اهمية الاستخبارات الطبية

night fury

عضو
إنضم
23 مارس 2008
المشاركات
4,508
التفاعل
1,267 1 0
الدولة
Jordan
أهمية الاستخبارات الطبية
بسم الله الرحمن الرحيم


أهمية الاستخبارات الطبية


إن الحصول على المعلومات المتعلقة بمكان ما، أو منطقة معينة، مثل: معرفة التهديدات الطبية، والأمراض المنتشرة والمستوطنة، والبيئة، وطبيعة الأرض، والطقس، وعوامل أخرى، أصبحت من الأوليات التي يحرص أي قائد عسكري أن يحصل عليها، وذلك من الممكن أن يجنّب جيشه الكثير من الخسائر في الأرواح والعتاد والوقت، لأن هذه الأمور لها تأثير مباشر على الأفراد والمعدات، وبخاصة إذا كانت هذه المنطقة مسرح للعمليات العسكرية. وكان لهذه العوامل في بعض الجيوش سواء في الحروب القديمة أو الحديثة دور كبير في تحديد المنتصر في هذه المعارك. كما أن المعلومات التي يتم الحصول عليها لها دور كبير في تحديد موقع المعركة، وتاريخ بدء الهجوم، ونوعية الهجوم؛ بالإضافة إلى استخدام الأساليب الوقائية لمنع انتشار الأمراض بين الجنود في الجيش، وبذلك تؤدي إلى رفع الروح المعنوية للأفراد وتحقيق النصر بإذن الله.


