أعظم 5 معارك بحرية غيرت مجرى التاريخ

إنضم
15 أكتوبر 2015
المشاركات
1,365
التفاعل
4,819 11 0
الدولة
Algeria
أعظم 5 معارك بحرية على مر العصور

|






الصراع من أجل المياه أو لمجرد السيطرة على موارد الطاقة وتحقيق المجد، مفهوم قديم عاش عليه البشر منذ قديم الأزل كعامل رئيسي نشب بسببه العديد من الحروب الإنسانية. فاستخدمت العديد من أنواع السفن الحربية كوسيلة لمحاربة العدو، من سفن قديمة مصنوعة من الخشب إلى السفن الحربية الضخمة المصنوعة من الحديد في العصور التي سبقت حاملات الطائرات، حتى وصلت في يومنا هذا إلى أحجام أقل بكثير ولكن تعد إخطار مما قبلها مثل الطوافات والمدمرات.

لكن ماذا لو أردنا حصر تاريخ الحروب البحرية، لمعرفة أكبر وأهم المعارك البحرية على مر التاريخ؟، و ما أهم المعارك الحربية أيضًا، إن أردنا أن نكون أكثر تحديدًا؟، فلقد عدنا بعد مطالب عديدة، لنقدم لكم مقالتين من أشهر مقالاتنا التي جمعناهما في مقال واحد، بكتابة كل من جيمس هولمز وروبيرت فارلي، لتستمتعوا بقرائتها.

ما السفن التي حققت النصر في النهاية؟، والمراكب التي غرقت في أعماق المحيط؟، وما المعارك البحرية التي استحوذت على اسم أشهر معركة بحرية تاريخية؟ لتبدأ المناقشة!

***

كانت ومازالت أوجه تصنيف المعارك وفقًا لأهميتها محل جدل عنيف بين المؤرخين منذ أن وُجِدَ المؤرخين العسكريين، حيث استطاع كريسي في كتابة 15 معركة عالمية كلاسيكية حاسمة 1851، وضع أساسيات معايير هذه النوعية. ولكن ما يحدد شدة حسم المعركة عن غيره؟، وماذا يحدد أهمية مناورة عسكرية عن الأخرى؟.

وتَرك مثل هذه المصطلحات بتعريف غير دقيق، يفتح المجال أمام العديد مثل آخر كتالوج أخبار الولايات المتحدة عن المعارك الحاسمة فى أثناء الحرب الأهلية الأمريكية، حيث ذُكِرَ 45 اشتباكا حاسما خلال 4 أعوام من الصراعات وفقًا لكمية الأخبار الأمريكية المهولة.

لذلك، يجب أن يُعرف المصطلح ليكون أقل عجرفة عما هو عليه الآن ليعطي معنىً أقوى، فلو أننا وصفنا كل معركة بكونها حاسمة، فلن يكون هناك أي معركة محيرة أو فاشلة، وبسبب هذه المعضلة وحدها، دائمًا ما أسأل طلابي إذا كانت بعض المعارك الأسطورية، معركة طرف الغار أو معركة مضيق تسوشيما، حاسمة أم مجرد معارك ذات أحداث درامية فقط، أم كونهم معارك لمع بسببهم نجم نيلسون وتوجو.

وعلى ما يبدو، حتى رائدي الاستراتيجيات مُترددين حول ما سيتحق توصيفه بالانتصار الحاسم، عمل كارل فون كلاوزفيتز على توفير تعريف محدد واصفًا الاشتباك الحاسم بالمعركة التي تؤدي إلى تحقيق السلام المباشرةً، وهو ما يشير إلى حدث لا يحمل في طياته مغزى تكتيكي فقط، لكن يحمل أيضًا مغزى استراتيجي وسياسي، ومثل هذه المواجهات تُجبر الطرف المهزوم على قبول شروط الطرف المنتصر الموضوعة على طاولة التفاوض، سواء كان الهدف من المفاوضات هو أنه أصبح غير قادر على استمرارية المعركة، أو يرى أن لديه فرصة ضئيلة للغاية لقلب الطاولة والانتصار على عدوه، أو قدّرَ أنه لن يستطيع الانتصار على عدوه بتاتًا، فوفقًا لهذا التعريف المُوسّع تعتبر المعركة الحاسمة هي العامل المحدد من قبل نتائج الحرب نفسها.

حتى الآن كل ما ذكرناه واضح وجيد، لكن ما المقياس المحدد “للسلام المباشر” لكي توصَف المعركة بالحاسمة؟، هل يجب أن تتم مفاوضات السلام بعد تصادم الأسلحة فورًا فتُعَجّل منها؟، وهل من الممكن أن يتم التوصل إلى اتفاق ما بعد أسابيع أو شهور إن وضحت أسباب ونتائج هذه العلاقات؟، فهل هناك أفق زمني محدد؟.

ويبقى كارل العظيم صامتًا عند مثل هذه التساؤلات، ومن الممكن أن يكون متساهلا جدًا في تحديدهم، ولكن أعتقد أن المعارك قد تكون حاسمة بينما تحقق أهدافًا أكثر اعتدالًا من الانتصار الصريح والمباشر في الحرب، ولكي تحدد ذلك، فسّر الكلمة حرفيًا: هي أمر ما حاسم يحسم شيء آخر. “ولأكون صريحًا، ربما كانت هذه هي الطريقة التي أدت الى إضطراب وسائل الإعلام الأمريكية، فيقرر كل فعل شيء ما وفقًا لمعايير تكتيكية، مهما كان أمرًا دنيوي أو لا يحمل أي صلة واضحة به، فما هو إلا تحديد لمن يتحكم في أرض المعركة في نهاية اليوم أو يكشف عن وصول القتال إلى طريق مسدود. مع العلم أن كل ذلك يصف جزءا بسيطًا من المعنى الأعظم للحسم إن وجد),

وتتسبب بعد التصادمات المسلحة في نتائج حاسمة بمعدلات مختلفة للحروب، فهل من الممكن أن يحدد لقاء تكتيكي ما تؤول إليه الحملة أو مصير ساحة القتال من دون أن يؤدي إلى السلام؟. بإختصار، من الحكمة أن نعرّف النصر الحاسم بمنظور أكثر شمولا (ثلاثي الأبعاد) من وجهة نظر كلاوسفيتز، فهي بمثابة مناورة ما بالأسلحة التي تسمح لأحد الأطراف المتناحرين ليحقق هدف ما، سواء كان إيجابيا أو سلبيا، بعيدًا عن النتائج التكتيكية، وبالطبع الانتصار في الحرب دائمًا ما يؤهل تسمية الطرف المنتصر بالحاسم، ولكن نظرة المؤرخين الواسعة لمجريات الأمور ستمكنهم دائمًا من تقييم معركة طرف الغار بالمعركة الحاسمة.

ففي عام 1805، استطاعت معركة طرف الغار تحقيق السلام التام، بشق الأنفس، مع فرنسا التي كان يحكمها نابليون آن ذاك، وهو أمر تحقق بعد عقد آخر من المعارك المُروعة، لكنها نجحت في تحديد قدرة فرنسا على غزو الجزر البريطانية وتدمير الخطر البحري على سيادة فرنسا عن طريق الغزو البرمائي.

فكان لبطولة كل من نيلسون وكولينوود، بمساندة البحارة المصاحبين لهم، السبب الرئيسي لتحديد نتائج خطة نابليون بينما شجعوا بريطانيا العظمى على المثابرة والاستمرار في نضالها ضد نابليون، فبالتالي استطاعت معركة طرف الغار، بطريقة مباشرة، عن منع جحافل فرنسا من غزو بريطانيا والتسبب في تحقيق الآثار السلبية التي كان من الممكن أن تنتج عنها، يجب أن يتأهل مثل هذا النصر كمعركة حاسمة وفقًا لمسيارة الأحداث.

وبالحديث عن المواجهات بين السفن، لم يذكر كلاوتزفيتز أي شيء عن المواجهات الملاحية، فقلما يذكر المياه في كتاباته، وبنهاية القرن، شكك المؤرخ سير جوليان كوربيت، أحد أعظم الخبراء في مجال نظريات القوة البحرية، في حسم المعارك البحرية من الأصل لمجريات الأمور، ما عدا فيما قد يخص الإرهاق التدريجي للعدو، فسير جوليان كوربيت يوضح أن الحصار البحري، سواء عن قريب أو بعيد لا يؤذي العدو فقط، لكنه يؤذي الحلفاء وأعمال الشعب التجارية المعتمدة على تجارة السلع المنقولة بحريًا مسببًا خسائر فادحة لجميع الأطراف.

