تأريخ تأسيس الــقـــوات الــمـــســـلـــحـــة الــســــــورية

لادئاني

مراسلين المنتدى
إنضم
28 مارس 2013
المشاركات
25,052
التفاعل
30,391 0 0

القوات المسلحة في عهد الاحتلال الفرنسي لسورية 1920-1946
====


كان من المتوجب على فرنسا بموجب صك الانتداب أن تعد جيشاً محلياً للدفاع عن الجمهورية السورية الحديثة عقب استقلالها, ولكن سلطة الانتداب عمدت إلى بناءمؤسسة عسكرية تدين لها بالولاء.

وقبل تحليل السياسة الفرنسية العسكرية لا بد من تفصيل تركيبة القوات المسلحة خلال فترة الانتداب والتي تم تقسيمها على النحو التالي:

١− جيش الشرق الفرنسي: تطلبت عملية إحكام السيطرة على سورية الاعتماد على جيش الشرق الذي بلغ تعداده ٧٠.٠٠٠ عام ١٩٢١ , وكان يتألف من المغاربة والفرنسيين والأفارقة. وبحلول عام ١٩٢٤ تم تخفيض هذه القوات إلى15000 فقط, حيث تم دعمها بالقوات الخاصة للشرق.

ويخلط الكثير من الكتاب المعاصرين بين جيش الشرق الذي يتكون من عناصر خارجية, وبين القوات الخاصة للشرق والتي تم تأليفها من العناصر المحلية, وأصبحت نواة الجيشين السوري واللبنانيفيما بعد.

2-القوات الخاصة للشرق: استخدمت السلطات الفرنسية القوات الخاصة للشرق كفرق أمن داخلية مهمتها حفظ النظام وقمعالثورات داخل المدن.

وقد كان تعدادها عندما تأسست عام ١٩٢٤ نحو 6500 مجند من المخطط لها أن تتكون من عشر كتائب من المشاة, وعشرين فصيل خيالة, وفصيلين أو
ثلاثة من المدفعية الثقيلة ووحدات تدعيم, ولذلك فقد استمرت القوات الخاصة في توسع حتى عام ١٩٣٥ عندما أصبح تعدادها ١٤.٠٠٠ , ثم أخذت تتناقص بعد ذلكحتى بلغ مجموعها ١٠.٠٠٠ جندي, وكانت القوات الخاصة تتألف من متطوعين منالأقليات الدينية والعرقية, إلا أن الفرنسيين حافظوا على جميع المناصب القيادية حتى( انتهاء فترة الانتداب.

3- القوات الإضافية : تم استحداث القوات , الإضافية لدعم القوات الخاصة للشرق في قمع الثورة السورية الكبرى التي اندلعت سنة ١٩٢٥
وقد غلب طابع الهمجية وسوء التنظيم على هذه الفرق الإضافية, مما اضطر السلطات الفرنسية لتسريح معظم أفرادها بعد استتباب الأمور عام ١٩٢٨ , وضمت الفرق المتبقية. منها إلى القوات الخاصة في مارس

4- قوات الدرك: تألفت قوات الدرك من ٣.٠٠٠ جندي, وكان أغلب ضباطها من السوريين ولكن ضابطاً فرنسياً برتبة مقدم ضم إليها كأركان حرب. وكانت تخضع هذه القوات لوزارة الداخلية, وشملت واجباتها حفظ الأمن في الريف وتنفيذ العقوباتالقضائية والإشراف على احتكار التبغ وحراسة السجون.

5-جهاز الشرطة: يعتبر جهاز الشرطة قوة صغيرة مقارنة بالفرق الأخرى, وقدتغلب فيها العنصر الفرنسي. وبالإضافة إلى جهاز الاستخبارات الفعال كانت مهماتالشرطة تشمل كذلك العديد من المسؤوليات الإدارية ومكافحة الجريمة.

كما تم استبدال الأكاديمية العسكرية التي سبق تأسيسها في دمشق خلال العهدالفيصلي بكلية أخرى في مدينة حمص سنة ١٩٣٢ , وكان أغلب خريجيها من السنةوالنصارى بينما كان تمثيل الأقليات الأخرى ضعيفاً بسبب تدنى المستوى العلمي لديهم.

ويمكن القول بأن القوات الخاصة للشرق كانت أكثر هذه الفرق أهمية لأنها كانتتتألف في غالبيتها من السوريين, وكانت السلطات الفرنسية تعتمد على هذه القواتلتكسب بها الشرعية وتحتكرها ورقة أساسية للتفاوض مع القوى الوطنية, في المراحل الأخيرة للاستقلال.

أما القوات التي جاءت بها فرنسا − والتي كانت تسمى جيش الشرق− فقد غادر معظمها بحلول ١٩٢٤ , وبقيت فرق قليلة استخدمت في مقاومة الثورة التي استمرت مابين ١٩٢٥ و ١٩٢٧ , وقد وقع الخلط لدى كثير من المؤرخين بين جيش الشرق والقوات الخاصة للشرق, بسبب تشابه الأسماء وتداخل المهام المتعلقة بحفظ الأمن وقمع حركاتالتمرد في أنحاء البلاد.

ولذلك فإن السطور القادمة ستركز على القوات المحلية بسبب الدور السياسي والعسكري الذي لعبته طوال فترة الانتداب.


تطور القوات الخاصة للشرق
==============


يعود تاريخ الجيش المحلي التابع لفرنسا إلى فترة سابقة لمرحلة الانتداب وتحديداً عام 1916 عندما كانت قيادة القوات الفرنسية المتمركزة في مصر تعمل على تشكيل الكتيبة(Détachement Françasis du Palestine et Syrie) الفرنسية لفلسطين وسورية (( كانت تسمى في بعض المصادر بالجيش السوري)) ضمن الحملة التي كانت تعد لها قوات الحلفاء لاحتلال البلاد العربية بعد طرد الجيوش العثمانية منها.

وكان الهدف من هذه الكتيبة إنشاء قوات محلية ينتمي أفرادها إلى المناطقالتي ينوي الفرنسيون احتلالها فيما بعد بحيث يمكن الاعتماد عليهم في تثبيت الأمنوتوفير الشرعية المطلوبة للقوات الغازية.

وفي مناورة سياسية بارعة استطاع الجنرال أللنبي, بدعم من جهاز الاستخبارات العسكرية البريطانية, أن يكسب تأييد الجيش العربي بقيادة الأشراف الذين تمردوا على الدولة العثمانية وأخذوا يحاربون جنباً إلى جنب مع الحلفاء لإخراج الجيوش التركية منبلاد الشام.

وفي المقابل لم يكن الفرنسيون يحظون بتعاطف العرب واحترامهم وذلك بسبب تحالفهم العقائدي مع الموارنة في لبنان ونشاطهم التجاري والتعليمي الذي كانيهدف إلى خدمة الأقليات المسيحية دون غيرها في المنطقة. كما أن الأطماع الفرنسية في سورية كانت تتعارض مع طموح الأشراف بتأسيس دولة عربية كبرى على أنقاض الإمبراطورية العثمانية.

وبينما نجح الإنجليز في كسب الحركة القومية العربية وتظاهروا بتأييدها المطلق كان الفرنسيون يبحثون عن بديل يضمن لهم السيطرة على الإقليم, وكان هذا البديل يتمثل فيحلفائهم العقائديين من الأرمن الذين اشتركوا معهم في مشاعر الضغينة ضد الدولة العثمانية وضد الثورة العربية على حد سواء.

وكانت مذابح الأرمن وما تعرضوا له منالتشريد عقب تمردهم على الدولة العثمانية كفيلة بجعلهم ينتمون إلى طلائع الكتيبةالفرنسية لفلسطين وسورية, والانضواء تحت راية الفرنسيين للقضاء على الدولة العثمانية ووأد مشروع الدولة العربية التي لم تكن لتحقق لهم الكثير.

وفي نفس العام توصلت القيادة الفرنسية في مصر إلى اتفاق مع البطريرك الماروني في لبنان لتزويد القوات الفرنسية بالمتطوعين المحليين, وإرسالهم إلى قبرص عبر جزيرة أرواد السورية مقابل طرطوس حيث كان هناك مركز لتدريبهم وإعدادهم عسكرياً للانضمام إلى القوات الفرنسية المحاربة.

وبالتالي فإنه لم ينقض عام ١٩١٦ حتى تشكلت فرقة جديدة من الموارنة الذين تعود أصولهم إلى منطقة كسروان في وسط لبنان تم انتقاؤهم من قبل الكنيسة المارونيةوبمباركتها, وكان الموارنة يكنون شعوراً مماثلاً بالضغينة تجاه الدولة العثمانية ومشروعالدولة العربية الكبرى التي كان يبشر بها فيصل بن الحسين.

