1948: مشاركة الجيش السوري فيها بالتفصيل

لادئاني

مراسلين المنتدى
إنضم
28 مارس 2013
المشاركات
25,052
التفاعل
30,391 0 0


دور الجيش السوري في حرب فلسطين

======

معروف عسكرياً أن على أي جيش في العالم، لو شاء خوض حرب هجومية، أن يستعد لها استعداداً كافياً، ولكي تكون المعركة الهجومية الواحدة مضمونة الظفر يجب أن تكون القوة العددية والتسليحية والنارية للمهاجم بمعدل ضعفين إلى ثلاثة أضعاف قوة المدافع، ومع أن هذا لم يتحقق بالنسبة للجيش السوري خلال معاركه في فلسطين فإن هذا الجيش قد حارب وحقق انتصارات عديدة هناك.

الإجراءات التشريعية التي اتخذتها سورية استعداداً للمعركة:

بمجرد أن أصبح دخول الجيوش العربية، ومنها الجيش السوري، إلى فلسطين وشيكاً، عمدت الحكومة السورية إلى استصدار خمسة قوانين من المجلس النيابي في 15/5/1948، تؤمن لوازم الحرب وتُسهل قيادة العمليات وإدارتها، وهذه القوانين هي:

1) القانون رقم 400 المتعلق بنظام الأحكام العرفية في أراضي الجمهورية السورية، وتعيين السلطات التي تأمر بهذه الأحكام وتنفذها.

2) القانون رقم 401، ويقضي بإعلان الأحكام العرفية في الأراضي السورية لمدة ستة أشهر من تاريخ 15/5/1948 .

3) القانون رقم 402، ويقضي بفتح اعتماد إضافي في موازنة وزارة الدفاع الوطني باسم (النفقات المختلفة الطارئة بسبب الأعمال الحربية والحركات العسكرية).

4) القانون رقم 403 ويقضي بإضافة 5700000 ليرة سورية (( 1 دولار =2.5 ليرتان ونصف)) إلى اعتمادات وزارة الدفاع وتحديد مصادر تأمين هذا المبلغ.

5) القانون 405، ويقضي بمنح معاشات تقاعدية لعائلات العسكريين الذين يستشهدون في العمليات الحربية بمعدل 75% من راتب الدرجة العليا للمرتبة الأعلى، وبالترفيعات الاستثنائية والضمائم الحربية.

وقد سبق للحكومة السورية أن استصدرت القانون رقم 256، في 15 كانون الأول 1947، الذي فرض خدمة العلم الإلزامية كما سبق التنويه، وتم تطبيق هذه الخدمة بالفعل في أول شهر آذار 1948 على مواليد عام 1929.


و قد عززت الحكومة هذا القانون بجملة تدابير أخرى أهمها وقف التسريحات من الجيش، ودعوة نفر من المسرحين إلى الخدمة.

و قد تمكنت القيادة بفضل هذه الترتيبات من تشكيل ثلاثة أفواج إضافية من المشاة (الفوج الثامن، والفوج التاسع، والفوج الحادي والأربعين)، وفوجاً إضافياً من المدفعية (فوج المدفعية الثالث).


وبناء على القانونين رقم 400 و401 المشار إليهما أعلاه أصدر الحاكم العسكري ـ وهو رئيس مجلس الوزراء، في 17/5/1948 ثلاث قرارات عرفية:

لقرار رقم1 يمنع الطيران فوق الأراضي السورية ليلاً على جميع الطائرات الأجنبية،

والقرار رقم3 يحظّر اقتراب السفن والزوارق الأجنبية من شواطئ ومرافئ البلاد،

القرار رقم 9 بإعلان (حالة الحصار البحري) في مياه فلسطين،

ثم أصدر الحاكم العسكري القرار العرفي رقم 15 في 22/5/1948، منع بموجبه التجول في منطقة العمليات الحربية بعمق عشرة كيلومترات.


الاستعدادات العسكرية السورية:

-----

حينما أصبحت الحرب في فلسطين أمراً محتوماً اختارت القيادة السورية أفضل لواء من الألوية الثلاثة التي يمتلكها الجيش السوري (( الجيش السوري كان عديده 8500 في 3 ألوية))، من حيث التدريب والتسليح والتنظيم، وهو «لواء المشاة الأول» بقيادة ، ووضعته تحت تصرف (اللجنة العسكرية العليا) في قدسيا لكي تدخل به الحرب، بينما احتفظت الأركان العامة السورية بقيادة بقية قطعات الجيش السوري.


وكان لواء المشاة الأول يضم الوحدات التالية:

==========

• فوج المشاة الأول : بقيادة المقدم بشير الحواصل ويشمل ثلاثة سرايا مشاة وسرية قيادة.

• فوج المشاة الثاني : بقيادة المقدم حسن غنام ويشمل ـ كالفوج الأول ـ ثلاثة سرايا مشاة وسرية قيادة.

• كتيبة مدفعية : تتضمن ثلاث بطاريات من عيار 75مم.

• كتيبة مدرعات : تتضمن سريتي مصفحات مارمون (15 مصفحة) وسرية دبابات رينو37 (10دبابات) بقيادة النقيب صبحي عبارة.

• مفرزة مخابرات (إشارة).

• فصيلة إنشاءات (هندسة عسكرية) بقياد سليمان ناجي.

• سرية قيادة وخدمات إدارية وطبية.

وكان مجموع عدد أفراد اللواء، في بداية شهر نيسان 1948 (1811) ضابطاً وجندياً، مع وحدة نارية واحدة للمشاة و100 قنبلة لكل مدفع.

وفي منتصف شهر نيسان استدعى وزير الدفاع السوري ، قائد اللواء، العقيد عبد الوهاب الحكيم، بحضور المفتش العام لقوات الإنقاذ طه باشا الهاشمي، وأعلمه بانه سيكون قائد (الرتل السوري) الذي سيحارب في فلسطين ضمن إطار (القوات العربية المشتركة)، وطلب منه تهيئة لوائه للقيام بهذه المهمة بأسرع وقت ممكن، وقد طلب آمر اللواء عندئذ من الوزير إعطاءه مهلة شهر لاستكمال أفواج المشاة وتدعيمها بأسلحة مرافقة جديدة، بدلاً من مدافع الهاون 60 و81 مم التي جرى سحبها من وحدات اللواء لتزويد قوات جيش الإنقاذ بها، ونظراً لتسارع الأحداث في فلسطين لم يكن بوسع الوزير إعطاء مهلة أكثر من أسبوعين، وقد استدعى الوزير رئيس الأركان العامة العميد عبد الله عطفة، وطلب منه أن يعمل كل ما بوسعه لتدارك النواقص في هذا اللواء، وهذا ما قام بعمله ضمن الإمكانيات الموضوعة تحت تصرفه.

وفي صباح 21 نيسان 1948 أبلغ وزير الدفاع قائد اللواء (الرتل السوري) بأنه قد تقرر دخول الجيوش العربية إلى فلسطين في الساعة الواحدة من صباح 15 أيار 1948، وكان قائد اللواء يبغي منحه مهلة إضافية لتهيئة اللواء لخوض المعركة وهو أمر لم يكن بإمكان وزير الدفاع تلبيته نظراً لأن هذا التاريخ قد أقره الملوك والرؤساء العرب جميعاً.

بالفعل تلقى آمر اللواء في مساء اليوم نفسه (21 نيسان) برقية من اللواء اسماعيل صفوت، قائد جيش الإنقاذ، الذي وضع الرتل السوري تحت قيادته، جاء فيها: «إلى قائد الرتل السوري، هيئوا لواءكم لدخول فلسطين من صفد بتاريخ 15 أيار 1948، الساعة الواحدة»

و قد أصدرت القيادة العامة السورية (رئاسة الأركان) بتاريخ 23 نيسان، أمر حركة موجهاً إلى لواء البادية لتحريك سراياه الثلاث، المتمركزة في الضمير وتدمر ودير الزور، إلى دمشق ومنها إلى جنوب لبنان، ووضعها تحت تصرف الجيش اللبناني وقوات الإنقاذ، من أجل القيام بالعمليات في المنطقة الحدودية اللبنانية.

وفي 6 أيار استدعى اللواء صفوت العقيد عبد الوهاب الحكيم إلى مقر القيادة العامة لجيش الإنقاذ في بلدة قدسيا بريف دمشق الشمالي الغربي ، وسلمه الأمر رقم 1/سري الذي يحمل تاريخ 2 أيار 1948، وكان في الصيغة التالية: [إلى آمر الرتل السوري: يتهيأ رتلكم للحركة إلى هدفه على طريق دمشق - صور - بنت جبيل - المالكية - منطقة صفد. أكملوا جميع نواقصكم وكونوا مستعدين للحركة عند صدور الأمر خلال ثلاثة أيام من تاريخه. وتثبيتاً لهذا الأمر تلقى قائد الرتل (قائد اللواء الأول في الجيش السوري) كتاباً من الأركان العامة السورية تحت رقم 341/3 سري تاريخ 2/5/1948، بوضع اللواء تحت تصرف قيادة قوات جيش الإنقاذ.

وفي 12/5 وصل إلى اللواء الأمر بالتحرك إلى جنوب لبنان للتمركز على قاعدة الانطلاق المحددة له هناك، وذلك للتقدم إلى داخل فلسطين، على محور بنت جبيل - المالكية - صفد حسب الأوامر المتفق عليها، وتنفيذاً لذلك أصدر آمر اللواء أمر الحركة التالي لانتقال قطعات اللواء والوحدات الملحقة بها إلى قاعدة الانطلاق المحددة.



الجيش السوري رقم1/3س
اللواء الأول تاريخ 12/5/1948

[أمر حركة]

الغاية: حشد قطعات اللواء في منطقة جنوب لبنان قبل 14/5/1948.

الحركة: يتحرك الرتل الآلي المؤلف من فوج المدفعية وفوج المدرعات، ما عدا نصف سرية دبابات، بقيادة معاون آمر اللواء، عن طريق بيروت ـ صيدا ـ بنت جبيل، حيث يصل بعد ظهر اليوم نفسه إلى قاعدة الانطلاق.

يوم 13/5/1948

#) الساعة السادسة: انطلاق فوج المدفعية.

#) الساعة الثامنة: انطلاق فوج المدرعات.

يوم 14/5/1948: يتحرك الرتل المؤلف من فوجي مشاة وسرية المقر، بقيادة آمر اللواء، وذلك بالسيارات المدنية المصادرة، حيث يصل الرتل منطقة الانطلاق بعد ظهر اليوم نفسه.

#) الساعة الخامسة: فوج المشاة الأول.

#) الساعة السابعة: فوج المشاة الثاني.

#) الساعة التاسعة: مركز التموين الأمامي.

التمركز:

1) فوج المدرعات: مفرق النبطية - صور في 13/5/1948، ثم في عين إبل نهار 14/5/1948.
2) فوج المدفعية: مفرق طريق مرجعيون ـ بيروت في 13/5/1948 ثم عيترون نهار 14/5/1948.
3) فوج المشاة الأول: قرية بليدا.
4) فوج المشاة الثاني: قرية بنت جبيل.
5) مركز التموين الأمامي: بنت جبيل.
يجتمع قادة الوحدات يوم 14/5/1948، الساعة 13.00 في عيترون.
التوقيع
آمر الرتل
العقيد عبد الوهاب الحكيم

====
=====

وقد نفذت القطعات الآلية والمدفعية للواء الأول، الذي يشكل الرتل السوري في القوات العربية المشتركة، الأوامر التي تلقتها بشكل تام، وضمن الأوقات المحددة لها في «أمر الحركة»، ولكنها عند وصولها إلى قاعدة انطلاقها في جنوب لبنان في الساعة الثانية من صباح يوم 14/5/1948، تلقى قائد الرتل السوري رسالة من وزير الدفاع تفيد بأن الملك عبد الله ملك الأردن قد استلم قيادة القوات العربية جميعاً، وبأن الأوامر صدرت عنه في عمان بوجوب دخول الجيش السوري إلى فلسطين عن طريق محور فيق - كفر حارب - سمخ – صفد، بدلاً من محور بنت جبيل - المالكية صفد، وأن عليه أن يوقف حركته الأولى وأن يتوجه بسرعة إلى فيق.

فاضطر قائد الرتل لإصدار أمر حركة جديد، بتاريخ 14/5/1948، يُعاكس أمر الحركة الأول في 12/5/1948:
«[أمر حركة رقم 2/3 ش تاريخ 14/5/1948

الغاية: تحشيد قطعات اللواء في منطقة فيق - كفر حارب.

التمركز:

#) فوج المشاة الأول: عين الفقيه وضواحيها.

#) فوج المشاة الثاني: كفر حارب.

المسلك: معسكرات قطنا - القنيطرة - طريق الشيخ مسكين - فيق.

#) فوج المدرعات: فيق.

المسلك: طريق النبطية ـ مرجعيون ـ بانياس ـ القنيطرة ـ فيق.

مركز التموين: القنيطرة.

مقر قيادة الرتل السوري: القنيطرة اعتباراً من الساعة 14 من يوم 14/5/1948 ، ويجب أن تكون القطعات جميعاً في مراكزها قبل الساعة 15.00 آمر الرتل».



ولكن القطعات لم يبدأ وصولها إلا ابتداءاً من الساعة 19.00 من اليوم نفسه، وفي الساعة الخامسة والنصف من مساء 14/5/1948 تلقى قائد الرتل السوري من القيادة العامة في عمان أمراً يقضي بتنفيذ المهمة التالية:

أولاً) الاحتشاد: في فيق.

ثانياً)التقدم على ممر فيق - كفر حارب - الحمة - سمخ لإنشاء رأس جسر على نهر الأردن هناك.

وعندئذ سارع آمر اللواء مع قادة وحداته الموجودين معه ذلك الوقت (قادة وحدات المشاة) لاستطلاع المنطقة المشرفة على المرتفعات المطلة على سهل سمخ، وكان ذلك عند آخر ضوء من يوم 14/5/1948. وأعطى قائد الرتل الأوامر إلى قادة وحدات المشاة بالتمركز على تلك المرتفعات والهضاب، والانطلاق منها إلى الأراضي الفلسطينية، في تمام الساعة الواحدة من صباح 15/5/1948، وعيّن مركز قيادة الرتل في موقع (مزرعة عز الدين)، إلا أنه لم يتم احتلال أمكنة الانطلاق إلا بعد عدة ساعات، وتأخر وصول وحدات الدبابات 24 ساعة عن ذلك، لأن بعض دبابات الرتل من طراز رينو 37، بعد أن اجتازت مرجعيون ووصلت إلى بانياس، تعطلت مقابل موقع تل القاضي الذي يحتله اليهود، واقتضى إصلاحها وقتاً طويلاً وهكذا زج الرتل السوري، بتاريخ 15/5/1948، في منطقة ضيقة تشبه عنق الزجاجة، لا يعرف عنها شيئاً، ودون أن يتلقى أي دعم من وحداته المدرعة، وكان هذا سبباً في إضعاف فعاليته.




 


لعمليات الحربية في القطاع الجنوبي (احتلال سمخ):
===

في الساعة الرابعة من صباح السبت 15/5/1948 اجتازت سرايا الفوج الأول، بقيادة المقدم بشير الحواصلي، المرتفعات المُطلة على سهل سمخ، وانحدرت نحوه، بدون مساندة المدفعية أو المدرعات، التي لم يكن قد تكامل وصولها بعد إلى منطقة العمليات، وفي الساعة الخامسة والنصف من صباح اليوم نفسه استولى الفوج على مستعمرة ها أون (السمرة) التي تقع على الضفة الشرقية لبحيرة طبرية.

008.jpg


كما احتل الهضبة الواقعة إلى جنوب هذه المستعمرة، وهي هضبة بطول يقارب 900م، تعرف في المصادر العربية باسم (تل ناقص 98)، وفي المصادر الإسرائيلية باسم (تل كاتسير)،

و في الساعة 7.30 صباحاً كانت أول وحدات المدفعية السورية قد وصلت إلى مربضها في (مزرعة عز الدين)، وبدأت بقصف بلدة (سمخ) وما جاورها، وهذا ساعد وحدات الفوج الأول (على احتلال موقع الكرنتينا) إلى الجنوب الغربي من (تل ناقص 98) ثم احتلال المعسكر (الكامب) الواقع على بعد حوالي 500 م شرقي بلدة سمخ.


عمليات يوم الأحد في 16/5/1948:

--

ي يوم الأحد 16/5/1948 رأى قائد الرتل أن يُدخل الفوج الثاني بقيادة المقدم حسن غنام، في المعركة لإراحة عناصر الفوج الأول الذي نفذ عمليات اليوم السابق (15/5) فأوعز إلى قائد الفوج الثاني بالتقدم لاحتلال بلدة سمخ، مدعوماً بسرية مصفحات، بينما تم تكليف الفوج الأول بحماية تقدمه،

وفي ظهر هذا اليوم أتى إلى الجبهة السيد رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، والمفتش العام لقوات جيش الإنقاذ طه باشا الهاشمي، وعقدوا اجتماعاً مع قائد الرتل السوري، حيث أشار المفتش العام على قائد الرتل بأن يقوم أولاً باحتلال مستعمرة « شعار هاجولان » حتى يسهل عليه احتلال سمخ بعدئذ، وقد تمسك قائد الرتل برأيه في وجوب احتلال سمخ أولاً لحماية ميمنته من جهة، ولأنها الطريق الوحيد لوصول النجدات والمؤن إلى المنطقة من جهة ثانية،

009.jpg




وقد انقضى هذا اليوم دون أن تتمكن الوحدة السورية من مهاجمة (الفوج الثاني في اللواء الأول) من احتلال سمخ بسبب قوة تحصينها.



