الحرب اللبنانية الحلقة الثالثة كما وردت على الجزيرة

إنضم
14 ديسمبر 2008
المشاركات
113
التفاعل
3 0 0
نص الحلقة الثالثة كما وردت على موقع الجزيرة:
عمر العيساوي:
بدأ العد العكسي في لبنان لاندلاع الحرب، وأخذت الأطراف تعد العدة لخوض المعركة الآتية، وبينما كان الفلسطينيون قوة مسلحة بدأ اليمين اللبناني بتدريب عناصره منذ عام 1970 على الأقل.
كميل شمعون (رئيس حزب الوطنيين الأحرار):
بالنسبة لتواجد الفدائيين نحن لا نريدهم هنا في بلدنا، أما فيما يتعلق بنا فإننا نتدرب، لأنه ليس لدينا أي خبرة عسكرية، ولأننا نفتقد هذه الخبرة علينا معالجة ذلك لأن شبابنا أصبح مترفاً، وبحاجة لتدريب جسدي إضافة إلى التدريب المعنوي، هذه هي الفكرة وراء تدريباتنا العسكرية، وهذا هو ما نقوم به الآن.
لن يتم استخدام هذا إطلاقاً ضد النظام الديمقراطي، ما نفعله ليس من الفاشية أبداً، الفاشية مستحيلة في هذا البلد سواء كانت يمينية الاتجاه أو يسارية.
عمر العيساوي:
وكان اليمين قد بدأ باستيراد السلاح بمساعدة الجيش اللبناني.
جندي سابق ومسؤول في ميليشيا:
أنا كنت أحس لأنه كنت أنا أشوف البواخر اللي عم بتنزل السلاح، كانت تنزل بواخر بمرفأ بيروت، وبمطار بيروت حتى، على أساس إنه ها السلاح جاي للدولة، وكان بيتوزع ها السلاح لبعض الجهات يعني.
كريم بقرادوني (الكتائب اللبنانية):
كان القرار كالآتي: أن نعرض على كل بيت في مناطقنا أن يقتني بارودة، أي أن يقتني بندقية، وأَمَّنَّا بواسطة بعض دول أوروبا الشرقية، وبصورة خاصة بلغاريا، شراء أسلحة من بلغاريا، كان يكلف كل بندقية كلاشينكوف كانت تتكلف واصل إلى بيروت مع ذخيرتها كانت تتكلف 200 ليرة لبناني، كنا نوزعها بـ 300 ليرة لبناني، وكنا نؤمِّن الفارق، الفرق المائة ليرة يعني كلما نوزع 3 بندقيات كنا نؤمِّن للحزب بندقية.
عمر العيساوي:
كان هناك عنوان آخر للأزمة بخلاف الموضوع الفلسطيني، فقد بات اليسار اللبناني يطرح بقوة قضية إصلاح النظام السياسي في البلاد، وكان على –رأس هذه المطالب إلغاء الطائفية السياسية والمناصفة في مقاعد مجلس النواب التي كانت موزعة بنسبة ستة مقاعد للمسيحيين مقابل خمسة للمسلمين.
وقف قادة المسيحيين الموارنة ضد مطالب الإصلاح هذه، بينما أيدها المسلمون عموماً واليسار اللبناني خصوصاً الذين رأوا في الفلسطينيين حليفاً طبيعياً لهم.
بسام أبو شريف (منظمة التحرير الفلسطينية):
المارونية السياسية شعرت أن هذا الوضع سيؤدي مش بس لأنه التغير الكبير في البنية السكانية واضح لهم كان، خشوا إنه يؤدي إلى تغير في ميزان القوى من حيث السلاح والتسليح، بدأ فيه تسليح من الطرف الثاني، وبدأ فيه تهيئة لأجهزة النظام، الجيش والأمن، وبدأ فيه استعداد للحرب، وبدأت الاتصالات من إسرائيل، نحن ما كنا، لا بِدِّنا ولا بنخطط، ونرفض أي معركة طائفية بلبنان، ونرفض أن نكون طرف في معركة طائفية، هذه الحقيقة الموقف.
نديم عبد الصمد (الحزب الشيوعي اللبناني):
نحن نعتقد بشكل أساسي أن الحرب اللبنانية سببها الرئيسي هو تفاقم الصراع الداخلي وتعاظم الحركة من أجل التغيير، من أجل إلغاء الهيمنة الطائفية البغيضة على الوضع السياسي في البلد، والعامل الفلسطيني كان عامل مساعد وليس هو الأساس.