وقد هبت الكنيسة المارونية لتأييد المشروع الفرنسي منذ مرحلة مبكرة نظراً لما كان يتمتع به الموارنة من اهتمامالفرنسيين وعطفهم. وكان الجنود الموارنة على درجة عالية من التدريب والتسلح والانضباط, وكانوا كذلك يتمتعون بعلاقات ممتازة مع الضباط الفرنسيين بخلاف المقاتلين الأرمن الذين
كانوا ينزعون إلى الفوضى والتمرد, ونتيجة لهذا التضارب بين الفريقين فقد وقعت بينهم مواجهة عام ١٩١٧ مما أدى إلى فصل الفرقة المارونية عن الفرقة الأرمنية مع بقائهما تحت قيادة فرنسية موحدة .

وقد سجلت القوات الفرنسية لفلسطين وسورية أول إنجاز عسكري من خلال مشاركتها في حملة الجنرال أللنبي ضد القوات العثمانية في سبتمبر ١٩١٨ , وكان أداء هذه الكتيبة مرضياً للقيادة الفرنسية التي تمركزت بعد ذلك في بيروت وسيطرت على المنطقةالساحلية بأسرها.

ولكن تكرر الاعتداءات من قبل الأرمن على المواطنين المحليين في لبنان أدى إلى إعادة تقسيم هذه القوات إلى فرقتين; فرقة محلية من المتطوعين اللبنانيين والسوريين قوامها ٦٩٨ رجلاً بقيت في لبنان, وفرقة أرمنية قوامها ٤١٢٤ رجلاً تمركزت في كلكيليا جنوب شرق تركيا, وبقيت هناك حتى سرحت بعد حركة تمرد قامت بها عام ١٩٢١ , ولم تنشأ بعد ذلك فرقة أرمنية أخرى.


لقد تميزت فترة نشوء القوات الفرنسية لفلسطين وسورية ( 1916-1920) بتغلب النزعة العقدية التي لم يكن من الممكن تجاهلها, فقد كانت عملية التجنيد محصورة فيالنصارى من الأرمن والموارنة الذين لم يجمعهم سوى الضغينة الكامنة في نفوسهم ضد السلطة العثمانية والأغلبية المسلمة في الأقاليم العربية على حد سواء.

وكانت هذه العمليةتتم بإشراف الكنيسة المارونية وبمباركتها, حيث تحدث العديد من المؤرخين حول ظاهرةبعث الروح الصليبية في نفوس الضباط الفرنسيين الذين كانوا ينظرون إلى دخول البريطانيين, تؤازرهم سرية فرنسية, عاصمة بني أمية عام ١٩١٨ بأنه أول عودة للسيادة النصرانية في مدينة القديس بطرس .

وقد بلغت هذه النزعة الصليبية أوجها عندما احتلت القوات الفرنسية مدينة دمشق عام ١٩٢٠ ودخل الجنرال هنري غورو دمشق المدينة المقدسة في مواكب النصر ولم يتمالك نفسه عندما وقف على قبر صلاح الدين الأيوبي ليصرخ بأعلى صوته « ها نحن صلاح الدين »

ولم يكن الجنرال غورو وحده مسكوناً بهاجس انتصار الصليب على الهلال وانتهاك حرمة الأرض المقدسة بل شاركه عدد من المفوضين والضباط الذين أرسلتهم فرنسا لحكم بلاد الشام, وقد تحدثت عن هذهالظاهرة العديد من الصحف الفرنسية المعاصرة, ومن أبرزها صحيفة اللوموند التي انتقدت انبعاث « الروح الصليبية في القرن العشرين »

ونتيجة لهذه النزعة الصليبية فقد نظر السوريون إلى القوات المحلية التي جندتها فرنسا نظرة ريبة وحذر وعزفت الأغلبية عن المساهمة فيها طوال فترة الانتداب, في حين أسهمت السياسة الفرنسية غير المسؤولة في تعميق الهوة بين الأغلبية السنية والأقليات الدينية والعرقية بتمزيق الإقليم على أسس طائفية إلى خمس دويلات متناحرة, محدثة بذلك شرخاً اجتماعياً عميقاً على طول الساحل السوري.

 

القوات الخاصة للشرق خلال السنوات الأولى من الانتداب الفرنسي
=========================


شهدت السنوات الأولى من فترة الانتداب تغيراً ملحوظاً في السياسة الفرنسية تجاه سورية ولبنان, حيث توجب على الفرنسيين إقامة سلطة بديلة عن الحكم العثماني ومن ثم الفيصلي, وقد أدرك الجنرال غورو من خلال حركات المقاومة التي اندلعت في سائر أنحاء سورية بأن نزعته الصليبية وجيشه العقائدي على صورته القائمة لا يمكن أن يضمن السيطرة على هذه المنطقة التي تمثل عصب المصالح الفرنسية في الشرق.

فعمل غورو على إنشاء جهاز إدارة ذات صبغة مدنية في بيروت يرأسه المفوض السامي ويعاونه عدد منالمندوبين والممثلين في كل من الدويلات الطائفية الوليدة. ولإحكام سلطة الانتداب دأب غورو على توسيع القوات المحلية ليضمن تمثيل فئات المجتمع الموالية والتي لا تشكلخطراً مباشراً على المصالح الفرنسية في المنطقة.

ولكن السياسة الفرنسية في إدارة القوات المسلحة لم تكن متجاوبة بأي حال مع تطلعات السوريين وآمالهم, فقد اعتمد غورو ( 1919 -1923) وبعده ويغان ( 1923- 1925) على العنصر الجبلي أي سكان الجبال من الأقليات وتم تجنيد أعداد كبيرة من جبل النصيرية وجبل الدروز وجبل لبنان,وأصبح غالبية المنتمين إلى القوات الخاصة من الفلاحين العلويينوالدروز والموارنة بالإضافة إلى تشكيل فرق جديدة من الأقليات الإسماعيلية والأكراد
والشراكسة.

ويعزو المؤرخ البريطاني مالكولم ياب ظاهرة تجنيد الأقليات الطائفية في سورية إلى السياسة الفرنسية التي كانت متبعة في المغرب العربي, فقد جاء أغلب الضباط والموظفينالفرنسيين إلى سورية بعد أن تلقوا خبرتهم في شمال إفريقيا حيث كان اعتماد السلطاتالفرنسية فيها على قبائل البربر لتشكيل الفرق العسكرية الموالية وقمع المشاعر الوطنية فيالمدن الرئيسة.

وكان أفراد هذه القبائل يتمتعون بمزايا عسكرية بالفطرة ويبغضونالسلطة المركزية ولديهم رغبة جامحة بالانفصال عنها وتكوين كياناتهم الخاصة.

فقد دأبت القوى الاستعمارية على ترسيخ حالة انعدام التوازن الطائفي والاجتماعي من خلالإقامة مؤسسات الحكم المدنية والعسكرية التي تدين للمستعمر بالولاء, ولذلك فقد هدفت سياسة التجنيد إلى تجنب المدن الرئيسة واستقطاب العناصر الأكثر بداوة في المناطق التي تعاني من التخلف العلميوالاقتصادي بحيث يصبح أبناؤها أكثر الفئات انتفاعاً من السلطة الاستعمارية, ولا يتأثرون في الوقت نفسه بالعواطف القومية المتأججةفي سائر أنحاء الأقاليم المستعمرة.

إن مشاعر التعاطف التي أظهرها الفرنسيون مع المطالب الانفصالية التي قدمها العلويون والنصارى والدروز شبيهة إلى حد ما بالتعاطف الذي أبداه الإنجليز معالقوميين العرب الذين أرادوا الانفصال عن الدولة العثمانية, وفي حين أخلف الإنجليز وعدهم للأشراف وتملصوا من جميع الالتزامات التي تعهدوا بها أثناء الحرب العظمى (1914-1918) كانت السلطة الفرنسية البديلة في بلاد الشام أقدر على تحقيق مطالب أنصارها فأنشأت لهم دويلاتهم المستقلة وميزتهم في سياسة التجنيد والضرائب والخدمات العامة عن الأغلبية السنية.

وعندما شعر الفرنسيون باستتباب الأمور في سورية وتحقق هدوء نسبي في السنواتالأولى للانتداب; قاموا بتخفيض قوات جيش الشرق. بينما عمدت سلطة الاحتلال إلى إنشاء فرقة جديدة باسم: القوات الخاصة للشرقوكان قوامها من الأقليات الطائفية التي تخضع لقيادة فرنسية.

وقد أثبتت هذه الفرقالطائفية بأنها أقدر من القوات الفرنسية على إخماد الثورات وقمع المظاهرات الوطنية,وأثبتت في الوقت نفسه ولاء كاملاً لسلطة الانتداب, مما شجع الفرنسيين على استحداث عرفت باسم الفرق الإضافية − قوة عسكرية طارئة خلال سنوات الثورة (1925-1927) يتكون غالب أفرادها من الأكراد والشركس والاسماعيليين والدروز والعلويين .

جدول بعدد منتسبي القوات الاضافية من الطوائف

الطائفة ....1925 ....1930....1944

نصارى ... 1633 .....3291 ....6952

نصيريون....933.......2505.....5124

دروز .....45.........809......1958

اسماعيلي ....58.......207......352

شيعة .......3 .........38...... 788

========
========


وكان لهذه القوات سمعة سيئة بسبب جهل أفرادها والوحشية التي كانوا يعاملون بها أبناء المدن وما سجلته المصادر العديدة من تعديهم على المواطنين.