عمليات يوم الإثنين في 17 أيار:


--

ى الرتل السوري هذا اليوم في عملية استطلاع لمنطقة الهجوم على سمخ، لتجنب الأخطاء ما أمكن، وخاصة من حيث التعاون والتنسيق في الحركة والنار مع المدرعات، لتعذر الاتصال بين وحدات المشاة والمدرعات لاسلكياً، وطلب قائد الرتل تدخل الطيران السوري لقصف سمخ تمهيداً للهجوم عليها في اليوم التالي فقام سرب سورية بطلعة قصف، كما قام الطيران العراقي بطلعة أخرى بطلب من ضابط الارتباط العراقي الذي كان يرافق الرتل السوري.


احتلال سمخ يوم الثلاثاء 18/5/1948:
------


بدأ الرتل السوري الهجوم على سمخ في الساعة الرابعة من صباح هذا اليوم بواسطة الوحدات التالية:

#) الفوج الثاني بقيادة المقدم حسن غنام.

#) الفوج الأول بقيادة المقدم بشير حواصلي.

#) فوج المدرعات، ويحوي سريتي مصفحات (15 مصفحة)، وسرية دبابات (10 دبابات) بقيادة النقيب صبحي عبارة، وقد اشتركت جميعها في الهجوم .

#) مفرزتا مغاوير من كتيبة الفرسان الشركس المتمركزة في القنيطرة.

#) فصيلة هندسة بقيادة الملازم الأول سليمان ناجي، وقد دعمت وحدات المدفعية من مربضها في (مزرعة عز الدين) وحدات الهجوم بالرمايات التمهيدية أولاً، ثم برمايات الإيقاف لمنع وصول النجدات، وكانت الوحدات المذكورة بقيادة المقدم عزيز عبد الكريم، ويعاونه النقيب علاء الدين ستاسيس كقائد بطارية، والملازم الأول فيليب صوايا كراصد مدفعية.

وتم توزيع المهام على الوحدات المشتركة في الهجوم كما يلي:

1) تقوم المدفعية بقصف مواقع العدو في سمخ قبل بدء الهجوم بعشر دقائق.

2) يقوم الفوج الثاني ومفرزتا المغاوير بالهجوم الرئيسي على سمخ في الساعة الرابعة من صباح 18/5/1948، وذلك باقتحام البلدة من جهة الشمال.

3) يتقدم الفوج الأول للاستيلاء على سمخ من جهة الجنوب، بما فيها الحدود الغربية، ويدعمه في ذلك قاعدة نارية تقدمها له الدبابات والمصفحات، ويستهدف الهجوم تطويق محطة القطار، والطرف الآخر من مخرج سمخ الغربي.

4) بعد وصول الفوج الأول إلى هدفه تتقدم مفرزة المغاوير، ثم فوج المشاة الثاني لتطهير القسم الشمالي من سمخ، والاتصال بالفوج الأول في مخرج البلدة الغربي، ثم الاستيلاء على (مخفر البوليس فيها).

5) تتمركز القطعات المُهاجمة دفاعياً في المناطق التي احتلتها بعد تنفيذ مهامها، وتقوم بعملية تحصين (تعزيز) مواقعها لصد أي هجوم معاكس قد يقوم به العدو ليلاً أو نهاراً، وقد أرسل قائد الرتل صورة من أمر الهجوم هذا إلى قيادة الرتل العراقي، المتمركز إلى يساره في (جسر المجامع)، وذلك عن طريق ضابط الارتباط.



تنفيذ خطة الهجوم:
--------


في الساعة الرابعة من صباح 18 أيار 1948 بدأ الهجوم السوري على سمخ بقصف مدفعي دام عشر دقائق ثم تقدمت المصفحات والدبابات ووراءها المشاة باتجاه البلدة، وأعقبها فوج المشاة الأول الذي استدار إلى جنوب سمخ لتطويقها،

أ ما الفوج الثاني فقد تقدم لاحتلال الجزء الشمالي من البلدة، والشارع الرئيسي فيها، الذي كان شديد التحصين بما أقامه الصهاينة فيه من العوائق والحواجز، وفي هذا الوقت قامت الطائرات السورية من طراز هارفارد بقصف مؤخرة العدو ومنع وصول النجدات إليه، وشاركت في مهمة القصف هذه المدفعية السورية، التي قصفت الطرقات المؤدية من مستعمرات دكانيا - آ و دكانيا - ب، وفيكيم إلى سمخ، لكي تمنع تقدم النجدات إلى هذه البلدة،

و في الساعة الخامسة والنصف من صباح 18/5 وصل الفوجان الأول والثاني إلى أهدافهما، وتم احتلال (مخفر البوليس) الشديد التحصين، في طرف البلدة وذلك بفضل قذائف مصفحات المارمون التي كانت تخترق أشد الجدران الإسمنتية تحصيناً وتنفذ منها، وفي الساعة السادسة صباحاً، ومع وصول المهاجمين إلى مفترق الطرق الواقع جنوبي سمخ بدأت القوات الصهيونية بالانسحاب من البلدة قبل أن يتم إحكام الطوق عليها حسب الخطة المرسومة، ودخلت القوات السورية سمخ في الساعة الثامنة من صباح يوم الثلاثاء 18 أيار 1948، وبدأت بتعزيز مواقعها لصد الهجمات المعاكسة المحتملة،

و كانت خسائر العدو الاسرائيلي : في هذه المعركة 113 قتيلاً، بينهم قائد القوة المدافعة، وقائد وحدة من الهاغاناه جاءت لنجدة الموقع أثناء المعركة، و10 أسرى

والخسائر السورية : مقابل 6 شهداء و11 جريحاً من القوات السورية المهاجمة)،


كما غنمت القوات السورية عدداً من المصفحات والهاونات والقذائف الصاروخية المضادة للدرع (بازوكا) وعشرات الرشاشات (62)، وعند الظهر تم إرسال مفرزة من الشرطة العسكرية السورية إلى بلدة سمخ لتأمين الانضباط.



احتلال سمخ وشعار هاجولان حسب الرواية الرسمية لجيش العدو:
================


يقول سجل الوقائع اليومية لجيش العدو في هذا السياق:

«بدأ السوريون غزو البلد عبر سهل الأردن (عيمق هايردن) ففي مساء 15 أيار شوهدت آليات مضاءة تتحرك من قرية حاريب (كفر حارب) على امتداد سفوح الجولان، وفي الساعة الواحدة من اليوم نفسه بدأ السوريون بقصف عين غيف بالمدفعية ومدافع الهاون، وفي الصباح ظهرت الطائرات وقصفت مستعمرات السهل، وبدأت المدفعية بقصف شعار هاجولان وميسادا، وانحدرت سريتان سوريتان من تل القصر (تل ناقص 98)، الذي تم الاستيلاء عليه خلال الليل، وتقدم رجالهما منتشرين ومنتصبي القامة تحت غطاء من المدفعية والآليات، في اتجاه معسكر الجيش في سمخ ومعسكر الكرنتينا الجديد، وانسحبت وحدة قوة الحراسة التي كانت في الكرنتينا بفعل ضغط السوريين، وتضعضع نظام وحدات قوة الحراسة في سمخ، ونشأ وضع خطر، لأن سقوط سمخ من دون معركة كان معناه هجوماً على مستعمرتي دكانيا (أ) و دكانيا (ب) قبل أن تستعدا كما ينبغي، وعند سقوط معسكر الجيش والكرنتينا الجديد في سمخ، استدعيت على الفور إلى المكان فصيلتا الكتيبة اللتان كانتا جاهزتين في طبرية، ووصلت القوة إلى سمخ بعد عشرين دقيقة، وبدأت تنظم نفسها للدفاع، وتمركز السوريون قبالتها في المعسكر والكرنتينا، وأصبح نظام الدفاع عن سمخ الممتد على طول كيلو متر واحد من شاطئ طبرية نحو الجنوب محمياً بثلاث فصائل تابعة للكتيبة، وتعزيزات من رجال المستعمرات من جميع أنحاء السهل، ونجح في إيقاف السوريين الذين تقدموا من المعسكر الحربي (الكامب)، وفي الوقت نفسه تحركت سرية أخرى من تل الدوير نحو مؤسسة المياه على نهر اليرموك، وكانت المؤسسة بمثابة موقع متقدم للدفاع، عن ميسادا وشعار هاجولان، وقد تم تقدم السرية تحت غطاء من نيران المصفحات والمدفعية التي قصفت المستعمرتين وقتل جميع الأشخاص في الموقع باستثناء واحد، واستمرت المصفحات وقوات المشاة في التقدم باتجاه شعار هاجولان، ولكن رجال المستعمرة وفصائل نجدة مزودة بمدافع من عيار 20 مم تمكنوا من الوصول بسرعة إلى المستعمرة ونجحوا في صد المهاجمين، ومنذ تلك اللحظة حتى التخلي عن المستعمرتين لم يحاول السوريون الهجوم في هذا الاتجاه مرة أخرى.

واكتفى السوريون مؤقتاً بالقصف، وبإجراء مناورات بالمصفحات وبالإغارة من الجو على مستعمرات السهل كافة، وأعادوا تنظيم قواتهم، وأتاحت هذه المهلة لقيادة الكتيبة فرصة إعادة تنظيم الدفاع عن سمخ نفسها وفي ظل القصف حفر الرجال الخنادق وحصنوا المواقع داخل المباني، وأقاموا حواجز على الطرق وما شابه ذلك، وفي الليل جرت في بحيرة طبرية مناورة تضليل قامت بها الزوارق التي أطلقت النار على الشاطئ زيادة في تضليل العدو (السوريين) وتشويش خططه.

وفي اليوم التالي 17 من الشهر، حاول السوريون مرة أخرى مهاجمة سمخ بمساندة المصفحات وبتغطية من المدفعية، إلا أنه تم إيقاف الهجوم، وساعدت المدافع من عيار 20 مم كثيراً في إيقاف الهجوم، ولكن العدو واصل القصف وفي الليل وصل خبر من الطابغة مفاده أن وحدة سورية كانت ستجتاز مخاضة الأردن، شمالي طبرية، اصطدمت بحقل ألغام، وانسحبت بعد أن تكبدت عدداً من الجرحى بينهم ضابط سوري برتبة عالية (.... ).

إن الوقت الثمين الذي اكتسب بالاحتفاظ بسمخ أتاح مايلي:
1) المزيد من تنظيم الدفاع عن المستعمرات.
2) إعداد خط الدفاع عن مستعمرتي دكانيا ودكانيا (ب).
3) إجلاء الأطفال والمرضى والشيوخ من مستعمرات السهل، وقد أبحرت (في مياه طبرية) قوافل الإجلاء تحت قصف المدافع والطائرات، ولم يطل الانتظار، ففي فجر 18 أيار بدأت المدفعية (السورية) بقصف سمخ وشعار هاجولان قصفاً متزايداً مع مرور الوقت،

في الوقت نفسه انتشرت على شكل قوس واسعة 13 آلية مدرعة، بينها دبابات من طراز رينو، وبدأت تتقدم باتجاه سمخ، ولم تشترك قوات المشاة السورية هذه المرة في الهجوم، وإنما انتظرت عن بعد، وهدم القصف بيوت سمخ اللبنية (الطينية) التي كان يختبئ فيها المقاتلون، ولم تكن الخنادق عميقة فيما فيه الكفاية كانت حفراً لإطلاق النار من دون ساتر للرأس، وجرح أشخاص كثيرون بينهم عدد من القادة، وتقدمت المدرعات وهي تقصف المواقع وأصيب أحد المدافع من عيار 20 مم، التي كانت تستخدم ضد المدرعات فتعطل، وقد حسمت حركة المدرعات هذه، التي هدفت إلى تطويق سمخ من الجنوب، وهددت بقطع طريق الانسحاب على المدافعين من المعركة واضطر رجالنا إلى ترك مواقعهم والخروج من سمخ من دون أن يتمكنوا من إخلاء جميع الجرحى، كانت نيران مدرعات العدو تغطي الشوارع والساحات بين البيوت، وكان الانسحاب صعباً جداً، وسقطت ضحايا كثيرة في مئات الأمتار القليلة الفاصلة بين سمخ ومستعمرتي دكانيا، وانضم باقي المنسحبين إلى المدافعين عن هاتين المستعمرتين اللتين أصحبتا في خط النار الأول، وكان آخر موقع سقط في سمخ هو (مخفر البوليس)، وقد أتاح الصمود فيه ـ ولو أن ذلك لفترة قصيرة فقط ـ للمنسحبين مجال تنظيم صفوفهم وإقامة خط مؤقت غربي وجنوب غربي سمخ، في اتجاه (بيت ياريح) من جهة، وفي اتجاه (بيت زيرع) من جهة أخرى.

010.jpg


وقد تمركزت في الخط وحدة بقيادة نائب قائد الكتيبة الثانية من لواء غولاني، الذي سقط في المعركة في وقت لاحق، وقد أثار سقوط سمخ والقصف والغارات الجوية مشاعر صعبة، وفي الوقت نفسه أرسلت إلى قطاع مستعمرتي دكانيا تعزيزات مشكلة من أفراد الكتيبة الثالثة 3 التابعة للواء غولاني، ومن مستعمرات الجليل الأسفل والسهل.

كما وصلت من الجليل سرية من الكتيبة الثالثة من لواء (يفتاح) التابع للبالماخ، واستعدت لتوجيه ضربة مضادة (هجوم معاكس) في الليل، وعند حلول الظلام، قبل أن تتحرك السرية التابعة للواء (يفتاح) للقيام بهجوم مضاد على سمخ، وصل نبأ الاستعدادات في شعار هاجولان وميسادا لإخلاء المستعمرين، ومع الفجر كان قد تم إخلاؤهما، وفشل هجوم سرية البالماخ على مركز شرطة سمخ (مركز البوليس) في ليلة 18/19.

لقد نجحت الوحدة في الاقتراب واحتلال مبنى المدرسة المجاور لمركز الشرطة، ولكن عندما اقتربت من مبنى المركز فتحت عليها نيران قوية من المبنى نفسه، ومن المدرعات الموجودة بالقرب منه، واضطرت إلى الانسحاب، وبسقوط سمخ في الشمال واستيلاء العدو (السوريين) على ميسادا وشعار هاجولان في الجنوب، توصل العدو إلى تأمين جناحيه في حال تقدمه نحو مستعمرتي دكانيا (أ) و دكانيا (ب)، (دكانيا (أ) و دكانيا (ب) هما أقدم مستعمرتين يهوديتين في فلسطين، وهما محصنتان جيداً، وتقعان على مقربة من الخط الدفاعي الذي أخذ في أوائل الحرب العالمية الثانية، اسم «خط إيدن» والذي كان يستهدف وقف أي هجوم ألماني قادم من تركيا أو سورية لاحتلال فلسطين.)، لكن الهجوم المضاد على مركز البوليس، وما سببه من خسائر مني بها السوريون، حققت كما يبدو، على الرغم من فشله إنجازاً معيناً، إذ كسب رجال السهل يوماً آخر، ولم يحدث الهجوم على مستعمرتي دكانيا (أ) و (ب) إلا في اليوم التالي».


انتهت الرواية الاسرائيلية




فشل الهجوم على دكانيا والانسحاب من سمخ:
=============


بعد احتلال بلدة سمخ في يوم الثلاثاء 18 أيار 1948، زار رئيس الجمهورية السورية ومعه وزير الدفاع الرتل السوري، وتناول طعام الغداء على مائدة قائد الرتل في موقع (تل ناقص 98)، وخلال الغداء أعلم وزير الدفاع قائد الرتل بوجوب إنهاء المهمة التي تم تكليفه بها ـ وهي احتلال صفد والوصول إلى الناصرة ـ في غضون عشرة أيام قبل أن تصل قوافل التجهيزات والمعدات العسكرية من أوروبا إلى قوات العدو.

وبناء على هذا التوجيه أصدر قائد الرتل السوري أمره بالقيام بهجوم عام، انطلاقاً من سهل سمخ، لاحتلال الجسر ذي الأهمية التعبوية، القائم على نهر الشريعة، ثم احتلال مستعمرتي دكانيا (أ) و (ب)، والسيطرة عليهما، وحددت ساعة بدء الهجوم الساعة الرابعة من صباح يوم الخميس 20 أيار 1948، على أن يسبق ذلك رمايات بالمدفعية التي تم إنزالها إلى (تل ناقص 98) لكي يصبح بإمكانها إيصال قذائفها إلى مدى أبعد، وإلى مستعمرات النسق الثاني مثل (آفيكيم، أشدوت يعقوب، وغيرهما)،

وكانت الوحدات المكلفة بالهجوم هي:

1) الفوج الثالث مشاة: الذي ألحق حديثاً من اللواء الثاني بالرتل، بقيادة المقدم أمير شلاش، ومهمته مهاجمة مستعمرة دكانيا (أ).

