صبحت حرب اكتوبر 73 وستظل نقطه مضيئه في التاريخ المصري بعد ان ازالت عار هزيمه يونيو 1967 وبعد ان اثبت للعالم ان المصريين قادرين علي هزيمه إراده وطموح وغرور دوله اسرائيل وجيش دفاعها برغم كل الظروف المحيطه دوليا وسياسيا وعسكريا .
خرجت القوات المسلحه المصريه بعد هزيمه يونيو 67 وهي في اسوأ وضع لها ، حتي ان العالم اجمع كان يشفق عليها ويرسي لحالها وانها لن تقوم لها قائمه الا بعد عشرات السنين ..
وقد قالها ديان وزير الدفاع الاسرائيلي بأنه ينتظر من سيوقع معه معاهده الاستسلام وقالها أبا ايبان وزير الخارجيه الاسرائيلي أن امامنا ثلاثون عاما حتي نلحق بهم ، لكن عندما قامت حرب اكتوبر 73 بعد ست سنوات فقط من الهزيمه فقد تغيرت اقوالهم تماما ، فقد شاهدوا وعرفوا الشعب المصري علي حقيقيته وماذا يستطيع ان يفعل .
إن الظروف التي احاطت بحرب اكتوبر 73 كانت شديده الصعوبه وبالغه التعقيد امام مصر وقواتها المسلحه ، وقد نجح المصريون في تخطي كثير من هذه الصعوبات وجانبهم التوفيق في مواقف عده ، وسنعرض هنا لهذه العوامل والظروف الدوليه السياسيه والعسكريه حتي نوضح ما قامت به مصر وقواتها المسلحه بما لها وما عليها .
العوامل الدوليه :
ثبت في الجولات الاربع السابقه أن العوامل الدوليه لها تأثير علي مجريات الصراع بين مصر وإسرائيل ، وعلي مدي خمسه وعشرون عاما سابقه علي حرب اكتوبر 73 ، فقد انتصرت في يونيو 67 بمؤامرة ودعم أمريكا لها ، وفي حرب الاستنزاف عندما تزايد الخسائر الاسرائيليه تدخلت امريكا ايضا بمبادره وليم روجرز لوقف اطلاق النار .
وبلغ الدعم الامريكي منتهاه خلال مجريات حرب 73 ، فقد فوجئت امريكا كما فوجئت اسرائيل باندلاع الحرب في الثانيه ظهرا يوم السادس من اكتوبر ، لكن الغرور والثقه المفرطه من جانب امريكا بجيش الاحتلال الإسرائيلي ، مع الاستهانه الكامله بمصر وقواتها المسلحه جعلت امريكا تنظر للحرب في اول ايامها بالقليل من الاهتمام ، لكن بدأ من اليوم الثالث للحرب وهو الثامن من الحرب ، لاحت بودار الهزيمه الاسرائيليه بنجاح مصر في عبور قناه السويس والتمركز علي الضفه الشرقيه بقوة لا يستهان بها .
فأندفعت اسرائيل تصرخ وتطالب امريكا بدعمها عسكريا بل وصل الامر الي التهديد من اسرائيل للقياده الامريكيه ، وبما ان هنري كسينجر هو المهمين علي السياسه الامريكيه في ذلك الوقت ، فقد نجح في اقناع القياده الامريكيه بأن تقف وراء اسرائيل بكل ما تستطيع ، وعلي الفور فتحت مخازن الجيش الامريكي وبدأ شحن الاسلحه والمعدات الي اسرائيل بطائرات امريكيه من طراز سي 5 ، و سي 130 .
وفي نفس التوقيت تم استعواض الخسائر الاسرائيليه في الطائرات بوصول طائرات امريكيه من طراز فانتوم جاءت بطيارين امريكان من القاعده الامريكيه في المانيا .
وبهذا استعادت القوات الجويه الاسرائيليه عافيها وكفاءتها مرة اخري في الوقت الذي كانت القوات الجويه المصريه تخسر طائرات وطيارين بدون استعواض .
ثم قامت امريكا بالدعم الصريح والواضح بتلك الطائره ( أر أس 71- بلاك بيرد ) التي قامت بأستطلاع اوضاع القوات الجويه المصريه يومي 13 و 15 اكتوبر حتي تستطيع اسرائيل التخطيط لخطوتها القادمه بناء علي معلومات دقيقه وحديثه عن اوضاع القوات المسلحه المصريه .
مثال ذلك أن تطوير الهجوم يوم 14 اكتوبر بواسطه الفرقه 21 المدرعه المصريه قد فشل ، لان اسرائيل علمت من خلال هذه الصور الجويه الملتقطه يوم 13 اكتوبر ان مصر ستقوم بتطوير الهجوم بواسطه تلك الفرقه ، كما علمت مسبقا بمكان تواجد تلك الفرقه واتجاه هجومها ، فأستعدت له الاستعداد الجيد ، وكانت النتيجه الطبيعيه هي فشل هذا التطوير .
وقد اثبت المذكرات العديده التي صدرت عن تلك الفترة ان هنري كسينجر اجل لقائه مع الرئيس السوفيتي بريجنيف 24 ساعه بالتنسيق مع جوالد مائير حتي تستطيع اسرائيل استكمال حصار الجيش الثالث المصري .
ومن جانب الاتحاد السوفيتي وهو الند الطبيعي للولايات المتحده ، فقد مكنته هزيمه 67 من التغلغل في المنطقه وبسط نفوذه علي كثير من الاحداث الجاريه ، وضح ذلك في العدد الهائل من المستشارين السوفيت الذين توغلوا في القوات المسلحه المصريه وفي القواعد الجويه وفي الاسراب الجويه السوفيتيه التي كانت تعمل تحت قياده سوفيتيه مستقله وليست تحت القياده الجويه المصريه ، وظهر هذا جليا في الاشتباك الذي وقع بين الطائرات السوفيتيه من قاعده بني سويف والطائرات الاسرائيليه في منطقه العين السخنه يوم 3 اغسطس 1970
وجاء قرار الرئيس السادات بانهاء مهمه المستشارين السوفيت في صيف 1972 صدمه للقياده السياسيه السوفيتيه فقد كانت بين خيارين ، إما تترك مصر تواجه اسرائيل وامريكا بمفردها وهو في غير صالح السوفيت ، او تساند مصر في مواجهتها هذه لكن بحذر ومراوغه حتي تخضع مصر تحت الحاجه الي التخطيط السوفيتي للمنطقه .
