لماذا تاريخ الطبري؟ / أحمد المنزلاوي

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,477
التفاعل
17,600 43 0
لماذا تاريخ الطبري؟

أحمد المنزلاوي

عن موقع قصة الإسلام

يعتبر تاريخ الإمام الطبري (تاريخ الأمم والملوك)؛ أهم كتاب في التاريخ الإسلامي، وكثيرًا ما ينقل الناسُ عنهُ، فأهل السنة وأهل البدعة ينقلون ويحتجون بـ (تاريخ الطبري)، ولماذا يا ترى يقدمونه على غيره من التواريخ؟

يقدم (تاريخ الإمام الطبري)؛ على غيره لأمور كثيرة منها:

1 - قرب عهد الإمام الطبري من تلك الحوادث، فقد ولد في سنة 224هـ، وتوفي في سنة 310هـ.

2 - أن الإمام الطبري يروي بالأسانيد .

3 - جلالة الإمام الطبري رحمه الله، ومنزلته العلميةُ.

4 - أن أكثر كتب التاريخ تنقل عنهُ.

كيف نقرأ كتاب الطبري؟

وإذا كان الأمر كذلك فنحنُ إذا أردنا أن نقرأ فلنذهب مباشرة إلى الإمام الطبري، ولكن كما ذكرت فأهلُ السنة يأخذُون من (تاريخ الطبري)، وأهل البدع كذلك يأخذون ما يوافق مذهبهم منه، فكيف نوفقُ بين هذا وذاك؟

(تاريخ الطبري) كما ذكرنا من ميزاته أنهُ لا يحدث إلا بالأسانيد، وأهل السنة يأخذون الصحيح من أسانيد الطبري، بينما أهل البدع يأخذون الصحيح والغث والسمين، المهم أن يوافق أهواءهم، وإذا كان الأمر كذلك؛ كان من الواجب علينا أن نتعرف على منهج الإمام الطبري في (تاريخه).

منهج الإمام الطبري في (تاريخه):

لقد أراحنا الإمام الطبري رحمه الله في هذه المسألة بمقدمة كتبها في أول كتابه، وليت الذين يقرءون هذا التاريخ يقرءون هذه المقدمة[1].

يقول الإمام الطبري رحمه الله في مقدمة تاريخه: «وليعلم الناظر في كتابنا هذا أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكرهُ فيه مما شرطتُ أني راسمهُ فيه، إنما هو على ما رُويت من خبر ذكرناهُ عن بعض الماضين، مما يستنكره قارئه، أو يستشنعهُ سامعُهُ من أجل أنهُ لم يعرف له وجهًا في الصحة، ولا معنى في الحقيقة؛ فليعلم أنه لم يُؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وأنا إنما أدينا ذلك علي نحو ما أدي إلينا»[2].

أظن أن الإمام الطبري بهذه المقدمة -التي قدم لكتابه بها- ألقى العهدة عليك أنت أيها القارئ!!

فهو يقولُ لك: إذا وجدت في كتابي هذا خبرًا تستشنعه، ولا تقبله، فانظر عمن رويناه، والعهدة عليه، وعليِّ أن أذكر مَن حدثني بهذا، فإن كان ثقة فاقبل، وإن لم يكن ثقة فلا تقبل.

وهذا الأمر قام به أكثر المحدثين، فحين ترجع إلى كتب الحديث غير(الصحيحين) اللذين تعهدا بإخراج الصحيح فقط.

كأن ترجع إلى (جامع الترمذي)، أو (سنن أبي داود)، أو (سنن الدارقطني) أو(سنن الدرامي) أو (مسند أحمد)، أو غيرها من الكتب تجدهم يذكرون لك الإسناد، ولم يتعهدوا بذكر الصحيح فقط، وإنما ذكروا لك الإسناد، وواجبك أنت أن تنظر إلى الإسناد؛ فإذا كان السند صحيحًا فاقبل، وإن لم يكن صحيحًا فردهُ.

والطبري هنا لم يتعهد بأن ينقل الصحيح فقط، إنما تعهد أن يذكر اسم من نقل عنه.

وقد أشار إلى هذا المنهج ابن حجر رحمه الله مبينًا طريقة ومنهج أكثر الأقدمين حيثُ قال: «أكثر المحدثين في الأعصار الماضية من سنة مائتين وهلم جرا إذا ساقوا الحديث بإسناده، اعتقدوا أنهم تبرؤوا من عهدته»[3].

فإذا كان الأمر كذلك فلا عهدة على الإمام الطبري رحمه الله.