2) الفوج الأول مشاة: ومهمته دعم تقدم الفوج الثالث ومهاجمة دكانيا (ب)، عند نجاح الميمنة (الفوج الثالث) بالتقدم دون عائق.

3) المغاوير: ومهمتهم الاستيلاء على الجسر واحتلال موطئ قدم على الضفة الغربية من النهر، ومنع تخريب الجسر لكي تتمكن بقية القوات من استخدامه.

4) سرية الدبابات والمصفحات: تقوم مفرزة من الدبابات بدعم سرايا الفوج الثالث في هجومها الرئيسي على نهر الشريعة، أما المصفحات فتدعم تقدم فوج المشاة الأول في هجومه على مستعمرة دكانيا (ب).

5) فوج المدفعية: يكلف بإجراء قصف تمهيدي على قوات العدو في مستعمرتي دكانيا.

6) الفوج الثاني مشاة: يبقى احتياطاً على المرتفع المسمى (تل ناقص 98).


تنفيذ الهجوم:
--------


ابتدأ الهجوم على مستعمرتي دكانيا (أ) ودكانيا (ب) في تمام الساعة الرابعة من صباح يوم الخميس 20/5/1948 وقد استخدم العدو قاذفات اللهب لإحراق المزروعات اليابسة، ووضع جنوداً على الأشجار العالية لإطلاق النار على الوحدات المتقدمة، وقد تمكن العدو بفعل نيران المدافع 20 مم المضادة للدرع (بيات) التي كان يملكها، والعدد الكبير من مدافع الهاون 120 مم، من تعطيل بعض الدبابات والمصفحات، وهكذا «تمكنوا من تدمير إحدى المصفحات السورية التي كانت تتقدم نحو دكانيا بمحاذاة شاطئ بحيرة طبريا، كما دمروا مصفحة أخرى عندما وصلت إلى أبواب المستعمرة، وأحرقوا ثالثة بعد أن نجح رجالها في الوصول إلى قلب دكانيا.

وطرأ عطل على مصفحتين وقعت إحداهما بيد العدو، الأمر الذي جعل السوريين يبطئون في تقدمهم».

وتوقف هجوم الفوج الثالث بفعل الاستحكامات المعادية والدشم الموجودة بين الأشجار، مما أوقع به خسائر فادحة في الأفراد والعتاد، وخاصة بعد توقف المصفحات السورية عن تقديم الدعم نظراً لإصابة بعضها وتعطل البعض الآخر،

و كان الفوج الأول متوقفاً على يسار الفوج الثالث، ولدى سؤال قائده عن الوضع أجاب بأنه سيكون بوسعه التقدم لمهاجمة مستعمرة دكانيا (ب) (وهي الهدف المعين له في خطة الهجوم) إذا حصل على دعم بالدبابات والمصفحات، فتم توجيه قسم من هذه الأخيرة إلى منطقته لكي تحمي تقدم المشاة، وقد تقدم هذا الفوج بالفعل إلى أن وصل إلى مسافة لا تتجاوز عشرات الأمتار من المستعمرة المذكورة ولكنه جوبه عندئذ بنيران كثيفة من الأسلحة المعادية مما اضطره للتوقف، وقد حاول هذا الفوج اقتحام المستعمرة مرتين متعاقبتين، باعتراف المصادر الإسرائيلية نفسها التي تقول: «وبعد ذلك جرت محاولة الاقتحام، خرجت وحدة مشاة من خلف الدبابات ووصلت إلى مسافة 30 م من المواقع فصدت، وجرت محاولة أخرى للاقتحام قامت بها اثنتا عشرة آلية مصفحة ووحدة مشاة صغيرة فوجهت نيران المدافع الرشاشة والبنادق إلى فتحات الآليات المدرعة فتم إيقاف الهجوم» .

وفي الساعة 9,35 أرسل قائد اللواء البرقية التالية إلى آمر الرتل العراقي الذي كان يعمل على يساره في منطقة جسر المجامع: «نهاجم مستعمرتي دكانيا (أ) و(ب) منذ الصباح، ونتقدم بصعوبة، أخبرونا وضعكم وإمكاناتكم لدعمنا بمعونتكم وطائراتكم»، ولكنه لم يتلق أي رد على برقيته هذه.

وقد علم أن القوات العراقية المجاورة له لم تعد موجودة إلى يساره، لأن القيادة العامة للجيوش العربية قد نقلتها ليلة 19/20 للعمل على محور آخر دون إعلام قيادة الرتل السوري.

وإزاء هذا الوضع الصعب لم يجد قائد الرتل السوري بدّاً من سحب الفوجين إلى مراكزهما الأصلية، والتمركز دفاعياً في هذه المواقع بعد أن تكبدت الوحدات المهاجمة خسائر ملحوظة وكانت الوحدة التي تعرضت لأكبر قدر من الخسائر في هذا الهجوم هي الفوج الثالث بقيادة المقدم أمير شلاش في تنفيذ عملية الهجوم على مستعمرة دكانيا (أ).

ويصف المقدم شلاش، في الأوراق التي كتبها بخط يده، وأودعها لدى (مركز الدراسات العسكرية)، سبب تراجع فوجه والظروف التي أحاقت بهجومه على مستعمرة دكانيا على النحو التالي:

«وفي 18/5/1948 تلقيت أمراً بالالتحاق مع فوجي بقيادة الرتل السوري (يسميه الرهط) فالتحقت به في موقع تل ناقص 98 بهذا التاريخ.وبمجرد وصولي إلى موقعي الجديد ضمن اللواء الأول الذي يتبع له فوجي تقدمت إلى قائد الرهط وأطلعته على وضعية فوجي، فقال لي إن فوج المشاة الثالث لن يتحرك ولن يشترك في القتال إلا بعد أن يستكمل معداته ويستكمل العدد اللازم من الضباط، وقد نُقل إلى فوجي ضابطان أحدهما الملازم ماجد ماميش والثاني إحسان كم ألماز الذي كان في قوى الإنقاذ في صفد، وكان من أبرز الضباط وأشجعهم في مقاتلة اليهود، واستلم قيادة السرية الثالثة التي كان يرأسها الملازم كامل محمود، الذي أصبح آمراً لإحدى فصائل السرية، والسرية الثانية بقيادة الرئيس نديم ترانجان وكان لديه ضابط برتبة ملازم ثان يدعى توفيق كركوتلي، وطبيب الفوج تحسين ميداني الذي أظهر بسالة فائقة في تضميد الجرحى ونقلهم من الخطوط الأمامية إلى الخطوط الخلفية.

بعد اطلاعي على مهمة الرهط السوري لفتُّ نظر قائد الرهط الزعيم عبد الوهاب الحكيم إلى خطورة ترك مستعمرة عين جيف اليهودية ومهاجمة سمخ لأن هذه المستعمرة تقع على ميمنة الرهط السوري أثناء الهجوم، ومن الممكن لهذه المستعمرة أن ترسل قواتها لضرب مؤخرة الرهط أثناء قتاله باتجاه سمخ، فتم الرأي على قيام فوجي بقصف مستعمرة عين جيف بهاونات الفوج والرشاشات الثقيلة لتحويل أنظار العدو عن الخطة الأساسية للرهط السوري، وقد تم ذلك وسمعنا دوي صفارات الإنذار في المستعمرة وشوهد أفراد العدو يأخذون مراكزهم الدفاعية حول المستعمرة.

كانت المهمة الثانية للفوج التمركز على مرتفعات مزرعة عز الدين التي تطل على تل ناقص 98 وسهل طبرية لمساندة هجوم الرهط على سمخ.

صباح يوم 18 مايو/أيار أعيد الهجوم ثانية على بلدة سمخ بمساندة مصفحات المارمون، التي أبلت بلاء حسناً وتمكنت الوحدات بمؤازرة هذه المصفحات من احتلال بلدة سمخ بالكامل والمخفر البريطاني الموجود غربي سمخ، وقد قتل من اليهود الأعداء 115 قتيلاً وثلاثة جرحى أسروا.

وفي يوم 19 مايو/أيار أُسند لفوجي (فوج المشاة الثالث) مهاجمة شعار هاجولان وقد تمركز الفوج على تل ناقص 98 مع قاعدة النار باتجاه المستعمرة المذكورة، وكان وزير الدفاع أحمد شراباتي موجوداً قرب القاعدة، والملازم فيليب صوايا راصد المدفعية في نفس المكان، وابتدأت المدفعية بقصف المستعمرة، وكان وصول ثلاث طائرات سورية قامت أيضاً بقصف المستعمرة، وشوهد أفراد من العدو ينطلقون إلى مراكز الدفاع، عندئذ صرخ وزير الدفاع قائلاً أوقفوا إطلاق النار لأن المستعمرة فيها سكان، غداً ستعاودون الهجوم على المستعمرة (!) وكانت أول قنبلة انطلقت من الطائرات السورية قد دمرت برج المراقبة في المستعمرة.

بعد الظهر شوهد جمع من السكان البدو يدخلون مستعمرة شعار هاجولان ومستعمرة ميسادا القريبة منها ليقوموا بنهبهما، عندئذ أوعز قائد الرهط إلى فوج المشاة الثالث بإرسال قوة لطرد المدنيين البدو من المستعمرتين، ووضع قوة في كل مستعمرة لحراستها، فتم إرسال فصيلين، فصيل لكل مستعمرة من سرية الملازم إحسان كم ألماز الذي تمركز مع بقية سريته في الكارنتينا.

طلب الزعيم عبد الوهاب الحكيم اجتماع قادة الأفواج في الرابعة مساءً في الكامب، وقد تلقى فوج المشاة الثالث مهمة تبادل المواقع مع فوج المشاة الثاني واستلام أماكنه على أن يتم التبادل ليلاً، وكانت مهمة فوج المشاة الثالث التي أوكلت إليه هي الهجوم على مستعمرة دكانيا (أ) ثم مستعمرة كنيرت ـ ثم كنيرت ملاحت ومنها التوجه إلى مدينة طبرية، وأما فوج المشاة الأول فكانت مهمته الهجوم واحتلال مستعمرة دكانيا (ب) على أن يبدأ الهجوم في تمام الساعة الرابعة والنصف صباحاً بعد أن يقوم سلاح الطيران والمدفعية المتمركزة على مرتفعات مزرعة عز الدين، في تمام الساعة الرابعة بقصف ودك المستعمرتين.

للعلم رغم وعود القيادة لفوج المشاة الثالث باستكمال كافة نواقصه من المعدات التي أُخذت منه، وتكمله تعداده من الضباط والأفراد لم يتم شيء من ذلك إطلاقاً، وكان تعداد فوج المشاة الثالث بعد تمركزه مكان فوج المشاة الثاني ثلاث سرايا، كل سرية مؤلفة من 50 ضابطاً وصف ضابط وجندي، وفصيل قيادة مؤلف من 30 ضابطاً وصف ضابط وفرد، وهو يشتمل على مدفع 25 مم عدد2، وهاون 81مم عدد 2، و4 رشاشات هوتشكيس ومجموعة صحية مؤلفة من طبيب وممرضين ونقالين، وقيادة الفوج، والذخيرة التي كانت تحت تصرف الفوج تشمل وحدتي نار فقط.

كان من المقرر أن تتقدم وتنتشر الدبابات الرينو أمام فوج المشاة الثالث، ومصفحات المارمون أمام الفوج الأول، بالإضافة إلى كوكبة خيالة غير نظامية بقيادة الرئيس قاسم الخليل، التي نُزع سلاحها الفردي ليلة الهجوم واستعيض عنه برشيشات، وكانت هذه الرشيشات لا تزال ملفوفة بورقها وشحمها، وكان هذا السلاح بالنسبة لكوكبة غير نظامية سلاحاً جديداً يجهلون فكّه وتركيبه واستعماله.

أما المعلومات عن العدو فكانت مجهولة تماماً: كل ما كان أمامنا ستار من شجر السرو الذي كان يشكل حاجز رؤية لما بعده وما وراءه، وبشكل يغطّي مواقع المستعمرتين دكانياً (أ)، ودكانيا (ب)، كنا نجهل ما إذا كانت المستعمرتان قبل النهر أو بعده، ولم تكن لدينا أية خريطة تبيّن لنا مواقع هاتين المستعمرتين اللتين كانتا هدفنا في الهجوم ذلك اليوم.

في نفس الليلة وصلت سيارة من سرية سلاح الإشارة تحمل لنا جهاز لاسلكي من النوع الكبير والجديد، وقالوا لنا هذا الجهاز يمكّنكم من الاتصال بقيادة الرهط، وكذلك بالأركان العامة في دمشق، وانتخبوا جنديين من جنود الفوج، اختيرا للعمل على هذا الجهاز وقالوا لهما بإمكانكما تشغيله، ولكن الجنديين كانا يجهلان تماماً استعمال أي جهاز لاسلكي، وقد أُعطي هذا الجهاز للأفواج لأول مرة، وقد أراد الرقيب الذي أحضر الجهاز تجربته فاتصل بالقيادة وعندها دخل على الخط مركز تنصت العدو وابتدأ مخاطبته بالعربية، وهذا يعني أن العدو كان يعلم بترددات الجهاز مسبقاً، وطبعاً لم يُستعمل الجهاز أبداً.

يوم 20 مايو/أيار يوم الهجوم المقرر في الساعة الرابعة صباحاً، كنا في انتظار وصول الطائرات لقصف المستعمرتين دكانيا (أ) و دكانيا (ب)، حسبما علمنا من قائد الرتل قبلاً، ولكن لم يحدث شيء من هذا بل بالعكس ابتدأ العدو بقصفنا بهاوناته وكذلك طائراته ابتدأت بقصفنا بقنابلها، وانعكس الوضع تماماً، وكان تصوري أن العدو هو الذي يقوم بالهجوم، بينما كنا نحن المستعدين للهجوم، عندها أمرت جنودي بأخذ وضعية الدفاع بانتظار ما سيحدث، وقد علمت أن المدفعية الرابضة على المرتفعات في مزرعة عز الدين قد أُنزلت ليلاً إلى الوادي خلف تل ناقص 98، وكان ذلك بأمر من وزير الدفاع، اعتقاداً منه بأن المدفعية عندما تكون أقرب تكون إصابتها أجدى، مع العلم بأن مرابض المدفعية على المرتفعات في مكانها الأول كانت تبعد عن المرتفعات المقابلة 5 كيلومترات فقط، والرمي المجدي للمدافع 75 مم كان 10 كيلومترات، فعملية إنزال المدافع إلى الوادي سمح للكوماندوس اليهودي الموجود في عين جيف بأن يتحرك ليلاً ويضرب المدفعية، ولكن حرص وحذر عناصر المدفعية ويقظتهم منعت كوماندوس اليهود من الوصول لهدفهم، وهو تدمير المدفعية السورية، وعند طلوع النهار أعيدت المدفعية إلى موقعها الأصلي، وهكذا تأخر الهجوم الذي كان يجب أن يبدأ في الرابعة والنصف.

ابتدأ الهجوم في التاسعة بعد أن تم قصف المستعمرتين بالمدفعية وبمؤازرة الطيران العراقي. (وقد طلب إليهم ذلك بواسطة ضابط الارتباط العراقي الموجود في قيادة الرهط).

وقد انطلقت السريتان الثالثة والثانية باتجاه الهدف المعين تحت حماية قاعدة النار المؤلفة من رشاشات الفوج، والمتمركزة على سطح المخفر الإنكليزي وانطلقت الدبابات في المقدمة ووراءها المشاة وبعد لحظات من انطلاق الدبابات تعطّل أكثرها وبقيت في أماكنها.

