من ملاحم الجهاد ضد الغزو الفرنسي - ثورة الزعاطشة

emperor31

عضو مميز
إنضم
17 سبتمبر 2008
المشاركات
544
التفاعل
9 0 0
بسم الله الرحمن الرحيم

هذه ملحمة أخرى من جهاد طويل خاضه الأجداد ضد الغزاة الفرنسيين لبلادنا في القرن التاسع عشر ، و هي تخص أهلنا الكرام في واحة الزعاطشة - مدينة بسكرة حاليا (و التي دفن الصحابي عقبة بن نافع في أحد قراها)



1- مقدمة:

تعد مقاومة سكان واحة الزعاطشة من المقاومات الرائدة رغم قصر مدتها حيث دامت المواجهة أزيد من أربعة أشهر من 16جويلية إلى 26 نوفمبر 1849

2- أسباب مقاومة الزعاطشة:

تشترك مقاومة الزعاطشة مع غيرها من المقاومات الشعبية في جملة من الدوافع و تختلف في البعض الآخرمنها:
ـ رفض الشعب الجزائري القاطع للاحتلال الفرنسي.
ـ صدى سقوط النظام الملكي الدستوري بعد الانقلاب الذي أحدثته الثورة الفرنسية عام 1848م ، وقيام الجمهورية الفرنسية الثانية ، وانعكاساتها على الأوضاع السياسية في الجزائر ؛ منها عزل الحاكم العام الدوق "دومال" ، ابن الملك "لويس فيليب"، واستخلافه بالجنرال "كافينيـاك" وذلك يوم 03 مارس 1848م. هذه الأحداث وانتشارها في منطقة الزيبان ساعدت بطريقة غير مباشرة في ارتفاع معنويات الثائرين بالمنطقة وعلى رأسهم الشيخ بوزيان الذي حاول استغلال أوضاع فرنسا المضطربة لإعلان الجهاد.
ـ انشغال القوات الاستعمارية المرابطة في مقاطعة قسنطينة بقمع انتفاضات أخرى في أنحاء شتى من الوطن مما أتاح الفرصة للشيخ بوزيان لإعـلان الجـهـاد ، مستغلا قلة عدد القـوات الفرنسية المرابطة بمركزي بـاتنة وبسكرة و غـياب القائد العسكري "سان جرمان"عن دائرة بسكرة و سعيا منه إلى تخفيف العبء على المقاومات المتأججة هنا و هناك بتشتيت جهد القوات الاستعمارية.
ـ الإصرار على مواصلة الجهاد كامتداد للثورة التي قادها الأمير عبد القادر باعتبار الشيخ بوزيان كان أحد أعوان الأمير.
ـ ارتفاع الضرائب على النخيل ابتداء من شهر مارس 1849م مـن 0,25 ف إلى 0,40 فرنك للنخلة الواحدة
- التراجع عن مبدأ إعفاء المرابطين من الضـرائب، مما أدى إلى اتساع دائرة التذمر فعرف الشيخ بوزيان كيف يؤطر هذا الاستياء في مواجهة قوات الاحتلال .حيث باشر اتصالات حثيثة مع رؤسـاء القبائل والأعراش، لـتـهـيئـة الشـروط الضـرورية لإعلان الجهاد كجمع المال وشـراء السـلاح وتـخـزين المؤن ...الخ. مما استرعى انتباه أعوان الإدارة الفرنسية .فـقـام الـمـلازم "سيـروكا" نـائب الـمـكتـب الـعـربي ببسكرة بالتحـرك نحـو الزعاطشة للقبض على الشيخ بوزيان، واصـطـحب مـعـه شيخ بـلدة طولقة ابن الـمـيهوب و بعض الفـرسان وتـوجّـه إلى واحة الزعاطشة ، غير أنهم فشلوا في القبض على الشيخ بوزيان أمام الرفض الذي أبداه مناصروه، حينها عاد الملازم "سيروكا" إلى بسكرة وقدم تـقـريرا مـفـصـلا إلى القيادة، مفاده أن جميع سكان واحـات الزيـبـان ملتفين من حول الشيخ بوزيان ، وأن الجـهـاد قد أعـلن من مـآذن مـسـاجـد الواحات. و لمعاينة الأوضاع عن قرب انتقل رئيس المكتب العربي الضابط "دي بوسكيه" إلى الزعاطشة يطلب من السكان تسليم الشيخ بوزيان لكنهم رفضوا و ردوا عليه: "..إننا نرفض أن نسلمكم الذي تـطلبـون وإننا سنقاتل عن آخرنا رجالا ونـسـاء من أجـلـه..".عندها تيقن "دو بوسكيه" أن روح الانتفاضة قـد انتـشـرت في ربوع الـمنطقة .