وقد تحدث القنصل البريطاني سمارت عن هذه الظاهرة, في خطاب وجهه إلى الخارجية البريطانية 23/2/1926 بقوله:

(( يشرفني أن أفيدكم بأن الفرنسيين قد جندوا حوالي ٢٠٠ إسماعيلي من السلمية شمال غربي حمص حيث يوجد تجمع إسماعيليهناك. لقد جيء بهؤلاء الرجال إلى دمشق تحت قيادة أحد زعمائهم …إن صاحب العقل الرومانسي سيسر لاكتشاف ربط تاريخي بين الفرنجة والحشاشين أيام الحروب الصليبية ضد الإسلام. ولكنالمعنيين بالوضع السوري اليوم سينظرون إلى هذه المسألة بتخوف فقد جر الفرنسيون الأرمن واللبنانيين [الموارنة] والشركس والأكراد والإسماعيليين وجميع الأقليات للمواجهة ضد الإسلام العربي. ومن المتحقق أن العرب لن ينسوا هذه الحقبة المفجعة))

وقد بلغت السياسة الطائفية أوجها في الجيش خلال الفترة ١٩٢٤مثل العلويون والنصارى وحدهم ٤٦ بالمائة من مجموع القوات الإضافية. وبسبب ما
كانت تتمتع به هذه القوات من سمعة سيئة وسوء إدارة وتنظيم فقد سرح الكثير من فرقها وضمت البقية منها إلى القوات الخاصة في مارس ١٩٣٠ , حيث شهدت فترة الثلاثينيات تغيراً في سياسة التجنيد.


قائمة تحدد نسبة الطوائف في المجتمع وفي القوات الإضافية في سورية ولبنان خلال الفترة 1924-1928:

الطائفة ......في المجتمع .......في القوات الاضافية التابعة لفرنسة

السنة ......71.3 % .........51.7%

النصارى ....12.6% .........26.6%

العلويون .....10.7% ........19.5%

اسماعيلي ....1% .........1.3%

دروز..........3.1% ........0.7%

شيعة .........1.3%..........1 %

====
====

أغلب أبناء السنة في القوات الإضافية ينتمون إلى الأقليات العرقية كالأكراد والشركس.

فقد ذهب ستيفن لونغريغ وألبرت حوراني وفيليب خوري وعدد من الكتاب الذين أرخوا لهذه المرحلة إلى أن سلطة الانتداب قد عمدت إلى إنشاء جيش طائفي لضرب المقاومة السنية ضد الحكم الفرنسي, وذلك من خلال تجنيد الأقليات من الأرمن والموارنة (1916-1920) ومن ثم النصيريين والدروز والإسماعيليين والأكراد والشركس (1921-1928) استخدمتهم في قمع ثورات السنة ضد الحكم الفرنسي التي اندلعت في عموم سورية

وركز أصحاب هذا الطرح على إبراز العنصر العقدي فيالمواجهة بين المسلمين السنة والأقليات الدينية والطائفية من جهة, والدور الفرنسي في
تأجيج الخلاف بين الفريقين من جهة أخرى.

وفي مراجعة لهذه النظرية السائدة حاول بوناكلي أن يثبت بأن السلطة الانتدابية لم تكن تسعى إلى توظيف العنصر العقدي بقدر ما كان اهتمامها منصباً نحو إحداث خلخلة في الصف الوطني المعارض لسلطة الانتداب الفرنسي ,( ١) وكانت سياستهم متباينة بحسب تغير الظروف وتباين الولاءات.

فخلال الحرب العالمية الأولى كان الجنرال أللنبي قد استحوذ على تأييد الجيوش العربية ولم يكن يسمح للفرنسيين بتجنيد أبناء السنة في صفوف
الجيش السوري التابع لفرنسا, فاعتمد الفرنسيون على الأرمن والمورانة.

وفي غضون الفترة 1924-1927 لم يكن الفرنسيون قادرين على تجنيد أبناء السنة لانعدام المصداقية وفقدان الثقة بين الطرفين, ولكن عندما هدأت الأمور في المرحلة التي أعقبت القضاءعلى الثورة الكبرى شرعت سلطة الانتداب تجنِّد عدداً من أبناء العوائل السنية في المدن وكذلك أبناء السنة القادمين من الأرياف الذين يبحثون عن الرقي المادي والمكانة الاجتماعية.

ويدلل بوناكلي على ذلك بأن الفرنسيين على سبيل المثال قد اعتمدوا على النصيريين بصورة ملحوظة طوال فترة الانتداب, ولكنهم لم يمنحوهم أي مناصب عليا في المؤسسة العسكرية. فبالرغم من أن النصيريين كانوا يشكلون حوالي نصف فرق المشاة الثمانية في القوات الخاصة إلا أنهم لم يتمتعوا بأي تمثيل في فرق الخيالة أو قوات الدرك,وحتى في الفرق التي كانت لهم الأغلبية فيها فإنهم لم يستلموا أي مواقع قيادية.

ويلاحظ كذلك بأن الفرنسيين لم يجندوا أبناء القبائل النصيرية التي تمردت عليهم كعشيرة البشاغرة على سبيل المثال, بل كان التجنيد محصوراً في العشائر التي أظهرت الولاء للفرنسيين أو كانت محايدة على أقل تقدير.

وبناء على ذلك يقرر بوناكلي بأن الفرنسيين قد استخدموا العنصر الطائفي في الفرق العسكرية لضمان ولائها, ونظراً لأن النصارى كانوا أكثر الفئات التي يمكن الاعتماد عليها من ناحية الولاء والتأهيل العلمي فقد استحوذوا على الرتب العليا في الجيش,وشغلوا المناصب الإدارية والفنية, وقد انسجموا مع الفرنسيين بسبب تربيتهم الغربية والعلاقات التجارية والتعليمية التي كانت تربطهم مع فرنسا منذ عام 1860

وبينما كان الدروز والنصيريون يستحوذون على فرق المشاة في القوات الخاصةوالقوات الإضافية, كان تمثيل الأكراد والشركس عالياً في قوات الدرك. أما في جهاز الشرطة فقد اعتمد الفرنسيون على النصارى الذين بلغت نسبتهم ٦٥ بالمائة, ثم جاءت نسبة الإسماعيليين في المرتبة الثانية, حيث كان تمثيلهم يقدر بحوالي ٠.١٧ رغم أنهم لم يكونوا يمثلون أكثر من ٠.٠٧ بالمائة من سكان الإقليم.


٣​
[
 




تطور جيش الشرق الموالي لفرنسة خلال فترة الثلاثينيات
======================


نظراً لهيمنة العنصر الطائفي على القوات المسلحة واستبعاد العنصر السني خلال الفترة 1920 - 1929 فقد انضوى غالبية أبناء السنة القادرين على حمل السلاح تحت راية إبراهيم هنانو وحسن الخراط وغيرهم من قادة الثورات التي اندلعت في دمشق وحلب وحماة وحمص وتلكلخ وحوران خلال الفترة 1921- ١٩٢٧ .

ونتيجة لهذه الخلفية العدائية فقد كان أبناء السنة يعتبرون الانضمام إلى الفرق العسكرية التي شكلها الفرنسيون نوعاً من الخيانة. وانحصرت عضوية هذه الفرق في العناصر الطائفية المعادية للحكم الفيصلي, وكان يجمعهم كذلك عامل الحقد على العوائل الإقطاعية السنية التي
هيمنت على العمل السياسي وملكية الأرض.

ولكن هذه السياسة تغيرت بصورة كبيرة خلال فترة الثلاثينيات. فقد ناءت خزينة السلطة المركزية بتكاليف الدويلات الطائفية المتعددة, وبدأت همة الفرنسيين تضعف إزاء الاستمرار في تكريس انفصال الساحل السوري وجبل الدروز عن المنطقة الداخلية,− وتزامن ذلك مع قيام المفوض السامي بونسو (1926 -1933) ومن بعده دومارتيل (1933-1938) بمحاولات لإبرام معاهدة مع الوطنيين وإقرار دستور للجمهورية وترتيب الأوضاع في سورية ولبنان على صيغة تحفظ المصالح الفرنسية بعد الانتداب

وكانت أول خطوة اتخذها الفرنسيون على الصعيد العسكري هي ضم الجيش السوري مع القوات الاضافية لتشكيل القوات الخاصة للشرق التي أصبحت نواة الجيشين السوري واللبناني فيما بعد.

وتزامن هذا الإجراء مع تسريح عدد كبير من القوات الإضافية سيئة السمعة, في حين أخذ يتزايد عدد المجندين من أبناء السنة بحيث تراوحت نسبة تمثيلهم بين 30 -50% خلال الفترة من 1930-1943 .

