقف مطالبهم إلى درجة السعي إلى الاستقلال عن جورجيا. ومع تولي ميخائي سلكاشفيلي رئاسة جورجيا، وهو سياسي معروف بولائه للغرب ويحمل الجنسية الأمريكية، زادت حدة التوتر بين جورجيا وروسيا الاتحادية، خاصة مع إعلان حلف شمال الأطلنطي (الناتو) عزمه ضمّ جورجيا إلى عضويته، وهو الأمر الذي أثار استياءً كبيراً في روسيا. وساعد في زيادة حدة التوتر أيضاً أن روسيا اليوم لم تَعُدّ هي روسيا في عهد الرئيس الأسبق بوريس يلتسين، بل أصبحت دولة تتمتع باقتصاد قوي وسط رغبة وطموح باستعادة مكانتها الدولية السابقة، التي كانت لها إبّان فترة الاتحاد السوفيتي السابق.

فروسيا، وريثة الإمبراطورية السوفيتية، لا تريد أن تتخلى عن وهج القطبية بشكل أو بآخر، وهي تَعُدّ جورجيا خنجراً في خاصرتها. كما أن جورجيا تحالفت رسمياً مع الولايات المتحدة في حرب العراق، التي عارضتها روسيا، وأصبحت جورجيا ثالث أكبر دولة لها قوات في العراق. ولهذا اشتد التوتر بين روسيا وجورجيا في أوسيتيا الجنوبية، ووصل إلى حد المواجهة العسكرية، التي أرادت موسكو من خلالها أن تبعث بعدة رسائل إلى العالم أجمع، رسائل مفادها: أنها عائدة إلى موقعها "قوة عالمية كبرى" لها مكانتها وقادرة على الدفاع عن مصالحها واستعادة مجدها القديم. كما كانت فرصة مواتية لترد عملياً على رفضها مشروع "الدرع الصاروخية الأمريكية"، الذي يهدد أمنها الوطني.

إن معركة أوسيتيا الجنوبية هي واجهة صغيرة تخفي ورائها ملفات متعددة ومتبادلة، منها: الملف النووي الإيراني، والدرع الصاروخية الأمريكية، وتوسيع حلف الناتو (ليطوق مناطق نفوذ تقليدية لروسيا)، ومأزقا العراق وأفغانستان، واحتمالات إعادة القضية الشيشانية. لذا، يمكن القول إن هذه الحرب (إذا أطلق على العمليات التي دارت صفة الحرب) تمثل بالون اختبار حقيقي لمرحلة جديدة في العلاقات الدولية.


خلفية تاريخية

1. إقليم أوسيتيا

يقع إقليم أوسيتيا في وسط منطقة القوقاز، وهو مقسم بين دولتي روسيا الاتحادية وجورجيا، وقد اتخذ القسمان من نهر "تيريك" حداً لتمييز الحدود الشمالية عن الجنوبية.

وأوسيتيا الشمالية، تُعَدّ جمهورية متمتعة بالحكم الذاتي، ضمن روسيا الاتحادية، وتقع في شمالي القوقاز، وعاصمتها "فلادي قفقاس Vladikavkaz"، ومساحتها 8000 كم2، وعدد سكانها نحو (700) ألف نسمة.

أمّا أوسيتيا الجنوبية، فإقليم يتمتع بالحكم الذاتي داخل دولة جورجيا، وقد أعلن نفسه جمهورية بسلطة الأمر الواقع، ولكنه لم يحصل على أي اعتراف دولي، ومن ثَمَّ لم ينل عضـوية الأمم المتحـدة. عاصمتهـا "تسخينفالي Tskhinvali "، ومساحتها 3900 كم2، ويُقدّر عدد سكانها من (70) ألفاً إلى (100) ألف نسمة.

ويغلب الطابع الجبلي على التضاريس في إقليمي أوسيتيا (الشمالية والجنوبية). والنشاط الغالب على السكان هو الزراعة. ومعظمهم يدينون بالمسيحية، ويعتنقون المذهب الأرثوذكسي، ويتحدثون لغة قريبة من الفارسية.

شهدت أوسيتيا، على مدى سنوات عديدة، تغيرات مهمة في وضعها القانوني وسيادتها؛ فتارة تصبح أقاليم مستقلة، وتارة أخرى تُقسم وتُضم إلى الجارتَيْن الجورجية والروسية، مع منح كل قسم حكماً ذاتياً. وتتركز معظم دعوات الأوسيتيين في المطالبة بالحفاظ على هويتهم القومية وثقافتهم ولغتهم وعاداتهم. ويشعرون أن هذا كله مُهدد من قِبل جورجيا، ومن ثَمَّ فإنهم يطالبون بالانفصال عن تبليسي Tbilisi، وإعادة توحيد شطري الإقليم، وإعلانه جمهورية مستقلة، أو جزءاً من الاتحاد الروسي.

ومن الناحية التاريخية، أصبحت أوسيتيا عام 1861، جزءاً من الإمبراطورية الروسية، وأُطلق عليها آنذاك اسم إقليم "تيريك". وفي عام 1918، وبعد قيام الثورة البلشفية، تحولت إلى جمهورية تابعة للاتحاد السوفيتي السابق. وفي عام 1920، أعُلنت جمهورية متمتعة بالحكم الذاتي. وفي عام 1922، ضُمَّ قسمها الجنوبي إلى جورجيا بوصفه إقليماً متمتعاً بالحكم الذاتي. وبعد عام 1924، أُلحق قسمها الشمالي بجمهورية روسيا. وفي عام 1936، أصبح جمهورية تتمتع بالحكم الذاتي.

في عام 1989، وَجَّه الزعماء السياسيون في أوسيتيا الجنوبية رسالة إلى المجلس السوفيتي الأعلى، مطالبين بالاتحاد مع أوسيتيا الشمالية. وأعلن مجلس أوسيتيا الجنوبية التحول من الإقليم ذي الحكم الذاتي إلى جمهورية ذات حكم ذاتي. وفي عام 1990، أعلن قادتها السياسيون، أن إقليمهم أضحى تابعاً للسيادة الروسية؛ فأسقطت جورجيا صفة الحكم الذاتي عنهم، ومنعت أغلب القيادات السياسية المُطَالِبَة بالاتحاد مع أوسيتيا الشمالية من الترشح للانتخابات البرلمانية، التي جرت في تلك السنة.

وفي يناير 1992، بعد أن هزمت القوات الأوسيتية الانفصالية الجورجيين، نظمت أوسيتيا الجنوبية استفتاءً شعبياً حول الرغبة في الانفصال عن جورجيا والالتحاق بروسيا. وكانت النتيجة أن الغالبية العظمى من السكان أيدت الانفصال. وفي 19 نوفمبر 1992، أعلن المجلس الأوسيتي الجنوبي، أن نتيجة الاستفتاء بمثابة إعلان رسمي للانفصال. وعقب ذلك اندلع قتال مسلح بين القوات الجورجية ومسلحي أوسيتيا الجنوبية، سقط فيه قتلى وجرحى من الجانبَيْن، كما نجم عنه عشرات الآلاف من اللاجئين والنازحين على جانبي الحدود الروسية ـ الجورجية. وفي يوليه 1994، أُعلن عن وقف إطلاق النار بعد وساطة الرئيس الروسي آنذاك "بوريس يلتسين"، والرئيس الجورجي "إدوارد شيفرنادزة".

وفي عام 1995، استعادت أوسيتيا الجنوبية وضعها في التمتع بالحكم الذاتي مرة ثانية، واستمر الالتزام بوقف إطلاق النار ساري المفعول. وفي عام 2004، اندلع قتال محدود بين القوات الجورجية ومسلحين من أوسيتيا الجنوبية، ولكن سرعان ما عاد الهدوء والحذر مرة أخرى، بعد وساطات إقليمية ودولية، وبمساعدة قوات مشتركة من جورجيا وروسيا وأوسيتيا، لحفظ السلام.

في إبريل 2008، أعلنت موسكو أنها ستقيم علاقات رسمية مع أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، ما أثارغضب جورجيا، وخشيتها من احتمال اعتراف موسكو مستقبلاً باستقلال الإقليمَيْن. عقد الرئيس الجورجي "ميخائيل ساكاشفيلي" ـ المُؤَيِّد للغرب عامة وللولايات المتحدة الأمريكية خاصة ـ جلسة طارئة لمجلس الأمن في بلاده، تعهد خلالها بإعادة السيطرة على الإقليمَيْن، ودعا إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي لبحث التوجه الروسي، كما قصد نائب رئيس الوزراء الجورجي مقر حلف شمال الأطلسي، طالباً دعم موقفه ضد موسكو.

سارع حلف الناتو إلى الإعلان عن تأييده لجورجيا ومعارضة أي خطوة روسية، من شأنها المسـاس بالسـيادة الجورجية. فَرَدَّ الرئيس "فلادمير بوتين"، بحزمة إجراءات تصب كلها في خانة ما وصفته موسكو بتطبيع العلاقات مع جورجيا، من بينها إزالة القيود على منح التأشيرات للمواطنين الجورجيين، والإعلان مجدداً عن عدم تراجع بلاده عن توجهها إزاء أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.

وفي 8 أغسطس 2008، اجتاحت القوات الجورجية إقليم أوسيتيا الجنوبية، وسقط المئات من القتلى والجرحى، فردت موسكو بعمليات قصف على مدينة جوري الجورجية Gori، ومطار مارنيولي العسكري (شرق جورجيا). واتسع نطاق العمليات، في اليوم التالي، فطال القصف الروسي مرفأ بوتي Poti الجورجي على البحر الأسود. وشاركت في الهجوم قوات من أبخازيا، التي أغارت على ممرات كودوري، وهو الجزء الوحيد في المنطقة الانفصالية الجورجية الموالية لروسيا والخاضعة لسيطرة الجورجيين. وبرر رئيس الوزراء الروسي "فلاديمير بوتين" هذا التدخل، أنه موجه ضد السياسة الإجرامية التي تنتهجها جورجيا، بينما طلبت جورجيا مساعدة دولية عاجلة .

في 10 أغسطس، قرر الرئيس الجورجي "ساكاشفيلي"، سحب قواته من الإقليم، تجنباً ـ كما قال ـ لكارثة إنسانية، فدخلت القوات الروسية العاصمة "تسخينفالي"، وبسطت سيطرتها، رغم دعوات الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، إلى وقف القتال. وفي الوقت نفسه، استمرت المعارك في أوسيتيا الجنوبية، وكذلك عمليات القصف الروسية على ممرات "كودوري" ومرفأ بوتي، والمطار العسكري قرب تبليسي. وقد أعلنت السلطات في أوستيا الجنوبية عن سقوط 1600 قتيل في تسخينفالي، أمّا روسيا فقد ذكرت أن ما لا يقل عن ألفي فرد مدني قُتلوا جراء القصف والهجوم الجورجي، كما نزح نحو (40) ألف شخص عن ديارهم بسبب هذا النزاع.

في الحادي عشر من أغسطس، قصف الطيران الروسي قاعدة عسكرية في ضاحية العاصمة الجورجية تبليسي، كما أعلنت جورجيا أن مدينة جوري الجورجية تعرضت لقصف كثيف من المدفعية والطيران الروسيين، وأن القوات البرية الروسية تستعد لشنِّ هجوم عليها.

في الثاني عشر من أغسطس، تجدد القتال بين القوات الجورجية والمقاتلين الأبخاز في منطقة كودوري. وفي الوقت نفسه، أعلن الرئيس الروسي عن وقف العمليات العسكرية في جورجيا، مؤكداً خلال لقائه مع الرئيس الفرنسي، أن بلاده مستعدة لبدء مناقشة التسوية النهائية للنزاع مع جورجيا.