عمر العيساوي:
في العام 1974 تكررت الاشتباكات بين الفدائيين والكتائب في منطقة الدكوانة حيث يقع مخيم (تل الزعتر) وتعرض لبنانيون من بينهم بشير بن بيار الجميل مؤسس حزب الكتائب لمضايقات.
أمين الجميل (الكتائب اللبنانية):
يعني نحن كنا ضحية.. ضحية ها التجاوزات الفلسطينية، وليس نحن استفزينا الفلسطينيين في مخيماتهم، فإذا بنرجع للتاريخ، والتاريخ بده يشهد على ذلك إنه المعارك حصلت في الدكوانة على مشارف خارج تل الزعتر وليس في قلب تل الزعتر، وهكذا في كل المناطق حيث تواجد المخيمات، المخيمات هي اللي تحول.. يعني اللاجئين في المخيمات تحولوا إلى مقاتلين وإلى ثوار، والمخيمات ضاقت عليهم فخرجوا من المخيمات بنظرة توسعية إذا بتريد.
كريم بقردواني (الكتائب اللبنانية):
إحدى الحوادث اللي بأذكرها المهمة إنه بشير الجميل أُوقف ونقل إلى إحدى المخيمات، اضطرينا للدخل مع ياسر عرفات بالذات لإخراج بشير الجميل من المخيمات، أمين الجميل كان لأنه مخيم تل الزعتر هو على طريق المتن، أُوقف في إحدى الليالي وهو كان عائد إلى بيته في بيكفيّة أوُقف ونبش، يعني وطلبت هوياته وكل ها المسائل.
عمر العيساوي:
في شباط فبراير من العام التالي حصل تطور خطير احتوى أحد المظاهر الرئيسية للصراع في لبنان عندما سارت تظاهرة لصيادي الأسماك في مدينة صيدا التي تستقي اسمها من الصيد والبحر، كان المتظاهرون ينددون بمنح الحكومة اللبنانية لشركة تدعى (بروتين) كان أحد كبار المساهمين فيها الرئيس الأسبق كميل شمعون بمنحها حقاً حصرياً في صيد الأسماك على طول الساحل اللبناني، رأي الصيادون في هذا تهديداً للقمة عيشهم، وكان الجيش قد انتشر في مدينة صيدا، حصل إطلاق نار أثناء التظاهرة أصيب خلاله زعيم التنظيم الشعبي الناصري معروف سعد، تُوفي معروف سعد بعد أيام متأثراً بجراحه، واندلعت مظاهرات في صيدا وبيروت. باتت البلاد تغلي، وبعد أقل من شهر ونصف الشهر على وفاة معروف سعد كان الشيخ بيار الجميل يدشن كنيسة في منطقة (عين الرمانة) ذات الأغلبية المسيحية عندما أطلق مسلحون مجهولون النار من سيارة باتجاه الكنيسة فقتل شخصان من بينهما أحد مرافقي الجميل.
وفي هذه الأثناء كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، القيادة العامة، تحتفل بذكرى عملية فدائية ضد إسرائيل، وبعد ساعات قليلة مرت حافلة كانت تقل بعض من شارك في الاحتفال بمنطقة عين الرمانة التي كانت قد استنفرت.
سائق الحافلة:
يوم الأحد في 13 نيسان سنة 1975 كنت عم بأشتغل على خط صبرا، سرفيس يعني، وتقريباً الساعة 12.30 إيجوا لي ناس من الإخوان الفلسطينية علشان نوصلهم على تل الزعتر، طلعوا بالأتوبيس ومشيت أنا فيهم على تل الزعتر، وصلت على.. وصلت على شارع بِدِّو يقولوا هناك بين (الشيح) وبين عين الرمانة اسمها المريَّة، منطقة اسمها المريَّة، وإذا بأشوف مسلح واقف ورا العمود، واخد متراس، يعني ما لحقت أتطلع فيه، واشتغل فينا رصاص، ومن بعد ما اشتغل فينا رصاص وقف تقريباً شو دقيقتين ثلاثة طلبوا مِنَّا إنه نرفع إيدينا، شي رفعنا إيدينا كفُّوا علينا، كفُّوا علينا الرصاص حتى قضوا علينا، والحمد لله رب العالمين نحن جماعة يعني ما خلص عمرنا، وإجا أوتوموبيل Ambulance حَمَّلنا اللي كانوا جرحى حَمَّلنا اللي كانوا نجحوا، حملنا وأخذنا على المستشفيات.
