صفحات منسية من تاريخ الجهاد الليبي.....

الفاروق

عضو مميز
صقور الدفاع
إنضم
10 سبتمبر 2008
المشاركات
1,616
التفاعل
125 0 0
استعمل الجيش الإيطالى فى غزوه لليبيا سنة 1911 م جميع الأسلحة "التقليدية" المتوفرة لديه فى ذلك الوقت : من بنادق ورشاشات ومدافع، وكل ما تنتجه مصانع الأسلحة الإيطالية التى مًول اصحابها بها الحملة ورغم ذلك، فقد فشل أكثر من مئة وعشرين ألف جندى إيطالى فى التوغل إلى مسافة أبعد من أربعين كيلومترا جنوبى طرابلس .هذا الفشل، جعل العديد من الأصوات الأوربية ترتفع مطالبة بإنهاء حرب تهدد باشتعال الشرق بأكمله وتبعث الإضطراب فى أرجاء العالم الإسلامى، كما دفع الجيش الإيطالى إلى استعمال أسلحة جديدة محرمة دوليا ً.

منذ بداية الحملة لاحظت بعض الصحف الأوربية إقدام الجيش الإيطالى على استعمال الطيارات فى عملياته الحربية، فهذا مراسل صحيفة فرنسية يشير إلى ذلك فى مقال نشر بتاريخ 24 أكتوبر 1911م، قام الملازم (بيازا) على متن طيارة من نوع (بليريو)، بالتحليق صباح الأحد فوق المواقع الأمامية لمدة 45 دقيقة استكشف خلالها المنطقة الكائنة بين تاجوراء وقرقارش.

وهذا مراسل فرنسى آخر يؤكد ذلك فى مقال نشر بتاريخ أكتوبر 1911م، إن الطلعات التى قام بها الطيارون العسكريون الإيطاليون فوق طرابلس، تثبت أن الطيران سيلعب فى كل الحروب دورا ً ذا أهمية قصوى . لقد استطاع أحد الطيارين أن يحدد بدقة المواقع العربية التركية على بعد 15كيلومترا ً من الخطوط الإيطالية الأمامية .


12612_1.jpg


وعندما استنكر الرأى العام العالمى استخدام إيطاليا للأساليب الحربية المحرمة دوليا ً فى ذلك الوقت، عمدت حكومة روما إلى التضليل، ومن ذلك ما نشرته صحيفة فرنسية بتاريخ 4 من نوفمبر 1911م، فيما يتعلق باستخدام الطيارات والمناطيد لقذف المتفجرات خلال الحرب، أدلى مندوب إيطاليا الدائم فى مؤتمر(لاهاى) النائب (فوزيناتو) بالتصريح التالى : إن موضوع قذف المتفجرات بوساطة الطيارات والمناطيد، لم تحسمه اتفاقية دولية وإنما ورد فى بيان صدر بتاريخ 19 من يونيو 1899م، ومن خلال هذا البيان، وافقت الدول الموقعة – ومن بينها إيطاليا وتركيا – على حظر استعمال الطيارات والمناطيد فى القصف بالمتفجرات وذلك لمدة خمس سنوات، وعلى ذلك فإن مفعول هذا البيان قد انتهى سنة 1904م، وأصبح غير ذى جدوى لأنه لم يجدد.

وهكذا تحدى الجيش الإيطالى الغازى لليبيا استنكار الرأى العام العالمى وواصل استعمال المعدات المحرمة دوليا مما جعل الصحافة العالمية تتابع استعماله لتلك المعدات.