وابتلعت القياده السوفيتيه قرار السادات وبدأت في تهدئه وتحجيم طلبات مصر من الاسلحه والمعدات وقطع الغيار الحيويه واللازمه تواجدها .
وكانت بدايه رفض تسليم إمداد مصر الطائرة القاذفه تي يو 22 والتي كانت تستطيع من القواعد الجويه المصريه مهاجمه عمق دوله اسرائيل ، وتكرر هذا الموقف في كافه الافرع المختلفه للقوات المسلحه المصريه ، مما دعي الرئيس السادات الي زيارة الاتحاد السوفيتي ونجح في تحريك الموقف الي حد ما .
وجاء العقاب السوفيتي لمصر سريعا في الساعات الاخيرة قبل حرب اكتوبر 73 بترحيل عائلات المستشارين السوفيت يوم 4 اكتوبر ، وكان ذلك مؤشرا علي ان مصر تنوي شن الحرب قريبا .
وقد كانت هذه العائلات في اماكن بعيده تماما عن مناطق القتال ، فما هو الداعي لهذا الترحيل المفاجئ وبتلك الصورة العلنيه ؟
وجاء الجسر الجوي السوفيتي لمصر مبررا لاعلان امريكا عن جسرها الجوي لاسرائيل ، لكن جاء الجسر السوفيتي لمصر هائلا في حجمه هزيلا في محتواه ، فلم تصل مصر طوال فترة الحرب طائرة قتال واحده استعواضا للخسائر اليوميه في الطائرات ، إنما كان الامداد كله يتركز في مهمات ومعدات غير حيويه بل ووصل الامر الي ان يشمل اجهزة ومعدات طبيه .
وعند تأزم الامور بعد قرار وقف اطلاق النار يوم 22 اكتوبر والذي لم تلتزم به اسرائيل ، فقد شعر الاتحاد السوفيتي بأن الموقف المصري سيزداد سوءا بسبب الدعم الامريكي الغير محدود لاسرائيل ، فقد اصدر الاتحاد السوفيتي قرار بتجهيز فرقه جويه سوفيتيه للتحرك سريعا لنجده الموقف في مصر ، مما جعل امريكا تقوم بتصرف مماثل ، فلم يكن هناك بد من فرض وقف اطلاق النار علي اسرائيل مرة اخري .
ووضح التناقض العربي بأجلي معانيه في حرب اكتوبر بصورة تدعو الي الحيرة ويعجز العقل عن تفسيرها ، فقد قدمن ليبيا دعما رائعا لمصر في فترى التحضير للحرب ، فقد سمحت للمقاتلات المصريه ميج 21 من التدريب مع الميراج الليبي مما اكسب الطيارين المصريين خبرة كبيرة في مواجهه الطائرات الاسرائيليه من نفس النوع اثناء القتال الفعلي ، ثم قامت بدعم مصر بقوة سرب ميراج 5 بقوة 19 طائرة يقودها طيارين مصريين ووصلت تلك الطائرات الي مصر في ابريل 73 لكن بدون قطع غيار كافيه ، وظلت مصر تطلب دعم الطائرات فنيا لكن لسبب غير معروف كانت الاستجابه ضعيفه للغايه
مما جعل المهندسين المصريين يعملون بحرص وحذر شديد للاحتفاظ بالحاله الفنيه للطائرات .
وكانت المفاجئه الكبري حين ارسل الرئيس الليبي القذافي ، ضابطان من السلاح الجوي الليبي مباشرة الي قاعده طنطا الجويه يوم 9 اكتوبر 73 ( اليوم الرابع للحرب ) ومعهم رساله الي قائد السرب المصري بتجهيز الطائرات الميراج لان هناك طيارين ليبيين في الطريق الي مصر لسحب الطائرات واعادتها الي ليبيا .
وكان هذا هو الهزل بعينه في موقف لا يحتمل الا الجد ……………………….. ولا حاجه لاي تعليق .
كما ارسلت العراق سرب هوكر هنتر مقاتلات قاذفه كي يشارك في القتال مع القوات الجويه المصريه في المعركه ، ورغم كفاءه الطيارين العراقيين الا ان استخدام هذا السرب في المعركه كان بعدد قليل من الطلعات لا يتناسب من امكانيات السرب ، وذلك وسط حماس الطيارين العراقيين وتقدمهم بتضحيات عظيمه .
ولا ندري من المسئول عن هذا ، ولو قارنا هذا الموقف مع موقف السرب المصري في سوريا ( سرب البعث الخامس عشر)
والذي كان مشاركا في القتال في جبهه الجولان ، لوجدنا الوضع مختلفا ، حيث قاتل السرب المصري من اول طلعه جويه وحتي اخر يوم في الحرب مثله مثل اي سرب سوري .
العوامل السياسيه والعسكريه :
كان لهزيمه 67 الفضل في ان تتحول مصر الي ترسيخ مبدأ اهل الكفاءة بدلا من اهل الثقه ، وكان لهذا التحول مفعول السحر في استنفار قدرات شعب بأكلمه فيحول هزيمه نكراء الي نصر ساطع في خلال ست سنوات فقط .
رغم ان الشعب المصري قاتل اسرائيل ومن ورائها امريكا وبدون دعم الاتحاد السوفيتي ، وهو امر لم تقدم عليه دوله من قبل مما يجعل نصر اكتوبر 73 علامه بارزة في تاريخ الحروب ، بل ويتم تدريسه في كافه المعاهد والكليات العسكريه في العالم.
بذلت القياده السياسيه جهدا كبيرا في الاعداد والتجهيز لحرب اكتوبر 73 خاصه في الضغط علي الاتحاد السوفيتي لدعم القوات المسلحه المصريه ، وفي استقطاب الدول العربيه ودفعها الي المشاركه في الحرب ، لان مصر حين هزمت في يونيو 67 هزمت كافه الدول
العربيه رغم انها لم تشارك في الحرب .