2. إقليم أبخازيا

يُعَدّ إقليماً انفصالياً، وهو يقع في شمالي غربي جورجيا، ويتمتع بالحكم الذاتي منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي. يطل على الساحل الشرقي للبحر الأسود، وله حدود مع روسيا الاتحادية، وعاصمته "سوخومي Sokhumi"، ومساحته 8600 كم2 تُشكِّل أكثر بقليل من 12% من مساحة جورجيا، وعدد سكانه لا يزيد على (500) ألف نسمة، وغالبيتهم من المسيحيين الأرثوذكس، و10% فقط من المسلمين.

وتُعَدّ أبخازيا جمهورية مستقلة فعلياً عن جورجيا؛ لكنها لم تحظ باعتراف دولي حتى الآن؛ إلاّ أن موسكو تدعم إقليم أبخازيا ضد الحكومة المركزية في تبليسي. لذلك، فإن جورجيا تَعُدّ هذا الإقليم ورقة روسية للضغط عليها، وقد استخدمته بالفعل جبهة ثانية ضد جورجيا في الصراع الأخير، ونقطة لانطلاق قواتها منه إلى باقي الأراضي الجورجية.

عُرفت أبخازيا عند العرب قديماً باسم "بلاد الأباظة"، والصراع الدائر على أرضها له تاريخ طويل بسبب إصرار الأبخاز على الاستقلال والانفصال عن جورجيا، بينما تصر جورجيا على أن هذا الإقليم جزء من أراضيها.

ترجع بداية تصاعد الاضطرابات في الإقليم إلى فترة استقلال جورجيا عن الاتحاد السوفيتي السابق، إذ تزايد الشعور لدى الأبخاز بخطر فقدان الهوية مع إعلان قيام جمهورية جورجيا المستقلة، ما أدّى إلى تفجر الصدام بين الجانبَيْن عام 1989. بعد إعلان مجلس السوفييت الأعلى، في أغسطس 1990، أن أبخازيا دولة قومية ذات سيادة، وهو ما أدّى إلى إعلانها الاستقلال عن جورجيا، في يوليه 1992. وعقب الحرب بين أبخازيا وجورجيا، التي امتدت بين عامي 1992، 1993، أعلنت أبخازيا أنها دولة مستقلة بحكم الأمر الواقع، واستطاع الأبخازيون السيطرة على العاصمة "سوخومي"؛ لكن المجتمع الدولي لم يعترف بها حتى الآن، ولم تحظ بعضوية الأمم المتحدة، التي لا تزال تحث الطرفين، الجورجي والأبخازي، على حلِّ خلافهما بالطرق السلمية.

وفي عام 2005، عرضت الحكومة الجورجية على أبخازيا صلاحيات أوسع للحكم الذاتي، وشكلاً من أشكال التنظيم الاتحادي، ضمن حدود جمهورية جورجيا، وفي نطاق سلطتها؛ لكن الأبخازيين رفضوا هذا العرض، ولا تزال الأمور على حالها حتى الآن. فحكومة أبخازيا بدعم من روسيا، تسيطر على 83% من مساحة الإقليم، وتطالب العالم الاعتراف به، بينما جزء آخر من الإقليم مساحته نحو 17% مدعم من جورجيا، وتطلق عليه تبليسي "الحكومة الشرعية"، وترفض التعامل مع أي حكومة أخرى سواها.

وترى جورجيا أن هذا الإقليم، هو ورقة روسية للضغط عليها، وقد استخدمته روسيا بالفعل كجبهة ثانية في الصراع الأخير ضد جورجيا، ونقطة لانطلاق قواتها إلى الأراضي الجورجية. إن أبخازيا منطقة تنذر بالاشتعال متى سنحت الفرصة، وفي هذه الحالة فإن جورجيا لن تقاتل الانفصاليين وحدهم، وإنما الجيش الروسي كذلك، وهو ما يعني أن سيناريو 1993 يوشك أن يكتمل، بانسحاب القوات الجورجية من الإقليم، وربما من غير رجعة.

3. جورجيا

كانت جورجيا مملكة مسيحية، يتنازعها الفرس والعثمانيون، حتى ضمتها روسيا إليها عام 1801. وبعد قيام الثورة البلشفية في روسيا، عام 1917، أعلنت جورجيا استقلالها عام 1918. وفي عام 1920، نشب النزاع المسلح بين جورجيا وأوسيتيا الجنوبية، وأسفر عن مصرع خمسة آلاف أوسيتي، وتزامن ذلك مع انتشار أعمال التطهير العرقي والإثني في المنطقة. إثر ذلك، اجتاح الجيش الأحمر الروسي، في أوائل عام 1921، جورجيا واحتلها، وأصبحت فيما بعد جزءاً من الاتحاد السوفيتي وإحدى جمهورياته، كما أصبحت أوسيتيا الجنوبية أحد أقاليمها، في إطار الاتحاد السوفيتي السابق.

ومنذ تفكك الاتحاد السوفيتي، في ديسمبر 1991، انشق عنه إقليما أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، مطالبين الانضمام إلى روسيا، وأصبحا إقليمَيْن مستقلَّيْن بحكم الأمر الواقع. واستمر القتال المتقطع بين جورجيا والإقليمَيْن الانفصالييْن في صيف عام 1992، حتى تم الاتفاق على نشر قوات حفظ سلام جورجية وأوسيتية وروسية.

وبعد تولي الرئيس "ميخائيل ساكاشفيلي" الحكم، أعلن عن رغبته في إعادة الأقاليم المتمردة إلى سيطرة الدولة. وعرض على الأوسيتيين الحوار والحكم الذاتي ضمن دولة جورجية واحدة، ولكنهم لم يوافقوا؛ ولم يكن مفاجئاً أن يصوت الأوسيتيون بأغلبية ساحقة لتأييد الاستقلال عن جورجيا، في استفتاء أجري في نوفمبر 2006، ومن ثم ظلت أعمال العنف والاشتباكات المتقطعة تقع في الإقليم. وتطالب جورجيا، منذ ذلك الوقت، باستبدال قوات حفظ السلام الروسية قوات دولية، بسبب دعم روسيا لعملية الانفصال.

وكرد فعل حول التدخل الروسي في أوسيتيا الجنوبية، عَدّت جورجيا الاجتياح الروسي، هو خرقاً لكل القوانين والأعراف الدولية، وانتهاكاً لسيادتها وتهديداً لوحدة ترابها الوطني. ودعت على لسان رئيسها "ميخائيل ساكاشفيليا المجتمع الدولي إلى مساندتها، فيما تواجهه من اعتداء، كما أعلنت حالة الحرب واتخذت قرار الانسحاب من كومنولث الدول المستقلة ، الذي تتزعمه روسيا (يضم 12 جمهورية من الـ15 دولة، التي كانت تحت مظلة الاتحاد السوفيتي السابق، أي باستثناء دول البلطيق الثلاث لاتفيا ولتوانيا واستونيا). واستمر الموقف السياسي لجورجيا على ما كان عليه قبيل الحرب، فهي ترفض التسمية الروسية لأوسيتيا ووصفها بالجنوبية والشمالية، وتعد ذلك خداعاً للرأي العام الدولي، وتؤكد على أن الإقليم هو جزء لا يتجزأ من محافظة "شيدا كارتي الجورجية".


ما ورد من روايات حول دوافع تلك الحرب، ثم الرد الروسي المسلح عليها

1. الرواية الأولى، روسية: تقول إن نائب الرئيس الأمريكي، ديك تشيني، هو الذي حرّض الرئيس الجورجي، ساكاشفيلي، على شنِّ تلك الحرب على أمل منه بدعم حملة "ماكين" الانتخابية.

2. الرواية الثانية، أوروبية: ترى أن تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية، كوندوليزا رايس، خلال زيارتها لجورجيا، قبل تلك الحرب بعشرة أيام فقط، حملت رسالتَيْن واضحتَيْن إلى رئيس جورجيا ووزير دفاعه، الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية أصلاً. أولهما، أن واشنطن ستبذل أقصى ما وسعها من أجل قبول جورجيا في عضوية حلف الناتو. وثانيهما، أن واشنطن ستقف دوماً إلى جوار أصدقائها المخلصين بلا تردد. (تذكرنا هذه الزيارة بزيارة مماثلة جرت في عام 1990 قبل غزو الكويت)

3. الرواية الثالثة، من خبراء سياسيين، إن واشنطن ظلت طوال الثمانية عشر شهراً الأخيرة تسعى جاهدة من أجل نشر نظامها الصاروخي الجديد في كل من تشيكيا وبولندا، في مواجهة معارضة روسية قاطعة وحاسمة. وكذلك معارضة أعضاء بارزين في حلف الناتو، مثل ألمانيا. وقد دفعت معارضة هؤلاء الحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن تتكفل بالمشروع وحدها بعيداً عن الحلف. لكنها وجدت معارضة واضحة من الرأي العام في كلا الدولتَيْن: تشيكيا وبولندا. فإذا نجحت جورجيا في استفزاز روسيا عسكرياً استفزازاً كافياً لإثارتها، وتصرفت روسيا برد فعل عسكري عنيف، فإن هذا سيتيح للدعاية الأمريكية استعادة أجواء الحرب الباردة، وانتقاد روسيا المتسلطة ضد جار صغير وضعيف عسكرياً. ومن ثمَّ، تستطيع الإدارة الأمريكية الغاربة أن تدعي أنها أنجزت الخطوة قبل الأخيرة في خطة استكمال محاصرة روسيا بالكامل. أمّا الخطوة الأخيرة فستكون انضمام الدولتَيْن إلى الحلف. وفي حالة جورجيا، ستصبح قوات الحلف بقيادة أمريكية على بعد (1200) كيلومتر من الكرملين، وفي حالة أوكرانيا ستكون قوات الحلف على مسافة (750) كيلومتراً منه فقط.

يتبع ....
age[1].gif



 
رد: الأزمة بين روسيا وجورجيا: حرب الأيام الخمسة


رصد وتحليل


أولاً: موقف روسيا الاتحادية من الأزمة (مع جورجيا والغرب)

تُعْطي روسيا نفسها الحق في التدخل لحماية المواطنين الأوسيتيين، الذين يحملون جوازات سفر روسية، ضد أي اعتـداء جورجي. وقـد أكد ذلك رئيس مجلس الفيدرالية "سيرجي ميدونوف": "أن العدوان الذي شنته جورجيا ضد أوسيتيا الجنوبية، يوفـر لروسيا كل المسوغات للنظـر في طلبي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية بشأن استقلالهما.

وكان الغضب الروسي قد بدأ في التصاعد ـ بشكل ملحوظ ـ بعد الإشارات التي بعث بها حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية إلى جورجيا، في قمته التي عُقدت في إبريل 2008، بالعاصمة الرومانية بوخارست، إذ وعدها بالانضمام في المستقبل القريب للحلف، وهو ما يعني إستراتيجياً اقتراباً كبيراً لقواته في المجال الحيوي للأمن القومي الروسي. وقد ردت موسكو على ذلك بمزيد من التطبيع للعلاقات مع أوسيتيا الجنوبية، فأكثرت من منح جوازات السفر الروسية لسكان الإقليم، وقدمت مزيداً من الدعم العسكري والسياسي للمطالبين بالانفصال عن جورجيا وانضمامها إلى روسيا.