وبالتالي يبدوا كوربيت، مثله مثل كلاوسفيتز، مشككًا في في حسم الاشتباكات الفردية، بالطبع يجب وأن تستغل الدول المطلة على البحر لحالتها بالهيمنة البحرية كعائق يمنع غزوها وأي اعتدائات مباشرة أخرى على أرضهم، فهذا هو ما تمثله معركة طرف الغار، لكن على الرغم من ذلك يكمن سر الاستراتيجية البحرية في فن تحديد الصلة المناسبة بين الجيش البري والأسطول البحري، ثم مزجهم معًا لتكوين خطة حرب متجانسة، ففي نهاية المطاف، هدف الحرب هو حماية مصالح البلد على البر، فهو المكان الذي يعيش عليه الناس، ولكن يكمن السؤال هنا في كيفية تقييم اشتباك بين طرفين؛ يقتصر قوة الطرف الأول على العناصر البحرية مقابل جيش كامل يتكون من مزيجٌ بريٌ وبحري؟.

يا له من سؤال صعب!، لذلك هناك الكثير من الجوانب الداعية للتأمل في إجابة السؤال البسيط؛ كيف تحدد المعركة الحاسمة في هذا الموقف؟، لكي نستطيع التقييم بين مواجهتين بحريتين، يجب أن نحدد نظام تسلسلي معين لتحديد مستويات عديدة من الحسم. مع العلم أن معايير نظريتنا لا تشمل، أساليب تحفيذ الجنود، فن التكتيك، التكنولوجيات الحديثة غير المعروفة ولا النتائج المترتبة على الأساليب غير المتوازنة، كل هذه العوامل التي أرفض وضعها في معايير نظرية الحسم هي الأسباب الرئيسية لرفضي اعتبار معركة مضيق تسوشيما، التي خلّفت حطام أسطول البلطيق الروسي المتناثر في البحر الأصفر في عام 1905، جزء من قائمة المعارك الحاسمة الخاصة بي.

وتتربع على قمة القائمة الخاصة بي، الاشتباكات البحرية التي ساهمت في تحديد مصير العديد من الحضارات والإمبراطوريات والدول الكبرى، فمن وجهة نظري هذا هو المقياس الأول للحسم، ثم يتبعه المواجهات التي استطاعت تغيير مجريات الأحداث ذات أهمية تاريخية للعالم كله، فهي تحدد نهاية اللعبة حتى، وإن مرّ وقت طويل بين المعركة ومفاوضات السلام التي ساعدت على التغيير، فلا يعني “المباشر” بالضرورة السرعة في الأداء.

وبذلك، أصبح لدينا تسلسل هرمي تقريبي للمعارك البحرية، فكلما أصبحت تداعيات المعركة أكثر مصيرية وصمود، كلما ارتقى مقامها في قائمة أشرس المعارك البحرية. فما هي إلا طريقة غير مباشرة للوصول إلى أعظم 5 معارك بحرية في تاريخ العالم، ستجدها بالترتيب التالي بدأ بأقلها أهمية حتى الأكثر أهمية:

1- معركة ليبانت (عام 1571)

نشبت معركة ليبانتو من انتشار السلطة العثمانية على غرب البحر المتوسط، بعد فرض العديد من العقوبات الباباوية، وحشدت الرابطة المقدسة، وهي مجموعة من الدول الملاحية البحرية الكاثوليكية، أسطولٌ بحري لمواجهة الأسطول العثماني الرئيسي في خليج كورينيث قبالة السواحل الغربية اليونانية. فكانت معركة ليبانت آخر أكبر الاشتباكات المتوحدة في البحر الأبيض المتوسط، حيث قامت الرابطة باستثمار كل مميزاتها في المدفعيات وأنواع السفن العديدة، وخاصة السفن الحربية والمخازن الضخمة المحملة بالأسلحة الثقيلة، ضد الأسطول التركي. خسر العثمانيين الكثير من سفنهم في هذه المعركة بسبب هجمات العدو بالإضافة إلى خسارتهم للعديد من طاقم السفينة ذي الخبرة العالية. واستطاع بعد ذلك نجاري السفن بناء هياكل جديدة سمحت للأتراك بفرض سيطرتها وقوتها على شرق البحر الأبيض المتوسط لفترة من الزمن ولكن تركيا انهزمت في 1580 على الرغم من ذلك تاركًا سفنها الجديدة لتتعفن في المراسي. فبذلك أكدت الحروب الأوروبية المؤمنة بالمخازن الضخمة العامرة بالأسلحة دائمًا سيطرتها على البحر المتوسط منتصرة على العثمانيين. لذلك اعتبر هذه نتيجة حاسمة بشتى الطرق.

2- معركة يامن (1279)

تلقب في بعض الأحيان بمعركة “طرف الغار الصينية”. وتدور أحداث هذه المعركة بين أسرة يوان المنغولية وبين سونج الجنوبية المُحاصرة لتحديد أحقية أحدهم في حكم الصين، حيث استمرت هذه المعركة لقرابة قرن من الزمان. وكانت هذه المعركة حاسمة أكثر من المعركة التي شارك فيها هوراشيو نيلسون، معركة طرف الغار. وشاركت ألف سفينة حربية محملة بعشرات الآلاف من الرجال الذين شاركوا في الاشتباكات. طبق قادة ياون العسكريين خطط مخادعة وجريئة في محاولة للتغلب على عُشر أعداد العدو غير المتطابقة في الأرقام معهم. والأهم من كل ذلك، ساهم قتل يامن للإمبراطور سونغ تمهيد الطريق لاستيلاء أسرة قبلاي خان على مقاليد حكم المملكة الأسيوية الوسطى. فتسببت هذه المعركة في حدوث تغيرات قوية في آسيا للعديد من العقود التالية للمعركة.

3- معركة الكرادلة (1759)

سمي هذا العام بعام المعجزات لبريطانيا العظمى. حيث استطاعت كل من العمليات البحرية والبرية في تحديد الأنسب من بريطانيا أم فرنسا للانتصار والسيطرة على قارة أمريكا الشمالية. حيث استطاعت القوات البريطانية تحت قيادة وولف في كبح دفاعات مونتكالم في مدينتي كيوبيك ومنتريال، خاتمًا بذلك مصير الانتشار الفرنسي الجديد. وبذلك استطاعت القوات البريطانية السيطرة على قارة أمريكا الشمالية لتصبح الجسر الذي عبر عليه الأمريكيين مؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية، مُغيرةً بذلك قدَر قارة كاملة بتحديد نمط سياسي لأمريكا الشمالية استمر حتى وقتنا الحالي.

4- الأرمادا الأسبانية (1588)

تمت هذه المعركة بمشاركة أسطول الدوق مادينا سيدونيا الذي لا يُقهر بعذ أن أمره فيليب الثاني، ملك إسبانيا آن ذاك، بعبور القناة ودخول إنجلترا للإطاحة بملكة إنجلترا، إليزابيث الأولى. وبتطبيق نظام جديد، نجحت القوات الاستكشافية في إنهاء المساعدات الإنجليزية للثورة الهولندية التي طالما أرقت هولندا الأسبانية وللقضاء أيضًا على قرصنة الإنجليز على السفن الأسبانية. استطاع ميدينا سيديونا دخول الجزر البريطانية عن طريق شروط كريهة ليصل إلى موانئها. ولو أن نجاح معركة أرمادا استبدل البروتستانتينية في إنجلترا بملك كاثوليكي، لربما لم تؤسس إمبراطورية بريطانيا العظمى أو لم تكن لتوجد في شكلها الحالي، وبالتلي هل كان سيتشكل تاريخ المحيط الأطلنطي والمحيط الهادئ والهندي كما هو قائم الآن؟، لذلك تعتبر معركة أرمادا معركة حاسمة بشتى الطرق.