وثبت ذلك بعد انتصار اكتوبر والذي كان يعد نصرا لكافه الدول العربيه ، لكن الجهود السياسيه لم تؤت ثمارها بالقوه المطلوبه فالاتحاد السوفيتي والدول العربيه ساهمت وشاركت في حرب اكتوبر بشكل رمزي حفظا لماء الوجه فقط .
وكان النجاح الاكبر للقياده السياسيه المصريه هو التحالف الذي تم مع القياده السياسيه والعسكريه السوريه في اعلان الحرب في وقت واحد علي اسرائيل ، وكان هذا التحالف الاستراتيجي المصري السوري يضع اسرائيل في مأزق يهدد وجودها كله .
لكن ما ان بدأت الحرب في الثانيه ظهرا يوم السادس من اكتوبر حتي ضل هذا التحالف طريقه ، وبدا ان التحضير والتنسيق المشترك للحرب بين القيادتين لن يتعدي ان يكون حبرا علي ورق ولن ينزل علي ارض الواقع .
ولن تذكر كتب التاريخ سوي ان هذا التحالف نتج عنه بدء الحرب في الثانيه ظهرا فقط .
وقد دارت احاديث وتصريحات كثيرة من الرئيسين المصري والسوري وكل منهم يحمل الاخر مسئوليه هذا التحالف
ووضح غياب التحالف المصري السوري اثناء الحرب نفسها ، فالقوات الجويه الاسرائيليه لا تستطيع بقواتها ان تهاجم مصر وسوريا في وقت واحد ، وعلي هذا فقد كانت الجبهه السوريه الاكثر تهديدا للاسرائيلين فكثفت اسرائيل هجماتها الجويه علي سوريا مع تثبيت الجبهه المصريه بهجمات محدوده .
وهنا كان علي القياده المصريه في هذه الفترة ان تدفع بأكبر عدد من طائراتها لمهاجمه المواقع الاسرائيليه مما يحدث فيها خسائر فادحه كما يصيب القوات الجويه الاسرائيليه بالارتباك والتشتت ، لكل هذا لم يحدث .
واعتقد انه لو كان التنسيق والتحالف المصري السوري تم علي مستوي قاده اللواءات الجويه المصريه السوريه لكان اتي بثمار اكثر وافضل مما اتي به التحالف الذي تم علي مستوي رؤساء الجمهوريه .
وقبل مرور عشرون ساعه علي بدء الحرب فقد قامت القياده السياسيه المصريه بموقف عجيب ، فقد ارسل الرئيس السادات صباح يوم السابع من اكتوبر رساله طويله الي هنري كسينجر وزير الخارجيه الامريكيه ، اهم ما فيها ان مصر تقوم بتلك الحرب لاقامه سلام شامل وعادل وانها – الجزء الاخطر في الرساله – مصر لا تعتزم تعميق مدي الاشتباكات او توسيع مدي المواجهه !!!!!!.
وعلامات التعجب والاستفهام هنا كثيرة جدا ، فالجيش المصري في وقت ارسال تلك الرساله لم ينجح في تحقيق مهمته الاولي بعد وكانت هي احتلال رؤس جسور بعمق 15 الي 20 كيلو متر من القناه ، حيث ان عمق قواتنا لم يكن اكثر من 3 او 4 كيلو متر في هذا الوقت ، واسرائيل لم تقم بهجمتهما المضادة الرئيسيه المتوقعه بعد ، والجيش السوري الحليف المصري لم يحقق اي نجاح !!!! فماذا سيعود علي مصر بأبلاغ امريكا مثل هذه الرساله ؟؟؟!!!! فهل ستمتنع امريكا عن دعم اسرائيل بعد ان عرفت بنوايا مصر بعد هذه الرساله ؟؟؟!!!
هذه الرساله العجيبه ترد علي من يتهمون السادات بأن حرب اكتوبر كانت تمثيليه مدبرة مع امريكا ، فمن يرتب تمثيليه مثل ما يشيعون لا يحتاج الي تلك الرساله العجيبه .
ثم في وقت لاحق تذكرت القياده السياسيه المصري التحالف مع سوريا يوم 12 اكتوبر بعد سبع ايام من القتال واصدرت اوامرها بتطوير الهجوم شرقا ليكون يوم 13 اكتوبر لتخفيف الضغط علي الجبهه السوريه التي اصبحت في موقف سئ جدا بدء من يوم العاشر من اكتوبر ، وبالحاح شديد من قيادات الجيوش وهيئه الاركان بأن تطوير الهجوم يجب التخطيط والتمهيد له جيدا حتي يؤتي ثمارة ، وان ضيق الوقت يخصم من فرص نجاحنا الكثير .
وفي النهايه قرر الرئيس السادات تأجيل تطوير الهجوم ليكون 14 اكتوبر ، وهو ما تسبب في عوامل اخري من فشل هذا التطوير.
وحيث ان القياده العسكريه هي الادري بظروف المعركه ، كان علي القياده السياسيه ان تستمع لها لانه
في ارض المعركه الرأي يكون للعسكريين وليس السياسيين .
قمات القياده العسكريه المصريه بجهد اعترف به العالم اجمع ، ومنه العدو الاسرائيلي رغم اننا لا نحتاج الي شهادته ، فلو استعرضنا ما قامت به تلك القياده ، لعرفنا حجم هذا الجهد .
ففي مجال التدريب كانت هناك مشروعات تدريبه علي كافه المستويات حتي مستوري المناورة السنويه للقوات المسلحه وفي هذا المجال سنكتفي بمثال واحد فقط وهو التدريب علي العبور لوحدات القوات المسلحه .
فقد تم انشاء ساتر ترابي مماثل لما هو موجود علي الضفه الشرقيه للقناه ، ذلك في منطقه الخطاطبه وبالتحديد علي الرياح البحيري .
فتقوم قوات مشاه بعبور الرياح وتسلق الساتر وشق الممرات به لانشاء الكباري ، ثم يعاد انشاء الساتر بعد الانتهاء من التدريب وتقوم وحده تاليه بتكرار نفس التدريب ولنا ان نتخيل حجم هذا التدريب لوحدات القوات المسلحه .