في يوليه 2008، دخلت الطائرات المقاتلة الروسية المجال الجوي الجورجي فوق أوسيتيا الجنوبية، كرسالة تهديد لتبليسي، كما تصاعدت الاشتباكات المتفرقة. وتصر روسيا على أنها تقوم فقط بمهمة حفظ السلام في أوسيتيا الجنوبية، رافضة الاتهامات الجورجية بأنها تزود الانفصاليين بالأسلحة. وعندما تفجرت الأوضاع في 8 أغسطس، حينما اجتاحت القوات الجورجية المناطق الأوسيتية، ردت موسكو عسكرياً على هذا الاجتياح، إذ دفعت بفرقتَيْن مدرعتَيْن تعاونهما المقاتلات. وبعد السيطرة على عاصمة الإقليم، اخترقت القوات الروسية الأراضي الجورجية حتى وصلت إلى نحو 40 ميلاً من خط البترول، الذي يصل من باكو Baku(في أذربيجان) عبر جورجيا، إلى ميناء جيهان التركي، على البحر المتوسط، وهو خط يمد الدول الأوروبية بالبترول والغاز، ومن ثَمَّ فإن تهديد هذا الخط يمثل تهديداً مباشراً للاقتصاد الأوروبي، وأحد المصادر الرئيسية للطاقة. كما اتسعت رقعة المواجهات لتشمل مناطق شاسعة داخل جورجيا، وعملت روسيا، قبل انسحابها، على فرض مناطق عازلة حول أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، لتمنع القوات الجورجية من دخولهما. وعلى الرغم من إعلان روسيا عن وقف العمليات العسكرية، وفقاً للاتفاق الذي أُبرم بينها وبين فرنسا، التي تترأس الاتحاد الأوروبي حالياً، إلا أن الوجود العسكري الروسي في بعض القرى والموانئ الجورجية لا يزال مشاهداً.

دعت روسيا، على لسان رئيس وزرائها "فلاديمير بوتين"، إلى التحقيق فيما أسماه "أعمال الإبادة التي ارتكبتها القوات الجورجية في جمهورية أوسيتيا الجنوبية". وذكرت موسكو أنها بصدد إصدار أمر بتوثيق ما أسمته "جرائم الجورجيين"، تمهيداً لمحاسبة مرتكبيها.

وعلى المستوى الدبلوماسي، أوضح السفير الروسي لدى الأمم المتحدة "فيتالي تشوركيني"، أن الحل العاجل لهذه الأزمة يتمثل في: وقف القتال؛ وانسحاب القوات الجورجية من المواقع، التي دخلتها في أوسيتيا الجنوبية؛ وتوقيع تعهد بعدم استخدام القوة؛ وذلك قبل البحث في أي ترتيبات سياسية أو عسكرية لحل النزاع القائم في هذه المنطقة.

في 25 أغسطس 2008، أعلن الرئيس الروسي "ديمتري مدفيديف": 1. إن روسيا مستعدة للذهاب إلى حد قطع العلاقات مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إذا لم يعد هذا الأخير راغباً في التعاون معها. 2. إن الدول الأعضاء في الحلف هي التي في حاجة إلى التعاون مع روسيا بالدرجة الأولى، وليس العكس. 3. إن موسكو لن تتضرر إذا أقدم الناتو على إيقاف التعاون مع روسيا، التي ترى أن العلاقات مع الحلف يجب أن تكون مفيدة وتتسم بطابع الشراكة.

في 26 أغسطس 2008، وفي تصعيد آخر، اعترفت روسيا باستقلال جمهوريتي جورجيا الانفصاليتَيْن: "أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية"، نزولاً على رغبة شعبَيْ الجمهوريتَيْن، اللتَيْن أعرب عنها في استفتاءات جماهيرية وقرارات برلمانية، وذلك عملاً بكل المواثيق والعهود الدولية، بما فيها ميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات والوثائق.

وفي 5 سبتمبر 2008، نجحت موسكو في استضافة قمة رؤساء دول "معاهدة الأمن الجماعي"[1]، الذين دانوا الاعتداء الجورجي ضد إقليم أوسيتيا الجنوبية؛ وحذروا حلف الناتو من عواقب توسيع رقعة الحلف شرقاً، وتقدم الآلة العسكرية للحلف نحو المنطقة الخاضعة لإشراف منظمة معاهدة الأمن الجماعي. ودعا ميدفيديف، أثناء مؤتمر صحافي، جميع الدول إلى تجنب المعايير المزدوجة في تقييم الوضع في منطقة القوقاز. وأكد ضرورة تنفيذ الخطة الروسية الفرنسية لتسوية الوضع في الإقليم (عدم اللجوء إلى القوة، وقف العداوات بشكلٍ نهائي، ضمان حرية دخول المساعدات الإنسانية، انسحاب القوات الجورجية إلى أماكنها المعتادة في معسكراتها، انسحاب القوات الروسية إلى الخطوط السابقة للعمليات العسكرية، بدء مناقشات دولية حول ترتيبات الأمن والاستقرار في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية) ـ وطالب، كذلك، بفرض حظر على صادرات الأسلحة إلى جورجيا.

وفي 12 سبتمبر، وفي كلمة في الاجتماع السنوي لنادي "فالداي"، الذي يضم صحافيين وأكاديميين خبراء في شؤون روسيا، صرح الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف: (1) "أن الثامن من أغسطس، يوم شنت جورجيا الهجوم على أوسيتيا الجنوبية، هو بالنسبة إلى روسيا أشبه بـ 11 سبتمبر 2001". (2) "لن تتردد روسيا في مهاجمة جورجيا مرة ثانية، إذا استفزت روسيا، ولو كانت في طريقها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي". (3) إن وضع جورجيا وأوكرانيا على المسار الرسمي لعضوية الحلف، لن يحميهما في حالة نشوب صراع جديد مع روسيا، وبالاقتراب أكثر من حدودها لن يصبح الحلف أقوى، وستكون عضوية جورجيا عنصر عدم استقرار للحلف الغربي ولمنطقة القوقاز".

والتساؤل الذي يطرح نفسه: لماذا أقدمت روسيا على هذه الخطوة تجاه جورجيا؟

ينبغي الإشارة إلى أهمية جورجيا لكلٍّ من روسيا والغرب. فهي مهمة للغرب إستراتيجياً، لأنها تشكل نقطة تماس روسيا الاتحادية، وهي في الوقت نفسه تُعَدّ دولة عازلة للدب الروسي Buffer State، في محيطه المباشر. وإذا كانت جورجيا لا تملك الطاقة، إلاّ أنها أصبحت ممراً حيوياً لهذه الطاقة، التي تصل من بحر قزوين[2] إلى تركيا، ثم إلى أوروبا. لذا، يمكن القول إن روسيا أرادت الردِّ على الغرب المندفع تجاهها، خاصة بعد توسع الناتو، وعقب استقلال كوسوفا، وضرب المصالح الروسية عرض الحائط ـ بعدما شعرت بأن هناك تطوراً نفطياً لها عبر تجاوزها كممر تقليدي لنفط دول بحر قزوين. لقد تحركت روسيا في ظل ظروف ارتأت أنها ملائمة، أهمها:

1. قرب نهاية عهد الرئيس بوش، وشلله السياسي.

2. سيطرة الرئيس بوتين على الأوضاع الداخلية في روسيا، وإلمامه، خلال فترة حكمه لروسيا، بكل نقاط الضعف المحيطة بالولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوروبي، وكذلك تعاونه الشامل مع الرئيس الجديد "ميدفيديف".

3. الشلل العسكري الأمريكي، في كلٍّ من العراق وأفغانستان، إضافة إلى العجز العسكري الأوروبي نسبياً.

4. ازدهار الاقتصاد الروسي، وتوفر احتياطي نقدي، يُقارب 750 مليار دولار، وذلك بفضل ارتفاع أسعار النفط.

إن التحرك الروسي تجاه جورجيا أكد الآتي:

* أن الامتداد الأمريكي قد وصل إلى أقصاه، وأن حلف الناتو، هو نمر من ورق، فإذا لم يتخذ موقفاً في حالة جورجيا فكيف يتسنى له اتخاذ مواقف في أماكن أخرى؟

* أن روسيا جادة في استخدام القوة العسكرية، خاصة في محيطها المباشر وخارج أراضيها. كما بعثت بعدة رسائل إلى العالم أجمع، بأنها عائدة بقوة إلى سابق عهدها، كقوة عالمية كبيرة، لها مكانتها وقادرة على الدفاع عن مصالحها الوطنية، وعن وحدة وأراضي جمهوريات منطقة القوقاز.

* أن القوات المسلحة الروسية لم تَعُد عاجزةً، كما كان حالها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.

* أن روسيا تريد إبقاء أمن الطاقة الأوروبي بيدها هي فقط، كمنتج ومُصَدِّر وممر.

* أن سلوكها في جورجيا، سوف يكون النمط، الذي سوف تنتهجه، وعلى الغرب مراعاة التأقلم معه، وأنها لم تَعُدّ تخشَ حرباً باردة جديدة، كما سترد بقوة على الدرع الصاروخية الأمريكية.

الأهداف التي تسعى روسيا إلى تحقيقها، بعد توقف القتال في جورجيا

أولاً: فرض هيمنة روسيا، وإبقاء قواتها على الأرض، من خلال عملية حفظ السلام التي تؤديها في القوقاز، باعتبار أنها منطقة إستراتيجية تضم العديد من المصالح الروسية.

ثانياً، فرض السيطرة الروسية على عدد من القرى والمراكز الخاضعة للسيطرة الجورجية داخل أراضي أوسيتيا الجنوبية.

ثالثاً، تحقيق هدف سياسي إستراتيجي، يتمثل في منع حلف شمال الأطلسي من الاستمرار في خطته الرامية إلى ضمِّ جورجيا إلى الحلف، ومن وجود أساطيله بالبحر الأسود، أو إنشاء قواعد صواريخ إستراتيجية ومحطات للرصد في جورجيا. وهو ما يماثل كابوس أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، والتي كادت أن تشعل حرباً نووياً عالمياً.

رابعاً، رغبة روسيا الاتحادية في استغلال فرض سيطرتها المباشرة، أو غير المباشرة، من خلال القوى الانفصالية المناوئة لجورجيا (أبخازيا ـ أوسيتيا الجنوبية) في الردّ على قضية استقلال إقليم كوسوفا

خامساً، الهدف الأكثر أهمية، ويتمثل في المحافظة على المصالح الروسية المرتبطة بموارد الطاقة في المنطقة، وممرات نقلها إلى دول الاتحاد الأوروبي، والتي تزايدت أهميتها النسبية في اتخاذ القرارات السياسية بشكل كبير في الأعوام الأخيرة.

سادساً، الاعتراف بإقليم أبخازيا كدولة مستقلة لها علاقات قوية مع روسيا، خاصة مع إطلالها على البحر الأسود، إضافة إلى انضمام إقليم أوسيتيا الجنوبية مستقبلاً لروسيا.

وعلى الرغم من أن الصراع يُعَدّ ذا طابع عرقي، إلاّ أن روسيا استطاعت أن تستغله بشكل فعّال لتوجيه العديد من الرسائل إلى كلٍّ من حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. وتُعَدّ القيادة الجورجية الخاسر الأكبر، في الوقت الحالي، لأنها راهنت بصورة خاطئة.

وفي التاسع من سبتمبر، أعلنت موسكو أن انتشارها العسكري في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية "سيستمر طويلاً". وأتى هذا التصريح بعد توصل الرئيسيْن، الروسي والفرنسي، إلى اتفاق يستكمل خطة وقف إطلاق النار في القوقاز، التي وقعها الطرفان في 12 أغسطس. والنقاط الرئيسية التي شملتها الخطة، هي: (1) أطر زمنية لانسحاب القوات الروسية من كلِّ المناطق الجورجية في غضون شهر واحد، ماعدا أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. (2) ضمانات أوروبية بمنع القيادة الجورجية من شنِّ هجوم جديد على أوسيتيا الجنوبية. (3) نشر وحدة أوروبية قوامها (200) مراقب في المنطقة الأمنية الفاصلة بين جورجيا، من جهة، وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، من جهة أخرى. ويُنظر إلى هذا الاتفاق على أنه كما حقق أهداف موسكو، حَفِظَ، في الوقت نفسه، ماء وجه الاتحاد الأوروبي، الذي تعاظم دوره في المنطقة على حساب الدور الأمريكي".