الخطر الطبي


يجب علينا الاستفادة كثيرًا من الدراسات الطبية عند دراسة الأحداث التاريخية السابقة لأهميتها لقواتنا، مع التركيز على الأسئلة التالية:
هل كان القادة السابقون على دراية بالخطر الطبي على جنودهم؟
هل كانوا يعتبرون الخطر الطبي أثناء خططهم؟
هل العمليات العسكرية كانت ناجحة بسبب جهود القادة في مواجهة الخطر الطبي؟
هل العمليات العسكرية كانت غير ناجحة بسبب قلة جهود القادة في مواجهة الخطر الطبي؟
قبل الإجابة على هذه التساولات يجب أن نستعرض بعض الأمثلة من التاريخ والمعارك العسكرية، التي تدل على عدم اهتمام بعض القادة العسكريين آنذاك بأهمية جمع المعلومات عن مناخ وتضاريس المنطقة، والأمراض المنتشرة فيها، بالإضافة إلى النباتات، والحيوانات، والحشرات الضارة بالإنسان، وبالتالي انتشار الأمراض بين الجنود في المعركة، مما عرّضهم للهزيمة قبل مواجهتهم للعدو، وهي على سبيل المثال:
في عام 1803م، عندما أرسل (نابليون) قوة من (22) ألف مقاتل لقمع الثورة في مستعمرة (هاييتي) الفرنسية، مات (20) ألف من رجاله بسبب الحمى الصفراء في هذه الحرب، حتى قيل إن الفرنسيين أبرقوا لباريس أن الجيش كان يتقاعد في المستشفى!! وكنتيجة لذلك حققت (هاييتي) استقلالها عن طريق مقاومة بسيطة للقوات الفرنسية، وقد كان هذا بسبب قلة الحكمة في إرسال هذه القوة إلى منطقة تنتشر فيها الحمى الصفراء، كمرض وبائي بدون تحصينهم ضد الحمى الصفراء.
شن الأوروبيون حربًا بيولوجية في السهول العظمى ضد الهنود الحمر لطردهم من موطنهم الأصلي (أمريكا)، وتتلخص في أنهم قاموا بتوزيع أغطية وبطانيات ملوثة بفيروس الجدري، تم الحصول عليها من محجر صحي يحتجزون فيه المصابين بهذا المرض المعدي، بدعوى المساعدة الإنسانية، بينما كان الغرض الحقيقي منها هو نشر وباء الجدري بينهم، وبالتالي قتل أعداد كبيرة منهم دون قتال.
مثال آخر على نقص تمييز الخطر الطبي، حدث عام 1812م، عندما غزا (نابليون) روسيا، كان معه جيش قوامه (600) ألف جندي، وكانت قواته المركزية ما بين (232) إلى (300) ألف، انخفضت جميعها إلى (90) ألفًا عندما احتل روسيا. لم يعرف السبب الحقيقي وراء فناء كل هؤلاء الجنود، ولكن كان معظم ذلك بسبب الدفتيريا، والدوسنتاريا، والإجهاد، إذ بلغ معدل الوفيات المرضية 80% من عدد الجنود، ولم يبق معه إلاّ 20% فقط!! ومما هدد فرنسا أن الجيش قد تعرّض لشتاء قاس، ثم كان تأجيل المعركة بسبب زيادة نسبة الأمراض في جيش (نابليون)، وعندما عبر آخر جندي نهر (نيمين) إلى ألمانيا، لم يبق معه إلاّ (40) ألفاً فقط، وكان ألف واحد منهم فقط هو القادر على العمل العسكري.
في حرب الكويت 1991م، يقول الفريق الأول الركن خالد بن سلطان قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات بحرب الخليج الثانية في كتابه: (مقاتل من الصحراء): "اشتكى كثير من الجنود الأمريكيين الذين شهدوا الحرب من صداع، وطفح جلدي، وكحة، وإسهال... وغير ذلك من الأمراض التي يُعتقد أن مردّها إلى حرب الخليج. حتى إن هذه الأعراض المَرَضية يُطلق عليها أحيانًا: أعراض حرب الخليج".
في خريف 1918م، كانت الحرب العالمية على مشارف الانتهاء، ولاح السلام في الأفق، وقد شاركت أمريكا في هذه الحرب، وجمعت دول التحالف ضد ألمانيا داخل الخنادق، وعاش المجندون في أجواء قاسية لدرجة أنهم اعتقدوا أنه لا يوجد حال أسوأ من هذه، وفجأة أُصيب العديد من المجندين بمرض كان شبيهًا جدًا بنزلات البرد، ولكن المرض أثبت أنه أقسى من ذلك، حيث توفي نصف القتلى الأمريكيين في أوروبا أمام الوباء، وليس في مواجهة العدو، وتم تقدير القتلى ب (34) ألفاً من المشاركين في الحرب.
معركة (الباسفيك)، حيث تسببت الملاريا في القضاء على عدد من الجنود بلغ (8) أضعاف الذين قتلوا في المعركة.
وكان هناك حدث أقل شدة أثناء الحرب الأمريكية الأسبانية، هو القصة الفظيعة ل "فورت ستتبرج"، والذي كان موقعه في سفح التلال على بعد (66) ميلاً شمال غرب "مانيلا"، وكان هذا المكان معروفًا بأنه مكان الحشرات والآفات التي تسببت في الملاريا في الجيش الأمريكي؛ فقد أُنشئ عام 1902م بعد الحرب، ثم بني فيه مستشفى سنة 1904م، فمن بين كل (1000) من القوات الأمريكية، كان هناك (730) مصابًا. وفي عام 1905م كان هناك (800) جندي، مَرِضَ منهم (377) في مستشفى الملاريا، وكان السبب الرئيس وراء هذه الكارثة أن النهر كان يغذي بعوض (الأنوفيليس) في المجموعة المصغرة.
في عام 1983م، حدثت عملية (بدون رقيب)، عندما أنزلت الولايات المتحدة قواتها في (جرانادا) ولم تعطهم الوقت الكافي للبحث والاستعداد، فلم يتم الحصول إلاّ على القليل من المعلومات الاستخباراتية، فقد تهدد الجيش بالحشرات والنباتات السامة والمياه غير الآمنة؛ وكان للحرارة الاستوائية أثر كبير على الجيش، مما أدى إلى سرعة خروجه من المنطقة لأنه تعرّض لمخاطر العمليات في الأدغال، وكان من الممكن تغيير نتائج العملية لو روعيت هذه النقاط:
الافتراضات غير الصحيحة بإمكانية وجود ماء عذب هو أحد أهم أسباب فشل هذه العملية.
قلة التركيز من القيادة على أن تستهلك القوات المعدلات الكافية من شرب الماء لتعويض ما افتقدوه خلال العملية، وبالتالي فقد العديد من الجنود قدراتهم بسبب الجفاف.
كان يجب استخدام ملابس الأدغال في العمليات، فقد كان زي (لباس) المعركة شديد الحرارة على الأفراد، كما أنه كان ثقيلاً في تلك البيئة الاستوائية.
قلة الإمدادات الدقيقة بالمبيدات الحشرية اللازمة، كان له أثرٌ بالغٌ في زيادة عدد النمل المفترس العدواني.
كان على القوات الأمريكية اتخاذ الحيطة والحذر من النمل المفترس حتى يمكنهم من حماية أنفسهم.
لم تبتعد القوات الأمريكية عن شجرة (المانش نيل) السامة، فقد تسممت أجسام العديد من أفراد القوات عند توغّلهم بين أفرع الأشجار، ثم فكرت قيادة العملية سريعًا في الأمر، وبدأت تعطي واقيًا للجلد وأدوية لعلاج الحالات المصابة، ونبّهت على أهمية الابتعاد عن هذه الأشجار السامة، لأن سكان هذه المنطقة كانوا يتجنّبون هذه الأشجار وثمارها، لأنها يمكن أن تسبب الحساسية والحكّة في الجلد والعين.
وهناك الكثير من الأحداث عبر التاريخ التي تدل على قلة الحكمة، والتسرّع باتخاذ القرار من قِبَل القائد قبل جمع المعلومات المتعلقة بتلك المنطقة.
ومن الأمثلة السابقة يتضح لنا أهمية دور الاستخبارات الطبية في المحافظة على صحة وسلامة الجيش في المعركة، سواء من الناحية الاستراتيجية أو التكتيكية، وذلك على النحو التالي:
1. نجاح أي قوة في منطقة ما، هي جمع المعلومات (مسببات الأمراض، والعوامل المؤثرة على أداء الجندي في ميدان المعركة كالطقس، والموقع الجغرافي، والوقت) المتعلقة بتلك المنطقة، وهي ما يسمى بالاستخبارات الطبية.
2. خفض نسبة انتشار الأمراض والإصابات التي تلحق بهذه القوات بخلاف تلك الناشئة عن المعارك.
03 زيادة القدرة الإنتاجية للقوات لأداء المهام المناطة بها بشكل فعّال.
04 التقليل من الأعباء المادية الناتجة عن علاج الأمراض والإصابات بعد وقوعها.
05 رفع المعنويات لدى القوات.
وكمثال حي للاستفادة من خبرات الجيوش السابقة، تم أخذ فكرة الوقاية من الأمراض في الاعتبار في الحرب العالمية الأولى في فرنسا، حيث كانت التربة تحمل العديد من البكتريا المسببة ل (التيتانوس)، التي كانت تمثّل خطرًا كبيرًا على المصابين، وكان معدل إصابة الجنود البريطانيين (52) حالة من بين كل ألف من الجنود، كان يموت من بينها90% من الحالات، وأدرك جيش الولايات المتحدة أهمية التحصين ب (الانتيتوكسين) Antitoxin قبل دخولهم إلى العمليات، وبالتالي قلت معدلات إصابة الجيش الأمريكي ب (التيتانوس).