وقد انعكس ما بذل في هذا التدريب علي مستوي وكفاءة الوحدات والافراد اثناء سير المعارك ،
وبالتوازي مع التدريب كان التحضير والتخطيط لخطه العبور التي قامت علي اقتحام خطوط العدو برا وجوا بحشد وتركيز كبير مما يجعل العدو يفقد اتزانه وتفشل كل هجماته المضاده في الايام الاول وتتوغل قواتنا شرقا مسافه 15 الي 20 كيلو متر دون ان يتمكن العدو مع عمل شئ يذكر لوقف الهجوم .
وكان اختيار توقيت الهجوم وخطه الخداع للحصول علي المفاجأه ملحمه عبقريه اظهرت كفاءه العسكريه المصريه حين تتاح لها الفرصه .
وكان تحرك القوات وتنظيم عملها وهي تقدر بمئات الالوف من الجنود ، جانب اخر من الصورة المشرفه للقياده العسكريه المصريه، فأقتحام القناه بخمس فرق مشاه بأسلحه الدعم ، وان يكون لنا في اول دقائق الحرب 8000 جندي وضابط تحت مظله ضربه جويه تقدر بـ مائتي طائرة مختلفه الطرازات ومن قواعد مختلفه ومسارات مخلتقه ، فهو بالتأكيد عملا يحسب لتلك القياده العسكريه .
وبرعت القياده العسكريه في اداره المعارك البريه والجويه المتعدده علي طول الجبهه خلال الايام الاولي للحرب وفشل العدو تحقيق اي نجاح حتي يوم 9 اكتوبر واصبح لمصر قدم ثابته علي الضفه الشرقيه لقناه السويس .
ثم صدرت الاوامرمن القيادة العسكرية المصرية للوحدات و القوات شرق القناة بعمل وقفه تعبويه من يوم 10 اكتوبر وحتي الثالث عشر ، لم يتم خلالها الا صد بعض الهجمات المضاده المحدوده حتي بدأ التطوير يوم 14 اكتوبر
وهنا يثار التساؤل عن هذه الوقفه وهل كانت بتوجيه من القياده الساسيه التزاما بعدم تعميق الاشتباكات مع العدو الاسرائيلي ام كان امرا عسكريا خالصا ؟
خاصه وان هجوم الجيش السوري كان قد حقق نجاحا في اول يومين من الحرب ثم قامت اسرائيل بهجمات مضاده نجحت في وقف النجاحات السوريه ، ثم استمر الضغط علي الجيش السوري ودفعه الي الخلف مرة اخري طوال فتره العاشر الي الثالث عشر من اكتوبر ، ولا ندري اين كان التحالف المصري السوري في الموقف هذا ؟؟؟
وحيث ان قياده القوات الجويه جزء من قياده القوات المسلحه فقد سارت علي نفس النهج تماما… جهد .. عمل يفوق الخيال وبراعه في التخطيط والتنفيذ في ايام الحرب الاولي ..
ثم قرارات واعمال اثناء ادارة المعارك خاصه من بعد يوم 9 اكتوبر تثير الدهشه والتساؤل ولا ندري الاجابه عنها .
فبعد الضربه الجويه المركزة يوم 6 اكتوبرظهر مبدأ الاقتصاد في القوة الذي طغي علي كافه مبادئ الحرب من حشد وتركيز ومبادأه ومفاجأه .
فبدات القوات الجويه في تنفيذ طلعات بطائرات من 2 الي 4 طائرة وهي طلعات لا تؤدي العدف المطلوب من تدمير واحداث خسائر في مواقع العدو ومعداته .
ورغم ان معارك القتال الجوي قد درات غرب القناه ( فوق الاراضي المصريه والدلتا ) فأن العدو الاسرائيلي كان دائما متفوقا عدديا علي طائراتنا ، حتي التعزيز بطائرات مصريه كان يأتي متأخرا بعد ان تكون الطائرات الاسرائيليه قد وجهت لنا خسائر .
الطائرة الميراج 5 لها قدرات وامكانيات عاليه ، مما يجعلها عامل مؤثر في مجريات الصراع المصري الاسرائيلي وكانت مصر تملك 19 طائرة من هذا الطراز تم وضعه في سرب واحد كأحتياطي للقائد العام لا يتحرك الا بتعلميات القائد المباشرة
( الكاتب كان ضمن هذا السرب كقائد ثان له )
طوال فترة الحرب قام هذا السرب ب 23 طلعه فقط اي بمعدل طلعه واحده لكل طائرة تقريبا ، رغم ان هذا السرب نظريا يمكنه القيام ب 80 طلعه خاصه اثناء فترة الثغرة والتي تم فيها الاستعانه بطائرات الكليه الجويه من طراز ل 29 والتي تحمل 8 صواريخ مضاده للدبابات في حين ان الميراج 5 تحمل 32 صاروخ لكل طائرة .
ان هذا العرض والتحليل الموجز جدا ليس الغرض منه محاسبه اشخاص او انتقاص من قدرات قاده ادوا واجبهم بكل اخلاص
انما هو كشف وتوضيح لاهميه دور القوات الجويه المصريه في الحرب التي دارت في المنطقه ، وما يجب ان تناله من اهتمام.
يكفي قول احد قاده اسرائيل (( ان امن اسرائيل يكمن في سماء القاهرة ))
وايضا يهدف هذا التحليل الموجز توضيح الايجابيات والسلبيات التي حدثت اثناء المعارك كدروس مستفاده .
لقد كانت وستظل حرب اكتوبر 1973 شمسا ساطعه بددت ظلام احاط بمصر والامه العربيه طوال سنوات سابقه
لقد حفرت مصر وقواتها المسلحه بتلك الحرب اسمها في سجل الشرف العسكري ضاربه للعالم كله مثال الشعب العريق الذي استطاع بسواعد ابنائه وعرق ودماء شهدائه او يحول الهزيمه الي نصر عظيم يضع مصر وشعبها العريق في المكانه التي تستحقها بين الامم .