وقد أعلن وزير الخارجية الروسي، "سيرجي لافروف"، عقب الاتفاق، أن القوات الروسية، التي سترابط في الجمهوريتَيْن، "لن تكون قوات حفظ سلام، بل وحدات عسكرية عادية تابعة لوزارة الدفاع". وأن تعدادها سيبلغ (3800) جندي في كلِّ جمهورية، ويمكن زيادتها باتفاق الطرفَيْن. وفي الوقت نفسه، أبلغت موسكو الاتحاد الأوروبي أنه "لا رجعة عن قرار الاعتراف باستقلال الجمهوريتَيْن، وأن موسكو ستعمل على تعزيز أمنهما وحمايتهما، ومساعدتهما اقتصادياً وعسكرياً".

أرادت روسيا أن تُثبت، أن العبث العسكري على حدودها الجغرافية والسياسية لن يمر مرور الكرام، فضلاً عن أن نظامها السياسي الراسخ، لن يقبل، بعد الآن، بكثير من التحركات الغربية والأمريكية، التي سبق أن قَبِلها في الماضي على مضض. وأبرز الأمثلة الراهنة على ذلك، مسألة الدرع الصاروخية الأمريكية، واستقلال إقليم كوسوفا عن صربيا، وربما، أيضاً، الأزمة النووية الإيرانية. إن موسكو تريد أن تكون لاعباً متميزاً على الساحة الدولية، عموماً، والأوروبية، بشكل خاص.

ثانياً: حلف شمال الأطلسي وحرب القوقاز

لم يتوقع أكثر الخبراء العسكريين تشاؤماً على المستوى العالمي، أن يقف حلف الناتو مكتوف الأيدي في حالة شنّ أي هجوم روسي على جورجيا، التي كانت تُعَدُّها الولايات المتحدة الأمريكية للانضمام إلى الحلف قريباً، من خلال توسعه شرقاً، وذلك تحقيقاً لمصالح الحلف والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، فضلاً عن الخدمات الجليلة التي قدمتها جورجيا إليها، مثل مشاركتها غزو العراق، عام 2003، وغيرها من المواقف.

وقد كانت تصريحات "ياب دي هوب شيفر" الأمين العام لحلف الناتو، بعد ساعات من اندلاع القتال صدمة للقيادة الجورجية، عندما أكد أن الحلف لا يمتلك أي صلاحيات للتدخل في جورجيا. ومن خلال هذا الموقف، وجه الحلف رسالة واضحة لعدة جهات، وفي مقدمتها جورجيا وبولندا وأوكرانيا ودول البلطيق.

وإذا نظرنا إلى العلاقات الجورجية ـ الأطلسية، نجد أنها جيدة جداً. فجورجيا تقدم مساعدات لقوات الحلف في كلٍّ من كوسوفا وأفغانستان، فضلاً عن الوجود العسكري في العراق دعماً للولايات المتحدة الأمريكية. وتلقى جورجيا دعماً قوياً من واشنطن، ويقدم لها الحلف مساعدات عسكرية، تشمل معدات حديثة ومتطورة، بما فيها أجهزة التشويش الإلكتروني وأجهزة الاستخبارات المتقدمة، فضلاً عن تأهيل قواتها المسلحة وتدريبها. ولكن الفيتو، الذي استخدمته ألمانيا في قمة الحلف الأخيرة في بوخارست ضد ضم جورجيا إلى الناتو، أصاب القيادة الجورجية والأمريكية بالصدمة.

لقد أثبتت الحرب الأخيرة للقيادة الجورجية، أن علاقة الحلف بروسيا في الوقت الحالي، أهم بكثير من علاقته بها. فالحلف يواجه روسيا في العديد من الملفات، وجميعها في غاية الحساسية وقابلة للانفجار في أي لحظة، مثل: نشر الدرع الصاروخية في شرقي أوروبا، والتحديد النهائي لوضع كوسوفا، وكذلك الوضع في أفغانستان؛ خاصة أن إمدادات الحلف لقواته إلى أفغانستان تمر عبر روسيا، وهناك أيضاً ملفات أخرى، مثل الملف النووي الإيراني ومشكلة الشرق الأوسط وغيرها. ومن الوجهة الاقتصادية، فأنابيب النفط والغاز بين أذربيجان وتركيا عبر الأراضي الجورجية، أكثر أهمية للاتحاد الأوروبي من غيرها، وهي ما زالت تثير غضب روسيا.

لقد لعبت روسيا دوراً كبيراً في منع انضمام جورجيا للناتو. وقد أبدت، من قَبْل، اعتراضاً على ذلك، كما أن روسيا أظهرت امتعاضها حين أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية قواتها إلى جورجيا، في فبراير 2002، بذريعة تعقب مقاتلي القاعدة الفارين إلى جبال القوقاز، خاصة وأن هذه الخطوة جاءت سراً من دون إعلان مسبق، أو تنسيق مع روسيا.

وبعد ستة أعوام، وأثناء افتتاح قمة الناتو في بوخارست، أبريل 2008،، ورداً على دعوة الرئيس الأمريكي "جورج بوش" لضم جورجيا وأوكرانيا للحلف؛ جاء الرد الروسي على لسان وزير خارجيتها "سيرجي لافروف"، أن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي أمام قرار توسيع حلف الناتو تجاه أوكرانيا وجورجيا"، وهو ما أدّى إلى تخوف بعض الدول الأوروبية من تصعيد الموقف، ومن ثم تأجيل هذه الخطوة.

لقد تخيلت جورجيا واهمة، أنه حال هجومها على إقليم أوسيتيا الجنوبية، وهجوم روسيا على أراضيها، ستهب قوات حلف شمال الأطلسي إلى نجدتها، وتقف في وجه الزحف الروسي، وهو أمر لم يتحقق.

ثالثاً: موقف الولايات المتحدة الأمريكية

على المستوى الرسمي، سارعت على لسان الرئيس "جورج بوش"، إلى الإعراب عن قلقها إزاء ما يحدث، داعية روسيا إلى وقف هجومها فوراً، وحذرت من اتساع نطاق الحرب إلى أماكن أخرى، بما يهدد الأمن والسلم في تلك المنطقة الحساسة من العالم.

وبخلاف ما كان يحدث إبان الحرب الباردة، التي استمرت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1990، فإن الولايات المتحدة الأمريكية وجدت نفسها هذه المرة عاجزة عن اتخاذ رد فعل حاسم وصارم تجاه الروس، لمصلحة جمهورية ذات سيادة، وتُعَدّ من أقرب أصدقاء واشنطن في المنطقة. ولم يتعد الأمر سوى بعض المناشدات بضرورة إنهاء التدخل الروسي، وإرسال وزيرة الخارجية الأمريكية "كونداليزا رايس"، وهي الخبيرة في شؤون الاتحاد السوفيتي السابق، إلى العاصمة الجورجية، لدعم الحكومة هناك، وإرسال مساعدات إنسانية عاجلة لسكان المناطق المتضررة من الغزو الروسي. فضلاً عن تصريح لمسؤول أمريكي أنه من المحتمل أن تلغي بلاده اتفاقاً نووياً مدنياً مع روسيا قريباً، عقاباً لها على تلك الحرب. وهذا الاتفاق كان يهدف إلى رفع قيود الحرب الباردة عن التجارة وفتح الأسواق النووية الأمريكية وحقول اليورانيوم الروسية، أمام الشركات من الدولتَيْن.

كما لم يخل الأمر من تهديدات مشكوك في إمكانية تنفيذها، بعزل روسيا دبلوماسياً، وإسقاط عضويتها في مجموعة الدول الصناعية الكبرى (مجموعة الثماني)[3]. وقد كثرت التحليلات السياسية بشأن الموقف الواجب على واشنطن اتخاذه إزاء ما يحدث، وقارنت بين الأهمية الإستراتيجية للحليفة جورجيا، وأهمية التنسيق مع روسيا في ملفات أخرى أكثر أهمية لواشنطن، مثل الملف النووي الإيراني، وإيران وأفغانستان، والشرق الأوسط.

ومع ذلك، يصرح وزير الدفاع الأمريكي "روبرت جيتس"، أن على روسيا أن تتوقع عواقب تصرفاتها بسبب هجماتها على جورجيا. وفي الوقت نفسه، وجهت روسيا تحذيراً شديداً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بشأن أي دعم تقدمه واشنطن إلى جورجيا، وهذا يؤكد على أن العلاقات الروسية ـ الأمريكية سوف تتأثر خلال الفترة القادمة على المدى المنظور من هذه الحرب. ومن الواضح أن توتر العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ليس في مصلحة روسيا ولا في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية.

أثبتت هذه الحرب فشل سياسة الرئيس بوش في الاعتماد على إقامة علاقات شخصية مع زعماء الدول الأخرى، في سبيل تحقيق المصالح الأمريكية. كما ثبت فشل مشروعه الديموقراطي، الذي حاول تطبيقه في العراق وأفغانستان والمناطق الفلسطينية وجورجيا. عموماً ستظل الإدارة الأمريكية منقسمة بين من يرغب في تهميش روسيا وتشديد العقوبات عليها، ومن يرى أن عزلها سيكون أشد خطراً.

والسؤال: ماذا تريد الولايات المتحدة الأمريكية؟ إنها لم تُخْفِ ما تريده في أي وقت. منذ سنة 1992، صممت عقيدتها الإستراتيجية على مبدأين: أولاً، عدم السماح بوجود منافس لها في العالم اقتصادياً وعسكرياً وإستراتيجياً. ومن ثَمَّ، يجب أن يصبح انهيار الاتحاد السوفيتي عبرة لمن يعتبر. ثانياً، تنتهز هذه الفرصة الاستثنائية من انفرادها بعرش القوة العالمية لكي تمضي في مشروعها الإمبراطوري الجديد، وأساسه: "وضع اليد على الموارد الطبيعية الحيوية، ومعظمها يقع في دول العالم الثالث أساساً". وفي الطريق إلى ذلك يجب إرغام روسيا على البقاء داخل القفص الإستراتيجي، الذي جرى دفعها إليه، وترك ما تبقى من قوتها ليتآكل مع الزمن، مع النهب المستمر لموارد روسيا وتحويلها إلى الخارج بأقصى سرعة. ومن الملفت، في الأزمة الأخيرة، أن نلاحظ، مثلاً، ما دعت إليه مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية في إدارة بيل كلينتون الثانية، وهي ديموقراطية يفترض فيها المعارضة؛ لكنها زايدت على موقف الإدارة الحالية بأن دعت إلى موقف أمريكي أكثر تشدداً ضد روسيا، وذلك بضم جورجيا فوراً إلى عضوية حلف شمال الأطلنطي، والرد الأميركي الحازم على روسيا نفسها؛ وقالت: إذا "لم يغير بوتين موقفه علينا أن نجد سبيلاً لعزل روسيا دولياً". وفي الواقع فإن عملية محاصرة روسيا بالقواعد العسكرية لحلف شمال الأطلنطي تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، عملية بدأت أصلا منذ إدارة بيل كلينتون التي كانت مادلين أولبرايت جزءا منها.