عمر العيساوي:
قتل ستة وعشرون فلسطينياً كانوا على متن الحالفة، وأخيراً اندلعت حرب لبنان في الثالث عشر من نيسان أبريل من عام 1975.
كالعادة أوفد العرب الأمين العام لجامعة الدول العربية محمود رياض لمحاولة رأب الصدع، ولكن الإصبع العربي لم يكن قادراً هذه المرة على لجم انفجار البركان.
بيار الجميل (رئيس حزب الكتائب):
لسنا في نزاع إطلاقاً مع الفلسطينيين، وأعنى الفدائيين الذين يريدون العودة إلى بلادهم، لا يمكن للبناني أن يناقش أحقية القضية الفلسطينية، ولا أعتقد أن أحداً في العالم العربي ينكر ذلك، للأسف صراعنا وخلافنا هو مع الفلسطينيين الذين يختبؤون وراء القضية الفلسطينية الحقيقية، إنهم باسم الفدائيين يقومون بأشياء لا يمكن لأحد أن يقبلها.
عمر العيساوي:
حمَّل رئيس حزب الكتائب بيار الجميل الفلسطينيين مسؤولية انفجار الوضع، ونفى مسؤولية حزبه عن إطلاق النار على الحافلة، بينما طالب اليسار اللبناني بمحاسبة الكتائب، ودعا الحزب لتسليم المسؤولين عن إطلاق النار على الحافلة.
استقال وزراء الطرفين من الحكومة فباتت شبه مشلولة، وانقطعت شعرة معاوية.
جورج حاوي (الأمين العام – الحزب الشيوعي اللبناني):
طرحت أنا شعار سياسي هو شعار عزل الكتائب، قلت أنا: الرد على هذا الاستفزاز اليوم يجب أن يكون رداً سياسياً، عزل حزب الكتائب من الحكومة، كان حزب الكتائب مشاركين في الحكومة، أي طرحت شعار سياسي لمعالجة استفزاز أمني عسكري، ولكن لسنا دائماً أصحاب القرار في تطور الصراع، أخذ بشعار عزل الكتائب، وصدر بيان عن المجتمعين بقيادة كمال جنبلاط مطالبين بعزل حزب الكتائب ومحاكمته، مستنكرين الاستفزاز، ولعدم وجود سلطة تستطيع أن تعالج الوضع مباشرة فَلِتَ الملأ في الشارع، وبدأت دوريات فلسطينية تجوب المنطقة الشرقية بما فيها الأشرفية، وتطلق الرصاص في الشوارع، وتعتقد أنها احتلت الأشرفية لأنها لم تكن محمية بمعنى أي بمتاريس أو بحواجز ثم طبعاً أخذ الأمر طابع قصف متبادل، واشتعلت الأحداث عسكرياً بدلاً من أن تأخذ منحي صراع سياسي، فاستخدم شعار عزل الكتائب سياسياً إلى شعار تغطية للحرب الأهلية.
عمر العيساوي:
بعد نحو شهر من حادثة عين الرمانة توجه رئيس الوزراء رشيد الصلح إلى مجلس النواب لإلقاء خطاب استقالته الذي صاغته الحركة الوطنية، واتهم الكتائب بالمسؤولية عن انفجار الوضع في البلاد.
جورج حاوي:
لم نبق من البيان إلا ذلك المطلع: جئتكم وبياني في يميني، الأمر الذي دفع بالمغفور له الرئيس رشيد كرامي عندما سمع هذه الكلمة، وهو مشهور عنه بخفة الدم والنكتة أن قال: في يساري لأنه الرئيس (مش.. في يمينه)، فضحك وضحك الموجودون إلى أن وصل رشيد الصلح إلى بيت القصيد، وبيت القصيد هنا كان طرح تلك المعادلة أن النظام اللبناني الذي وَزَّعَ الصلاحيات بين مواقعه حسب توزيع طائفي عام 1943 لم يعد قادراً على المتابعة، أصبح على تناقضاً مع موجبات التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والواقع الديمغرافي في البلاد، فإما أن يتجه نحو إلغاء الطائفية السياسية واعتماد الديمقراطية والكفاءة والمساواة بين جميع اللبنانيين، وإما أن يعاد النظر في العلاقة بين الطوائف وفق دورها الراهن لا وضعها السابق، وتابع البيان يقول: نحن من أنصار الخيار الأول، أما إذا منع الخيار الأول ولم يُسمح له في النجاح فلن يكون هناك مهرب من الخيار الثاني. عندئذ وضع الرئيس رشيد كرامي القلم من يده جانباً، وقال للنائب آنذاك ألبير منصور الذي كان يجلس بجانبه: انتهى الأمر، لم يعد يمكن تشكيل الحكومة في لبنان.