وعند وصول المشاة إلى الساتر الشجري الذي يحجب الرؤية عن المستعمرات وجد الجنود خلفه أسلاكاً شائكة كثيفة تمنع استمرار التقدم، وبما أن الفوج كان قد أخذت منه أدوات التحكيم، ومنها مقصات الأسلاك الشائكة، فلم يكن باليد حيلة من عدم التقدم، وفوجئ الجنود بزخات من نيران البنادق والرشاشات مما أجبرهم على التراجع إل إلى نقطة الانطلاق تاركين وراءهم عدداً من الشهداء والجرحى،

و قد تبين فيما بعد أن اليهود كانوا متمركزين على خط إيدن الذي أنشأه الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية لمنع الألمان من اجتياز هذه المنطقة، وابتدأت الخسائر بيننا، فقد استشهد الملازم إحسان كم ألماز خلال الهجمة الأولى، وكان إلى جانبه الوكيل ضابط مهنا الذي أصيب أيضاً وقد شاهد الملازم إحسان كم ألماز يسقط شهيداً وقد أصيب برأسه كما نُقل الملازم ماجد ماميش في حالة إغماء شديد، وقام الملازم تحسين الميداني طبيب الفوج، مع فريق الإسعاف التابع للفوج، بنقل الجرحى من ميدان المعركة إلى مراكز الإسعاف الخلفية مخاطرين بحياتهم ولم يتركوا جريحاً واحداً على أرض المعركة،

وحتى المساء كان عدد القتلى والجرحى 86 فرداً، وقد اتصلت هاتفياً بقيادة الرهط، ورد علي المقدم عزيز عبد الكريم، وطلبت منه إبلاغ الزعيم عبد الوهاب الحكيم وجوب تراجع الوحدات إلى ناقص 98 بدلاً من بقائنا في سهل مكشوف يسيطر عليه العدو سيطرة تامة، وللأسف لم أتلق أي رد أو أي تعليمات جديدة بخصوص طلبي، وفي المساء حوالي الساعة الخامسة حضر إلى مركز قيادة الفوج الرئيس صبحي عبارة آمر سلاح المدرعات، واطلع على الوضع الذي كنا به، فعاد وأحضر معه 5قطع من المدرعات ونشرها حول مركز قيادة الفوج، وعاد ليبلغ قائد الرهط بوضعنا الصعب،

و في هذه الأثناء ابتدأ العدو بقصف مركز القيادة والفوج بقنابل الهاون، وقد سقطت إحدى هذه القنابل على مركز قيادة الفوج الذي كان في العراء فأصبت أنا وأحد الضباط وعشرة أفراد من قيادة الفوج، وقد قام الدكتور تحسين الميداني بنقل تسعة من الجرحى المصابين في سيارة الجيب الخاصة بآمر الفوج، ثم تم نقلي مع اثنين من الجرحى إلى مركز الإسعاف الذي كان متمركزاً في الحمة، محطة القطار، وكان عدد من الأطباء المدنيين يقومون بإجراء الإسعافات الأولية، وتم ترحيل الجرحى إلى المستشفى العسكري بدمشق، ولما وصلت إلى هذا المركز تبين أني مصاب بأربع إصابات بالفخذ والمرفق والظهر والكتف، وبعدها استمر ما تبقى من الفوج في المخفر البريطاني 24 ساعة أخرى، صدرت إليهم الأوامر بعدها بالانسحاب إلى مركز الرهط».

انتهى كلام المقدم شلاش

---
---



وليس بوسع المراقب الموضوعي مهما بلغ اعتزازه بجيشه، من الإقرار بأن خسارة الرتل السوري للمعركة أمام أسوار مستعمرتي دكانيا (أ) ودكانيا (ب)، ما كانت لتحدث لولا عدد من الأخطاء السياسية والعسكرية التي أدت إليها، أو ساهمت في حدوثها، وأهم هذه الأخطاء كان تغيير خطة الهجوم الأصلية التي وضعتها الأركان السورية، ونقل القطعات المنفذة خلال ليلة واحدة من الحدود اللبنانية وزجها في منطقة سمخ جنوب بحيرة طبرية، في مواجهة خط دفاع منيع ومحصّن (خط إيدن)، كان قد أنشأه الإنكليز للوقوف في وجه الألمان عام 1940، إذا قام هؤلاء الأخيرون بمهاجمتهم من سورية، ويصف واحد من الضباط السوريين القدامى، الذين عاصروا الأحداث، الأثر الذي أحدثه تبديل خطة الحركة الأصلية بالقول: «إنه مما لا شك فيه أن تبديل خطة الرتل السوري الموضوعة كان مسيئاً جداً لتصور المعركة الأساسي، كما أنه أمر ينبو عن كل منطق عسكري لسببين:

الأول أن الرتل قد هيأ نفسه للدخول في أرض المفروض أنه درسها مسبقاً جغرافياً وطوبوغرافياً وديموغرافياً، كما درس أوضاع العدو فيها.

الثاني تكليفه، وفي ليلة واحدة، بالانتقال إلى واد تصعب الحركة فيه أمام عدو متمركز دفاعياً وبقوة، والدخول مباشرة وليلاً في المعركة».

وإثر خسارة المعركة :

1- تقدم وزير الدفاع أحمد شراباتي باستقالته مساء 22 أيار 1948 فاستلم رئيس الوزراء مهام وزارة الدفاع بالإضافة لوظيفته،

2- كما أدت هذه الخسارة إلى صرف الضباط الكبار الذي خططوا للمعركة أو أشرفوا عليها، في الفترة بين 23 و26 أيار ومنهم الزعيمعبد الله عطفة، والعقيد عبد الوهاب الحكيم، والعقيد جميل برهاني (قضى المرسوم 1131 في 23 أيار 1948 بصرف الزعيم عبد الله عطفة من الحكومة (الجريدة الرسمية عام 1948، ص1147) وقضى المرسوم 1151 في 26 أيار 1948 بصرف العقيد عبد الوهاب الحكيم من الخدمة، والمرسوم 1152 في التاريخ نفسه بصرف العقيد جميل برهاني من الخدمة (الجريدة الرسمية عام 1948، ص1339)..


وبموجب المرسوم 1133 في 23 أيار 1948 تم تكليف الزعيم حسني الزعيم برئاسة أركان الجيش السوري وكالة، ثم اعتبر بموجب القرار رقم 469 في 1 حزيران 1948 قائماً بوظيفة رئيس أركان الجيش السوري بالوكالة اعتباراً من 24 أيار 1948 (76).

وعين العقيد أنور بنود آمراً للواء الأول (بدلاً من عبد الوهاب الحكيم) وجرى نشر هذا اللواء في القطاع الجنوبي من الجبهة، كما عيّن العقيد توفيق بشور آمراً للواء الثاني (بدلاً من جميل برهاني)، وجرى نشر اللواء في القطاعين الشمالي والأوسط من الجبهة، ما بين بانياس وجسر بنات يعقوب، كما عيّن العقيد عمر خان تمر آمراً لفوج المدرعات، وبدأ هؤلاء القادة الثلاثة يعدون قطعاتهم لأداء مهمة جديدة في فلسطين.


 

العمليات في القطاع الأوسط: احتلال كعوش (مشمارهايردن):
==========


بعد فشل الهجوم على مستعمرتي دكانيا (أ) ودكانيا (ب)، وتراجع القوات السورية عنهما، أصبح بقاء المفرزة التي تحتل سمخ أمراً غير منطقي من الناحية التعبوية، لذا جرى سحب هذه المفرزة، وأخذت القوات المنسحبة خطاً دفاعياً جديداً يمتد من الحمّة إلى باب الحديد، فالحاوي العسكري، فمزرعة عز الدين، فكفر حارب، والقيادة في موقع (فيق)، وبعد استلام الزعيم حسني الزعيم رئاسة الأركان في 23 /5/1948، عمد إلى تغيير خطة العمليات التي تم فرضها من القيادة العربية الموحدة في عمان، وتبنّى محلها خطة للهجوم من القطاع الأوسط للجبهة، أي من جسر بنات يعقوب إلى مستعمرة مشمار هايردن (كعوش) ثم التقدم منها إلى روشبينا (الجاعونة) باتجاه صفد، وذلك للالتقاء هناك مع قوات جيش الإنقاذ، وقوات البادية التي كانت تشترك مع الجيش اللبناني في التقدم من شمالي فلسطين عن طريق المالكية.

وقد زجت القيادة لهذا الغرض بوحدات اللواء الثاني (( تم نقله من حلب الى جبهة الجولان)) على محور القنيطرة - كفر نفاخ - جسر بنات يعقوب، وعززتها بالمدفعية والدبابات والمصفحات ووحدات الهندسة، وأعطت لهذه المجموعة اسم «الجبهة الجنوبية الغربية» بينما احتفظت وحدات اللواء الأول، تحت قيادة العقيد أنور بنود، بتسميتها السابقة «الرتل السوري» (للدلالة على استعدادها المستمر للقيام بعمليات هجومية ضد العدو).

وقد تم سحب سرية الدبابات من القطاع الجنوبي إلى القنيطرة حيث جرت إراحتها هناك لمدة عشرة أيام (من 25/5 وحتى 4/6/1948) بينما كانت ورشات الصيانة تعمل في تصليح ما تعطل منها، ودعم تسليحها، وذلك استعداداً لزجّها في المعارك الجديدة.

وبدأت هذه المعارك الجديدة بالفعل صباح 5/6/1948، حين كُلّف أحد أفواج المشاة التي كانت منتشرة بين مخفر الجمرك السوري (قرب جسر بنات يعقوب) وعِلْمين، بمهاجمة أقوى مستعمرة في سهل الحولة، وهي مستعمرة كعوش أو (مشمارهايردن) واحتلالها، وبدأت سرايا هذا الفوج بالتقدم باتجاه وادي النهر، في الساعة العاشرة من صباح 5 حزيران 1948، وبما أن الجسر كان مهدّماً فقد عبرت النهر من مخاضة قائمة عند النقطة المسماة «قصر عطرة» وأخذت بتسلق الضفة الأخرى من النهر في الساعة الثانية عشرة، وبعد ذلك بحوالي ساعة أصبحت وحدات الفوج على مسافة لا تتجاوز ألف متر من الحد الشرقي لمستعمرة مشمار هايردن (كعوش) فتابعت تقدمها نحو المستعمرة ولكنها جوبهت بنيران كثيفة كانت تنطلق من جملة (المنعات) المحفورة في الأرض، والتي لم يكن يرى منها إلا فوهات الإطلاق.

وقد توقفت وحدات الفوج عندئذ وطلبت تدخل المدفعية السورية التي كانت موجودة شمالي مبنى الجمرك في جسر بنات يعقوب وقامت هذه بالتدخل بشكل محدود.

وعادت وحدات المشاة للهجوم في تمام الساعة 14,00 وتعاملت مع المنعات المعادية بنجاح نسبي، ولكن اليهود استقدموا بعض النجدات التي تمركزت على المرتفعات الجنوبية من المستعمرة، على مسافة تقارب كيلو متراً واحداً منها، مما اضطر الفوج المهاجم إلى تخصيص سرية لمجابهة هذه النجدات، وهذا ما أنقص من حجم القوة النارية للهجوم بشكل ملحوظ، وبعد انتهاء رمايات المدفعية السورية تقدمت بقية وحدات الفوج إلى المستعمرة من جهة الشرق، وكان الجزء الشرقي منها يتشكل من أراضي مسطحة وخالية من الأشجار، مما جعل تقدم المشاة عسيراً في هذه الأراضي حيث لا مساتر فيها تقيهم من مراصد العدو ونيرانه التي كانت تنصب عليهم من المنعات بغزارة، وتحدث إصابات بينهم، وزاد حال المهاجمين سوءاً أن الشمس قد أخذت تميل إلى الغروب مما جعل الرؤية تتعذر عليهم بسبب الوهج والإشعاع المباشر بينما كان المدافعون اليهود في مأمن وراء خنادقهم، ويوجهون نيرانهم بكل إحكام على فصائل المشاة المتقدمة باتجاه المستعمرة، ولما زادت نسبة الخسائر بين المهاجمين اضطر قائد الفوج القائم بالهجوم لإعطاء أمر بارتداد الوحدات إلى مواقعها السابقة بعد أن خسر بضعة عشر شهيداً، وهكذا فشل الهجوم الأول على كعوش بسبب سوء اختيار المكان والزمان.



الهجوم الثاني على مستعمرة مشمارهايردن (كعوش) واحتلالها:
=============


بالرغم من فشل الهجوم الأول الذي قام به أحد أفواج اللواء الثاني على مستعمرة مشمار هايردن (كعوش) يوم 5 حزيران 1948، لم تتخل القيادة السورية عن خطتها لاحتلال هذه المستعمرة، واستخدامها كرأس جسر للتقدم نحو أراضي الجليل الأعلى، ويصف أحد الضباط السوريين المعاصرين للأحداث وقائع الهجوم الثاني على كعوش واحتلالها: «لم تتخل القيادة السورية عن خطتها في السيطرة على رأس جسر كعوش، كمنطلق باتجاه صفد والجليل الأعلى رغم فشل الهجوم الأول، فأوعزت إلى اللواء الثاني المتمركز في جسر بنات يعقوب باستئناف العمليات، وتغير في هذه المرة أسلوب العمل وطريقة التنفيذ ونوعية القطعات المشتركة، ووقت شن العمليات على المستعمرة،

وقد خطط آمر اللواء بنفسه للعملية، وتتضمن خطته الفكرة الميدانية التالية:



1) تقوم كوكبة فرسان منتقاة (مغاوير) بالإغارة بعد منتصف ليل 8/6 على كعوش، من طرفها الغربي، وتحمل معها اللباد لإلقائه على الأسلاك الشائكة التي تصادفها، وتعبرها وتدخل بيوت المستعمرة وتطهرها.

2) تسير وراء هذه الكوكبة سرية مشاة لدعمها بعد بزوغ الفجر، في الساعة الرابعة فجراً.

3) يدعم فوج المدرعات تقدم الكوكبة، ويقوم بإزالة المقاومات المعادية بعد الساعة الرابعة صباحاً، ولا سيما المنعات المنتشرة غربي المستعمرة، ويحاول تطويقها والقضاء عليها بمدافع المصفحات مارمون.

4) يجري رمي تمهيد بفوج مدفعية متمركز وراء جسر بنات يعقوب، في مساء 8/6/1948 (وكان لرمايات هذا الفوج تأثير كبير على خفض معنويات اليهود المدافعين عن المستعمرة).

وفي مساء 8/6/1948 عبرت كوكبة الفرسان المخاضة من مقبرة بنات يعقوب، واتجهت إلى الشمال نحو كعوش، وبعد منتصف الليل بدأ الاشتباك مع المدافعين عن المستعمرة، واستمر إلى الفجر، وكان القتال يدور وجهاً لوجه، وأسر كل من كان يقاتل من الرجال والنساء، وقد اعتصم بعض اليهود في الأقبية، فكانوا يطلقون النار على الجنود من كوّات هذه الأقبية، وقد طُهّرت المستعمرة من المقاتلين ولم يبق سوى بعض اليهود في المنعات الكائنة حول المستعمرة فزُجت سرية المصفحات (التي كان يقودها الرئيس صبحي عبّارة)، ضدهم فاضطر هؤلاء إلى الاستسلام بعد بضع طلقات من مدافع المارمون على الطلاقات (كوى المنعات)، وفي الساعة السادسة كانت كعوش خالية من المقاومات، وينتشر فيها وحولها من الشرق والغرب والجنوب بعض سرايات المشاة، تحسباً لهجوم معاكس يأتي من طريق صفد - الجاعونة (روشبينا).

وطلع صباح 9/6/1948 فأرسل اليهود بعض الفئات المقاتلة لمنع تقدم المشاة باتجاه الطريق العام كعوش (مشمارهايردن) - عين العجلة (منهانايم) - الجاعونة (روشبينا)،

011.jpg


وتمركزت هذه الفئات على خطين متوازيين من المرتفعات كان أعلاها رأس المنطرة (تل أبو الريش)، الذي يسيطر بالنار على منطقة شاسعة تمتد بين منهانايم ومطار الجاعونة»، وقد فقد السوريون في معركة كعوش عدداً من الشهداء، وكان على رأسهم الملازم الشهيد فتحي أتاسي الذي أبت عليه شهامته إلا أن ينقذ فتاة يهودية جريحة، ولكن هذه رمته بوابل من الرصاص لما أصبح على مقربة منها.


احتلال تل أبو الريش:
=========



يتحكم تل أبو الريش في المنطقة المحيطة به، بما في ذلك مستعمرة كعوش (مشمارهايردن) التي احتلتها وحدة من الجيش السوري وبدأت تعزز مواقعها فيها، وكان على القيادة السورية أن تأمر باحتلال هذا التل لو رغبت في متابعة التقدم باتجاه الجاعونة (روشبينا) أو حتى لو قررت التمركز في كعوش والدفاع عنها، وقام الزعيم حسني الزعيم ـ وكان في زيارة للجبهة ـ بتعيين الوحدتين المكلفتين باحتلال تل أبو الريش، وهما فوج مشاة وسرية دبابات مع تعيين سرية مصفحات وكوكبة مغاوير من الفرسان المتمركزين في مستعمرة كعوش كاحتياط لعملية الهجوم.

وقد تقدمت وحدتا الهجوم (فوج المشاة مع سرية الدبابات) في هجوم منسّق ومنظم باتجاه التل في الساعة السابعة من صباح يوم 10/6/1948، وظلت تتابع تقدمها حتى اصطدمت إحدى سرايا فوج المشاة المتقدمة على جانبي الطريق الذاهب إلى منهانايم وروشبينا بنيران معادية كثيفة تنطلق من أعلى تل أبو الريش، بين مجموعة من الصخور الضخمة.