رابعاً: الاتحاد الأوروبي

عكست مختلف ردود الأفعال الدولية تراجعاً كبيراً تجاه الموقف الروسي، فقد بدا الموقف الأوروبي منقسماً، وذلك لارتباطه بمصالح متعلقة بإمدادات الطاقة الروسية، إذ بدت بعض الدول الأوروبية أكثر تفهماً لأهمية النزاع بالنسبة إلى روسيا، خاصة ما يتعلق بأمنها، في حين ظهر تيار متشدد ضدها يضم بريطانيا ودول البلطيق (ليتوانيا، وإستونيا، ولاتفيا)[4]، التي تُكِن، من قَبْل، عداوة لروسيا.

والواقع أن الفكر الاستراتيجي الغربي تجاه روسيا لم يتغير كثيراً، وهو يتمحور حول عدم السماح لروسيا بوضع أقدامها في المياه الدافئة، وفي مقدمتها مناطق إنتاج النفط. وهو الموقف الغربي نفسه تجاه الاتحاد السوفيتي السابق.

ومع بداية الأزمة تحرك الاتحاد الأوروبي من خلال فرنسا، رئيس الاتحاد خلال الدورة الحالية، وقدم خطة من ثلاث نقاط لإنهاء القتال، من أهمها دعوة القوات الروسية والجورجية إلى الانسحاب إلى مواقعها السابقة، مع الاحترام الكامل لسيادة أراضي جورجيا وسلامتها.

كما دعت فرنسا إلى عقد قمة استثنائية للاتحاد الأوروبي في بروكسل، من أجل دراسة الموقف في القوقاز، وما يمكن اتخاذه من إجراءات تجاه روسيا (وقد انعقد بالفعل في الأول من سبتمبر 2008). وقد رأت بعض الدول الأوروبية ضرورة التعامل مع هذه الأزمة بموضوعية، مع عدم تصعيد الأمور وحلّها من خلال التعاون مع روسيا. وكانت وجهة نظر ألمانيا ضرورة السعي لتهدئة التوترات حول الصراع في القوقاز. وهناك دول أوروبية، لا تتفق مع الرأي الأمريكي بضرورة عزل روسيا. فعلى سبيل المثال قال وزير الخارجية البريطاني "ديفيد ميليباند" "لا أعتقد أن فرض سياسة العزلة هي الرد السليم على التصرف الروسي". وأكد وزير خارجية لوكسمبورج "جان اسلبورن" على ضرورة الحوار مع موسكو. وقد أدان البيان الختامي للقمة الأوروبية الاعتراف الروسي بجمهوريتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، طالباً من الدول الأخرى عدم اتخاذ خطوة مماثلة، وطالباً من موسكو سحب ما تبقى من قواتها من جورجيا "من دون أي تأخير". على أن هذه الإدانة المرفقة بدعوة موسكو إلى سحب قواتها، جاءت مشفوعة بتصريحات مطمئنة صادرة عن قادة دول أوروبا الغربية؛ فالمستشارة الألمانية ميركل عَدّت انتهاك وحدة أراضي جورجيا أمراً غير مقبول، إلاّ أنها دعت إلى اعتماد "الصراحة" في العلاقات مع روسيا من دون أن تصل الأمور إلى قطع خيوط الحوار معها. ونفى رئيس الحكومة الإيطالية بيرلوسكوني إمكان حدوث مواجهة بين أوروبا وروسيا على خلفية أزمة القوقاز. بل ذهب إلى حد التذكير بأن روسيا ليست قوة عسكرية ونووية عظمى فحسب، بل مصدر بالغ الأهمية للنفط والغاز. وأعلن وزير الخارجية الإسباني موراتينوس رفض بلاده فرض عقوبات على موسكو، معتبراً أن الأمر يحتاج إلى إعادة بناء الثقة المتبادلة.

ومن ثَمَّ، فإن الأوروبيين يواجهون مشكلة في مراجعة علاقاتهم بروسيا، بين من يطالب باستبعادها من مؤسساتهم (مجموعة الثماني، مجلس الناتو) وغيرها، ومن يريدون اتقاء شرها، وتجنب استفزازها بتوسيع حلف شمال الأطلسي شرقاً، أو نشر الصواريخ على حدودها، إذ كيف يغضبونها وهم يعتمدون اعتماداً رئيسياً على بترولها وغازها الطبيعي؟

وقد خلص اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الذي انعقد في بروكسل، في 13 أغسطس 2008، إلى موافقة الدول الأعضاء على إرسال قوات حفظ سلام ومراقبين إلى أوسيتيا الجنوبية، وأن تحصل الدول الأوروبية على موافقة الأمم المتحدة لتنفيذ هذا القرار؛ بل إن الاتحاد الأوروبي أشار إلى استعداده للعمل من أجل المشاركة في حلِّ الصراع على أرض الواقع. كما أكد الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية "خافيير سولانا"، أن الاتحاد الأوروبي ملتزم بالعمل والتنسيق مع منظمة الأمن والتعاون الأوروبية[5] من أجل إرسال بعثة المراقبين.

وكرد فعل على أحداث جورجيا، ألغت بريطانيا مشاركتها في مناورات بحرية مشتركة مع روسيا، مؤكدة أنه لا يمكن المضي قدماً في هذه التدريبات، التي كان من المقرر أن تُجرى خلال الفترة من 18 إلى 23 أغسطس، بمشاركة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وهذا يوضح أن الغرب الأوروبي غير راضٍ عن التحركات الروسية الأخيرة، ومن ثم يجب أن يكون ثمة رد فعل ليس بهدف عزل روسيا، ولكن بهدف إشعارها أن أوروبا، التي شاركت في بناء اقتصاديات روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، يمكنها أن تعود مرة أخرى للتأثير سلباً على الاقتصاد الروسي.

خامساً: الحرب الروسية ـ الجورجية ومنطقة الشرق الأوسط

السؤال: ما هي تداعيات أحداث حرب القوقاز على منطقة الشرق الأوسط؟

يمكن إيجاز تلك التداعيات في الآتي:

1. إمكانية أن تَحِدْ روسيا من حرية الحركة الأمريكية تجاه إيران، خاصة في مجلس الأمن، وإذا ازدادت العلاقات الروسية ـ الأمريكية تدهوراً، يمكن لروسيا أن تدعم الدفاع الجوي الإيراني بمنظومات حديثة تتعامل مع التكنولوجيا الأمريكية، وهو ما سيعقد مهمة القوات الجوية الأمريكية في حالة التخطيط لضربة جوية ضد إيران، خاصة ضد المراكز النووية، بل ويمكن لروسيا تفعيل تزويد مفاعل بوشهر بالوقود النووي. (في 13 سبتمبر الجاري، اعتمد الرئيس ديمتري ميدفيديف لهجة أكثر حسماً ووضوحاً في معارضته أي هجوم عسكري على إيران بسبب طموحاتها النووية، مؤكداً أنه لا حاجة الآن لتشديد العقوبات على طهران. وتزامنت تلك التصريحات مع زيارة وزير الخارجية الإيرانية، منوشهر متقي، لموسكو)

2. يمكن لروسيا دعم سورية في مجالات عديدة منها المجال العسكري، وهو ما يؤثر على التوازن العسكري إلى حدٍّ ما بمنطقة الشرق الأوسط، تجاه إسرائيل، وهو ما يؤثر على المشروعات الأمريكية بالمنطقة. (في 13 سبتمبر الجاري، كذلك، خطت موسكو خطوة إضافية باتجاه تعزيز تعاونها مع سورية، من خلال اتفاق على تحديث ميناء طرطوس السوري للاستخدام العسكري الروسي)

3. هذه التداعيات يمكن أن تؤثر على تركيا، فهي المحطة الثانية لبحر قزوين، وإذا ما توقف ضخ النفط، وتغير اتجاه ضخه ـ أي عبر روسيا مجددا ـ فإن أهمية تركيا الإستراتيجية سوف تتأثر. كما يمكن لروسيا شلّ حركة تركيا في أذربيجان، خاصة وأن تركيا هي الدولة الداعمة الأساسية لأذربيجان ضد أرمينيا، خاصة بعد استخدام روسيا للقواعد الجوية الأرمينية في عملياتها ضد جورجيا.

وفي ظل هذه التداعيات يمكن أن تتغير الأوضاع إلى ما يلي:

1. أن تصبح سياسة إيران أكثر هجومية في محيطيها المباشر والبعيد، بل ويمكن أن تبدأ في تطوير قدرتها النووية وبخطى واسعة.

2. أن تصبح سورية أكثر عناداً تجاه إسرائيل، وتجاه تفعيل دورها في لبنان ضد إسرائيل، وفي دعمها للمقاومة الفلسطينية على نطاق أوسع، بل ويمكن لسورية أن تجمد محاولات تركيا إحداث تقارب سوري ـ إسرائيلي، بل ويمكن أن تزداد الأمور تعقيداً في العراق.

3. لن تقبل إسرائيل بتعاظم قوة إيران وسورية وكلّ المنظمات المرتبطة بهما، وهذا ما سيدفعها إلى الردِّ عسكرياً في أماكن عديدة بالمنطقة، مثل لبنان على سبيل المثال.

4. إمكانية أن تشتعل قضايا عديدة بالمنطقة ـ وهو السيناريو الأسوأ ـ إلاّ إذا قَبِل الغرب بما جرى في جورجيا، لكن مقابل ثمن يحصل عليه في مكان آخر. وهذا المكان الآخر يمكن أن يكون منطقة الشرق الأوسط؛ ومن ثَمَّ ستصبح دوله المسرح الأساسي لتداعيات الحرب على جورجيا، خاصة في العراق ولبنان وفلسطين.

وبصفة عامة، يمكن القول إن الحرب الروسية ـ الجورجية، على الرغم من وقف إطلاق النار، باتت تلقي بظلال كثيفة على مستقبل السياسة الدولية في المرحلة القادمة، تجاه منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد أن وضح أن لإسرائيل دوراً أساسياً في إمداد جورجيا بالأسلحة، الأمر الذي يجعل روسيا تعيد النظر في سياستها تجاه منطقة الشرق الأوسط.

سادساً: انعكاسات حرب القوقاز على بعض القوى الإقليمية

1. تركيا وموقفها تجاه حرب القوقاز

كان على تركيا، خلال حرب الأيام السبعة بين روسيا وجورجيا، الاختيار بين مسارَيْن أحلاهما مرٌّ، إذ إن التحدي الذي واجهته أنقرة كان الأصعب منذ احتلال العراق. كان عليها ضرورة الحفاظ على علاقات متوازنة وجيدة مع الطرفَيْن الروسي والأطلسي ـ الأمريكي. فأنابيب النفط عبر خطي (باكو ـ تبليسي ـ جيهان) و(باكو ـ تبليسي ـ أرضروم) لنقل الطاقة من منابعها في وسط آسيا (دول الاتحاد السوفيتي السابق) إلى قلب أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، لا قيمة لها من دون مرفأي جيهان وأرضروم التركيَّيْن، وأي استهداف للخطَّيْن، بعدما تمكن خصوم روسيا من إنشائهما لتحرير تبعيتهم النفطية عن موسكو وطهران، سيفقد تركيا دورها المركزي في قلب حلف شمال الأطلسي سياسيا، وكذلك كوسيط نفطي يؤمن نقله السريع إلى الغرب.

وتشير الشواهد في مجملها إلى أن تركيا استطاعت على مدى السنوات الست الماضية، أن تبني علاقات أفضل مع روسيا، حتى أن التبادل التجاري بين بلديهما بلغ (28) مليار دولار سنوياً، لتصبح روسيا الشريك التجاري الأول لتركيا، فضلاً عن أنها تحصل منها على 70% من حاجتها من الغاز عبر خط أنابيب "التيار الأزرق"، في الوقت الذي تبلغ فيه حجم تجارتها مع جورجيا نحو (945) مليون دولار سنوياً.

