المراقبة المحمولة جوا

معمر القذافى

عضو مميز
إنضم
8 أكتوبر 2008
المشاركات
2,471
التفاعل
81 0 0
المراقبة المحمولة جوا
114_89_s.jpg
كانت المراقبة الجوية، من وقت قريب مهمة اساسية، للقوة الجوية ورغم ذلك اهملتها كثيرا قوات جوية متعددة حول العالم. فبتجهيز طائرات قتالية بحاضنات استطلاع، او ربما الحفاظ على عدد صغير من الطائرات المجهزة بكاميرات في الاسطول العملاني في الخطوط الامامية، كان يعتقد بانه كافيا لمعظم المتطلبات. وان الحاجة الى تأمين طائرات بحرية او طائرات لمراقبة وحماية الحدود الوطنية من تسلل المهاجرين غير الشرعيين او من مهربي المخدرات وحماية المصالح الاقتصادية، مثل حقول النفط البعيدة عن الشاطىء، ادت الى بيع طائرات مدنية معدلة على نطاق واسع ومجهزة بالرادار. وتلعب هذه الاصول حاليا دورا اساسيا في الدفاع الوطني والاقليمي الجماعي. فما قد تغير حاليا بشكل اساسي الادراك بان المراقبة الجوية هي حاليا احدى اهم المهام التي تواجه كل الاسلحة - الجيش والقوة الجوية والبحرية - ومن اجل كسب فائدة قصوى تحتاج هذه الاصول ان تكون مدمجة بقدر الامكان في فروع القوات المسلحة كافة.
ان ازدياد نشاط الارهاب العالمي الذي بات يشكل اكبر تهديد فردي للسلام في العالم في القرن الحادي والعشرين، يشكل تحديا جديدا لقوات الامن في اي مكان. كما ان الافتقار الى عدو تقليدي ظاهر قد استبدل بشبكة، او في بعض الحالات، بمجموعات محلية من ارهابية متعصبة مسلحة، تستطيع ان تبرز وتتغلغل ضمن السكان المدنيين. وان العامل الاساسي للتغلب على هذه المجموعات هو المخابرات الدقيقة والقوات المناهضة للارهابيين ذات الحركية العالية المزودة بالوسائل التي تحدد مواقع الاهداف وتدمرها باقل قدر من الضرر الجانبي. وان المراقبة المحمولة جوا هي اداة حيوية الى جانب المجموعات المضادة للارهاب المتسللة على الارض لتكسب معلومات حديثة يعتمد عليها ويمكن الافادة منها لتطوير استراتيجيات تمكن من تقويض مخططات العدو الارهابية فمن دون مراقبة جوية وقيادة مدمجة وتسهيلات مراقبة، لا بد ان تتحول قوات الامن الى قوات دفاعية، ولا تستطيع ان تتوقع تهديدات جديدة قبل ان تتحول الى حوادث. بكلمة اخرى، ان المراقبة المحمولة جوا لم تعد وسيلة دفاعية اضافية، فهي كتلة بناء اساسية في تأمين اكثر المنظمات الفعالة والمرنة الممكنة لمقاومة الارهابيين.


لما كانت الاتصالات الرقمية وتكنولوجيات المستشعرات الجديدة قد اتاحت تصغير المنصات الجوية، فان المراقبة المحمولة جوا باتت اسهل على التنفيذ وبتكلفة معقولة اكثر حتى مستوى الزمرة في وحدات الجيش. وفي نهاية هذا القطاع من نظم الاستخبارات ذات القيمة العالية الذي اصبحت فيه منصات الطائرات الكبيرة المعقدة جدا اذانا صاغية في اعالي السماء قادرة على اعتراض الاتصالات الهاتفية واللاسلكية راديو على الارض وتحديدها والتشويش عليها. بات من الممكن تحديد مواقع الارهابيين الذين يستعملون الهاتف الخليوي او هواتف الاقمار الاصطناعية او يرسلون بريدا الكترونيا خلال ثوان، وعندئذ يمكن ارسال اسلحة ضاربة بسرعة او اجراء مراقبة اضافية على المصدر. ولان خلايا الارهابيين غالبا ما تقيم قواعدها في القرى او البلدات فمن الضروري الحصول على معطيات مراقبة كافية لخفض الاضرار والضحايا البريئة في الاماكن المجاورة مباشرة.
لذلك فان استعمال الاسلحة الدقيقة، مثل صاروخ (Hellfire)، الذي يمكن حمله حاليا واطلاقه من مركبات جوية دون طيار تبقى في موقعها لغاية ١٢ ساعة بات ضروريا، وهكذا اخذ المد التكنولوجي يتحول ضد الارهابيين وخطوط امداداتهم في المناطق النائية.