لواء طيار متقاعد .
محمد عبد المنعم زكي عكاشه
http://group73historians.com/حرب-أكتوبر/228-تحليل-موجز-لحرب-اكتوبر.html
خرجت القوات المسلحه المصريه بعد هزيمه يونيو 67 وهي في اسوأ وضع لها ، حتي ان العالم اجمع كان يشفق عليها ويرسي لحالها وانها لن تقوم لها قائمه الا بعد عشرات السنين ..
وقد قالها ديان وزير الدفاع الاسرائيلي بأنه ينتظر من سيوقع معه معاهده الاستسلام وقالها أبا ايبان وزير الخارجيه الاسرائيلي أن امامنا ثلاثون عاما حتي نلحق بهم ، لكن عندما قامت حرب اكتوبر 73 بعد ست سنوات فقط من الهزيمه فقد تغيرت اقوالهم تماما ، فقد شاهدوا وعرفوا الشعب المصري علي حقيقيته وماذا يستطيع ان يفعل .
إن الظروف التي احاطت بحرب اكتوبر 73 كانت شديده الصعوبه وبالغه التعقيد امام مصر وقواتها المسلحه ، وقد نجح المصريون في تخطي كثير من هذه الصعوبات وجانبهم التوفيق في مواقف عده ، وسنعرض هنا لهذه العوامل والظروف الدوليه السياسيه والعسكريه حتي نوضح ما قامت به مصر وقواتها المسلحه بما لها وما عليها .
العوامل الدوليه :
ثبت في الجولات الاربع السابقه أن العوامل الدوليه لها تأثير علي مجريات الصراع بين مصر وإسرائيل ، وعلي مدي خمسه وعشرون عاما سابقه علي حرب اكتوبر 73 ، فقد انتصرت في يونيو 67 بمؤامرة ودعم أمريكا لها ، وفي حرب الاستنزاف عندما تزايد الخسائر الاسرائيليه تدخلت امريكا ايضا بمبادره وليم روجرز لوقف اطلاق النار .
وبلغ الدعم الامريكي منتهاه خلال مجريات حرب 73 ، فقد فوجئت امريكا كما فوجئت اسرائيل باندلاع الحرب في الثانيه ظهرا يوم السادس من اكتوبر ، لكن الغرور والثقه المفرطه من جانب امريكا بجيش الاحتلال الإسرائيلي ، مع الاستهانه الكامله بمصر وقواتها المسلحه جعلت امريكا تنظر للحرب في اول ايامها بالقليل من الاهتمام ، لكن بدأ من اليوم الثالث للحرب وهو الثامن من الحرب ، لاحت بودار الهزيمه الاسرائيليه بنجاح مصر في عبور قناه السويس والتمركز علي الضفه الشرقيه بقوة لا يستهان بها .
فأندفعت اسرائيل تصرخ وتطالب امريكا بدعمها عسكريا بل وصل الامر الي التهديد من اسرائيل للقياده الامريكيه ، وبما ان هنري كسينجر هو المهمين علي السياسه الامريكيه في ذلك الوقت ، فقد نجح في اقناع القياده الامريكيه بأن تقف وراء اسرائيل بكل ما تستطيع ، وعلي الفور فتحت مخازن الجيش الامريكي وبدأ شحن الاسلحه والمعدات الي اسرائيل بطائرات امريكيه من طراز سي 5 ، و سي 130 .
وفي نفس التوقيت تم استعواض الخسائر الاسرائيليه في الطائرات بوصول طائرات امريكيه من طراز فانتوم جاءت بطيارين امريكان من القاعده الامريكيه في المانيا .
وبهذا استعادت القوات الجويه الاسرائيليه عافيها وكفاءتها مرة اخري في الوقت الذي كانت القوات الجويه المصريه تخسر طائرات وطيارين بدون استعواض .
ثم قامت امريكا بالدعم الصريح والواضح بتلك الطائره ( أر أس 71- بلاك بيرد ) التي قامت بأستطلاع اوضاع القوات الجويه المصريه يومي 13 و 15 اكتوبر حتي تستطيع اسرائيل التخطيط لخطوتها القادمه بناء علي معلومات دقيقه وحديثه عن اوضاع القوات المسلحه المصريه .
مثال ذلك أن تطوير الهجوم يوم 14 اكتوبر بواسطه الفرقه 21 المدرعه المصريه قد فشل ، لان اسرائيل علمت من خلال هذه الصور الجويه الملتقطه يوم 13 اكتوبر ان مصر ستقوم بتطوير الهجوم بواسطه تلك الفرقه ، كما علمت مسبقا بمكان تواجد تلك الفرقه واتجاه هجومها ، فأستعدت له الاستعداد الجيد ، وكانت النتيجه الطبيعيه هي فشل هذا التطوير .
وقد اثبت المذكرات العديده التي صدرت عن تلك الفترة ان هنري كسينجر اجل لقائه مع الرئيس السوفيتي بريجنيف 24 ساعه بالتنسيق مع جوالد مائير حتي تستطيع اسرائيل استكمال حصار الجيش الثالث المصري .
ومن جانب الاتحاد السوفيتي وهو الند الطبيعي للولايات المتحده ، فقد مكنته هزيمه 67 من التغلغل في المنطقه وبسط نفوذه علي كثير من الاحداث الجاريه ، وضح ذلك في العدد الهائل من المستشارين السوفيت الذين توغلوا في القوات المسلحه المصريه وفي القواعد الجويه وفي الاسراب الجويه السوفيتيه التي كانت تعمل تحت قياده سوفيتيه مستقله وليست تحت القياده الجويه المصريه ، وظهر هذا جليا في الاشتباك الذي وقع بين الطائرات السوفيتيه من قاعده بني سويف والطائرات الاسرائيليه في منطقه العين السخنه يوم 3 اغسطس 1970
وجاء قرار الرئيس السادات بانهاء مهمه المستشارين السوفيت في صيف 1972 صدمه للقياده السياسيه السوفيتيه فقد كانت بين خيارين ، إما تترك مصر تواجه اسرائيل وامريكا بمفردها وهو في غير صالح السوفيت ، او تساند مصر في مواجهتها هذه لكن بحذر ومراوغه حتي تخضع مصر تحت الحاجه الي التخطيط السوفيتي للمنطقه .