ومع اندلاع الحرب شعر الأتراك بأن دورهم الإقليمي والعالمي من خلال تأدية دور الوسيط بين إسرائيل وسورية أو مجهوداتهم في أزمة الملف النووي الإيراني أصبح مهدداً. ولأن حكام أنقرة أدركوا أن القضية أكبر منهم فلم تخرج عنهم أي تصريحات تشير إلى انحيازهم إلى أي طرف، وتمنوا فقط أن يتمكنوا من الوساطة لإنهاء الحرب، والمحافظة على حيادهم لتأدية دور فاعل في هذه الأزمة.

وقد تركزت الرؤية التركية، في إطار أن هذه الأزمة في الحاجة إلى تسوية جماعية، وأن العلاج يستوجب أن يكون في مستوى عالمي عبر المشروع، الذي أطلقه رئيس الوزراء التركي من خلال "ميثاق القوقاز" أو "التحالف من أجل القوقاز"، بعد ما عرضه على الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون. وينص المشروع المقترح على إنشاء منظمة دولية تهتم في الأساس بالسلم الإقليمي، من بوابة الحفاظ على الأمن النفطي، على أن تكون برعاية الأمم المتحدة وتكون شبيهة بمنظمة دول بحر قزوين. ويعتمد المقترح على أن تضم المنظمة الجديدة دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة وتركيا، وآخرين من المؤثرين في القوقاز (أذربيجان وأرمينيا وجورجيا)، بهدف تنسيق المصالح المشتركة وعقد قمم دورية للاتفاق على سياسات موحدة على الصعيدَيْن: الأمني والنفطي. وتؤكد تركيا أن تشكيل اتحاد يضم دول القوقاز سيسهم في تطويق صراعات مستقبلية محتملة في المنطقة، كما سيسهم في ترسيخ الاستقرار بين دولها، وبالطبع فإن تركيا تأمل في نجاح هذا المقترح، حتى لا تفقد دورها في تلك المنطقة.

غير أن سماح أنقرة بمرور سفن مساعدات أمريكية عبر المضائق التركية إلى شواطئ جورجيا، أدى إلى إثارة أجواء من التوتر والقلق بين موسكو وأنقرة؛ إذ حمّلت روسيا تركيا مسؤولية عبور السفن الحربية التابعة لحلف الناتو لمضيقَيْ البوسفور والدردنيل، اللذَيْن يربطان البحر المتوسط بالبحر الأسود، محذرة من خطر الموقف في حال لم تخرج هذه السفن في غضون (21) يوماً[6]. وهذا ما دعا رئيس هيئة الأركان الروسي إلى القول إنه "في حال لم تخرج سفن الناتو من البحر الأسود، في الوقت المحدد، فإن تركيا ستكون أول المسؤولين"، منوهاً أن هذه السفن تحمل صواريخ توماهوك ذات الرؤوس النووية.

موقف صعب تواجهه تركيا، فهل سينتقل إلى المصالح الاقتصادية، والتي بدأت بتشديد الإجراءات الجمركية الروسية لعرقلة دخول البضائع التركية إلى روسيا؟

2. إسرائيل ودورها في حرب القوقاز

إن الدور الإسرائيلي من القضايا، التي يجب الالتفات إليها، لما تشكله من أهمية في إدارة هذا الصراع، ومصير منطقة القوقاز في السنوات القادمة. فإسرائيل لا تهدأ، أصابعها في كل مكان. تعمل بجدٍّ وإخلاص لمصلحة شعبها فقط، ولا تهتم بأحد، حتى إن خانت أقرب حلافائها. وياليت العرب يتعلمون بدلاً من الإنكفاء على الذات، والصراعات العربية ـ العربية، التي باتت تُخجل كلَّ عربي.

فإسرائيل، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، تُمدّ جورجيا بالمعدات والأسلحة المتقدمة، التي تصنعها، وترسل مستشاريها لتدريب الجيش الجيورجي. وقد حذرتها روسيا من تلك الإمدادات، وطالبتها بأن تنأى بنفسها عن التدخل في الصراع بالمنطقة[7].

وحتى لا تضار العلاقات الروسية ـ الإسرائيلية، بعد هذه الحرب، سارعت إسرائيل بالإعلان عن وقف كافة الإمدادات العسكرية لجورجيا، وتجميد كافة مبيعاتها الحربية إليها. وخوفا من مساندة روسيا لإيران، كرد فعل على ما قامت به إسرائيل، فقد وجهت تحذيراً لروسيا بالامتناع عن إمداد طهران بأنظمة دفاع جوي متطورة، تحذيراً وصل إلى حد المساومة على التوقف عن مدِّ جورجيا بالأسلحة، مقابل أن تتخلى موسكو عن طهران.

وحصلت روسيا على معلومات تفصيلية عن حجم الدعم العسكري الإسرائيلي، والمشاركة الإسرائيلية في تقديم الدعم الفني والتدريب للعسكريين في جورجيا، من خلال المستشارين الإسرائيليين العاملين في الشركات الأمنية والموساد، إضافة إلى التعاون النفطي في منطقة تسبح على أكثر من 400 مليار برميل من النفط والغاز الطبيعي، منطقة لا تزال مطمعاً لكثير من القوى الدولية التي تتعطش للنفط بصورة هستيرية بما فيها إسرائيل، على الرغم من بعدها الجغرافي عن القوقاز.

ومن الواضح أن إسرائيل أرادت أن تمتلك أوراقاً تفاوض بها موسكو، مقابل مطالب تحقق لها الأمن والبقاء. تلك هي النظرية، التي تنتهجها إسرائيل، منذ نشأتها، في التعامل مع مسائل أمنها وعلاقتها مع الآخرين. فالتخلي السوري عن إيران مطلب لسير المفاوضات بين إسرائيل وسورية حول الجولان. وتخلي موسكو عن طهران شرط ومطلب لتوقف إسرائيل تعاونها العسكري مع جورجيا، فضلاً عن قضايا أخرى تقلق إسرائيل مثل: التقارب بين موسكو وحماس، وعودة اليهود الروس من إسرائيل. إن الأوراق الإسرائيلية معظمها أوراق ليست بالقوة، التي تُثْنِي روسيا عن سياستها تجاه بعض دول منطقة الشرق الأوسط، خاصة تجاه إيران وسورية، وإسرائيل تعلم أنها يمكن أن تكون "الخاسر الأكبر" في هذه القضية بسبب اندفاعها لتحقيق مصالحها، على حساب مصالح الآخرين.

3. سورية وما يمكن أن تحققه من مكاسب من جراء أزمة القوقاز

كان الأمر الطبيعي أن تبدو زيارة الرئيس بشار الأسد إلى موسكو، على إنها زيارة تسعى إلى توسيع وتعميق العلاقات الثنائية بين البلدين؛ ولكن شاءت الظروف والتطورات على الأرض، أن تضع الزيارة في إطار أوسع مدى، وأن تطرح أسئلة ذات أبعاد إستراتيجية، وأن تحمل في طياتها أبعاد تحالف روسي ـ سوري، ضد السياسة الأمريكية العالمية. وهى أبعاد تعطي روسيا فرصة تعميق نفوذها في المنطقة العربية، وتُعَدّ ورقة ضغط في يدها. كما تعطي لسورية تحالفاً دولياً يساعدها في مواجهة الضغوط الأمريكية. وإذا كانت الزيارات السورية السابقة قد أسفرت عن بحث تزويد سورية بسلاح روسي متطور، فإن الوضع الجديد يُخْرج الموضوع من إطار صفقات الأسلحة، إلى إطار إستراتيجي، حيث يمكن أن تتطور الأمور إلى علاقات أبعد، خاصة في المجال العسكري، إذ يمكن أن تعطي سورية لروسيا تسهيلات تؤدي إلى وجود الأسطول الروسي في البحر المتوسط.

أبرزت أحداث جورجيا بعداً أخر للمسألة، يتعلق بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، إذ ظهرت دوراً إسرائيلياً بارزاً في تسليح جورجيا، وتدريب جيشها. وأصبحت إسرائيل بذلك شريكاً أساسياً، فيما تعده روسيا تهديداً لأمنها، وهو أمر سيكون له أثره المستقبلي في العلاقات الثنائية بين روسيا وإسرائيل، بل سيكون له أثره في بروز دور روسي داعم للطرف العربي ضد سياسة إسرائيل، وستكون سورية هي أول من تقطف تلك الثمرة. لقد شعرت إسرائيل بارتكابها خطأ فادحاً سيؤثر في علاقاتها مع روسيا، إذ ظهرت بوضوح أمام الشعب الروسي، أنها أداة ضاربة من أدوات السياسة الأمريكية، ودولة تتحرك لخدمة الأهداف الأمريكية.

إن الوضع الدولي يدخل مرحلة توازنات جديدة، قد تنخفض معها درجة الهيمنة الأمريكية على السياسة الدولية. ومن المحتمل أيضاً أن تنخفض في مجال الصراع العربي ـ الإسرائيلي. لذا، ينبغي أن تبلور سورية، والدول العربية، تكتيكات سياسية جديدة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية للابتعاد عنها قليلاً، والاقتراب من روسيا قليلا، وذلك من أجل المصلحة العربية وحدها، ومن أجل تحسين فرص المساومة السياسية العربية.

4. إيران والحرب في القوقاز

تعلم إيران أن هذه الحرب ستؤثر عليها بشكل مباشر لعدة أسباب، يأتي في مقدمتها قربها الجغرافي من منطقة الصراع، إذ هي إحدى الدول التي تطل على بحر قزوين، كما إن لها علاقات تاريخية في هذه المنطقة، أضف إلى ذلك العلاقات الروسية الإيرانية التي تتميز بالتناغم والاتفاق في العديد من القضايا الدولية، إضافة إلى الضغوط الأمريكية الأوربية على إيران بسبب برنامجها النووي، والتهديدات الأمريكية الإسرائيلية المتكررة، بتوجيه الضربات إلى إيران.

إن إيران تعلم أن روسيا تُعاني ضغوطاً دولية من الغرب بسبب برنامجها النووي، وعلى الرغم من تأكدها أن هذا البرنامج، حتى الآن، للأغراض السلمية، إلاّ أن روسيا سايرت الغرب ووافقت على إصدار ثلاثة قرارات من مجلس الأمن هي القرار (1737) في ديسمبر 2006، والقرار (1747) في مارس 2007، والقرار (1803) في مارس 2008، وكلها قرارات تفرض عقوبات اقتصادية ومالية وعسكرية على إيران، كما وافقت روسيا على كافة التحركات الغربية بشأن التعامل مع إيران.

ولكن المتغير الجديد بعد حرب القوقاز، يمكن أن يأتي في مصلحة إيران، بمساندة روسيا لها وعدم إصدار قرارات جديدة ضدها، وإمكانية تزويدها بمنظومات دفاع جوي حديثة، فضلاً عن تسريع وتيرة تشغيل مفاعل بوشهر.

سابعاً: أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وخطر تغيير الحدود

* بعد الحرب العالمية الثانية، وترسخ آليات الحرب الباردة، كان الاتفاق الضمني، بعد مؤتمر يالطا، بين الكبار، يقضي بعدم تغيير الحدود من جانب واحد. وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وتغير آليات اللعبة الكبرى، لم يتأثر هذا المبدأ. وعندما اجتاح صدام حسين الكويت، في 2 أغسطس 1990، أصرّ الكبار على إعادته إلى حدوده في أكبر تحالف عسكري عرفه التاريخ.