وفي عام 1932 أسست الأكاديمية العسكرية في حمص والتي كان أكثر خريجيها من الضباط السنة والنصارى ومن ثم حافظت على نسب محددة من أبناء الطوائف.(

ويذكر الضابط النصيري محمد معروف بأن الفرنسيين كانوا يتخيرون طلاب الكلية العسكرية حسب الطائفة والمحافظة, وكانوا يراعون تمثيل جميع الطوائف والمحافظات فيها, فقد كانت الدورة التي سجل فيها سنة ١٩٣٩ , من أصغر الدورات, وشارك معه فيها: أنطوان خوري عن الموارنة في اللاذقية, فيليب صوايا عنالأرثوذكس في اللاذقية, محمد معروف وحسن مهنا عن العلويين في اللاذقية, شارل جان عن الكاثوليك فيحماة, أنور تامر عن الإسماعيليين في حماة, وجيه حداد عن السنة في اللاذقية, كمال ماظ من دمشق, سهيل برازيعن حماة, زهير الصلح من بيروت, وعن الدروز: مفيد غصن حلاوي من لبنان, خطار حمزة وعبد الكريم زهرالدين من دروز جبل الدروز, وكذلك بيرميان عن الأرمن ونظام الدين عن الشيعة وخالد جادا عن الشركس.



وقد أشار إلى هذا التغير في سياسة التجنيد الضابط السوري أحمد عبد الكريم في مذكراته, فذكر بأن الفرنسيين في المرحلة الأولى:

(( أخذوا يختارون الجنود وعدداً من ضباط الصف والضباط من بين أبناء الأقليات القومية في سورية كالأرمن والأكراد والشراكسة والآشوريين والأقليات الطائفية الأخرى, ثم عمدوا في مرحلة تالية إلى انتقاء بعض الأسر الموالية لهم ليكونوا ضباطاً بصرف النظر عن توفر الشروط الثقافية فيهم. أما الكوادر الأساسية والمراكز الحساسة فكانت بين الضباط وضباط الصف الفرنسيين وكانت قيادات المواقعوالمناطق وضباط الأركان وضباط حرس البادية على الأخص معالفرنسيين... وفي أواخر الثلاثينيات عندما بدأت تظهر في الأفق دلائل اقتراب نشوب الحرب العالمية الثانية اضطرت فرنسا لتعزيزوحدات جيش الشرق ليسهم بالدفاع عن منطقة الشرق الأوسطفأنشأوا كلية حربية في حمص − وتخفيض شروط الانتساب للمواطنين السوريين واللبنانيين − الأمر الذي أفسح المجال لدخول العناصر الوطنية لهذه الكلية. وهكذا لم تنته الحرب حتى ضم جيش الشرق عشرات الضباط السوريين برتب مختلفة ولكن معظمهم كانوا من الضباط الأعوان ))



ولم تكن زيادة المجندين من أبناء السنة على حساب تناقص الطوائف الأخرى بل استمرت الزيادة المطّردة في تعداد الجيش بصورة عامة نتيجة لسباق التسلح الذي بدأتهألمانيا في النصف الثاني من الثلاثينيات, فقد حافظ النصيريون على التفوق العددي فيالقوات الخاصة ولكن انحصر دورهم فيالخدمات الوضيعة بسبب تدني المستوىالتعليمي لديهم. وتشير المصادر الى أن الفرقتين في القوات الخاصة كانت ضمن الفرق العلوية الخالصة التي سرحت بسبب تدني مستوى مجنديها فيما بعد.


لاحظ محمد معروف الضابط العلوي في مرحلة الأربعينات من القرن الماضي في مذكراته بأن أفراد السرية التي كانت تحت إمرته في البوكمال سنة ١٩٤٣ , كانوا جميعهم من العلويين وكانوا تحت إمرته, وقد تولى اختيارهم وتدريبهم بنفسه, ولم يكن الحال مختلفاً عندما عين آمراً على سرية في تلكلخ حيث كانت الغالبية العظمى من الجنود والرقباء في السرية من العلويين


ويلاحظ في هذه الفترة كذلك ارتفاع مستوى تمثيل النصارى بشكل ملحوظ, فقد زاد الأرمن خلال الفترة بنسبة ٣٠٠ بالمائة من 1930 الى 1944 ولكن اقتصر دورهم على الأعمال الخدمية والإدارية ولم تنشأ فرق أرمنية خلال تلك المرحلة على الإطلاق .

 
لقد تبنت سلطة الانتداب سياسة تجنيد السنة لكسب المزيد من الشرعية في محاولتها وضع أسس الجمهورية الحديثة بصورة تكفل المصالح الفرنسية عقب الاستقلال,وكانت السلطات الفرنسية تجد في صفوف السنة من العوائل الأرستقراطية ومن أبناءالريف من يمكن أن يتعامل معها طمعاً في تحقيق المصالح الشخصية وتحسين مستوىالدخل, وكان هؤلاء يتبوأون المناصب العالية ويضعهم الفرنسيون في واجهة المؤسسةالعسكرية في مرحلة اتخاذ القرار,


ولذلك فإنه من الملاحظ بأن عدد أبناء السنة من خريجي الأكاديمية العسكرية كان يفوق أي طائفة أخرى. ولكن ولاء الضباط السنة لميكن مضموناً بأي حال ولذلك فقد كان يتم التخلص منهم بصورة دورية, وقد شهدت الفترة 1943 - 1944 بالتحديد تسريح أعداد كبيرة من السنة بسبب تمردهم على القيادة الفرنسية ورفضهم المساهمة في ضرب الثورة التي اندلعت عام ١٩٤٤


ويمكن تلخيص نظرية بوناكلي بأن سياسة القوات الخاصة للشرق لم تكن طائفية بالمعنى الصحيح وإنما كانت تهدف بالدرجة الأولى إلى تجنيد العناصر الموالية لفرنساوالتي كانت تنحصر في الموارنة والأرمن قبل عام ١٩٢٠ , ثم توسعت لتشمل الأقلياتالدينية والعرقية في العشرينيات, وفي المرحلة التالية تحول الاهتمام نحو جذب العناصرالسنية لتحقيق نوع من التوازن داخل القوات المسلحة.


ولكن هذه السياسة لم تكن تخل من المنغصات فقد ضطر الفرنسيون إلى تسريح جميع الفرق الأرمنية بعد تمردها عام 1921, واضطرت بعد ذلك إلى استبعاد شق من الطرشان في دولة الدروز, وإلى استبعادقبيلة البشاغرة في الدولة العلوية بسبب تمردهم على الحكام الفرنسيين, واضطرت كذلك إلى تطهير صفوف الجيش من العناصر السنية بشكل دوري وخاصة خلال السنواتالأخيرة من الحرب العالمية الثانية.

وبالتالي فإن السياسة الطائفية في الجيش لم تكن في حقيقتها تحمل بعداً عقائدياً, بلكانت محاولة سياسية لترجيح موازين القوى تبعاً لتغير الظروف خلال فترة الانتداب.ولم تكن تهدف فرنسا من سياستها هذه إلى إنشاء جيش طائفي بل كانت تحاول أن تطبقالسياسة التي انتهجتها في المغرب العربي عن طريق اجتذاب الأقليات الأكثر ولاء للمستعمر والتي تشترك في تميزها الديني والعرقي عن الأغلبية, وفي مطالبتها بالانفصال عن السلطة المركزية


ويمكن اختتام هذا الفصل بعنصر أخير أضافه دريسدل إلى سياسة التجنيد في القوات الخاصة للشرق, وهو الاهتمام الذي أبداه الفرنسيون في مستوى التسلح والاستعداد الطبيعي لدى أبناء الطوائف للقتال,

فقد صرح حاكم دولة العلويين الفرنسي دي لاروشيه, في معرض حديثه عن النصيريين:

(( سيكون العلويون مفيدين جداً بالنسبة لنا, ولا يمكننا الاستغناء عنهم, فجميعهم مسلحون ويمكنهم أن يشكلوا معارضة قويةضدنا, ولذلك فإنه من مصلحتنا أن نحظى بتعاطفهم, وأن نفضلهم على غيرهم ))


وفي تقرير آخر لأحد المسؤولين الفرنسيين; فإن سكان سورية ليسوا أهل حرب وقتال ولكن توجد استثناءات لهذه القاعدة,

فقد وصفت المصادر الفرنسية الدروز بأنهم « جبليون ميالون للقتال » :وبأنهم مقاتلون بالفطرة ومتعصبون بكل ما تحمله الكلمة من معنى ))

وفي معرض آخر تصف الوثائق الفرنسية النصيريين بأنهم ((همج وقطاع طرق ولكن حتى في عمليات النهب وقطع الطرق تجد فيهم صفات الرجولة وحسن التحكم بالنفس ))


وتعرضت المصادر للشراكسة كذلك بأنهم مقاتلون بالفطرة, مفترسون كالنسور ويتمتعون بموهبة فطرية للقتال ))

ووصفت الإسماعيليين الذين استخدموا بصورة ملحوظة في قمع المظاهرات الوطنية بدمشق بأنهم (( محاربون قساة ))

ويمكن القول بأن العنصر الجبلي من أبناء الأقليات قد استهوى الفرنسيين نظراً لماكان يتوفر فيهم من استعداد طبيعي للقتال بالإضافة إلى ميلهم للتمرد وكراهيتهم للسلطة المركزية, فبادرت سلطة الانتداب بضمهم إلى مختلف الفرق العسكرية التي حافظت على هذه المزايا لدى انضمام أفرادها إلى الجيش السوري, ليشكلوا بعد ذلك نواة الحركات الانقلابية التي عصفت بالسلطة المركزية ورسخت حكم العسكر خلال الفترةالتي أعقبت الاستقلال.
 
