العلوم العسكرية في الحضارة الإسلامية

avougrach

عضو
إنضم
18 أغسطس 2009
المشاركات
2
التفاعل
0 0 0
بداية النهضة في مجال العلوم العسكرية وتطويره
(( الإسلام وتنظيم شئون الحرب:
الواقع أن الإسلام باعتباره حضارة كاملة، وأنه نظم كافة أمور الحياة ديناً ودنيا، قد عالج أمور الحرب باعتبارها ظاهرة اجتماعية، ووضع خير المناهج والمباديء بكل ما يتصل بها من حيث أهدافها وقوانينها وآدابها. والباحث المحقق لا يجد في الإسلام كل ما تحتويه النظريات العسكرية المعمول بها في الشرق أو الغرب فحسب، بل إنه ليكتشف بالتحليل والمقارنة أن نظريات الإسلام الحربية تتجاوز تلك النظريات وتتفوق عليها سواء من الناحية الفنية البحتة أو من حيث نبل المقاصد والأهداف.
وقد نشأت في المدينة بعد الهجرة أول مدرسة عسكرية في تاريخ العرب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قائدها ومعلمها الأول، وعلى أساس مباديء القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة القولية والعملية والتقريرية قامت نظريات العسكرية الإسلامية في مختلف شؤون الحرب والقتال، مثل: أسباب الحرب وأهدافها –آداب الحرب- بناء الجيش القوي – بناء المقاتل – إعداد القادة – التدريب على القتال – الحرب النفسية – المخابرات والأمن ومقاومة الجاسوسية – الانضباط والجندية وتقاليدها – بناء الروح المعنوية وإرادة القتال – إعداد الأمة للحرب – الصناعة الحربية واقتصاديات الحرب... الخ
* وهكذا تكوَّن أول جيش في تاريخ الإسلام والمسلمين، وتعلم رجاله في المدرسة العسكرية الإسلامية على يد قائدها ومعلمها الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أذِنَ اللهُ لهم بالقتال طبّقوا ما تعلموه في المعركة؛ فكانوا مضرب الأمثال في الكفاية القتالية والشجاعة والعبقرية الحربية، وكانوا دائماً منصورين على أعدائهم بإذن الله، وجملة القول أن تنظيم الإسلام لأمور الحرب قامت عليه وعلى نظرياته المدرسةُ العسكرية الإسلامية كما قام أيضاً جيش الإسلام بقادته ورجاله، ودخل الجيش الإسلامي بوتقة الحرب....)) اللواء الركن محمد جمال الدين محفوظ.
وقد فرض الله عز وجل فريضة الجهاد في سبيله، وأمر المسلمين بحمل كره القتال واحتماله في سبيله، وهو في غنى عن قوة المسلمين فهو القوي العزيز، ولكن هذا التكليف لخير أمة أخرجت للناس إنما كان لصلاح الدنيا، ولهداية الناس لما فيه خيرهم وصلاح أمرهم في الدارين، ولم يترك الله عز وجل فريضة الجهاد حرة ولا محرومة من الضوابط الناظمة للفريضة والموجهة لها. فالحرب في الإسلام حتمية، والقتال من طبيعة الحياة على أرض الله، حتى ينتصر الحق على الباطل، وحتى تظهر الفضيلة على الرذيلة، ويعلو الخير على الشر، كما في قوله تعالى: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين، فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم، وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهو فلا عدوان إلا على الظالمين"..
* هذه الآيات وغيرها تحدد منهجاً أو مذهباً إسلامياً عسكرياً واضح المعالم، فالقتال هو في سبيل الله، ولكن ليس عدواناً، وإنما هو فعل فالقتل هو العقاب العادل، وهو القصاص الحق، وإخراج المسلمين من ديارهم هو عدوان يفرض عليهم القتال حتى يتم لهم إخراج عدوهم من حيث أخرجهم.
ونظراً لارتباط هذه المبادئ بالإسلام كدين يشمل كل مظاهر الحياة نستطيع أن نقول إن بداية النهضة الإسلامية في مجال الحروب العسكرية بدأت مع اطلاق المشروع الإسلامي في النشر والدعوة، وفرض الجهاد على المسلمين من خلال الضوابط المذكورة في الوحي.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه المحاربين بألا يقتلوا طفلاً ولا امرأة وألا يقطعوا شجراً وأن يخلُّو بين الراهب وعبادته..
فكان ذلك إضافة للإنسانية وضَوْءًا جديدًا في الطريق العسكري الذي لا يرتبط في أذهان الناس سوى بالقتل العشوائي والهمجي، ولم يكن ثمة تقنين لدى العرب أو غيرهم قبل الإسلام يحد من عشوائية القتل والتخريب أثناء الحروب فكان الإسلام ـ بحق ـ تطبيقاً عملياً لكل ماتحلم به الإنسانية وتتمناه في هذه المضمار..
وحدد الله عز وجل موقف المسلمين من الذين يعتدون عليهم ويخرجونهم من ديارهم بقوله:
" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون "
فإخراج المسلم من دياره من موجبات القتال؟ إذ إنه لولا اعتناقه للإسلام ما تعرض للعدوان وما تعرض للطرد..
وكذلك حَثَّ الله المسلمين أن يكون ردهم على نفس المستوى من العدوان فقال عز وجل:
"وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين"..
كذلك فقد أمر عز وجل بقتال فئة مسلمة انحرفت عن إجماع المسلمين، واعتبر ذلك إصلاحاً للمسلمين وذلك في قوله تعالى:
"وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم تُرحمون"..
هكذا دشن الفكر الإسلامي لمبادئ جديدة على حياة الناس مثلت بداية حضارة عسكرية تأخذ مساراً إيجابياً في الدفاع عن المجتمع وأرواح الأفراد.
ولا تعرف العدوان ( إن الله لا يحب المعتدين)، تلك الحضارة التي تجعل القتال في سبيل الله، وتجرد المحاربين من نزعاتهم الشخصية والطائفية، وتقدم للعالم أنموذجاً حياً للإنسانية الشاملة، والرحمة المفقودة، والمساواة الغائبة، والعدل المنشود..
هذا على المستوى التنظيري أو تقنين مسائل الحرب فكانت بحق نهضة المبادئ العسكرية في العالم.
أما على المستوى التطبيقي أو العملي فقد حارب المسلمون في بداية معاركهم بطريقة لا تختلف كثيراً عما عهده العرب، إلا أنهم نظموا الجيوش فبعد أن كان العرب قد اعتادوا على طريقة الكرِّ والفرِّ في الحروب، نظم الإسلام شأن الجيش، وعبأه بشكل إيجابي، فكانت المقدمة والوسط والجناحان والساقة، ويُعَدُّ استخدامُ الرسول صلى الله عليه وسلم للمنجنيق والدبابات في مطاردة فلول ثقيف تغيراً نوعياً في سياسة الحروب في ذلك العهد، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من استخدم المنجنيق في الإسلام، فكان المحاربون المسلمون يدخلون في جوف الدبابات ويزحفون بها إلى الحصن لينقبوه. كذلك كان خالد بن الوليد رضي الله عنه أول من استخدم حرب الأعصاب ضد الأعداء، ذلك أن المسلمين حين حاصروا قنسرين تحصن أهلها منهم، فأرسل إليهم خالد يقول: "لو كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم أو لأنزلكم إلينا".. فألقوا السلم وفتحوا مدينتهم للمسلمين، كذلك كان استخدام النبي صلى الله عليه وسلم للحَسك (وهو شوك مدحرج لا يكاد أحد يمشي عليه إذا يبس ) نقلة جديدة في عالم الحروب، حيث أحاط به عسكره ليمنع العدو من جنده ولعلها لا تختلف كثيراً عن فكرة الأسلاك الشائكة..
كانت هذه مؤشرات بنهوض قام به المسلمون بوسائل وأسلحة جديدة -إلى جانب أفكارهم الحربية الجديدة- يؤذن بظهور طور جديد أو حقبة متطورة في عالم الحرب، وبالفعل تطور وضع المسلمين عسكرياً أيما تطوير...


أبرز القادة العسكريين
لم يحفل مجال تقدم فيه المسلمون وعلموه من خلاله العالم بقادة ورواد مثلما حفل المجال العسكري، فالقادة المسلمون العسكريون النبلاء لا يحصيهم عدد، ولا يحويهم إحصاء، وقد يكون ذلك راجعاً إلى كثرة الحروب والمواجهات التي واجهها المسلمون أثناء نشر دعوتهم، أمر للدفاع عن أنفسهم وديارهم.
فلن ينسى العالم أعلام الأمة الإسلامية من أمثال: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، والمثنى بن حارثة، والقعقاع بن عمرو، وقيس بن هبيرة، وعقبة بن نافع، وصلاح الدين الأيوبي، ومحمد الفاتح، وعبد الرحمن الداخل، ونور الدين محمود.. وغيرهم من عظماء العسكريين المسلمين الذين قادوا المعارك ببصيرة حربية مذهلة، واستطاعوا أن يجعلوا من الجهاد في سبيل الله تجارب عملية وتطبيقات فدائية يشيب لها قادة العدو.
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو خير النماذج العسكرية المسلمة على الإطلاق، فكان قائداً محنكاً وزعيماً عسكرياً فذاً، يشارك جنوده المعارك جنباً إلى جنب، ويشاروهم في أمورهم الحربية، ويكفينا ذكراً هنا أن هؤلاء القادة من أصحابه صلى الله عليه وسلم كانوا ثمرة تربيته وفكره وتوجيهه ومبادئه العسكرية الجهادية..
لقد استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يحول هزيمة المسلمين في أحد إلى نصر سياسي وعسكري، ولو أن قائداً مكانه صلى الله عليه وسلم لَنَدَبَ حظه، أو لحاكَمَ الرماةَ محاكمة عسكرية قاسية، ولكنه لم يفعل ذلك فهو خير البشر، خرج في اليوم التالي لغزوة أحد واشترط ألا يخرج معه إلا من شَهِد أُحُداً، فما كان من قريش إلا أن انسحبت، فحفظ ماء وجه المسلمين ورُدَّتْ إلى المسلمين كرامتهم.
وموقفه صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين بعد أن فَرَّ جيشه ولم يثبت إلا هو وقلة لا تتجاوز المائة على أكثر التقديرات، فاستطاع بشجاعة القائد والفدائي أن يعيد جنوده إلى مضمار المعركة بعد أن غامر بحياته، ورفع صوته على مقربة من الأعداء منادي: "أنا النبي لا كذب أن، ابن عبد المطلب"؛ ليلتف حوله أصحابه وجنوده الكرام، ويعودوا بكل حماس وإصرار، ويحولوا الهزيمة إلى نصر.
فصلِّ الله وسلِّمْ على قائدنا وزعيمنا الكريم، فقد قاد صلى الله عليه وسلم ثماني وعشرين غزوةً مع جنده.
وإذا سألنا أنفسنا ما الذي دفع مفكراً أمريكياً مثل "مايكل هارت" أن يورد محمداً صلى الله عليه وسلم في صدارة كتابه "العظماء المائة"؟
سيكون جوابنا أن غير المسلمين من المنصفين لا يسعهم إلا أن يقدروا لنبي الإسلام قدره من باب الإنصاف لا أكثر.
وإذا انتقلنا إلى باقي القادة العسكريين المسلمين من بعد نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم لوجدنا قائدا قلما توفر إخلاصه وذكاؤه وحبه لجيشه وجنوده وأمته في قائد عسكري. إنه سيف الله المسلول:


* (( خالد بن الوليد
هو "أبو سليمان خالد بن الوليد بن المغيرة"، ينتهي نسبه إلى "مرة بن كعب بن لؤي" الجد السابع للنبي (صلى الله عليه وسلم) و"أبي بكر الصديق" رضي الله عنه.
وأمه هي "لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية"، وقد ذكر "ابن عساكر" – في تاريخه – أنه كان قريبًا من سن "عمر بن الخطاب".
أما أبوه فهو "عبد شمس الوليد بن المغيرة المخزومي"، وكان ذا جاه عريض وشرف رفيع في "قريش"، وكان معروفًا بالحكمة والعقل؛ فكان أحدَ حكام "قريش" في الجاهلية، وكان ثَريًّا صاحب ضياع وبساتين لا ينقطع ثمرها طوال العام.
* فارس عصره
تعلم خالد بن الوليد الفروسية كغيره من أبناء الأشراف، ولكنه أبدى نبوغًا ومهارة في الفروسية منذ وقت مبكر، وتميز على جميع أقرانه، كما عُرف بالشجاعة والجَلَد والإقدام، والمهارة وخفة الحركة في الكرِّ والفرِّ.
واستطاع "خالد" أن يثبت وجوده في ميادين القتال، وأظهر من فنون الفروسية والبراعة في القتال ما جعله فارس عصره بلا منازع. )) ( إسلام أون لاين )
(( شاهد الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء قتاله للمشركين أن خالد بن الوليد يتمتع بشخصية قيادية متميزة وفكر عسكري عميق، فكان يرجو أن يستفيد المسلمون من هذه الطاقة في حركة الجهاد الإسلامي؛ فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل عن خالد ؛ قال ابن سعد رحمه الله: ( وكان خالد من فرسان المشركين وأشدائهم... ثم قذف الله في قلبه حب الإسلام لما أراد الله به من الخير ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام القضية مكة؛ فتغيب خالد؛ فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخاه؛ فقال: " أين خالد؟ " ثم قال: "... ما مثل خالد يجهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وجده مع المسلمين على المشركين؛ لكان خيرا له، ولقدمناه على غيره ")) القيادة العسكرية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم: د / عبد الله محمد الرشيد
* وكان هذا من أسباب مجيء خالد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإسلامه، وقد كان سيدنا خالد ابن الوليد يتمتع بعقلية عسكرية فذة ونادرة مما أهله ليتبوأ هذه المكانة العالية في قيادة الجيوش الإسلامية،
* وقد ذكر صاحب كتاب ( القيادة العسكرية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ) الصفات القيادية التي كان يتحلى بها خالد بن الوليد رضي الله عنها ومنه:
القدرة على إصدار القرار الصحيح والسريع، والإدارة القوية الثابتة، وتحمل المسئولية، وثبات النفس، وبُعْد النظر، ومعرفة النفسيات والقابليات، والثقة والمحبة المتبادلة بينه وبين جنوده، وقوة الشخصية، والماضي المجيد الذي كان يتمتع به، والشجاعة والقابلية البدنية، ومعرفة وتطبيق مباديء القيادة والتي تتلخص في: اختيار المقصد وإدامته، والتعرض، والمباغتة، وحشد القوة، والاقتصاد بالمجهود، وتطبيق مبدأ الأمن من أجل المحافظة على سلامة قواته، والمرونة، والقدرة على تأمين التعاون بين صفوف قطعات الجيش من جهة، وبين تشكيلاتها التعبوية من جهة أخرى في يسر وسهولة، وإدامة المعنويات، ويقوم هذا المبدأ على دعامتين رئيسيتين هم: الثقة المتبادلة والإيمان الراسخ، والأمور الإدارية وخفة الحركة، والمحافظة على الهدف. القيادة العسكرية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم د / عبد الله محمد الرشيد ص 591 وما بعدها بتصرف.
* أحد مواقفه العسكرية الرائعة:
في غزوة مؤتة وبعد أن استشهد القواد الثلاثة (( قدَّر خالد رضي الله عنه بفكره العسكري المتميز خطورة الموقف الذي يتعرض له المسلمون في هذه المعركة، فآثر الانسحاب بالجيش دون أن يعلم الأعداء بهذا التدبير.
وقد ابتكر رضي الله عنه خطة حربية تقوم على الايهام والخداع، لتحقيق هذا الهدف. وقد ذكر أهل المغازي والسير تلك الخطة الحربية ولخصها أحد القادة العسكريين المعاصرين بأسلوب عسكري يبرز مدى ما يتمتع به خالد من عبقرية عسكرية متميزة.
قال اللواء الركن محمود شيت خطاب: لقد قاتل يومه قتالا شديد، فلما أظلم الليل غير نظام جيشه فجعل مقدمته ساقته، وساقته مقدمته، وكذلك فعل بالميمنة، والميسرة، أي أنه سحب جيشه من ساحة المعركة وأبقى ساقته تحمي الانسحاب، نشر هذه الساقة؛ ليحتل فرسانها مساحة شاسعة من الأرض، وأمرهم أن يحدثوا أصواتا مرتفعة بما لديهم من أبواق وطبول وأدوات حربية وإثارة الغبار بالخيل تدور بسرعة في دوائر ضيقة، كل ذلك جعل الروم لا يشعرون بانسحاب قوات القسم الأكبرمن المسلمين ليل، من جهة، ويعتقدون أن إمدادات قوية جاءتهم ليل، لهذا لم يقدم الروم على مطاردة المسلمين فَسَهَّلَ ذلك على خالد مهمته في سحب رجاله من ساحة المعركة بأمان، ودون أن ينقلب الانسحاب إلى هزيمة، كما سهل عليه مهمة سحب الساقة التي سترت انسحاب القسم الأكبر من قوات المسلمين وذلك بعد أن اطمأن إلى أن القسم الأكبر من قواته قد وصل إلى مأمنه. ومع ذلك لم يكن سحب الساقة سهل، لأنها كانت بتماس شديد بالعدو،من جهة، ولأنها كانت تشغل منطقة واسعة من الأرض من جهة أخرى. )) القيادة العسكرية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم د / عبد الله محمد الرشيد
* عمرو بن العاص:
هو عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم القرشي السهمي. أبو عبد الله. أرسلته قريش إلى الحبشة ليطلب من النجاشي تسليمه المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة وإعادتهم إلى مكة فلم يستجب له النجاشي ورده. أسلم سنة ثمان للهجرة هووخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، وقدموا إلى المدينة مسلمين. ولاه عمر بن الخطاب قيادة جيوش فلسطين والأردن بعد موت يزيد بن أبي سفيان، ثم سيره لفتح مصر فافتتحه، وأقرَّه الخليفة عثمان عليه، ثم عزله عنها.


* الجانب العسكري في حياة القائد عمرو بن العاص

تحلى عمرو بن العاص رضي الله عنه بصفات قيادية أهلته لهذا المنصب حتى أصبح من كبار القادة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهم.
وقد توافرت في عمرو الصفات القيادية الآتية:
الشجاعة، والرأي السديد والعقل الراجح، وبُعد النظر، والقدرة على جمع المعلومات، والماضي الناصع المجيد، واتخاذ القرارات الصحيحة وتنفيذها في الوقت المناسب،
ومن المباديء العسكرية التي طبقها عمرو بن العاص الحرص على تطوير القدرة الحركية، والشدة على أعداء المسلمين، وادخار القوى، وخفة الحركة.... ( القيادة العسكرية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم د / عبد الله محمد الرشيد ) بإيجاز شديد

في مجال العلوم العسكرية أهم الإنجازات

إنجازات العسكرية الإسلامية في التاريخ:
يقول اللواء الركن محمد جمال الدين محفوظ:
إن أعظم الأدلة التي تبرز النتائجَ التي حققتها العسكرية الإسلامية شهادةُ التاريخ.. فلقد حققت الجيوش الإسلامية من المهام والإنجازات ما أصبح من الحقائق التاريخية التي لا تُنَازَع والتي نذكر منها على سبيل المثال:


* أولاً – تأمين الدعوة وقيام الدولة الإسلامية:


وهذا ما حققه جيش الإسلام في عصر النبوة، الذي حارب فيه المسلمون أكثر من عدو، فقد حاربوا المشركين واليهود والروم، وكانوا في كل معاركهم يواجهون عدواً متفوقاً عليهم في العَدَدِ والعُدَّة، لكن نصر الله كان حليفهم.


* ثانياً – الفتوحات الإسلامية:

وفي أقل من مائة عام امتدت الفتوحات الإسلامية من حدود الصين شرقاً إلى شاطئ الأطلسي غرباً، وقد بلغ عدد القادة الفاتحين في أيام الفتح الإسلامي ستة وخمسين ومائتي قائد (256) منهم ستة عشر ومائتان (216) من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم مؤسس المدرسة العسكرية الإسلامية ومعلمها الأول، وأربعون من التابعين بإحسان رضي الله عنهم.
ولو أردنا أن نلخص ما ينطوي عليه هذا الإنجاز العظيم في تاريخ المسلمين في كلمة واحدة؛ فإننا نقول: إن معناه الواضح هو أن »العسكرية الإسلامية« قد هزمت كلا من العسكرية الفارسية والعسكرية البيزنطية.


* ثالثاً – إتقان الحرب البحرية:

ولقد أتقن العرب – أبناء البادية – بناء الأساطيل وفنون الحرب البحرية، وبلغوا درجة من الكفاية استطاعوا بها هزيمة أسطول بيزنطة وهو أعظم قوة بحرية في زمانهم. يقول ابن خلدون: »إن المسلمين تغلبوا على لجة بحر الروم (البحر الأبيض المتوسط) وإن أساطيلهم سارت فيها جائية وذاهبة من صقلية إلى تونس، والرومان والصقالبة والفرنجة تهرب أساطليهم أمام البحرية العربية، ولا تحاول الدنو من أساطيل المسلمين التي ضريت عليه كضراء الأسد على فريسته«.


* رابعاً – القدرة على الحرب في جبهتين:


ومن أعظم إنجازات العسكرية الإسلامية أن الأمة الإسلامية الناشئة استطاعت أن تفتح جبهتين، وأن تدير دفة الحرب في كل منهما بكل كفاية واقتدار، وكان ذلك في مواجهة أعظم قوتين عالميتين في ذلك الوقت هما فارس وبيزنطة.. وذلك مثل فريد في التاريخ الحربي لم تبلغه أقوى الأمم وأعظمها خبرة في الحروب..
فالمعروف من وجهة نظر فن الحرب أن الحرب في جبتهين من أصعب المواقف التي تواجه القيادة، فهي تنطوي على مشكلات بالغة الصعوبة والتعقيد وتتطلب كفاية إلى أقصى حد في الإدراة والتخطيط والقتال، ويكفي أن نعلم أن العسكرية الألمانية لم تهزم في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) إلا حين فتح الحلفاء أمامها جبهة ثانية للقتال.


* خامساً – إتقان كل أشكال العمليات الحربية:


ولقد أثبت المسلمون عملياً أنهم – طبقاً للمعايير المقررة في العلم العسكري – قادرون على القيام بجميع العمليات الحربية على اختلاف أشكالها ومستوياتها بكفاية عالية مثل الدفاع والهجوم والمطاردة والانسحاب والقتال في المدن والقرى ومهاجمة المواقع الحصينة والحصار واقتحام الأسوار وعبور الأنهار ومسير الاقتراب الطويل وأعمال الوقاية والحراسة وأعمال المخابرات والحرب النفسية ومفارز (دوريات) الاستطلاع والقتال والإغارة.. الخ.
ويقول كلاوس فيتز: »يمكن للقوات العسكرية المدربة جيداً أن تقوم بجميع الأعمال الحربية..«

* سادساً – الحرب فوق مختلف أنواع الأراضي:

والمعروف أن أساليب القتال تختلف طبقاً لطبيعة الأرض التي يجري فوقها القتال، فهناك مثلاً فرق كبير بين القتال في الأراضي الصحراوية والقتال في الأراضي الزراعية وهكذا.. ويحتاج كل نوع من هذه الأراضي إلى إعداد خاص للقوات التي تقاتل عليه من حيث التدريب والتسليح وتشكيلات القتال..
ولقد أثبت المسلمون قدرتهم الفائقة على القتال فوق مختلف أنواع الأراضي، فلقد حاربوا فوق الأراضي الصحراوية والجبلية والزراعية، وحاربوا داخل المدن والقرى وواجهوا الموانع المائية كالأنهار فعبروها، هذا فضلاً عن الحرب البحرية.


* سابعاً – مواجهة كل أشكال التنظيم الحربي:


حارب المسلمون أشكالاً مختلفة من أشكال التنظيم الحربي؛ فقد واجهوا الجيوش المنظمة وغير المنظمة، وحتى الجيوش المنظمة لم تكن على نمط واحد من التنظيم، فبدهي أن تنظيم جيوش فارس كان مختلفاً عن تنظيم جيوش بيزنطة، فضلاً عن اختلاف نظريات كل جيش في إدارة المعارك. وعلى الرغم مما ينطوي عليه ذلك من مشاكل معقدة فإن المسلمين استطاعوا أن يقهروا أعداءهم على اختلاف تنظيماتهم.. كذلك أثبت المسلمون قدرتهم وكفايتهم في إدارة البلاد المفتوحة وهو أمر ينطوي على الكفاية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية بالإضافة إلى الكفاية العسكرية..
* دراسة العسكرية الإسلامية واجب حضاري أرأيت عظمة الإنجازات العسكرية الإسلامية؟!!
أليس في كل ذلك ما يستحق الدراسة على النحو الذي يتكافأ وقدر هذه الأمة وبطولاتها الخالدة؟
أليس من الأمور الغريبة التي تلفت النظر أن رجال العسكرية في كثير من الدول العربية والإسلامية لا يدرسون إلا ما يُنقَل إليهم من الغرب أو الشرق من نظريات حربية وأعمال قادة وتاريخ حربي؟!!
إن أخطر ما يترتب على ذلك من آثار هو أن يرسخ في الأذهان الاعتقاد الخاطئ بأنه ليس للإسلام نظريات حربية، ولا أعمال قادة، ولا تاريخ حربي يستحق الدراسة، وهو أمر لا تخفى بواعثه على الفطن »والمؤمن كيّس فطن«، فإن ترسيخ هذا الاعتقاد هو جانب من الحرب الحضارية التي تستهدف طمس معالم الحضارة الإسلامية، ومنع قيامها من جديد، كما تستهدف طمس معالم العسكرية الإسلامية التي هي بحق أحد الجوانب الرائدة من حضارة الإسلام.
من أجل ذلك فإن واجب الأمة الإسلامية وهي تسعى نحو بناء نهضتها الحضارية الشاملة أن تتصدى لكل محاولة تستهدف تحويل أبنائها عن مقوماتهم الأساسية وقطعهم عن كل ما هو أصيل من حياتهم، وتحويل اتجاهاتهم بعيداً عن كل ما يتصل بالقيم والدين والأخلاق والكيان النفسي الذاتي.. يقول إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: »كان أبي يعلمنا المغازي والسرايا ويقول: يا بني إنها شرف آبائكم فلا تضيّعوا ذكرها«. مجلة الأمة، العدد الرابع، ربيع الآخر 1401 هـ موقع الفسطاط
وإذا تجاوزنا ما قدمه المسلمون من إسهامات، وأفكار وخطط وأسلحة مبتكرة وأدوات حرب، ووقفنا أمام أضخم وأعظم إنجاز حربي قدمه المسلمون للعالم ولدينهم، حتى وإن ظل أعداء الإسلام يعتبرونه سقطة تاريخية من وراء حقد دفين، إنها الفتوحات الإسلامية للبلدان، فكم حرر الإسلام من شعوب عاشت تحت سير طغيان حكامها، وقهرهم وتحكمهم!! ويكفي ما كان يبديه الإسلام في فتوحاته من معاملة طيبة لأهل الكتاب المسلمين، ليتعرف العالم على السبب الذي يجعلنا نسمي هذه الفتوحات إنجازات إنسانية قبل أن تكون إنجازات حربية.. لقد استطاع المسلمون نشر دينهم من الفتوحات بأقل عدد من القتلى على الجانبين، ولو تخيلت شعوب مصر وليبيا والمغرب و غيرها من دول شمال إفريقية أنفسها بدون فتح إسلامي لصار مآلهم إلى الاستعماريين، ومبددي الثروات، وغاصبي الأرض، الذين ما كانوا يمارسون ضد شعوبهم سوى العنف والقهر والعمل بالسخرة إلى أن جاء الإسلام ورحبت به الشعوب من أجل الإنقاذ، فحماهم الإسلام وقدَّم مبادئه التي لا يختلف اثنان على موضوعيتها وسماحتها.
أما على مستوى التسليح لم يقدم المسلمون ابتكاراً أو اختراعاً حربياً للعالم في قيمة اختراع البارود وتقديم شكل أولي للمدفع.
يقر بذلك رينو وفافيه بأن البارود والمدفع اختُرِعا في سوريا أو في مصر، ويقول سيديو: إن المصريين استعملوا البارود في القرن الثالث عشر، ويؤيد آخرون هذا الرأي، حيث يقر جوانفيل فارس ومؤرخ الحملة الصليبية التي قادها لويس التاسع ضد مصر (1249 ـ 1250م) أن المسلمين كانوا يقذفونهم بالنار الإغريقية التي تحدث صوتاً كالرعد، والنار الإغريقية كانت معروفة قبل ذلك الوقت بخمسة قرون على الأقل وما كان استخدامها ليحدث رعباً كالذي أحدثه المسلمين لدى ملك الصليبيين لويس، مما يلوح بأن هذا الصوت وهذا السلاح ما كان إلا شيئاً جديداً، وأهم ما يذكر في هذا السياق كتاب (في الناريات) كتبه الحسن الرماح السوري حوالي سنة 1280م.
تحت عنوان "كتاب الفروسية والمناصب الحربية" وفيه أول شرح على مدار التاريخ لعملية تنقية نترات البوتاسيوم من الشوائب وهي العملية الجوهرية لصناعة البارود فضلاً عن المركبات الكثيرة التي شرحها والتي لها خاصية الانفجار، كل هذا يدل على معرفة المؤلف الأكيدة بالبارود باعتباره مادة متفجرة، ثم إن حسن الرماح وصف الزخيرة التي تُدَكُ في المدفع وبيّن نسبتها، قال: "تؤخذ عشرة دراهم من البارود، ودرهمان من الفحم، ودرهم ونصف من الكبريت، وتسحق جيداً حتى تصبح كالغبار، ويملأ منها ثلث المدفع فقط خوفاً من انفزاره، ويصنع الخراط من أجل ذلك مدفعاً من خشب تناسب جسامة فوهته، وتدك الزخيرة فيه بشدة ويضاف إليها إما بندق أو نبل، ثم تشعل ويكون قياس المدفع مناسباً لثقبه، فإذا كان عميقاً أكثرمن اتساع الفوهة كان ناقصاً.
وبهذا يكون المسلمون قد قدموا شكلاً أولياً للمدفع كما هو موجود بشكله الآن وإن كانت أشكاله قد تعددت. هذا بالإضافة إلى أن أول صورة للمدفع ظهرت في مخطوطة أوروبية هي مخطوطة لوالتر ميليميت تاريخها 1326م، توجد في كرايست تشرس ويقول بارتنجتون: إن نص المخطوطة لا يشير إلى المدفع، ولكن وجه المدفعجي يميل إلى السمرة.
وقد اشتُهِر أن هذه الصورة لعربي إشارة إلى ناقل الاختراع أو صاحبه.
* المخطوطات العسكرية الإسلامية " موقع إسلام ست "
لقد اهتم المسلمون بالدراسات العسكرية النظرية، وألفوا الكثير من المخطوطات في كل المجالات فمنها دراسات حول صناعة السلاح وتطويره، ومنها دراسات عن التدريب على السلاح واستعمالاته، ومنها دراسات عن الخطط العسكرية وفنون التعبئة وتحريك الجيوش.
وقد أحصى المؤرخ الاسلامي ابن النديم الكتب والمراجع في هذه المجالات فإذا بالتراث العلمي العسكري الإسلامي من أغنى المراجع في التاريخ، وقد كتب هذا الباب بعنوان (فيما كتب في الفروسية وحمل آلات الحرب والتدبير الحربي)
* ويتكون هذا التراث العلمي من قسمين: قسم ألفه العرب والمسلمون وقسم مترجم نقلوه عن الفرس والروم والهنود، فمن الكتب المترجمة عن الاغريقية كتاب "فن الحركات الحربية" لمؤلفه إليانوس الإغريقي. وهناك كتب ترجمت عن الدولة الرومانية (4) مثل كتاب Taktikon، " عن التكتيك الحربي لمؤلفه ليون السادس وكتاب Stratigikon،وهو عن الإستراتيجية لمؤلفه ككاومنوس في القرن العاشر الميلادي.
أما المؤلفات العربية فهي نوعان: نوع يدخل في كتب التاريخ والأدب العربي وفيه وصف لمعارك الاسلام، مع توضيح للخطط الحربية والتدبير العسكري ومُلابسات المعارك،ومن ذلك كتاب "عيون الأخبار" لابن قتيبة "والعقد الفريد" لابن عبدربه "وسراج الملوك " للطرطوشي.
وهناك أيضا المؤلفات المتخصصة في علوم الحرب: فمن ذلك كتب في الرمي بالنبال وإصابة الهدف، وأخرى في صفات الأسلحة وأساليب استعمالها مثل "كتاب الدبابات والمنجنيقات "، وكتب في الخيل والفروسية والعناية بالخيل مثل كتاب "فضل الخيل " لمؤلفه الفارس الإسلامي عبد المؤمن الدمياطي وكتاب "رشحات المداد في الصافنات الجياد".
- كذلك هناك مخطوطات في الخطط الحربية أو الخدعة مثل كتاب "الحيل والمكايد" وكتب التدريب التعبوي ككتاب "أدب الحرب " وكتب عن "فتح الحصون والمدائن وتربيض الكمائن " وكتب عن "توجيه الجواسيس والطلائع والسرايا ".
والكثير من هذا المخطوطات التي عددها ابن النديم قد فقدت من العالم العربي، ومنها النادر الموجود في مكتبات أوروبا حيث تُرْجِم عدة مرات واستفادوا منها قرونا طويلة. فمن أهم هذه المراجع مؤلفات القائد العسكري الإسلامي حسن الرَّمَّاح الذي توفي في سوريا 1294 م وقد ألف كتاب "الفروسية والمكائد الحربية" وكتاب "نهاية السؤل والأمنية في تعلم الفروسية" ومن أهم كتبه كتاب (غاية المقصود من العلم والعمل) وهو كتاب عن صناعة البارود وتحضيره وتنقيته من الشوائب. ويلمح سارتون في كتابه (مقدمة الى تاريخ العلم) الى أن روجر باكون قد نقل صناعة البارود من هذا الكتاب، ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى مخطوط إسلامي (6) عسكري هام ظهر أخيرا في مراكش يعود الى سنه 1583 ومؤلف هذا الكتاب هو "ابراهيم بن أحمد بن غانم بن محمد بن زكريا" وكان إبراهيم هذا من بقايا مسلمي الأندلس الذين أخفوا إسلامهم.. وعندما علم الاسبان بأمره،طردوه الى مراكش بعد أن قضى في سجونهم سبع سنوات.. وكان إبراهيم خبيرا بالمدفعية وبصناعة.. وقد ورث هذا العلم أبا عن جد منذ عصور الاندلس، اما الكتاب فاسمه (العز والرفعة والمنافع للمجاهدين في سبيل الله بالمدافع) ويعتبر هذا الكتاب أول كتاب من نوعه في التاريخ متخصص في صناعة المدافع وحدها، وفيه يصف مؤلفه صناعة المدافع ابتداء من عصور الإسلام الى استعمالها وتطويرها في الجيوش الإسبانية، وقد وصف الكتاب اثنين وثلاثين نوعا من المدافع المختلفة الأحجام والصناعة والأغراض، ووصف أنواع الحجارة وأحجامها التي يقذفها المدفع،ووصف صناعة المدفع وطريقة وزنه بميزان خاص للتأكد من دقة إصابته للهدف،ثم يختم هذا المخطوط ببيان طريف بعنوان عن (تذويب المدفع اذا كان ثقيلا كي لا يغنمه الاعداء) والكتاب محلى بالصور العلمية التوضحية الملونة.. ولا تقتصر أهمية هذا المخطوط على ما فيه من معلومات قيمة عن المدفعية في إسبانيا في مرحلة التحول عن الإسلام. ولكنه يعتبر آخر صيحة من أحد بقايا مسلمي الأندلس الى العالم الإسلامي كله تدعوه الى اليقظة وإعداد السلاح المتطور لمواجهة أعداء الاسلام عملا بقوله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" حتى لا يواجهوا مصير أهل الأندلس من الإبادة الجماعية وفي ذلك يقول في مقدمة كتابه:
"ما قصدت به نفعا دنيويا، بل الإخلاص لله تعالى راجيا أن يصل إلى جميع بلاد المسلمين؛ ليحصل به النفع ويحصل لهم الأجر عند الله سبحانه وتعالى بتفريج المسلمين بإتقان أعمالهم وتخويف أعدائهم الكافرين."