وقد طلب قائد فوج المشاة بواسطة مراسل راجل، تدخل وحدة الدبابات، فاتخذت سرية الدبابات عندئذ تشكيلة النسق وأخذت تقصف التل بعنف بالمدافع عيار 37 مم فاضطر العدو عندئذ لإخلاء المرتفعات الواقعة ما بين تل أبو الريش ووادي شبعين، النازل من خربة إربد نحو قصر عطرة، ولما كانت الأراضي الواقعة إلى الشرق من التل أكثر سهولة لتقدم الدبابات، فقد سلكت سرية الدبابات هذه الأراضي، ولكنها ما كادت تتوسطها حتى انفجرت بعض الألغام تحت جنازير الدبابات فقطّعتها، ولم يبق سوى دبابة قائد السرية صالحة للتحرك فتابعت تقدمها، بينما وقفت بقية الدبابات في أمكنتها تتابع الرمي على العدو بالرشاشات.

وحوالي الساعة التاسعة صباحاً تلقى قائد سرية الدبابات كتاباً خطياً من قائد اللواء الثاني يأمر بإيقاف العمليات بسبب إعلان الهدنة اعتباراً من اليوم التالي (11/6/1948).

وبما أنه لم يكن من المستطاع البقاء على هذا الشكل، على سفح تل لا يزال العدو يحتل أعلاه لذا أمر قائد السرية دباباته بمتابعة الرمي، بينما تابع هو تقدمه إلى أعلى التل فوجد سرية من المشاة قد بدأت بتسلقه من الجهة الغربية، حيث التقت الوحدتان في قمة التل، حوالي الساعة العاشرة من صباح ذلك اليوم المجيد (10/6/1948).

وفي منتصف ليلة 10/11 أصبح وضع القوات السورية في القطاع الأوسط من الجبهة كما يلي:

1) في منطقة كعوش: فوج المشاة السادس، وفوج المشاة الثاني، وفوج المشاة الأول، وسرية مصفحات.

2) فوج منتشر إلى الغرب من كعوش لحمايتها.

3) فوج مشاة يتمركز على تل أبو الريش وخلفه.

4) وهناك فوج مدفعية 75 مم يتشكل من بطاريتين، وفصيل مدفعية 105 مم جبلي، يتمركزان وراء مقر قيادة اللواء الثاني في الجمرك السوري.

وفي الساعة الرابعة والنصف من صباح 11/6/1948، انطلقت سرية الدبابات من تل أبو الريش على الطريق العام بتشكيلة الرتل، ودبابة قائد السرية في المقدمة، فاصطدمت بمقاومة معادية تستخدم قذائف البازوكا، على بعد 30 ـ 50 متر منها، ودام الاشتباك بين سرية الدبابات ومفرزة البازوكا المعادية حوالي ثلاث دقائق، ولما تابعت السرية تقدمها اصطدمت بوحدة كاملة من مدافع البازوكا المعادية، وكان يعمل على كل مدفع منها ثلاثة من اليهود المقاتلين، ودامت المعركة بين الدبابات السورية ومدافع البازوكا المعادية حتى الساعة التاسعة صباحاً، ولما نفذت ذخيرة الدبابات، تم إرسال ناقلة مجنزرة من كعوش (مشمارهايردن) إلى ساحة المعركة وجرى توزيع الذخيرة على الدبابات وهي مشتبكة مع العدو، وكانت نيران المشاة المتمركزة على تل أبو الريش، ونيران الدبابات تنصب على العدو وقاعدته النارية من مسافة 600 ـ 800م، وقد استقدم العدو نجدة تتألف من ثلاثة مصفحات ووحدة من المشاة، ولكن المدفعية السورية كانت لها بالمرصاد فصبت عليها رماياتها وأوقفتها.


وبعد الساعة الحادية عشرة لم يعد يسمع إلا صوت طلقات إفرادية متفرقة من جانب العدو، والذي انسحب باتجاه طريق روشبينا (الجاعونة)، وعندما انتهت المعركة في الساعة الثانية عشرة من يوم 11/6/1948، كان ما لايقل عن 120 جثة من جنود ومستوطني العدو متناثرة بين شجيرات الشوك على رقعة تقدر أبعادها بـ 400× 500م، وعند نهاية النهار أعلنت الهدنة الأولى بين العرب واليهود.
 


الهدنة العربية الإسرائيلية الأولى بتاريخ 11/6/1948:
=============


بالرغم من أن الانتصارات التي حققتها الجيوش العربية، ما بين 15 و31 أيار 1948، في الأراضي الفلسطينية، كانت انتصارات محدودة، فإنها ضايقت اليهود كثيراً، حين أحاطت بهم وطوقتهم من كل جانب،

حيث احتل الجيش السوري الجزء الشرقي من سهل طبريا وجانباً كبيراً من سهل الحولة،

و احتل جيش الإنقاذ قطاعاً كبيراً من شمالي فلسطين أوصله حتى مدينة الناصرة،

كما أحدث الجيش العراقي خرقاً أصبح يهدد به بلدة ناتانيا، على مسافة لا تتجاوز عشرين كيلو متراً عن تل أبيب،

و في الجنوب تقدّم الجيش المصري حتى مدينة أشدود، على بعد 35 كم من تل أبيب أيضاً.


012.jpg


هذا بالإضافة إلى أن موقف الصهاينة كان سيئاً في القدس، بعد معركة (باب الواد)، وبعد أن استسلم الحي اليهودي للقوات الأردنية.

وهنا تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية، فأوعزت لمندوبها في مجلس الأمن أن يطلب عقد هدنة مؤقتة أو (وقفاً لإطلاق النار) خلال مهلة 36 ساعة، تحت طائلة فرض العقوبات الاقتصادية والسياسية بحق الطرف الذي يرفض ذلك، وهكذا تم فرض الهدنة الأولى بين العرب واليهود الصهاينة بتاريخ 11 حزيران 1948، لمدة أربعة أسابيع، وتم تعيين الكونت برنادوت السويدي الجنسية، لكي يكون وسيطاً بين الطرفين المتنازعين، ولكي يضع مشروعاً لحل القضية الفلسطينية بصورة سلمية.

وقد كان قبول العرب لوقف إطلاق النار في ذلك الوقت خطأً سياسياً وعسكرياً فادحاً، لأنه كان بوسعهم ربح المعركة لو بقوا مثابرين على القتال، ويقول أحد الضباط السوريين الذين عاشوا أحداث تلك المرحلة في مجال تقييم الهدنة الأولى وأثرها في الصراع العربي الإسرائيلي:

(( كان قبول الهدنة خطأً كبيراً لا يغتفر، فهذه الهدنة هي بمثابة هدية كبيرة لا تقدر بثمن أعطيت للصهاينة، إذ وجدوا فيه فرصة ذهبية لإعادة تنظيم قواتهم، وإكمال استعداداتهم، ولوصول الأسلحة والذخائر التي كانوا قد ارسلوا الوفود إلى مختلف بلاد العالم للحصول عليها بأية وسيلة وبأي ثمن (...) أما العرب فقد قاموا بحملة كبيرة خلال الهدنة وقبلها لشراء السلاح، لكن محاولاتهم كانت تفشل في أغلب الأحيان، بسبب مقاومة إنكلترا وأمريكا لمساعيهم هذه، لأنهما كانتا تضغطان على الدول لمنع بيع الأسلحة للعرب، إضافة إلى النفوذ الصهيوني الذي كان يلاحق العرب الذين يسعون لشراء السلاح».

وبما ان برنادوت لم يكن مقيداً بقرار التقسيم (القرار رقم181 لعام 1947) فإنه طرح في مشروعه أفكاراً كان بعضها ينسجم مع قرار التقسيم وبعضها الآخر لا ينسجم معه، وأهم فقرات المشروع:

1ـ تؤلف فلسطين وشرقي الأردن اتحاداً يضم دولتين إحداهما عربية والثانية يهودية، ويهدف الاتحاد لإنهاض البلاد وتنسيق السياسة الخارجية والدفاع المشترك.

2ـ يكون لكل من الدولتين استقلال تام في شؤون الهجرة إليها لمدة سنتين فقط، وبعد ذلك يقرر (مجلس الاتحاد) في هذا الشأن.

3ـ يضم النقب إلى الدولة العربية، مقابل الجليل الغربي الذي يضم إلى الدولة اليهودية (83).

4ـ تضم القدس للعرب، ويُعطى اليهود حرية الاستقلال بالشؤون البلدية في قسمهم (القسم اليهودي من المدينة).

5 ـ يُعاد النظر بوضع يافا.

6ـ يحترم الفريقان الأديان وحقوق الأقليات واحترام الأماكن المقدسة.

7 ـ عودة اللاجئين إلى منازلهم التي طردوا منها بسبب الحرب.

8 ـ جعل ميناء حيفا ميناءً حراً، وكذلك الأمر بالنسبة لمطار اللد.

ولكن هذه المقترحات، بالرغم من أنها تسلب العرب جزءاً من حقوقهم التاريخية، رأى فيها القادة الصهاينة محاباة للعرب (!) فأوعزوا لعصاباتهم بقتل الكونت برنادوت، فقتلوه مع معاونه الضابط الفرنسي، في كمين قاده اسحاق شامير، كما جرحوا ضابطاً آخر من المراقبين الدوليين، وكان ذلك في 17 أيلول 1948.


انتهاء الهدنة
===



و«ما انتهت الهدنة واستؤنف القتال مرة أخرى، حتى بدأ التفوق الإسرائيلي يظهر بجلاء، على جميع الجبهات، فاحتلوا اللد والرملة في الجبهة العراقية الأردنية، واسترجعوا سمخ من السوريين، وتمكنوا من زحزحة المصريين عن معظم الأراضي التي كانوا يحتلونها، ثم حاصروا لواء الفالوجة، أما العرب فقد انفرط عقد قيادتهم، وأصبح كل جيش يقاتل في موقعه الدفاعي متراجعاً، دون أي تعاون مع الجيوش الأخرى، وعلى الرغم من أن مجلس الأمن قد اقترح تمديد الهدنة، إلا أن العرب رفضوا هذا الاقتراح مع أن القادة العسكريين لم يكونوا موافقين على استئناف القتال بسبب معرفتهم بوضع جيوشهم السيء والنقص الحاد بالأسلحة والذخيرة التي استهلكت خلال المعارك والتي لم تعوض».



العمليات الحربية بعد انتهاء الهدنة الأولى:
=========


خلال فترة الهدنة، بدأت يوم 11 حزيران 1948 ولمدة أربعة أسابيع أخذت القيادة العسكرية السورية تعيد تنظيم قواتها، فسحبت فوج المدرعات الأول إلى منطقة القنيطرة لإراحته وزجت مكانه بفوج المدرعات الثاني في منطقة كعوش (مشمار هايردن)، وتمركزت أفواج المشاة في العمق بين جسر بنات يعقوب وكفر نفاخ والقنيطرة، واحتفظت القوات السورية خلال مدة الهدنة برأس الجسر الذي كانت قد احتلته في سهل الحولة، وهو يمتد من (مقبرة بنات يعقوب) عند مخرج نهر الأردن من بحيرة الحولة حتى قصر عطرة شمالاً، ومن خان يرده - تل أبو الريش - والتل الأسود حتى خربة إربد جنوباً، بطول يبلغ حوالي 15كم. وتمركزت في هذا القوس الكبير ثلاثة أفواج سورية من المشاة، وفوج من المدرعات الثاني، وجزء من فوج المدرعات الأول، وبلغ تعدادها جميعاً حوالي 1500 ضابط وصف ضابط وجندي، تحت قيادة آمر الموقع المقدم محمود بنيات.

وفور انتهاء الهدنة تعرضت القوات السورية المرابطة في كعوش وما حولها لهجوم صهيوني كبير، في الساعة السادسة من مساء 10/7، وقد بدأ هذا الهجوم بقصف مركز على مركز القيادة السوري، وأبنية المستعمرة نفسها، بالصواريخ ومدافع الهاون ومدافع أخرى من عيار 77مم وطال القصف الجسر الذي أقامته مفرزة الإنشاءات السوريةعلى نهر الأردن، وخلال الليل تركز القصف على موقع تل أبي الريش وخان يرده، حيث كانت ترابط سرية رشاشات هوتشكيس مع فوجين من المشاة، هما الفوج الرابع والخامس، في هذه المناطق، وكان القصف دقيقاً ومركزاً، فأوقع عدداً من الضحايا في هذه الوحدات.

وبعد هذا القصف الإسرائيلي الكثيف بدأت وحدات إسرائيلية من المشاة المحمولة يقارب عددها 10.000 مقاتل، بالتقدم من مستعمرات روشبينا (الجاعونة)، ومنهانايم، ويسودهامعلا، وهاجمت الوحدات السورية على المحورين:

1) محور منهانايم - تل أبو الريش.

2) ومحور مزرعة الخوري - المخاضة - الجمرك السوري.

وكانت خطة العدو تهدف إلى التقدم عبر المخاضة إلى مخفر الجمرك السوري في جسر بنات يعقوب، لاحتلاله وتطويق القوات السورية الموجودة في جيب كعوش (مشمارهايردن) بالكامل، وقد تمكن المهاجمون من انتزاع بعض المواقع المتطرفة من أيدي السوريين ومنها جانب من تل أبو الريش، الذي وصلت حدة القتال فيه إلى مرحلة الالتحام بالسلاح الأبيض، وعند أول ضوء من يوم 11/7 قام السوريون بهجوم معاكس بفوج من المشاة (الفوج الرابع) المعزز بالدبابات، وكانت طليعة هذا الهجوم المعاكس سرية الدبابات التي انطلقت من كعوش في الساعة الرابعة صباحاً باتجاه تل أبو الريش، ففكت الحصار عنه ثم اندفعت على الطريق العام، ووراءها رتل المشاة، باتجاه مستعمرة منهانايم (عين العجلة)، وظل هذا الرتل متابعاً اندفاعه حتى وصل إلى مشارف مطار روشبينا (الجاعونة)، بعد أن دحر القوات اليهودية التي وجدها في طريقه، وأوقع بها خسائر فادحة.

وقام قائد موقع كعوش عندئذ، بعد أن زال خطر التطويق عنه، بتوجيه سرية مصفحات أغارت على الوحدة المعادية التي لجأت إلى مزرعة الخوري، فأبادتها تقريباً، عدا بعض الفلول التي هربت إلى منطقة الجليل الأعلى، واستخدمت القيادة المعادية عدداً من الطائرات لقصف الوحدات السورية المتقدمة، ولم يتمكن الجنود السوريون عندئذ من الرمي على هذه الطائرات بأي سلاح مضاد أرض/ جو، لعدم وجود مثل هذه الأسلحة لديهم، وخلال يومي 16 و17 تموز 1948 قامت الوحدات السورية بشن هجومين:

1) الأول في القطاع الأوسط، في المنطقة المحيطة بمستعمرة كعوش (مشمارهايردن) نفسها فقامت بتوسيع رأس الجسر ما أمكن، وتحقيق قدر أكبر من الحيطة للدفاع عن هذا الموقع، حيث قامت كتيبة الفرسان الثانية راجلة، ويدعمها فصيل من الدبابات، بالهجوم على مزرعة الخوري، الكائنة على الضفة الغربية من النهر، في يوم 16/7، وقد حقق الهجوم هدفه بعد ربع ساعة فقط من بدايته، حيث سقطت المزرعة في يد القوات السورية التي أسرت عدداً كبيراً من أفراد العدو.

وفي اليوم نفسه انطلقت سرية مشاة سورية مدعومة بفصيل دبابات باتجاه قرية كراد الغنّامة فاستولت عليها، ثم اندفعت منها نحو قرية كراد البقارة المشرفة على مستعمرة نجمة الصبح (إيليت هاشاحر) وكادت أن تحتلها لولا سقوط آمر فصيلة الطليعة في سرية المشاة (برهان الأمير حسن) شهيداً مما أجبر السرية على العودة إل كراد الغنامة.

013.jpg


2) أما الهجوم الثاني فكان في القطاع الشمالي على تل العزيزيات، الذي يتمتع بأهمية تعبوية متميزة من حيث إنه يسيطر على المستعمرات اليهودية في القطاع الشمالي (دان، شرياشوف، دفنه) من جهة، وعلى طريق المواصلات الأساسي المتجه من بانياس شمالاً إلى مخفر العقدة جنوباً على خط الحدود الفلسطينية ـ السورية من جهة ثانية، وبسبب هذه الأهمية صممت القيادة السورية على انتزاع هذا التل من أيدي العدو، فأمرت قوة هجوم تتكون من كتيبة الفرسان الثانية بأن تتقدم راجلة وتقوم بهذا الاستيلاء، فأدت هذه الكتيبة مهمتها كاملة، صباح يوم 17 تموز 1948، واستولت على التل وهدمت المواقع المعادية فيه، وأبادت عدداً من أفراد حاميتها وفر الباقون.