أهمية الاستخبارات الطبية


بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى اتضحت أهمية جمع المعلومات الطبية عن أرض المعركة، وهي ما يسمى داخل الجيش الأمريكي ب Medical Intelligence (الاستخبارات الطبية)، حيث كانت أكبر الإخفاقات في التاريخ العسكري نتيجة انهيار الوقاية الشخصية، وعدم السيطرة على الأمراض، وهو ما يعرف ب Dnbi (المرض والإصابة من غير قتال) (disease And Non-battle Injurty)، حتى من خلال الفترة التي كان بها (الإسكندر) و (هانيبال) و (فريدريك) و (نابليون)، وهم من أعظم القادة العسكريين، فإنهم قد فشلوا في تحديد أهمية الخطر الطبي على الجنود.
وفي إحصائية لوفيات العالم لعام 1988م، والبالغ عددهم (54) مليونًا، قامت بها منظمة الاستخبارات القومية الأمريكية عام 2000م، وجد أن حوالي ثلث المتوفين كان بسبب رئيس من الأمراض المعدية. ويعود سبب انتشار هذه الأوبئة إلى الهواء، والتنقل، والاستيراد، والتصدير، وتغيّر أنماط الحياة، والبيئة. وتتزايد هذه النسبة، بخاصة في عصرنا، هذا عصر العولمة(1)، والذي تنتقل فيه الأمراض بسرعة مذهلة؛ حيث إن المرض هو العدو الوحيد الذي لا يستطيع القائد قهره، فتُرفع له الرايات البيضاء.
ومن المتعارف عليه أنَّ الحروب بشكل عام تعتمد على المعلومات المتوفرة قبل استخدام السلاح، فالقائد، مهما كانت قدراته ومهاراته القيادية، لا يستطيع تحقيق المهمة بنجاح قبل أن يحصل على المعلومات الضرورية التي تساعده على استخدام قواته. وحتى يتحقق النصر على العدو، لابد من معرفة أدق التفاصيل عن العدو، وعن منطقة العمليات، حيث إن مسؤولية جمع المعلومات الطبية، وتحليلها، وتقويمها، وتفسيرها، ومن ثم إنتاجها، وتوزيعها كاستخبارات طبية، تعتبر من أهم الأسس اللازمة لوضع الخطط التكتيكية وتنفيذها. لذا، فعلينا أن ندرك أنّ الاستخبارات الطبية شرطٌ أساسي لكسب المعركة، مثلما كان الحال أيام (هيوقراط)(2) في معرفة الأخطار الطبية، فمن الأهمية اليوم أن يعطي القادة التكتيكيون والمخططون العسكريون هذا الأمر الاهتمام الكافي، والدراسات الضرورية، لتزويدهم بالمعلومات الكافية عن أرض المعركة من النواحي التالية: الأمراض المعدية المنتشرة، أو الشائعة والمستوطنة، والتهديد الطبي، والبيئة، والمناخ، والتضاريس، والحشرات، والقوارض، والحيوانات المفترسة بالمنطقة، والنباتات الصالحة للأكل، والنباتات السامة بالمنطقة للرجوع لها عند الحاجة. فيجب علينا دراسة ظروف عدونا، وإمكاناته الطبية، والجغرافية، والتي من شأنها أن تؤثّر على مدى الكفاءة القتالية للجنود والآليات، ومدى قدرتهم على الصمود بدنيًا في المعارك.
لا يمكن أن يكون تقويم الطاقة البشرية العاملة صحيحًا على أساس عدد الأيدي العاملة وحده، بل يجب تقويم قدرة هذه الأيدي من حيث: سلامتها البدنية، وقدرتها على العمل، وبذل الجهد، وتحمّل المشقة، وكمال لياقتها؛ حيث إنَّ نسبة عدد ساعات العمل التي تضيع بسبب المرض، والتغيّب، وبسبب الإنهاك الجسماني، الذي تسببه بعض الأمراض المزمنة والعارضة، التي قد تصيب الفرد فتنهك قواه وتقلل من قدرته البدنية والإنتاجية على حدٍ سواء. فمن الثابت أن انتشار أي مرض من الأمراض المنهكة كفيل بأن يعرقل تقدمه وأداءه في الميدان، فالحصول على المعلومات الدقيقة والمبكّرة في الحروب الحديثة، أهم مرحلة في تسلسل التخطيط لأي عملية، وهذا ما تهدف إليه معظم أجهزة الاستخبارات، سواء كانت استراتيجية، أو اقتصادية، أو عسكرية، أو طبية، ومن هذا المنطلق برزت أهمية جمع المعلومات الطبية، والبيئية، والجغرافية على مر الأزمان التاريخية. وتوجّب علينا معرفة طرق هذا المجال والخوض في هذا العلم الهام والحديث في دراسة (الاستخبارات الطبية) بكل فروعها ومكوناتها. حيث إن المرض كما ذكرت كان، ولايزال، هوالعدو الوحيد الذي لا يستطيع القائد قهره، فتُرفع له الرايات البيضاء