5- معركة سالاميس (480 قبل الميلاد)

كانت معركة سالاميس جزء من حملة مشتركة شملت معركة أرتيميسيام البحرية ومعركة تروموبيل البرّية. حيث استطاع ثيمستوكليس، مؤسس الأسطول البحري الأثيني، قيادة أسطول ضخم مع حلفائة ضد ملك أرمادا الفارسية هادفً إلى السيطرة على قارة أوروبا كلها بمنع قوات الفارسية الحربية من التواصل مع قواتها البرية في اليونان. حيث أدت فن الخطط التكتيكية هنا في هذه المعركة إلى انتصار جميع الحلفاء على الأعدا الفارسية المهولة. فلولا جرأة سبارتا وأثينا البحرية والبرية لربما أدى ذلك إلى قتل الملك زركسيس لمهد الحضارة الأوروبية الغربية، وبذلك أرى أن هذه المعركة هي أعظم المعارك البحرية الحاسمة في تاريخ العالم.

وبالطبع لا أحتاج ذكر مدى صعوبة كتابة مثل هذه القائمة، كان هناك العديد من المرشحين الذين لم يصلوا الى هذه القائمة في نهاية الأمر مثل: معركة بحيرة بويانغ (1363)، معركة فرجينيا (1781) بجيش اللورد كورنوارس، المحكوم عليه بالفشل في يورك تاون والذي أدى إلى استقلال أمريكا عن الحكم البريطاني. بالإضافة إلى المعارك البحرية في حملة جوادالكنال (1942-1943) التي غيرت تيار الحرب في المحيط الهادئ، بينما كانت معركة بحر الفلبين (1944) للأسطول الياباني ممهدة بذلك الطريق لآخر أكبر الاشتباكات البحرية في التاريخ.

ولكن لا يُقارن أي من هؤلاء بعظمة الخمسة الأوائل المُختارين لما يحملونه من أهمية تاريخية عالمية، واستطاعوا تغيير مجريات الأحداث في العالم فلولاهم ما وصلنا إلا ما نحن عليه الآن.
|




الصراع من أجل المياه أو لمجرد السيطرة على موارد الطاقة وتحقيق المجد، مفهوم قديم عاش عليه البشر منذ قديم الأزل كعامل رئيسي نشب بسببه العديد من الحروب الإنسانية. فاستخدمت العديد من أنواع السفن الحربية كوسيلة لمحاربة العدو، من سفن قديمة مصنوعة من الخشب إلى السفن الحربية الضخمة المصنوعة من الحديد في العصور التي سبقت حاملات الطائرات، حتى وصلت في يومنا هذا إلى أحجام أقل بكثير ولكن تعد إخطار مما قبلها مثل الطوافات والمدمرات.

لكن ماذا لو أردنا حصر تاريخ الحروب البحرية، لمعرفة أكبر وأهم المعارك البحرية على مر التاريخ؟، و ما أهم المعارك الحربية أيضًا، إن أردنا أن نكون أكثر تحديدًا؟، فلقد عدنا بعد مطالب عديدة، لنقدم لكم مقالتين من أشهر مقالاتنا التي جمعناهما في مقال واحد، بكتابة كل من جيمس هولمز وروبيرت فارلي، لتستمتعوا بقرائتها.

ما السفن التي حققت النصر في النهاية؟، والمراكب التي غرقت في أعماق المحيط؟، وما المعارك البحرية التي استحوذت على اسم أشهر معركة بحرية تاريخية؟ لتبدأ المناقشة!

***

كانت ومازالت أوجه تصنيف المعارك وفقًا لأهميتها محل جدل عنيف بين المؤرخين منذ أن وُجِدَ المؤرخين العسكريين، حيث استطاع كريسي في كتابة 15 معركة عالمية كلاسيكية حاسمة 1851، وضع أساسيات معايير هذه النوعية. ولكن ما يحدد شدة حسم المعركة عن غيره؟، وماذا يحدد أهمية مناورة عسكرية عن الأخرى؟.

وتَرك مثل هذه المصطلحات بتعريف غير دقيق، يفتح المجال أمام العديد مثل آخر كتالوج أخبار الولايات المتحدة عن المعارك الحاسمة فى أثناء الحرب الأهلية الأمريكية، حيث ذُكِرَ 45 اشتباكا حاسما خلال 4 أعوام من الصراعات وفقًا لكمية الأخبار الأمريكية المهولة.

لذلك، يجب أن يُعرف المصطلح ليكون أقل عجرفة عما هو عليه الآن ليعطي معنىً أقوى، فلو أننا وصفنا كل معركة بكونها حاسمة، فلن يكون هناك أي معركة محيرة أو فاشلة، وبسبب هذه المعضلة وحدها، دائمًا ما أسأل طلابي إذا كانت بعض المعارك الأسطورية، معركة طرف الغار أو معركة مضيق تسوشيما، حاسمة أم مجرد معارك ذات أحداث درامية فقط، أم كونهم معارك لمع بسببهم نجم نيلسون وتوجو.

وعلى ما يبدو، حتى رائدي الاستراتيجيات مُترددين حول ما سيتحق توصيفه بالانتصار الحاسم، عمل كارل فون كلاوزفيتز على توفير تعريف محدد واصفًا الاشتباك الحاسم بالمعركة التي تؤدي إلى تحقيق السلام المباشرةً، وهو ما يشير إلى حدث لا يحمل في طياته مغزى تكتيكي فقط، لكن يحمل أيضًا مغزى استراتيجي وسياسي، ومثل هذه المواجهات تُجبر الطرف المهزوم على قبول شروط الطرف المنتصر الموضوعة على طاولة التفاوض، سواء كان الهدف من المفاوضات هو أنه أصبح غير قادر على استمرارية المعركة، أو يرى أن لديه فرصة ضئيلة للغاية لقلب الطاولة والانتصار على عدوه، أو قدّرَ أنه لن يستطيع الانتصار على عدوه بتاتًا، فوفقًا لهذا التعريف المُوسّع تعتبر المعركة الحاسمة هي العامل المحدد من قبل نتائج الحرب نفسها.

حتى الآن كل ما ذكرناه واضح وجيد، لكن ما المقياس المحدد “للسلام المباشر” لكي توصَف المعركة بالحاسمة؟، هل يجب أن تتم مفاوضات السلام بعد تصادم الأسلحة فورًا فتُعَجّل منها؟، وهل من الممكن أن يتم التوصل إلى اتفاق ما بعد أسابيع أو شهور إن وضحت أسباب ونتائج هذه العلاقات؟، فهل هناك أفق زمني محدد؟.

ويبقى كارل العظيم صامتًا عند مثل هذه التساؤلات، ومن الممكن أن يكون متساهلا جدًا في تحديدهم، ولكن أعتقد أن المعارك قد تكون حاسمة بينما تحقق أهدافًا أكثر اعتدالًا من الانتصار الصريح والمباشر في الحرب، ولكي تحدد ذلك، فسّر الكلمة حرفيًا: هي أمر ما حاسم يحسم شيء آخر. “ولأكون صريحًا، ربما كانت هذه هي الطريقة التي أدت الى إضطراب وسائل الإعلام الأمريكية، فيقرر كل فعل شيء ما وفقًا لمعايير تكتيكية، مهما كان أمرًا دنيوي أو لا يحمل أي صلة واضحة به، فما هو إلا تحديد لمن يتحكم في أرض المعركة في نهاية اليوم أو يكشف عن وصول القتال إلى طريق مسدود. مع العلم أن كل ذلك يصف جزءا بسيطًا من المعنى الأعظم للحسم إن وجد),

وتتسبب بعد التصادمات المسلحة في نتائج حاسمة بمعدلات مختلفة للحروب، فهل من الممكن أن يحدد لقاء تكتيكي ما تؤول إليه الحملة أو مصير ساحة القتال من دون أن يؤدي إلى السلام؟. بإختصار، من الحكمة أن نعرّف النصر الحاسم بمنظور أكثر شمولا (ثلاثي الأبعاد) من وجهة نظر كلاوسفيتز، فهي بمثابة مناورة ما بالأسلحة التي تسمح لأحد الأطراف المتناحرين ليحقق هدف ما، سواء كان إيجابيا أو سلبيا، بعيدًا عن النتائج التكتيكية، وبالطبع الانتصار في الحرب دائمًا ما يؤهل تسمية الطرف المنتصر بالحاسم، ولكن نظرة المؤرخين الواسعة لمجريات الأمور ستمكنهم دائمًا من تقييم معركة طرف الغار بالمعركة الحاسمة.