يقول جورج كاترو ممثل الجنرال شارل ديغول في سوريا ولبنان((1943-1946))

)) لقد تم تطويع شيوخ العلويين البلهاء وأقول بلهاء لأننا تعبنا في تعليمهم الاولويات عند فرنسة فأولوياتهم دوماً الكيد للمسلمين السنة سرعان ما صار الشعب العلوي البسيط يد فرنسة الضاربة في وجه الأتراك والأعراب ..بطشهم قوة لنا .
مستعمراتنا ستبقى لنا لطالما صارت دولة لبنان الكبير حقيقة واقعة ((


 


لمحة بسيطة عن الشرخ الطائفي الكبير الذي نشرته فرنسة بسورية



1- ففي تقرير بريطاني حول مستقبل الطوائف في الجمهورية السورية بعدالاستقلال, بتاريخ ٢٧ إبريل ١٩٤٥ , تحدث القنصل البريطاني في سورية ((شون ))عن سوء السياسة الطائفية التي تبنتها فرنسا بقوله:

(( لقد أفسد الفرنسيون أبناء الطوائف بإضفاء الحماية عليهم وتفضيلهم على غيرهم, وبالتالي زرعوا في نفوسهم الشعور بالاستعلاء مما جعلهم يبالغون في المطالبة بحقوقهم أو التعبير عن
مظالمهم. وإذا استطاع هؤلاء (أبناء الأقليات) أن يتخلوا عن هذه
المشاعر والتصرف على أساس أنهم مواطنون سوريون بالدرجة الأولى
.« فإنه لن يكون هناك مبرر لشعورهم بالخوف))))


وأشار القنصل البريطاني بتقرير أخر (( النصارى الكاثوليك في سورية قد تمتعوا بحماية الفرنسيين لفترة طويلة مما أكسبهم شعوراً بالتعالي على الآخرين, واستمرارهم علىهذه القناعة بعد الاستقلال سيكون مصدر الخطورة الحقيقة على« مستقبلهم في المنطقة

ولفت الانتباه إلى أن:
المسلمين السنة يتعاملون بتسامح ظاهر مع الأقليات إلى درجة »
أن تمثيل النصارى في البرلمان السوري أكبر بكثير من حجمهم في
المجتمع السوري, بل إن رئيس الوزراء (فارس الخوري) هو من
النصارى البروتستانت, وكذلك فإن اثنين من الأعضاء الثلاثة في
.« الوفد السوري بمؤتمر سان فرانسيسكو هم من النصارى))


هذه المعطيات يلخص شون وجهة نظره بأن:

التهديد بانفجار الوضع الطائفي لا يكمن في موقف الأغلبية »
السنية من الطوائف وإنما من سوء تصرف قد يصدر من النصارى
الذين لا يشعرون بكثير من الولاء للدولة القومية ولا يستطيع الكثير
منهم إخفاء كراهيتهم وتشنجهم تجاه المسلمين, بل يختلقون
الأحداث الوهمية التي تكرس الرأي القائل بضرورة إبقاء وصاية
.« فرنسية على الإقليم

لقد اعتبر شون أن المشكلة الحقيقة تكمن في السياسة الفرنسية التي قامت على
أساس التمييز الطائفي ودعمت المشاعر العدائية للنصارى والدروز والعلويين ضد
الأغلبية السنية حتى تتمكن من كسب دعمهم ضد القوى المناهضة للاستعمار, ولذلك
فقد ختم تقريره بالتأكيد على ضرورة أن:

(( يستشعر أبناء الطوائف وضعهم الطبيعي وبأنهم من غير دعم »
فرنسا لا يشكلون أكثر من أقليات أمام الأغلبية المسلمة وعليهم أن
يظهروا الولاء للدولة الحديثة ويفقدوا الأمل من أي احتمال تدخل
(١).« غربي لصالحهم))

==
==



2- إفساد التعليم

بعد تقسيم سورية لدول طائفية 1919 الى 1941 من قبل فرنسة لعبت فرنسة دورها القذر بزيادة الاحتقان الطائفي عبر بث سمومه في المدارس:

عام ١٩٣٨ كان ٣١ بالمائة من الطلاب في سورية يتمتعون بالتدريس الحكومي في مقابل
٥٨ بالمائة يتلقون تعليمهم في المعاهد الخاصة ومدارس الإرساليات التي كان معظم
طلابها من أبناء الأقليات, أما نسبة ١١ بالمائة المتبقية من الطلاب فكانوا يترددون على
( الكتاتيب.

ويشير جوردون توري إلى أن مدارس الطوائف التي أنشأتها الإرساليات الأجنبية
قد زادت من تعقيد الوضع التعليمي, ففي حين كانت الحكومة المحلية تشرف على
المناهج وتمنح الدرجات العلمية,

تبنت المدارس الأجنبية طرائق أخرى في مناهج التعليم,( ٢) مما أدى إلى ظهور طبقة سياسية من أبناء الطوائف التي لم تكن تشعر بالانتماء للمجتمع العربي, ولعب خريجو الجامعة الأمريكية في بيروت وكذلك الجامعة اليسوعيةمنهم دوراً سياسياً بارزاً لأن النشاط السياسي كان قاصراً على النخب الحديثة التي نشأتوتكونت في هذا المناخ من التعليم الجامعي.


يشير لونغريغ إلى أن عدد المدارس الحكومية سنة ١٩٣٤ كان: ٧٠٣ مدارس, تضم ٧٥ ألف تلميذ, )
مقابل: ١٢١٤ مدرسة للطوائف تضم ٩٥ ألف تلميذ, بالإضافة إلى ٦١٨ مدرسة أجنبية ( ٤٥٠ مدرسة
فرنسية, ٩٩ مدرسة أمريكية, ٣٦ مدرسة بريطانية, ٢٠ مدرسة إيطالية, ٩ مدراس هولندية, ومدرستين لكلمن سويسرا واليونان).

بالنسبة لمدارس الطوائف فقد توزعت على النحو التالي: ١٤٩ مدرسة للرومالكاثوليك, ٣٣٤ مدرسة للموارنة, ٢٨ مدرسة للروم الكاثوليك, ٢٠ مدرسة للأرمن الكاثوليك, ٢١٢مدرسة للروم الأرثوذكس, ٢٩ مدرسة للسوريين الأرثوذكس, ١٩٤ مدرسة للأرمن الأرثوذكس, ١٥٧مدرسة للمسلمين, و ٥٩ مدرسة للدروز, بالإضافة إلى ٣٢ مدرسة متنوعة. انظر ستيفن لونغريغ (

==
==


3- وبالنسبة للتجارة:

وفي نهاية العهد العثماني استغلت فرنسا مصالحها التجارية في سورية لدعم الأقليات,
ففي عام ١٩١١ , على سبيل المثال, كان هناك ١٩٤ مصنعاً فرنسياً للحرير يعمل فيها ١٤
ألفاً من الموارنة والروم الأرثوذكس والكاثوليك وكذلك الدروز.( ٢) وقد انخرط العديد
من أبناء الطوائف بالعمل في المشاريع الفرنسية وتحديداً في مجالات الاستيراد والتصدير
وزراعة الحرير, وقام تجارهم بدور الوسيط في حركة التبادل بين السوق المحلي والأسواق
الأوروبية.

والحقيقة هي هي أن المعاناة قد شملت المسلمين السنة أكثر من أي طائفة أخرى لأنهم
كانوا يمثلون الأغلبية في سورية ويتعرضون للظلم الاجتماعي والإهمال السياسي أكثر
من أي طائفة أخرى; حيث إن المناطق السنية لم تحظ بالاهتمام الذي أولاه الفرنسيون
للدويلات الطائفية, بل اعتبر الفرنسيون النخبة السياسية من أبناء العوائل الكبيرة في
المدن ممثلين للأغلبية السنية, ولكن الحقيقة هي أن هذه الطبقة لم تكن حريصة على تبني
سياسات إصلاحية يمكن أن تضعف من نفوذها.(

===
===

4- ودعم كلايتون (( كبير موظفي الخارجية البريطانية))) الرأي القائل بأن أصل مشكلة الطوائف هو ما منحهالفرنسيون من حماية للنصارى على حساب المسلمين, ومن ثم توسيع هذه الحماية لتشمل طوائف أخرى فيالمنطقة, ورأى بأنه لن يكون هناك حل للحساسيات الطائفية إلا بالتخلي الكامل عن نظام الحماية التي تضفيها

بتاريخ ٩ أغسطس ,(E6228/5484/ الدول الغربية على الأقليات الدينية في سورية. وثيقة رقم: ( 89
١٩٤٥ . في:

============
=============

عمدت فرنسا إلى فرض الكانتونات الطائفية وإثارة النزعات الانفصالية لدى الأقليات التي
كانت ترغب بدورها في تأكيد خصوصيتها وترسيخ انفصالها عن غالبية المجتمع
السوري.