أبرز خصائص المذهب العسكري الإسلامي


* أ - قدم هذا المذهب وأصالته: فقد ظهر المذهب العسكري منذ بداية الفتوح قبل أربعة عشر قرن، واستمر في تطوره حتى الأزمنة الحديثة، دونما انقطاع. ولقد عملت بعض المذاهب العسكرية الحديثة على ربط مذاهبها الحديثة بجذور قديمة ولعلها نجحت في ذلك، غير أن هناك انقطاع زمني بين التطبيقات والتجارب القديمة وبين التكوين الحديث لتلك المذاهب العسكرية. في حين بقي المذهب العسكري الإسلامي مستمرا في تطوره عبر البُعدين: الجغرافي والزماني.
* ب - تنوع تجاربه القتالية: فقد عرف المذهب العسكري عبر استمراره وتطوره جميع أنواع الحروب: النظامية والأهلية والثورية، وإذا كانت ( وقعة الجمل سنة 36 هـ 656 م )، ( ووقعة صفين سنة 37 هـ 657م ) تمثل النموذج المبكر للحروب الأهلية. فإن حرب عبد الملك بن مروان ضد عبد الله بن الزبير سنة 72 هـ 692 م لم تكن بدورها إلا حربا أهلية. كذلك لم تكن عملية انتقال الحكم من الأمويين إلى العباسيين إلا نوعا من الحرب الأهلية. وكان المتحاربون في هذه الحروب يرفعون راية المنافسة لتطبيق الشريعة الإسلامية على أهل الإسلام وفي ديار الإسلام. فكان المذهب العسكري الإسلامي وتطبيقاته قاسما مشتركا بين الأطراف المتحاربة. ولقد عرف العصر العباسي بدوره حروبا أهلية كثيرة. كما عرف الحكم الأموي في الأندلس. وكما عرفتها الدولة العثمانية بعدئذ ( حروب العثمانيين ضد الصفويين في بلاد فارس ). وكانت عامة المسلمين تقف إلى جانب السلطة الشرعية حفاظا على الطاعة والجماعة، والتزاما بقوله تعالى: " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ". وتجدر الإشارة إلى أن قادة الحروب الثورية في الأزمنة الحديثة قد حرصوا في معظم الأحيان على تنظيم ( المحاكم الشرعية ) لمحاكمة المنحرفين عن منهج الثورة الإسلامية، ومحاكمة عملاء العدو وجواسيسه، والحكم وفقا لشريعة الله، واحقاقا للحق والعدل، ولتجنب الظلم.
* جـ - القدرة على التطور: والمذهب العسكري الإسلامي بعد ذلك مميز من حيث قدرته على التطور. فقد بدأ تكوين المذهب العسكري في عصر الأسلحة البيضاء ( ما قبل الأسلحة النارية ) واستمر تطوره عندما ظهرت الأسلحة الحديثة ( المدفعية، الهندسية ) وظهر ذلك بشكل واضح أيام العثمانيين، حيث أمكن استيعاب التطورات الحديثة في تنظيم الأسلحة البرية والبحرية وقد جرى ذلك التطور أخذا والتزاما بالآية الكريمة " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ".
* د - الاعتماد على مباديء الحرب: لقد اعتمد المذهب العسكري الإسلامي منذ نشأته الأولى وخلال مراحل تطوره على ( مباديء الحرب ) وفقا لما تمت صياغتها والتعبير عنها في الأزمنة الحديثة. وقد يكون من المثير ملاحظة أن لكل مبدأ من تلك المباديء جذوره العميقة في معظم التجارب القتالية التي خاضها المسلمون: فالمباغتة والمبادأة، واستخدام القدرة الحركية للهجوم والمناورة، وحماية المؤخرات، وأمن القوات، والحرص على الإمداد تبرز جميعها واضحة خلال عمليات الفتح الأولى، كما تظهر تطوراتها عبر مسيرة الأعمال القتالية خلال كل مراحل التاريخ.
وكان ( التاريخ العسكري ) هو المدرسة التي حفظت للمذهب العسكري تجاربه بصورة دقيقة مما سمح للقادة المسلمين الذين كانوا يتناقلون الخبرات في بداية أمرهم عن طريق التواتر ومن جيل إلى جيل، ثم جاء المؤرخون المسلمون فسجلوا بأمانة مثيرة دقائق الأعمال القتالية فكان ذلك عاملا مهما في تطوير المذهب العسكري عبر التجارب الذاتية. كذلك كان لأدب الحرب ( الشعر خاصة ) دوره في تطوير المذهب العسكري الإسلامي. وهو ما يتطابق في الأزمنة الحديثة مع ما يتم تسجيله في ( يوميات الحرب الوثائقية ) من جهة، علاوة على ما تتضمنه المذكرات الشخصية للقادة من جهة أخرى. وما من حاجة للقول إن هذا النهج الذي يعتمده الباحثون في الأزمنة الحديثة لدراسة تطور فن الحرب. إذ لم تظهر كتابات وأبحاث ( كلاوزفيتز - وجيميني -وليدل هارت - وفوللر - وفوش ) وسواهم إلا من خلال المادة التاريخية وإلا من خلال ما يمكن استخلاصه من أدب الحرب باعتباره تسجيلا أمينا للأحداث - ولو كان من زاوية خاصة -. تبقى هناك ظاهرة مهمة في المذهب العسكري الإسلامي، هي أنه ما من قائد ألزم نفسه بقواعد الشريعة الإسلامية وحرص على تطبيق المذهب العسكري الإسلامي إلا وكان النصر حليفه، وإذا ما أمكن تجاوز الجيل الأول من قادة الفتوح، فهناك أسماء كثيرة تبدو متشابهة في فضائله، متطابقة في طبيعته، ومن تلك الأسماء مثالا لا حصر: يمين الدولة محمود بن سبكتكين ( ت سنة 421 هـ 1030م ) وكانت له فتوحاته الكثيرة في الهند، والسلطان السلجوقي ألب أرسلان ( 420 - 465 هـ 1029 - 1072م ) قائد معركة ملاذكرد الشهيرة، وأمير المرابطين يوسف بن تاشفين ( 410 - 500 هـ 1019 - 1106 م ) الذي أنقذ الأندلس في معركة الزلاقة، وأمير الموحدين يعقوب المنصور ( 554 - 595 هـ 1160 - 1198 م ) الذي قاد المسلمين في الأندلس وخاض معركة الأرك الحاسمة، ونور الدين زنكي ( الشهير بالشهيد ) ( 509 - 569 ه، 1115 - 1173 م ) الذي أعاد تنظيم المسلمين وحرر إمارة (الرها) من الفرنج، ووحد بلاد الشام ومصر ضد الفرنج الصليبيين، وصلاح الدين الأيوبي ( 532 - 589 ه،1137 - 1193م ) الذي اشتهر بمعركة (حطين) الخالدة وبتحرير القدس وكانت له وقائع كثيرة ضد الفرنج، ومن بعد المظفر قطز ( ت 658 هـ 1259 م ) الذي اقترن اسمه بمعركة عين جالوت وهزيمة المغول ( التتار )، والظاهر بيبرس ( 607 - 676 ه، 1210 - 1272 م ) الذي كان له دوره في طرد الفرنج من معظم بلاد الشام، وأمثالهم كثير، كانوا جميعا أعلاما في فن الحرب، وفي تطوير المذهب العسكري الإسلامي.
وبعدُ ؛ فما كان للمذهب العسكري الإسلامي أن يأخذ أبعاده الزمنية المستمرة، وخصائصه المميزة لولا تلك الجموع من المجاهدين في سبيل الله الذين تعاقبوا جيلا بعد جيل، وهم يتوارثون فضائل الجهاد ويلتزمون بفريضته، ويختارون الشهادة ابتغاء رضوان الله، وأملا في مثوبته، وتصديقا بوعده الحق. (( المذاهب العسكرية في العالم: بسام العسلي ص 31 وما بعدها ))
* ومما تتميز به العسكرية الإسلامية أيضا الإنسانية:
وأنسنة الحرب ـ( مصطلح استخدم في الأدبيات العسكرية، بمعنى: مراعاة العامل الإنساني في الحروب بما يخفف من آثارها التدميرية، ويتجنبها قدر الإمكان، ويعني فيما يعنيه: الالتزام بالاتفاقيات الدولية حول تجنب ايذاء المدنيين، وحسن معاملة الأسرى) ـ في الإسلام
بعد هجرة النبي للمدينة بدأت الحروب الإسلامية بمعركة بدر، ثم تتالت المعارك والغزوات بإشرافه وقيادته، فكانت تلك المعارك معيناً لا ينضب في ترسيخ مبادئ الإدارة العسكرية التي غدت منهاجاً حربياً لدى المسلمين.
وقد جمع الرسول كل الشمائل القيادية، والسياسية، والإدارية، والإنسانية؛ مستمداً إياها من الوحي الإلهي الذي يتنزل عليه. ومن إيمانه بالله تعالى الذي أعطاه القوة، والثبات، والشجاعة، ودرايته بمبادئ الحرب، والعلم العسكري، وكان وفياً لعهوده ومواثيقه، يعمل الفكر، ويستمحص الرأي؛ ليخلص إلى التخطيط الجيد، والتنظيم المثالي، ولم يرَ في الحرب أبداً وسيلة للسلطة، أو الانتقام؛ بل أرادها وسيلة لردع الطغاة، ونشر مبادئ العدل، والخير، والسلام، التي جاء بها الإسلام الحنيف، فنهج منهجاً يتجنب اللجوء إلى الحرب في حال وجود وسائل أخرى تؤدي الغاية التي من أجلها بعث إلى كافة الناس رسولاً ونبياً؛ ليبلغ دين الله تعالى؛ فإذا ما تحققت الغاية فيجب التوقف عن الحرب، وفي جميع الأحوال يجب أن تقتصر أعمال الحرب على المقاتلين، دون المدنيين، فكان أول من وضع مبادئ أنسنة الحروب التي فشلت المعاهدات الدولية، وجهود المنظمات الإنسانية المعنية في العصر الحديث فيها، ومن تلك المبادئ الإسلامية في أنسنة الحروب:
* الإنذار قبل القتال:
أدرك النبي ما للحروب من آثار تدميرية، فأوجب على المسلمين عدم قطع سبل تجنبها مهما كانت قوتهم، وضمانهم النصر على الأعداء، ومن هذه السبل: دعوة العدو وإنذاره قبل القتال؛ وفي الإنذار تخيير للعدو بين القبول بمطالب المسلمين أو القتال، فإن لم تُلَبَّ كانت الحربُ، وهو ما فعله المسلمون في سرية عبد الرحمن بن عوف، وسرية خالد بن الوليد إلى دومة الجندل، وإلى بني الحارث؛ وقد اتبع النبي التخيير مع أغلب أعدائه، وكان يميل إليه، ويحب أن يرى الناس كلهم قد دخلوا الإسلام بدون قتال (1).
وكان عليه الصلاة والسلام إذا أَمَّرَ أميراً على جيش، أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: "اغزوا في سبيل الله باسم الله، قاتلوا كل من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً... وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال: فأيتهن أجابوك فاقبل منهم وكُفَّ عنهم، اُدْعُهُم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا فأخبرهم أن يكونوا كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين..."(2) إلى آخر ما كان يوصي به النبي أمراء الجيوش، وقادة السرايا وكلها تنطلق من رغبته عليه الصلاة والسلام في أن يتجنب المسلمون الحروب ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، فإن خاضوها فلتكن بعيدة عن الحقد والتدمير، والإساءة للمدنيين، وبذلك كان من شرط الحرب: بلوغ الدعوة باتفاق، أي: لا يجوز حربهم حتى تبلغهم الدعوة، وذلك شيء متفق عليه عند المسلمين(3)، وقد أكد بعض الفقهاء على أن من لم تبلغه دعوة الإسلام يحرم على المسلمين قتاله غرّة وبياتاً ؛ ويحرم أن نبدأهم بالقتال قبل إظهار الدعوة دعوة الإسلام لهم(4)، وقد أوضح القاضي أبو يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة ذلك قائلاً: "لم يقاتل رسول الله فيما بلغنا قوماً قطُّ حتى يدعوهم إلى الإسلام"(5)؛ وقال الطبري: "أجمعت الحجة أن رسول الله لم يقاتل أعداءه من أهل الشرك إلا بعد إظهار الدعوة، وإقامة الحجة، وأنه كان يأمر السرايا بدعوة من لم تبلغه الدعوة"(6).
وقد حرص المسلمون على هذا المبدأ الإنساني حرصاً قوياً، وحافظوا على الوفاء به في كل قتالهم؛ بل صار شعاراً لهم؛ فكان نضالهم من أجل المباديء السامية التي جاء بها الإسلام؛ فحققوا الانتصارات المتتالية والكبيرة؛ مصرِّين في كل مرة على دعوة الأعداء إلى السلام، وتجنب الحرب بالدخول في الإسلام، أو الخضوع لسلطان المسلمين، والأمثلة أكثر من أن تحصى، منها: أن الرسول بعث إلى قريش أبا سفيان يدعوها إلى الإسلام يوم فتح مكة، رغم أن قريشاً كانت أول من عرف الدعوة الإسلامية، وعندما حاصر أحد الجيوش الإسلامية بقيادة سلمان الفارسي أحد القصور الفارسية؛ قال المسلمون له: يا أبا عبدالله، ألا ننهدُّ إليهم؟ فقال: دعوني أدعوهم كما سمعت رسول الله يدعو، فأتاهم فقال لهم: إنما أنا رجل منكم والعرب يطيعونني؛ فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا، وعليكم ما علينا؛ وإن أبيتم إلا دينكم تركناكم وأعطونا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، ورطن إليهم بالفارسية؛ فقالوا: ما نحن بالذي يعطي الجزية؛ ولكن نقاتلكم، فدعاهم ثلاثة أيام إلى مثل هذا، ثم قال: انهدّوا إليهم. فانهدّ المسلمون إليهم وفتحوا القصر(6).
ومن مباديء الحرب عند الرسول التي اتبعها المسلمون في سائر حروبهم: أنه لابد قبل الشروع في القتال بعد الإنذار من مضي ثلاثة أيام تكرر فيها الدعوة، ولا يجوز البدء بالحرب إلا في اليوم الرابع مالم يُعاجَل الجيش الإسلامي بالقتال، أو يكون الجيش قليلاً، ويخشى أن يقاتل، وهو مانص عليه أغلب الأئمة؛ بينما قال الشافعية: إن الإمام له الخيار بحسب المصلحة؛ إما أن يكرر الإنذار أو لا يكرره(7).
وقد يسأل السائل: ألا يشكل الإنذار، وتكرار الدعوة ثلاثة أيام إلغاء لعنصر المباداة والمفاجأة التي هي من أسباب تحقيق النصر في المعركة؟ ثم أليست مدة الإنذار والدعوة هي إفساح المجال للأعداء؛ كي يتجهزوا، ويتحصنوا، ويجمعوا قوتهم؛ ليواجهوا بها المسلمين؟
في الواقع أن هذا السؤال بحد ذاته دليل على المنهج الإسلامي في أنسنة الحروب؛ فالإنذار توجهه القوات الإسلامية للطرف المستهدف وهي في أوج قوتها، وبإمكانها أن تحقق النصر بدون اللجوء للإنذار والدعوة، ولكن بما أن الحرب ليست هدفاً بحد ذاتها، بل الهدف هو نشر المباديء الإسلامية، فيجب أن يسعى القائد العسكري المسلم إلى تجنب الحرب، وعدم الحكم بالغيب، فقد يقبل الأعداء بما يطلبه الجيش المسلم؛ وبذلك يتم حقن الدماء الإنسانية، سواء كانت من دماء المسلمين أو الأعداء باعتبار أن للإنسان قيمة كبرى في الشريعة الإسلامية، وهذا مبدأ عام في أنسنة الحروب؛ فإذا ما قامت الحرب بإصرار الأعداء على رفضهم للدعوة والإنذار فللجيش المسلم أن يمارسها بما يحقق النصر له مستعملاً كل الفنون الحربية، ولكن مع الاستمرار في تجنب استهداف المدنيين، والمنشآت، والممتلكات المدنية؛ إلا في حدود ما تقتضيه المصلحة.
* معاملة الأسرى:
منذ الحرب العالمية الأولى حتى اليوم فشلت الجهود الدولية في وضع أسس يتم تطبيقها في مجال معاملة الأسرى؛ فبقيت معاهدات لندن وجنيف حبراً على ورق، والحروب المعاصرة تكشف عن مجازر مهولة يتم ارتكابها بحق الأسرى، ومثالنا القريب: المقابر الجماعية التي تم الكشف عنها في البوسنة لآلاف المسلمين الذين أسرتهم القوات الصربية؛ وأغلبهم من المدنيين، ثم قامت بقتلهم بعد تعذيبهم بدون رحمة، وهكذا في كوسوفا، والشيشان، وأفغانستان، وفلسطين وغيرها، بينما يتفق المستشرقون المنصفون، والعلماء العسكريون على أن النبي كان أول من وضع أسساً إنسانية واضحة في معاملة الأسرى؛ فقد قبل الفداء من أسرى بدر؛ فمن لم يملك المال جعل فداءه أن يعلم عشرة من غلمان المسلمين، وفدى الأسيرين اللذين أُسِرَا في سرية عبدالله بن جحش.
لقد عامل الرسول الأسرى معاملة فيها رفق، وشفقة، وعناية، وإنسانية، وأوصى بهم خيراً، وعفا عنهم حين ظفر بهم، وأرخى وثاق أحدهم حين سمع أنينه، وكان نتيجة هذه المعاملة أن دخل أغلبهم في الإسلام؛ رغبة منهم في هذا الدين الجديد. ولقد حَضَّ القرآن الكريم على إطعام الأسير، وأوصى الرسول على إطعامه، فآثر المسلمون الأسرى على أنفسهم في الأكل، فكان عزيز بن عمير وهو أسير يأكل أطايب الطعام، أما الذين أسروه فيأكلون التمر وما تبقى، وكذلك فإن الأسير كان يُكسى الكساء المناسب؛ إذ أعطى النبي العباس قميصاً، وأعطى سفانة بنت حاتم الطائي كسوة ونفقة، ومنَّ عليها(8).
وكان لا يستكره الأسير على الإدلاء بالمعلومات العسكرية المحظورة، ولا يضربه إن أدلى بمعلومات كاذبة قاصداً بها خداع المسلمين، ولا يعذبه أبداً إن لم يدل على أسرار العدو، فإن أدلى بها فمن نفسه، وهذا السلوك الإنساني هو ما حاولت اتفاقية جنيف إلزام الجيوش به في العصر الحديث؛ إذ نصت اتفاقية لندن الموقعة عام 1954م على ضرورة عدم استخدام العنف، والإكراه، والتعذيب للحصول على معلومات عسكرية من الأسرى العسكريين، وجاء في المادة (14) من اتفاقية لاهاي لعام 1977م حول معاملة الأسرى العسكريين في الحروب ما يلي:
"يحق للجهة التي تأسر عسكريين أن تحصل على اسم الأسير، ورتبته، وتاريخ التحاقه بالخدمة العسكرية، ولا يحق للجهة الآسرة أن تحصل بالتعذيب، والإكراه، والتهديد، واستعمال العنف المادي والمعنوي على أية معلومات من الأسير تتعلق بأسرار الجيش الذي قاتل فيه..."(9)؛ ولكن بقي معظم هذه الاتفاقيات كلاماً نظرياً؛ في حين كان النبي أول من أحسن إلى أسرى حروبه، وكذلك فعل المسلمون من بعده في سائر حروبهم؛ مستمدين من تعاليم الإسلام العظيمة ما يفوق كل التنظيرات المعاصرة من اتفاقيات.
* الوفاء بالعهود:
ضمن منهجه العسكري الذي سعى إلى أنسنة الحروب ركز النبي على ضرورة احترام العهود والمواثيق؛ لما لهذا الاحترام من دور كبير في المحافظة على السلام وأهميته في فض المنازعات، وحل المشكلات، وتسوية الخلافات، وحقن الدماء، وما احترام العهود والمواثيق، والوفاء بها، وتحريم الغدر والخيانة إلا من أحكام الإسلام القطعية النافذة على الأفراد والجماعات، فقد أمر الله تعالى بها، فقال:" يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " {المائدة: 1}، وقال: "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا" {الإسراء: 34}. وقد عد الله سبحانه من صفات المؤمنين: رعاية العهد، فقال: "وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون" {النحل: 91}. وقال: "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون" {المؤمنون: 8}.
وقال النبي: "ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم؛ من إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان"(10).
وبذلك كان شرط الوفاء بالعهد من الدعائم الأولى التي حافظت على كيان المسلمين وهيبتهم، وأدام لهم عزّتهم؛ وليس هناك من قانون في الدنيا يجعل احترام العهد نابعاً من الإيمان والعقيدة مثل الإسلام، وقد قال النبي: "لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره"(11)، واعتبر الإسلام العهد اعتباراً تاماً، وأحكمه إحكاماً، حتى إن نقضه يعد من أكبر الإثم إلا أن ينقضه الطرف الآخر، أي المعاهد فيقابل بالمثل.
هذه التعاليم والأوامر حول الوفاء بالعهود التي طبقه، وأمر بها الرسول جعلت الثقة بالمسلمين في تعاملاتهم العسكرية كبيرة من قبل الأعداء والحلفاء، وتاريخ الفتوحات الإسلامية يوضح كيف أن كثيراً من الفتوحات تمت سلماً بعد أن أيقن الطرف الآخر أن الجيش الإسلامي حريص على احترام معاهداته، وعدم نقضها، حتى في الحالات التي يكون في نقضها تحقيق النصر السريع والحاسم له، فكان الطرف الآخر يدخلون في الإسلام طواعية، ويسلمون البلاد للمسلمين بعد أن تيقنوا بأن هؤلاء المسلمين لا يريدون الحرب، مع أنهم يمتلكون مقومات القوة فيها؛ بل يريدون السلم المبني على نشر مباديء الإسلام التي هي مبادئ الخير، والمحبة، والسلام.
إنها جوانب من أنسنة الحروب في الإسلام، كما طبقها الرسول والمسلمون من بعده، فقد بُعِثَ النبي للناس جميعاً، كما في قوله تعالى:" قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا" {الأعراف: 158}، وقوله تعالى: "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا" {سبأ: 28}. وقوله تعالى:" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" {الأنبياء: 107} لا يفرق بين أحد منهم إلا بالتقوى والعمل الصالح، فكانت حروبه كلها لغايات عالية؛ فلم تكن قاتلة تصيب البريء قبل المذنب كما في وقتنا الحاضر. ( موقع مجلة الجندي المسلم )
* نصائح المتخصصين:
لعلنا نلمح اليوم مدى تراجع الأمة الإسلامية على المستوى العسكري أو الحربي، وقد نجحت الحكومات العربية والإسلامية في وضع المتخصصين في هذا المجال في جو فكري معين يحمل في ثناياه تراجعاً في معنى الأمة والوحدة الإسلامية، ولكن يجب على المتخصصين أن يعيدوا -أولاً- معاني فقدوها على المستوى الفكري والعقدي هم في أشد الحاجة إليها الآن، فالمتخصصون العسكريون المسلمون عليهم العودة إلى نقطة البدء: لماذا نقاتل؟ لماذا نتعلم فنون الحرب؟ وأن يعيدوا الربط بين الهدف من العسكرية وبين مصالح أمتهم والتحديات التي تواجهها، وأن يتخلوا عن أفكار تحجم من دورهم..
وعلى المتخصصين العسكريين أيضاً أن يعيدوا نشاطات العرب والمسلمين إلى مستوى الابتكار والاختراع، فقد قَلَّ لدينا هذا النوع من العسكريين، وارتبط الجندي أو الضابط -فقط- بالعمليات العسكرية، لماذا لا يجتهد العرب في صناعة الأسلحة مرة أخرى؟ وفي إعادة روح الاختلاق والابتكار في هذا المجال مرة ثانية؟
لا ينكر أحد أننا في الإطار العسكري صرنا مستقبلين فقط لمخلفات اختراعات الحضارة الغربية بعد أن علمناهم صناعة البارود، والأسلحة النارية..
وعلى المتخصصين أيضاً أن يعيدوا ضرب الأمثلة البارعة في القيادة العسكرية، ولعلنا نجحنا بعض النجاح في هذا الإطار، ولكننا في حاجة أشد إلى ذلك، في حاجة إلى من يستكمل دورالشهيد عبد المنعم رياض والشهيد أحمد حمدي والصاغ محمود لبيب وكثيرين من القادة العسكريين الذين أرهقوا أعداءهم في العصر الحديث.
على المتخصصين العسكريين أن يعيدوا للعسكرية وضعها الصحيح، فَتَرَاجُعُ الأمة عسكرياً هي حقيقة مؤلمة عليهم أن يمحوها..
ظلت الاخلاق وستظل داعماً قوياً للجيوش ورمزاً طاهراً وعنواناً لطبيعة الجنود والقادة، ومن الأخلاق الرديئة التي سادت في جيوش أمتنا الإسلامية الأثرة والنظرة الشخصية، فعلى المتخصصين العسكريين أن يعيدوا معاني الإيثار والتضحية والفداء، فالناظر في شئون جيوشنا اليوم يجد الأفراد لا تبحث إلا عن مصالحها الشخصية والتقرب من القادة بغية ذلك. وأصبحت الجيوش في عالمنا العربي اليوم تدور حول شخص واحد، يسعى الكل من أجل إرضائه وكأن الجيش ملكية شخصية له، والكل يقبل بأي عيش وأي شأن من أجل رضا هذا الشخص عنه، ابتداءً من الجندي وانتهاء بأعلى الرتب، إن هذا الوضع يدفع الأمة نحو الاضمحلال بصورة أعمق مما هي عليه، يدفع الأمة إلى المزيد من انعدام الإرادة والحرية والكرامة. فإذا تَفَهَّم المتخصصون كل هذه المعاني، وعملوا على تعديل وضع جيوش الأمة بإعادة الإيثار ووضع مصالح الأمة في أعلى مقام، وإنزال الأشخاص منازلهم بلا مبالغة، والاقتداء بالنماذج العسكرية العظيمة من السابقين، عادت للأمة مكانتها العسكرية وسبقها الحربي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منقول من موقع : قصة الإسلام
 