3- مراحلـــــها:

مـرّت مقاومة الزعاطشة بثـلاث مـراحل أسـاسيـة هي: مرحلة القوة ومرحلة الحصار ومرحلة التراجع.
أ - مرحلة القوة :
ذلك أن المرحـلة الأولى بـدأت بوصول الفرنسيين إلى الزعاطشة يوم 16 جويلية 1849م تحت قيـادة العقيد "كاربوسيا" حيث شـدد الحصـار على الواحات ، لخنق الثورة وإخمادها في مهـدها ؛ و القضاء على قائدها الشيخ بوزيان حتى يستتبّ لهم الأمـن بالمنطقة غير أنه فوجئ بصمود الثوار، الذين أمـطروا القـوات الفرنسية بوابل من الرصاص قضت على 31 جنديا فرنسيا و جرح ما لا يقل عن 117 ، وبعد سـاعات من الاشتباك اضطر العقيد "كربوسيا" إلى سحب قواتـه تحت ضربات سـرايـا مجاهدي أولاد نائل وبوسعادة و المسيلة ممن التحقوا بإخـوانهم في الزعاطشة.لقد أعطى هذا الانتصار دعما معنويا و ماديا للثوار و زاد في تأجيج المقاومة بين سكان المنطقة ، فقـام الشيخ الـمرابط سيدي عبد الحفيظ مقـدم إخـوان الرحمـانية باعلان الجهاد ، ولبى سكان واحات الزيبان النداء لتحرير مدينة بسكرة، فاصطدموا بالقوات الفرنسية بقـيادة "سان جرمان" قائد دائرة بسكرة فوقعت معركة سريانة مع بزوغ الفجر شهر سبتمبر 1849 ورغم سقوط القائد الفرنسي سان جرمان قتيلا إلا أن الجيش الفرنسي تمكن من إحكام الحـصـار ، مما أجـبـر سيدي عبد الحفيظ على سحب ما تبقى من أنصاره.استغل الفـرنسيون هذا الانتصار و ازدادوا اصرارا على الانتقام من سكان واحة الزعاطشة و ان تقرر تأجيل المسألة إلى بداية فصل الخريف . قاد الجنرال "هيربيون" حاكم مقاطعة قسنطينة آنـذاك شخصيا الحصار بعد أن عـيّـن العقيد "كربوسيا" خلفًا للعقيد سان جرمان.
ب- مرحلة حصار الواحة :
باشر الجنرال هيربيون بتجميع قواتـه المقدرة بـ بأربعة آلاف وأربع مائـة وثلاثة وتسعين (4493) جنديًا بـ" كـدية المائدة " المحاذية لبـلـدة الزعاطشة يوم 07 أكتوبر 1849م صباحًا، ثم احتل الزاوية القريبة من الكـدية و سيطرعلى مفترق الطرق المؤدية إلى واحة الزعاطشة لاسيما الرابط بين طولقة و الزعاطشة حتى يحول دون وصول أية امدادات ، ثمّ أعـطيت الأوامر للمدفعية بقـصـف الأسـوار لإحـداث ثـغـرة فيها، إلا ان المقاومة المسـتميتة أجبرت القوات الفرنسية على التراجع بعد أن خسروا 35 قتيلاً من بينهم ضابط و147 جريحا، ثـمّ تمكن الفرنسيون بواسطة المدفعية احـتـلال الزاوية ورفـع العلم من على مـئـذنـتـها. ورغم ذلك واصل الشيخ بوزيان شحذ همم المجاهدين و أرسل رسله خفية إلى قبائل بوسعادة و أولاد نائل طالبا منهم المدد.غير أنّ الشيخ بوزيان استطاع أن يـَـنـْـفـذ من هذا الحصـار ويـبعث الرّسل إلى مختلف الأنحاء.
ج- مرحلة التقهقر و الإبادة:
طالب الجنرال "هيربيون" الـنـجـدة من الإدارة الاستعمارية المركزية في الجزائر وصدرت الأوامر للطوابير العسكرية للتحرك نحو الزعاطشة قادمة إليها من قسنطينة ، باتنة بوسعادة ، سكيكدة وعنابة ، مما شجع المحاصرين من معاودة الهجوم يوم 26نوفمـبـر 1849 بثمـانية آلاف من الجند يقودهم الضابط "بارال" والعقيد "كانـروبار" و لافارود و العقيد "دومانتال" ، ناهيك عن العتاد الحربي.في حين ضربت بقية القوات حصارا خانقا على الواحة تحسبا لأي نجدة تصلها من مناطق أخرى.
أعْـطـيت الأوامر بـإبـادة سكان الـواحــة بما فيهم الأطفال ،النساء والشيوخ وقـطع أشجار النـخـيـل مـصـدر رزق السـكـان ، وحرق المنازل ؛ ورغـم ذلك صـمـد السكان ، واشـتـبـكوا مع الجند الفرنسيين بالـسـلاح الأبيض في الدروب ، حتى سقطوا عن آخرهم، حوالي الـسـاعة التاسعة صـبـاحًا، ونكلوا بالجرحى .ونسفت دارالشيخ وسقط الشيخ بوزيان شهيدا ، فأمر "هيربيون" بقطع رأس كل من الشيخ بوزيان و ابنه و الشيخ الحاج موسى الدرقاوي وتعليقهم على أحد أبواب بسكرة .