ففي عام 1805، استطاعت معركة طرف الغار تحقيق السلام التام، بشق الأنفس، مع فرنسا التي كان يحكمها نابليون آن ذاك، وهو أمر تحقق بعد عقد آخر من المعارك المُروعة، لكنها نجحت في تحديد قدرة فرنسا على غزو الجزر البريطانية وتدمير الخطر البحري على سيادة فرنسا عن طريق الغزو البرمائي.

فكان لبطولة كل من نيلسون وكولينوود، بمساندة البحارة المصاحبين لهم، السبب الرئيسي لتحديد نتائج خطة نابليون بينما شجعوا بريطانيا العظمى على المثابرة والاستمرار في نضالها ضد نابليون، فبالتالي استطاعت معركة طرف الغار، بطريقة مباشرة، عن منع جحافل فرنسا من غزو بريطانيا والتسبب في تحقيق الآثار السلبية التي كان من الممكن أن تنتج عنها، يجب أن يتأهل مثل هذا النصر كمعركة حاسمة وفقًا لمسيارة الأحداث.

وبالحديث عن المواجهات بين السفن، لم يذكر كلاوتزفيتز أي شيء عن المواجهات الملاحية، فقلما يذكر المياه في كتاباته، وبنهاية القرن، شكك المؤرخ سير جوليان كوربيت، أحد أعظم الخبراء في مجال نظريات القوة البحرية، في حسم المعارك البحرية من الأصل لمجريات الأمور، ما عدا فيما قد يخص الإرهاق التدريجي للعدو، فسير جوليان كوربيت يوضح أن الحصار البحري، سواء عن قريب أو بعيد لا يؤذي العدو فقط، لكنه يؤذي الحلفاء وأعمال الشعب التجارية المعتمدة على تجارة السلع المنقولة بحريًا مسببًا خسائر فادحة لجميع الأطراف.

وبالتالي يبدوا كوربيت، مثله مثل كلاوسفيتز، مشككًا في في حسم الاشتباكات الفردية، بالطبع يجب وأن تستغل الدول المطلة على البحر لحالتها بالهيمنة البحرية كعائق يمنع غزوها وأي اعتدائات مباشرة أخرى على أرضهم، فهذا هو ما تمثله معركة طرف الغار، لكن على الرغم من ذلك يكمن سر الاستراتيجية البحرية في فن تحديد الصلة المناسبة بين الجيش البري والأسطول البحري، ثم مزجهم معًا لتكوين خطة حرب متجانسة، ففي نهاية المطاف، هدف الحرب هو حماية مصالح البلد على البر، فهو المكان الذي يعيش عليه الناس، ولكن يكمن السؤال هنا في كيفية تقييم اشتباك بين طرفين؛ يقتصر قوة الطرف الأول على العناصر البحرية مقابل جيش كامل يتكون من مزيجٌ بريٌ وبحري؟.

يا له من سؤال صعب!، لذلك هناك الكثير من الجوانب الداعية للتأمل في إجابة السؤال البسيط؛ كيف تحدد المعركة الحاسمة في هذا الموقف؟، لكي نستطيع التقييم بين مواجهتين بحريتين، يجب أن نحدد نظام تسلسلي معين لتحديد مستويات عديدة من الحسم. مع العلم أن معايير نظريتنا لا تشمل، أساليب تحفيذ الجنود، فن التكتيك، التكنولوجيات الحديثة غير المعروفة ولا النتائج المترتبة على الأساليب غير المتوازنة، كل هذه العوامل التي أرفض وضعها في معايير نظرية الحسم هي الأسباب الرئيسية لرفضي اعتبار معركة مضيق تسوشيما، التي خلّفت حطام أسطول البلطيق الروسي المتناثر في البحر الأصفر في عام 1905، جزء من قائمة المعارك الحاسمة الخاصة بي.

وتتربع على قمة القائمة الخاصة بي، الاشتباكات البحرية التي ساهمت في تحديد مصير العديد من الحضارات والإمبراطوريات والدول الكبرى، فمن وجهة نظري هذا هو المقياس الأول للحسم، ثم يتبعه المواجهات التي استطاعت تغيير مجريات الأحداث ذات أهمية تاريخية للعالم كله، فهي تحدد نهاية اللعبة حتى، وإن مرّ وقت طويل بين المعركة ومفاوضات السلام التي ساعدت على التغيير، فلا يعني “المباشر” بالضرورة السرعة في الأداء.

وبذلك، أصبح لدينا تسلسل هرمي تقريبي للمعارك البحرية، فكلما أصبحت تداعيات المعركة أكثر مصيرية وصمود، كلما ارتقى مقامها في قائمة أشرس المعارك البحرية. فما هي إلا طريقة غير مباشرة للوصول إلى أعظم 5 معارك بحرية في تاريخ العالم، ستجدها بالترتيب التالي بدأ بأقلها أهمية حتى الأكثر أهمية:

5- معركة ليبانت (عام 1571)

نشبت معركة ليبانتو من انتشار السلطة العثمانية على غرب البحر المتوسط، بعد فرض العديد من العقوبات الباباوية، وحشدت الرابطة المقدسة، وهي مجموعة من الدول الملاحية البحرية الكاثوليكية، أسطولٌ بحري لمواجهة الأسطول العثماني الرئيسي في خليج كورينيث قبالة السواحل الغربية اليونانية. فكانت معركة ليبانت آخر أكبر الاشتباكات المتوحدة في البحر الأبيض المتوسط، حيث قامت الرابطة باستثمار كل مميزاتها في المدفعيات وأنواع السفن العديدة، وخاصة السفن الحربية والمخازن الضخمة المحملة بالأسلحة الثقيلة، ضد الأسطول التركي. خسر العثمانيين الكثير من سفنهم في هذه المعركة بسبب هجمات العدو بالإضافة إلى خسارتهم للعديد من طاقم السفينة ذي الخبرة العالية. واستطاع بعد ذلك نجاري السفن بناء هياكل جديدة سمحت للأتراك بفرض سيطرتها وقوتها على شرق البحر الأبيض المتوسط لفترة من الزمن ولكن تركيا انهزمت في 1580 على الرغم من ذلك تاركًا سفنها الجديدة لتتعفن في المراسي. فبذلك أكدت الحروب الأوروبية المؤمنة بالمخازن الضخمة العامرة بالأسلحة دائمًا سيطرتها على البحر المتوسط منتصرة على العثمانيين. لذلك اعتبر هذه نتيجة حاسمة بشتى الطرق.

4- معركة يامن (1279)

تلقب في بعض الأحيان بمعركة “طرف الغار الصينية”. وتدور أحداث هذه المعركة بين أسرة يوان المنغولية وبين سونج الجنوبية المُحاصرة لتحديد أحقية أحدهم في حكم الصين، حيث استمرت هذه المعركة لقرابة قرن من الزمان. وكانت هذه المعركة حاسمة أكثر من المعركة التي شارك فيها هوراشيو نيلسون، معركة طرف الغار. وشاركت ألف سفينة حربية محملة بعشرات الآلاف من الرجال الذين شاركوا في الاشتباكات. طبق قادة ياون العسكريين خطط مخادعة وجريئة في محاولة للتغلب على عُشر أعداد العدو غير المتطابقة في الأرقام معهم. والأهم من كل ذلك، ساهم قتل يامن للإمبراطور سونغ تمهيد الطريق لاستيلاء أسرة قبلاي خان على مقاليد حكم المملكة الأسيوية الوسطى. فتسببت هذه المعركة في حدوث تغيرات قوية في آسيا للعديد من العقود التالية للمعركة.

3- معركة الكرادلة (1759)

سمي هذا العام بعام المعجزات لبريطانيا العظمى. حيث استطاعت كل من العمليات البحرية والبرية في تحديد الأنسب من بريطانيا أم فرنسا للانتصار والسيطرة على قارة أمريكا الشمالية. حيث استطاعت القوات البريطانية تحت قيادة وولف في كبح دفاعات مونتكالم في مدينتي كيوبيك ومنتريال، خاتمًا بذلك مصير الانتشار الفرنسي الجديد. وبذلك استطاعت القوات البريطانية السيطرة على قارة أمريكا الشمالية لتصبح الجسر الذي عبر عليه الأمريكيين مؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية، مُغيرةً بذلك قدَر قارة كاملة بتحديد نمط سياسي لأمريكا الشمالية استمر حتى وقتنا الحالي.