دور سلاح الطيران في الحرب:
===


لم يكن لدى الجيش السوري عام 1948 أي طيران مقاتل، سواء طيران القصف أو طيران التعرض، واضطرت قيادة هذا السلاح الناشئ لاستخدام طائرات التدريب من طراز (هارفارد) في القتال، بعد أن زودت كلا منها برشاش تم تركيبه في مؤخرتها، كي يستخدمه مساعد الطيار، الذي كان يقوم بمهمة رام وميكانيكي معاً، وقامت الورشة الميكانيكية (وأغلب أفرادها من صف الضباط الذين تلقوا تعليمهم الفني في مدرسة رياق زمن الانتداب) بتجهيز الطائرات بحاملين، رُكب كل واحد منهما تحت أحد جناحي الطائرة، ويمكن للحامل الواحد أن يحمل قنبلة واحدة أو اثنتين،

وكانت الطائرات تقلع من مطار المزة العسكري (الذي لا تتوفر فيه تجهيزات أرضية مناسبة) وتدخل ميدان المعركة فتسقط قنابلها على مراكز المقاومة المعادية ثم تعود إلى قاعدة انطلاقها.

وسُمح لهذه الطائرات باستخدام مطار رياق العسكري في لبنان كمطار تبادلي في حال اللزوم.

وكانت الاجهزة اللاسلكية غير صالحة لدوام الاتصال بين الطائرات والقاعدة، ولم يكن هناك طيران رصد، ولذا اضطرت قيادة السلاح لإفراز ضابط ارتباط يتمركز دوماً في مقر القيادة العامة للجبهة في القنيطرة أو في مركز الجمرك السوري قرب جسر بنات يعقوب لتعيين الأهداف.

ورغم هذه النواقص والصعوبات فقد أدى سلاح الطيران السوري مهامه بشكل جيد، سواء في القطاع الجنوبي من الجبهة بقصف تجمعات العدو في مناطق سمخ ودكانيا، أو في القطاع الأوسط بقصف الأرتال المعادية التي تتحرك على الطرق بين نجمة الصبح (إيليت هاشاحر) وصفد وحتى مرج ابن عامر.


وقد وصف أحد الطيارين السوريين، الذين اشتركوا في العمليات، ما قام به سلاح الطيران السوري في تلك الحقبة الصعبة، فقال:«وكان كل طيار منا يقوم ببضع طلعات يومياً، بسبب قلة عدد الطيارين، ولأن الميكانيكيين كانوا يتفانون في عملهم من أجل صيانة الطائرات وجعلها جاهزة للطيران، وبالرغم من أن طائراتنا هي في الأصل طائرات تدريب متقدم وليست طائرات قتال، فقد عدلناها لكي تحمل قنبلتين اثنتين تحت كل جناح زنة الأربعة 300كغ، كما ركبنا عليها رشاشين أحدهما أمامي للهجوم على الأهداف، والآخر خلفي يستخدمه الرامي للدفاع ضد أي طائرة تهاجمه عندما يكون الطيار بوضع لا يمكنه من إصابة الطائرة المهاجمة، وتأمنت جميع هذه التجهيزات الإضافية من الصحراء الليبية، حيث خلفتها هناك جيوش الحلفاء بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية».

ومما يجدر ذكره أنه رغم ضعف سلاح الطيران السوري في تلك الحقبة، فقد حقق تفوقاً على سلاح الطيران الإسرائيلي وظل هذا التفوق قائماً حتى بدأت الهدنة الأولى، ففي خلال هذه الهدنة تمكن العدو من استقدام كميات ضخمة من الأسلحة، بما في ذلك الطيران، حيث حصل على عدد من الطائرات البريطانية المعروفة (سبيتفاير)، وعلى بضع قاذفات أمريكية من طراز بـ17، التي كان بوسع كل منها أن تحمل ما لا يقل عن ثلاثين قنبلة من زنة 100 ـ 200 كغ.

وتشير (الموسوعة العسكرية) إلى هذا التحول: «لم يكن لدى إسرائيل خلال المرحلة الأولى من الحرب أكثر من 11 طائرة للتدريب والرياضة، من نوع تايغر، ولهذا فقد ركزت جهدها للإفادة من فترة الهدنة لشراء الطائرات المقاتلة، وطلب الدعم من الطيارين اليهود في جيوش العالم للالتحاق بإسرائيل، ونجحت القيادة الإسرائيلية في عقد صفقة مع تشيوسلوفاكيا لشراء طائرات سبيتفاير ومسرشميت، ووصل إلى إسرائيل 20 طائرة، علاوة على 20 طائرة أخرى تم نقلها على شكل قطع غيار، ونجح المندوبون السريون وعملاء إسرائيل في شراء 3 قلاع طائرة من طراز ب ـ17 من أمريكا، وهي قلاع مجهزة بحوالي 10 - 11 مدفعاً، علاوة على قدرتها على إلقاء 4 أطنان من القنابل».


 

اتفاقية الهدنة الثانية:
============



فشلت مساعي الوسيط الدولي، ورفض العرب واليهود مقترحاته، التي عدل بها الحدود التي جاء بها قرار التقسيم، فاستؤنف القتال بين الطرفين 9 تموز 1948، وقد أسفرت النتائج عن بدء تفوق العدو، على جميع الجبهعات، بعد أن انفرط عقد القيادة العامة العربية وأصبح كل جيش يحارب في موقعه متراجعاً دون أي تعاون مع الجيوش الأخرى، وقد تمكنت قوات العدو في هذه الفترة، من إحتلال مدينتي اللد والرملة، اللتين تتمتعان بموقع استراتيجي هام، وأدى سقوط هاتين المدينتين إلى انسحاب الجيش العراقي من موقع رأس العين، ومن شريط من الأراضي لا يبعد عن مدينة تل أبيب أكثر من 20كم، ومن بعض المواقع في سهول مرج ابن عامر.

014.jpg


وبمساعي الدول المؤيدة لليهود اعتبر مجلس الأمن استمرار القتال تهديداً للسلام العالمي، وأصدر قراراً بفرض هدنة ثانية إلى أجل غير مسمى، ابتداء من 16 تموز عام 1948، وعلى الرغم من ذلك استمر اليهود في خرقهم للهدنة، وشنّوا حملة ضد الجيش المصري المتمركز في الجزء الجنوبي من فلسطين، وإجلائه عن منطقة بئر السبع، ومن حصار كتيبة منه في منطقة الفالوجة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن التراجع الذي قام به الجيشان العراقي والأردني، بعد فرض الهدنة الثانية على العرب، قد أثر على إمكانيات جيش الإنقاذ في متابعة المقاومة، حيث انكفأت وحدات هذا الجيش إلى المنطقة الشمالية أولاً، وهناك تعرّضت لهجوم قوي، في 29 تشرين الأول 1948 انتهى إلى خروجها من الأراضي الفلسطينية وتمركزها في جنوبي لبنان.



اتفاقيات الهدنة الدائمة وإنهاء العمليات:
=============



وضعت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ثقلهما الكامل لتأمين حياة دولة إسرائيل وانتصارها على العرب، ولذلك بدأت الدولتان تضغطان بشكل قوي على قادة الدول العربية لتوقيع اتفاقيات هدنة دائمة بدلاً من الهدنتين السابقتين، وقد اتخذ مجلس الأمن الدولي، في 4 تشرين الثاني 1948 قراراً يقضي بفرض هدنة دائمة بين العرب وإسرائيل، وبتأثير هذا القرار اجتمع رؤساء أركان الجيوش العربية المشتركة في الحرب، بمدينة القاهرة يوم 10/11 للتشاور حول الموضوع، وبعد استعراض الموقف من جميع جوانبه وعلى جميع الجبهات، وجدوا أنه ليس في وسع جيوشهم أن تقوم بشن هجمات جديدة على الإسرائيليين إلا ضمن شروط محددة أهمها تلبية حاجتهم الملحة إلى مجموعة من الأسلحة الحديثة والعتاد والذخائر، وأنه في حالة عدم تأمين هذه المتطلبات فإن الجيوش العربية ستضطر لأن تلتزم بحالة من الدفاع المستكنّ، ومعنى هذا أنه يحتمل أن تفقد أراضي جديدة في عقر دارها،

وطلب رؤساء الأركان تحقيق المتطلبات التالية في حال تصميم الحكومات العربية على متابعة الحرب ضد الإسرائيليين:

1) تدارك حاجة الجيوش العربية من الأسلحة والذخائر والعتاد.

2) إعلان التعبئة العامة وتسخير كل موارد البلاد في سبيل المجهود الحربي.

3) حصر جهود الحكومات في تأمين احتياجات جيوشها، وعدم تدخل السياسيين في الشؤون الحربية، وترك حرية العمل للعسكريين في الجبهات الحربية.

ونظراً لأن الحكومات العربية لم تكن في وضع يسمح لها بتنفيذ هذه المتطلبات، فقد قبلت التفاوض مع ممثلي العدو بشكل غير مباشر، وذلك في جزيرة رودوس، حيث كان الوسيط الدولي رالف بانش (الذي حل محل الكونت برنادوت بعد مصرع هذا الأخير في 17 أيلول 1948) يتولى نقل طلبات كل فريق إلى الفريق الآخر، وقد تم التوصل إلى أول اتفاقية هدنة بين الوفدين المصري والإسرائيلي، في جزيرة رودوس يوم 24 شباط 1949، ثم تلتها اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية الموقع عليها في رأس الناقورة يوم 23 آذار من العام نفسه، ثم اتفاقية الهدنة الأردنية - الإسرائيلية بتاريخ 3 نيسان 1949، وفي آخر الأمر اتفاقية الهدنة السورية - الإسرائيلية في 20 تموز 1949، وأما الحكومة العراقية فلم توقع مع إسرائيل أية اتفاقية هدنة حتى اليوم.

وقد أدت اتفاقيات الهدنة هذه إلى خسارة جديدة في الأرض الفلسطينية، فقد تخلى الجيش العراقي عن شريط واسع من الأرض على شكل قوس يمتد من نهر الأردن وحتى طولكرم وقلقيلية.

015.jpg


وزاد الأمر سوءاً انسحاب الجيش الأردني من موقع (أم الرشراش) الذي كان يحتله على شاطئ خليج العقبة، وهو الأمر الذي مكّن إسرائيل من أخذ منفذ لها على البحر الأحمر (مرفأ إيلات حالياً)

ويصف أحد الباحثين العسكريين أثر تسليم موقع أم الرشراش على الوضع العربي العام في ذلك الوقت فيقول:

«أما أسوأ ما حدث في الجبهة الأردنية، خلال مباحثات الهدنة في رودوس فهو التخلي عن أم الرشراش الواقعة على خليج العقبة، والتي سمّاها اليهود فيما بعد (إيلات)، فقد صمم اليهود على احتلالها، لتكون منفذاً لدولتهم على البحر الأحمر، فاتفقوا مع الإنكليز، الموجودين في منطقة العقبة، على ذلك وبموجب هذه الخطة أرسلت الحكومة البريطانية برقية إلى الوسيط الدولي، تقول فيها: إن قواتها لن تتدخل في حوادث جنوب النقب إلا إذا هوجمت من قبل الإسرائيليين، وأرسلت نسخة عن هذه البرقية إلى السلطات الإسرائيلية كما وصلت في نفس الوقت برقية إلى قائد القوة الأردنية الموجودة في الجنوب، مرسلة من كلوب باشا، تطلب منه الانسحاب من أم الرشراش والمناطق المجاورة، وهكذا أخليت هذه المنطقة الحساسة وقُدمت لليهود لقمة سائغة دون أي قتال».

وقد توقفت العمليات العسكرية، على جميع الجبهات العربية رسمياً منذ أوائل شهر كانون الثاني 1949،

و على الجبهة السورية، كان آخر «أمر قتال» صدر عن رئاسة الأركان السورية قبل توقيع اتفاقية الهدنة هو الأمر رقم 441/3 في 25 أيار 1949،

وينص على تقسيم الجبهة الجنوبية الغربية إلى ثلاثة قطاعات دفاعية على النحو التالي:

اللواء الأول يُكلف بالدفاع عن منطقة كعوش (القطاع الأوسط).
اللواء الثاني يكلف بالدفاع عن منطقة بانياس (القطاع الشمالي).
اللواء الثالث يكلف بالدفاع عن قطاع سمخ (القطاع الجنوبي).
وقد تم تسليم قيادة الجبهة الجنوبية الغربية إلى قائد اللواء الأول.

وبعد أن تم توقيع الهدنة السورية الإسرائيلية في تل مانهانايم يوم 20/7/1949 أرسلت رئاسة الأركان العامة السورية إلى الوحدات المتمركزة في الجبهة الكتاب التالي تحت رقم 663/3 س، بالتاريخ نفسه:


أمر إداري
الغرض:تمركز القطعات

تنتهي العمليات الحربية بناء على قرار مجلس الدفاع اعتباراً من الساعة الواحدة من صباح 21 تموز 1949، تنفيذاً لأحكام هذا القرار ولاتفاقية الهدنة الدائمة تُتخذ الترتيبات التالية:

1) تسمى منطقة بانياس والدردارة وكعوش والبطيحة وعين جيف حتى سمخ منطقة منزوع سلاحها، يقصد بالمناطق المعينة أعلاه الأراضي الواقعة بين الحدود السورية الفلسطينية ومنتصف المنطقة الحرام التي تفصل خطوط الجيش الأمامية عن الخطوط اليهودية، ويُقصد بالمنطقة المنزوع سلاحها جملة من الأراضي يحظر على العسكريين دخولها، على أن يعود إليها سكانها الأصليون فقط من عرب ويهود تدريجياًـ حسب تعليمات تصدر عن لجنة الهدنة المشتركة، تكون المنطقة المنزوع سلاحها تحت رقابة اللجنة المشتركة الآنفة الذكر والقطعات السورية المكلفة بالتمركز على الحدود.

2) تسمى المنطقة الواقعة بين الحدود السورية - الفلسطينية والخط الممتد من عين فيت شمالاً باتجاه فيت جنوباً منطقة دفاعية محدودة التسليح، وكذلك المنطقة الممتدة من كفر جلعادي شمالاً باتجاه جسر دكانيا جنوباً.

3) يقصد بالمنطقة الدفاعية أراضي يُسمح لقطعات معينة بالتمركز والتجول فيها لغايات دفاعية بحتة.

4) تتمركز قطعات الجيش السوري في الأماكن التالية:

اللواء الثالث: مركزه القنيطرة.
• مقر الوحدات: فوج المدفعية الثالث، فوج المدرعات الثالث والهندسة: القنيطرة.
• أفواج المشاة: الفوج السابع حوالي بانياس، الفوج الثامن حوالي الجسر، الفوج التاسع حوالي فيق وسمخ.
• الكتائب: الكتيبة الثانية: المنصورة، الكتيبة الثالثة: فيق، درعا، الفوج الحادي والأربعون: إزرع.
ينتهي تمركز القطعات حوالي 21/9/1949.
رئيس الأركان العامة للجيش والقوات المسلحة
اللواء عبد الله عطفة

وفي 2 تشرين الثاني 1949 جلت القوات السورية عن رأس جسر كعوش، تنفيذاً لاتفاقية الهدنة الدائمة، وذلك بعد أن فجّرت جملة الإنشاءات والتحصينات الدفاعية التي كانت قد أقامتها في هذا الموقع طيلة سنة كاملة.
 
صراحة حرب 48 اكبر دليل على فشل الدول العربية بالتخطيط والتنسيق هى وما تلاها من حروب باستثناء حرب رمضان فقط
 

هناك أمر قد نسيته وهو مراحل تشكيل جيش الانقاذ - كان ينبغي أن يكون في البدء



وفي 30 نيسان 1948 عقد رؤساء الأركان العرب اجتماعاً في بلدة (الزرقاء) الأردنية، وبحثوا في حجم القوات الضرورية لتحرير فلسطين فوجدوا أن ذلك يتطلب إعداد ست فرق عسكرية عربية تدعمها ستة أسراب من الطيران الحربي المقاتل، وذلك لخرق الحدود الفلسطينية من جميع الجهات للقيام بعملية التحرير،

و أجمعوا على تكليف اللواء نور الدين محمود (العراقي الجنسية) للقيام بمهمة القائد العام للجيوش العربية التي ستدخل فلسطين،

و نظراً لعدم توفر القوات المذكورة تم عقد اجتماع ثان لرؤساء الأركان في دمشق، وتم خلاله اعتماد خطة عمليات حربية وعملية قدمّها ، رئيس الأركان العامة في الجيش السوري، ولكن هذه الخطة تم تبديلها بعد إسناد القيادة العامة الموحدة إلى الملك عبد الله، الذي قرر أن تبدأ الجيوش العربية زحفها في وقت واحد، وأن تعبر الحدود الفلسطينية في مساء 15 أيار 1948، بعد أن يتم انسحاب القوات البريطانية منها في 14 أيار.



ب) تأسيس جيش الإنقاذ:
=========


نشأت فكرة (جيش الإنقاذ) في الربع الأخير من عام 1947، إثر اجتماع مجلس جامعة الدول العربية في عاليه بناء على اقتراح قدمه بعض الزعماء السياسيين الفلسطينيين (عزة دروزة، معين الماضي، صبحي الخضرا...) إلى رئيس الجمهورية السورية، ووضع مؤتمر القاهرة، الذي عُقد أواخر عام 1947، قواعد تمويل قوات هذا الجيش بالسلاح والمال، والعدد الذي يجب أن تقدمه كل دولة من المتطوعين، وعين لقيادة هذا الجيش الفريق طه باشا الهاشمي، تحت تسمية (المفتش العام لجيش الإنقاذ)، يعاونه اللواء الركن إسماعيل صفوت، ومجموعة من الضباط المعاونين، واختارت القيادة ضاحية (قدسيا) قرب دمشق، لكي تكون مركزاً لقيادة الجيش المذكور.