4- نتائج المقاومة:

أـ انتهت مقاومة الزعاطشة بخسائر فادحة حيث خـربت الواحة بكاملها حيث مارس فيها الفرنسيون أبشـع أنـواع التعذيب و الإجرام التي ينـدى لها جـبين الإنسـانيـة ، بقطـع رؤوس البشـر وتعليقـهـا على الأبـواب أو على خنـاجـر البنادق نكاية في الثوار ، بينما خسر الفرنسيون 10 من ضباطهم برتب مختلفة و 165 جنديا قتيلا و اصابة 790 بجروح متفاوتة الخطورة، أما في صفوف تذكر المصادر الفرنسية العثور على 800 جثة وعدد أخر غير محدد تحت الأنقاض و قطعت أشجار النخيل عن آخرها.
ب ـ أثارت مقاومة الزعاطشة تـضامنًا ديـنـيًا ووطـنـيًا و اسـتـغـراب الـعـدو من إصرار الـسـكان على إفـشـال مخـططاتـه.
ج ـ احـتلال مـدينة بوسعادة ، لأنها قامت بانتفاضة بـقـيـادة محمد علي بن شـبــرة، وهو زعيم ديني دعـا إلى الـجهـاد أثناء مقاومة الزعاطشة وأرسـل بالنـجدة إلى الشيخ بوزيان .
د ـ توسيع دائرة الانتقام بحـرق واحــة نـارة الواقعة على وادي عـبـدي بـالأوراس ، والتي لقيت نفس مصير الزعاطشة يوم 05 جانفي 1850 على يـد العقيد "كارويير" ؛ بعد أن تقدم إلى القـرية بـقوة قـوامـها ثـلاث فـرق من الجيش استباح بها القـتـل والهـدم وإحـراق القرية .
 
رد: من ملاحم الجهاد ضد الغزو الفرنسي - ثورة الزعاطشة

اخي الامبراطور فرنسا شاركت في هذه المعركة بعدد قليل من الجنود الفرنسيين والنصف الاخر كانوا جزائريين للاسف وهذه احدى خطط التدمير الممنهج للمجتمع الجزائري ففي معركة الزعاطشة شارك فيلق قسنطينة من الزواوة
واذكر انني قرات على موقع فرنسي مختص قائمة باسماء وعدد القتلى الفرنسيين في المعركة حيث كان عددهم كبير
تجدر الاشارة فقط الى مشكلة في تاريخ الجزائر انذاك هو تفرق الصف بسبب القبلية والمناطقية رغم انها كانت تتجمع وتتوحد في المحن الكبرى وهو ما جعلها تسقط تباعا
فلما قامت ثورة الامير عبد القادر في الغرب كان الباي احمد يخوض ثورته هو الاخر والغريب ان كتابات الرجلين تشير للاخر بما لا يسر فكان احمد باي يصف الامير عبد القادر بالمرابط او الخارج عن قانون الدولة العثمانية وكان الامير يصفه بالتركي او الكرغلي
بل انه من الصفحات السوداء في تاريخنا هو معركة قامت بين ابن قانة شيخ العرب التابع لاحمد باي وفرحات بن سعيد التابع للامير في منطقة بسكرة للصراع حول النفوذ بل وصل الامر للتعامل مع فرنسا من اجل اسقاط الاخر
هذا الامر جعل كل مناطق الجزائر تسقط تباعا لتفرقها وتشتتها ولحقدها القبلي والمناطقي احيانا