لذلك، لا يمكن ان يكون هناك اي مكان اختباء من المركبات الجوية دون طيار، او من الطائرات التي يقودها طيار، التي تستطيع ان تحوم حول منطقة على ارتفاع شاهق ابان النهار او الليل مجهزة برادار كاشف متقدم وبمستشعرات تعمل بالاشعة تحت الحمراء والكترونية - بصرية تستطيع تحديد المجموعات والناس فرديا او المركبات على مسافات بعيدة ومن ثم متابعتهم اوتوماتيكيا لعدة ساعات. هذا، وباستعمال وصلات البيان السريعة ونظام (GPS) على متون المركبات، تستطيع منصات الاستشعار ارسال صور مفصلة واحداثيات عن المواقع الى مراكز المراقبة، التي يمكن فيها اتخاذ القرارات في كيفية التعامل مع اوضاع التهديد.
تتطور حاليا تكنولوجيتان تجمعان زخمهما وسوف تبدآن في نهاية هذا العقد بتأثير اكبر على كيفية القيام بحملات برية مستقبلا. احدى التكنولوجيتين ظهور مركبات جوية دون طيار للمراقبة المستقلة، والثانية وصول مركبات جوية دون طيار صغيرة يستطيع شخص واحد ان يحملها ويشغلها. وقد نشأت العمليات المستقلة من استعمال نظم تحكم بالطيران باتمتة عالية مثبتة على متون مركبات جوية دون طيار كبيرة وصغيرة. وتلقم نماذج الطيران، بما فيها مناطق الدورية التي يجب تغطيتها، في نظام الطيار الالي للمركبة الجوية دون طيار. وبعد الاقلاع او الاطلاق، تحلق المنصة في مسار محدد سلفا تبحث عن اهداف مشكوك فيها وترسل بيانات وصور حسب الطلب. كما يجري حاليا المراقبة بالطيران نصف المستقل العامل بواسطة مشغلين على الارض، يستطيعون اطلاق طائرة يدويا تم تشغيلها بموجب تحكم من بعيد. وان سلاح الجو الاميركي وسلاح الجو الملكي البريطاني (RAF) يطلقان مركبة (Predator-A) و(B) من شركة (General Atomics)، من مركز تحكم في صحراء نيفادا بالولايات المتحدة الاميركية، في حين تحلق طائرة دون طيار فوق العراق او افغانستان، تقلع وتعود الى قواعدها في المسرح بعيدا آلاف الاميال عن مركز التحكم. وتُستعمل اشارات الامرة والتحكم وصلات الاقمار الاصطناعية، كما يمكن تحويل صور المستشعرات الى القادة المحليين او الى اي مكان آخر حول الكرة الارضية.
عندما تصبح الطائرات دون طيار مستقلة تماما، تصبح عملياتها منتشرة على نطاق واسع اكثر. وسوف يكون في المنصات نظم ذكية مبنية ضمنها حتى تتخذ قرارات عملانية تعتمد على سياسة محددة مسبقا، لكنها مع ذلك تستطيع اختيار الاهداف بناء على تقدير الاولويات التي تعتمد على قاعدة البيانات وتبحث بنشاط عن اهداف مشكوك فيها او عن مناطق ذات فائدة.
وسوف يرافق موظفون بشر هذه العمليات ولن يعودوا بعد ذلك الى اطلاق الطائرات دون طيار جوا - انما سوف تطير هذه الطائرات (UAVs) بقدراتها الذاتية واذا حصل اي قصور في النظم الرئيسية خلال المهمة، فسوف تتلقى اوامر بإهمال المهمة اوتوماتيكيا مما يضمن عودتها الى اقرب مدرج هبوط آمن، او في بعض الحالات تهبط اوتوماتيكيا بالمظلات في منطقة آمنة.
اعلنت شركة (BAE Systems) في مطلع هذه السنة عن مركبة جوية قتالية دون طيار (UCAV) جديدة كبيرة، تدعى (Mantis)، لكن الشركة حسنت ايضا المركبة الجوية دون طيار المستقلة (Herti) بتجهيزها بالكترونيات طيران لاداء افضل. وتعرض الشركة نموذجا مسلحا يعرف باسم (Fury). وتطور شركة (Thales) من ناحيتها مركبة (Hermes 054)، من شركة (Elbit) الاسرائيلية، اضافة الى برنامج مركبة جوية دون طيار تحمل اسم (Watchkeeper) للجيش البريطاني. ويجري في اوروبا تطوير عدد كبير من المركبات الجوية دون طيار المتقدمة من شركة (SAAB) و(Finmeccanica) و(EADS)، بما في ذلك مركبة (Neuron) من شركة (Dassault)، وهي مركبة جوية قتالية دون طيار (UCAV) خفية للمستقبل تتمتع بقدرة هجومية رئيسية ومراقبة.