وابتلعت القياده السوفيتيه قرار السادات وبدأت في تهدئه وتحجيم طلبات مصر من الاسلحه والمعدات وقطع الغيار الحيويه واللازمه تواجدها .
وكانت بدايه رفض تسليم إمداد مصر الطائرة القاذفه تي يو 22 والتي كانت تستطيع من القواعد الجويه المصريه مهاجمه عمق دوله اسرائيل ، وتكرر هذا الموقف في كافه الافرع المختلفه للقوات المسلحه المصريه ، مما دعي الرئيس السادات الي زيارة الاتحاد السوفيتي ونجح في تحريك الموقف الي حد ما .
وجاء العقاب السوفيتي لمصر سريعا في الساعات الاخيرة قبل حرب اكتوبر 73 بترحيل عائلات المستشارين السوفيت يوم 4 اكتوبر ، وكان ذلك مؤشرا علي ان مصر تنوي شن الحرب قريبا .
وقد كانت هذه العائلات في اماكن بعيده تماما عن مناطق القتال ، فما هو الداعي لهذا الترحيل المفاجئ وبتلك الصورة العلنيه ؟
وجاء الجسر الجوي السوفيتي لمصر مبررا لاعلان امريكا عن جسرها الجوي لاسرائيل ، لكن جاء الجسر السوفيتي لمصر هائلا في حجمه هزيلا في محتواه ، فلم تصل مصر طوال فترة الحرب طائرة قتال واحده استعواضا للخسائر اليوميه في الطائرات ، إنما كان الامداد كله يتركز في مهمات ومعدات غير حيويه بل ووصل الامر الي ان يشمل اجهزة ومعدات طبيه .
وعند تأزم الامور بعد قرار وقف اطلاق النار يوم 22 اكتوبر والذي لم تلتزم به اسرائيل ، فقد شعر الاتحاد السوفيتي بأن الموقف المصري سيزداد سوءا بسبب الدعم الامريكي الغير محدود لاسرائيل ، فقد اصدر الاتحاد السوفيتي قرار بتجهيز فرقه جويه سوفيتيه للتحرك سريعا لنجده الموقف في مصر ، مما جعل امريكا تقوم بتصرف مماثل ، فلم يكن هناك بد من فرض وقف اطلاق النار علي اسرائيل مرة اخري .
ووضح التناقض العربي بأجلي معانيه في حرب اكتوبر بصورة تدعو الي الحيرة ويعجز العقل عن تفسيرها ، فقد قدمن ليبيا دعما رائعا لمصر في فترى التحضير للحرب ، فقد سمحت للمقاتلات المصريه ميج 21 من التدريب مع الميراج الليبي مما اكسب الطيارين المصريين خبرة كبيرة في مواجهه الطائرات الاسرائيليه من نفس النوع اثناء القتال الفعلي ، ثم قامت بدعم مصر بقوة سرب ميراج 5 بقوة 19 طائرة يقودها طيارين مصريين ووصلت تلك الطائرات الي مصر في ابريل 73 لكن بدون قطع غيار كافيه ، وظلت مصر تطلب دعم الطائرات فنيا لكن لسبب غير معروف كانت الاستجابه ضعيفه للغايه
مما جعل المهندسين المصريين يعملون بحرص وحذر شديد للاحتفاظ بالحاله الفنيه للطائرات .
وكانت المفاجئه الكبري حين ارسل الرئيس الليبي القذافي ، ضابطان من السلاح الجوي الليبي مباشرة الي قاعده طنطا الجويه يوم 9 اكتوبر 73 ( اليوم الرابع للحرب ) ومعهم رساله الي قائد السرب المصري بتجهيز الطائرات الميراج لان هناك طيارين ليبيين في الطريق الي مصر لسحب الطائرات واعادتها الي ليبيا .
وكان هذا هو الهزل بعينه في موقف لا يحتمل الا الجد ……………………….. ولا حاجه لاي تعليق .
كما ارسلت العراق سرب هوكر هنتر مقاتلات قاذفه كي يشارك في القتال مع القوات الجويه المصريه في المعركه ، ورغم كفاءه الطيارين العراقيين الا ان استخدام هذا السرب في المعركه كان بعدد قليل من الطلعات لا يتناسب من امكانيات السرب ، وذلك وسط حماس الطيارين العراقيين وتقدمهم بتضحيات عظيمه .
ولا ندري من المسئول عن هذا ، ولو قارنا هذا الموقف مع موقف السرب المصري في سوريا ( سرب البعث الخامس عشر)
والذي كان مشاركا في القتال في جبهه الجولان ، لوجدنا الوضع مختلفا ، حيث قاتل السرب المصري من اول طلعه جويه وحتي اخر يوم في الحرب مثله مثل اي سرب سوري .
العوامل السياسيه والعسكريه :
كان لهزيمه 67 الفضل في ان تتحول مصر الي ترسيخ مبدأ اهل الكفاءة بدلا من اهل الثقه ، وكان لهذا التحول مفعول السحر في استنفار قدرات شعب بأكلمه فيحول هزيمه نكراء الي نصر ساطع في خلال ست سنوات فقط .
رغم ان الشعب المصري قاتل اسرائيل ومن ورائها امريكا وبدون دعم الاتحاد السوفيتي ، وهو امر لم تقدم عليه دوله من قبل مما يجعل نصر اكتوبر 73 علامه بارزة في تاريخ الحروب ، بل ويتم تدريسه في كافه المعاهد والكليات العسكريه في العالم.
بذلت القياده السياسيه جهدا كبيرا في الاعداد والتجهيز لحرب اكتوبر 73 خاصه في الضغط علي الاتحاد السوفيتي لدعم القوات المسلحه المصريه ، وفي استقطاب الدول العربيه ودفعها الي المشاركه في الحرب ، لان مصر حين هزمت في يونيو 67 هزمت كافه الدول
العربيه رغم انها لم تشارك في الحرب .