وقد أدت هذه السياسة إلى عرقلة فرص تحقيق التجانس بين أفراد المجتمع,
وأمعنت السلطة الانتدابية في ترسيخ الثقافة الطائفية وتضخيم مظالم أبناء الأقليات
وحشد معارضتهم ضد الأغلبية السنية من أبناء المجتمع السوري, فصنعت هويات
متعددة وانتماءات متضاربة داخل الكيان الجمهوري الذي زرعت فيه بذور الفتنة
والانقسام.

وحيث إن أبناء الطوائف قد تم استيعابهم في فرق جيش الشرق ((جيش الاحتلال الفرنسي لسورية))والقوات الخاصة للشرق (( سوريون تطوعو بالجيش الفرنسي )) وغيرها من التشكيلات العسكرية خلال فترة الانتداب, فإن هذا العامل سيكون له أكبر الأثر في زعزعة الاستقرار ودفع ضباط الجيش لشن سلسلة منالانقلابات العسكرية ضد الحكم المركزي في مرحلة ما بعد الاستقلال.
 
ملخص فترة الانتداب الفرنسي ومابعدها:
===


نشأت الجمهورية السورية في ظل الانتداب الفرنسي, وتشكلت في الفترة نفسها نواة القوات المسلحة السورية, وشابت عملية التأسيس هذه إشكاليات كبيرة وتناقضاتحرص الفرنسيون على ترسيخها بين مؤسسات الحكم المدني والجيش.

فقد عمد الفرنسيون إلى تجزئة القطر السوري من خلال إنشاء دويلات مستقلة فيسورية وتعميق الهوية الطائفية في تلك الدويلات, فأيقظت شعور أبناء الطوائف بالتميزعن سائر أبناء المجتمع وأظهرت التعاطف مع مطالبهم, وغذت فيهم روح الانفصال,وكانت فرنسا تهدف من خلال ذلك إلى تشكيل قوى محلية غير خاضعة لنفوذ السلطةالوطنية التي تمتعت بتمثل كبير في المدن السورية, ولتحقيق ذلك فقد قامت بإنشاء فرقالقوات الخاصة للشرق وتنسيب أبناء الأقليات الطائفية فيها, وعملت في الوقت ذاته إلىإضعاف مؤسسات الحكم المدني إلى قدر يسمح لها بالاستمرار في ممارسة نفوذها وحماية
مصالحها في المنطقة.

وعند جلاء القوات الأجنبية عن سورية سنة ١٩٤٦ استمرت حالة الانفصام بينالجيش السوري, وبين السلطة المركزية, مما أدى إلى وقوع سلسلة انقلابات عسكرية تولىفيها ضباط الجيش مقاليد الحكم, واستمر الصراع بين الحكم المدني والجيش لمدة ستة عشر عاماً, حتى وقع انقلاب حزب البعث الذي عمل على دمج المؤسسة العسكرية فيكوادر الحزب لتأسيس جيش عقائدي. ولكن هذه السياسة لم تكن كفيلة بنزع فتيل أزمة العلاقة المتوترة بين المدنيين والعسكريين فتتابعت سلسلة انقلابات ومحاولات انقلابية طوال العقد السادس من القرن العشرين, حتى نجحت محاولة تأسيس نظام حكم أكثرثباتاً سنة ١٩٧٠ , ولكن تكلفة ترسيخ هذا النظام كانت باهظة, وتمثلت في تعزيز الإرث الفرنسي القائم على استخدام العناصر العسكرية−الطائفية لإخضاع مؤسسات الحكم المدني.​
 

صرح الجنرال المفوض ساراي بأن سورية قد شهدت في سنة ١٩٢٢ خمسة وثلاثين ثورة دفن فيها من الجيشالفرنسي خمسة آلاف جندي من قواته وميليشيات حلفائه.( ٢)

ظهر الصراع البريطاني−الفرنسي ( 1940-1945) بصورة واضحة, فقد وقعت فرنسا في قبضة الاحتلال الألماني, وأصبح الجنرال الفرنسي دانتز
حاكماً على سورية ولبنان من قبل الحكومة الفرنسية الموالية لألمانيا, قبل أن تتحرك القوات البريطانية للإطاحة بحكومة فيشي الموالية للألمان وتثبيت وجود الحلفاء فيسورية في يونيو ١٩٤١ , وقد استغلت بريطانيا الضعف الفرنسي لتبسط نفوذها على كافة المناطق السورية, بينما لم تكن سلطة قوات فرنسا الحرة تتجاوز مدينة دمشق وضواحيها,وكان هذا التقسيم يعكس مدى التدهور العسكري الفرنسي مقارنة بجيش المشرقالبريطاني الممتد بين مصر والهند,( ١) ونتيجة لذلك التفوق فقد سيطر البريطانيون في سورية على الإدارة المحلية والخدمات العامة كالنقل والجمارك والبريد والبرق.

وبالرغم من أن الحملة البريطانية كانت بمثابة إنقاذ الهيبة الفرنسية في بلاد الشام إلا أن وجودها العسكري أتاح لها مجال التدخل في الشأن السوري بصورة مباشرة, فأخذت تتودد إلىالطوائف التي كانت قد فقدت الأمل في قدرة فرنسا على إحلال مشروعها الطائفي,

حيث امتنع الدروز عن التعامل المباشر مع السلطة الفرنسية ولم يعد النصيريون يثقون بفرنسا وبقدرة رجالها على حكم سورية.( ١) وقد أثار التغلغل البريطاني في مناطق الدروز والعلويين حنق السلطة الفرنسية إلى درجة أن الجنرال ديغول قد اضطر إلى مصارحة السفير البريطاني في باريس بأنه يعتبر بأن البريطانيين يقفون وراء جميع المشاكل في دولالمشرق, وبأنهم يسعون إلى إضعاف النفوذ الفرنسي في الشرق.(

ولاستعادة نفوذهم فيسورية لجأ الفرنسيون إلى تكريس الاحتلال عن طريق إرسال تعزيزات عسكرية لمواجهة الخطر الشعبي السوري وبلغت الأحداث ذروتها عندما قصفت المدفعية الفرنسية مبنى البرلمان فقتلت حراسه, وامتدت الاشتباكات بين القوات الفرنسيةوالمواطنين إلى شوارع دمشق, فسقط مئات القتلى والجرحى من جراء القصف المدفعيعلى المدينة, ولدى انتشار الثورة في جميع أرجاء القطر السوري وسقوط عدد كبير منالقتلى بادرت الحكومة البريطانية بإصدار إنذار إلى الجيش الفرنسي بوقف إطلاق النارفوراً والعمل على سحب قواته من المدن السورية, ولم تجد السلطة الفرنسية بداً من الاستجابة للضغوط البريطانية فبدأت الانسحاب التدريجي.

وبحلول شهر أغسطس سنة ١٩٤٦ , كانت جميع القوات البريطانية والفرنسية قد انسحبت من سورية.

لقد كانت سنوات الانتداب الفرنسي حاسمة في تاريخ سورية الحديث, ففي هذهالفترة وضعت أسس نظامها الجمهوري الوليد, ورسمت حدوده, ونشأت مؤسساتالحكم, وتم انتخاب أول رئيس للجمهورية سنة ١٩٣٢ , وأقر أول دستور للبلاد.

وقدهيمن على ترتيبات تأسيس الكيان الجمهوري أطماع استعمارية تمثلت في صراع بريطاني−فرنسي, وصراع آخر بين القوى الوطنية وسلطة الانتداب التي كانت ترغب في قيامالجمهورية السورية وفق صيغة تحقق لها أكبر قدر ممكن من الهيمنة والنفوذ, وقد أدتهذه العوامل مجتمعة إلى ظهور كيان لم يكن يملك الحد الأدنى من مقومات الاستقرار,وكان لذلك آثار سلبية ظهرت نتائجها في مرحلة ما بعد الاستقلال,​
 
أشارت تقارير الاستخبارات البريطانية في تلك الفترة ( 1943-1945) إلى أن أغلب العلويين كانوا يرغبون بإحلال سلطة بريطانية بديلة, وتوقع التقرير أن يكون النصيريون أكثر فئات المجتمع السوري خدمة لبريطانيا في المستقبلالقريب.

انظر:
Bourne. K, and Watt, D.C. edits. (1985) British Documents on Foreign
Affairs, 'Weekly Political Summary', 10 April 1942, and October 1944.
(2) Ibid, (E 6670/5/89), 25 August, 1945.