طرح البيان جوهر الأزمة، وأخذ بيان الرئيس رشيد الصلح بالجدية التي لم يأخذه بها في البداية، طبعاً في ذلك الوقت رأى أمين الجميل في البيان شتيمة له، فهجم على رشيد الصلح، وهو يحاول أن يضربه.
أمين الجميل:
فكل شيء كانت من باب (المغنية) على الرئيس الصلح، إنه أنت قلت هذا الكلام، المفروض إنه ترجع على مقعدك، لأنه قال الكلمة، ولا تؤاخذني من التعبير هرب يعني، هرب من القاعة، هذا ما فيه رئيس حكومة يتصرف بها الشكل، لما رئيس حكومة أو أي مسؤول بيقول خطاب المفروض يتحمل مسؤولية هذا الخطاب، خاصة بالنظام الديمقراطي بيسمع الآراء الثانية، إن كانت آراء مؤيدة أو آراء مختلفة.
فهذا كانت الموضوع فكانت من باب الصداقة، يعني كان رجل كثير صديقنا، فكان هو عم بيترك المجلس، وأنا مسكته قلت له: لأ، لازم أنت تيجي تسمع الرأي الآخر، لأنه هذا ما بيليق فيك إنه تتصرف بهذا الشكل.
عمر العيساوي:
طُرحَ رشيد كرامي كخلف للصلح، إلا أن الرئيس فرنجية فاجأ البلاد بتعيين حكومة عسكرية برئاسة العميد أول المتقاعد نور الدين الرفاعي.
أَيِّدَ اليمين المتمثل بحزب الكتائب وكميل شمعون رئيس حزب الوطنيين الأحرار، والذي كان يطالب بإنزال الجيش لضبط الوضع، أيَّد تكليف الرفاعي، بينما أثار اليسار ومؤيدوه مثل ريمون إده زعيم الكتلة الوطنية عاصفة من الاحتجاجات، فاستقالت حكومة الرفاعي بعد ثلاثة أيام، وكُلِّف كرامي بتشكيل الحكومة.
أدت الاعتراضات المتبادلة على تسمية الوزراء إلى إعاقة تشكيل الحكومة، استمر الاقتتال، واحتج بالاعتصام في أحد مساجد العاصمة السيد موسى الصدر الذي أسس حركة المحرومين الشيعية وذراعها العسكري أمل.
تمكن كرامي بعد شهر من المفاوضات المضنية من تأليف حكومته، وكان رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات قد خلق جواً مؤاتياً عندما التقى الرئيس فرنجية، وَوَجَّه رسالة إلى اللبنانيين أعلن فيها أن المنظمة لا تؤيد طرفاً لبنانياً ضد آخر. في أوائل تموز/ يوليو عقد اجتماع بين رشيد كرامي وياسر عرفات برعاية الموفد السوري إلى لبنان وزير الخارجية عبد الحليم خدام. كانت سوريا تقوم بدور الوسيط بين الأطراف على الساحة اللبنانية، وكان هذا الاجتماع مؤشراً على دخول لبنان مرحلة جديدة، وبالفعل فقد عقد كرامي مؤتمراً صحفياً أعلن فيه استتباب الأمن في البلاد وعودة الأمور إلى طبيعتها.
رشيد كرامي (رئيس الوزراء):
وبأحب يعني اجتماع اللقاء أن نتحدث عن أوضاع لبنان والتطورات الأخيرة التي أدت إلى الخروج من الأزمة المؤلمة التي مرت بنا، والتي اجتزناها بفضل وعي اللبنانيين وإرادتهم.
عمر العيساوي:
حمَّل البعض منظمة التحرير الفلسطينية مسؤولية تدهور الأوضاع، بينما اختلف معهم آخرون.
ميشال سماحة (الكتائب اللبنانية):
لم يكن أبوعمار توقف عن غطرسة القوَّة، وإرادة حكم لبنان.
