حرب الاستخبارات: سلاح النساء التجسسي (2)

مصحف و بندقية

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
14 يوليو 2009
المشاركات
10,807
التفاعل
6,994 5 0


حرب الاستخبارات: سلاح النساء التجسسي (2)


الخطأ القاتل الذي ارتكبته فتاة الموساد


D755722


المجد-
لم تكن اريكا المرأة الأولى التي أرسلتها الاستخبارات الصهيونية لتعقب خطوات أبوحسن سلامة والمساعدة على تصفيته. المرأة الأولى كانت باتريشيا روكسبرغ. لكن هذه كانت أقل حظا من اريكا. ذلك أن خطأ ـ سنتحدث عنه ـ جعلها تفشل ودفع الاستخبارات الصهيونية إلى «إحراقها» (الاستغناء عنها في المصطلحات الاستخبارية).
باتريشيا، التي يبدو أنها بعد فشلها ظلت تعيش في النرويج حتى العام 1985 على الأقل، كانت حسناء ذكية طويلة القامة وجميلة. كان جمالها هائلا إلى درجة أنه قد قيل إن الملك الحسين، ملك الأردن الراحل، أحاطها بعنايته، وكذلك فعل كبار قادة المقاومة الفلسطينية إذ وصلت ذات يوم إلى الأردن واختلطت بهم.
ولكن كيف ولماذا تركت باتريشيا أوروبا وتوجهت إلى منطقة الشرق الأوسط ذات يوم؟ ببساطة، وكما تروي هي لاحقا، لأنها عندما قرأت رواية الصهيوني ليون اوديس «اكسودس» عن عذابات اليهود في أوروبا، تذكرت أن اسمها الأصلي سيلفيا رافائيل وأن أباها يهودي، حتى ولو كانت أمها بروتستانتية. وسيلفيا كانت ولدت وترعرعت في جنوب إفريقيا ثم انتقلت إلى روديسيا ومنها إلى بريطانيا إذ عاشت صباها، وقيّض لها ذات يوم أن تقرأ ذلك الكتاب الذي بدّل حياتها. إذ مذاك لم يعد لديها سوى هدف واحد: الذهاب إلى العيش في دولة العدو الصهيوني. وحدث ذلك فعلا في العام 1963، حين توجهت إلى الدولة العبرية إذ تعلمت هذه اللغة وأقامت في واحد من الكيبوتسات. وبعد ذلك راحت تدرّس اللغة الإنجليزية في تل الربيع المحتلة. وفي هذه المدينة كان أول احتكاك لها بـ «الموساد».
كان ذلك في العام 1967 غداة حرب يونيو/ حزيران، وفي وقت كانت فيه جماعات الفدائيين تقوم بعملياتها الأولى داخل الكيان الصهيوني، ولاسيما عبر الحدود الأردنية. في البداية، وكما سيقول الصهاينة لاحقا، لم تأخذ الحكومة الإسرائيلية تلك العمليات على محمل الجدية، لكن قادة الموساد راحوا يقلقون. وكان من أهم مصادر القلق أن هذا النضال الجيد باغتهم وأنهم لا يعرفون شيئا عن قادة التنظيمات الفلسطينية. بالكاد يعرفون بعض الوجوه والأسماء، لكنهم واثقون بأن القادة المهمين هم غير أصحاب هذه. ومن هنا ما إن انضمت باتريشيا إلى الموساد، حتى رؤي أن في إمكانها الآن أن تذهب إلى الأردن لتوفير كل ما يمكن من صور ومعلومات عن قادة المناضلين الجدد. وهكذا تحولت باتريشيا إلى صحافية، وصارت أوراقها الثبوتية تقول إن باريس هي مقرها الدائم.
وفعلا توجهت المرأة الحسناء إلى العاصمة الفرنسية. وهناك مسلحة بقلم دافق وأجهزة تصوير احترافية، راحت تكتب تحقيقات للكثير من المجلات الكندية والبريطانية والجنوب إفريقية وخصوصا لصحيفة «ديلي سكتش». ولاحقا سيقول مراسل بريطاني إذ يتذكر أنها كانت «مصورة جيدة وصحافية ديناميكية عرفت كيف تقيم علاقات جيدة مع الأوساط العربية والطلابية في باريس». وهكذا صار في وسعها أن تسافر إلى الأردن.
خطأ قاتل
والحقيقة أن نجاحها هناك كان أكبر مما توقعت. فهي بلطفها الماكر وجمالها، وحيث كل الأبواب تفتح في وجهها، حتى وصلت إلى القصر الملكي، إذ أصبحت، خلال فترة قصيرة، شبه مصورة رسمية للأسرة الملكية. لكن مهمة جديدة أسندتها إليها قيادة «الموساد» في ذلك الحين، وضعت حدا لنجاحها المفاجئ والسريع. وكانت تلك المهمة تقوم على تصفية أبوحسن سلامة نفسه! وكان ذلك في العام 1973. وكان الحق، على أية حال، على باتريشيا. فهي خلال زيارة لها لجنيف في ذلك الحين تنامى إليها أن جزائريا صديقا لها، سيلتقي المسئول الأمني الفلسطيني في النرويج خلال زيارة يقوم بها سلامة لهذا البلد في شهر يوليو/ تموز. وإذ نقلت باتريشيا الخبر إلى رؤسائها، بادر هؤلاء إلى تشكيل فريق من 15 عميلا أرسلوه إلى ليلهامر، وهي منتجع بحري غير بعيد عن أوسلو. أي المكان التي يفترض أن يتم فيه اللقاء بين سلامة والجزائري. وكانت باتريشيا ضمن الفريق. وإذ «حصل اللقاء» المفترض ليلة 21 من الشهر نفسه، كان أعضاء الفريق كامنين فأطلقوا الرصاص على الشخص الذي اعتقدوا أنه أبوحسن سلامة، وقتل الرجل فعلا. ولكن سرعان ما تبين أنه ليس الزعيم المقصود، بل نادل مقهى مغربي يدعى أحمد بوشيكي. وكان المسكين قد أمضى ليلته في قاعة سينما وها هو الآن عائد إلى شقته مع فتاة نرويجية ليردى قتيلا على سبيل الخطأ.
على الفور تمكنت السلطات النرويجية من اعتقال ستة من أعضاء الفريق الموسادي بينهم باتريشيا التي حُقق معها وحوكمت وسجنت 5 سنوات ونصف السنة... وفي تلك الأثناء، أغرمت باتريشيا بمحاميها وتزوجته متخلية عن أحلامها الصهيونية القديمة... وانتهت حكايتها عند هذا الحد.
... يتبع
 
عودة
أعلى