وقد اتخذت الحكومة السورية جميع الترتيبات الضرورية للوفاء بالتزاماتها السياسية والعسكرية والمالية لقوات المتطوعين التي شكلت هذا الجيش، وجمعت وزارة الدفاع أكثر من سبعة آلاف بندقية، وعدداً كبيراً من الرشاشات والهاونات والقنابل اليدوية، ومليوني طلقة، من القطعات المتمركزة في دير الزور والجزيرة وحلب ودمشق، وخزنت هذه الأسلحة والمعدات والذخائر، اعتباراً من شهر كانون الأول 1947، في مستودعات المزة قرب دمشق.

و فتحت القيادة باب التطوع للعسكريين والمدنيين العرب، وكان أغلب المتطوعين من سورية التي قدمت 2000 من أصل 5000 متطوع، وأتى بعدها المتطوعون الفلسطينيون (1500 متطوع)، ثم من العراق (1000) متطوع، ومن بقية الدول العربية (500 متطوع)، وتمّ تدريب كتائب المتطوعين في معسكرات قطنا السورية (3000 متطوع)، وفي إحدى القواعد العسكرية الأردنية (2000 متطوع)، ثم جرى زجها جميعاً في فلسطين، لكي تعمل إلى جانب المجاهدين الفلسطينيين في الدفاع عن أراضيهم وبيوتهم وقراهم.

وفي الشهر الثالث من عام 1948 كانت قوات جيش الإنقاذ تتألف من مجموعتين:
--


1- مجموعة المنطقة الوسطى:

بقيادة (من لبنان) وتتألف من سبعة أفواج:

1) فوج اليرموك الأول: قاده (من سورية) ودخل فلسطين في 22 كانون الثاني 1948، واتخذ مركزاً له في المنطقة الوسطى من فلسطين، ما بين مدينتي جنين وبيسان، وخاض عدة معارك أهمها (معركة الزراعة)، ثم انتقل إلى الجليل في أوائل حزيران 1948، بعد دخول الجيوش العربية النظامية إلى فلسطين.

2) فوج الحسين: قاده (من سورية)، ودخل إلى منطقة المثلث، ولكن ظروفاً معينة حصلت فاستدعت إعفاء قيادته وتوزيع سراياه على الأفواج الأخرى.

3) فوج القادسية: بقيادة (من العراق)، دخل فلسطين في شباط 1948، وشارك في معارك (مشمار هاعيميك، باب الواد، والقدس)، ثم أعيد تنظيمه ودمجه بفوج أجنادين.

4) فوج أجنادين: قاده (من فلسطين) وقد اشترك في معارك (ترشيحا، يافا، باب الواد)، ثم انتقل إلى الشمال.

5) فوج حطين: قاده (من العراق) ودخل فلسطين في شهر آذار 1948، وتمركز في منطقة طوباس، شاركت سراياه في معارك مشمار هاعيميك والقدس، بداية، ثم انتقل إلى الشمال في أوائل حزيران 1948، حيث تحمل عبء القتال منفرداً في جهات الشجرة والناصرة، وهذا ما عرضه لخسائر فادحة.

6) فوج اليرموك الثالث: (من العراق) دخل منطقة القدس ورام الله في نيسان 1948، واشترك في معركتي باب الواد والقدس.
7) فوج العراق: قاده (من العراق) دخل يافا في شهر شباط 1948، وبقي فيها حتى نيسان من العام نفسه.


2-مجموعة المنطقة الشمالية:
----

كان يقودها نفسه، ومجال عمله الميداني في المنطقة الشمالية، ودخل هذا الفوج إلى فلسطين عن طريق لبنان في 23 كانون الثاني 1948، وفي شهر شباط من العام نفسه توزعت سراياه على المناطق:

• سرية صفد بقيادة الملازم الأول إميل جميعان (أردني).
• سرية عكا بقيادة الملازم عدنان مراد (سوري).
• سرية المالكية بقيادة الملازم فتحي أتاسي (سوري).
• سرية الصفصاف بقيادة الملازم الأول محمد جديد غريب (سوري استشهد).

2) فوج جبل العرب((جبل الدروز)): بقيادة ، وتمركز في منطقة (شفا عمرو) قرب الناصرة.

3) مجموعة المدفعية: مفرزة من قيادة الجيش السوري، وتشمل بطارية بقيادة الرئيس مأمون البيطار، تمركزت بين مرج ابن عامر واللطرون، وكانت تضم فصيلتين، الأولى بقيادة ، والثانية بقيادة ، وهذا بالإضافة لفصيلة مدفعية ثالثة مستقلة تمركزت في منطقة الجليل.

4) المفارز المستقلة: إلى جانب القوات التي يقودها الشيشكلي وُجدت بعض المفارز المستقلة المرتبطة بهذه القوات تعبوياً وهي: المفرزة العراقية بقيادة ، المفرزة الحموية بقيادة ويعاونه ، المفرزة الإدلبية بقيادة ، المفرزة الأردنية بقيادة ، المفرزة اللبنانية بقيادة (استشهد)، والمفرزة الحمصية بقيادة ، المفرزة البدوية بقيادة يعيش و المفرزة السورية النظامية بقيادة .
(استشهد)، المفرزة الشركسية بقيادة


وقد أعيد تنظيم قوات الإنقاذ كلها في الشهر السادس من عام 1948، على أساس ألوية تُناط بها مهام تعبوية بالتنسيق مع القوات النظامية (التي دخلت في منتصف أيار)،

وأخذت هذه الألوية التسميات التالية:

لواء اليرموك الأول بقيادة المقدم محمد صفا (شيعي سوري)،

لواء اليرموك الثاني بقيادة المقدم أديب الشيشكلي ( كردي سوري)،

لواء اليرموك الثالث بقيادة المقدم صالح العاني (العراق)

، والفوج العلوي (( ضباط وجنود علويين سوريين )) بقيادة ،

والقيادة العامة .

ومن الجدير بالذكر أنه قد اشترك في وحدات جيش الإنقاذ أكثر من أربعين ضابطاً سورياً، وقد استشهد منهم في المعارك التي خاضوها تحت راية هذا الجيش خمسة ضباط نظاميين من خريجي الكلية العسكرية في حمص، وفي مقدمتهم الرائد الشهيد الذي ترك وظيفته كرئيس للشعبة الأولى في الأركان العامة لكي يتطوع في جيش الإنقاذ ويستشهد في رُبى فلسطين.

وكانت قيادة العقيد فوزي القاوقجي للجانب الأكبر من قوات هذا الجيش في المنطقة الوسطى قيادة بارعة وحكيمة، في الوقت نفسه، امتزجت فيها خبراته السابقة كضابط سابق في القطعات الخاصة، وقتال العصابات أثناء اشتراكه في الثورة السورية 1925/1926، وفي الثورة الفلسطينية عام 1936، فكافأته القيادة السورية على إخلاصه وشجاعته بوسام الإستحقاق السوري(المرسوم رقم 2091 في 16/9/1948، المنشور في الجريدة الرسمية لعام 1948 ـ ص1915).

وبشكل عام لا يمكن الحكم على (جيش الإنقاذ) كجيش نظامي كامل يشبه في تشكيله وتنظيمه الجيوش الأخرى، ويمكن الاستدلال من «الموسوعة العسكرية» على تقييم لهذا الجيش وإنجازاته:

«لقد افتقرت قوات جيش الإنقاذ إلى الكوادر العسكرية والتنظيمية والإدارية، فلم يتوفر نصف الحد الأدنى المطلوب من الضباط، فمثلاً لم يتواجد في الفوج الواحد أكثر من أربعة إلى خمسة ضباط، وكذلك فقد انعدم وجود الوعي السياسي في هذه القوات ـ رغم تمتعها بالحماسة السياسية ـ مما أفقدها شرطاً أساسياً من شروط الانتصار. وكان واضحاً تدني مستوى التدريب والانضباط والانسجام داخل الوحدات، وقد وصل بعض المتطوعين إلى ميادين القتال دون أي تدريب وربما يكون الإسراع في تشكيل الجيش هو العامل الأساسي الذي لم يمنح قيادته فرصة لتدريب المتطوعين التدريب الكافي».

ورغم هذه الثغرات يمكن القول إن جيش الإنقاذ خاض عدداً من المعارك المشرفة في المنطقتين الوسطى (بقيادة فوزي القاوقجي)، والشمالية (بقيادة أديب الشيشكلي)، وخاصة في مواقع: الزراعة، مشمارها عيميك، نيفي يعقوب، باب الواد، القسطل بقيادة ( ) القدس، حيفا، يافا، المطلة، المنارة، جدّين، الهراوي، المالكية، النبي يوشع، الشجرة، رامات يوحانان، طبريا، صفد، عكا...

وبعد سقوط منطقة الجليل بيد الصهيونيين انتقلت قوات جيش الإنقاذ إلى جنوب لبنان، وفي أواخر شهر آذار 1949 تم نقلها إلى سورية حيث سميت عندئذ «قوات اليرموك» وأسندت لها مهام دفاعية على الحدود السورية - الفلسطينية بقيادة (من الجيش السوري). وبعد أن بدأت الدول العربية بتوقيع اتفاقات الهدنة مع إسرائيل، صدرت الأوامر من المفتشية العامة لقوات الإنقاذ، أوائل شهر أيار 1949 بحل جيش الإنقاذ وتسريح ما بقي من أفراده وإنهاء مهمته، وحدث هذا بعد مضي عشرين شهراً من الجهاد الذي خاضه هذا الجيش في عموم أنحاء فلسطين.



جـ) خطة القيادة العربية الموحدة:
======


في شهر نيسان 1948 تم تشكيل قيادة عسكرية عامة موحدة اتخذت لنفسها مقراً في مدينة (الزرقاء) الأردنية، وتم إسنادها إلى اللواء الركن نور الدين محمود كما سبق التنويه، وقد وضعت هذه القيادة خطة عسكرية لدخول الجيوش العربية إلى فلسطين لإنقاذها من القوات الصهيونية وتتمثل هذه الخطة بالنقاط التالية:

• «تندفع قطعات الجيشين السوري واللبناني من شمالي فلسطين على الطريق الساحلي، بهدف قطع المواصلات اليهودية بين الساحل والداخل في منطقة الجليل وحيفا ومنع الإمداد البحري الخارجي من الوصول إلى فلسطين، وعزل الحولة وطبريا عن الساحل، والسيطرة على الجليل الأعلى، ولاسيما صفد، ثم الانعطاف باتجاه الناصرة للالتقاء بالجيشين العراقي والأردني.

• يتقدم الجيشان العراقي والأردني من وادي الأردن ويتجهان نحو الساحل للاستيلاء على بيسان والناصرة ثم الاندفاع نحو ناتانيا، والاتصال هناك بالجيشين السوري واللبناني.

• يتحرك الجيش المصري من سيناء وغزة على الطريق الساحلي للوصول إلى تل أبيب».


غير أنه لم يؤخذ بهذه الخطة واستبدلت بغيرها بعد أن استلم الملك عبد الله القيادة العليا للقوات العربية الموحدة (مع الاحتفاظ باللواء نور الدين محمود قائداً ميدانياً لهذه القوات). ونصّت الخطة الجديدة على أن تدخل الجيوش فلسطين جميعاً في وقت واحد، في مساء 15 أيار 1948، عشية انسحاب القوات البريطانية منها بحيث:

1) يسير الجيش اللبناني مرافقاً بقوات من سلاح البادية السوري، على الساحل الشمالي الفلسطيني، من الناقورة باتجاه عكا.

2) يعبر الجيش السوري منطقة الحولة من مرتفعات بانياس وجسر بنات يعقوب باتجاه صفد ثم الناصرة.

3) تكون منطقة عمل الجيش العراقي على يسار الجيش السوري وعليه أن يتخطّى وادي الأردن نحو بيسان والعفولة.

4) يرابط الجيش الأردني في منطقة القدس وباب الواد وعليه الاتصال مع القوات المصرية في منطقة الخليل.

5) ينطلق الجيش المصري من رفح والعوجا نحو غزة والطريق الساحلي بحيث يعزل النقب.

6) وأخيراً عندما تتجمع القطعات السورية والعراقية في اتجاه العفولة تندفع نحو الساحل لتشطر فلسطين في موقع على ساحل المتوسط، قريباً من مستعمرة ناتانيا.

وهذه الخطة الجديدة تعرضت بدورها إلى تعديلات جوهرية مفاجئة أحياناً، وذلك على ضوء العوائق الميدانية واللوجستية التي اصطدمت بها.

 

نتائج حرب فلسطين والدروس المستفادة منها
=

انتهت حرب فلسطين الأولى التي نشبت عام 1948، بتوقيع اتفاقيات الهدنة الدائمة بين البلدان العربية التي اشتركت جيوشها في الحرب (ما عدا العراق) وبين العدو الإسرائيلي.

ورغم أن الجيوش العربية لم تخسر الحرب بالمعنى العسكري، حيث كانت جميعاً متوقفة في الأراضي الفلسطينية لا في أراضي حكوماتها الوطنية، يمكن القول في المقابل بأن الحكومات العربية قد خسرت هذه الحرب لأنها لم تتهيأ لدخولها أصلاً.

ولا بد من التمييز بين (النتائج العسكرية) و (النتائج القومية والسياسية) التي انتهت إليها حرب فلسطين 1948، فإذا كانت الأخيرة سلبية وكارثية فإن النتائج العسكرية كانت مقبولة وخاصة قبل توقيع اتفاقية الهدنة الأولى في 11 حزيران 1948، ويمكن الإشارة هنا إلى أخطر النتائج السياسية والقومية التي قادت إليها هذه الحرب:

1) أدت إلى نشوء دولة إسرائيل، وزرعها كخنجر يفصل بين آسيا العربية وأفريقيا العربية.

2) أدت إلى احتلال الإسرائيليين لمعظم الأراضي الفلسطينية عدا (الضفة الغربية) التي ألحقت بمملكة شرقي الأردن، استناداً لمقررات مؤتمر أريحا، في أول كانون الأول 1948، حيث أصبحت الضفتان تشكّلان «المملكة الأردنية الهاشمية» وكذلك (قطاع غزة) الذي أخضع للإدارة العسكرية المصرية منذ عام 1948 وحتى عام 1967 .

3) تم تهجير الشعب العربي الفلسطيني من أراضيه، حيث خرج من الأرض الفلسطينية عام 1948/1949 ما يزيد على 800000 فلسطيني ولم يبق إلا 160000 منهم في مناطق الجليل والناصرة ويافا والنقب.

4) بث عدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة، ودليل ذلك تعرّض سورية، على سبيل المثال لانقلابين عسكريين عام 1949 (انقلاب حسني الزعيم وانقلاب سامي الحناوي) واللذين يعتبران إفرازاً مباشراً للحرب، إضافة إلى ذلك تعرضت الدول الأربع المحيطة بإسرائيل لهجمات عدوانية متكررة وهو ما ألزمها بالحفاظ على حشود عسكرية قوية للدفاع عن نفسها، وصرف نفقات طائلة في هذا المجال كان بوسعها أن تخصّصها في مجالات التنمية.

5) كانت الحرب أحد الأسباب التي أدّت إلى اختلاف العرب فيما بينهم، بخصوص ما بقي من أرض فلسطين: فجامعة الدول العربية وخمسة من أعضائها (مصر، سورية، لبنان، اليمن، السعودية) أنشأت «حكومة عموم فلسطين» برئاسة أحمد حلمي، بينما لم تعترف الحكومتان الأردنية والعراقية بهذه الحكومة، وضمت الأولى الضفة الغربية إلى أراضيها، وقد سبّبت هذه الخطوة توتر العلاقات بين الأردنيين والفلسطينيين لمدة قاربت 20 عاماً.

6) أما بالنسبة للنتائج العسكرية فيمكن القول إن أداء الجيوش العربية في فلسطين، وخاصة قبل توقيع الهدنة يوم11 حزيران 1948 كان إلى حد ما مقبولاً، ولا يمكن قبول الفكرة القائلة بأن زمرة من العصابات قد تمكنت من قهر خمسة جيوش عربية نظامية عام 1948 فالجيوش العربية لم تدخل بكاملها في المعركة أو بالأحرى لم يُسمح لها بالدخول بكاملها في المعركة، ولم تدخل سوى قطعات محدودة منها، وذلك لأن السياسيين العرب الذين كانوا يمسكون بزمام الأمور في ذلك الوقت،

اعتقدوا بان معركة فلسطين لن تكون أكثر من «مناوشة» وسينتهي الأمر بالقضاء على العصابات الصهيونية خلال أيام، وأثبت السياسيون العرب في ذلك أنهم كانوا يجهلون، أو يتجاهلون أن عدد أفراد العصابات الصهيونية هذه كان يزيد على 50000 مقاتل، وأن بعضهم قد اكتسب خبرة عسكرية متقدمة بانخراطه في الجيوش الأوروبية خلال الحرب العالمية الثانية، هذا في الوقت الذي لم يزد عدد أفراد الجيوش العربية النظامية الخمسة التي زُجّت في الحرب على 20000 مقاتل أغلبهم لم يسبق له أن خاض معركة أو تلقى التدريب المناسب لذلك.