2- الأرمادا الأسبانية (1588)

تمت هذه المعركة بمشاركة أسطول الدوق مادينا سيدونيا الذي لا يُقهر بعذ أن أمره فيليب الثاني، ملك إسبانيا آن ذاك، بعبور القناة ودخول إنجلترا للإطاحة بملكة إنجلترا، إليزابيث الأولى. وبتطبيق نظام جديد، نجحت القوات الاستكشافية في إنهاء المساعدات الإنجليزية للثورة الهولندية التي طالما أرقت هولندا الأسبانية وللقضاء أيضًا على قرصنة الإنجليز على السفن الأسبانية. استطاع ميدينا سيديونا دخول الجزر البريطانية عن طريق شروط كريهة ليصل إلى موانئها. ولو أن نجاح معركة أرمادا استبدل البروتستانتينية في إنجلترا بملك كاثوليكي، لربما لم تؤسس إمبراطورية بريطانيا العظمى أو لم تكن لتوجد في شكلها الحالي، وبالتلي هل كان سيتشكل تاريخ المحيط الأطلنطي والمحيط الهادئ والهندي كما هو قائم الآن؟، لذلك تعتبر معركة أرمادا معركة حاسمة بشتى الطرق.

1- معركة سالاميس (480 قبل الميلاد)

كانت معركة سالاميس جزء من حملة مشتركة شملت معركة أرتيميسيام البحرية ومعركة تروموبيل البرّية. حيث استطاع ثيمستوكليس، مؤسس الأسطول البحري الأثيني، قيادة أسطول ضخم مع حلفائة ضد ملك أرمادا الفارسية هادفً إلى السيطرة على قارة أوروبا كلها بمنع قوات الفارسية الحربية من التواصل مع قواتها البرية في اليونان. حيث أدت فن الخطط التكتيكية هنا في هذه المعركة إلى انتصار جميع الحلفاء على الأعدا الفارسية المهولة. فلولا جرأة سبارتا وأثينا البحرية والبرية لربما أدى ذلك إلى قتل الملك زركسيس لمهد الحضارة الأوروبية الغربية، وبذلك أرى أن هذه المعركة هي أعظم المعارك البحرية الحاسمة في تاريخ العالم.

وبالطبع لا أحتاج ذكر مدى صعوبة كتابة مثل هذه القائمة، كان هناك العديد من المرشحين الذين لم يصلوا الى هذه القائمة في نهاية الأمر مثل: معركة نافارين (1827) والتي ادت الى تضرر الاسطول العثماني و المصري وتحطم اغلب الاسطول الجزائري ودخول العثمانيين في مرحلة الانهيار معركة بحيرة بويانغ (1363)، معركة فرجينيا (1781) بجيش اللورد كورنوارس، المحكوم عليه بالفشل في يورك تاون والذي أدى إلى استقلال أمريكا عن الحكم البريطاني. بالإضافة إلى المعارك البحرية في حملة جوادالكنال (1942-1943) التي غيرت تيار الحرب في المحيط الهادئ، بينما كانت معركة بحر الفلبين (1944) للأسطول الياباني ممهدة بذلك الطريق لآخر أكبر الاشتباكات البحرية في التاريخ.

ولكن لا يُقارن أي من هؤلاء بعظمة الخمسة الأوائل المُختارين لما يحملونه من أهمية تاريخية عالمية، واستطاعوا تغيير مجريات الأحداث في العالم فلولاهم ما وصلنا إلا ما نحن عليه الآن.
 
معركة ليبانتو
1200px-Battle_of_Lepanto_1571.jpg


 
مشهد تمثلي لمعركة البصرة عام 1189هجري 1775ميلادي بين البحرية العمانية والفارسية
 
«نافارين»... نهاية قاتمة للأسطول العثماني


< كانت معركة نافارين 29 ربيع الأول 1243هـ - 20 أكتوبر 1827 من أعنف المعارك البحرية بين الأساطيل العثمانية والجزائرية والمصرية، التي كانت تُشَكِّل الدرع الواقي للعالم الإسلامي، وبين الأساطيل البريطانية والفرنسية والروسية من جهة أخرى. وقعت في خليج نافارين جنوب غربي اليونان، انهزم العثمانيون هزيمة كبيرة، وكانت بداية الانهيار البحري للإمبراطورية العثمانية، وسقوط الجزائر سنة 1830 تحت الاستعمار الفرنسي، ونقطة فاصلة نحو استقلال اليونان من الحكم العثماني.
وكانت اليونان جزءاً من الخلافة العثمانية، وبدأت بذور الثورة اليونانية بالظهور من خلال نشاطات أخوية الصداقة، وهي منظمة وطنية سرية تأسست عام 1814 في أوديسا الواقعة اليوم في أوكرانيا، وفي تلك الفترة كانت رغبة الاستقلال متفشية بين اليونانيين بجميع طبقاتهم وفئاتهم، بعد أن تمَّ شحن مشاعرهم الوطنية لفترة طويلة من الزمن، بفضل جهود الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية، التي كانت تعمل على تعزيز روح القومية اليونانية في نفوس أتباعها، وكانت الكنيسة حينها الحصن الأخير للغة اليونانية، والمسؤول الإداري عن اليونانيين أمام السلطان العثماني.
ومن العوامل التي ساعدت أيضاً في اندلاع الثورة، النمو الاقتصادي في اليونان، والتأثر بالأفكار الثورية الغربية، التي ألهبت في نفوس اليونانيين الغيرة على قوميتهم ووطنهم.
بدأت حدَّة المعارك تتصاعد شيئاً فشيئاً، متسببة بمجازر بين الطرفين، ففي جزيرة شيوس قتل العثمانيون 25 ألف يوناني، بينما قتل اليونانيون 15 ألفاً من الـ40 ألف تركي مقيم في شبه جزيرة بيلوبونيس، وسرعان ما تدخَّل إبراهيم باشا أيضاً لإخماد الثورة.
رأت روسيا في الثورة اليونانية فرصة لتمزيق الدولة العثمانية، التي تناصبها العداء، ورأى ألكسندر الأول قيصر روسيا أن مساندة اليونانيين ستخدم المصالح الروسية، إذ ستُظهر الروس حماة للمذهب الأرثوذكسي في العالم، وهو ما سيقود إلى تأليب كثير من العناصر الأرثوذكسية داخل الدولة العثمانية، مما سيضعفها عن مواجهة روسيا في أية حرب مقبلة، خصوصاً أن الناطقين باللغة اليونانية ضمن الدولة العثمانية كانوا يتمركزون في المورة وكريت وقبرص، وكان هؤلاء يُشَكِّلون ما يقرب من نصف سكان تلك المناطق.. أي أنهم يتفوقون على العنصر التركي الموجود بين ظهرانيهم، ما يجعل أية ثورة ذات قوة وعنفوان، ودموية في الوقت ذاته.
تحرَّكت جيوش مصر بقيادة إبراهيم باشا ومستشاره سليمان باشا الفرنساوي بحراً من الإسكندرية عام 1239هـ - 1823 باتجاه كريت وشبه جزيرة المورة مركز التمرد اليوناني، وفتح نافارين عام 1240هـ - 1824، ودخل أثينا عام 1241هـ - 1823، على رغم معاونة القائد الإنكليزي البحري اللورد كوشران الصليبيين اليونان. وبعد أن أجهضت القوة الإسلامية التمرُّد اليوناني، أعلنت الدول الأخرى تأييدها اليونان، بل إن روسيا كانت تدعم التمرد اليوناني علناً، ورأت أن الفرصة سانحة لدخول إسطنبول وإعادتها إلى عهدها السابق مركزاً للأرثوذكسية، ووقف الإنكليز إلى جانب روسيا.
اتفقت روسيا وفرنسا وإنكلترا على إجبار الدولة العثمانية إعطاء اليونان استقلالها، بمعنى فصلها عن جسد الدولة الأم (الدولة العثمانية)، فرفض السلطان العثماني، فأمرت الدول الأوروبية أساطيلها بالتوجه إلى سواحل اليونان، وطلبت من إبراهيم باشا التوقف عن القتال، فكان جوابه طبيعياً بأنه يتلقَّى الأوامر من خليفة المسلمين أو من أبيه لا من غيرهما، ومع ذلك توقَّف القتال 20 يوماً، ريثما تصل إليه التعليمات.
دخلت الجيوش الأوروبية المتحالفة إلى مرفأ نافارين في 29 ربيع الأول 1243هـ - 20 أكتوبر 1827، من دون أن ترفع أعلام الحرب، فكان دخولها خديعة، وقامت هذه الأساطيل بمباغتة الأسطول العثماني المصري الجزائري المشترك، وغدرت به، وأطلقت عليه النيران فهزمته هزيمة نكراء، وأغرقت السفن، وهي مفاجأة لم يكن يتوقعها القادة، وبالتالي لم يعمل لها أي حساب.
وبهذا كانت الخلاصة تحطُّم الأسطول العثماني، وأصبحت القوات العثمانية في موضع الضعف والانهزام، بعد أن كانت في موقع القوة والنصر، وانهارت القوات المصرية والجزائرية التابعة لها كذلك، فكانت تلك فاتحة استعمار تلك البلدان من جانب بريطانيا وفرنسا.
 