* تغير هذا الأمر مع تفكك يوغوسلافيا إلى جمهوريات متعددة، خاصة مع حالة كوسوفا. ومع إعلان استقلالها، والاعتراف المباشر به من اللاعبين الكبار، ورفض روسيا له، راحت موسكو تُعِدّ العدة للرد على سلوك الغرب. وكان من الطبيعي والأسهل، إستراتيجياً وعسكرياً، أن تردّ في محيطها المباشر. وقد أعطت جورجيا الشرارة اللازمة لروسيا. وقبل الاسترسال في هذا الأمر فلنستعرض الإستراتيجيتَيْن، الأمريكية والروسية، التي تبرر تصرفاتهما.

* تقوم الإستراتيجية الكبرى الأمريكية على الأسس الآتية:

1. منع قيام أي تحالف أوراسي ـ خاصة الصين وروسيا ـ لذا، تستشعر الولايات المتحدة الأمريكية خطر استكمال ترسخ منظمة شانغهاي للتعاون[8].

2. استمرار السيطرة على البحار. لذا، تملك الولايات المتحدة (12) مجموعة حاملة طائرات.

3. خوض كلّ الحروب على أراضٍ بعيدة عن القارة الأمريكية. علماً بأنها محمية بمحيطَيْن، وبجيران مسالمين، من الشمال والجنوب، الأمر الذي يعطيها حرية التركيز في القارات الأخرى.

* مقابل هذه الإستراتيجية، تستند الإستراتيجية الروسية، في حدِّها الأدنى، إلى الأسس التالية:

1. تأمين مستمر لمناطق النفوذ في محيطها المباشر، خاصة أوكرانيا.

2. إبعاد التأثير الأمريكي عن هذا المحيط، وحتى إخراجه من اللعبة في آسيا الوسطى.

3. سيطرة الدولة على الطاقة ونقلها؛ لأنها توفر المال، والمال يُعطي تأثيراً في الداخل كما في الخارج، ويساعد على: إعادة تأهيل القوات المسلحة، وانتعاش الاقتصاد، والاستغناء عن قبول أي معونات من الغرب، واسترداد الهيبة الروسية.

* بدأ الغرب، ردّاً على الأزمة الأخيرة، بالحشد البحري في البحر الأسود، تحت غطاء المعونات الإنسانية والتمرينات المشتركة، وكأنه بذلك يريد استباق النوايا الروسية في أوكرانيا، خاصة أن الممر الأوكراني يُعَدّ الخاصرة الضعيفة لروسيا، ومنها حاول هتلر الوصول إلى موسكو، في الحرب العالمية الثانية.

* وماذا عن اعتراف روسيا بأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا:

1. من الغريب أن تعترف روسيا بهاتَيْن المقاطعتَيْن، وهي التي تُعاني حركات انفصالية في الكثير من جمهورياتها: الشيشان، أنغوشيا، شركيسيا، وداغستان وغيرها. لكن يمكن القول إن روسيا قادرة على السيطرة على تلك الجمهوريات، سواء بالمال أو بالقوة العسكرية. فهي دمرت الشيشان إلى درجة جعلتها تستخدم لواءً شيشانياً في عملياتها ضد جورجيا. كذلك، فإن اقتحام روسيا لدولة ذات سيادة بالقوة العسكرية، يجعل الجمهوريات الداخلية، أكثر خوفاً، وأشد بحثاً عن الأمان، واتقاء الشرِّ الروسي.

2. في أوكرانيا، سرت شائعات كثيرة مؤداها أن روسيا بدأت توزيع جوازات سفر روسية على الأوكرانيين من أصل روسي، خاصة منطقة القرم، وهم الغالبية فيها، حيث مقر قيادة الأسطول الروسي في البحر الأسود. فهل تنوي تلك المنطقة الانفصال عن أوكرانيا حيث الاعتراف الروسي جاهز لذلك؟ أمّا في منطقة البلطيق، فالتأثير الروسي له شأن كذلك، خاصة عبر السكان من أصل روسي. فعلى سبيل المثال، 30% من سكّان إستونيا، و40% في لاتفيا، و9% في ليتوانيا، من أصل روسي. ولكن ما يحمي هذه الدول عسكرياً حتى الآن، هو أنها أعضاء في حلف الناتو رسمياً. لكنها من جانب آخر، تعتمد على النفط الروسي عبر خط أنابيب "دروزبا"، الأمر الذي يساعد روسيا على معاقبة تلك الدول عند الحاجة. فهل ستحدث ثورات روسية من داخل تلك الدول؟

4. قد تقطع روسيا عن حلف الناتو خطوط إمداداته، والتي تمر عبرها إلى أفغانستان.

5. لم تعترض الصين على ما جرى من روسيا في حربها على جورجيا، لأن موسكو أرست نمطاً جديداً من العلاقات الدولية، الأمر الذي قد يتيح للصين التصرف، لاحقاً، بهذه الطريقة مع تايوان، مع الاختلاف الكبير في الظروف بينهما، لأن تايوان دولة قوية وتلقى الدعم الكامل الحقيقي من الولايات المتحدة الأمريكية. وتتحفظ الصين، في الوقت نفسه، على إنفصال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، لأنه قد يشجع تايوان، أو التبت، أو إقليم جيانغ جينغ، على الاستقلال، وهي أمور تُعَدّ من الخطوط الحمر في العقل الصيني الأمنيّ.


[1] تضم منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهى تحالف أمنى أقيم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كلاًّ من: أرمينيا، بيلاروس، كازاخستان، قيرغيزستان، روسيا، أوزبكستان، وطاجيكستان.

[2] الدول المطلة على بحر قزوين هي: إيران، أرمينيا، روسيا الاتحادية، كازاخستان، وتركمنستان.

[3] مجموعة الثمانية أو مجموعة الدول الصناعية الثمانية تضم الدول الصناعية الكبرى في العالم. أعضاؤها هم: الولايات المتحدة الأمريكية، واليابان، وألمانيا، وروسيا الاتحادية، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وكندا.

[4] دول البلطيق اسم يطلق في الغالب على ثلاث دول في أوروبا الشمالية وهي إستونيا (أصغرها) ولاتفيا ولتوانيا (أكبر دولة من دول البلطيق). في السابق، كانت فنلندا تحسب بأنها الدولة الرابعة من دول البلطيق، إلاّ أنه مع مرور الوقت استبعدت منها. وتقع دول البلطيق على سواحل بحر البلطيق، الذي هو جزء من بحر الشمال؛ فالتسمية تأتي استناداً إلى موقعها على ذلك البحر.

[5] تضم منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في عضويتها: دول آسيا الوسطى، وكذلك باقي جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، إضافة إلى معظم دول أوروبا الشرقية والغربية إلى جانب الولايات المتحدة وكندا. وتهتم المنظمة بمسائل الأمن والتعاون في القارة الأوروبية بالإضافة إلى مسائل حقوق الإنسان في الدول الأعضاء بالمنظمة. عدد الدول الأعضاء (56)، والدول المشاركة للتعاون (11) دولة.

[6] طبقاً لمعاهدة مونترو لعام 1936، التي تحدد الانتشار في البحر الأسود بمدة 21 يوما للسفن الحربية للدول غير المطلة على هذا البحر. وتحصر حقّ السماح بمرور السفن عبر مضيقي البوسفور والدردنيل (مدخلي ومخرجي البحر الوحيدَيْن على بحر إيجيه والمتوسّط، ويخترقان مدينة اسطنبول التركية) بأنقرة.

[7] انكشفت حقيقة تصدير أسلحة إسرائيلية إلى جورجيا في شهر مارس من عام 2008 عندما أسقطت طائرة التجسس الإسرائيلية من دون طيار "هرمس 450" في الأراضي الأبخازية.

[8] منظمة شنغهاى للتعاون: أقيمت فى يونيو 2001، وتضم 6 دول: الصين، وروسيا، وأربع دول من دول آسيا الوسطى، هي، كازاخستان، وقيرغيستان، وطاجاكستان، وأوزبكستان (التي انضمت في يونيو 2001) . وقد حصلت منغوليا على وضع مراقب في عام 2004، بينما حصلت الهند وباكستان وإيران على وضع مراقب، في يوليه 2005.​
 
رد: الأزمة بين روسيا وجورجيا: حرب الأيام الخمسة

هل تعود الحرب الباردة مرة ثانية؟

في إطار الأزمة الجورجية، برزت أزمة أخرى لا تقلّ عنها خطراً، وهي توقيع الولايات المتحدة الأمريكية مع بولندا اتفاقاً لنشر جانب من النظام الدفاعي الصاروخي الأمريكي، وتشغيله فوق الأراضي البولندية، وهو الأمر، الذي زاد من غضب القيادة الروسية إيذاناً باحتمال بداية مرحلة فعلية جديدة من مراحل الحرب الباردة.

وما زاد من تعقد الأمور، أن أوكرانيا سرّبت نواياها الخاصة بالانضمام لنظام الدفاع الصاروخي الأمريكي، وذلك عقب انسحابها خلال العام الحالي من اتفاق يسمح لروسيا بتأجير بعض محطات الرادار في أوكرانيا. ومع انضمام ثلاث دول من الدول المحيطة بالبحر الأسود إلى حلف شمال الأطلسي، وسَعْي الحلف إلى ضمِّ كلٍّ من جورجيا وأوكرانيا، يصبح الأسطول الروسي في البحر الأسود مهدداً، بأن يكون محاصراً في بحيرة تابعة لحلف شمال الأطلسي في غضون سنوات قليلة.

ولاشك أن هذه الإجراءات من جانب الغرب والحلف، فضلاً عمّا حدث في القوقاز، كلّها أكدت لمتخذ القرار في الكرملين، أن روسيا الاتحادية تتعرض لحصار فعلي من قبل الحلف، وهو الأمر الذي عَبَّر عنه الخطاب السياسي الروسي الخارجي خلال الشهور الماضية، الذي تراوح بين اللوم والتلويح بالعداء، وصولاً إلى اقتحام الأراضي الجورجية، في محاولة لتأكيد سيطرة روسيا على القوقاز، واستئناف طلعات القاذفات الإستراتيجية في أنحاء العالم، ونشر الأسطول الروسي في المواقع البحرية الحاكمة. ومن جانب آخر، وعقب الاحتلال الأمريكي للعراق والتضييق على إيران، وجدت روسيا التي فقدت حليفها العراقي ، الفرصة مواتيه لاستغلال الورقة الإيرانية للمساومة عليها في وقف الزحف الأمريكي. وليس بخاف تلك الفائدة الكبيرة التي جناها الروس من جراء استمرار حالة التوتر الإيراني الأمريكي، وما تبعها من ارتفاع لأسعار النفط.

وفي الوقت نفسه، ولمواجهة التحركات الأمريكية اتجهت روسيا نحو: تدعيم روابطها مع الصين ومع دول وسط آسيا، من خلال تفعيل منظمة شنغهاي للتعاون؛ توقيع اتفاقيات تعاون ثنائي مع الصين؛ تسـريب معلومات وتلميحات إعلامية، حول إمكانية عودة روسيا لتشغيل محطة التنصت المعروفة باسم (لودرس) فوق الأراضي الكوبية، والتي كانت روسيا قد أغلقتها عام 2001؛ أطلقت تلميحات أخرى حول إمكانية نشـر القاذفات الروسية في كوبا، على مسافة 90 ميلاً من جنوبي الولايات المتحدة الأمريكية؛ تسريب أنباء عن وجود خطط روسية لنشر صواريخ إسكندر الروسية في سورية، مع توقعات بإمكانية إقامة قواعد بحرية وجوية فيها؛ تسريبات أخرى بوجود خطط لتزويد إيران بنظم صاروخية متقدمة، وأنظمة دفاع جوي متطورة. هذه الإجراءات والتلميحات كانت بمثابة رسائل واضحة إلى الغرب.