بلغ تعداد جيش المشرق البريطاني حوالي ٧٠٠ ألف جندي تدعمهم أسراب من الطائرات يزيد عددها عن )
٢٠٠٠ طائرة, بينما لم يكن لدى فرنسا سوى ثماني طائرات وستة آلاف جندي, معظمهم من السنغاليين, و ١٨
ألفاً من القوات الخاصة من السوريين واللبنانيين الموالين لفرنسا.​
 

مشروع الدويلات الطائفية:
============


اعتمدت فرنسا في سياستها الانتدابية على القول بأن بلاد الشام لم تكن تحت حكم الدولة العثمانية إقليماً موحداً بل كانت مجموعة من الولايات, وبالتالي فإن محاولة إنشاءسلطة مركزية من شأنها أن تزيد من التعقيدات المرتبطة بإدارة الإقليم. وبخلاف الأسس,التي قامت عليها دولة فيصل بن الحسين (1918-1920) فإن السلطة الفرنسية قد رأت بأن للأقليات الطائفية خصوصية لا يمكن تجاهلها, وبأن هذه الأقليات لا تشترك مع الأكثرية السنية في أصولها العرقية أو التاريخية أو انتمائها الديني.

وكان مستشارالمفوضية العليا: روبير دو كاي, أحد أبرز الداعين لهذه الفكرة, حيث جادل بأن بلدانالشرق لم تقم على الانتماء القومي بل قامت على أسس دينية بحتة, وأَضاف بأنه منذ سقوط الدولة الأموية لم تعد سورية تشكل وحدة سياسية متكاملة بل مجموعة منالأقاليم تضم العديد من الأديان والأعراق المتباينة, ورأى بأنه من المتعين على الأنظمةالسياسية أن تستوعب هذه الاختلافات وأن تعترف بها كأمر واقع, ومن ثم تقوم على( جمعها بصورة تدريجية في نظام فيدرالي تشرف على تأسيسه فرنسا.

وقد استخدم الفرنسيون هذه الفكرة كأداة لمواجهة الدعم الأمريكي للقوميين فيمطالبتهم بحق تقرير المصير, وكذلك لمواجهة الدعم البريطاني لفيصل بن الحسين; حيثلم تخل السياسة البريطانية من رفض مبطن للمطامع الفرنسية في المنطقة.

ونظراً لما يمكنأن يسببه الدعم الأمريكي − البريطاني للقوميين العرب في إضعاف النفوذ الفرنسي فإن دو كاي قد استبعد فكرة « الملكية الموحدة » لسورية واقترح « تجزئة فيدرالية » لسورية.

وظهر التخوف من عواقب هيمنة الفكرة القومية وما تلقاه من دعم بريطاني في كثيرمن المراسلات المتبادلة بين المسؤولين الفرنسيين في تلك الفترة, وقد عبر عنها بصورة واضحة رئيس الجمهورية الفرنسية ميليران في خطاب وجهه إلى المفوض السامي الجنرال ديغولبتاريخ ٦ أغسطس ١٩٢٠ , والذي قال فيه:

((بيد أنه تبين بسرعة أن خضوع سورية لسلطة مصطنعة تتمثل بملكية شريفية غريبة عن طموحات البلاد والانقسامات التقليدية
.« فيها لا يمكن أن يستمر إلا باستبعادنا ))


واقترح الرئيس الفرنسي الصورة البديلة للملكية القائمة على أساس القومية العربية بقوله:

((إن النظام الذي يستجيب بصورة أفضل لمصالح سورية ومصالحنا أيضاً هو سلسلة دول مستقلة جمهورية الشكل تتناسب معتنوع الأعراق والديانات والحضارات, وتتحد في فيدرالية تحتالسلطة العليا للمفوض السامي ممثل الدولة المنتدبة, وبذلك لا تكونالوحدة وحدة إدارية مركزية بل وحدة اقتصادية جمركية ومالية )))

وفي الوجهة المقابلة حاول العديد من الدبلوماسيين الفرنسيين إقناع الحكومة فيباريس بضرورة مسايرة الأكثرية المسلمة, ودعوا إلى نبذ السياسة الفرنسية القائمة على تفضيل الموارنة والأقليات الطائفية, وقد تبنى القنصل الفرنسي السابق في بيروت (( كوجيه)) هذا الرأي مذكراً بأن القوميين العرب لا زالوا مسلمين بالرغم من عداوتهم للأتراك, كما أيده بذلك نائب القنصل الفرنسي في طرابلس الذي رأى ضرورة دعمالمسلمين في تنصيب خليفة لهم.

ولكن التيار الجارف في فرنسا كان ينظر إلى الدور الذيلعبته دولتهم في حماية المسيحيين وغيرهم من الأقليات منذ عام ١٨٦١ , ولم يكونوا
يرغبون في تغيير هذه السياسة التي ارتبطت بها مصالحهم التجارية والثقافية في تلك المنطقة.

وقد أظهر الساسة الفرنسيون تشنجاً إزاء الدور البريطاني في بلاد الشام, حيث كانتاالصحف الفرنسية تتهم بريطانيا بالتدخل السافر والمستتر في الأوساط السورية حكومة وشعبا ))

والحقيقة هي أن الإنجليز كانوا يزاحمون النفوذ الفرنسي في سورية ليس عن طريق دعم الحكم الفيصلي فحسب وإنما عن طريق التودد للطوائف البروتستانتيةويتذرعون بحماية الأقلية الدرزية في لبنان بمقابلة حماية فرنسا حقوق الموارنة.

ففي عام1919أرسلت الحكومة الفرنسية مذكرة لبريطانيا حول التدهور الأمني في سوريةونسبت ذلك إلى الدعايات الخفية التي كانت تقوم بها الاستخبارات البريطانية لإضعافالنفوذ الفرنسي. وأمام الضغط الفرنسي تخلت الحكومة البريطانية عن أي نفوذ لها فيالمناطق الشمالية, وبدأت تسحب جيوشها بصورة تدريجية, كما أوعزت إلى الأمير فيصلأن يتفاوض مباشرة مع الفرنسيين, راضية منهم بالموافقة على ضم الموصل ضمن سلطة
بريطانيا الانتدابية في العراق وبتنازل الفرنسيين عن المنطقة الجنوبية التي تعهدالبريطانيون بجعلها وطناً قومياً لليهود.

لقد كان فيصل بن الحسين هو الخاسر الوحيد من هذه الصفقة, حيث خسر مملكتهالتي شيدها خلال سنتين واضطر لمغادرة سورية بتهديد السلاح, وقد عبر فيصل عنمشاعر الإحباط في خطاب ألقاه في حديقة قصره بعد عودته من أوروبا عام ١٩٢٠بقوله:

(( تخلت بريطانيا العظمى عنا في آخر لحظة إرضاء لحليفتها فرنسا ذات المصالح الاقتصادية والثقافية في هذه البلاد, وتجنباً من إثارةالخلاف والمشادة بين حليفتين حاربتا جنباً إلى جنب حتى أحرزتا مع سائر حلفائهما النصر على عدو قوي كألمانيا … ولما لم تثن مدافعاتيواحتجاجاتي بريطانيا العظمى عن عزمها واتفاقها مع فرنسا بهذا الشأن غادرت لندن إلى باريس ))

لقد أوكلت بريطانيا حليفها فيصل إلى الحكومة الفرنسية التي لم تكن تعترف له بأيحق في سورية ولم تكن قد التزمت معه بأي اتفاق, وإمعاناً في فرض سياستها المخالفةلسياسة الإنجليز قامت على إخراجه بصورة مهينة بعد استيلاء قواتها على مدينة دمشق, وبدأت مع رحيل الأمير فيصل عن سورية مرحلة جديدة من التقسيم الطائفي

 
لمحة تاريخية عن القوات العثمانية في سورية


منيت الدولة العثمانية خلال القرن التاسع عشر بالعديد من المصائب والنكبات,وأخذت رقعتها الجغرافية تتقلص نتيجة للهزائم العسكرية على الجبهة الأوروبية,فبالإضافة إلى فقدان الدولة لكل من اليونان وبلغاريا وصربيا ورومانيا وجزيرة كريت
والجبل الأسود.

أسهمت المطامع الأوروبية في تمزيقها بصورة تدريجية, حيث استولتروسيا على ولاشيا ( ١٨٥٦ ) ومولدافيا ( ١٨٥٦ ) وبساربيا ( ١٨٧٨ ), واستحوذت( النمسا على البوسنة والهرسك ( ١٨٧٨ ), واحتلت بريطانيا جزيرة قبرص ( ١٨٧٨ومصر ( ١٨٨٢ ), بينما وقعت تونس في قبضة الاحتلال الفرنسي ( ١٨٨١ ), وخضعت( ليبيا للاستعمار الإيطالي 1912

وقد قامت العديد من المشاريع الإصلاحية لإيقاف مسيرة التردي وإنقاذ الدولةالعثمانية من الانهيار, وكان أبرز هذه المحاولات: الحركة الإصلاحية المعروفة باسم ( التنظيمات) والتي بلغت أوجها في إصدار أول دستور عثماني عام ١٨٧٦ .

ونظراً لتغلب السمة العسكرية داخل نظام الحكم العثماني فقد كان من الطبيعي أن يتوجه الإصلاحأول الأمر إلى الجيش, حيث كانت الهزائم المتكررة التي نزلت بالدولة العثمانية طوالالقرن التاسع عشر الميلادي تتطلب الإسراع بإصلاح المؤسسة العسكرية التي دب فيها الفساد, وأصبح العصيان سمة بارزة للعديد من فرق الجيش.