اكثر ما يشدني في المعارك البحرية المعارك البريطانية واهمها معركة طرف الغاز في عهد الملك جورج الثالث كانت معركة مصيرية لبريطانيا اما ان تواجه الغزو الفرنسي بقيادة نابليون او ان تدمر الاساطيل الفرنسية رغم ان الملك جورج كان مستعد مع مئات الالاف لصد الغزو وبعد انتهاء المعركة بالنصر الساحق لبريطانيا تم السيطرة على كثير من الفرقاطات وسفن خطية واستطاعت بهذا فرض حصار على الموانئ الفرنسية وكل الدول الأوروبية التي تقف مع فرنسا كانت بريطانيا بهذه المعركة ضمنت التوفق الى عام 1920 وصل التفوق البحري الى اعلى مراحله
 
معركة طرف الغاز
1531584356054.png
 
الاميرال هوراشيو نيلسون
HoratioNelson1.jpg


الملك جورج الثالث
800px-George_III_in_Coronation_edit.jpg
 
أيضاً هناك معركة تاريخية وتعد واحده من أقوى المعارك في التاريخ....وهي معركة المجاز بين الفاطميون والبيزنطينيه.
 
معركة المجاز البحرية

معركة المجاز هي من أروع المعارك ، والتي تشهد بمدى شجاعة وبطولة بحَّارة الإسلام، وبها من التفاصيل الممتعة والأحداث الشائقة، ما تجعلها واحدة من أساطير الغزوات البحريَّة.
صقلية تحت حكم الفاطميين
كانت ملحمة فتح جزيرة أيام دولة الأغالبة عمليَّة طويلة وصعبة، استمرَّت عشرات السنين؛ حيث لم يستقر المسلمون في صقليَّة إلَّا بعد عناءٍ طويل ومشقَّةٍ عظيمة؛ وذلك أنَّ أهلها كانوا دائمي الثورة ضدَّ الحكم الإسلامي، وكان لقرب الجزيرة من ثغور الدولة البيزنطيَّة أثرٌ كبيرٌ في استمرار الاضطرابات والثورات في تلك الجزيرة الاستراتيجيَّة.
عندما فتح المسلمون كانت تتبع دولة في إفريقيَّة، وهي بدورها تتبع ، وظلَّت الجزيرة تتبع الأغالبة حتى سنة 304هـ؛ حيث استطاع الفاطميُّون من الاستيلاء على الجزيرة، وبالتالي نُقلت تبعيَّتها للدولة الفاطمية التي تُعتبر العدو اللدود والخصم العنيد للخلافة العباسية.
اهتمام الفاطميين بالأسطول البحري
لم يكن الفاطميُّون أقلَّ اهتمامًا بشئون البحر من الأغالبة؛ بل الإنصاف يقضي بالقول: إنَّهم كانوا من أكثر الناس وأكبر الدول عنايةً بالغزو البحري والأساطيل المقاتلة بعد . ويُعتبر بناء مدينة المهدية سنة 303هـ أوَّل إجراء عملٍ قام به الفاطميُّون على طريق السياسة البحريَّة الواسعة، وكانت المهديَّة تتمتَّع بموقعٍ استراتيجيٍّ خطر، وبنى فيها الفاطميُّون دارًا لصناعة السفن، ولم تمر سوى سنوات قلائل حتى أصبح للفاطميِّين أسطولٌ بحريٌّ ضخم، اعتمد عليه الفاطميون في تنفيذ سياستهم التوسُّعيَّة ضدَّ العالم الإسلامي شرقًا حيث الدولة العباسية، وغربًا حيث الدولة الأموية في الأندلس.
وابتداءً من سنة 311هـ بدأ الفاطميون في غزو جنوب إيطاليا انطلاقًا من جزيرة صقلية، ولكن بصورة الهجمات الخاطفة التي تعود مثٌقلة بالغنائم، وقد حقَّق الفاطميون في هذا المضمار نجاحات كبيرة أثارت حفيظة الدولة البيزنطية، خاصَّةً بعد أن بدأت بعض الجمهوريَّات الإيطالية مثل نابولي وسلرنو في الخضوع للدولة الفاطمية ودفع الجزية.
اهتمام البيزنطيين بالأسطول البحري
بدأت الدولة البيزنطية في تقوية أساطيلها البحرية، وقد اعتنى الإمبراطور رومانوس الثاني بالأساطيل والثغور وبالغ في دعمه للقوة البحرية، وأثمرت تلك السياسة الحربية الجديدة للبيزنطيين عن استيلائهم على جزيرة كريت سنة 350هـ بعد أن ظلَّت تحت الحكم الإسلامي لأكثر من مائة وثلاثين سنة، ثم نجح البيزنطيون في انتزاع جزيرة من المسلمين سنة 352هـ.
وقد أثارت تلك النجاحات البحرية البيزنطية عزيمة نصارى جزيرة صقلية الذين كانوا يحلمون باليوم الذي يطردون فيه المسلمين من صقلية، وبالفعل بدأ التنسيق بين البيزنطيين والصقليين، وفتح نصارى ثغر طبرمين أبواب قلعتهم للقوات البيزنطية سنة 351هـ فدخلوها.
أبو الحسين الكلبي والي صقلية
في تلك الأثناء كان الوالي على صقلية من قِبَلِ الدولة الفاطمية رجلًا شديد البأس وافر العزم اسمه أبو الحسين الكلبي، وكان الفاطميون يعمدون لاستعمال الأكفاء ذوي المهارات القياديَّة دون التقيد بالمذهب والعقيدة، فلم يكن من شرط الولاية عندهم في غالب أحوالهم أن يكون الوالي فاطميًّا زنديقًا مثلهم، فحشد قوَّاته وأسرع قبل أن يمتدَّ العدوان البيزنطي لباقي أجزاء الجزيرة، وضرب حصارًا محكمًا على مدينة طبرمين طيلة سبعة أشهر ونصف حتى نجح في افتتاحها سنة 351هـ وطرد البيزنطيين منها، وأطلق عليها اسم (المعزية) نسبة إلى المعز الفاطمي.
معركة رمطة البرية
استشاط الإمبراطور البيزنطي نقفور فوكاس غضبًا للهزيمة التي لحقت بجنده في صقلية، فأعدَّ أسطولًا كبيرًا شحنه بأربعين ألف مقاتل، ونزل به على مدينة رمطة في شرق صقلية، فأتاه نصارى صقلية وانضموا إليه، فأسرع والي صقلية أبو الحسين الكلبي بإعداد أسطولٍ بحريٍّ قوي، وعهد إلى قادته إلى أمهر بحارة صقلية وهو الحسن بن عمار، كما أعدَّ جيشًا بريًّا قويًّا، وضرب حصارًا بريًّا وبحريًّا عنيفًا على مدينة رمطة في آخر رجب سنة 352هـ.
طالت فترة الحصار حتى إنَّ المسلمين قد بنوا البيوت والمتاجر والأسواق حول رمطة في إشارةٍ على عزمهم الأكيد على فتح المدينة، فلمَّا عَلِمَ الإمبراطور نقفور فوكاس، أمر بتعبئة سائر جنوده، وجهَّز جيشًا ضخمًا بقيادة عمانويل الخصي وأمره بالزحف على صقلية في شوال سنة 353هـ، وأمر الأسطول البيزنطي بالتحرك من الثغور الغربية للدولة باتجاه صقلية، واهتزت المنطقة بأسرها لخروج تلك القوات البيزنطية الجرَّارة.
استعدَّ ابن عمار لصدِّ الهجوم البيزنطي المزدوج في أوائل سنة 354هـ، وبالفعل اشتبك الفريقان في قتالٍ عنيفٍ جدًّا، واستمات المسلمون في قتال البيزنطيين وأبدوا صنوفًا رائعةً في الصمود والشجاعة، حتى تكسَّرت كلُّ الهجمات البيزنطية على صخرة المقاومة الإسلامية الصلبة، حتى اضطرَّ البيزنطيون في النهاية للانسحاب من القتال البري بعد أن قُتِل منهم عشرة آلاف جندي من بينهم القائد عمانويل نفسه ومعظم قادته، واقتحم المسلمون رمطة.
معركة المجاز البحرية
انتقل القتال بين الفريقين من البر إلى البحر، عندما ركب البيزنطيون أسطولهم الراسي عند جزيرة ريو الموجودة في ممر مسيني، وهو الممر الفاصل بين جزيرة صقلية وجنوب إيطاليا، وكان يطلق المسلمون على هذا الممر اسم (المجاز)؛ لأنَّ الأساطيل المسلمة كانت تجوز منه لغزو جنوب إيطاليا.
اصطدم الأسطولان الإسلامي والبيزنطي عند جزيرة ريو في ممر المجاز، وكما انتصرت الجيوش البرية، حقَّقت الأساطيل البحرية انتصارًا باهرًا على الأساطيل البيزنطية، وشعر البيزنطيون بوطأة الهجوم الإسلامي، فحاولوا الفرار من القتال بالتوغُّل بحرًا ناحية الشمال، وعندها برزت كتيبة أبطال الإسلام، وكانوا مجموعةً بحريَّةً متخصِّصةً في أعمال تخريب سفن الأعداء، وكانوا أشبه ما يكون بمجموعةٍ من الضفادع البشريَّة.
قامت هذه المجموعة بالغوص تحت سفن البيزنطيين، ثم قاموا بنقبها وتخريبها حتى غرقت بمن فيها، كما قامت مجموعةٌ أخرى باقتحام السفن البيزنطيَّة وإحراقها، وانتهت تلك المعركة الأسطوريَّة بهزيمةٍ ساحقةٍ للأسطول البيزنطي، حيث لم يبق من الأسطول البيزنطي الضخم سوى بضع سفنٍ قلائل.
من روعة الانتصار الذي حقَّقه المسلمون اضطرَّ البيزنطيون إلى طلب الصلح نظير التزامهم بدفع الجزية، واضطرَّ إمبراطور بيزنطة للإفراج عن أسرى المسلمين في المشرق، حتى يكفَّ مسلمو صقلية عن غزوهم البحري لسواحل بيزنطة وجنوب إيطاليا.
download (6).jpeg
download (4).jpeg
download (3).jpeg
download (5).jpeg
 