كريم بقرادوني:
أبوعمار –بالحقيقة- منذ البداية كان رجل الاعتدال.. يعني لازم نقول كلام من النوع إنه حقيقة كتير من المرات شعرت إن أبوعمار بده يوقف الحرب بلبنان. بس –برأيي- كان أبوعمار سجين ما هو على يساره.
جورج حاوي:
وأيّاً يكن ما يُقال بياسر عرفات فهو كان يلعب دور صمام الأمان في كثير من الأحيان، يحاول أن يطفئ الحريق لا أن يغذيه.
قامت قوى الأمن الداخلي بتسيير دوريَّات لتعزيز الاستقرار، ووصف كرامي السلم الجديد بأنه معجزة لبنانيَّة.
احتفلت البلاد بعيد الجيش الذي بقي خارج الصراع طيلة الأشهر الأربعة الماضية. ولكن الهدوء النسبي لم يدم، ونشب القتال –مجدداً- في بيروت وطرابلس شمالي البلاد، حيث سقط أكثر من 300 قتيل في بضعة أيام. لم ينحصر الأمر بالقتال بين المسلَّحين. بل كان المدنيُّون عرضةً للخطف والتعذيب والتنكيل والقتل. لمئات من المدنيين كان هذا آخر مشهد يرونه، كان القتل يتم على الهويَّة إذ كانت الهويَّات اللبنانية تدوِّن مذهب حاملها فسهَّل هذا مهمة القتلة. كان بعض المُسلحين في اليمين يرتدون أقنعة، الهدف الأساسي منها حماية هويتهم في حال انتهاء الحرب، وعودتهم للسكن في مناطق مختلطة. ولكن لا شك في أن مشهد مُسلَّح مُقنَّع كان يزيد من رعب المدني الذي يقابله. واستمرت المحاولات السورية –دون جدوى- لتقريب وجهات النظر. وتم إنشاء هيئة حوار وطني تشكلت من كبار السياسيين في البلاد كسبيل للخروج من المأزق الدموي. والتقى زعماء الطوائف، وظلت وجهات النظر متباعدة، وتصاعدت موجة العنف. كان الخلاف حول الأمن والإصلاحات السياسية، فبينما أصر اليسار على الإصلاحات السياسية طالب اليمين بفرض الأمن قبل بحث موضوع الإصلاحات.
فواز طرابلسي:
قامت الثورة من تحت إنما بهذه الطريقة العجيبة، التي هي طاقات الفقراء لمصلحة الأغنياء إذا جاز التعبير. طبعاً هنا بدأ الجدل بين الإصلاح والأمن، ولعل الخلاف الكبير اللي مُعبَّر عنه كان هو ضغط الأحزاب التي كوَّنت –لاحقاً- الجبهة اللبنانية من أجل نزول الجيش والإمساك بالوضع، أكان اجتماعاً أو بوضع وجود المقاومة. ومن طرف آخر كمال جنبلاط واليسار يطالبون بأنه حققوا الإصلاح يتحقق الأمن، وهذا تقليد قديم، ومؤسف، ومُذري، ومأساوي في الحياة اللبنانية، بأن هذا الهاجس الأمني، الذي يقال عنه أن رأس مال لبنان هو الأمن، فبالتالي.. يعني مثل الفن بالفن، المنطق بمعالجة الأمن بالأمن في حين إنه اضطراب الأمن –عادة- يُبطن اضطرابات اجتماعية، اقتصادية، سياسية. فأنا أعتقد بإنه هذا الجدل يُفسر كثيراً انحياز قسم من اللبنانيين، الأسباب الداخلية لانحياز قسم من اللبنانيين نحو المقاومة الفلسطينية المُسلحة، خاصة أن الجيش آنذاك أخذ يتحول –تدريجياً- إلى قوة أمن داخلية تحت السيطرة المباشرة لرئاسة الجمهورية.
عمر العيساوي:
ورفض كرامي إنزال الجيش.