التعديل الأخير:
رد: العلوم العسكرية في الحضارة الإسلامية

تعليقات المنصفين من الغربيين


أول ما يذكر في إطار تعليقات المنصفين من الغربيين في المجال العسكري هو تصريح جوانفيل، وهو فارس ومؤرخ الحملة الصليبية التي قادها لويس التاسع ضد مصر من عام (1249 ـ 1250م) حينما يقول: "وذات ليلة تقدم المماليك بآلة من الآلات الفظيعة المدمرة ووضعوها قبالة قاذفات الحجارة التي كان يحرسها في تلك الليلة السير والتردي كوريل وأنا. وقد اطلقوا من هذه الآلة كميات من النار الإغريقية غير أنها كانت أفظع ما رأت عيني على الإطلاق".. ثم يستطرد في جزء آخر من نفس التصريح قائل: لقد كانت هذه النار كالبراميل المشتعلة التي تجر من خلفها ذيلاً طويلاً، وأما الصوت الذي كانت تحدثه عند انطلاقها فكأنه الرعد "..
لعل هذا التصريح يقودنا إلى حقيقة استخدام العرب لأنواع من الأسلحة النارية التي لم يكن للغرب بها علم أو دراية، مما يشير إلى أسبقيتهم في هذا المضمار، فالتصريح يوضح استخدام العرب للبارود ولأشياء نارية صوتها كصوت الرعد، ونظراً لاقتصار علم جوانفيل بالناريات على النار الإغريقية لم يجد غيرها ليشبه أسلحة المصريين بها، إلا أن النار الإغريقية لا تحدث صوتاًَ كالرعد، مما يدل على تفرد العرب بهذه الأنواع من الأسلحة..
وهناك تصريح لجوستاف لوبون ينهي الجدل حول هذه القضية حيث يقول: إن البحوث التي أجراها رينو وفافييه، والتي سبقهم إليها سيري واندريه وفياردو، قد أثبتت بوضوح أن البارود ذا القوة الدافعة باعتباره مادة متفجرة تعمل على دفع القذائف، اختراع عربي أصيل لم يشارك العرب فيه أحد، لقد عرف العرب كيف يخترعون ويستعملون القوة الناشئة عن البارود، وهم ـ باختصار ـ الذين اخترعوا الأسلحة النارية..
أما على مستوى الحروب والفتوحات الإسلامية التي يتهمها الكثير من مناهضي الإسلام بالعنف والتعدي يقول عنها ر.نيكلسون: "لقد صحب هذا التوسع في الفتوحات الإسلامية نشاط فكري لا عهد للشرق بمثله من قبل، فقد لاح بأن الناس في العالم كله، ابتداء من الخليفة إلى أقل المواطنين قد أصبحوا طلاباً للعلم، أو على الأقل من مناصريه، وكان الناس يسافرون طلباً للعلم عبر القارات الثلاث، ثم يعودون إلى بلادهم وكأنهم نحل تشبع بالعسل؛ لينضموا بما جمعوا من محصول علمي ثمين إلى حشود من التلاميذ المتشوقين للعلم، وليؤلفوا بهمة عظيمة تلك الأعمال التي اتصفت بالدقة وسعة الأفق، والتي استمد منها العلم الحديث -بكل ما تحمل هذه العبارة من معاني- مقوماته بصورة أكثر فاعلية مما نفترض..
هذه هي الفتوحات الإسلامية التي يهاجمها الغرب ويعتبرها تعدياً حربياً على بلاد آمنة!!


* (( سلوك المجاهدين المسلمين في الحرب:

إن القواعد التي كان المجاهدون المسلمون يتقيدون بها في حروبه ضد أبناء الشعوب والأمم الأخرى لم تكن مجرد مبادئ أخلاقية عامة، أو وصايا تَلَقَّوها عن قادتهم وأمرائهم، وإنما كانت واجبات شرعية منصوصا عليها غالباً في القرآن والسنة، ويُعاقَب مخالفوها ليس من قبل رؤسائهم فقط، وإنما يتعرضون للعقاب في الحياة الآخرة؛ لأنهم خالفوا نصوصاً شرعية قطعية واردة في القرآن أو السنة أو في كليهما معاً.


وأهم القواعد الشرعية التي كانت تحكم سلوك المجاهدين المسلمين في هذا المجال هي التالية:



1)* قصر الحرب على رجال العدو والمحاربين فقط:

حيث يروى عن الرسول (ص) أنه قال موصياً زيداً بن حارثة لما أنفذه إلى مؤتة: "لا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً ولا فانيا ولا منعزلاً بصومعة" (14).
كما أوصى الرسول بعدم استخدام الجرحى في الحروب: "لا تقاتل بمجروح فإن بعضه ليس منه"، وكذلك بعدم التعرض بالأذى لعمالة الزراعة والأطفال وذلك بقوله: "لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً" ، علماً بأن الذرية هم الأولاد، والعسيف هو العامل الذي يفلح الأرض ويزرعها. وأما بالنسبة للنساء فقد أمر الرسول بعدم التعرض لهن إلا إذا حملن السلاح في وجه المسلمين، حيث إن الرسول عندما رأى جثة لامرأة قتيل من المشركين قال لائماً من قتلها أو أذن بقتلها: " ما كانت هذه لتقاتل".