وثبت ذلك بعد انتصار اكتوبر والذي كان يعد نصرا لكافه الدول العربيه ، لكن الجهود السياسيه لم تؤت ثمارها بالقوه المطلوبه فالاتحاد السوفيتي والدول العربيه ساهمت وشاركت في حرب اكتوبر بشكل رمزي حفظا لماء الوجه فقط .
وكان النجاح الاكبر للقياده السياسيه المصريه هو التحالف الذي تم مع القياده السياسيه والعسكريه السوريه في اعلان الحرب في وقت واحد علي اسرائيل ، وكان هذا التحالف الاستراتيجي المصري السوري يضع اسرائيل في مأزق يهدد وجودها كله .
لكن ما ان بدأت الحرب في الثانيه ظهرا يوم السادس من اكتوبر حتي ضل هذا التحالف طريقه ، وبدا ان التحضير والتنسيق المشترك للحرب بين القيادتين لن يتعدي ان يكون حبرا علي ورق ولن ينزل علي ارض الواقع .
ولن تذكر كتب التاريخ سوي ان هذا التحالف نتج عنه بدء الحرب في الثانيه ظهرا فقط .
وقد دارت احاديث وتصريحات كثيرة من الرئيسين المصري والسوري وكل منهم يحمل الاخر مسئوليه هذا التحالف
ووضح غياب التحالف المصري السوري اثناء الحرب نفسها ، فالقوات الجويه الاسرائيليه لا تستطيع بقواتها ان تهاجم مصر وسوريا في وقت واحد ، وعلي هذا فقد كانت الجبهه السوريه الاكثر تهديدا للاسرائيلين فكثفت اسرائيل هجماتها الجويه علي سوريا مع تثبيت الجبهه المصريه بهجمات محدوده .
وهنا كان علي القياده المصريه في هذه الفترة ان تدفع بأكبر عدد من طائراتها لمهاجمه المواقع الاسرائيليه مما يحدث فيها خسائر فادحه كما يصيب القوات الجويه الاسرائيليه بالارتباك والتشتت ، لكل هذا لم يحدث .
واعتقد انه لو كان التنسيق والتحالف المصري السوري تم علي مستوي قاده اللواءات الجويه المصريه السوريه لكان اتي بثمار اكثر وافضل مما اتي به التحالف الذي تم علي مستوي رؤساء الجمهوريه .
وقبل مرور عشرون ساعه علي بدء الحرب فقد قامت القياده السياسيه المصريه بموقف عجيب ، فقد ارسل الرئيس السادات صباح يوم السابع من اكتوبر رساله طويله الي هنري كسينجر وزير الخارجيه الامريكيه ، اهم ما فيها ان مصر تقوم بتلك الحرب لاقامه سلام شامل وعادل وانها – الجزء الاخطر في الرساله – مصر لا تعتزم تعميق مدي الاشتباكات او توسيع مدي المواجهه !!!!!!.
وعلامات التعجب والاستفهام هنا كثيرة جدا ، فالجيش المصري في وقت ارسال تلك الرساله لم ينجح في تحقيق مهمته الاولي بعد وكانت هي احتلال رؤس جسور بعمق 15 الي 20 كيلو متر من القناه ، حيث ان عمق قواتنا لم يكن اكثر من 3 او 4 كيلو متر في هذا الوقت ، واسرائيل لم تقم بهجمتهما المضادة الرئيسيه المتوقعه بعد ، والجيش السوري الحليف المصري لم يحقق اي نجاح !!!! فماذا سيعود علي مصر بأبلاغ امريكا مثل هذه الرساله ؟؟؟!!!! فهل ستمتنع امريكا عن دعم اسرائيل بعد ان عرفت بنوايا مصر بعد هذه الرساله ؟؟؟!!!
هذه الرساله العجيبه ترد علي من يتهمون السادات بأن حرب اكتوبر كانت تمثيليه مدبرة مع امريكا ، فمن يرتب تمثيليه مثل ما يشيعون لا يحتاج الي تلك الرساله العجيبه .
ثم في وقت لاحق تذكرت القياده السياسيه المصري التحالف مع سوريا يوم 12 اكتوبر بعد سبع ايام من القتال واصدرت اوامرها بتطوير الهجوم شرقا ليكون يوم 13 اكتوبر لتخفيف الضغط علي الجبهه السوريه التي اصبحت في موقف سئ جدا بدء من يوم العاشر من اكتوبر ، وبالحاح شديد من قيادات الجيوش وهيئه الاركان بأن تطوير الهجوم يجب التخطيط والتمهيد له جيدا حتي يؤتي ثمارة ، وان ضيق الوقت يخصم من فرص نجاحنا الكثير .
وفي النهايه قرر الرئيس السادات تأجيل تطوير الهجوم ليكون 14 اكتوبر ، وهو ما تسبب في عوامل اخري من فشل هذا التطوير.
وحيث ان القياده العسكريه هي الادري بظروف المعركه ، كان علي القياده السياسيه ان تستمع لها لانه
في ارض المعركه الرأي يكون للعسكريين وليس السياسيين .
قمات القياده العسكريه المصريه بجهد اعترف به العالم اجمع ، ومنه العدو الاسرائيلي رغم اننا لا نحتاج الي شهادته ، فلو استعرضنا ما قامت به تلك القياده ، لعرفنا حجم هذا الجهد .
ففي مجال التدريب كانت هناك مشروعات تدريبه علي كافه المستويات حتي مستوري المناورة السنويه للقوات المسلحه وفي هذا المجال سنكتفي بمثال واحد فقط وهو التدريب علي العبور لوحدات القوات المسلحه .
فقد تم انشاء ساتر ترابي مماثل لما هو موجود علي الضفه الشرقيه للقناه ، ذلك في منطقه الخطاطبه وبالتحديد علي الرياح البحيري .
فتقوم قوات مشاه بعبور الرياح وتسلق الساتر وشق الممرات به لانشاء الكباري ، ثم يعاد انشاء الساتر بعد الانتهاء من التدريب وتقوم وحده تاليه بتكرار نفس التدريب ولنا ان نتخيل حجم هذا التدريب لوحدات القوات المسلحه .