العقيد جوني عبده (مخابرات الجيش اللبناني):
حتى واحد ما يحط الحق، مثلما ما متصورين العالم إنه الحق على الرئيس كرامي، الحقيقة مش هيك، الحقيقة صار في تقارير من الجيش، بتقول إنه في هذا الجو العام إذا تدخل الجيش بينقسم، مش إنه إذا ما تدخل، وبالتالي ما فيك تطلب من رئيس حكومة ياخد قرار بإنزال الجيش أو بمساهمة الجيش بوقف الأحداث إذا كان لديه تقارير من الخبراء المفروض أن يكونوا أفهم منه بوضع الجيش، واللي قالوا له إن بها التقرير هذا إنه الجيش إذا بيدخل بهيك أمور حتماً راح ينقسم أو راح يتفسَّخ، الأشياء اللي صار إنه ما ادَّخل واتفسخ، يعني جربنا إنه ما ادَّخل، بس بدون شك أنا كنت من ها الرأي إنه كمان إذا ادَّخل بيتفسخ، لأنه بأرجع وبأقول لك –كما قلت بالسابق- إنه هذا الجيش هو مؤلف من المجتمع اللبناني، والمجتمع اللبناني مؤلف من طوائف وليس من أحزاب، والشيء اللي ذكرته بالأحزاب اللبنانية ما فيه أحزاب لبنانية، كان فيه طوائف لبنانية، والطوائف اللبنانية طالما هي موجودة فإذن العقيدة الطائفية والإيمان الطائفي أقوى بكتير من الإيمان بالوطن، وبالتالي فيه تفسُّخ، يعني ما فيه عقيدة مُعينة قدرت ضبطت هذه الطائفية، لكي تكون أعمال المؤسسة العسكرية أو أي مؤسسة أخرى بالدولة لها الطابع الوطني أكثر ما هو إلى الطابع الطائفي مع الأسف.
عمر العيساوي:
مقابل جدل السياسيين كانت الجولة الثانية من الحرب تحصد المزيد من القتلى، والدمار، والخراب. لم تقتصر المحاولات للتوصل إلى حل على تلك اللبنانية أو العربية، إذا قام رئيس الوزراء الفرنسي السابق (موريس كوف ديموفيل) بمحاولة فاشلة لرأب الصدع، والتقى المسؤولين السوريين لهذا الغرض. كانت التطورات الإقليمية تلقي بظلالها على لبنان، ففي هذه الفترة تم التوقيع على اتفاقية فك الاشتباك الثانية المعروفة (بسيناء 2) بين مصر وإسرائيل.
قاسم جعفر (خبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية):
انفجار الصراع العربي الإسرائيلي في لبنان عام 1975، واللبناني اللبناني في لبنان عام 1975م، والعربي العربي في لبنان عام 1975، وكل الصراعات الأخرى في لبنان عام 1975 لم يأتِ إلا بعد أن خاض العرب ما أصبح فيما بعد، وما اتضح فيما بعد أنه آخر حرب عربية إسرائيلية شاملة خيضت التي كانت حرب تشرين عام 1973م. هذا ليس بمصادفة لو كان هناك مجال لخوض حروب عربية إسرائيلية نظامية شاملة أخرى لما كان من الضروري أن تندلع الحرب الأهلية اللبنانية، ولما كان من الضروري أن تتطور بالشكل الذي تطورت فيه، ولما كان من الضروري أن تتحول إلى هذه الحرب المستمرة المتعددة المراحل والحقبات التي تحولت إليها فيما بعد. هذا ليس مصادفة، لماذا اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية بعد عامين فقط من حرب 1973م؟ ولماذا اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية بعد أشهُر أو حتى أسابيع قليلة من التوقيع على اتفاقيات فصل القوات في الجولان وفي سيناء؟ ولماذا اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية في الوقت الذي كان فيه الحديث عن مؤتمر جنيف، واحتمالات تسوية الأزمة For All بشموليتها وبمجملها للتاريخ؟ ولماذا اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية في الوقت الذي كان يُحكى فيه –طبعاً- تطورت فيما بعد إلى زيارة الرئيس السادات إلى القدس، وما تلاها من كامب ديفيد، وانقسام عربي لا يمكن أن نفصل توقيت وموعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عن كل هذه التطورات.
عمر العيساوي:
ارتفع سقف الدم في لبنان صباح يوم السبت السادس من كانون الأول ديسمبر كان أول تطور هام في ذلك اليوم زيارة لرئيس حزب الكتائب بيار الجميل إلى دمشق.
كريم بقرادوني:
ولأول مرة وافقت سوريا على استقبال رئيس حزب الكتائب مع وفد، وهذا يعني فك قرار العزل داخلياً وعربياً. وحينما دخلنا وكنا في المباحثات مع الرئيس الأسد، بيدخلوا له ورقة للرئيس الأسد ليقولوا فيه عملية هيجان بالمنطقة الشرقية وقتل عشوائي لمجموعات كبيرة من المسلمين داخل المنطقة، وخاصة في منطقة البور، هذا ما عرف بالسبت الأسود.