ان المركبات الجوية الصغيرة دون طيار هي نسبيا زهيدة التكلفة بالنسبة لانتاجها وتشغيلها. اما الجزء الباهظ التكلفة فهو تصغير المستشعرات الالكترونية التي تؤمن دقة ملاحية بنظام (GPS) والطيار الآلي الميكروي والتصوير ووصلات البيانات. وتدفع المركبات الجوية دون طيار الصغيرة جدا عادة بالمحركات المروحية العاملة بالديزل او الطاقة الكهربائية، على رغم ان المحركات النفاثة الميكروية، التي طورت اصلا لاستعمالها في هذا طراز من الطائرات، يجري ادخالها حاليا لتمنح مزيدا من السرعة واداء طيران افضل. وتستعمل منصات تحكم صغيرة قابلة للحمل مع هذه المركبات الجوية الصغيرة دون طيار المندفعة بالطاقة الكهربائية، والتي يمكن طيها ايضا ويحملها جندي واحد. وتستعمل المركبات الجوية الصغيرة ولكن الاكبر نسبيا المجهزة بطاقة نفاثة منصات اطلاق بسيطة يمكن نصبها بسرعة على الارض، او تركيبها على سطح مركبة صغيرة. وهذه المركبات نافعة كثيرا للقوات البرية باعتبار انها تزود معلومات وصور مباشرة عما يجري في الناحية الاخرى في بيئة مدينية، ويمكن ايضا ان تراقب الطرقات والارض المفتوحة فوق هضبة عالية حيث يمكن ان تتعرض طوافة تقليدية او طائرة خفيفة الى خطر نار ارضية او صواريخ تطلق من على الكتف. ويمكن اعادة شحن المركبات الجوية دون طيار المجهزة بطاقة كهربائية بسهولة، وتمنح وهي محلقة عمليات صامتة. وهذه المركبات هي صغيرة جدا الى درجة تجعلها غير مرئية تقريبا في النهار وكذلك في الليل.
هناك حاليا مئات من هذه المركبات الجوية الصغيرة دون طيار توفرها شركات في كل انحاء العالم. وان الموردين الرئيسيين لها في الغرب هي شركات: (Boeing) و(L.Martin) و(N. Grumman) و(BAE Systems) تنضم اليها شركات (EADS) و(Elbit) و(Thales) و(Finmeccanica)، اضافة الى عدد نام من الموردين الاختصاصيين للمركبات الجوية الصغيرة دون طيار. وقد طورت شركة (QinetiQ) مركبة جوية دون طيار خفيفة الوزن كثيرا مجهزة بالطاقة الشمسية، تمت تجربتها في الولايات المتحدة، وتستطيع البقاء في الجو عدة اسابيع على ارتفاع شاهق. وعندما يجري تطويرها اكثر يمكن ان تشكل بديلا بتكلفة معقولة للاقمار الاصطناعية التي تحلق في مدار فضائي منخفض فوق الارض لتغطية مراقبة دائمة لمنطقة واسعة.