وقد انعكس ما بذل في هذا التدريب علي مستوي وكفاءة الوحدات والافراد اثناء سير المعارك ،
وبالتوازي مع التدريب كان التحضير والتخطيط لخطه العبور التي قامت علي اقتحام خطوط العدو برا وجوا بحشد وتركيز كبير مما يجعل العدو يفقد اتزانه وتفشل كل هجماته المضاده في الايام الاول وتتوغل قواتنا شرقا مسافه 15 الي 20 كيلو متر دون ان يتمكن العدو مع عمل شئ يذكر لوقف الهجوم .
وكان اختيار توقيت الهجوم وخطه الخداع للحصول علي المفاجأه ملحمه عبقريه اظهرت كفاءه العسكريه المصريه حين تتاح لها الفرصه .
وكان تحرك القوات وتنظيم عملها وهي تقدر بمئات الالوف من الجنود ، جانب اخر من الصورة المشرفه للقياده العسكريه المصريه، فأقتحام القناه بخمس فرق مشاه بأسلحه الدعم ، وان يكون لنا في اول دقائق الحرب 8000 جندي وضابط تحت مظله ضربه جويه تقدر بـ مائتي طائرة مختلفه الطرازات ومن قواعد مختلفه ومسارات مخلتقه ، فهو بالتأكيد عملا يحسب لتلك القياده العسكريه .
وبرعت القياده العسكريه في اداره المعارك البريه والجويه المتعدده علي طول الجبهه خلال الايام الاولي للحرب وفشل العدو تحقيق اي نجاح حتي يوم 9 اكتوبر واصبح لمصر قدم ثابته علي الضفه الشرقيه لقناه السويس .
ثم صدرت الاوامرمن القيادة العسكرية المصرية للوحدات و القوات شرق القناة بعمل وقفه تعبويه من يوم 10 اكتوبر وحتي الثالث عشر ، لم يتم خلالها الا صد بعض الهجمات المضاده المحدوده حتي بدأ التطوير يوم 14 اكتوبر
وهنا يثار التساؤل عن هذه الوقفه وهل كانت بتوجيه من القياده الساسيه التزاما بعدم تعميق الاشتباكات مع العدو الاسرائيلي ام كان امرا عسكريا خالصا ؟
خاصه وان هجوم الجيش السوري كان قد حقق نجاحا في اول يومين من الحرب ثم قامت اسرائيل بهجمات مضاده نجحت في وقف النجاحات السوريه ، ثم استمر الضغط علي الجيش السوري ودفعه الي الخلف مرة اخري طوال فتره العاشر الي الثالث عشر من اكتوبر ، ولا ندري اين كان التحالف المصري السوري في الموقف هذا ؟؟؟
وحيث ان قياده القوات الجويه جزء من قياده القوات المسلحه فقد سارت علي نفس النهج تماما… جهد .. عمل يفوق الخيال وبراعه في التخطيط والتنفيذ في ايام الحرب الاولي ..
ثم قرارات واعمال اثناء ادارة المعارك خاصه من بعد يوم 9 اكتوبر تثير الدهشه والتساؤل ولا ندري الاجابه عنها .
فبعد الضربه الجويه المركزة يوم 6 اكتوبرظهر مبدأ الاقتصاد في القوة الذي طغي علي كافه مبادئ الحرب من حشد وتركيز ومبادأه ومفاجأه .
فبدات القوات الجويه في تنفيذ طلعات بطائرات من 2 الي 4 طائرة وهي طلعات لا تؤدي العدف المطلوب من تدمير واحداث خسائر في مواقع العدو ومعداته .
ورغم ان معارك القتال الجوي قد درات غرب القناه ( فوق الاراضي المصريه والدلتا ) فأن العدو الاسرائيلي كان دائما متفوقا عدديا علي طائراتنا ، حتي التعزيز بطائرات مصريه كان يأتي متأخرا بعد ان تكون الطائرات الاسرائيليه قد وجهت لنا خسائر .
الطائرة الميراج 5 لها قدرات وامكانيات عاليه ، مما يجعلها عامل مؤثر في مجريات الصراع المصري الاسرائيلي وكانت مصر تملك 19 طائرة من هذا الطراز تم وضعه في سرب واحد كأحتياطي للقائد العام لا يتحرك الا بتعلميات القائد المباشرة
( الكاتب كان ضمن هذا السرب كقائد ثان له )
طوال فترة الحرب قام هذا السرب ب 23 طلعه فقط اي بمعدل طلعه واحده لكل طائرة تقريبا ، رغم ان هذا السرب نظريا يمكنه القيام ب 80 طلعه خاصه اثناء فترة الثغرة والتي تم فيها الاستعانه بطائرات الكليه الجويه من طراز ل 29 والتي تحمل 8 صواريخ مضاده للدبابات في حين ان الميراج 5 تحمل 32 صاروخ لكل طائرة .
ان هذا العرض والتحليل الموجز جدا ليس الغرض منه محاسبه اشخاص او انتقاص من قدرات قاده ادوا واجبهم بكل اخلاص
انما هو كشف وتوضيح لاهميه دور القوات الجويه المصريه في الحرب التي دارت في المنطقه ، وما يجب ان تناله من اهتمام.
يكفي قول احد قاده اسرائيل (( ان امن اسرائيل يكمن في سماء القاهرة ))
وايضا يهدف هذا التحليل الموجز توضيح الايجابيات والسلبيات التي حدثت اثناء المعارك كدروس مستفاده .
لقد كانت وستظل حرب اكتوبر 1973 شمسا ساطعه بددت ظلام احاط بمصر والامه العربيه طوال سنوات سابقه
لقد حفرت مصر وقواتها المسلحه بتلك الحرب اسمها في سجل الشرف العسكري ضاربه للعالم كله مثال الشعب العريق الذي استطاع بسواعد ابنائه وعرق ودماء شهدائه او يحول الهزيمه الي نصر عظيم يضع مصر وشعبها العريق في المكانه التي تستحقها بين الامم .
لواء طيار متقاعد .
محمد عبد المنعم زكي عكاشه
http://group73historians.com/حرب-أكتوبر/228-تحليل-موجز-لحرب-اكتوبر.html