وليس المقصود من هذا الكلام تبرير الأخطاء التي ارتكبت أو الإهمال الذي حصل، حيث من المعروف أنه هناك أخطاء عسكرية وسوقية تم ارتكابها، ويمكن أن نعدد فيما يلي بعضها كنوع من (الدروس المستفادة) من معركة فلسطين في عام 1948.

1) عدم الاستعداد:
--


كانت الحكومات العربية، وقياداتها العسكرية غير مستعدة لخوض الحرب لأسباب تكمن فيها أو خارجة عنها: فبعض الحكومات كان يرتبط مع بريطانيا بمعاهدات عسكرية، وبعضها كانت جيوشه تحت قيادة ضابط بريطاني، أو مجموعة ضباط بريطانيين، وبعضها الآخر (مثل سورية ولبنان) كان قد خرج لتوه من ربقة الاستعمار ولم يتهيأ له الوقت والتدريب الكافيين للدخول في معارك حربية كبرى.

2) عدم كفاية الحشد:
--

إن الحكومات العربية لم تلق بثقلها كاملاً في المعركة: فأحد الجيوش العربية دخل المعركة برتل من المتطوعين فقط، وجيش ثانٍ لم يقدم إلا 500 مقاتل لا أكثر، والجيش السوري ذاته لم يتدخل مبدئياً إلا بلواء واحد فقط من أصل الألوية الثلاثة التي كان يمتلكها، ثم زج اللواء الثاني بعد الهدنة الأولى (11 حزيران 1948)، وأما اللواء الثالث فقد بقي في الداخل، ولم يُزج في الجبهة إلا بعد توقيع الهدنة السورية - الإسرائيلية الدائمة في 20 تموز 1948.

3) سوء التسليح:
--


كانت الأسلحة الموجودة في الجيوش العربية أسلحة قديمة، يعود أغلبها إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى أو لمرحلة ما بين الحربين، وكانت الذخيرة غير كافية، وخاصة بالنسبة لذخيرة الأسلحة الثقيلة، وقد تلقى قائد الرتل السوري مثلاً تأنيباً ضمنياً من رئيس الجمهورية، لما زار رتله في يوم 18/5/1948 حين سمع أنه قد استهلك 400 قنبلة مدفع في عملية القصف التمهيدي لبلدة سمخ قبل التقدم لاحتلالها، ولما حاول الجيش السوري زيادة تسليحه أثناء فترة الهدنة سُدّت في وجهه السبل من قبل دهاقنة السياسة الدولية وعملاء العصابات الصهيونية، وقد تمكنت القيادة السورية بعد جهد جهيد، وبعد سفر عدة «لجان شراء» إلى أوروبا من تأمين شحنة من الأسلحة بمبلغ 11 مليون دولار، وتم تحميلها على سفينة إيطالية أبحرت باتجاه بيروت، ولكن جملة مؤامرات دبرتها الصهيونية وأجهزة الاستخبارات الغربية تسببت في تفجير السفينة وتعطيلها ثم قطرها إلى إسرائيل بدلاً من بيروت.

وتمكن الجيش المصري من شراء صفقة من الأسلحة والذخيرة ولكن تبين عند تجربتها أنها لا تصلح للاستخدام، أو أن استخدامها يمكن أن يضر بالسدنة أو الرماة الذين يستخدمونها، وهذا ما دُعي باسم «صفقة الأسلحة الفاسدة» (لقد كانت هذه الصفقة سبباً مباشراً لاغتيال رئيس الوزراء المصري، وسبباً مباشراً لتشكيل جماعة «الضباط الأحرار» في مصر 1956).

4) الأخطاء السوقية:
--


ومنها التعديل المفاجئ في الخطط التعبوية، كما حصل مثلاً مع الرتل السوري، الذي كلّف بداية بالتحشد على الحدود اللبنانية الجنوبية، ودخول الأراضي الفلسطينية من جهات بنت جبيل - عيترون، ثم جرى سحبه إلى قطاع فيق - سمخ لزجه في المعركة هناك، علماً بأن هذا القطاع هو أكثر قطاعات الجبهة الإسرائيلية منعة بسبب وجود «خط إيدن» وعشرات المستعمرات الصهيونية فيه.

5) الافتقار إلى التعاون بين الجيوش العربية:
--


فالرتل العراقي الذي كان موجوداً في منطقة جسر المجامع يوم 19 أيار 1948، إلى يسار الرتل السوري قد تم سحبه ليلة 19 /20 أيار دون إعلام قيادة الرتل بذلك، بالرغم من وجود ضابط ارتباط سوري لدى الرتل العراقي، وضابط ارتباط عراقي لدى الرتل السوري، وكمثال ثان يمكن الإشارة إلى عدم وجود تنسيق في العمليات بين قطعات الجيش السوري في كعوش وقوات جيش الإنقاذ في الجليل الأعلى، علماً بان المسافة بين وحدات هذا الجيش وذاك لم تكن أكثر من 15 كيلومتراً، ولعلّ السبب في ذلك هو أن جيش الإنقاذ كان تابعاً للقيادة العراقية العليا في عمّان، بينما الجيش السوري كان يتبع القيادة العسكرية السورية في دمشق.

6) قبول الهدنة الأولى:
--


في 11 حزيران 1948 وذلك بعد أن تمكنت الجيوش العربية من احتلال ثلاثة أرباع الأراضي الفلسطينية، فقد اغتنم العدو فرصة الهدنة للتعزيز والتدريب والتنظيم وعقد الصفقات المشبوهة مع الدول الكبرى، وهذا ما أحدث اختلالاً في ميزان القوى لصالح الإسرائيليين بعد انتهاء هذه الهدنة، وإن نظرة واحدة على خارطة توزع القوات العربية والإسرائيلية عند بدء هذه الهدنة، ثم كيف أصبحت هذه القوات بعد عام واحد عند تطبيق أحكام الهدنة الدائمة، تكشف مقدار التوسع الإقليمي الذي حققته القوات الإسرائيلية في هذه المرحلة.

7) بطء حركة الجيوش العربية، وعدم انتظام شؤونها الإدارية :

--

وهي أمور بالغة التأثير في مجرى المعركة، فسرايا الرشاشات السورية كانت لا تزال تستخدم البغال والرواحل في تنقلها، والاتصالات كانت لا تزال تتم عن طريق المراسلين، وليس بطريقة الأجهزة اللاسلكية، ولما تم الحصول على أجهزة لاسلكية جديدة (الجهاز 19) لم يتوفر من يجيد استخدام هذه الأجهزة في الوحدات.


كلمة ختامية:
==


وهكذا لا يمكن الجزم بأن حرب فلسطين عام 1948 كانت حرباً خاسرة بالمعنى العسكري، رغم كل الثغرات والأخطاء، ذلك لأن الجيوش العربية التي دخلت إلى الأراضي الفلسطينية ظلت حتى توقيع الهدنة الدائمة تحارب فوق هذه الأراضي، ولم تدخل القوات الإسرائيلية بتاتاً إلى أراضيها الوطنية.

وبالتركيز على أعمال الجيش العربي السوري يتضح أن هذا الجيش قد احتل مدينة سمخ ومستعمرة شعار هاجولان في 18 أيار 1948 ثم انسحب منها لأسباب تكتيكية، إلا أنه ظل محتفظاً بشريط المرتفعات الذي يمتد من (الحاوي العسكري) جنوباً حتى (قلعة الحصن) شمالاً،

و في القطاع الأوسط بذل الجيش السوري ضروباً هائلة من الشجاعة عند احتلاله لمستعمرات كعوش (مشمارهايردن) وتل أبو الريش والدردارة وخان يردة، وقد وسّع هذا الجيب وبقي محتفظاً به حتى توقيع الهدنة السورية - الإسرائيلية الدائمة في 20 تموز 1949،

و في القطاع الشمالي تمكن رتل الهجوم الذي أفرزه الجيش السوري من احتلال موقع (تل العزيزيات) بعد انتهاء الهدنة الأولى وقبل فرض الهدنة الثانية على العرب و«عند إعلان الهدنة الثانية كان المدفع السوري آخر مدفع أصابه الصمت،

و كان الجندي السوري آخر جندي أغمد السلاح ذلك لأن اليهود اغتنموا فرصة حلول موعد الهدنة فحاولوا انتزاع بعض المواقع الاستراتيجية الهامة من وحدات الجيش السوري، فخاض الجنود السوريون البواسل معهم معركة عتية شاقة ظلت مستمرة ردحاً من الزمن بعد حلول موعد الهدنة الثانية وذلك في سبيل المحافظة على ما كان في أيديهم أثناء وقف القتال الرسمي وأخيراً تمت لهم الغلبة في تلك المعركة».


وقد عَمّدَ الجيش السوري انتصاراته هذه بضريبة الدم، ففقد حوالي 300 شهيد من أفراده، بينهم حوالي 40 صف ضابط و11 ضابطاً.

وبهذا طبّق هذا الجيش الحكمة الواردة في بيت الشعر المنقوش على مدخل الكلية الحربية في حمص وهو البيت القائل:
تقضي الرجولة أن نمدّ جسومنا جسراً فقل لرفاقنا أن يعبروا



 
صراحة حرب 48 اكبر دليل على فشل الدول العربية بالتخطيط والتنسيق هى وما تلاها من حروب باستثناء حرب رمضان فقط


في مذكرات الضابط الأردني عبدالله التل قائد معركة القدس التي نشرها في كتاب بعنوان كارثة فلسطين يثبت التل جدولا باسماء قادة الوحدات يوم دخول الجيش الأردني فلسطين ومن بين 50 ضابطا يوجد خمسة عرب فقط هم التل والمجالي والجندي والساكت والحياري.

مذكرات عبدالله التل- دار القلم- القاهرة- الجزء الأول ص 81.



-----
-----

يقول خالد العظم (( رئيس وزراء سوري سابق وأحد وزراء سورية خلال حرب48))في مذكراته :

تسلط النفوذ البريطاني على ملوك العرب ورؤسائهم بدون استثناء، وقد تبلور ذلك في التريث بالهجوم على فلسطين قبل انسحاب الجيوش البريطانية منها، فأضيعت بذلك فرصة احتلال الاجزاء من فلسطين التي تسلمتها القوى اليهودية وتمركزت فيها في هذه الفترة.

أ ما في سورية، فالكولونيل كورنوالس البريطاني كان حلقة الاتصال بين وزارة الخارجية البريطانية والسيدين شكري القوتلي رئيس الجمهورية وجميل مردم رئيس الوزارة ، اللذين كانا يتبلغان عن طريقه تعليمات "داوننغ ستريت".

أ ما ملوك العراق والأردن والسعودية ورئيس لبنان، فكان أمرهم معروفا ومشهورا اكثر من امر الفاروق والقوتلي. فقد اكتفوا باحتلال جيوشهم للاراضي المخصصة للعرب بموجب قرار التقسيم، وامتنعوا عن دخول غيرها.

مذكرات خالد العظم، الطبعة الأولى، الجزء الأول ص 383.

-----
-----


 
صراحة حرب 48 اكبر دليل على فشل الدول العربية بالتخطيط والتنسيق هى وما تلاها من حروب باستثناء حرب رمضان فقط


بتاريخ 7 مايس 1948، أي قبل اسبوع من دخول الجيوش العربية الى فلسطين ،
نشرت مجلة "وورلد ريبورت" الاميركية شبه الرسمية والمعروفة بعلاقتها الوثيقة مع المخابرات المركزية، تقريرا هذه خلاصته:

"إن الحرب ستؤدي إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، وأن القنابل ستعجل في أنجاز هذا التقسيم حيث فشلت الدبلوماسية... هناك خطة يجري تنفيذها تحت ستار الحرب في فلسطين. وقد تنقضي عدة أشهر في مفاوضات سرية قبل أن يتهيا العرب واليهود لقبولها.

و الخطوة الأولى من هذه الخطة هي إثارة الحرب بين العرب واليهود، ومن ثم اعلان هدنة بينهم.. أما العصابات العربية الموالية للمفتي والمتطرفون، فانهم يودون خرق الهدنة ولكن الحرب لا تلبث ان تنتهي عندما يتفق رؤساء الدول العربية وزعماء الحكومة اليهودية على انهائها".




ومن العجيب أن هذا التقرير الذي "تنبأ" حرفيا بما حدث فعلا لم يترجم الى العربية ولم ينشر في بعض الصحف العربية الا بعد اقرار الهدنة الثانية.
 

عن فشل الهجوم على دكانيا والانسحاب من سمخ:​
======

ويتحدث الضابط الأردني عبدالله التل قائد معركة القدس عن هذه الواقعة في مذكراته بما يلي:

لقد احتل الجيش السوري سمخ بعد أن طرد الاسرائيليين منها ثم لحق بهم الى دكانيا (A) الواقعة في خط ايدن فاستحال عليه الاستمرار في الزحف نظرا لما لذلك الموقع (باب الثم) من أهمية حربية طبيعية".

"وفي تلك المعركة خسر الجيش السوري عددا كبيرا من ضباطه وجنوده البواسل وأدت تلك الخسارة إلى سقوط سمخ بيد اليهود ثانية وانتهت المرحلة الأولى من حرب فلسطين والجيش السوري يعمل في منطقة سمخ والغور مكشوف الجانح الأيسر بعد انسحاب الجيش العراقي وهو ما كان يرمي إليه الفريق غلوب باشا من القضاء على الجيش السوري، ولكن ذلك الجيش استطاع أن يحافظ على شرفه العسكري".

"وبالرغم من حداثة الجيش السوري في الخدمة والتدريب وضعفه في التسلح فإن ما قام به رغم قلة عدده وضعف معداته مما يعتبر فخرا للأمة العربية".

وينتهي التل في حديثه عن الجيش السوري الى هذه النتيجة:

"ان من يطلع على الخطة المدبرة التي كانت مبيته للقضاء على الجيش السوري فإنه لا بد أن ينحني اعجابا ببطولة الضباط والجنود الأبرياء الذين ضحوا بدمائهم في سبيل فلسطين ومكنوا الجيش السوري من الخروج من الحرب بشرفه".(5)

لقد هزت معركة سمخ المفجعة، منذ بداية القتال، سورية بأسرها فاضطر الرئيس القوتلي لإقالة أحمد الشراباتي من وزارة الدفاع وعبدالله عطفه من رئاسة الأركان وتعيين رئيس الوزراء جميل مردم وزيرا للدفاع وحسني الزعيم رئيسا للأركان.
 


كنت أعرف موقف النظام من الجيش منذ عام 1944، أي منذ أن أعلن سعدالله الجابري في المجلس النيابي استلام الصلاحيات فقد صرح لي مرة أن سورية ليست بحاجة لجيش تتحمل نفقاته وأخطاره لأن استقلالها مضمون دوليا، وأنه يجب عليها أن تتخذ من سويسرا مثالا يحتذى، ولم يكن هذا رأي الجابري وحده ولا النظام، بل كانت هذه هي السياسة البريطانية التي مهدت لقيام اسرائيل في حرب عام 1948.


أكرم الحوراني -مؤسس حزب البعث وحركة الاشتراكيين العرب لاحقاً

==



إن ما ورد في كتاب قضية فلسطين تأليف الدكتور طربين استاذ التاريخ في الجامعة السورية على لسان اللواء عبدالله عطفة عما سمعه من الجابري رئيس الحكومة السورية نفسه كان صادقا ودقيقا:

"نحن لا نحتاج للسلاح ولا للجيش، لأننا مستقلون باعتراف الأمم المتحدة، وفي أطرافنا دول عربية، ووضعنا في سورية كوضع سويسره نفقاتنا توازي وارداتنا ونحتاج فقط الى قوى أمن داخلي رمزية".

ويعلق الدكتور طربين على ذلك:

"يبدو أن الحكومة السورية آنذاك كانت تردد نظرية بريطانيا التي كانت توحي بها الى الساسة السوريين منذ حزيران 1945 اثناء اشتداد مطالبة السوريين لفرنسا بتسليمهم الجيش، والقائلة: لا حاجة لكم بالجيش، ولكن الحكومة لم تجرؤ على اعلان ذلك خوفا من غضبة الشعب الذي استمات ليفوز بالجيش".


وسبب الرفض الخفي للحكومة السورية لتطوير الجيش أنه استلمته من فرنسة مبني على ولاءات طائفية(( كتائب علوية ودرزية واسماعيلية وأرمنية ومسيحية خاصة)) وعشائرية (( ألوية البادية)) وقومية ((طتائب كردية وشركسية خاصة))​
 
عودة
أعلى