لكن نسيتم المعركة البحرية التي فتحت للمسلمين باب السيطرة على البحر المتوسط :
معركة ذات الصواري تنهي سيطرة الروم على البحر المتوسط بعد فرار خليفة هرقل




14a-na-75553.jpg

تاريخ النشر: الخميس 01 أغسطس 2013
«ذات الصواري» معركة بحرية وقعت في عام 35 هجرية الموافق لعام 655 ميلادية بين المسلمين والإمبراطورية البيزنطية، وانتهت بنصر المسلمين، ومثلت هذه المعركة نهاية سيطرة الدولة البيزنطية على البحر الأبيض المتوسط. في وقت قصير استطاع المسلمون بناء اسطول بحري برز بقوة في البحر المتوسط، مما أثار حقد الإمبراطور البيزنطي «قسطنطين الثاني» خليفة هرقل عظيم الروم، والذي حاول أن يقضي على الأسطول الإسلامي، حتى تظل السيطرة على البحر المتوسط للأسطول البيزنطي وحده.
أحمد مراد (القاهرة) - أعد قسطنطين الثاني أسطولاً كبيراً تراوح عدده من 700 إلى 1000 سفينة شراعية، وتحرك به نحو سواحل الشام، واستعد المسلمون لهذا اللقاء جيداً، وتعاون الأسطولان في مصر والشام، لرد هذا العدوان، وأسندت قيادتهما إلى عبد الله بن سعد بن أبي السرح والي مصر، وكان الأسطول الإسلامي وقتها مكونا من 200 سفينة أقلعت من شواطئ سورية قرب موضع يقال له «فونيكس».
والتقى الأسطول الإسلامي بقيادة بن أبي السرح بالأسطول البيزنطي بقيادة الإمبراطور قسطنطين الثاني في شرقي البحر المتوسط، جنوبي شاطئ آسيا الصغرى - تركيا حالياً-، ونزلت نصف قوة المسلمين إلى البر بقيادة بُسر بن أبي أرطأة للقيام بواجبات الاستطلاع وقتال البيزنطيين المرابطين على البر.

advertbottom.png

التوابيت

وبدأ القتال بين الأسطولين عندما أصبحت المسافة بينهما في مرمى السهام بالتراشق بالسهام، وبعد أن نفدت السهام جرى التراشق بالحجارة، ومن أجل ذلك كانوا يجعلون في أعلى الصواري صناديق مفتوحة من أعلاها يسمونها التوابيت يصعد إليها الرجال قبل استقبال العدو، فيقيمون فيها ومعهم حجارة صغيرة في مخلاة معلقة بجانب الصندوق يرمون العدو بالأحجار وهم مستورون بالصناديق، وبعد أن نفدت الحجارة ربط المسلمون سفنهم بسفن البيزنطيين، وبدأ القتال المتلاحم بالسيوف والخناجر فوق سفن الطرفين، وانتهت المعركة بعد قتال شديد بنصر عظيم للمسلمين، وهزيمة ساحقة للأسطول البيزنطي، ونجا عبد الله بن سعد قائد الأسطول الإسلامي من الأسر الذي كاد يقع فيه. كما نجا الإمبراطور البيزنطي من القتل بأعجوبة، ونتيجة لهذه الهزيمة لم يرجع الإمبراطور قسطنطين الثاني إلى القسطنطينية بعد المعركة، وإنما ذهب إلى جزيرة صقلية قبالة شاطئ تونس، في محاولة منه لحماية ما تبقى من دولة الروم في شمال إفريقيا، لكنه قتل في صقلية سنة 68 هجرية.
مراكب المسلمين
وفي روايته عن المعركة يقول المؤرخ العربي ابن عبدالحكم: «إن عبد الله بن سعد لما نزل ذات الصواري، أنزل نصف الناس مع بسر بن أبي أرطأة سرية في البر، فلما مضوا أتى آتٍ إلى عبد الله بن سعد فقال: ما كنت فاعلاً حين ينزل بك هرقل - يقصد قسطنطين - في ألف مركب فافعله الساعة». أي: أنه يخبره بحشد قسطنطين لأسطوله لملاقاته، وإنما مراكب المسلمين يومئذ مائتا مركب ونيف، فقام عبد الله بن سعد بين ظهراني الناس، فقال: قد بلغني أن هرقل قد أقبل إليكم في ألف مركب، فأشيروا علي، فما كلّمه رجل من المسلمين، فجلس قليلاً لترجع إليهم أفئدتهم، ثم قام الثانية، فكلمهم، فما كلمه أحد، فجلس ثم قام الثالثة فقال: إنه لم يبق شيء فأشيروا علي، فقال رجل من أهل المدينة كان متطوعاً مع عبد الله بن سعد: أيها الأمير إن الله جل ثناؤه يقول: «كم من فئةٍ قليلةٍ غلبتْ فئةً كثيرةً بإذن اللهِ والله مع الصابرين»، فقال عبد الله: اركبوا باسم الله، فركبوا، وإنما في كل مركب نصف شحنته، وقد خرج النصف إلى البر مع بُسْر، فلقوهم - أي أسطول البيزنطيين - فاقتتلوا بالنبل والنشاب.
فقال: غلبت الروم ثم أتوه، فقال: ما فعلوا؟ قالوا: قد نفد النبل والنشاب، فهم يرتمون بالحجارة وربطوا المراكب بعضها ببعض يقتتلون بالسيوف، قال: غُلِبَتْ. وكانت السفن إذ ذاك تقرن بالسلاسل عند القتال، فقرن مركب عبد الله يومئذ، وهو الأمير، بمركب من مراكب العدو، فكاد مركب العدو يجتر مركب عبد الله إليهم - أي يجذبه نحوهم - فقام علقمة بن يزيد العطيفي، وكان مع عبد الله بن سعد في المركب فضرب السلسلة بسيفه فقطعها».