رغم ان المركبات الجوية دون طيار تشكل مسارا بتكلفة معقولة اكثر للمراقبة المحمولة جوا، فان الدور التقليدي للاستطلاع الجوي وجمع المخابرات باستعمال الطائرات المأهولة قد شهد ادخال نظم متقدمة مركبة في حاضن على طائرات، مثل (Eurofighter) و(Rafale) و(F-61) و(Gripens) و(F-81). وتتضمن هذه الحاضنات كاميرات ببصريات عالية الجودة تمنح صورا فردية وصور مراقبة ووصلات فيديوية وتصويرا في ضوء منخفض وباشعة تحت الحمراء. وقد جهزت شركة (Goodrich) طائرة القوة الضاربة (Tornado) في سلاح الجو الملكي (RAF) بحاضن (Raptor) متقدم جدا يمنح صورا بجودة عالية للغاية باستعمال عدد من المستشعرات المختلفة. ويجري عرض نموذج لحاضن مختلف لاستعماله على متن طائرات (F-61). وتشمل طائرات المراقبة المأهولة الاكثر تخصصا نماذج من طائرات (Gulfstream) لشركة (N.Grumman) وطائرات (Global Express) لشركة (Bombardier) وطائفة طائرات (EMB 541) لشركة (Embraer)، اضافة لطائرات الدورية والمنصات الاصغر، مثل طائرة (King Air) لشركة (Beechcraft) وطائرة (Defender) لشركة (Britten Norman). وقد تم تعديل الطائرتين الاخيرتين للقيام بمراقبة كثيفة وجمع المخابرات كما جهزتا بمعدات لتقديم اتصالات آمنة وارسال معلومات على الارض وتزويد صور جوية عالية الدقة لمناطق الاهداف على الارض. وقد اثبتت الصور انها ثمينة جدا في مراقبة ومتابعة تخطيط الارهابيين لاقامة الكمائن والتحرك بين مواقع البيوت الآمنة في المناطق المدينية للتزود بالاسلحة والمخزونات او لعقد الاجتماعات. وقد استثمرت المملكة المتحدة في المزيد من طائرات (King Air) و(Defender) للمهام الخاصة، وسوف يدخل سلاح الجو الاميركي اسطولا جديدا مؤلفا من ٤٠ منصة مراقبة جوية مأهولة بمحركات مزدوجة تم تعديلها بدرجة كبيرة لتحل محل الطائرات القديمة.
اثبتت الاقمار الاصطناعية في الفضاء انها تقدم خدمة حيوية اذ تتيح ملاحة واتصالات عالمية لتحقق مستويات جديدة من الاعتمادية والمرونة. وان قدرتها على التقاط صور عالية الدقة لبلدان بكاملها، او ضبط عدسات التصوير لعرض صور ابنية فردية ومركبات حتى واشخاص، في حين تبقى فيه بعيدة عن وصول اي صاروخ اليها يرجح بان تطلقه اي دولة غير الدول العظمى، يجعلها اداة مراقبة ذات قيمة كبيرة. وان ما يطلق عليه اقمار التجسس ليست تكنولوجيا جديدة وقد كانت قيد الخدمة منذ اواخر الستينات، الا ان اداء الاقمار الحالية تحسن كثيرا بفضل الرادارات الجديدة وتقنيات الاشعة تحت الحمراء، وان جيلا جديدا من الاقمار الاصطناعية الصغيرة اخذ يخفض تكاليف الاطلاق وعمليات المراقبة. وقد اعطى قمر المملكة المتحدة (TopSat)، الذي طورته شركة (SSTL)، وهي حاليا فرع من شركة (Astrium Space) وشركة (QinetiQ)، نتائج بارزة ومهد الطريق امام استعمال الفضاء عموما على نطاق اوسع للمراقبة العسكرية ومهام مراقبة الارض. وتطور فرنسا واوروبا معا جيلا جديدا من اقمار المراقبة العسكرية، التي سوف تذهب ابعد من اقمار (SPOT) الناجحة في التقاط صور دقيقة. وتتمتع الولايات المتحدة بمركز سيطرة في قدرة الاقمار العسكرية ولديها ارتباط عملاني قوي مع الاجهزة العسكرية البريطانية، التي تعتمد حاليا على معلومات الاقمار الاميركية. وهناك ضغط متزايد من الاتحاد الاوروبي، تقوده فرنسا، على المملكة المتحدة من اجل وضع نفوذها التكنولوجي والصناعي وراء برنامج اوروبي جديد حتى يتقلّص الاعتماد على مشاركة البيانات مع الاقمار الاميركية. وهناك تطور جديد آخر من فرنسا يعرض استعمال مقاتلة (Rafale) من شركة (Dassault) كمنصة اطلاق مركبة تطلق بصاروخ تتمكن من وضع اقمار صغيرة في مدار منخفض حول الارض. وقد اقترح قبل سنين عديدة في الولايات المتحدة مشروع مماثل (ASAT) يستعمل طائرة اطلاق (F-51)، لكن الاقتراح لم يعتمد. ويفضل المواد والاداء الجديدين المتوفران حاليا، يمكن ان تشكل المبادرة الفرنسية الاخيرة سبيلا نافذا اكثر لتحقيق قدرة مراقبة من الفضاء دون ان يترتب على ذلك الالتزام بقاذفة صاروخية تقليدية باهظة التكلفة. وان الشيء المؤكد هو ان المراقبة هي حاليا اولى الاولويات فيما تبحث القوات المسلحة حول العالم عن تأمين حلول دفاعية مدمجة.

 
عودة
أعلى