المراجع:


1 الاستخبارات الطبية: دراسة ميدانية طبية تاريخية جغرافية عسكرية 2006م، العقيد الدكتور- صالح بن إبراهيم الطاسان.
2 البيئة وصحة الإنسان في الجغرافيا الطبيعية، د. عبدالعزيز طريح.
3 الحرب الكيميائية، 1991م، د. إدوارد سبيرز.
4 معالجة المصابين بالميدان من أسلحة الدمار الشامل (النووي، البيولوجي، الكيميائي)، 2004م، أعراضها، وطرق الوقاية، والكشف، والتطهير، والعلاج. العقيد الدكتور- صالح بن إبراهيم الطاسان.


الهوامش:


1 يعبّر مصطلح العولمة هنا عن تحوّل العالم إلى ما يشبه القرية الصغيرة، لتقارب الصلات بين الأجزاء المختلفة من العالم، وسهولة انتقال الأفراد في أرجاء العالم، حيث فتحت الحدود، وتلاشت المسافات، وبالتالي تفشي الأمراض المعدية.
2 حوالي سنة (400) قبل الميلاد كان (هيوقراط) أبو الطب، وهو معلم وممارس إغريقي يدرس الطب، ويقول: "إن لكل دواء تحديًا، فيجب أن ترى أولاً آثار كل من: (الفصول الأربعة، والرياح، والحرارة، والبرودة، ونوعية المياه، وتضاريس المدينة). كما يعتبر (هيوقراط) هذه الأمور الأربعة أساسية لأي غريب في أي مدينة جديدة، ومن ثم كان يشعر بمدى الحاجة إلى دراستها التي كانت سينتج عنها فهم الأمراض الممكنة بها، وكيفية علاجها، ومن ثم تحديد أنواع الأمراض الوبائية التي يمكن أن تصيبها.


المصدر
 
اللهم انه مجهودا وبذلا ودعوة للعلم لا تضيع يارب اجر فاعليه وارزقهم به الدرجاتالعلا واصلح لهم دنياهم وأخرتهم
اللهم اغفر له ولوالديه ما تقدم من ذنبهم وما تأخر
وقِهم عذاب القبر وعذاب النار
و أدخلهم الفردوس الأعلى مع الأنبياء والشهداء والصالحين
واجعل دعاءهم مستجاب في الدنيا والآخرة
اللـهم آميـن
 
عودة
أعلى