2)* خوض المعارك بروح إنسانية:

حيث لا يجوز القتل إلا لسبب شرعي كما هو ثابت من نص الآية الكريمة: " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلك وصاكم به لعلكم تعقلون" (15). ويجب أن يكون القتل الشرعي ضمن أفضل الطرق وأكثرها إنسانية نزولا عند حكم الحديث الشريف" " إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة"، وعلى هذا يمنع التعذيب حتم:
، وكذلك التمثيل بالجثث؛ وذلك احتراماً لقدسية الميت وإنسانية الإنسان، حيث يُروَى عن الرسول (ص) أنه قال:" إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور".
والمعتقَد أيضاً في رأي أغلبية الفقهاء أن إحراق الجثث بالنار أمر يتنافى مع الإسلام؛ لأنه تقليد من تقاليد الوثنية، ولا يستثنى من ذلك العمل إلا الحالة التي تستوجب المصلحة العامة، كما في حالة الخوف من تفشي مرض الطاعون مثلاً. وعموماً يجب احترام إنسانية الإنسان وكرامته تنفيذاً لنص الآية: "ولقد كرمنا بني آدم..." (16) حيث يقول الإمام الفخر الرازي في شرح هذه الآية: "النفس الإنسانية أشرف النفوس في هذا العالم، والبدن الإنساني أشرف الأجسام في هذا العالم" (17).



من العسكريين في العصر الحديث
* اللواء الركن محمود شيت خطاب:
ولد العلامة المجاهد محمود شيت خطاب في مدينة الموصل الحدباء سنة 1338هـ 1919م من أبوين عربيين، أبوه من قبيلة الدلم - فرع الصقور وأمه ابنة الشيخ مصطفى بن خليل قرة مصطفى وكان من علماء الموصل المشهورين بعلمهم وورعهم، كفلته جدته بعد أن استاثر أخوه الذي يصغره سنا بحنان أمه؛ فعاش في كنف الجدة المتدينة، فقرأ القرآن على يدي أحد المشائخ، ودرس علوم التفسير والحديث والفقه على يدي علماء الموصل، وكان يحضر مع والده مجالس الحي والأعيان التي يُقَصُّ فيها الكثير من الأخبار والعلوم والثقافة؛ فتاثر بذلك تاثرا كبير، أدى فريضة الحج وله من العمر خمسة عشر عام.
أكمل تعليمه الثانوي، ثم انتقل إلى بغداد وبدأ بالتعرف على معالمها لأول مرة فكان اسمه على رأس من أُعْلِن قبولهم كطلاب في الكلية العسكرية سنة 1937م وتبدأ رحلته في السلك العسكري.
* وقد حصل على الشهادات التالية:
الليسانس من الكلية العسكرية العراقية عام 1938م
الماجستير من كلية الأركان والقيادة عام 1948م
شهادة دراسات عسكرية عليا من كلية الضباط القدمين العراقية 1954م
دبلوم دراسات عليا من بريطانيا 1955م
حصل على 24 دورة تدريبية داخل وخارج العراق
إن استمرار صاحبنا في السلك العسكري هذه المدة الطويلة أمر يثير العجب والدهشة ذلك أن من يعرف واقع كثير من الجيوش العربية في ظل الأنظمة الاستعمارية والعلمانية والحزبية يقدر مدى الصبر والمعاناة والمرارة التي عاشها ضابط بإسلامه وعقيدته، مستقيم في سلوكه، معتز بدينه منذ كان شاب.
ذلك أن القائمين على تلك الجيوش فرضوا على عناصرها الكفر والإلحاد والاستهزاء بالدين، كما فرضوا عليهم كافة أنواع الفساد والمحرمات من خمر وزنا وغيرها.. وما نجا من ذلك إلا القليل ومن اكتُشف منهم أُبعد وطرد لأنه في نظرهم يمثل خطرا عليهم وعلى أمن البلاد
ويحدثنا عن ذلك فيقول:
تتابعت أسئلة قائد السرية التي انتسب اليها في أول لقاء به: هل تعاقر الخمر؟ هل تلعب الميسر؟ هل تغازل الغيد الحسان؟
وتكرر جوابي على أسئلته المتكررة بالنفي.
فغضب وقال: لماذا أصبحت ضابط؟!!
ولماذا لا تموت فالموت أفضل من الحياة؟!!!!
ولكنه لم يستغرب ذلك لأن الجميع على هذه الشاكلة وبعد ذلك حاول معه قائد الكتيبة وهو برتبة عقيد أن يشرب الخمر في احتفال كبير أمام الحضور فقال له- وقد أقسم عليه أن يشرب الكاس- قال له: إنني أطيعك في تنفيذ أوامرك العسكرية، وأطيع الله في أوامره فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق! إنك تحمل فوق كتفيك اثنتي عشرة نجمة؛ فانظر إلى سماء الله لترى كم تحمل من نجوم.
وبهت القائد وردد: السماء.. السماء.. نجوم السماء
وقد صمم ليثبت للجميع أن التدين ليس تخلفا
فبدأ العمل الجاد الدؤوب في جميع أعماله التي توكل اليه حتى أثبت للجميع أنه محل الثقة والتقدير من خلال أعماله وحتى أصبحت الوحدات التابعة له مثلا يحتذى به
يقول: (( بهذا الجهد الجهيد استطعت تكذيب ما أُلصق بالمتدينين من التهم الباطلة، واستطعت الاستحواذ على ثقة قادتي وجنودي، وتسنم مناصب عسكرية لا يحلم بها أحد من زملائي في الرتبة والقدم

(( وتأتي ميزة الكاتب اللواء الركن محمود شيت خطاب، الذي قدم للمكتبة
الإسلامية نحو مائة وستة وعشرين كتاباً و بحثاً بجهوده الفردية في هذا المجال، وذلك ما لم
تستطع تقديمه كثير من المؤسسات والجامعات والجماعات...
لقد بدأ خطوة رائدة على طريق تدوين سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم،
وسير قادة الفتح الإسلامي من خلال تصور إسلامي واضح لعوامل النصر والهز يمة المادية
والمعنوية، و تخصص عسكري رفيع، ولغة عربية مطواعة.
اللواء الركن محمود شيت خطاب من العسكريين الذين نعتز بهم؛ لأنه أبى السقوط في تربية الاستعمار والتزام مناهجه.
تتميز كتاباته بأنها ليست كتابات تراثية فقط، يعيش فيها الماضي دون أن يكون قادراً على التعامل مع الواقع الحاضر ومتابعة رحلة المستقبل من خلال رؤياه الإسلامية )) من كتاب العسكرية العربية الإسلامية
تولى منصب الوزارة في عهد عبد السلام عارف بعد انقضاء حكم عبد الكريم قاسم،
ثم قدم استقالته ليتفرغ للعلم والتعليم بعد أن عرضت عليه الوزارة عدة مرات فرفضها ليتفرغ لبحوثه ودراساته وللتأليف والتدريس في المدارس والجامعات والمعاهد العسكرية،
وقد اختير لعضوية عدد من الهيئات والمجامع العربية والإسلامية منها:
المجمع العراقي العلمي، ومجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، والمجلس التأسيسي لرابطة العالم الاسلامي، ومجمع اللغة العربية في دمشق، ومجمع اللغة العربية في الأردن، والمجلس الأعلى للمساجد، ومجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة. توفي عام 1419هـ 1998م، رحمه الله رحمة واسعة.


* الشهيد البطل: أحمد عبد العزيز
* (( المولد والنشأة " إسلام أون لاين "
في مدينة "الخرطوم" وُلِدَ "أحمد عبد العزيز" في (18 من جمادى الآخرة 1325هـ = 29 من يوليو 1907م) حيث كان يعمل أبوه ضابطا بالجيش المصري في السودان، ولا يُعرف كثيرٌ عن حياته الأولى، لكنه نشأ في بيت يمتلئ بالوطنية، ويعتز بالكرامة؛ فقد كان أبوه ضابطا وطنيا أبيَّ النفس، وقف مع الشعب في أثناء ثورة 1919، ودفع جنوده إلى المشاركة في المظاهرات التي كانت تموج بها شوارع القاهرة، وسمح لهم بالخروج من ثكناتهم العسكرية إلى ميدان "عباس" ليحرسوا مواكب الحرية وحشود الاستقلال، وكان هذا الموقف الكريم سببا في غضب الإنجليز عليه، فَفُصِل من الجيش، وفي مثل هذا الجو الكريم والحياة الأبية نشأ "أحمد بن عبد العزيز" محبا لوطنه، مغرما بحياة الجندية؛ فاتجه بعد تخرجه في المدرسة الثانوية إلى الكلية الحربية تلبية لنداء نفسه، وتخرج فيها سنة (1347هـ = 1928م)، ثم الْتحق بسلاح الفرسان، وكان بطلا في أعمال الفروسية ومن أبطالها المعروفين في مصر، ثم قام بتدريس التاريخ الحربي في الكلية الحربية.
وعُرِفَ "أحمد عبد العزيز" بين زملائه وتلاميذه بالإيمان العميق، والأخلاق الكريمة، والوطنية الصادقة، وحب الجهاد، والشغف بالقراءة والبحث، وزادته الفروسية نبل الفرسان وترفعهم عن الصغائر، والتطلع إلى معالي الأمور.
* التضحية بوظيفته العسكرية
بعد قرار التقسيم وانتهاء الانتداب البريطاني في (5 من رجب 1367هـ = 14 من مايو 1948م) تمكنت العصابات اليهودية في فلسطين من تسليح أنفسها وشنّ هجمات على الفلسطينيين العزل المجردين من السلاح، وارتكبت مذابح عديدة ضدهم، وهو ما أثار غضب العرب والمسلمين، وأشعل جذوة الإيمان في النفوس؛ فتداعوا إلى الجهاد وحمل السلاح دفاعا عن إخوانهم، ونصرة لدينهم وبدأت بعض الأحزاب والجماعات تنظيم عملية التطوع وإقامة المعسكرات للتدريب على السلاح.
كان أحمد عبد العزيز واحدا ممن حملوا الدعوة إلى الجهاد، وتنظيم الأفراد المتطوعين، وقام هو بالتدريب والإعداد، وبدلا من أن يلقى دعما رسميا من الدولة فوجئ بمن يخيره بين ترك وظيفته في الجيش -وكان برتبة مقدم- أو ترك عمله التطوعي والبقاء في الجيش قائلا له: "إذا أردت الجهاد فلتحل إلى الاستيداع"، فأجابه دون تردد: "ورتبتي أتنازل عنها إذا تطلب الأمر، ما دام في ذلك مصلحة البلاد".
* قيادة كتائب المجاهدين
بدأ "أحمد عبد العزيز" العمل على الفور، واستقبل المتطوعين في معسكر "الهايكستب"، وتولى تدريبهم وإعدادهم، واعتمد في تسليحهم على ما أمدّته به قيادة الجيش من مدافع خفيفة وأسلحة وبقدر من الذخائر بعد أن ألح في الطلب، واتخذ كل وسيلة لإقناع المسؤولين بأهمية تزويد المتطوعين بالسلاح، كما اعتمد على ما جمعه من المتطوعين من الأسلحة التي خلَّفتها الحرب العالمية الثانية؛ فأصلح ما يُمكن إصلاحه منها.
وبعد أن اطمأنَّ على عملية التدريب تجهز للرحيل إلى فلسطين، وشاركت قوات "جماعة الإخوان المسلمين" التي كان الشيخ الشهيد "محمد فرغلي" موجهها الديني.
* الطريق إلى فلسطين
وعلى أبواب فلسطين وقبل أن تبدأ عمليات الجهاد أخذ "أحمد عبد العزيز" ينظم جنوده، ويرتب لهم أعمالهم، ويراجع معهم الخطط والمهام، ثم بدأ في تهيئتهم وإعدادهم نفسي، وبثِّ الثقة والإيمان في نفوسهم، وكتب لهم بيانا جاء فيه: "أيها المتطوعون، إن حربا هذه أهدافها لهي الحرب المقدسة، وهي الجهاد الصحيح الذي يفتح أمامنا الجنة، ويضع على هاماتنا أكاليل المجد والشرف؛ فلنقاتل العدو بعزيمة المجاهدين، ولنخشَ غضب الله وحكم التاريخ إذا نحن قصرنا في أمانة هذا الجهاد العظيم".
وحاول القائد أن يدخل جنوده فلسطين، فرأى الطريق العام لدخولها مُقفلا؛ إذ كانت تسيطر عليه القوات الإنجليزية، فلم يُوهِنْ ذلك من عزيمته، وسلك طريقا آخر صعبا ووعرا مكَّنه من الوصول إلى مدينة "خان يونس" إحدى مدن قطاع غزة، وهناك وجد مستعمرة لليهود حصينة منيعة، اتُّخِذت مركزا للعدوان على الفلسطينيين؛ ففاجأهم بهجوم خاطف زلزل قلوب اليهود، وألقى الفزع والهلع في نفوسهم، فخرجوا فارين يطلبون النجاة بعد أن ظنوا أن حصونهم مانعتهم من الخطر والتهديد.
* طريق النصر
كانت البداية موفقة زادت المجاهدين ثقة وإيمانا، وتطلعوا إلى عمليات جديدة وضربات موجعة، فتوجهوا إلى مدينة "دير البلح"، وكان لها أهمية خاصة؛ حيث تتحكم في طرق الاتصال بين "غزة" و"خان يونس"، فرسم "أحمد عبد العزيز" خطة للهجوم عليها، فحاصرها حصارا شديدا، وبعث اليهود إليها بمصفحات لإنقاذها وفك حصارها، فلما ترامت هذه الأخبار إلى "أحمد عبد العزيز" استعد لتلك المصفحات وفاجأها بمجموعة فدائية كمنت لها في الطريق، ورمَتْها بقذائف متتابعة نجحت في القضاء عليها، وفي الوقت نفسه كانت القوات الأخرى للفدائيين تضرب مستعمرات اليهود بكل ضراوة وبسالة حتى تمكنوا من دخول المدينة، وتطهيرها من العصابات اليهودية.
ولما بدأت قوات الجيش المصري الرسمية تتقدم إلى فلسطين عرضت على "أحمد عبد العزيز" العمل تحت قيادتها، فتردد في قبول العرض، واحتج بأنه يعمل مع جماعات المتطوعين الذين لا يلتزمون بالأوضاع العسكرية التي يلتزم بها الجيش النظامي، ثم قَبِلَ في آخر الأمر أن يتولى مهمة الدفاع عن منطقة "بئر السبع" ولا يتجاوزها شمالا؛ وبذلك يتولى عبء حماية ميمنة الجيش المصري والدفاع عن مدخل فلسطين الشرقي.
* التمركز في بئر السبع
ولما وصل "أحمد عبد العزيز" إلى "بئر السبع" اتخذها مقرا له، وبدأ في توزيع قواته على المنطقة المحيطة بها، فاحتلت "العوجة" و"العسلوج"، ثم اتجه على رأس قوة من قواته مُدعما بمتطوعي "جماعة الإخوان المسلمين" إلى "بيت لحم" للدفاع عنها وعن مدينة الخليل أمام هجمات العصابات اليهودية التي اتخذت من مستعمرة "رامات راحيل" مركزا للهجوم، وكانت تقع على ربوة عالية تمكن المدافعين عنها من مراقبة تحركات القوات العربية الموجودة في "بيت لحم"، وكان الجيش الأردني مسؤولا عن الدفاع عنها.
ولتأمين مدينة "بيت لحم" كان ينبغي اقتحام هذه المستعمرة، وتكررت محاولات "أحمد عبد العزيز" للاستيلاء عليها حتى كلَّل الله عمله بالنجاح بعد هجوم كثيف وتضحيات كبيرة، فوقعت في قبضته في (17 من رجب 1367هـ = 26 من مايو 1948م).
* قبول الهدنة
وفي الوقت الذي كان فيه المجاهدون يوجهون ضربات موجعة لليهود ومستعمراتهم قبِلَت الحكومات العربية التي تشارك بجيوشها في فلسطين قرار الهدنة، ووقف إطلاق النار لمدة أربعة أسابيع تبدأ من (13 شعبان 1367هـ = 11 من يونيو 1948م)، وجاء قبول الهدنة ليزيد القضية الفلسطينية تعقيدا؛ حيث مكَّنت الهدنة اليهود من جلب الأسلحة الثقيلة وإدخال سلاح الطيران، واحتلال قرى ومدن جديدة، على حين كانت القوات العربية ينقصها العتاد والسلاح والقيادة الصالحة، وتفتقد الحزم والانضباط.
وكان يمكن للدول العربية -لو أرادت- أن تمدّ المجاهدين في فلسطين بالعتاد والسلاح والمال والمتطوعين قبل انتهاء الانتداب البريطاني، وكان هذا يكفي لأن يحول دون تمكين اليهود من وضع أيديهم على البلاد؛ فإن المجاهدين هناك قاوموا الانتداب البريطاني واليهود معا سنين عديدة من قبل، ولو أنهم لقوا العون من الدول العربية دون إعلانها الحرب لكان هذا كافيا لمنع اليهود من إنشاء دولتهم.
استغل "أحمد عبد العزيز" فترة الهدنة في جمع قواته وحشدها في "بيت لحم"، وتحصين المدينة وإقامة خط دفاعي حولها.
* استشهاد البطل
وبعد انتهاء الهدنة الأولى عادت الاشتباكات مرة أخرى، ونشط الفدائيون والمتطوعون وكتائب الجيش لضرب اليهود ضربات قاصمة، ولم يستمر ذلك طويلا؛ فقد أُعيدت الهدنة مرة أخرى في (1 من رمضان 1367هـ = 8 من يوليو 1948م)، وعلى الرغم من ذلك فإن اليهود لم يلتزموا بقرار الهدنة؛ فكانوا يخرقونها بعمليات عسكرية ما دامت في صالحهم.
وفي (16 من شوال 1367هـ = 22 من أغسطس 1948م) دُعي "أحمد عبد العزيز" لحضور اجتماع في "دار القنصلية البريطانية" بالقدس لبحث خرق اليهود للهدنة، وحاول اليهود معه أن يتنازل لهم عن بعض المواقع التي في قبضة الفدائيين، لكنه رفض، وأصر على الاحتفاظ بها.
وفي مساء اليوم نفسه اتجه إلى "غزة" حيث مقر قيادة الجيش المصري؛ لينقل إلى قادته ما دار في الاجتماع؛ وكانت منطقة "عراق المنشية" مستهدفة من اليهود يستغلون ظلام الليل للهجوم عليها، فكانت ترابط بها كتيبة عسكرية لديها أوامر بضرب كل عربة تمر في ظلام الليل؛ فلما اقتربت سيارة "أحمد عبد العزيز" من تلك المنطقة ظنها أحد الحراس من سيارات العدو، فأطلق عليها الرصاص، فأصابت إحداها "أحمد عبد العزيز" فاستُشهد في الحال، واستقبل الناس خبر استشهاده بكل أسى وحزن وخسرت ميادين الجهاد في فلسطين قائدًا عظيما ومجاهدا مؤمنا ))