عمر العيساوي:
عُثر على جُثث أربعة كتائبيين في شرقي بيروت، فانتشر مسلحو حزب الكتائب في منطقة الأسواق والمرفأ وسط بيروت، حيث يقع مقر حزب الكتائب ليحصدوا أرواح ما لا يقل عن مائتي مدني مسلم خلال ساعات قليلة. كان هذا ما سُميَّ بالسبت الأسود.
دايفيد هيرست (صحافي بريطاني):
السبت الأسود كان يوم نصب فيه الكتائبيون حواجز قرب فندق النورماندي –على ما أعتقد- فعلوا ذلك لأن أربعة مسيحيين، على ما أعتقد وُجدوا مقتولين في مكان ما من لبنان، تملكت الكتائب روح الانتقام تملكاً كاملاً، وجُنَّ جنونهم، فكان ركاب كل سيارة مارة في الطريق يُرغمون على النزول منها، أعتقد أنها كانت أول حالة مما سمي بالقتل على الهوية بشكل جماعي.
ميشال سماحة:
وصل نبأ هذه المجزرة واشتعل الجو في بيت الكتائب، وحول بيت الكتائب وعند الشباب رفاق هؤلاء، ومن بين الذين كانوا متواجدين هناك وبأشكال مؤثرة جداً أب أحد المقتولين الذي فقد ابناً له ثلاثة أشهر.. قبل ثلاثة أشهر على طريق زحلة، عين طورة (طورة الشوير) وليس في ظرف كان يقوم به بعمل سياسي، كان الابن الأول عندما قُتل ذبحاً أيضاً كان يقوم بتحضير (Runny Paper) سباق سيارات، إحدى محطاته مفرق أُمُّل فوق زحلة. فهو ورفاقه وُجِدوا مقتولين أيضاً هناك، وهذا الأب ليس له سوى هذين الولدين، فوجِد في بيت الكتائب بحالة تستثير الغرائز من جهة والعواطف من جهة أخرى، فخرجوا إلى الشارع وخرج معهم كمية كبيرة من الناس، وبيت الكتائب متواجد في منطقة ذات كثافة تواجد شعبي للعمل، وقرب مرفق بيروت، وخرجوا يمارسون رد الفعل السيئ جداً تجاه المارة، وتحديداً تجاه المارة من المسلمين وغير اللبنانيين، وخرجت خلفهم مجموعة من القيادات الحزبية لتمنعهم، وإني رأيت –بأم العين- كيف أن المرحوم وليام حاوي، وأنا، وبعض كثيرين من القيادات خَلَّصنا ناس من بين إيدين شبابنا، وجئنا بهم إلى بيت الكتائب وخبَّأناهم محروسين، ثم أخرجناهم، وكيف أنِّي، بأم العين، رأيت أحداً ينهار يموت بين يدي وليام حاوي عندما وصل أحد هؤلاء الغير..، لا يمكن أن أجد وصفاً لحالة إنسان أخذه هوس القتل إلى أبعد الحدود في هذه الحالة النفسية، وصوب مسدسه إلى رجل يحتضنه وليم حاوي ليخلصه، وأطلق النار في رأسه وعنقه.. كان يوماً مشؤوماً.
عمر العيساوي:
اتهمت الحركة الوطنية اللبنانية بشير الجميل بإعطاء أمر ارتكاب المذبحة.
جورج حاوي:
بعد مجزرة السبت الأسود التي نُظمت بقصد إثارة الصراع المذهبي الطائفي في لبنان إلى ذروته، حيث أقدمت الميليشيا الكتائبية المؤتمرة بأمر بشير جميل على قتل وذبح عشرات بل مئات المسلمين من عُمال وموظفي البور، لمجرد كونهم مسلمين، لا لموقفهم السياسي أو لموقعهم في الأحداث! وقد كانوا مطمئنين لوجودهم هناك على البور، كانوا يريدون من ذلك أن يجري ردة فعل طائفية من نفس الطبيعة، فيُذبح المئات من المسيحيين الذين كانوا لا يزالون ينتشرون في المنطقة الغربية من بيروت، يعيشون بحرية وأمن.