لقد حدث ذلك فعلا فى طرابلس الغرب عندما وقع الطيار الإيطالى الملازم (مويزو) فى الأسر بعد أن اضطر إلى الهبوط فوق أرض تسيطر عليها القوات العربية التركية بسبب توقف فى محرك الطيارة، كان الطيار قد غادر طرابلس صباح يوم 10 من سبتمبر 1912م متوجها إلى زوارة، ولكنه اضطر إلى الهبوط فى منطقة تقع بين الزاوية والماية.
ماذا صنع الليبيون بالطيار الإيطالى الذى وقع بين أيديهم بعد شهور قليلة من مذبحة المنشية التى قتل خلالها الجيش الإيطالى "أربعة آلاف عربى من بينهم أربعمئة امرأة وكثير من الأطفال، وذلك انتقاما ً للهزيمة التى لحقت به خلال معركة الهانى (23 من اكتوبر1911م) . ماذا صنع الليبيون بالطيار الذى كان يرميهم بالقنابل يوجه نحوهم تصويب مدافع بالأسطول ؟ - هل مزقوه إربا إربا ؟ هل سحقوه بأقدامهم ؟ هل أحرقوه بطيارته ؟





لقد أحاطوا به من كل جانب ولم يخدشوه حتى مجرد الخدش، بل اقتادوه أسيرا ً إلى العزيزية ومنها غريان حيث سمحوا له بإرسال برقية تطمين إلى شقيقته عن طريق نالوت ثم الذهبية بالأراضى التونسية، برقية صرح فيها بأنه يتلقى معاملة طيبة . وهذا موقف بسيط من عشرات المواقف التى برهن بها الشعب الليبى خلال جهاده على انه أكثر إنسانية ورحمة من الغزاة الإيطاليين الذين حاولوا إضفاء الصبغة الحضارية على حملتهم الإستعمارية.

إن حادث وقوع أول طيارة حربية فى التاريخ بين أيدى المجاهدين الليبيين له أهمية كبرى إذ يكشف المعدن الحقيقى للشعب العربى الليبى فى مرحلة حرجة من مراحل تاريخه، ويؤكد أن حضارته الإسلامية قد أصلت فى أعماقه قيما ًإنسانية راقية تتحكم فى سلوكه حتى خلال المواقف الجماعية التى يتأرجح فيها الغضب ويسهل فى أثنائها الإندفاع .



ومن حسن الحظ أن هذه الواقعة لم تذهب دون تسجيل يعتد به تاريخيا ً . لقد سخر لها الملازم إسماعيل حقى الذى ألتقط لها صورة ودًون لها وصفا ً . ثم بعث بالصورة والوصف إلى مجلة (إيلوستراسيون) الفرنسية الواسعة الإنتشار .
يقول الملازم إسماعيل حقى فى شهادته :

"يوم 9 من سبتمبر 1912م، وبعد تحليق رائع فوق معسكراتنا، هبطت طيارة إيطالية على مقربة منا ونزل منها طيارها وهو برتبة ملازم، ليسلم نفسه إلينا بعد أن تعذر عليه مواصلة الرحلة .

لا أستطيع أن أصف لكم الدهشة البالغة الممزوجة بالفرحة الهائلة التى انتابت العرب وجعلتهم يندفعون جريا ً خلف ذلك الطائر الفضولى الغريب الذى طالما أزعج نفوسهم، وذهب به الفضول أحيانا ص إلى حدَ تفجير القنابل فوق رؤوسهم.
وفى لمح البصر، أحاطت الجموع بالطيارة، وتنافس عشرات السواعد فى حملها ودفعها حتى أوصلتها إلى مبنى قصر العزيزية، بينما تسلق صبى جناحها وجلس على الكرسى الذى كان يحتله الطيار الإيطالى قبل ذلك بقليل ".


وتعلق المجلة على وصف الملازم إسماعيل حقى قائلة :

"ها قد أصبحت فى حوزة القوات العربية التركية طيارة من نوع (نيوبورت) لا ينقصها إلا طيار شجاع لتحلق فى الجو ".

ثم تذكرالمجلة قراءها بأن البحرية الإيطالية قد حجزت السفينة الفرنسية (قرطاج) خلال شهر يناير 1912 م خشية أن ينضم الطيار (دوقال) بطيارته إلى القوات العربية التركية فى طرابلس، بينما كان ينقل طيارته على ظهر السفينة ليشترك بها فى مهرجان للألعاب الجوية ينتظم فى تونس .
لقد قاوم الشعب العرىب الليبى الغزو الإيطالى زهاء الربع قرن ضرب خلاله أروع الأمثلة فى التحضر الحقيقى..والبطولة الحقيقية...






منقول
 
عودة
أعلى