* القائد المهندس يحيى عياش: " المركز الفلسطيني للإعلام "

(( ترجع شهرة المهندس يحيى عياش خريج قسم الهندسة الكهربائية في جامعة بيرزيت إلى نجاحه في تصنيع المتفجرات التي استعملتها كتائب عز الدين القسام في عملياتها ضد إسرائيل محليا، وبالتحديد من المواد الكيماوية المتوفرة في الصيدليات ومحلات بيع الأدوية والمستحضرات الطبية، وبذلك حل إشكالية كبيرة كانت تتمثل في شح الإمكانات لدى المقاومة الفلسطينية.
وفي عام 1990 تمت العملية الأولى التي جرب فيها يحيى عياش أسلوبه الجديد وذلك بتجهيز سيارة مفخخة حاول تفجيرها في "رامات إفعال"، ومنذ تلك اللحظة بدأت أجهزة الأمن الصهيونية تطارده لعدة سنوات استطاع خلالها تكبيد إسرائيل خسائر كبيرة في الأرواح بسبب عمليات التفجير الفدائية التي تخصص فيها.
ويوم 5 من يناير/ كانون الثاني 1996 نجحت (إسرائيل) في اغتياله بواسطة هاتف نقال مفخخ استطاعت أجهزة الأمن الصهيونية تسريبه إليه عن طريق أحد العملاء في غزة، ففارق الحياة عن عمر يناهز 30 عاما
* بداية العمل العسكري في حياة القائد الشهيد
ترجع بدايات المهندس مع العمل العسكري إلى أيام الانتفاضة الأولى وعلى وجه التحديد عامي 1990-1991م إذ توصل إلى مخرج لمشكلة شُحِّ الإمكانات المتوفرة وندرة المواد المتفجرة وذلك بتصنيع هذه المواد من المواد الكيماوية الأولية التي تتوفر بكثرة في الصيدليات ومحلات بيع الأدوية والمستحضرات الطبية فكانت العملية الأولى بتجهيز السيارة المفخخة في رامات إفعال وبدأت إثر ذلك المطاردة المتبادلة بين يحيى عياش والاحتلال الصهيوني وأجهزته الأمنية والعسكرية
إذ قدر الله سبحانه وتعالى أن يكتشف العدو السيارة المفخخة في رامات إفعال بطريق الصدفة، وبعد تحقيق شديد وقاس مع المجاهدين اللذين اعتقلا إثر العثور على السيارة المفخخة طبعت الشاباك اسم يحيى عبد اللطيف عياش في قائمة المطلوبين لديها للمرة الأولى.
يعتبر يوم الأحد 25 من نيسان أبريل 1993م بداية المطاردة الرسمية ليحيى عياش ففي ذلك التاريخ غادر المهندس منزله ملتحقا برفاق الجهاد والمقاومة، وفي مساء ذلك اليوم داهمت قوات كبيرة من الجيش والمخابرات المنزل، وقامت بتفتيشه والعبث بالأثاث وتحطيم بعض الممتلكات الشخصية للمهندس، وبعد أن أخذ ضباط الشاباك صورة الشهيد جواد أبو سلمية التي كان المهندس يحتفظ بها توجه أحدهم إلى والده مهددا "يجب على يحيى أن يسلم نفسه وإلا فإنه سيموت وسوف نهدم المنزل على رؤوسكم" وتواصلت المداهمات والاستفزازات من قبل جيش الاحتلال وأجهزته بهدف إشاعة جو الخوف والرعب بين العائلة القروية اعتقادا بأن ذلك يؤثر في معنوياتهم، ويثني المهندس عن مسيرته المباركة ولكن هيهات لهم ذلك فقد واصل المهندس طباعة عناوين المجد والحرية وأعاد للحياة الفلسطينية طعمها. وخلال ثلاث سنوات كان الشهد لفلسطين والعلقم لبني صهيون، وخاب ظن سلطات الاحتلال وأجهزتها القمعية التي حصدت الفشل في مخططاتها وتخبطت في رحلة البحث عن المهندس بينما وقفت أم يحيى في فخر واعتزاز تواجه محققي الشاباك وجنود الاحتلال حيث نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية والتي رافقت قوات الجيش التي داهمت منزل العائلة بعد عملية البطل (صالح صوي) في تل أبيب عن أم المهندس: "لقد تركنا جميعا دون أن نشبع منه، ومنذ أن أصبح يحيى مطلوبا فإنه لم يعد ابنالي إنه ابن كتائب عز الدين القسام"
* معالم وعبر من حياة واستشهاد القائد الشهيد يحيى عياش:
* أولا: قاعدة عقائدية وإيمانية
البيئة العقائدية والإيمان الراسخ في أعماق النفس البشرية هي التي تبدع وتفرز ظاهرة الرجال المستعدين للموت في سبيل الله ومن خلال تجذر هذه الأصول وصلابة حاملها تنفجر مدخرات الطاقة في خلايا الجسم، ويتألق كل ما أودعه الخالق سبحانه وتعالى في هذه النفس من خلق وتجرد وإخلاص وصدق وتوكل وغيرها من خصائص الشهادة ومعاني البقاء والاقتداء.
ولئن غادرنا المهندس بعد نجاحه في الوصول إلى قمة هرم الصاعدين وانتصاره في مسيرته الحياتية نحو الخلود فإننا ما زلنا نمتلك التمسك بمبادئه وثوابته وتجربته التاريخية الزاخرة بمدلولات تبشر بدروس من السهل الاقتداء بها وتقليد العملاق الخالد على أرض فلسطين وتكرار مسيرته والتبشير بقدرات الأمة على إنجاب العظماء وصنع المستقبل المشرق ونستطيع في أن نورد إضاءات من القاعدة العقائدية والإيمانية التي حملت أعمدة العملاق الخالد لتكون ألوية رشد وهداية يقتدي بها السائرون.
1- امتزاج الورع والتقوى بصفاء الروح وبساطة النفس إذ أن يحيى كان ملتزما ومطيعا لله فيما أمر به أو نهى عنه وهذا المفهوم لمعنى التدين ظهر عند المهندس من خلال إكثاره من قراءة القرآن الكريم وتلاوته وحفظه، ومن هنا يظهر لنا سبب إصراره بعناد وإقدامه الذي لم يعرف التردد في مسيرة الجهاد رغم تفوق العدو وقسوته.
2- الجدية في الحياة وصلة الرحم وحب الناس وأداء الواجب، وهذا لا يعنى أن الشهيد لم يكن صاحب مزاح أو مرح نظيف، وإنما كان يتجنب الصخب، ويبتعد عن الأجواء الملوثة.
3- توجيه وتكريس الحياة الدنيا لعمل الخير واعتبار ذلك وسيلة لبلوغ رضوان الله، ومن هنا كان عطوفا على الناس يقدم المساعدة التي يقدر عليها لكل من يلجأ إليه.
4- التسامح سمة من سمات المهندس في علاقاته سواء في البيت أو القرية أو الجامعة إذ كان يسامح من يسيء له ولم يحمل حقدا على أحد حتى لو أساء إليه.
5- الهدوء والاتزان وعمق التفكير وكأنه كان يحلق في آفاق البحث عن رضوان الله مما ساقه إلى مبتغاه مع الأنبياء والصديقين والشهداء.
6- لم يكن للذاته نصيب من الدنيا ومتاعها إذ عرف عنه عفة اليد والزهد لا يبتغي سوى مرضاة الله وعندما قامت الحركة بإرسال مبلغ من المال لإعانته على شئون عائلته أرسل إلى قيادته معاتبا: "بالنسبة للمبلغ الذي أرسلتموه فهل هو أجر لما أقوم به؟ إن أجري إلى على الله أسأله أن يتقبل منا فإن هدفي ليس ماديا ولو كان كذلك لما اخترت هذا الطريق فلا تهتموا بي كثيرا واهتموا بأسر الشهداء والمعتقلين فهم أولى مني ومن أهلي"
ولأنه لا يريد سوى مرضاة ا لله وجنته فقد عمل الشهيد البطل بصمت في الخفاء مستعليا على شهوات النفس والأضواء ووسائل الإعلام مما زاد في قدرته على المواجهة وإفشال عمليات الاستفزاز والاستدراج. وكل ذلك يفصح عن وعي عميق بطبيعة المعركة ومتطلباتها وعن التجرد والإخلاص للهدف والقضية، ولئن أحب يحيى العمل الجهادي بطريقة عاصفة ملكت عليه كل جوارحه مؤثرا أن تتحدث عنه أعماله لا أقواله باعتبار أنه يمثل حركة وتاريخ وليس نفسه فقط إلا أنه لم يكن يحب تضحيم الأمور ودوره ويرجع الفضل دائما إلى رب العزه سبحانه مرددا وبشكل دائم الآية الكريمة: "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى"
* ثانيا: السرية والكتمان
يعد هذا الأمر من الأمور البدهية في حياة المهندس وأبجدية مهمة من أبجديات العمل استهداء بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان" فقد عمل المهندس وكتائب الشهيد عز الدين القسام بطريقة سرية منظمة جعلت من مخططات أجهزة الأمن والاستخبارات الصهيونية لاختراق بنية الجهاز العسكري ومحاولات رصد عملياته قبل وقوعها أمرا في غاية الصعوبة. فالجهاد مرصود وإجهاضه استراتيجية صهيونية وعالمية خاصة بعد أن أصبح الإسلام هو العدو الأول لمعسكر النظام العالمي الجديد ،وأدواته، وفي حالة الشهيد القائد تتجاوز طبيعة السرية والكتمان الحدث الطاريء أو الحاجة الآنية لتصبح خلقا راسخا وعادة متمكنة.
* ثالثا: التخلص من أعين الأعداء:
إن براعة المهندس الفائقة "بفضل الله ورعايته" في مواجهة مطارديه، وعبقريته في التخفي والمراوغة، والإفلات من الكمائن التي كانت تنصب له من قبل عدة آلاف من جنود الوحدات الخاصة المختارة من الجيش الصهيوني، وقوات حرس الحدود والشرطة، بالإضافة إلى عدة مئات من أفراد جهاز المخابرات العامة (الشاباك)، ووحدات استخبارية عسكرية خاصة كُلفت بالمشاركة في أوسع حملة مطاردة تنظمها الدولة العبرية في تاريخها جعلت ملاحقيه يطلقون عليه لقب "العبقري" و"كارلوس الثعلب" و"الرجل ذو ألف وجه"، وينسبون إليه صفات الرجل المقدس، والإنسان الذي يمتلك سبعة أرواح، ومن يرى ولا يُرى، وهي أمور حاولت أجهزة الأمن والاستخبارات الصهيونية إخفاء عجزها وراءها؛ فقد بحثت سلطات الاحتلال عن المهندس طوال أربع سنوات وخلال تلك المدة استمر القائد في عملياته بدون توقف أو هدوء؛ فجند الخلية تلو الأخرى، وبعث فيها روح المبادرة والنشاط بعد كل ضربة كان الصهاينة يوجهونها للمجموعات الجهادية، وبعد كل عملية تعترف سلطات الاحتلال بأن حتى أخباره تختفي اختفاء متقنا مما أصاب قيادة الشاباك في حيرة إزاء لغز المهندس.
وإن نجاح المهندس في الوصول إلى قطاع غزة يعتبر في حد ذاته ضربة قاسية للكيان الصهيوني جعلت اسحق رابين في اجتماع القيادة المشتركة للأجهزة الأمنية الصهيونية يضرب الطاولة بغضب شديد مطالبا بتفسيرات واضحة حول الكيفية التي استطاع المهندس خلالها أن يتجاوز آلاف المخبرين الصهاينة الذين كانوا يطاردونه وتضليل أجهزة الأمن الصهيونية.
* رابعا: جهاد، نصر أو استشهاد
البعد الآخر في شخصية يحيى عياش أو المهندس يتمثل في إصراره على مواصلة العمل والنشاط، واستعداده الدائم للاستشهاد والموت في سبيل الله، ورفض الخروج أو الهرب خارج فلسطين المحتلة على الرغم من إمكانية ذلك؛ فالرجل الذي أرعب قيادات الاحتلال وجنوده ومستوطنيه وجعلهم يحفظون صورته عن ظهر قلب ويعلقونها في مكاتبهم، كان يدرك أن لكل أجل كتاب وكان هذا الإدراك بمثابة زاد لهذا المؤمن المجاهد على مواصلة الجهاد وتوريث خبرته وعلمه لإخوانه؛ ولهذا كان وجه يحيى يحمر غضبا حين يحدثه إخوانه عن مغادرة الوطن لفترة ويرد عليهم: "مستحيل؛ فقد نذرت نفسي لله، ثم لهذا الدين إما نصر أو استشهاد، إن الحرب ضد الكيان الصهيوني يجب أن تستمر إلى أن يخرج اليهود من كل أرض فلسطين."
* توقيت جريمة الاغتيال:
لنحو أربع سنوات وضع إسحق رابين -الذي تعامل مع المهندس بصفته خصما له- ملف تصفية القائد القسامي على رأس أولويات حكومته السياسية والأمنية، ولكن إحدى مفاجآت هذا الملف كانت في مقتل رابين على أيدي متطرف يهودي قبل أن تتمكن أجهزة الاستخبارات الصهيونية من اغتيال المهندس؛ وبذلك أضيفت فضيحة أخرى لملفات تلك الأجهزة التي كانت تصورها الدعاية الصهيونية بأنها أجهزة خارقة تكتشف الأحداث قبل وقوعها وتستطيع الوصول إلى ما تريد بأقل جهد وأسرع وقت، وكان لاهتزاز ثقة الشارع الإسرائيلي بتلك الأجهزة آثار مقلقة على القيادات الأمنية والعسكرية فلا هي تمكنت من حماية رئيس الوزراء وأهم شخصية لديهم ، ولا استطاعت القبض على عدوها الأول أو قتله وهو الذي أثار الهلع في قلوب الصهاينة المحتلين، وللخروج من حالة انعدام الوزن الذي أوقف أجهزة الأمن الصهيونية على حوافرها كان لابد من القيام بفعل خارق يعيد الاعتبار لتلك القيادات داخل المؤسسة السياسية والأمنية في الدولة الصهيونية، ولعل هذا ما يفسر رفض شمعون بيريز استقالة الجنرال كارمي غيلون "رئيس الشاباك" إثر اغتيال رابين مباشرة، ثم قبولها بعد يومين فقط من تنفيذ جريمة اغتيال المهندس.