وهكذا اتجهت روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية إلى الاستعانة بأدوات مختلفة لتحقيق أهداف سياستهما الخارجية؛ وهي أهداف تتراوح بين استخدام الأدوات الدعائية والاقتصادية (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية)، وصولاً إلى المرحلة الأكثر خطورة والمتمثلة في الأدوات العسكرية. لذا، فإن الحرب الباردة يمكن أن تتصاعد مرة ثانية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.

إلاَّ أن عدداً من المحللين السياسيين يؤكدون أن أحداث جورجيا والسلوك الروسي العنيف ليست، بأي حالٍ من الأحوال، عودة إلى "الحرب الباردة"؛ ولكنها محاولة مخططة لها من قِبَل روسيا، كانت تنتظر الوقت الملائم لتنفيذها لإعادة التوازن إلى النظام الدولي المُخْتَلّ بحكم "الهيمنة المقننة"، التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية. هذا الهيمنة تعني، من بين ما تعنيه، أن ما تقوله واشنطن في أي شأن اقتصادي أو سياسي أو ثقافي يصبح قانوناً لا رجعة عنه. وأن من حقِّها وحدها مخالفة المعاهدات الدولية، أو خرقها أو الانسحاب منها. وأن إرادتها هي الإرادة المطلقة، وأنها وحدها المُشَرِّع العالمي في شؤون الحرب والسلم، وفي ميادين الاقتصاد والدفاع والثقافة.

ويقرر هؤلاء المحللون أن الحرب الباردة، التي دارت بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية كانت حول الصراع الأيديولوجي بين الشيوعية، من جانب، والرأسمالية، من جانب آخر. والصراع الحالي لا يدور حول الأيديولوجية ولكنه يتركز في الجغرافيا السياسية. أي أنه يتعلق بمحاولة روسيا، بعد أن تعافت اقتصادياً وعسكرياً، تنظيم النطاق الجغرافي المحيط بها، تحقيقاً لأهداف الأمن الوطني الروسي، وعدم السماح للولايات المتحدة الأمريكية أن تُحيط بروسيا من خلال اتفاقيات سياسية أو تحالفات عسكرية، سواء مع جورجيا أو أوكرانيا، أو غيرهما من دول الاتحاد السوفيتي السابق.

والسؤال، هل الردّ العسكري الروسي العنيف، الذي وُجِّه إلى محاولة رئيس جورجيا ضم أوسيتيا الجنوبية بالقوة المسلحة، هو بداية النهاية للهيمنة الأمريكية المطلقة على شؤون العالم؟ لقد بدأت الدول الغربية وعدد من دول آسيا مراجعة موقفها، بعد تصميم روسيا على إعادة التوازن للنظام الدولي، وبداية الانتقال من عصر القطب الأوحد إلى عصر تعددية الأقطاب، خاصة أن عدداً من هذه الدول ترفض الهيمنة الأمريكية، وما جرته على العالم من حروب وفوضى، خلاقة وغير خلاقة، وفشل في حرب لا تظهر لها نهاية على الإرهاب. إن روسيا تدخل المعركة وهي مسلحة بقوتها الاقتصادية، وسيطرتها على تدفقات الغاز إلى أوروبا، إضافة إلى قوتها العسكرية، مستغلة تورط واشنطن في أفغانستان والعراق، وما تجنيه، في الشرق الأوسط، من عبء نتيجة تصرفات حليفتها إسرائيل؛ فضلاً عن مشاعر الكراهية التي تضاعفت خلال ولاية الرئيس بوش الابن.


الدرع الصاروخي الأمريكي والأزمة الأمريكية ـ الروسية

في ضوء الأزمة الجورجية، جاءت أزمة أخرى كرد فعل من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وهي توقيعها وبولندا، في 20 أغسطس 2008، اتفاقاً ينص على نشر "منظومة الدرع الصاروخي الأمريكي المضاد للصواريخ على الأراضي البولندية"، بحلول عام 2012، والتي تتضمن نشر قواعد صواريخ اعتراضية، تتولى الأطقم الأمريكية تشغيلها وصيانتها؛ وكذلك تزويد بولندا بعدد من بطاريات الصواريخ "الباتريوت" القادرة على اعتراض الصورايخ المهاجمة.

وأكدت وزيرة الخارجية الأمريكية، في وارسو "أن هذه المنظومة ستساعد الولايات المتحدة وحلفائها، على مواجهة تهديدات القرن الحادي والعشرين، وتطويق تهديدات الصورايخ بعيدة المدى، من دول مثل: إيران أو كوريا الشمالية". وأوضحت أنه نظام دفاعي، وليس موجهاً ضد أحد. لكن هذه التصريحات لم تكن مقنعة لروسيا، التي كانت تحتج على هذا المشروع منذ عدة شهور. ومن ثَمَّ أكد الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف، "أن إقامة قوى جديدة مضادة للصورايخ في أوروبا إنما تستهدف الاتحاد الروسي في المقام الأول، وأضاف أن وقت إعلانه تم اختياره بعناية، ملمحاً بذلك إلى أن بولندا والولايات المتحدة تريدان الردَّ على التدخل الروسي في جورجيا.

وفي يوليه 2008، اتفقت الولايات المتحدة الأمريكية مع دولة التشيك على إقامة محطات رادار فائقة القدرة على أراضيها (وهي القدرة على رصد الصورايخ في مراحل مبكرة جداً من انطلاقها من قواعدها). وبهاتَيْن الخطوتَيْن تكون واشنطن قد تقدمت خطوة مهمة نحو محاصرة روسيا الاتحادية، وتحجيم قدرتها على شنِّ هجمات صاروخية إستراتيجية بعيدة المدى عن أراضيها المطلة على شرقي أوروبا ووسطها، وهو ما يعني تقليص قدرة روسيا على الردع النووي، وتهديد أمنها الوطني بشكل مباشر.

وفور الإعلان عن التوصل إلى هذا الاتفاق، أعلن نائب رئيس الأركان الروسي "اناتولي بوجوفيتسين" أن بولندا تعرض نفسها بذلك لتكون هدفاً مشروعاً للقصف، وأضاف أنه أمر صحيح 100%، ويبدو أن مكان القاعدة الأمريكية يمثل لموسكو عودة إلى الحرب الباردة، التي شهدها النصف الثاني من القرن العشرين. فقد اختار الخبراء الأمريكيون القاعدة في بلدة صغيرة هي "ريجيكوفو" والتي تبعد حوالي 200 متر عن جيب كالينينجراد الروسي ، لنشر قطع الدرع، وكالينينجراد هي النقطة الروسية الأكثر تقدماً غرباً بين بولندا وليتوانيا.

ويبدو أن توقيع الاتفاق في أوج الأزمة الجورجية هو إجراء أقرب إلى إنذار، خاصة وأن الرئيس البولندي "كاتزينسكي" قد أعلن في خطاب تليفزيوني "أن لا أحد يستطيع أن يملي على بولندا ما عليها أن تفعله". ويؤكد الجانبان، أن النزاع بين روسيا وجورجيا لعب دوراً حيوياً في الدفع إلى انجاز المفاوضات، التي بدأت قبل 15 شهرا.

ويؤكد البولنديون أنهم حصلوا على ضمانات إضافية من الولايات المتحدة لأمنهم، كما أكدت الولايات المتحدة رسمياً التزامها الدفاع عن أراضي بولندا في حالة تعرضها للهجوم. وهكذا أدّت الأزمة في جورجيا للترويج بشكل موسع للدرع الصاروخية الأمريكية في بولندا.

وفي العاشر من سبتمبر 2008، هدّدت موسكو بجعل المواقع التي ستستقبل عناصر من الدرع الصاروخية الأميركية في بولندا وتشيخيا أو مواقع أخرى، أهدافاً لصواريخ روسية عابرة للقارات. وفي غضون ذلك، صادقت الحكومة التشيكية على اتفاق يسمح بنشر قوات أميركية في قاعدة للدرع الصاروخية، التي تنوي الولايات المتحدة الأمريكية إقامتها في تشيكيا، كما أعلن وزير دفاعها، فلاستا باركانوفا. ويزيل الاتفاق العقبة الأخيرة أمام خطط نشر أجزاء من منظومة الدرع الصاروخية الأميركية التي تعارضها روسيا بشدة. وقال قائد القوات الإستراتيجية الروسية الجنرال نيكولاي سولوفتسوف: "لا يمكنني استبعاد أن تستهدف صواريخنا العابرة للقارات مواقع الدرع المضادة للصواريخ في بولندا والجمهورية التشيكية ومواقع أخرى مماثلة ممكنة". وأضاف: "نحن مضطرون لاتخاذ الإجراءات المناسبة لئلا نسمح في أي وقت بالتقليل من قدرة الردع النووي الروسي". وقال سولوفتسوف إن روسيا تعتزم إجراء أربع تجارب على صواريخ إستراتيجية قبل نهاية السنة، بينها تجربة على الصاروخ الجديد "rs24" المتعدد الرؤوس، وهو صاروخ باليستي عابر للقارات.

وأخيراً، فإن ما تدعيه واشنطن من أن تظامها الصاروخي الجديد ليس موجهاً ضد روسيا، وإنما تحسباً لصواريخ معادية من دول مارقة مثل إيران أو كوريا الشمالية، قول ينافي المنطق والعقل؛ فالحقائق المجردة توضح أن إيران تقع على مسافة آلاف كيلومتر من بولندا، بينما الصواريخ الأمريكية التي ستُنْشر فيها مداها ألفا كيلومتر. وهذا يعني أن الهدف الأمريكي المحدد هنا هو قواعد الصواريخ الإستراتيجية النووية في قلب روسيا، بما يُقلِّص تماماً من قدرتها على الردع النووي، وهو الردع الذي كان سبباً للتعايش السلمي مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية. لذا، سيصبح لزاماً على روسيا تغيير عقيدتها الدفاعية من جديد، وهو ما أشار إليه العسكريون الروس حين أعلنوا أن انضمام بولندا إلى المشروع الأمريكي يضعها ضمن أهداف الرد الصاروخي النووي الروسي في حال المواجهة.



النهاية ....
 
رد: الأزمة بين روسيا وجورجيا: حرب الأيام الخمسة

جميل الموضوع وافى وشامل ومنسق

تقبل تقيمى
 
رد: الأزمة بين روسيا وجورجيا: حرب الأيام الخمسة

موضوع ممتاز و شامل تقبل تقييمى
 
رد: الأزمة بين روسيا وجورجيا: حرب الأيام الخمسة

1. الرواية الأولى، روسية: تقول إن نائب الرئيس الأمريكي، ديك تشيني، هو الذي حرّض الرئيس الجورجي، ساكاشفيلي، على شنِّ تلك الحرب على أمل منه بدعم حملة "ماكين" الانتخابية.
اقرب الحالات
اما بخصوص الغاز فامره واضح وضوح الشمس مصالح امريكا اولا
 
رد: الأزمة بين روسيا وجورجيا: حرب الأيام الخمسة

للعلم لم تحصل حرب بمعنى حرب اذ كان الجيش الجورجي و السكان الجوروجيين و المواليين للحكومة الجورجية يفرون كلما سمع احدهم يقول الروس قادمون ضحايا الجيش الروسي مقتل 64 جندي روسي و اصابة 283 جندي و فقدان 3 جنود خسائر الجيش الجورجي 162 جندي و اصابة 947 و فقدان 8 جنود و تم اسر 24 جندي جورجي من قبل القوات الروسية بالاضافة لمقتل 11 شرطي جورجي و اصابة 227 اخرين بالاضافة لفقدان 3 و النتيجة حسم روسي في خمسة ايام فقدت جورجيا جنوب اوسيتيا و 25% من اباخازيا
 
عودة
أعلى