وقد قام المحقق محمد بن طاهر البرزنجي، بتحقيق كامل لتاريخ الطبري تحت إشراف المحقق محمد صبحي حلاق، واستعان ببعض المتخصصين في بعض أقسامه، ليخرجه في قسمين كبيرين قسم للصحيح، وقسم للضعيف في نحو 13 مجلدًا[4]، مقسِمًا أخباره على الحقب التاريخية المشهورة، «قصص الأنبياء وتاريخ ما قبل البعثة، السيرة النبوية، الخلافة الراشدة، الدولة الأموية، الدولة العباسية»، فانصح بالرجوع إليه عند، وجزا الله كل من أسهم في هذا العمل خير الجزاء.

وقد أكثر الإمام الطبري في كتابه (التاريخ) النقل عن رجل اسمه (لوط بن يحيى)، ويكنى بأبي مخنف، و(لوط) هذا روى عنه الطبري[5]سبعًا وثمانين خمسمائة (587) رواية، وهذه الروايات تبدأ من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى خلافة يزيد، وهي الفترة التي كثر فيها اللغط، والأقاويل، ومن أهمها:

1 - سقيفة بني ساعدة.

2 -قصةُ الشورى.

3 - الأمورُ التي من أجلها قام الخوارج على عثمان رضي الله عنه.

4 -مقتل عثمان.

5 - خلافة علي رضي الله عنه.

6 - معركة الجمل.

7 - معركة صفين.

8 - التحكيم.

9 - معركة النهراوان.

10 - خلافة معاوية رضي الله عنه.

11 - قتل الحسين رضي الله عنه.

وفي كل هذه المرويات نجد رواية أبي مخنفٍ هي التي يعتمدها أهل البدع، ويحرصون عليها.

وأبو مخنف هذا؛ قال عنه ابن معين: «ليس بشيءٍ».

وقال أبو حاتم: «متروك الحديث».

وسُئل عنه مرة فنفض يده، وقال: «أحد يسأل عن هذا».

وقال الدارقطني: «ضعيف».

وقال ابن حبان: «يروي الموضوعات عن الثقات».

وقال الذهبي: «إخباري تالف لا يوثق به»[6].

فأنت إذا فتحت: «تاريخ الطبري» ووجدت رواية فيها مطعن على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ثم وجدت أن الطبري إنما رواها عن أبي مخنف؛ فعليك أن تلقيها جانبًا.

لماذا؟

لأن أبا مخنف هذا جمع بين البدعة والكذب وكثرة الرواية.

مبتدعٌ كذاب، مكثر من الرواية!!

وليس أبو مخنف وحده، بل أبو مخنف هو أشهرهم، وإلا فهناك غيره، كالواقدي[7]. مثلًا فهو متروك متهم بالكذب، ولاشك أنه مؤرخ كبير حافظ عالم بالتاريخ، ولكنه غير ثقة، والثالث: سيف بن عمر التميمي[8]، وهو أيضًا مؤرخ معروف، ولكنه متروك متهم أيضًا.

وكذلك الكلبي[9] وهو كذاب مشهور.

إذن لا بد أن يتثبت المرء من رواية هؤلاء وأمثالهم.

قال أبو محمد القطحاني في (نونيته):

لا تقبلن مــــن التوارخ كل ما * جمــع الـرواة وخط كل بنان

ارو الحديث المنتقى عن أهله * سيما ذوي الأحلام والأسنان

كابن المسيب والعـلاء ومالك * والليث والـــزهري أو سفيان​

أي: إذا أردت تاريخًا صحيحًا؛ فهو الذي يرويه هؤلاء وأمثالهم من الثقات لا كما يقول الكثيرون ممن يطعنون في سيرة أصحاب الرسول: «إن تاريخنا أسود مظلم قاتم»!! لا بل تاريخنا ناصع، جميل، طيب، يستمتع الإنسان بقراءته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
كتاب "مهارات الكتابة والتأليف" أحمد المنزلاوي.

الهوامش:
[1] بل ينبغي لكل إنسان إذا أراد أن يقرأ كتابًا من الكتب أن يقرأ مقدمة الكتاب حتى يعرف منهج المؤلف.
[2] مقدمة (تاريخ الطبري)، ص(5).
[3] «لسان الميزان» (4/128) ترجمة الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة.
[4] طبعة دار ابن كثير 1428هـ - 2007م، دمشق – بيروت.
[5] كما ذكر ذلك الدكتور يحيى إبراهيم في كتابه (مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري).
[6] «الجرح والتعديل» (7/182)، «ميزان الاعتدال» (3/419)، «لسان الميزان» (4/492).
[7] «سير أعلام النبلاء» (9/172).
[8] انظر: ترجمته في «ميزان الاعتدال» (2/255)، «تهذيب التهذيب» (4/295).
[9] ترجمته «محمد بن السائب الكلبي» في «ميزان الاعتدال» (3/556).

 
عودة
أعلى