وكان السلطان عبدالحميد الثاني الذي حكم ( 1876-1909) من أبرز المتحمسين لإصلاح الجيش; حيث شهد عهده إنشاء الكليات العسكرية ومدارس أركان الحرب التي كانيدرّس فيها خبراء فرنسيون وبروسيون. ولتخفيف العبء المالي على خزينة الدولةخفضت الخدمة العسكرية من خمس سنوات إلى سنتين فقط, كما سنت قوانين جديدة تمبموجبها تقسيم فرق الجيش على خمسة مراكز رئيسة يقوم على رأس كل منها مشير.

حيثتمركز الجيش الأول في العاصمة التي كانت كذلك مركزاً للجيش الخاص بالسلطان,وكان مركز جيش الرومللي في مناستر, ومركز جيش الأناضول في طوقات, بينما كانمركز جيش عربستان (البلاد العربية) في دمشق حيث أسست مدرسة عسكرية لتخريج
الضباط.

ولكن هذه الإصلاحات, التي هدفت إلى إعادة تنظيم الجيش وانتفع منها نخبة منكبار الضباط والقادة العسكريين, لم تكن تشمل الأفراد من حيث التسلح والرواتبومخصصات الإعاشة, فبالنسبة للجندي البسيط لم تكن هذه الإصلاحات تعني أكثر منإلزامه بزي عسكري موحد, وتدريبات جديدة على النمط الفرنسي والبروسي.

ولذلكفقد بقيت حالتهم سيئة للغاية, وفي كثير من الأحيان كانت جرايات الجنود وعلفالدواب تنقطع فيسدون العجز عن طريق السرقة والنهب من الفلاحين. ونظراً لهذاالوضع المتردي فقد كان أغلب المواطنين يتهربون من الجيش عن طريق الانتساب إلى الطرق الصوفية وشغل الوظائف الحكومية المعفاة من الخدمة العسكرية, بينما كانتالأسر المرموقة تدفع البدلات النقدية لأبنائها .

وبالإضافة إلى تدهور الوضع العسكري وفشل محاولات الإصلاح المتعددة كانتخزينة الدولة تعاني من الإفلاس وتراكم الديون, كما انتشرت نزعات التمرد التي كانتتغذيها الحركات القومية في الأقاليم الأوروبية والعربية على السواء. وقد ظن قادة الاتحادوالترقي بأنهم سيخرجون الدولة من أوحال التردي والهزيمة عن طريق الدخول فيالحرب العظمى عام ١٩١٤ إلى صالح الألمان, فتوالت الهزائم وجاءت أبرز المفاجآت منالجبهة العربية التي انهارت بتحالف الأشراف مع القوات البريطانية بقيادة الجنرالأللنبي.

وكانت القيادة العسكرية في البلاد العربية تسمى قيادة الجيش الثامن ومركزهادمشق, ثم سميت بعد إعلان الدستور ( ١٩٠٨ ) قيادة الفيلق الرابع التي كان رئيسهابرتبة فريق, وكان يرأس القيادة في مراكز حلب وبيروت والقدس فريق أو أمير لواء وفيباقي مراكز الألوية ميرالاي.( ١)

ولما اندلعت الحرب العالمية الأولى ( ١٩١٤ ) استبدلتالقيادة العثمانية بزكي باشا جمال باشا (الملقب بالسفاح) قائداً للجيش الرابع, وشملت
دائرة نفوذه العسكرية ولايات أضنة وحلب والشام وبيروت وجبل لبنان والقدسوالحجاز. فأعلن التعبئة العامة حيث يقدر الباحث التاريخي والسياسي السوري السابق محمد كرد علي بأن عدد الذين جندتهم الدولة العثمانية في الشام حوالي ربع مليون مجند, انتهوا إلى حالة مزرية حيث:

(( حارب ربعهم وهلك ربعهم واستخدم ربع في خدم خفيفة وهرب الربع الآخر. ولما غلبت الدولة العثمانية في الشام, وانهزم جيشها واستسلم أكثره ولم يتمكن من الثبات أمام قوى الحلفاء الجديدة فانحل الجيش بالطبيعة ))

وبحلول عام ١٩١٨ انهارت الدولة العثمانية, فانسحبت قواتها من أوروبا ومن سائرالبلاد العربية التي انضم كثير من أبنائها إلى الجيش العربي بزعامة الأمير فيصل بنالحسين.
 

الجيش العربي الفيصلي
==========


شهد العهد الفيصلي ( 1918-1920)محاولة جديدة لإعادة تنظيم الجيش العربي فسنت الحكومة السورية قانوناً للتجنيد الإجباري وأدخلت تعديلات كبيرة في أوضاعهوأركان حربه, وفرضت ضرائب جديدة لتنفيذ هذه الإصلاحات.

ولكن هذه السياسة لمتثبت نجاحاً بسبب النقص في الذخيرة والمعدات, وتكشفت هذه الحقيقة المؤلمة عندماأحصي العتاد الحربي للجيش لدى تقدم قوات الجنرال غورو نحو دمشق 1920 فتبين بأنها لاتزيد عن ٢٧٠ فشكة (( طلقة رصاص)) لكل بندقية حرب وثمانين قنبلة لكل مدفع من المدافع السبعين,
ولم يكن عدد القوات النظامية بالإضافة إلى المتطوعين من أهالي مدينة دمشق يزيد عن 2200 رجل في مواجهة تسعة آلاف جندي فرنسي تدعمهم المدفعية الثقيلة وتساندهم أربعة أسراب من الطائرات الحربية.(

ونتيجة لانعدام التكافؤ بين الفريقين فقد انتهت المعركة في أقل من ساعة, قتل فيهاعدد كبير من المحاربين منهم وزير الحربية يوسف العظمة, ودخل الجنرال غورو علىأنقاض وادي ميسلون مدينة دمشق دخول الظافرين.لقد كانت هذه الهزيمة بمثابة الضربة القاصمة للجيش العربي الذي لم تقم له بعد ذلك قائمة.


دور الأمير فيصل في اضعاف الجيش العربي ومقاومة الفرنسيين
===============


ولا بد من القول بأن الملك فيصل قد لعب دوراً بارزاً في إضعاف المقاومةضد الفرنسيين, بسبب ميله نحو اتباع الأساليب الدبلوماسية ونبذ خيار المقاومة
العسكرية على الرغم مما كان يبديه الفرنسيون من عزم على احتلال المدينة بقوة السلاح.

لقد اختار فيصل تجاهل الحشود الفرنسية وأمر الجيش السوري بالتراجع عناستحكاماته في مجدل عنجر, ومن ثم أمر بتسريح الجيش طبقاً لشروط الإنذار الذيأصدره الجنرال غورو, بل إنه أوفد أخاه الأمير زيد على رأس فرقة عسكرية لمقاومة الجنود الذين ثاروا احتجاجاً على هذا القرار وهاجموا مخازن السلاح لتوزيعها على الأهاليالذين شاركوهم في المطالبة بالدفاع عن أنفسهم أمام التقدم الفرنسي, فأوقعت قواتفيصل بهم أكثر من مائة قتيل وثلاثمائة جريح.

وقد اعترف فيصل بمسؤوليته عن هذه الكارثة في خطاب أرسله إلى رئيس الوزراءالبريطاني لويد جورج عام ١٩٢٠ , بقوله :

(( لقد وثقت بكلمة الجنرال غورو واعتمدت على وعده بألا يسمح للجيوش الفرنسية بالتقدم, فأخليت المراكز من الجند وسرحت قسماً كبيراً من الجيش وأجبت أنا الرجل الأعزل بأنني أرفض الحرب. وقد كنت أعرف أن موافقتي على الشروط الجديدة لابد أن تثير حرباً أهلية في دمشق فقد أعطيت الجنرال غورو عهداً صريحاً بأن أنفذ شروط ١٤ تموز بالحرف طالباً إليه لقاء ذلك إيقافالجيوش الفرنسية عن التقدم نحو دمشق فكان جوابه إطلاق النيران
على الجيوش النظامية والمتطوعين. على أنني بالرغم من هذا كله أصدرت الأمر إلى النظاميين الذين نجوا من القنابل بإلقاء السلاح فأبيدت فرقة من الجنود البواسل تحت قيادة البطل يوسف العظمةوهي في مكانها ))

وبهذه النهاية المؤلمة انهار الجيش العربي وابتدأت عملية تأليف الجيش المختلط منالسوريين والفرنسيين.​
 

هذه لمحة تاريخية بسيطة عن تاريخ القوات المسلحة السورية أثناء الحكم الأميري الفيصلي 1918-1920 والاحتلال الفرنسي 1920-1946

وللحديث بقية عن دور الجيش في تنفيذ انقلابات عسكرية​
 
التلاعب الفرنسي بالديمغرافية السورية في مطلع عشرينات القرن الماضي وجلب المستوطنين الارمن واليونانيين والاشوريين واقامة مستوطنات لهم





-48-728.jpg

-49-728.jpg

-50-728.jpg

-51-728.jpg


-52-728.jpg
 
عودة
أعلى