advertbottom.png

صفوف الروم

أما المؤرخ البيزنطي تيوفانس فيقول في روايته: ضم - أي قسطنطين - صفوف الروم إلى المعركة، وأخذ يتحرش بالعدو، فنشبت المعركة بين الطرفين، وهزم الروم واصطبغ البحر بدمائهم، فغيّر الإمبراطور ملابسه مع أحد جنوده، وقفز أحد الجنود على مركبه واختطفه وذهب به هنا وهناك ونجا بمعجزة».
ويرجع بعض المؤرخين سبب تسمية المعركة بذات الصواري إلى كثرة عدد صواري السفن التي اشتركت فيها من الجانبين، وبعضهم الآخر يذكر أن هذا الاسم نسبة إلى المكان الذي دارت قريباً منه، مثل قول الطبري: «فركب من مركب وحده ما معه إلا القبط حتى بلغوا ذات الصواري، فلقوا جموع الروم في خمسمئة مركب أو ستمئة». ويضاف إلى ذلك أن المكان الذي دارت المعركة قريباً منه اشتهر بكثرة الأشجار التي تستخدم أخشابها في صناعة صواري السفن.
 
التعديل الأخير:
لكن نسيتم المعركة البحرية التي فتحت للمسلمين باب السيطرة على البحر المتوسط :
معركة ذات الصواري تنهي سيطرة الروم على البحر المتوسط بعد فرار خليفة هرقل
حجم الخط


14a-na-75553.jpg

تاريخ النشر: الخميس 01 أغسطس 2013
«ذات الصواري» معركة بحرية وقعت في عام 35 هجرية الموافق لعام 655 ميلادية بين المسلمين والإمبراطورية البيزنطية، وانتهت بنصر المسلمين، ومثلت هذه المعركة نهاية سيطرة الدولة البيزنطية على البحر الأبيض المتوسط. في وقت قصير استطاع المسلمون بناء اسطول بحري برز بقوة في البحر المتوسط، مما أثار حقد الإمبراطور البيزنطي «قسطنطين الثاني» خليفة هرقل عظيم الروم، والذي حاول أن يقضي على الأسطول الإسلامي، حتى تظل السيطرة على البحر المتوسط للأسطول البيزنطي وحده.
أحمد مراد (القاهرة) - أعد قسطنطين الثاني أسطولاً كبيراً تراوح عدده من 700 إلى 1000 سفينة شراعية، وتحرك به نحو سواحل الشام، واستعد المسلمون لهذا اللقاء جيداً، وتعاون الأسطولان في مصر والشام، لرد هذا العدوان، وأسندت قيادتهما إلى عبد الله بن سعد بن أبي السرح والي مصر، وكان الأسطول الإسلامي وقتها مكونا من 200 سفينة أقلعت من شواطئ سورية قرب موضع يقال له «فونيكس».
والتقى الأسطول الإسلامي بقيادة بن أبي السرح بالأسطول البيزنطي بقيادة الإمبراطور قسطنطين الثاني في شرقي البحر المتوسط، جنوبي شاطئ آسيا الصغرى - تركيا حالياً-، ونزلت نصف قوة المسلمين إلى البر بقيادة بُسر بن أبي أرطأة للقيام بواجبات الاستطلاع وقتال البيزنطيين المرابطين على البر.

advertbottom.png

التوابيت

وبدأ القتال بين الأسطولين عندما أصبحت المسافة بينهما في مرمى السهام بالتراشق بالسهام، وبعد أن نفدت السهام جرى التراشق بالحجارة، ومن أجل ذلك كانوا يجعلون في أعلى الصواري صناديق مفتوحة من أعلاها يسمونها التوابيت يصعد إليها الرجال قبل استقبال العدو، فيقيمون فيها ومعهم حجارة صغيرة في مخلاة معلقة بجانب الصندوق يرمون العدو بالأحجار وهم مستورون بالصناديق، وبعد أن نفدت الحجارة ربط المسلمون سفنهم بسفن البيزنطيين، وبدأ القتال المتلاحم بالسيوف والخناجر فوق سفن الطرفين، وانتهت المعركة بعد قتال شديد بنصر عظيم للمسلمين، وهزيمة ساحقة للأسطول البيزنطي، ونجا عبد الله بن سعد قائد الأسطول الإسلامي من الأسر الذي كاد يقع فيه. كما نجا الإمبراطور البيزنطي من القتل بأعجوبة، ونتيجة لهذه الهزيمة لم يرجع الإمبراطور قسطنطين الثاني إلى القسطنطينية بعد المعركة، وإنما ذهب إلى جزيرة صقلية قبالة شاطئ تونس، في محاولة منه لحماية ما تبقى من دولة الروم في شمال إفريقيا، لكنه قتل في صقلية سنة 68 هجرية.
مراكب المسلمين
وفي روايته عن المعركة يقول المؤرخ العربي ابن عبدالحكم: «إن عبد الله بن سعد لما نزل ذات الصواري، أنزل نصف الناس مع بسر بن أبي أرطأة سرية في البر، فلما مضوا أتى آتٍ إلى عبد الله بن سعد فقال: ما كنت فاعلاً حين ينزل بك هرقل - يقصد قسطنطين - في ألف مركب فافعله الساعة». أي: أنه يخبره بحشد قسطنطين لأسطوله لملاقاته، وإنما مراكب المسلمين يومئذ مائتا مركب ونيف، فقام عبد الله بن سعد بين ظهراني الناس، فقال: قد بلغني أن هرقل قد أقبل إليكم في ألف مركب، فأشيروا علي، فما كلّمه رجل من المسلمين، فجلس قليلاً لترجع إليهم أفئدتهم، ثم قام الثانية، فكلمهم، فما كلمه أحد، فجلس ثم قام الثالثة فقال: إنه لم يبق شيء فأشيروا علي، فقال رجل من أهل المدينة كان متطوعاً مع عبد الله بن سعد: أيها الأمير إن الله جل ثناؤه يقول: «كم من فئةٍ قليلةٍ غلبتْ فئةً كثيرةً بإذن اللهِ والله مع الصابرين»، فقال عبد الله: اركبوا باسم الله، فركبوا، وإنما في كل مركب نصف شحنته، وقد خرج النصف إلى البر مع بُسْر، فلقوهم - أي أسطول البيزنطيين - فاقتتلوا بالنبل والنشاب.
فقال: غلبت الروم ثم أتوه، فقال: ما فعلوا؟ قالوا: قد نفد النبل والنشاب، فهم يرتمون بالحجارة وربطوا المراكب بعضها ببعض يقتتلون بالسيوف، قال: غُلِبَتْ. وكانت السفن إذ ذاك تقرن بالسلاسل عند القتال، فقرن مركب عبد الله يومئذ، وهو الأمير، بمركب من مراكب العدو، فكاد مركب العدو يجتر مركب عبد الله إليهم - أي يجذبه نحوهم - فقام علقمة بن يزيد العطيفي، وكان مع عبد الله بن سعد في المركب فضرب السلسلة بسيفه فقطعها».

advertbottom.png

صفوف الروم

أما المؤرخ البيزنطي تيوفانس فيقول في روايته: ضم - أي قسطنطين - صفوف الروم إلى المعركة، وأخذ يتحرش بالعدو، فنشبت المعركة بين الطرفين، وهزم الروم واصطبغ البحر بدمائهم، فغيّر الإمبراطور ملابسه مع أحد جنوده، وقفز أحد الجنود على مركبه واختطفه وذهب به هنا وهناك ونجا بمعجزة».
ويرجع بعض المؤرخين سبب تسمية المعركة بذات الصواري إلى كثرة عدد صواري السفن التي اشتركت فيها من الجانبين، وبعضهم الآخر يذكر أن هذا الاسم نسبة إلى المكان الذي دارت قريباً منه، مثل قول الطبري: «فركب من مركب وحده ما معه إلا القبط حتى بلغوا ذات الصواري، فلقوا جموع الروم في خمسمئة مركب أو ستمئة». ويضاف إلى ذلك أن المكان الذي دارت المعركة قريباً منه اشتهر بكثرة الأشجار التي تستخدم أخشابها في صناعة صواري السفن.
 
عودة
أعلى