* القائد الميداني: محمد ضيف " أخبار الشرق "


محمد ضيف... تتهمه إسرائيل بأنه القائد الميداني لكتائب "عز الدين القسام" الذراع العسكري لحركة "حماس"، وأنه يعمل على تجنيد عناصر الحركة لهذا الجهاز إلى جانب أنه يقف وراء التخطيط للكثير من العمليات العسكرية ضد الدولة العبرية.
تكاد المعلومات المتوفرة عن هذا الرجل تكون قليلة جداً، كونه معروفا بغموضه، وقلة تحركاته، وأخذه للاحتياطات الأمنية الشديدة، ولكن هناك محطات عديدة في حياته المليئة بالصعاب، إذ يُعتبر مطلوباً لقوات الاحتلال منذ 11 عاماً.
وتعتبر الدولة العبرية "ضيف" المكنى "أبا خالد" كبير المطلوبين الفلسطينيين لديها، وتقول مصادر إسرائيلية: إنه تمكن من الاختباء لمدة تزيد عن عقد، وتنسب إليه أنه أرسل استشهاديين وخطط لعمليات عديدة دون أن تستطيع إسرائيل أن تعتقله. وأشارت إلى أنه كان مسئولاً عن اختطاف الجندي الإسرائيلي نحشون فاكسمان في القدس المحتلة وقتله عام 1994، وعن مقتل جنديين آخرين، وأنه بادر بتنفيذ غالبية العمليات التي نفذت من قبل حركة "حماس" منذ عام 1993.
وُلِدَ محمد دياب إبراهيم المصري المعرف باسم "الضيف" عام 1964 في مخيم خان يونس للاجئين الفلسطينيين الذي قطنه وأسرته بعد أن هاجرت من إحدى القرى الفلسطينية داخل الأراضي التي احتلت عام 1948، وتعلم وترعرع في المخيم، حيث التزم منذ طفولته في مسجدي بلال والشافعي في خان يونس، اللذين كانا المحور الأساس الذي صقل شخصيته، وكان من البارزين بين القيادات الشابة في خان يونس، أمثال يحيى السنوار المعتقل لدى إسرائيل منذ 15 عاماً، والشهيد ياسر النمروطي أحد قادة القسام، الذي اغتالته إسرائيل في 14 تموز 1992 ،وجميل وادي الذي استشهد في اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال في مطلع تموز 1993 وغيرهم.
وخلال دراسته الجامعية في الجامعة الإسلامية بغزة، عُرِف "ضيف" كأحد نشطاء الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة "حماس". وفي مطلع التسعينيات كان من مؤسسي الذراع العسكري كتائب القسام، وظل يعمل في صمت دون أن يُكشف لمدة عامين حتى تم كشف أمره عام 1992 خلال الأحداث التي وقعت بين حركته وحركة "فتح" حين أصبح مطلوباً.
خلف ضيف عماد عقل قائد كتائب القسام الذي استشهد في 23 تشرين الثاني 1993 في قيادة الجهاز العسكري، ووُضِع منذ ذلك الوقت على رأس قائمة المطلوبين.
عُرف خلال مطاردته بسريته التامة واختيار عناصر غير معروفة لمساعدته في تنقلاته، كما عُرِف بأنه يمكنه المكوث في مكان لفترات طويلة جداً دون الخروج منه إلى جانب شدة ملاحظته خلال تنقلاته القليلة جداً وعمق حسه وتفكيره الأمني.
يُنسب إليه التخطيط للكثير من العمليات، أبرزها سلسلة عمليات الانتقام للشهيد يحيى عياش المعروف بالمهندس الذي اغتالته إسرائيل في الخامس من كانون الثاني من عام 1996، إذ أخذ ضيف على عاتقه الثأر له، وذكر القيادي حسن سلامة، الذي اعتقل لدى قوات الاحتلال عام 1997 بتهمة التخطيط لتلك العمليات في كتاب أعده من داخل السجن حول تلك العمليات، أن ضيف هو الذي رتب عملية خروجه من قطاع غزة إلى الضفة الغربية، ووفر له المال وطريقة الخروج والتنسيق مع مجموعات الضفة الغربية، حيث قتل خلال تلك العمليات العشرات من الإسرائيليين.
وأكد سلامة أن ضيف رشحه لكي يقود عمليات الثأر لعياش، إذ وفر المال وأجرى الاتصالات مع الضفة، وقال: "كانت وصايا الأخ الضيف لي بعدم الإطالة، والسرعة في العمل، وعدم الإكثار من الاتصالات، أوكثرة المراسلة، وعدم توسيع دائرة العمل والسرعة قدر الإمكان، والمحافظة على نفسي وإخواني، وحملت مسئولية العمل بالكامل داخل الضفة والاعتماد على نفسي".
واعتقلت السلطة الفلسطينية ضيف في 15 أيار 2000 لمدة سبعة شهور، حيث كان يختبئ في منزل في حي الصبرة بمدينة غزة، ومن ثم تمكن ضيف من الفرار من المكان الذي كان معتقلاً فيه مع اندلاع انتفاضة الأقصى قبل عامين، وعادة مرة أخرى ليرتب صفوف كتائب القسام التي نفذت العديد من العمليات في بداية الانتفاضة دون تبنيها.
وحاولت إسرائيل مراراً اغتيال ضيف بعد أن وصفته أكثر من مرة بأنه المطلوب "رقم واحد". ومن أبرز هذه المحاولات المحاولة التي تعرض لها في 22 آب 2001 حيث قصفت مروحيات إسرائيلية سيارة كان تقل بلال الغول (18 عاماً) نجل مساعده عدنان، إذ استشهد بلال، ونجا والده وضيف اللذان كانا في سيارة أخرى تم تبديلها خلال الطريق بعد أن شعر ضيف بأن هناك أمراً ما.
ولعب ضيف دوراً مركزياً في قيادة كتائب القسام وإيجاد تنظيم معقد لها، لا سيما في ظل حياة الشيخ صلاح شحادة، وزاد هذا الدور بعد استشهاده.
وبناء على اعترافات بعض المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، فإن ضيف كان المخطط لعملية مستوطنة عتصمونا التي نفذها الشاب محمد فرحات في آذار الماضي حينما اقتحم المستوطنة المذكورة وقتل خمسة جنود وأصاب 20 آخرين بجراح.
أحد عشر عاماً أمضاها "ضيف" مطارداً في قطاع غزة الضيق رفض خلال هذه السنوات الخروج إلى خارج هذا القطاع بعد أن اشتد الحصار عليه، لا سيما في ظل وجود الاحتلال الإسرائيلي، وعجزت أجهزة المخابرات الإسرائيلية عن اعتقاله أو تصفيته. عاش خلال هذه السنوات في أوضاع صعبة جد، وتنقل في كثير من المناطق التي لا يعلمها إلا الله، إلا أن ذلك لم يمنعه من مواصلة مقاومته للاحتلال.
* الشهيد عبد المنعم رياض: " موقع الفيوم "
من أبطال العسكرية المصرية المعاصرين.. إسمه كاملاً محمد عبد المنعم محمد رياض عبد الله.. وينتسب لأسرة نزحت إلى الفيوم، وكان جده المرحوم عبد الله طه على الرزيقى من أعيان الفيوم. انتهى من دراسته فى الكلية الحربية عام 1938 وشارك فى البعثات العسكرية إلى إنجلترا وروسي.
أشرف على خطة القيادة المصرية لتدمير خط بارليف ورأى أن يباشر تنفيذها بنفسه وتحدد يوم السبت 8 مارس 1969 موعداً لبدء تنفيذ الخطة، وفى التوقيت المحدد انطلقت نيران أسلحتنا على طول خط الجبهة لتكبد العدو أكبر قدر من الخسائر فى ساعات قليلة فى أعنف اشتباك شهدته الجبهة قبل معارك 1973.
وفى صباح اليوم التالى ( الأحد 9 مارس 1969 ) قرر عبد المنعم رياض أن يتوجه بنفسه إلى الجبهة ليرى عن قرب نتائج المعركة، ويشارك جنوده فى مواجهة احتمالات الموقف، وقرر أن يزور أكثر المواقع تقدم، ووقع اختياره على الموقع رقم6 والذى كان أول موقع يفتح نيرانه بتركيز شديد على دُشَم العدو فى اليوم السابق.
ويشاء الله أن يشهد هذا الموقع الدقائق الأخيرة فى حياة الفريق عبد المنعم رياض، حيث انهالت نيران العدو فجأة على المنطقة التى كان يقف فيها وسط جنوده ليلاقى ربه بطلاً فى ساحة الشرف.
 
عودة
أعلى