Zaatcha.jpg


Assaut_de_Zaatcha.jpg
 
رد: من ملاحم الجهاد ضد الغزو الفرنسي - ثورة الزعاطشة

نعم أخي الزعيم ، و لا ننس أبدا أن الفرنسيس كانوا يخططون لغزو الشمال الإفريقي منذ عهد لوي 14 ، و هذا الأمر أخذ بعدا استراتيجيا كبيرا زمن نابليون بونابارت حيث عكف الفرنسيس على دراسة تاريخ المنطقة من كتب و دراسات ألفها علمائنا مثل مقدمة ابن خلدون ... كما ألفت إنتباهك يا زعيم أن مدرسة ضباط القوات البرية الفرنسية (سان سير) نشأت زمن نابليون و لذلك لا نستغرب إطلاقا أن كل الجنرالات قادة الغزو الفرنسي على الجزائر عام 1830 و ما بعدها ، كانوا طلبة ضباط من عناصر الدفعات الأولى من خريجي سان سير و الذين تكونوا هناك عسكريا و ثقافيا ، بالإضافة إلى شبكات الجوسسة و التي كان معظمها من اليهود ، كل ذلك سمح للجنرالات الفرنسيين بفهم "سوسيولوجية" الجزائريين و إستغلال الخلافات الثأرية القديمة بين القبائل ، و نظرا لبعض صفات التعصب المقيت ، لا نستغرب أن تحارب بعض القبائل تحت الراية الفرنسية ضد قبيلة ثائرة أخرى ، نظرا لخلاف ثأري قديم بين القبيلتين ، مع التأكيد على أنها حالات قليلة و في مناطق محددة و لا يمكن تعميم ذلك على المستوى الوطني.
و في موضوع العلاقات المتشنجة بين الحاج أحمد باي و الأمير عبد القادر فإن السبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى إعتبار الحاج أحمد باي نفسه هو الوريث الشرعي لسلطة داي الجزائر و خصوصا بعد مراسلته السلطان العثماني محمود الثاني و الذي شجعه على مقاومة الغزاة و منحه لقب "باشا" ، و عليه فقد كان الحاج أحمد باي لا يعترف بأي سلطة جزائرية أخرى غيره ، و هو ما حدث مع الأمير عبد القادر و الذي كان من إحدى عائلات "المرابطين" (أشراف) و الذي يراهم الحاج أحمد باي بأنهم أهل علم و فقه فقط و لا يصلحون لشؤون الحكم و الحرب ، كما ورد في إحدى رسائله للأمير (و الذي يصفه فيها بإبن محي الدين)
و حتى بعد إنهيار مقاومة الحاج أحمد باي ، عانى الأمير عبد القادر كثيرا من تمرد بعض القبائل على سلطته بسبب المؤامرات الفرنسية و تضخيم خلافات تافهة بين القبائل المتحالفة مع الأمير مثل: منابع المياه و رعي الماشية ....
و رغم كل ذلك لا بد و أن نشيد و نفتخر بتوحد القبائل الجزائرية (عرب و أمازيغ) خلال ثورة الحاج المقراني و الشيخ الحداد ، و التي قضى عليها المستعمر بصعوبة ، لذلك نجد بالبحث التاريخي المنهجي أن عام 1871 (نهاية ثورة الشيخ الحداد) هي بداية تجسيد فتنة "البربريزم" حيث فكر الفرنسيس في إستغلال خصوصية "سوسيولوجية" في قبائل الجزائر و تضخيمها إلى خلاف "لغوي" و "عرقي" مزعوم ... بالإضافة إلى طرح نظرية "اضطهاد الأمازيغ" من "المستعمرين العرب" .... و ذلك على المدى البعيد ...... و للأسف لايزال في وقتنا الحاضر من يصدق تلك الأباطيل و ذلك كلام آخر.

و رغم كل مؤامرات الفرنسيس في بلادنا ، نجح جيل أول نوفمبر 1954 في تفجير الثورة التحريرية المظفرة ، و كانت نواة الثوار الأولى تضم العربي و الشاوي و الزواوي (االقبايلي) و الإباضي و الشنوي و حتى من أحفاد الأسر التركية ... الجميع آمنوا أنهم جزائريون و عليه نجحوا في دحر الإستعمار و بناء الوطن من دماء الشهداء .... و للحديث بقية.
 
عودة
أعلى