ميشال سماحة:
أين كان الشيخ بشير؟ وصل حوالي العاشرة الشيخ بشير، وأظنه كان في تلك اللحظات خارج بيروت، وعندما أتى كان من الذين سعوا، بعكس ما قيل، كان من الذين سعوا لاستيعاب تلك الحالة، لوقف تلك المجزرة، ولم يكن من منظميها، كما قيل، ولم يكن من المحرضين عليها.
جورج حاوي:
هذه تركيبة أربأ بميشيل سماحة أن يلجأ إليها، يعني هو محامي ناجح لقضية فاشلة.
عمر العيساوي:
طبعاً الشيخ بيير جميل كان في دمشق ذلك الوقت.
جورج حاوي:
نعم، نعم، وكان أحد المقاصد من هذه المجزرة إفشال محادثات الشيخ بيير جميل في دمشق. ولم يكن أهالي الضحايا المفترضين بهذا البعد السياسي لإفشال تلك المحاولة، كان لابد من وجود طرف سياسي وراء هذه المحاولة في ذلك اليوم بالذات.
كريم بقرادوني:
بالسبت الأسود بشير بحالة انفعالية حقيقية، لأن أنا تكلمت معه بعد ذلك، واعترف لي قال لي: أنا في حالة انفعال عطيت أوامر بالنزول، لأنه –حقيقة- اللي قُتلوا كان ناس (إلُن) على الأرض ناس، ولكن اعترف بشير بذات الوقت إنه عندما شعر إنه المسألة أخذت حجم أكبر مما يريد حاول إيقافها فلم يستطع، يعني أنا بدي أسجل للتاريخ هذه، يعني هذه حادثة –أنا برأيي- تدل على كذب، وعندما نتكلم عن بشير أنا بأعتقد إذا عندهم باقي قيادات الجرأة بالقول أنا برأيي من الفلسطينيين لمعظم اللبنانيين، إذا مش كل اللبنانيين كانوا بذات الحالة تبعيتنا، إنه صحيح عندهم قدرة القرار، ولكن ما كان عندهم قدرة الإمساك بكل جوانب القرار.
عمر العيساوي:
جُنَّ جنون اليسار اللبناني والمسلمين.
جورج حاوي:
صدر دعوات للرد على السبت الأسود بمذبحة تطال المسيحيين في المنطقة، لم يكن يمكن عدم الرد، كان لابد من الرد، وكنا أمام خيارين: إما الرد الذبح الطائفي على الهوية، وإما الرد العسكري السياسي، أنا رجحت كفة الرد العسكري السياسي. قلت: إن خير ردٍ على السبت الأسود هو في تحرير ما سُميّ بالمقاطعة الرابعة، التي كانت لا تزال تحت سيطرة ميليشيا الكتائب، وفي فتح ثغرة على مرفق بيروت، حتى لا يبقى العمل في المرفق تحت رحمة الكتائب، وأخذت القلم على الخريطة على الحائط، ورسمت خط يمتد على ساحة الشهداء نزولاً إلى المرفق.
فواز طرابلسي:
ما يُشَرِّف الحركة الوطنية آنذاك بإنه.. وهي تسيطر على منطقة مختلطة، هي بيروت الغربية، أنها لم تسعَ –فقط- إلى ضبط ردود الفعل الانتقامية من النمط الذي حصل بالسبت الأسود بالأشرفية، إنما أعطت جواب عسكري قتالي، وهو فتح معركة الفنادق التي كانت.. أو ما سُمي معركة الفنادق، ومعركة الفنادق لها منطق هو وجود لسان يسيطر عليه حزب الكتائب في داخل ما صار يُسمى ببيروت الغربية، وهو شارع جورج بيكو، إلى (هوليداي إن) ما يعني أن حزب الكتائب كان لا فقط يسيطر على عدد من الأحياء المدنية في بيروت الغربية، إنما يهدد إمكانية السيطرة على البنك المركزي ثبت ده كان المعنى السياسي الاستراتيجي للمعركة.
ميشال سماحة:
فتحت المعارك بقوة، بقسوة، واستمرت.
عمر العيساوي:
وهكذا بدأت حرب الفنادق، أي القتال للسيطرة على منطقة الفنادق المحاذية لمرفأ بيروت، وانتهى عام 1975م، ولبنان تلتهمه نيران الحقد والغضب
 
رد: الحرب اللبنانية الحلقة الثالثة كما وردت على الجزيرة

موضوع رائع يا اخى
 
عودة
أعلى